المجموع : 207
صَرحٌ عَلى الوادي المُبارَكِ ضاحي
صَرحٌ عَلى الوادي المُبارَكِ ضاحي / مُتَظاهِرُ الأَعلامِ وَالأَوضاحِ
ضافي الجَلالَةِ كَالعَتيقِ مُفضَلٌ / ساحاتِ فَضلٍ في رِحابِ سَماحِ
وَكَأَنَّ رَفرَفَهُ رِواقٌ مِن ضُحىً / وَكَأَنَّ حائِطَهُ عَمودُ صَباحِ
الحَقُّ خَلفَ جَناحٍ اِستَذرى بِهِ / وَمَراشِدُ السُلطانِ خَلفَ جَناحِ
هُوَ هَيكَلُ الحُرِيَّةِ القاني لَهُ / ما لِلهَياكِلِ مِن فِدىً وَأَضاحِ
يَبني كَما تُبنى الخَنادِقُ في الوَغى / تَحتَ النِبالِ وَصَوبِها السَحّاحِ
يَنهارُ الاِستِبدادُ حَولَ عِراصِهِ / مِثلَ اِنهِيارِ الشِركِ حَولَ صَلاحِ
وَيُكَبُّ طاغوتُ الأُمورِ لِوَجهِهِ / مُتَحَطِّمَ الأَصنامِ وَالأَشباحِ
هُوَ ما بَنى الأَعزالُ بِالراحاتِ أَو / هُوَ ما بَنى الشُهَداءُ بِالأَرواحِ
أَخَذَتهُ مِصرُ بكُلِّ يَومٍ قاتِمٍ / وَردِ الكَواكِبِ أَحمَرِ الإِصباحِ
هَبَّت سِماحاً بِالحَياةِ شَبابُها / وَالشَيبُ بِالأَرماقِ غَيرُ شِحاحِ
وَمَشَت إِلى الخَيلِ الدَوارِعِ وَاِنبَرَت / لِلظافِرِ الشاكي بِغَيرِ سِلاحِ
وَقَفاتُ حَقٍّ لَم تَقِفها أُمَّةٌ / إِلّا اِنثَنَت آمالُها بِنَجاحِ
وَإِذا الشُعوبُ بَنَوا حَقيقَةَ مُلكِهِم / جَعَلوا المَآتِمَ حائِطَ الأَفراحِ
بُشرى إِلى الوادي تَهُزُّ نَباتَهُ / هَزَّ الرَبيعِ مَناكِبَ الأَدواحِ
تَسري مُلَمَّحَةَ الحُجولِ عَلى الرُبى / وَتَسيلُ غُرَّتُها بِكُلِّ بِطاحِ
اِلتامَتِ الأَحزابُ بَعدَ تَصَدُّعٍ / وَتَصافَتِ الأَقلامُ بَعدَ تَلاحي
سُحِبَت عَلى الأَحقادِ أَذيالُ الهَوى / وَمَشى عَلى الضِغنِ الوِدادُ الماحي
وَجَرَت أَحاديثُ العِتابِ كَأَنَّها / سَمَرٌ عَلى الأَوتارِ وَالأَقداحِ
تَرمي بِطَرفِكَ في المَجامِعِ لا تَرى / غَيرَ التَعانُقِ وَاِشتِباكِ الراحِ
شَمسَ النَهارِ تَعَلَّمي الميزانَ مِن / سَعدِ الدِيارِ وَشَيخِها النَضّاحِ
ميلي اِنظُريهِ في النَدِيِّ كَأَنَّهُ / عُثمانُ عَن أُمِّ الكِتابِ يُلاحي
كَم تاجِ تَضحِيَةٍ وَتاجِ كَرامَةٍ / لِلعَينِ حَولَ جَبينِهِ اللَمّاحِ
وَالشَيبُ مُنبَثِقٌ كَنورِ الحَقِّ مِن / فَودَيهِ أَو فَجرِ الهُدى المِنصاحِ
لَبّى أَذانَ الصُلحِ أَوَّلَ قائِمٍ / وَالصُلحُ خُمسُ قَواعِدُ الإِصلاحِ
سَبَقَ الرِجالَ مُصافِحاً وَمُعانِقاً / يُمنى السَماحِ وَهَيكَلَ الإِسحاجِ
عَدلى الجَليلِ اِبنِ الجَليلِ مِنَ المَلا / وَالماجِدِ اِبنِ الماجِدِ المِسماحِ
حُلوُ السَجِيَّةِ في قَناةٍ مُرَّةٍ / ثَمِلُ الشَمائِلِ في وَقارٍ صاحِ
شَتّى فَضائِلَ في الرِجالِ كَأَنَّها / شَتّى سِلاحٍ مِن قَنا وَصِفاحِ
فَإِذا هِيَ اِجتَمَعَت لِمُلكِ جَبهَةً / كانَت حُصونَ مَناعَةٍ وَنِطاحِ
اللَهُ أَلَّفَ لِلبِلادِ صُدورَها / مِن كُلِّ داهِيَةٍ وَكُلِّ صُراحِ
وَزُراءُ مَملَكَةٍ وَدَعائِمُ دَولَةٍ / أَعلامُ مُؤتَمَرٍ أُسودُ صَباحِ
يَبنونَ بِالدُستورِ حائِطَ مُلكِهِم / لا بِالصِفاحِ وَلا عَلى الأَرماحِ
وَجَواهِرُ التيجانِ ما لَم تُتَّخَذ / مِن مَعدِنِ الدُستورِ غَيرُ صِحاحِ
اِحتَلَّ حِصنَ الحَقِّ غَيرُ جُنودِهِ / وَتَكالَبَت أَيدٍ عَلى المِفتاحِ
ضَجَّت عَلى أَبطالِها ثُكُناتُهُ / وَاِستَوحَشَت لِكُماتِها النُزّاحِ
هُجِرَت أَرائِكُهُ وَعُطِّلَ عودُهُ / وَشَلا مِنَ الغادينَ وَالروّاحِ
وَعَلاهُ نَسجُ العَنكَبوتِ فَزادَهُ / كَالغارِ مِن شَرَفٍ وَسِمتِ صَلاحِ
قُل لِلبَنينِ مَقالَ صِدقٍ وَاِقتَصِد / ذَرعُ الشَبابِ يَضيقُ بِالنُصّاحِ
أَنتُم بَنو اليَومَ العَصيبِ نَشَأتُمو / في قَصفِ أَنواءٍ وَعَصفِ رِياحِ
وَرَأَيتُمو الوَطَنَ المُؤَلَّفَ صَخرَةً / في الحادِثاتِ وَسَيلِها المُجتاحِ
وَشَهِدتُمو صَدعَ الصُفوفِ وَما جَنى / مِن أَمرِ مُفتاتٍ وَنَهيِ وَقاحِ
صَوتُ الشُعوبِ مِنَ الزَئيرِ مُجَمَّعاً / فَإِذا تَفَرَّقَ كانَ بَعضَ نُباحِ
أَظمَتكُموُ الأَيّامُ ثُمَّ سَقَتكُمو / رَنَقاً مِنَ الإِحسانِ غَيرَ قَراحِ
وَإِذا مُنِحتَ الخَيرَ مِن مُتَكَلِّفٍ / ظَهَرَت عَلَيهِ سَجِيَّةُ المَنّاحِ
تَرَكتُكُمو مِثلَ المَهيضِ جَناحُهُ / لا في الحِبالِ وَلا طَليقَ سَراحِ
مَن صَيَّرَ الأَغلالَ زَهرَ قَلائِدٍ / وَكَسا القُيودَ مَحاسِنَ الأَوضاحِ
إِنَّ الَّتي تَبغونَ دونَ مَنالِها / طولُ اِجتِهادٍ وَاِضطِرادُ كِفاحِ
سيروا إِلَيها بِالأَناةِ طَويلَةً / إِنَّ الأَناةَ سَبيلُ كُلِّ فَلاحِ
وَخُذوا بِناءَ المُلكِ عَن دُستورِكُم / إِنَّ الشِراعَ مُثَقِّفُ المَلّاحِ
يا دارَ مَحمودٍ سَلِمتِ وَبورِكَت / أَركانُكِ الهرَمِيَّةُ الصُفّاحِ
وَاِزدَدتِ مِن حُسنِ الثَناءِ وَطيبِهِ / حَجَراً هُوَ الدُرِيُّ في الأَمداحِ
الأُمَّةُ اِنتَقَلَت إِلَيكِ كَأَنَّما / أَنزَلتِها مِن بَيتِها بِجَناحِ
بَرَكاتُ شَيخٍ بِالصَعيدِ مُحَمَّلٌ / عِبءَ السِنينَ مُؤَمَّلٍ نَفّاحِ
بِالأَمسِ جادَ عَلى القَضِيَّةِ بِاِبنِهِ / وَاليَومَ آواها بِأَكرَمَ ساحِ
سَكَنَ الزَمانُ وَلانَتِ الأَقدارُ
سَكَنَ الزَمانُ وَلانَتِ الأَقدارُ / وَلِكُلِّ أَمرٍ غايَةٌ وَقَرارُ
أَرخى الأَعِنَّةَ لِلخُطوبِ وَرَدَّها / فَلَكٌ بِكُلِّ فُجاءَةٍ دَوّارُ
يَجري بِأَمرٍ أَو يَدورُ بِضِدِّهِ / لا النَقضُ يُعجِزُهُ وَلا الإِمرارُ
هَل آذَنَتنا الحادِثاتُ بِهُدنَةٍ / وَهَل اِستَجابَ فَسالَمَ المِقدارُ
سُدِلَ السِتارُ وَهَل شَهِدتَ رِوايَةً / لَم يَعتَرِضها في الفُصولِ سِتارُ
وَجَرَت فَما اِستَولَت عَلى الأَمَدِ المُنى / وَعَدَت فَما حَوَتِ المَدى الأَوطارُ
دونَ الجَلاءِ وَدونَ يانِعِ وَردِهِ / خُطُواتُ شَعبٍ في القَتادِ تُسارُ
وَبِناءُ أَخلاقٍ عَلَيهِ مِنَ النُهى / سُوَرٌ وَمِن عِلمِ الزَمانِ إِطارُ
وَحَضارَةٌ مِن مَنطِقِ الوادي لَها / أَصلٌ وَمِن أَدَبِ البِلادِ نِجارُ
أَعمى هَوى الوَطَنِ العَزيزِ عِصابَةٌ / مُستَهتِرينَ إِلى الجَرائِمِ ساروا
يا سوءَ سُنَّتِهِم وَقُبحَ غُلُوِّهِم / إِنَّ العَقائِدَ بِالغُلُوِّ تُضارُ
وَالحَقُّ أَرفَعُ مِلَّةً وَقَضِيَّةً / مِن أَن يَكونَ رَسولُهُ الإِضرارُ
أُخِذَت بِذَنبِهِمُ البِلادُ وَأُمَّةٌ / بِالريفِ ما يَدرونَ ما السِردارُ
في فِتنَةٍ خُلِطَ البَريءُ بِغَيرِهِ / فيها وَلُطِّخَ بِالدَمِ الأَبرارُ
لَقِيَ الرِجالُ الحادِثاتِ بِصَبرِهِم / حَتّى اِنجَلَت غُمَمٌ لَها وَغِمارُ
لانوا لَها في شِدَّةٍ وَصَلابَةٍ / لَينَ الحَديدِ مَشَت عَلَيهِ النارُ
الحَقُّ أَبلَجُ وَالكِنانَةُ حُرَّةٌ / وَالعِزُّ لِلدُستورِ وَالإِكبارُ
الأَمرُ شورى لا يَعيثُ مُسَلَّطٌ / فيهِ وَلا يَطغى بِهِ جَبّارُ
إِنَّ العِنايَةَ لِلبِلادِ تَخَيَّرَت / وَالخَيرُ ما تَقضي وَما تَختارُ
عَهدٌ مِنَ الشورى الظَليلَةِ نُضِّرَت / آصالُهُ وَاِخضَلَّتِ الأَسحارُ
تَجني البِلادُ بِهِ ثِمارَ جُهودِها / وَلِكُلِّ جُهدٍ في الحَياةِ ثِمارُ
بُنيانُ آباءٍ مَشَوا بِسِلاحِهِم / وَبَنينَ لَم يَجِدوا السِلاحَ فَثاروا
فيهِ مِنَ التَلِّ المُدَرَّجِ حائِطٌ / وَمِنَ المَشانِقِ وَالسُجونِ جِدارُ
أَبَتِ التَقَيُّدَ بِالهَوى وَتَقَيَّدَت / بِالحَقِّ أَو بِالواجِبِ الأَحرارُ
في مَجلِسٍ لا مالُ مِصرَ غَنيمَةٌ / فيهِ وَلا سُلطانُ مِصرَ صِغارُ
ما لِلرِجالِ سِوى المَراشِدَ مَنهَجٌ / فيهِ وَلا غَيرَ الصَلاحِ شِعارُ
يَتَعاوَنونَ كَأَهلِ دارٍ زُلزِلَت / حَتّى تَقَرَّ وَتَطمَئِنَّ الدارُ
يُجرونَ بِالرِفقِ الأُمورَ وَفُلكَها / وَالريحُ دونَ الفُلكِ وَالإِعصارُ
وَمَعَ المُجَدِّدِ بِالأَناةِ سَلامَةٌ / وَمَعَ المُجَدِّدِ بِالجِماحِ عِثارُ
الأُمَّةُ اِئتَلَفَت وَرَصَّ بِناءَها / بانٍ زَعامَتُهُ هُدىً وَمَنارُ
أَسَدٌ وَراءَ السِنِّ مَعقودُ الحُبا / يَأبى وَيَغضَبُ لِلشَرى وَيَغارُ
كَهفُ القَضِيَّةِ لا تَنامُ نُيوبُهُ / عَنها وَلا تَتَناعَسُ الأَظفارُ
يَومَ الخَميسِ وَراءَ فَجرِكَ لِلهُدى / صُبحٌ وَلِلحَقِّ المُبينِ نَهارُ
ما أَنتَ إِلّا فارِسِيٌّ لَيلُهُ / عُرسٌ وَصَدرُ نَهارِهِ إِعذارُ
بَكَرَت تُزاحِمُ مِهرَجانِكَ أُمَّةٌ / وَتَلَفَّتَت خَلفَ الزِحامِ دِيارُ
وَرَوى مَواكِبَكَ الزَمانُ لِأَهلِهِ / وَتَنَقَّلَت بِجَلالِها الأَخبارُ
أَقبَلتَ بِالدُستورِ أَبلَجَ زاهِراً / يَفتَنُّ في قَسَماتِهِ النُظّارُ
وَذُؤابَةُ الدُنيا تَرِفُّ حَداثَةً / عَن جانِبَيهِ وَلِلزَمانِ عِذارُ
يَحمي لَفائِفَهُ وَيَحرُسُ مَهدَهُ / شَيخٌ يَذودُ وَفِتيَةٌ أَنصارُ
وَكَأَنَّهُ عيسى الهُدى في مَهدِهِ / وَكَأَنَّ سَعداً يوسُفُ النَجّارُ
التاجُ فُصِّلَ في سَمائِكَ بِالضُحى / مِنكَ الحِلى وَمِنَ الضُحى الأَنوارُ
يَكسو مِنَ الدُستورِ هامَةَ رَبِّهِ / ما لَيسَ يَكسو الفاتِحينَ الغارُ
بِالحَقِّ يَفتَحُ كُلُّ هادٍ مُصلِحٍ / ما لَيسَ يَفتَحُ بِالقَنا المِغوارُ
وَطَني لَدَيكَ وَأَنتَ سَمحٌ مُفضِلٌ / تُنسى الذُنوبُ وَتُذكَرُ الأَعذارُ
تابَ الزَمانُ إِلَيكَ مِن هَفَواتِهِ / بِوَزارَةٍ تُمحى بِها الأَوزارُ
قُل لِلرِجالِ طَغى الأَسير
قُل لِلرِجالِ طَغى الأَسير / طَيرُ الحِجالِ مَتى يَطير
أَوهى جَناحَيهِ الحَدي / دُ وَحَزَّ ساقَيهِ الحَرير
ذَهَبَ الحِجابُ بِصَبرِهِ / وَأَطالَ حَيرَتَهُ السُفور
هَل هُيِّئَت دَرَجُ السَما / ءِ لَهُ وَهَل نُصَّ الأَثير
وَهَل اِستَمَرَّ بِهِ الجَنا / حُ وَهَمَّ بِالنَهضِ الشَكير
وَسَما لِمَنزِلِهِ مِنَ الدُن / يا وَمَنزِلُهُ خَطير
وَمَتى تُساسُ بِهِ الرِيا / ضُ كَما تُساسُ بِهِ الوُكور
أَوَ كُلُّ ما عِندَ الرِجا / لِ لَهُ الخَواطِبُ وَالمُهور
وَالسِجنُ في الأَكواخِ أَو / سِجنٌ يُقالُ لَهُ القُصور
تَاللَهِ لَو أَنَّ الأَدي / مَ جَميعُهُ رَوضٌ وَنور
في كُلِّ ظِلٍّ رَبوَةٌ / وَبِكُلِّ وارِفَةٍ غَدير
وَعَلَيهِ مِن ذَهَبٍ سِيا / جٌ أَو مِنَ الياقوتِ سور
ما تَمَّ مِن دونِ السَما / ءِ لَهُ عَلى الأَرضِ الحُبور
إِنَّ السَماءَ جَديرَةٌ / بِالطَيرِ وَهوَ بِها جَدير
هِيَ سَرجُهُ المَشدودُ وَه / وَ عَلى أَعِنَّتِها أَمير
حُرِّيَّةٌ خُلِقَ الإِنا / ثُ لَها كَما خُلِقَ الذُكور
هاجَت بَناتَ الشِعرِ عَي / نٌ مِن بَناتِ النيلِ حور
لي بَينَهُنَّ وَلائِدٌ / هُم مِن سَوادِ العَينِ نور
لا الشِعرُ يَأتي في الجُما / نِ بِمِثلِهِنَّ وَلا البُحور
مِن أَجلِهِنَّ أَنا الشَفي / قُ عَلى الدُمى وَأَنا الغَيور
أَرجو وَآمَلُ أَن سَتَج / ري بِالَّذي شِئنَ الأُمور
يا قاسِمُ اُنظُر كَيفَ سا / رَ الفِكرُ وَاِنتَقلَ الشُعور
جابَت قَضَيَّتُكَ البِلا / دَ كَأَنَّها مَثَلٌ يَسير
ما الناسُ إِلّا أَوَّلٌ / يَمضي فَيَخلِفُهُ الأَخير
الفِكرُ بَينَهُما عَلى / بُعدِ المَزارِ هُوَ السَفير
هَذا البِناءُ الفَخمُ لَي / سَ أَساسُهُ إِلّا الحَفير
إِنَّ الَّتي خَلَّفتَ أَم / سِ وَما سِواكَ لَها نَصير
نَهَضَ الحَقُّ بِشَأنِها / وَسَعى لِخِدمَتِها الظَهِر
في ذِمَّةِ الفُضلى هُدى / جيلٌ إِلى هادٍ فَقير
أَقبَلنَ يَسأَلنَ الحَضا / رَةَ ما يُفيدُ وَما يُضير
ما السُبلُ بَيِّنَةٌ وَلا / كُلُّ الهُداةِ بِها بَصير
ما في كِتابِكَ طَفرَةٌ / تُنعى عَلَيكَ وَلا غُرور
هَذَّبتَهُ حَتّى اِستَقامَت / مِن خَلائِقِكَ السُطور
وَوَضَعتَهُ وَعَلِمتَ أَن / نَ حِسابَ واضِعِهِ عَسير
لَكَ في مَسائِلِهِ الكَلا / مُ العَفُّ وَالجَدَلُ الوَقور
وَلَكَ البَيانُ الجَذلُ في / أَثنائِهِ العِلمُ الغَزير
في مَطلَبٍ خَشِنٍ كَثي / رٌ في مَزالِقِهِ العُثور
ما بِالكِتابِ وَلا الحَدي / ثِ إِذا ذَكَرتَهُما نَكير
حَتّى لَنَسأَلُ هَل تَغا / رُ عَلى العَقائِدِ أَم تُغير
عُشرونَ عاماً مِن زَوا / لِكَ ما هِيَ الشَيءُ الكَثير
رُعنَ النِساءَ وَقَد يَرو / عُ المُشفِقَ الجَلَلُ اليَسير
فَنَسينَ أَنَّكَ كَالبُدو / رِ وَدونَ رِفعَتِكَ البُدور
تَفنى السِنونُ بِها وَما / آجالُها إِلّا شُهور
لَقَد اِختَلَفنا وَالمُعا / شِرُ قَد يُخالِفُهُ العَشير
في الرَأيِ ثُمَّ أَهابَ بي / وَبِكَ المُنادِمُ وَالسَمير
وَمَحا الرَواحُ إِلى مَغا / ني الوُدِّ ما اِقتَرَفَ البُكور
في الرَأيِ تَضطَغِنُ العُقو / لُ وَلَيسَ تَضطَغِنُ الصُدور
قُل لي بِعَيشِكَ أَينَ أَن / تَ وَأَينَ صاحِبُكَ الكَبير
أَينَ الإِمامُ وَأَينَ إِس / ماعيلُ وَالمَلَأُ المُنير
لَمّا نَزَلتُم في الثَرى / تاهَت عَلى الشُهُبِ القُبور
عَصرُ العَباقِرَةِ النُجو / مِ بِنورِهِ تَمشي العُصور
جِنٌّ عَلَى حَرَمِ السَماءِ أَغاروا
جِنٌّ عَلَى حَرَمِ السَماءِ أَغاروا / أَم فِتيَةٌ رَكِبوا الجَناحَ فَطاروا
مِن كُلِّ أَهوَجَ في الهَواءِ عِنانُهُ / هَوَجُ الرِياحِ وَسَرجُهُ الإِعصارُ
يَبغي حِجابَ الشَمسِ يَطلُبُ عِندَها / عِزّاً تَحَمَّلَهُ الجُدودُ وَساروا
لَم يَبقَ مِنهُ وَمِن حَضارَةِ عَهدِهِ / إِلّا صُوى مَحجوبَةٌ وَمَنارُ
وَمَقالَةُ الأَجيالِ لَم يَلحَق بِهِم / بانٍ وَلَم يُدرِكُهُمُ حَفّارُ
طَلَعوا عَلى الوادي بِرايَةِ عَصرِهِم / وَلِكُلِّ عَصرٍ رايَةٌ وَشِعارُ
اِثنانِ ثَمَّ تَرى النُسورَ كَثيرَةً / مِن كُلِّ ناحِيَةٍ لَها أَوكارُ
سِرُّ النَجاحِ وَرُكنُ حَضارَةٍ / هِمَمٌ مِنَ المُتَطَوِّعينَ كِبارُ
نُسِخَت بِأَبطالِ السَماءِ بُطولَةٌ / في الأَرضِ يوشِكُ رُكنُها يَنهارُ
هَذا زَمانٌ لا الأَعِنَّةُ مَنزِلٌ / لِلبَأسِ فيهِ وَلا الأَسِنَّةُ دارُ
ما البَأسُ إِلّا مِن جَناحَي خاطِفٍ / في البَرِّ وَالبَحرِ اِسمُهُ الطَيّارُ
أَتُرى السَلامَةُ في السَماءِ وَظِلِّها / أَم بِالسَماءِ يَصولُ الاِستِعمارُ
حَرَمُ الهُدى وَالحَقُّ ريعَ جَلالُهُ / وَغَدا وَراحَ بِجانِبَيهِ دَمارُ
يا جائِبَ الصَحراءِ مِلءُ سَرابِها / غَرَرٌ وَمِلءُ تُرابِها أَخطارُ
يَكفيكَ مِن هِمَمِ الشَجاعَةِ لَيلَةٌ / لَكَ مِن غَوائِلِها خَلَت وَنَهارُ
لَمّا اِعتَمَدتَ عَلى الجَناحِ تَلَفَّتَت / بيدٌ وَقَلَّبَتِ العُيونَ قِفارُ
في كُلِّ صَحراءٍ وَكُلِّ تَنوفَةٍ / أَرضٌ عَلَيكَ مِنَ السَماءِ تَغارُ
حَسَنَينُ لَو لَم يَعذِروكَ لبادَرَت / لَكَ مِن لِسانِ جِراحِكَ الأَعذارُ
لِلَّهِ سَرجُكَ في السَماءِ فَإِنَّهُ / سَرجُ الأَهِلَّةِ ما عَلَيهِ غُبارُ
عَرَضَ الخُسوفُ لَهُ فَما أَزرى بِهِ / ما في الخُسوفِ عَلى الأَهِلَّةِ عارُ
أَوَ لَم تَطَءُ أَرضَ السَماءِ وَلَم تَدُر / حَيثُ الشُموسُ تَدورُ وَالأَقمارُ
أَلقى أَبو الفاروقِ نَحوَكَ بالَهُ / وَتَشاغَلَت بِكَ أُمَّةٌ وَدِيارُ
مَلِكٌ رُحِمتَ بِقُربِهِ وَجِوارِهِ / حَتّى كَأَنَّكَ لِلعِنايَةِ جارُ
نُصِبَ السُرادِقُ وَالمَطارُ وَحَلَّقَت / في الجَوِّ تَلمَسُ شَخصَكَ الأَبصارُ
فَلَمَستَ أَقضِيَةِ السَماءِ وَأَسفَرَت / حَتّى نَظَرَت وُجوهَها الأَقدارُ
قَدَرٌ عَلى يُمنى يَدَيهِ سَلامَةٌ / لَكَ حَيثُ مِلتَ وَفي السَماءِ عِثارُ
فَإِذا سَقَطتَ عَلى حَديدٍ مُضرَمٍ / صَدَفَ الحَديدُ وَلَم تَنَلكَ النارُ
ماذا لَقيتَ مِنَ النَجائِبِ كُلِّها / قُل لي أَعِندَكَ لِلنَجائِبِ ثارُ
هَذي تَعَثَّرُ في الزِمامِ وَتِلكَ لا / تَمضي وَأُخرى في السُلوكِ تَحارُ
فَشَلٌ يُعَظَّمُ كَالنَجاحِ عَلَيهِ مِن / شَرَفِ الجُروحِ وَنورِهِنَّ فَخارُ
لَو لَم يَكُن قَتلى وَجَرحى في الوَغى / لَم يَعلُ هامَ الظافِرينَ الغارُ
شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ
شَيَّعتُ أَحلامي بِقَلبٍ باكِ / وَلَمَحتُ مِن طُرُقِ المِلاحِ شِباكي
وَرَجَعتُ أَدراجَ الشَبابِ وَوَردِهِ / أَمشي مَكانَهُما عَلى الأَشواكِ
وَبِجانِبي واهٍ كَأنَّ خُفوقَهُ / لَمّا تَلَفَّتَ جَهشَةُ المُتَباكي
شاكي السِلاحِ إِذا خَلا بِضُلوعِهِ / فَإِذا أُهيبَ بِهِ فَلَيسَ بِشاكِ
قَد راعَهُ أَنّي طَوَيتُ حَبائِلي / مِن بَعدِ طولِ تَناوُلٍ وَفِكاكِ
وَيحَ اِبنِ جَنبي كُلُّ غايَةِ لَذَّةٍ / بَعدَ الشَبابِ عَزيزَةُ الإِدراكِ
لَم تُبقِ مِنّا يا فُؤادُ بَقِيَّةً / لِفُتُوَّةٍ أَو فَضلَةٌ لِعِراكِ
كُنّا إِذا صَفَّقتَ نَستَبِقُ الهَوى / وَنَشُدُّ شَدَّ العُصبَةِ الفُتّاكِ
وَاليَومَ تَبعَثُ فِيَّ حينَ تَهَزُّني / ما يَبعَثُ الناقوسُ في النُسّاكِ
يا جارَةَ الوادي طَرِبتُ وَعاوَدَني / ما يُشبِهُ الأَحلامَ مِن ذِكراكِ
مَثَّلتُ في الذِكرى هَواكِ وَفي الكَرى / وَالذِكرَياتُ صَدى السِنينِ الحاكي
وَلَقَد مَرَرتُ عَلى الرِياضِ بِرَبوَةٍ / غَنّاءَ كُنتُ حِيالَها أَلقاكِ
ضَحِكَت إِلَيَّ وُجوهُها وَعُيونُها / وَوَجَدتُ في أَنفاسِها رَيّاكِ
فَذَهبتُ في الأَيّامِ أَذكُرُ رَفرَفاً / بَينَ الجَداوِلِ وَالعُيونِ حَواكِ
أَذَكَرتِ هَروَلَةَ الصَبابَةِ وَالهَوى / لَمّا خَطَرتِ يُقَبِّلانِ خُطاكِ
لَم أَدرِ ماطيبُ العِناقِ عَلى الهَوى / حَتّى تَرَفَّقَ ساعِدي فَطواكِ
وَتَأَوَّدَت أَعطافُ بانِكِ في يَدي / وَاِحمَرَّ مِن خَفرَيهِما خَدّاكِ
وَدَخَلتُ في لَيلَينِ فَرعِكِ وَالدُجى / وَلَثَمتُ كَالصُبحِ المُنَوِّرِ فاكِ
وَوَجدتُ في كُنهِ الجَوانِحِ نَشوَةً / مِن طيبِ فيكِ وَمِن سُلافِ لَماكِ
وَتَعَطَّلَت لُغَةُ الكَلامِ وَخاطَبَت / عَينَيَّ في لُغَةِ الهَوى عَيناكِ
وَمَحَوتُ كُلَّ لُبانَةٍ مِن خاطِري / وَنَسيتُ كُلَّ تَعاتُبٍ وَتَشاكي
لا أَمسَ مِن عُمرِ الزَمانِ وَلا غَدٌ / جُمِعَ الزَمانُ فَكانَ يَومَ رِضاكِ
لُبنانُ رَدَّتني إِلَيكَ مِنَ النَوى / أَقدارُ سَيرٍ لِلحَياةِ دَراكِ
جَمَعَت نَزيلَي ظَهرِها مِن فُرقَةٍ / كُرَةٌ وَراءَ صَوالِجِ الأَفلاكِ
نَمشي عَلَيها فَوقَ كُلِّ فُجاءَةٍ / كَالطَيرِ فَوقَ مَكامِنِ الأَشراكِ
وَلَو أَنَّ بِالشَوقُ المَزارُ وَجَدتَني / مُلقى الرِحالِ عَلى ثَراكِ الذاكي
بِنتَ البِقاعِ وَأُمَّ بَردونِيَّها / طيبي كَجِلَّقَ وَاِسكُبي بَرداكِ
وَدِمَشقُ جَنّاتُ النَعيمِ وَإِنَّما / أَلفَيتُ سُدَّةَ عَدنِهِنَّ رُباكِ
قَسَماً لَوِ اِنتَمَتِ الجَداوِلُ وَالرُبا / لَتَهَلَّلَ الفِردَوسُ ثُمَّ نَماكِ
مَرآكِ مَرآهُ وَعَينُكِ عَينُهُ / لِم يا زُحَيلَةُ لا يَكونُ أَباكِ
تِلكَ الكُرومُ بَقِيَّةٌ مِن بابِلٍ / هَيهاتَ نَسيَ البابِلِيِّ جَناكِ
تُبدي كَوَشيِ الفُرسِ أَفتَنَ صِبغَةٍ / لِلناظِرينَ إِلى أَلَذِّ حِياكِ
خَرَزاتِ مِسكٍ أَو عُقودَ الكَهرَبا / أودِعنَ كافوراً مِنَ الأَسلاكِ
فَكَّرتُ في لَبَنِ الجِنانِ وَخَمرِها / لَمّا رَأَيتُ الماءَ مَسَّ طِلاكِ
لَم أَنسَ مِن هِبَةِ الزَمانِ عَشِيَّةً / سَلَفَت بِظِلِّكِ وَاِنقَضَت بِذَراكِ
كُنتِ العَروسَ عَلى مَنَصَّةِ جِنحِها / لُبنانُ في الوَشيِ الكَريمِ جَلاكِ
يَمشي إِلَيكِ اللَحظُ في الديباجِ أَو / في العاجِ مِن أَيِّ الشِعابِ أَتاكِ
ضَمَّت ذِراعَيها الطَبيعَةُ رِقَّةً / صِنّينَ وَالحَرَمونَ فَاِحتَضَناكِ
وَالبَدرُ في ثَبَجِ السَماءِ مُنَوِّرٌ / سالَت حُلاهُ عَلى الثَرى وَحُلاكِ
وَالنَيِّراتُ مِنَ السَحابِ مُطِلَّةٌ / كَالغيدِ مِن سِترٍ وَمِن شُبّاكِ
وَكَأَنَّ كُلَّ ذُؤابَةٍ مِن شاهِقٍ / رُكنُ المَجرَّةِ أَو جِدارُ سِماكِ
سَكَنَت نَواحي اللَيلِ إِلّا أَنَّةً / في الأَيكِ أَو وَتَراً شَجِيَ حِراكِ
شَرَفاً عَروسَ الأَرزِ كُلُّ خَريدَةٍ / تَحتَ السَماءِ مِنَ البِلادِ فِداكِ
رَكَزَ البَيانُ عَلى ذَراكِ لِوائَهُ / وَمَشى مُلوكُ الشِعرِ في مَغناكِ
أُدَباؤُكِ الزُهرُ الشُموسُ وَلا أَرى / أَرضاً تَمَخَّضُ بِالشُموسِ سِواكِ
مِن كُلِّ أَروَعَ عِلمُهُ في شِعرِهِ / وَيَراعُهُ مِن خُلقِهِ بِمَلاكِ
جَمعَ القَصائِدَ مِن رُباكِ وَرُبَّما / سَرَقَ الشَمائِلَ مِن نَسيمِ صَباكِ
موسى بِبابِكِ في المَكارِمِ وَالعُلا / وَعَصاهُ في سِحرِ البَيانِ عَصاكِ
أَحلَلتِ شِعري مِنكِ في عُليا الذُرا / وَجَمَعتِهِ بِرِوايَةِ الأَملاكِ
إِن تُكرِمي يا زَحلُ شِعري إِنَّني / أَنكَرتُ كُلَّ قَصيدَةٍ إِلّاكِ
أَنتِ الخَيالُ بَديعُهُ وَغَريبُهُ / اللَهُ صاغَكِ وَالزَمانُ رَواكِ
في مِهرَجانِ الحَقِّ أَو يَومَ الدَمِ
في مِهرَجانِ الحَقِّ أَو يَومَ الدَمِ / مُهَجٌ مِنَ الشُهَداءِ لَم تَتَكَلَّمِ
يَبدو عَلى هاتورَ نورُ دِمائِها / كَدَمِ الحُسَينِ عَلى هِلالِ مُحَرَّمِ
يَومُ الجِهادِ كَصَدرِ نَهارِهِ / مُتَمايِلُ الأَعطافِ مُبتَسِمُ الفَمِ
طَلَعَت تَحُجُّ البَيتَ فيهِ كَأَنَّها / زُهرُ المَلائِكِ في سَماءِ المَوسِمِ
لِم لا تُطِلُّ مِنَ السَماءِ وَإِنَّما / بَينَ السَحابِ قُبورُها وَالأَنجُمِ
وَلَقَد شَجاها الغائِبونَ وَراعَها / ما حَلَّ بِالبَيتِ المُضيءِ المُظلِمِ
وَإِذا نَظَرتَ إِلى الحَياةِ وَجَدتَها / عُرساً أُقيمَ عَلى جَوانِبِ مَأتَمِ
لا بُدَّ لِلحُرِيَّةِ الحَمراءِ مِن / سَلوى تُرَقِدُ جُرحَها كَالبَلسَمِ
وَتَبَسُّمٍ يَعلو أَسِرَّتِها كَما / يَعلو فَمَ الثَكلى وَثَغرَ الأَيِّمِ
يَومَ البُطولَةِ لَو شَهَدتُ نَهارَهُ / لَنَظَمتُ لِلأَجيالِ ما لَم يُنظَمِ
غَنَت حَقيقَتُهُ وَفاتَ جَمالُها / باعَ الخَيالِ العَبقَرِيِّ المُلهَمِ
لَولا عَوادي النَفيِ أَو عَقَباتُهُ / وَالنَفيُ حالٌ مِن عَذابِ جَهَنَّمِ
لَجَمَعتُ أَلوانَ الحَوادِثِ صورَةً / مَثَّلتُ فيها صورَةَ المُستَسلِمِ
وَحَكَيتُ فيها النيلَ كاظِمَ غَيظِهِ / وَحَكَيتُهُ مُتَغَيِّظاً لَم يَكظِمِ
دَعَتِ البِلادَ إِلى الغِمارِ فَغامَرَت / وَطَنِيَّةٌ بِمُثَقَّفٍ وَمُعَلِّمِ
ثارَت عَلى الحامي العَتيدِ وَأَقسَمَت / بِسِواهُ جَلَّ جَلالُهُ لا تَحتَمي
نَثرَ الكِنانَةَ رَبُّها وَتَخَيَّرَت / يَدُهُ لِنُصرَتِها ثَلاثَةَ أَسهُمِ
مِن كُلِّ أَعزَلَ حَقُّهُ بِيَمينِهِ / كَالسَيفِ في يُمنى الكَمِيِّ المُعلَمِ
لَم يُحجِموا في ساعَةٍ قَد أَظفَرَت / مَلِكَ البِحارِ بِكُلِّ قَيصَرَ مُحجِمِ
وَقَفوا مَطِيَّهُمو بِسُلَّمِ قَصرِهِ / وَالبَأسُ وَالسُلطانُ دونَ السُلَّمِ
وَتَقَدَّموا حَتّى إِذا ما بَلَّغوا / أَوحوا إِلى مِصرَ الفَتاةِ تَقَدَّمي
سالَت مِنَ الغابِ الشُبولُ غَلابِها / لَبَنُ اللُباةِ وَهاجَ عِرقُ الضَيغَمِ
يَومَ النِضالِ كَسَتكَ لَونَ جَمالِها / حُرِيَّةٌ صَبَغَت أَديمَكَ بِالدَمِ
أَصبَحتَ مِن غُرَرِ الزَمانِ وَأَصبَحَت / ضَحِكَت أَسِرَّةُ وَجهِكَ المُتَجَهِّمِ
وَلَقَد يَتَمتَ فَكُنتَ أَعظَمَ رَوعَةً / يا لَيتَ مِن سَعدِ الحِمى لَم تَيتَمِ
لِيَنَم أَبو الأَشبالِ مِلءَ جُفونِهِ / لَيسَ الشُبولُ عَنِ العَرينِ بِنُوَّمِ
مَن ظَنَّ بَعدَكَ أَن يَقولَ رِثاءَ
مَن ظَنَّ بَعدَكَ أَن يَقولَ رِثاءَ / فَليَرثِ مِن هَذا الوَرى مَن شاءَ
فَجَعَ المَكارِمَ فاجِعٌ في رَبِّها / وَالمَجدَ في بانيهِ وَالعَلياءَ
وَنَعى النُعاةُ إِلى المُروءَةِ كَنزَها / وَإِلى الفَضائِلِ نَجمَها الوَضّاءَ
أَأَبا مُحَمَّدٍ اِتَّئِد في ذا النَوى / وَاِرفُق بِآلِكَ وَاِرحَمِ الأَبناءَ
وَاِستَبقِ عِزَهُم بِطَهراءَ الَّتي / كانوا النُجومَ بِها وَكُنتَ سَماءَ
أَدجى بِها لَيلُ الخُطوبِ وَطالَما / مُلِأَت مَنازِلُها سَنىً وَسَناءَ
وَإِذا سُلَيمانَ اِستَقَلَّ مَحَلَّةً / كانَت بِساطاً لِلنَدى وَرَجاءَ
فَاِنظُر مِنَ الأَعوادِ حَولَكَ هَل تَرى / مِن بَعدِ طِبِّكَ لِلعُفاةِ دَواءَ
سارَت جَنازَةُ كُلِّ فَضلٍ في الوَرى / لَمّا رَكِبتَ الآلَةَ الحَدباءَ
وَتَيَتَّمَ الأَيتامُ أَوَّلَ مَرَّةٍ / وَرَمى الزَمانُ بِصَرفِهِ الفُقَراءَ
وَلَقَد عَهِدتُكَ لا تُضَيِّعُ راجِياً / وَاليَومَ ضاعَ الكُلُّ فيكَ رَجاءَ
وَعَلِمتُ أَنَّكَ مَن يَوَدُّ وَمَن يَفي / فَقِفِ الغَداةَ لَوِ اِستَطَعتَ وَفاءَ
وَذَكَرتُ سَعيَكَ لي مَريضاً فانِياً / فَجَعَلتُ سَعيِيَ بِالرِثاءِ جَزاءَ
وَالمَرءُ يُذكَرُ بِالجَمائِلِ بَعدَهُ / فَاِرفَع لِذِكرِكَ بِالجَميلِ بِناءَ
وَاِعلَم بِأَنَّكَ سَوفَ تُذكَرُ مَرَّةً / فَيُقالُ أَحسَنَ أَو يُقالُ أَساءَ
يا أَيُّها الناعي أَبا الوُزَراءِ
يا أَيُّها الناعي أَبا الوُزَراءِ / هَذا أَوانُ جَلائِلِ الأَنباءِ
حُثَّ البَريدَ مَشارِقاً وَمَغارِباً / وَاِركَب جَناحَ البَرقِ في الأَرجاءِ
وَاِستَبكِ هَذا الناسَ دَمعاً أَو دَماً / فَاليَومُ يَومُ مَدامِعٍ وَدِماءِ
لَم تَنعَ لِلأَحياءِ غَيرَ ذَخيرَةٍ / وَلَّت وَغَيرَ بَقِيَّةِ الكُبَراءِ
رُزءُ البَرِيَّةِ في الوَزيرِ زِيادَةٌ / فيما أَلَمَّ بِها مِنَ الأَرزاءِ
ذَهَبَت عَلى أَثَرِ المُشَيَّعِ دَولَةٌ / بِرِجالِها وَكَرائِمِ الأَشياءِ
نُدمانُ إِسماعيلَ في آثارِهِ / ذَهَبوا وَتِلكَ صُبابَةُ النُدَماءِ
وُلِدوا عَلى راحِ العُلا وَتَرَعرَعوا / في نِعمَةِ الأَملاكِ وَالأُمَراءِ
أَودى الرَدى بِمُهذَّبٍ لا تَنتَهي / إِلّا إِلَيهِ شَمائِلُ الرُؤَساءِ
صافي الأَديمِ أَغَرَّ أَبلَجَ لَم يَزِد / في الشَيبِ غَيرَ جَلالَةٍ وَرُواءِ
مُتَجَنِّبِ الخُيَلاءِ إِلّا عِزَّةً / في العِزِّ حُسنٌ لَيسَ في الخُيَلاءِ
عَفِّ السَرائِرِ وَالمَلاحِظِ وَالخُطا / نَزِهِ الخَلائِقِ طاهِرِ الأَهواءِ
مُتَدَرِّعٍ صبرَ الكِرامِ عَلى الأَذى / إِنَّ الكِرامَ مَشاغِلُ السُفَهاءِ
نَقَموا عَلَيهِ رَأيَهُ وَصَنيعَهُ / وَالحُكمُ لِلتاريخِ في الآراءِ
وَالرَأيُ إِن أَخلَصتَ فيهِ سَريرَةً / مِثلُ العَقيدَةِ فَوقَ كُلِّ مِراءِ
وَإِذا الرِجالُ عَلى الأُمورِ تَعاقَبوا / كَشَفَ الزَمانُ مَواقِفَ النُظَراءِ
يا أَيُّها الشَيخُ الكَريمُ تَحِيَّةً / أَندى لِقَبرِكَ مِن زُلالِ الماءِ
هَذا المَصيرُ أَكانَ طولَ سَلامَةٍ / أَم لَم يَكُن إِلّا قَليلَ بَقاءِ
ماذا اِنتِفاعُكِ بِاللَيالي بَعدَ ما / مَرَّت بِكَ السَبعونَ مَرَّ عِشاءِ
أَو بِالحَياةِ وَقَد مَشى في صَفوِها / عادي السِنينَ وَعاثَ عادي الداءِ
مَن لَم يُطَبِّبهُ الشَبابُ فِداؤُهُ / حَتّى يُغَيِّبَهُ بِغَيرِ دَواءِ
قَسَماتُ وَجهِكَ في التُرابِ ذَخائِرٌ / مِن عِفَّةٍ وَتَكَرُّمٍ وَحَياءِ
وَلَكَم أَغارُ عَلى مُحَيّا ماجِدٍ / وَطَوى مَحاسِنَ مَسمَحٍ مِعطاءِ
كَم مَوقِفٍ صَعبٍ عَلى مَن قامَهُ / ذَلَّلتَهُ وَنَهَضتَ بِالأَعباءِ
كِبرُ الغَضَنفَرِ يَومَ ذَلِكَ زادَهُ / مِن نَخوَةٍ وَحَمِيَّةٍ وَإِباءِ
مَن يَكذِبِ التاريخَ يَكذِبُ رَبَّهُ / وَيُسيءُ لِلأَمواتِ وَالأَحياءِ
السِلمُ لَو لَم تودِ أَمسِ بِجُرحِها / أَودَت بِهَذي الطَعنَةِ النَجلاءِ
لَو أُخِّرَت في العَيشِ بَعدَكَ ساعَةً / لَبَكَت عَلَيكَ بِمَدمَعِ الخَنساءِ
اِنفُض غُبارَكَ عَنكَ وَاِنظُر هَل تَرى / إِلّا غُبارَ كَتيبَةٍ وَلِواءِ
يا وَيحَ وَجهِ الأَرضِ أَصبَحَ مَأتَماً / بَعدَ الفَوارِسِ مِن بَني حَوّاءِ
مِن ذائِدٍ عَن حَوضِهِ أَو زائِدٍ / في مُلكِهِ مِن صَولَةٍ وَثَراءِ
أَو مانِعٍ جاراً يُناضِلُ دونَهُ / أَو حافِظٍ لِعُهودِهِ ميفاءِ
يَتَقاذَفونَ بِذاتِ هَولٍ لَم تَهَب / حَرَمَ المَسيحِ وَلا حِمى العَذراءِ
مِن مُحدَثاتِ العِلمِ إِلّا أَنَّها / إِثمٌ عَواقِبُها عَلى العُلَماءِ
لَهَفي عَلى رُكنِ الشُيوخِ مُهَدَّما / وَالحامِلاتِ الثُكلَ وَاليُتَماءِ
وَعَلى الشَبابِ بِكُلِّ أَرضٍ مَصرَعٌ / لَهُمُ وَهُلكٌ تَحتَ كُلِّ سَماءِ
خَرَجوا إِلى الأَوطانِ مِن أَرواحِهِم / كَرَمٌ يَليقُ بِهِم وَمَحضُ سَخاءِ
مِن كُلِّ بانٍ بِالمَنِيَّةِ في الصِبا / لَم يَتَّخِذ عِرساً سِوى الهَيجاءِ
المُرضِعاتُ سَكَبنَ في وِجدانِهِ / حُبَّ الدِيارِ وَبِغضَةَ الأَعداءِ
وَقَرَّرنَ في أُذُنَيهِ يَومَ فِطامِهِ / أَنَّ الدِماءَ مُهورَةُ العَلياءِ
أَأَبا البَناتِ رُزِقتَهُنَّ كَرائِماً / وَرُزِقتُ في أَصهارِكَ الكُرَماءِ
لا تَذهَبَنَّ عَلى الذُكورِ بِحَسرَةٍ / الذِكرُ نِعمَ سُلالَةُ العُظَماءِ
وَأَرى بُناةَ المَجدِ يَثلِمُ مَجدَهُم / ما خَلَّفوا مِن طالِحٍ وَغُثاءِ
إِنَّ البَناتَ ذَخائِرٌ مِن رَحمَةٍ / وَكُنوزُ حُبٍّ صادِقٍ وَوَفاءِ
وَالساهِراتُ لِعِلَّةٍ أَو كَبرَةٍ / وَالصابِراتُ لِشِدَّةٍ وَبَلاءِ
وَالباكِياتُكَ حينَ يَنقَطِعُ البُكا / وَالزائِراتُكَ في العَراءِ الناءِ
وَالذاكِراتُكَ ما حَيِينَ تَحَدُّثاً / بِسَوالِفِ الحُرُماتِ وَاللَآلاءِ
بِالأَمسِ عَزّاهُنَّ فيكَ عَقائِلٌ / وَاليَومَ جامَلَهُنَّ فيكَ رِثائي
أَبيكَ ما الدُنيا سِوى مَعروفِها / وَالبِرَّ كُلُّ صَنيعَةٍ بِجَزاءِ
أَجَزِعنَ أَن يَجري عَلَيهِنَّ الَّذي / مِن قَبلِهِنَّ جَرى عَلى الزَهراءِ
عُذراً لَهُنَّ إِذا ذَهَبنَ مَعَ الأَسى / وَطَلَبنَ عِندَ الدَمعِ بَعضَ عَزاءِ
ما كُلُّ ذي وَلَدٍ يُسَمّى والِداً / كَم مِن أَبٍ كَالصَخرَةِ الصَمّاءِ
هَبهُنَّ في عَقلِ الرِجالِ وَحِلمِهِم / أَقُلوبُهُنَّ سِوى قُلوبُ نِساءِ
اِجعَل رِثاءَكَ لِلرِجالِ جَزاءَ
اِجعَل رِثاءَكَ لِلرِجالِ جَزاءَ / وَاِبعَثهُ لِلوَطَنِ الحَزينِ عَزاءَ
إِنَّ الدِيارَ تُريقُ ماءَ شُؤونِها / كَالأُمَّهاتِ وَتَندُبُ الأَبناءَ
ثُكلُ الرِجالِ مِنَ البَنينِ وَإِنَّما / ثُكلُ المَمالِكِ فَقدُها العُلَماءَ
يَجزَعنَ لِلعَلَمِ الكَبيرِ إِذا هَوى / جَزَعَ الكَتائِبِ قَد فَقَدنَ لِواءَ
عَلَمُ الشَريعَةِ أَدرَكَتهُ شَريعَةٌ / لِلمَوتِ يَنظِمُ حُكمُها الأَحياءَ
عانى قَضاءَ الأَرضِ عِلمَ مُحَصِّلٍ / وَاَليَومَ عالَجَ لِلسَماءِ قَضاءَ
وَمَضى وَفيهِ مِنَ الشَبابِ بَقِيَّةٌ / لِلنَفعِ أَرجى ما تَكونُ بَقاءَ
إِنَّ الشَبابَ يُحَبُّ جَمّاً حافِلاً / وَتُحَبُّ أَيّامُ الشَبابِ مِلاءَ
بِالأَمسِ كانَت لِاِبنِ هَيفٍ غَضبَةٌ / لِلحَقِّ نَذكُرُها يَداً بيضاءَ
مَشَتِ البِلادُ إِلى رِسالَةِ مِلنَرٍ / وَتَحَفَّزَت أَرضاً لَها وَسَماءَ
فَلَمَحتُ أَعرَجَ في زَوايا الحَقِّ لَم / أَعلَم عَلَيهِ ذِمَّةً عَرجاءَ
اِرتَدَّتِ العاهاتُ عَن أَخلاقِهِ / لِسُمُوِّهِنَّ وَحَلَّتِ الأَعضاءَ
عَطَفَتهُ عَطفَ القَوسِ يَومَ رِمايَةٍ / وَثَنَتهُ كَالماضي فَزادَ مَضاءَ
لَمّا رَأى التَقريرَ يَنفُثُ سُمَّهُ / سَبَقَ الحُواةَ فَأَخرَجَ الرَقطاءَ
هَتَكَ الحِمايَةَ وَالرِجالَ وَراءَها / يَتَلَمَّسونَ لَها السُتورَ رِياءَ
ما قَبَّحوا بِالصُبحِ مِن أَشباحِها / راحوا إِلَيكَ فَحَسَّنوهُ مَساءَ
يا قَيِّمَ الدارِ الَّتي قَد أَخرَجَت / لِلمُدلِجينَ مَنارَةً زَهراءَ
وَتَرى لَدَيها الوارِدينَ فَلا تَرى / إِلّا ظِماءً يَنزِلونَ رَواءَ
وَتُجالِسُ العُلَماءَ في حُجُراتِها / وَتُسامِرُ الحُكَماءَ وَالشُعَراءَ
تَكفيكَ شَيطانَ الفَراغِ وَتَعتَني / بِالجاهِلينَ تَرُدُّهُم عُقَلاءَ
دارُ الذَخائِرِ كُنتَ أَكمَلَ كُتبِها / مَجموعَةٌ وَأَتَمَّها أَجزاءَ
لَمّا خَلَت مِن كِنزِ عِلمِكَ أَصبَحَت / مِن كُلِّ أَعلاقِ الكُنوزِ خَلاءَ
هَزَّ الشَبابُ إِلى رَثائِكَ خاطِري / فَوَجَدتَ فِيَّ وَفي الشَبابِ وَفاءَ
عَبدَ الحَميدِ أَلا أُسِرُّكَ حادِثاً / يَكسو عِظامَكَ في البِلى السَرّاءَ
قُم مِن صُفوفِ الحَقِّ تلقَ كَتيبَةً / مَلمومَةً وَتَرَ الصُفوفَ سَواءَ
وَتَرَ الكِنانَةِ شيبَها وَشَبابَها / دونَ القَضِيَةِ عُرضَةً وَفِداءَ
جَمَعَ السَلامُ الصُحفَ مِن غاراتِها / وَتَأَلَّفَ الأَحزابَ وَالزُعَماءَ
في كُلِّ وُجدانٍ وَكُلِّ سَريرَةٍ / خَلَفَ الوِدادُ الحِقدَ وَالبَغضاءَ
وَغَدا إِلى دينِ العَشيرَةِ يَنتَهي / مَن خالَفَ الأَعمامَ وَالآباءَ
لا يَحجِبونَ عَلى تجَنّيهِم وَلا / يَجِدونَ إِلّا الصَفحَ وَالإِغضاءَ
وَالأَهلُ لا أَهلاً بِحَبلِ وَلائِهِم / حَتّى تَراهُم بَينَهُم رُحَماءُ
كَذَبَ المُريبُ يَقولُ بَعدَ غَدٍ لَنا / خُلفٌ يُعيدُ وَيُبدِئُ الشَحناءَ
قَلبي يُحَدِّثُني وَلَيسَ بِخائِني / إِنَّ العُقولَ سَتَقهَرُ الأَهواءَ
يا سَعدُ قَد جَرَتِ الأُمورُ لِغايَةٍ / اللَهُ هَيَّأَها لَنا ما شاءَ
سُبحانَهُ جَمَعَ القُلوبَ مِنَ الهَوى / شَتّى وَقَوّى حَولَهُ الضُعَفاءَ
الفُلكُ بَعدَ العُسرِ يُسِّرَ أَمرُها / وَاِستَقبَلَت ريحَ الأُمورِ رُخاءَ
وَتَأَهَّبَت بِكَ تَستَعِدُّ لِزاخِرٍ / تَطَأُ العَواصِفَ فيهِ وَالأَنواءَ
رَجَعَت بِراكِبِها إِلى رُبّانِها / تُلقي الرَجاءَ عَلَيهِ وَالأَعباءَ
فَاِشدُد بِأَربابِ النُهى سُكّانَها / وَاِجعَل مِلاكَ شِراعِها الأَكفاءَ
مَن ذا الَّذي يَختارُ أَهلَ الفَضلِ أَو / يَزِنُ الرِجالَ إِذا اِختِيارُكَ ناءَ
أَخرِج لِأَبناءِ الحَضارَةِ مَجلِساً / يُبقي عَلى اِسمِكَ في العُصورِ ثَناءَ
بَيتٌ عَلى أَرضِ الهُدى وَسَمائِهِ
بَيتٌ عَلى أَرضِ الهُدى وَسَمائِهِ / الحَقُّ حائِطُهُ وَأُسُّ بِنائِهِ
الفَتحُ مِن أَعلامِهِ وَالطُهرُ مِن / أَوصافِهِ وَالقُدسُ مِن أَسمائِهِ
تَحنو مَناكِبُهُ عَلى شُعَبِ الهُدى / وَتُطِلُّ سُدَّتُهُ عَلى سينائِهِ
مَن ذا يُنازِعُنا مَقالِدَ بابِهِ / وَجَلالَ سُدَّتِهِ وَطُهرَ فِنائِهِ
وَمُحَمَّدٌ صَلّى عَلى جَنَباتِهِ / وَاِستَقبَلَ السَمَحاتِ في أَرجائِهِ
وَاليَومَ ضَمَّ الناسَ مَأتَمُ أَرضِهِ / وَحَوى المَلائِكَ مِهرَجانُ سَمائِهِ
يا قُدسُ هَيِّئ مِن رِياضِكَ رَبوَةً / لِنَزيلِ تُربِكَ وَاِحتَفِل بِلِقائِهِ
هُوَ مِن سُيوفِ اللَهِ جَلَّ جَلالُهُ / أَو مِن سُيوفِ الهِندِ عِندَ قَضائِهِ
فَتَحَ النَبِيُّ لَهُ مَناخَ بُراقِهِ / وَمَعارِجَ التَشريفِ مِن إِسرائِهِ
بَطَلٌ حُقوقُ الشَرقِ مِن أَحمالِهِ / وَقَضِيَّةُ الإِسلامِ مِن أَعبائِهِ
لَم تُنسِهِ الهِندُ العَزيزَةُ رِقَّةً / لِلشَرقِ أَو سَهَراً عَلى أَشيائِهِ
وَقِباؤُهُ نَسجُ الهُنودِ فَهَل تُرى / دَفَنوا الزَعيمَ مُكَفَّناً بِقَبائِهِ
النيلُ يَذكُرُ في الحَوادِثِ صَوتَهُ / وَالتُركُ لا يَنسونَ صِدقَ بَلائِهِ
قُل لِلزَعيمِ مُحَمَّدٍ نَزَلَ الأَسى / بِالنيلِ وَاِستَولى عَلى بَطحائِهِ
فَمَشى إِلَيكَ بِجَفنِهِ وَبِدَمعِهِ / وَإِلى أَخيكَ بِقَلبِهِ وَعَزائِهِ
اِجتَزتَهُ فَحواكَ في أَطرافِهِ / وَلَوِ اِنتَظَرتَ حَواكَ في أَحشائِهِ
وَلَقَد تَعَوَّدَ أَن تَمُرَّ بِأَرضِهِ / مَرَّ الغَمامِ بِظِلِّهِ وَبِمائِهِ
نَم في جِوارِ اللَهِ ما بِكَ غُربَةٌ / في ظِلِّ بَيتٍ أَنتَ مِن أَبنائِهِ
الفَتحُ وَهوَ قَضِيَّةٌ قُدسِيَّةٌ / يا طالَما ناضَلتَ دونَ لِوائِهِ
أَفتى بِدَفنِكَ عِندَ سَيِّدَةِ القُرى / مُفتٍ أَرادَ اللَهَ مِن إِفتائِهِ
بَلَدٌ بَنوهُ الأَكرَمونَ قُصورُهُم / وَقُبورُهُم وَقفٌ عَلى نُزَلائِهِ
قَد عِشتَ تَنصُرُهُ وَتَمنَحُ أَهلَهُ / عَوناً فَكَيفَ تَكونُ مِن غُرَبائِهِ
رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ
رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ / يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ / توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ
ما ضَرَّ لَو جَعَلوا العَلاقَةَ في غَدٍ / بَينَ الشُعوبِ مَوَدَّةً وَإِخاءَ
جُرحٌ يَصيحُ عَلى المَدى وَضَحِيَّةٌ / تَتَلَمَّسُ الحُرِّيَةَ الحَمراءَ
يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا / يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ
تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ / أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ
وَقُبورُ مَوتى مِن شَبابِ أُمَيَّةٍ / وَكُهولِهِم لَم يَبرَحوا أَحياءَ
لَو لاذَ بِالجَوزاءِ مِنهُم مَعقِلٌ / دَخَلوا عَلى أَبراجِها الجَوزاءَ
فَتَحوا الشَمالَ سُهولَهُ وَجِبالَهُ / وَتَوَغَّلوا فَاِستَعمَروا الخَضراءَ
وَبَنَوا حَضارَتَهُم فَطاوَلَ رُكنُها / دارَ السَلامِ وَجِلَّقَ الشَمّاءَ
خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى / لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما / لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ
إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها / ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ
وَالمُسلِمونَ عَلى اِختِلافِ دِيارِهِم / لا يَملُكونَ مَعَ المُصابِ عَزاءَ
وَالجاهِلِيَّةُ مِن وَراءِ قُبورِهِم / يَبكونَ زيدَ الخَيلِ وَالفَلحاءَ
في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ / جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ
لَم تُبقِ مِنهُ رَحى الوَقائِعِ أَعظُماً / تَبلى وَلَم تُبقِ الرِماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ / باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ
بَطَلُ البَداوَةِ لَم يَكُن يَغزو عَلى / تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجواءَ
لَكِن أَخو خَيلٍ حَمى صَهَواتِها / وَأَدارَ مِن أَعرافِها الهَيجاءَ
لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ / لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ
وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ / سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ
شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر / كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ
وَأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرّائِها / فَتَغَيَّرَت فَتَوَقَّعَ الضَرّاءَ
الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى / في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ
وَأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقلَ حَديدِهِ / أَسَدٌ يُجَرِّرُ حَيَّةً رَقطاءَ
عَضَّت بِساقَيهِ القُيودُ فَلَم يَنُؤ / وَمَشَت بِهَيكَلِهِ السُنونَ فَناءَ
تِسعونَ لَو رَكِبَت مَناكِبَ شاهِقٍ / لَتَرَجَّلَت هَضَباتُهُ إِعياءَ
خَفِيَت عَنِ القاضي وَفاتَ نَصيبُها / مِن رِفقِ جُندٍ قادَةً نُبَلاءَ
وَالسُنُّ تَعصِفُ كُلَّ قَلبِ مُهَذَّبٍ / عَرَفَ الجُدودَ وَأَدرَكَ الآباءَ
دَفَعوا إِلى الجَلّادِ أَغلَبَ ماجِداً / يَأسو الجِراحَ وَيُعَتِقُ الأُسَراءَ
وَيُشاطِرُ الأَقرانَ ذُخرَ سِلاحِهِ / وَيَصُفُّ حَولَ خِوانِهِ الأَعداءَ
وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّةً / لِلَّيثِ يَلفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ
حَرَموا المَماتَ عَلى الصَوارِمِ وَالقَنا / مَن كانَ يُعطي الطَعنَةَ النَجلاءَ
إِنّي رَأَيتُ يَدَ الحَضارَةِ أولِعَت / بِالحَقِّ هَدماً تارَةً وَبِناءَ
شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم / إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ
يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ / فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ
أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت / أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ
ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ / فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ
وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى / وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ
قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي
قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي / يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ
لَكِن سَبَقتَ وَكُلُّ طولِ سَلامَةٍ / قَدَرٌ وَكُلُّ مَنِيَّةٍ بِقَضاءِ
الحَقُّ نادى فَاِستَجَبتَ وَلَم تَزَل / بِالحَقِّ تَحفِلُ عِندَ كُلِّ نِداءِ
وَأَتَيتَ صَحراءَ الإِمامِ تَذوبُ مِن / طولِ الحَنينِ لِساكِنِ الصَحراءِ
فَلَقيتَ في الدارِ الإِمامَ مُحَمَّداً / في زُمرَةِ الأَبرارِ وَالحُنَفاءِ
أَثَرُ النَعيمِ عَلى كَريمِ جَبينِهِ / وَمَراشِدُ التَفسيرِ وَالإِفتاءِ
فَشَكَوتُما الشَوقَ القَديمَ وَذُقتُما / طيبَ التَداني بَعدَ طولِ تَنائي
إِن كانَتِ الأُولى مَنازِلَ فِرقَةٍ / فَالسَمحَةُ الأُخرى دِيارُ لِقاءِ
وَدِدتُ لَو أَنّي فِداكَ مِنَ الرَدى / وَالكاذِبونَ المُرجِفونَ فِدائي
الناطِقونَ عَنِ الضَغينَةِ وَالهَوى / الموغِرو المَوتى عَلى الأَحياءِ
مِن كُلِّ هَدّامٍ وَيَبني مَجدَهُ / بِكَرائِمِ الأَنقاضِ وَالأُشَلاءِ
ما حَطَّموكَ وَإِنَّما بِكَ حُطِّموا / مَن ذا يُحَطِّمُ رَفرَفَ الجَوزاءِ
أُنظُرُهُ فَأَنتَ كَأَمسِ شَأنُكَ باذِخٌ / في الشَرقِ وَاِسمُكَ أَرفَعُ الأَسماءِ
بِالأَمسِ قَد حَلَّيتَني بِقَصيدَةٍ / غَرّاءَ تَحفَظُ كَاليَدِ البَيضاءِ
غيظَ الحَسودُ لَها وَقُمتُ بِشُكرِها / وَكَما عَلِمتَ مَوَدَّتي وَوَفائي
في مَحفَلٍ بَشَّرتُ آمالي بِهِ / لَمّا رَفَعتَ إِلى السَماءِ لِوائي
يا مانِحَ السودانِ شَرخَ شَبابِهِ / وَوَلِيَّهُ في السِلمِ وَالهَيجاءِ
لَمّا نَزَلتَ عَلى خَمائِلِهِ ثَوى / نَبعُ البَيانِ وَراءَ نَبعِ الماءِ
قَلَّدتَهُ السَيفَ الحُسامَ وَزُدتَهُ / قَلَماً كَصَدرِ الصَعدَةِ السَمراءِ
قَلَمٌ جَرى الحِقَبَ الطِوالَ فَما جَرى / يَوماً بِفاحِشَةٍ وَلا بِهِجاءِ
يَكسو بِمِدحَتِهِ الكِرامَ جَلالَةً / وَيُشَيِّعُ المَوتى بِحُسنِ ثَناءِ
إِسكَندَرِيَّةُ يا عَروسَ الماءِ / وَخَميلَةَ الحُكَماءِ وَالشُعَراءِ
نَشَأَت بِشاطِئِكَ الفُنونُ جَميلَةً / وَتَرَعرَعَت بِسَمائِكِ الزَهراءِ
جاءَتكِ كَالطَيرِ الكَريمِ غَرائِباً / فَجَمَعتِها كَالرَبوَةِ الغَنّاءِ
قَد جَمَّلوكِ فَصِرتِ زَنبَقَةَ الثَرى / لِلوافِدينَ وَدُرَّةَ الدَأماءِ
غَرَسوا رُباكِ عَلى خَمائِلِ بابِلٍ / وَبَنَوا قُصورَكِ في سَنا الحَمراءِ
وَاِستَحدَثوا طُرقاً مُنَوَّرَةَ الهُدى / كَسَبيلِ عيسى في فِجاجِ الماءِ
فَخُذي كَأَمسِ مِنَ الثَقافَةِ زينَةً / وَتَجَمَّلي بِشَبابِكِ النُجَباءِ
وَتَقَلَّدي لُغَةَ الكِتابِ فَإِنَّها / حَجَرُ البِناءِ وَعُدَّةُ الإِنشاءِ
بَنَتِ الحَضارَةَ مَرَّتَينِ وَمَهَّدَت / لِلمُلكِ في بَغدادَ وَالفَيحاءِ
وَسَمَت بِقُرطُبَةَ وَمِصرَ فَحَلَّتا / بَينَ المَمالِكِ ذِروَةَ العَلياءِ
ماذا حَشَدتِ مِنَ الدُموع لِحافِظٍ / وَذَخَرتِ مِن حُزنٍ لَهُ وَبُكاءِ
وَوَجدتِ مِن وَقعِ البَلاءِ بِفَقدِهِ / إِنَّ البَلاءَ مَصارِعُ العُظَماءِ
اللَهُ يَشهَدُ قَد وَفيتِ سَخِيَّةً / بِالدَمعِ غَيرَ بَخيلَةِ الخُطَباءِ
وَأَخَذتِ قِسطاً مِن مَناحَةِ ماجِدٍ / جَمِّ المَآثِرِ طَيِّبِ الأَنباءِ
هَتَفَ الرُواةُ الحاضِرونَ بِشِعرِهِ / وَحَذا بِهِ البادونَ في البَيداءِ
لُبنانُ يَبكيهِ وَتَبكي الضادُ مِن / حَلَبٍ إِلى الفَيحاءِ إِلى صَنعاءِ
عَرَبُ الوَفاءِ وَفَوا بِذِمَّةِ شاعِرٍ / باني الصُفوفِ مُؤَلَّفِ الأَجزاءِ
يا حافِظَ الفُصحى وَحارِسَ مَجدِها / وَإِمامَ مَن نَجَلَت مِنَ البُلَغاءِ
ما زِلتَ تَهتِفُ بِالقَديمِ وَفَضلِهِ / حَتّى حَمَيتَ أَمانَةَ القُدَماءِ
جَدَّدتَ أُسلوبَ الوَليدِ وَلَفظِهِ / وَأَتَيتَ لِلدُنيا بِسِحرِ الطاءِ
وَجَرَيتَ في طَلَبِ الجَديدِ إِلى المَدى / حَتّى اِقتَرَنتَ بِصاحِبِ البُؤَساءِ
ماذا وَراءَ المَوتِ مِن سَلوى وَمِن / دَعَةٍ وَمِن كَرَمٍ وَمِن إِغضاءِ
اِشرَح حَقائِقَ ما رَأَيتَ وَلَم تَزَل / أَهلاً لِشَرحِ حَقائِقِ الأَشياءِ
رُتَبُ الشَجاعَةِ في الرِجالِ جَلائِلٌ / وَأَجَلُّهُنَّ شَجاعَةُ الآراءِ
كَم ضِقتَ ذَرعاً بِالحَياةِ وَكَيدِها / وَهَتفتَ بِالشَكوى مِنَ الضَرّاءِ
فَهَلُمَّ فارِق يَأسَ نَفسِكَ ساعَةً / وَاِطلُع عَلى الوادي شُعاعَ رَجاءِ
وَأَشِر إِلى الدُنيا بِوَجهٍ ضاحِكٍ / خُلِقَت أَسِرَّتُهُ مِنَ السَرّاءِ
يا طالَما مَلَأَ النَدِيَّ بَشاشَةً / وَهَدى إِلَيكَ حَوائِجَ الفُقَراءِ
اليَومَ هادَنتَ الحَوادِثَ فَاِطَّرِح / عِبءَ السِنينِ وَأَلقِ عِبءَ الداءِ
خَلَّفتَ في الدُنيا بَياناً خالِداً / وَتَرَكتَ أَجيالاً مِنَ الأَبناءِ
وَغَداً سَيَذكُرُكَ الزَمانُ وَلَم يَزَل / لِلدَهرِ إِنصافٌ وَحُسنُ جَزاءِ
ضَرَبوا القِبابَ عَلى اليَبابِ
ضَرَبوا القِبابَ عَلى اليَبابِ / وَثَوَوا إِلى يَومِ الحِسابِ
هَمَدوا وَكُلُّ مُحَرَّكٍ / يَوماً سَيَسكُنُ في التُرابِ
نَزَلوا عَلى ذِئبِ البِلى / فَتَضَيَّفوا شَرَّ الذِئابِ
وَكَأَنَّهُم صَرعى كَرى / بِالقاعِ أَو صَرعى شَرابِ
فَإِذا صَحَوا وَتَنَبَّهوا / فَاللَهُ أَعلَمُ بِالمَآبِ
مِن كُلِّ مُنقَضِّ الوُفو / دِ هُناكَ مَهجورِ الجَنابِ
مَوروثِ كُلَّ مَضِنَّةٍ / إِلّا الذَخيرَةِ مِن ثَوابِ
يا نائِحاتِ مُحَمَّدٍ / نُحتُنَّهُ غَضَّ الإِهابِ
في مَأتَمٍ لَم تَخلُ في / هِ المَكرُماتُ مِن اِنتِحابِ
تَبكي الكَريمَ عَلى العَشي / رَةِ وَالحَبيبَ إِلى الصِحابِ
حَسبُ الحِمامِ دُموعُكُن / نَ المُستَهِلَّةُ مِن عِتابِ
فَاِرجِعنَ فيهِ لِحِكمَةٍ / أَو جِئنَ فيهِ إِلى اِحتِسابِ
في العالَمِ الفاني مَصي / رُ العالَمينَ إِلى ذَهابِ
مَن سارَ لَم يَثنِ العِنا / نَ وَمَن أَقامَ إِلى اِقتِرابِ
يا وارِثَ الحَسَبِ الصَمي / مِ وَكاسِبَ الأَدَبِ اللُبابِ
وَاِبنَ الَّذي عَلِمَ الرِجا / لُ حَيائَهُ مِن كُلِّ عابِ
وَكَأَنَّهُ في كُتبِهِ / عُثمانُ في ظِلِّ الكِتابِ
ماذا نَقَمتَ مِنَ الشَبابِ / وَأَنتَ في نِعَمِ الشَبابِ
مُتَحَلِّياً هِبَةَ النُبو / غِ مُطَوَّقَ المِنَحِ الرِغابِ
وَلِمَ التَرَحُّلُ عَن حَيا / ةٍ أَنتَ مِنها في رِكابِ
لَم تَعدُ شاطِئَها وَلَم / تَبلُغ إِلى ثَبَجِ العُبابِ
رِفقاً عَلى مَحزونَةِ ال / أَبياتِ موحِشَةِ الحِجابِ
فَقَدتُكَ في العُمرِ الطَري / رِ وَفي زَها الدُنيا الكِعابِ
تَبكي وَتَندُبُ إِلفَها / بَينَ الأَفانينِ الرِطابِ
وَاِنظُر أَباكَ وَثُكلَهُ / وَرُزوحَهُ تَحتَ المُصابِ
لَو كانَ يَملُكُ سِرَّ يو / شَعَ رَدَّ شَمسَكَ مِن غِيابِ
أَعَلِمتَ غَيرَكَ مِن جَلا التَم / ثيلِ في جُدُدِ الثِيابِ
وَكَسا غَرائِبَ جِدِّهِ / حُلَلاً مِنَ الهَزلِ العُجابِ
مُتَمَيِّزاً حينَ التَمَيُّ / زُ لَيسَ مِن أَرَبِ الشَبابِ
أُفُقُ العُلا كُنتَ الشِها / بَ عَلَيهِ وَلا ذَنَبَ الشِهابِ
يا رُبَّ يَومٍ ضاقَ ذَر / عُكَ فيهِ بِالحُسُدِ الغِضابِ
سَعهُم فَأَنتَ جَمَعتُهُمُ / الشَهدُ مائِدَةُ الذُبابِ
خُذ مِنهُمُ نَقدَ العَفا / فِ وَدَع لَهُم نَقدَ السِبابِ
دونَ النُبوغِ وَأَوجِهِ / ما لا تَعُدُّ مِنَ الصِعابِ
فَإِذا بَلَغتَ الأَوجَ كُن / تَ الشَمسَ تَهزَءُ بِالضَبابِ
لا تَبعُدَنَّ فَهَذِهِ / آمالُ قَومِكَ في اِقتِرابِ
اِشرُف بِروحِكَ فَوقَهُم / مَلَكاً يُرَفرِفُ في السَحابِ
وَاِنظُر بِعَينٍ نُزِّهَت / عَن زُخرُفِ الدُنيا الكِذابِ
تَرَ مِن لِداتِكَ أُمَّةً / كَسَتِ الدِيارَ جَلالَ غابِ
أُسدٌ تَجولُ بِغَيرِ ظُف / رٍ أَو تَصولُ بِغَيرِ نابِ
جَعَلوا الثَباتَ سِلاحَهُم / نِعمَ السِلاحُ مَعَ الصَوابِ
أَمّا الأُمورُ فَإِنَّها / بَلَغَت إِلى فَصلِ الخِطابِ
فَإِذا مَلَكتَ تَوَجُّهاً / لِلَّهِ في قُدسِ الرِحابِ
سَل فاتِحَ الأَبوابِ يَف / تَح لِلكِنانَةِ خَيرَ بابِ
أَرَأَيتَ زَينَ العابِدينَ مُجَهَّزاً
أَرَأَيتَ زَينَ العابِدينَ مُجَهَّزاً / نَقَلوهُ نَقلَ الوَردِ مِن مِحرابِه
مِن دارِ تَوأَمِهِ وَصِنوِ حَياتِهِ / وَالأَوَّلِ المَألوفِ مِن أَترابِه
ساروا بِهِ مِن باطِلِ الدُنيا إِلى / بُحبوحَةِ الحَقِّ المُبينِ وَغابِه
وَمَضَوا بِهِ لِسَبيلِ آدَمَ قَبلَهُ / وَمَصايِرِ الأَقوامِ مِن أَعقابِه
تَحنو السَماءُ عَلى زَكِيِّ سَريرِهِ / وَيَمَسُّ جيدَ الأَرضِ طيبُ رِكابِه
وَتَطيبُ هامُ الحامِلينَ وَراحُهُم / مِن طيبِ مَحمَلِهِ وَطيبِ ثِيابِه
وَكَأَنَّ مِصرَ بِجانِبَيهِ رَبَوَةٌ / آذارُ آذَنَها بِوَشكِ ذَهابِه
وَيَكادُ مِن طَرَبٍ لِعادَتِهِ النَدى / يَنسَلُّ لِلفُقَراءِ مِن أَثوابِه
الطَيبُ اِبنُ الطَيِّبينَ وَرُبَّما / نَضَحَ الفَتى فَأَبانَ عَن أَحسابِه
وَالمُؤمِنُ المَعصومُ في أَخلاقِهِ / مِن كُلِّ شائِنَةٍ وَفي آدابِه
أَبَداً يَراهُ اللَهُ في غَلَسِ الدُجى / مِن صَحنِ مَسجِدِهِ وَحَولِ كِتابِه
وَيَرى اليَتامى لائِذينَ بِظِلِّهِ / وَيَرى الأَرامِلَ يَعتَصِمنَ بِبابِه
وَيَراهُ قَد أَدّى الحُقوقَ جَميعَها / لَم يَنسَ مِنها غَيرَ حَقِّ شَبابِه
أَدّى مِنَ المَعروفِ حِصَّةَ أَهلِهِ / وَقَضى مِنَ الأَحسابِ حَقَّ صِحابِه
مَهويشُ أَينَ أَبوك هَل ذَهَبوا بِهِ / لِمَ لَم يَعُد أَيّانَ يَومُ إِيابِه
قَد وَكَّلَ اللَهُ الكَريمَ وَعَينَهُ / بِكِ فَاِحسِبيهِ عَلى كَريمِ رِحابِه
وَدَعى البُكا يَكفيهِ ما حَمَّلتِهِ / مِن دَمعِكِ الشاكي وَمِن تَسكابِه
وَلَقَد شَرِبتِ بِحادِثٍ يا طالَما / شَرِبَت بَناتُ العالَمينَ بِصابِه
كُلُّ اِمرِئٍ غادٍ عَلى عُوّادِهِ / وَسُؤالِهِم ما حالُهُ ماذا بِه
وَالمَرءُ في طَلَبِ الحَياةِ طَويلَةً / وَخُطى المَنِيَّةِ مِن وَراءِ طِلابِه
في بِرِّ عَمِّكِ ما يَقومُ مَكانَهُ / في عَطفِهِ وَحَنانِهِ وَدِعابِه
إِسكَندَرِيَّةُ كَيفَ صَبرُكِ عَن فَتىً / الصَبرُ لَم يُخلَق لِمِثلِ مُصابِه
عَطِلَت سَماؤُكِ مِن بَريقِ سَحابِها / وَخَبا فَضاؤُكِ مِن شُعاعِ شِهابِه
زَينُ الشَبابِ قَضى وَلَم تَتَزَوَّدي / مِنهُ وَلَم تَتَمَتَّعي بِقَرابِه
قَد نابَ عَنكِ فَكانَ أَصدَقَ نائِبٍ / وَالشَعبُ يَهوى الصِدقَ في نُوّابِه
أَعَلِمتِهِ اِتَّخَذَ الأَمانَةَ مَرَّةً / سَبَباً يُبَلِّغُهُ إِلى آرابِه
لَو عاشَ كانَ مُؤَمَّلاً لِمَواقِفٍ / يَرجو لَها الوادي كِرامَ شَبابِه
يَجلو عَلى الأَلبابِ هِمَّةَ فِكرِهِ / وَيُناوِلُ الأَسماعَ سِحرَ خِطابِه
وَيَفي كَدَيدَنِهِ بِحَقٍّ بِلادِهِ / وَيَفي بِعَهدِ المُسلِمينَ كَدابِه
تَقواكَ إِسماعيلُ كُلُّ عَلاقَةٍ / سَيَبُتُّها الدَهرُ العَضوضُ بِنابِه
إِنَّ الَّذي ذُقتَ العَشِيَّةَ فَقدَهُ / بِتَّ اللَيالي موجَعاً لِعَذابِه
فارَقتَ صِنوَكَ مَرَتَينِ فَلاقِهِ / في عالَمِ الذِكرى وَبَينَ شِعابِه
مِن عادَةِ الذِكرى تَرُدُّ مِنَ النَوى / مَن لا يَدَينِ لَنا بِطَيِّ غِيابِه
حُلُمٌ كَأَحلامِ الكَرى وَسِناتِهِ / مُستَعذَبٌ في صِدقِهِ وَكِذابِه
اِسكُب دُموعَكَ لا أَقولُ اِستَبقِها / فَأَخو الهَوى يَبكي عَلى أَحبابِه
ضَجَّت لِمَصرَعِ غالِبٍ
ضَجَّت لِمَصرَعِ غالِبٍ / في الأَرضِ مَملَكَةُ النَباتِ
أَمسَت بِتيجانٍ عَلَي / هِ مِنَ الحِدادِ مُنَكَّساتِ
قامَت عَلى ساقٍ لِغَي / بَتِهِ وَأَقعَدَتِ الجِهاتِ
في مَأتَمٍ تَلقى الطَبيعَ / ةَ فيهِ بَينَ النائِحاتِ
وَتَرى نُجومَ الأَرضِ مِن / جَزَعٍ مَوائِدَ كاسِفاتِ
وَالزَهرُ في أَكمامِهِ / يَبكي بِدَمعِ الغادِياتِ
وَشَقائِقُ النُعمانِ آ / بَت بِالخُدودِ مُخَمَّشاتِ
أَمّا مُصابُ الطِبِّ في / هِ فَسَل بِهِ مَلَأَ الأُساةِ
أَودى الحِمامُ بِشَيخِهِم / وَمَآبِهِم في المُعضِلاتِ
مُلقي الدُروسَ المُسفِرا / تِ عَنِ الغُروسِ المُثمِراتِ
قَد كانَ حَربَ الظُلمِ حَر / بَ الجَهلِ حَربَ التُرَّهاتِ
وَالمُسَتضاءُ بِنورِهِ / في الخافِياتِ المُظلِماتِ
عَلَمُ الوَرى في عِلمِهِ / في الغَربِ مُغتَرِبُ الرُفاتِ
قَد كانَ فيهِ مَحَلَّ إِج / لالِ الجَهابِذَةِ الثِقاتِ
وَمُمَثِلَ المِصرِيِّ في / حَظِّ الشُعوبِ مِنَ الهِباتِ
قُل لِلمُريبِ إِلَيكَ لا / تَأخُذ عَلى الحُرِّ الهَناتِ
إِنَّ النَوابِغَ أَهلَ بَد / رٍ ما لَهُم مِن سَيِّئاتِ
هُم في عُلا الوَطَنِ الأَدا / ةُ فَلا تَحُطَّ مِنَ الأَداةِ
وَهُمُ الأُلى جَمَعوا الضَما / ئِرَ وَالعَزائِمَ مِن شَتاتِ
لَهُمُ التَجِلَّةُ في الحَيا / ةِ وَفَوقَ ذَلِكَ في المَماتِ
عُثمانُ قُم تَرَ آيَةً / اللَهُ أَحيا المومِياتِ
خَرَجَت بَنينَ مِنَ الثَرى / وَتَحَرَّكَت مِنهُ بَناتِ
وَاِسمَع بِمِصرَ الهاتِفي / نَ بِمَجدِها وَالهاتِفاتِ
وَالطالِبينَ لِحَقِّها / بَينَ السَكينَةِ وَالثَباتِ
وَالجاعِليها قِبلَةً / عِندَ التَرَنُّمِ وَالصَلاةِ
لاقَوا أُبُوَّتَهُم / غُرِّ المَناقِبِ وَالصِفاتِ
حَتّى الشَبابُ تَراهُمُ / غَلَبوا الشُيوخَ عَلى الأَناةِ
وَزَنوا الرِجالَ فَكانَ ما / أَعطَوا عَلى قَدَرِ الزِناتِ
قُل لِلمَغاليطِ في الحَقا / ئِقِ حاضِرٍ مِنها وَآتِ
الفُكرُ جاءَ رَسولُهُ / وَأَتى بِإِحدى المُعجِزاتِ
عيسى الشُعورِ إِذا مَشى / رَدَّ الشُعوبَ إِلى الحَياةِ
طُوِيَ البِساطُ وَجَفَّتِ الأَقداحُ
طُوِيَ البِساطُ وَجَفَّتِ الأَقداحُ / وَغَدَت عَواطِلٌ بَعدَكَ الأَفراحُ
وَاِنفَضَّ نادٍ بِالشَآمِ وَسامِرٌ / في مِصرَ أَنتَ هَزارُهُ الصَدّاحُ
وَتَقَوَّضَت لِلفَنِّ أَطوَلُ سَرحَةٍ / يُغدى إِلى أَفيائِها وَيُراحُ
وَاللَهِ ما أَدري وَأَنتَ وَحيدُهُ / أَعَلَيهِ يُبكى أَم عَلَيكَ يُناحُ
إِسحاقُ ماتَ فَلا صَبوحَ وَمَعبَدٌ / أَودى فَلَيسَ مَعَ الغَبوقِ فَلاحُ
مَلِكُ الغِناءِ أَزالَهُ عَن تَختِهِ / قَدَرٌ يُزيلُ الراسِياتِ مُتاحُ
في التُربِ فَوقَ بَني سُوَيفَ يَتيمَةٌ / وَمِنَ الجَواهِرِ زَيِّفٌ وَصِحاحُ
ما زالَ تاجُ الفَنِّ تَيّاهاً بِها / حَتّى اِستَبَدَّ بِها الرَدى المُجتاحُ
لَو تَستَطيعُ كَرامَةً لِمَكانِها / مَشَتِ الرِياضُ إِلَيهِ وَالأَدواحُ
رُحماكَ عَبدَ الحَيِّ أُمُّكَ شَيخَةٌ / قَعَدَت وَهيضَ لَها الغَداةَ جَناحُ
كُسِرَت عَصاها فَهيَ بِلا عَصاً / وَقَضى فَتاها الأَجوَدُ المِسماحُ
اللَهُ يَعلَمُ إِن يَكُن في قَلبِها / جُرحٌ فَفي أَحشاءِ مِصرَ جِراحُ
وَالناسُ مَبكِيٌّ وَباكٍ إِثرَهُ / وَبُكا الشُعوبِ إِذا النَوابِغُ طاحوا
كانَ النَدامى إِن شَدَوتَ وَعاقَروا / سِيّانَ صَوتُكَ بَينَهُم وَالراحُ
فيما تَقولُ مُغَنِّياً وَمُحَدِّثاً / تَتَنافَسُ الأَسماعُ وَالأَرواحُ
فارَقتَ دُنيا أَرهَقَتكَ خَسارَةً / وَغَنِمتَ قُربَ اللَهِ وَهوَ رَباحُ
يا مُخلِفاً لِلوَعدِ وَعدُكَ مالَهُ / عِندي وَلا لَكَ في الضَميرِ بَراحُ
عَبَثَت بِهِ وَبِكَ المَنِيَّةُ وَاِنقَضى / سَبَبٌ إِلَيهِ بِأُنسِنا نَرتاحُ
لَمّا بَلَغنا بِالأَحِبَّةِ وَالمُنى / بابَ السُرورِ تَغَيَّبَ المِفتاحُ
زَعَموا نَعِيَّكَ في المَجامِعِ مازِحاً / هَيهاتَ في رَيبِ المَنونِ مِزاحُ
الجِدُّ غايَةُ كُلِّ لاهٍ لاعِبٍ / عِندَ المَنِيَّةِ يَجزَعُ المِفراحُ
رَمَتِ المَنايا إِذ رَمَينَكَ بُلبُلاً / أَراَهُ في شَرَكِ الحَياةِ جِماحُ
آهاتُهُ حُرَقُ الغَرامِ وَلَفظُهُ / سَجعُ الحَمامِ لَوَ انَّهُنَّ فِصاحُ
وَذَبَحنَ حَنجَرَةً عَلى أَوتارِها / تُؤسى الجِراحُ وَتُذبَحُ الأَتراحُ
وَفَلَلنَ مِن ذاكَ اللِسانِ حَديدَةً / يَخشى لَئيمٌ بَأسَها وَوَقاحُ
وَأَبَحنَ راحَتَكَ البِلى وَلَطالَما / أَمسى عَلَيها المالُ وَهوَ مُباحُ
روحٌ تَناهَت خِفَّةً فَتَخَيَّرَت / نُزُلاً تَقاصَرُ دونَهُ الأَشباحُ
قُم غَنِّ وِلدانَ الجِنانِ وَحورِها / وَاِبعَث صَداكَ فَكُلُّنا أَرواحُ
كَأسٌ مِنَ الدُنيا تُدار
كَأسٌ مِنَ الدُنيا تُدار / مَن ذاقَها خَلَعَ العِذار
اللَيلُ قَوّامٌ بِها / فَإِذا وَنى قامَ النَهار
وَحَبا بِها الأَعمارَ لَم / تَدُمِ الطِوالُ وَلا القِصار
شَرِبَ الصَبِيُّ بِها وَلَم / يَخلُ المُعَمَّرُ مِن خُمار
وَحَسا الكِرامُ سُلافَها / وَتَناوَلَ الهَمَلُ العُقار
وَأَصابَ مِنها ذو الهَوى / ما قَد أَصابَ أَخو الوَقار
وَلَقَد تَميلُ عَلى الجَما / دِ وَتَصرَعُ الفَلَكَ المُدار
كَأسُ المَنِيَّةِ في يَدٍ / عَسراءَ ما مِنها فِرار
تَجري اليَمينَ فَمَن تَوَل / لى يَسرَةً جَرَتِ اليَسار
أَودى الجَريءُ إِذا جَرى / وَالمُستَميتُ إِذا أَغار
لَيثُ المَعامِعِ وَالوَقا / ئِعِ وَالمَواقِعِ وَالحِصار
وَبَقِيَّةُ الزُمَرِ الَّتي / كانَت تَذودُ عَنِ الذِمار
جُندُ الخِلافَةِ عَسكَرُ السُل / طانِ حامِيَةُ الدِيار
ضاقَت كَريدُ جِبالُها / بِكَ يا خَلوصي وَالقِفار
أَيّامُكُم فيها وَإِن / طالَ المَدى ذاتُ اِشتِهار
عَلِمَ العَدُوُّ بِأَنَّكُم / أَنتُم لِمِعصَمِها سِوار
أَحدَقتُمُ بِمَقَرِّهِ / فَتَرَكتُموهُ بِلا قَرار
حَتّى اِهتَدى مَن كانَ ضَل / لَ وَثابَ مَن قَد كانَ ثار
وَاِعتَزَّ رُكنٌ لِلوِلا / يَةِ كانَ مُنقَضَّ الجِدار
عِش لِلعُلا وَالمَجدِ يا / خَيرَ البَنينِ وَلِلفَخار
أَبكي لِدَمعِكَ جارِياً / وَلِدَمعِ إِخوَتِكَ الصِغار
وَأَوَدُّ أَنَّكُمُ رِجا / لٌ مِثلَ والِدِكُم كِبار
وَأُريدُ بَيتَكُمُ عَما / راً لا يُحاكيهِ عَمار
لا تَخرُجُ النَعماءُ مِن / هُ وَلا يُزايِلهُ اليَسار
ما جَلَّ فيهِم عيدُكَ المَأثورُ
ما جَلَّ فيهِم عيدُكَ المَأثورُ / إِلّا وَأَنتَ أَجَلُّ يا فِكتورُ
ذَكَروكَ بِالمِئَةِ السِنينَ وَإِنَّها / عُمرٌ لِمِثلِكَ في النُجومِ قَصيرُ
سَتدومُ ما دامَ البَيانُ وَما اِرتَقَت / لِلعالَمينَ مَدارِكٌ وَشُعورُ
وَلَئِن حُجِبتَ فَأَنتَ في نَظَرِ الوَرى / كَالنَجمِ لَم يُرَ مِنهُ إِلّا النورُ
لَولا التُقى لَفَتَحتُ قَبرَكَ لِلمَلا / وَسَأَلتُ أَينَ السَيِّدَ المَقبورُ
وَلَقُلتُ يا قَومُ اُنظُروا اِنجيلَكُم / هَل فيهِ مِن قَلَمِ الفَقيدِ سُطورُ
مَن بَعدَهُ مَلَكَ البَيانَ فَعِندَكُم / تاجٌ فَقَدتُم رَبَّهُ وَسَريرُ
ماتَ القَريضُ بِمَوتِ هوجو وَاِنقَضى / مُلكُ البَيانِ فَأَنتُمُ جُمهورُ
ماذا يَزيدُ العيدُ في إِجلالِهِ / وَجَلالُهُ بِيَراعِهِ مَسطورِ
فَقَدَت وُجوهَ الكائِناتِ مُصَوِّراً / نَزَلَ الكَلامُ عَلَيهِ وَالتَصويرُ
كُشِفَ الغَطاءُ لَهُ فَكُلُّ عِبارَةٍ / في طَيِّها لِلقارِئينَ ضَميرُ
لَم يُعيِهِ لَفظٌ وَلا مَعنىً وَلا / غَرَضٌ وَلا نَظمٌ وَلا مَنثورُ
مُسلي الحَزينِ يَفُكُّهُ مِن حُزنِهِ / وَيَرُدُّهُ لِلَّهِ وَهوَ قَريرُ
ثَأَرَ المُلوكُ وَظَلَّ عِندَ إِبائِهِ / يَرجو وَيَأمَلُ عَفوَهُ المَثؤورُ
وَأَعارَ واتِرلو جَلالَ يَراعِهِ / فَجَلالُ ذاكَ السَيفِ عَنهُ قَصيرُ
يا أَيُّها البَحرُ الَّذي عَمَّرَ الثَرى / وَمِنَ الثَرى حُفَرٌ لَهُ وَقُبورُ
أَنتَ الحَقيقَةُ إِن تَحَجَّبَ شَخصُها / فَلَها عَلى مَرِّ الزَمانِ ظُهورُ
اِرفَع حِدادَ العالَمينَ وَعُد لَهُم / كَيما يُعَيِّدَ بائِسٌ وَفَقيرُ
وَاِنظُر إِلى البُؤَساءِ نَظرَةَ راحِمٍ / قَد كانَ يُسعَدُ جَمعَهُم وَيُجيرُ
الحالُ باقِيَةٌ كَما صَوَّرتَها / مِن عَهدِ آدَمَ ما بِها تَغييرُ
البُؤسُ وَالنُعمى عَلى حالَيهِما / وَالحَظُّ يَعدِلُ تارَةً وَيَجورُ
وَمِنَ القَوِيِّ عَلى الضَعيفِ مُسَيطِرٌ / وَمِنَ الغَنِيِّ عَلى الفَقيرِ أَميرُ
وَالنَفسُ عاكِفَةٌ عَلى شَهَواتِها / تَأوي إِلى أَحقادِها وَتَثورُ
وَالعَيشُ آمالٌ تَجِدُّ وَتَنقَضي / وَالمَوتُ أَصدَقُ وَالحَياةُ غُرورُ
يا أَيُّها الدَمعُ الوَفِيُّ بِدارِ
يا أَيُّها الدَمعُ الوَفِيُّ بِدارِ / نَقضي حُقوقَ الرِفقَةِ الأَخيارِ
أَنا إِن أَهَنتُكَ في ثَراهُمُ فَالهَوى / وَالعَهدُ أَن يُبكَوا بِدَمعٍ جاري
هانوا وَكانوا الأَكرَمينَ وَغودِروا / بِالقَفرِ بَعدَ مَنازِلٍ وَدِيارِ
لَهَفي عَلَيهِم أُسكِنوا دورَ الثَرى / مِن بَعدِ سُكنى السَمعِ وَالأَبصارِ
أَينَ البَشاشَةُ في وَسيمِ وُجوهِهِم / وَالبِشرُ لِلنُدَماءِ وَالسُمّارِ
كُنّا مِنَ الدُنيا بِهِم في رَوضَةٍ / مَرّوا بِها كَنَسائِمِ الأَسحارِ
عَطفاً عَلَيهِم بِالبُكاءِ وَبِالأَسى / فَتَعَهُّدُ المَوتى مِنَ الإيثارِ
يا غائِبينَ وَفي الجَوانِحِ طَيفُهُم / أَبكيكُمُ مِن غُيَّبٍ حُضّارِ
بَيني وَبَينَكُمُ وَإِن طالَ المَدى / سَفَرٌ سَأَزمَعُهُ مِنَ الأَسفارِ
إِنّي أَكادُ أَرى مَحَلِّيَ بَينَكُم / هَذا قَرارُكُمُ وَذاكَ قَراري
أَوَ كُلَّما سَمَحَ الزَمانُ وَبُشِّرَت / مِصرٌ بِفَردٍ في الرِجالِ مَنارِ
فُجِعَت بِهِ فَكَأَنَّهُ وَكَأَنَّها / نَجمُ الهِدايَةِ لَم يَدُم لِلساري
إِنَّ المَصيبَةَ في الأَمينِ عَظيمَةٌ / مَحمولَةٌ لِمَشيئَةِ الأَقدارِ
في أَريَحِيِّ ماجِدٍ مُستَعظَمٌ / رُزءُ المَمالِكِ فيهِ وَالأَمصارِ
أَوفى الرِجالِ لِعَهدِهِ وَلِرَأيِهِ / وَأَبَرَّهُم بِصَديقِهِ وَالجارِ
وَأَشَدَّهُم صَبراً لِمُعتَقَداتِهِ / وَتَأَدُّباً لِمُجادِلٍ وَمُماري
يَسقي القَرائِحَ هادِئًا مُتَواضِعاً / كَالجَدوَلِ المُتَرقرِقِ المُتَواري
قُل لِلسَماءِ تَغُضُّ مِن أَقمارِها / تَحتَ التُرابِ أَحاسِنُ الأَقمارِ
مِن كُلِّ وَضّاءِ المَآثِرِ فائِتٍ / زُهرَ النُجومِ بِذَهرِهِ السَيّارِ
تَمضي اللَيالي لا تَنالُ كَمالَهُ / بِمَعيبِ نَقصٍ أَو مَشينِ سِرارِ
آثارُهُ بَعدَ المَوتِ حَياتُهُ / إِنَّ الخُلودَ الحَقَّ بِالآثارِ
يا مَن تَفَرَّدَ بِالقَضاءِ وَعِلمِهِ / إِلّا قَضاءَ الواحِدِ القَهّارِ
مازِلتَ تَرجوهُ وَتَخشى سَهمَهُ / حَتّى رَمى فَأَحَطَّ بِالأَسرارِ
هَلّا بُعِثتَ فَكُنتَ أَفصَحَ مُخبَراً / عَمّا وَراءَ المَوتِ مِن لازارِ
اِنفُض غُبارَ المَوتِ عَنكَ وَناجِني / فَعَسايَ أَعلَمُ ما يَكونُ غُباري
هَذا القَضاءُ الجِدُّ فَاِروِ وَهاتِ عَن / حُكمِ المَنِيَّةِ أَصدَقَ الأَخبارِ
كُلٌّ وَإِن شَغَفَتهُ دُنياهُ هَوىً / يَوماً مُطَلِّقُها طَلاقَ نَوارِ
لِلَّهِ جامِعَةٌ نَهَضتَ بِأَمرِها / هِيَ في المَشارِقِ مَصدَرُ الأَنوارِ
أُمنِيِّةُ العُقَلاءِ قَد ظَفِروا بها / بَعدَ اِختِلافِ حَوادِثٍ وَطَواري
وَالعَقلُ غايَةُ جَريِهِ لِأَعِنَّةٍ / وَالجَهلُ غايَةُ جَريِهِ لِعِثارِ
لَو يَعلَمونَ عَظيمَ ما تُرجى لَهُ / خَرَجَ الشَحيحُ لَها مِنَ الدينارِ
تَشري المَمالِكُ بِالدَمِ اِستِقلالَها / قوموا اِشتَروهُ بِفِضَّةٍ وَنُضارِ
بِالعِلمِ يُبنى المُلكُ حَقَّ بِنائِهِ / وَبِهِ تُنالُ جَلائِلُ الأَخطارِ
وَلَقَد يُشادُ عَلَيهِ مِن شُمِّ العُلا / ما لا يُشادُ عَلى القَنا الخَطّارِ
إِن كانَ سَرَّكَ أَن أَقَمتَ جِدارَها / قَد ساءَها أَن مالَ خَيرُ جِدارِ
أَضحَت مِنَ اللَهِ الكَريمِ بِذِمَّةٍ / مَرموقَةِ الأَعوانِ وَالأَنصارِ
كُلِأَت بِأَنظارِ العَزيزِ وَحُصِّنَت / بِفُؤادَ فَهيَ مَنيعَةُ الأَسوارِ
وَإِذا العَزيزُ أَعارَ أَمراً نَظرَةً / فَاليُمنُ أَعجَلُ وَالسُعودُ جَواري
ماذا رَأَيتَ مِنَ الحِجابِ وَعُسرِهِ / فَدَعَوتَنا لِتَرَفُّقٍ وَيَسارِ
رَأيٌ بَدا لَكَ لَم تَجِدهُ مُخالِفاً / ما في الكِتابِ وَسُنَّةِ المُختارِ
وَالباسِلانِ شُجاعُ قَلبٍ في الوَغى / وَشُجاعُ رَأيٍ في وَغى الأَفكارِ
أَوَدِدتَ لَو صارَت نِساءُ النيلِ ما / كانَت نِساءُ قُضاعَةٍ وَنِزارِ
يَجمَعنَ في سِلمِ الحَياةِ وَحَربِها / بَأسَ الرِجالِ وَخَشيَةَ الأَبكارِ
إِنَّ الحِجابَ سَماحَةٌ وَيَسارَةٌ / لَولا وُحوشٌ في الرِجالِ ضَواري
جَهِلوا حَقيقَتَهُ وَحِكمَةَ حُكمِهِ / فَتَجاوَزوهُ إِلى أَذىً وَضِرارِ
يا قُبَّةَ الغوري تَحتَكِ مَأتَمٌ / تَبقى شَعائِرُهُ عَلى الأَدهارِ
يُحييِهِ قَومٌ في القُلوبِ عَلى المَدى / إِن فاتَهُم إِحياؤُهُ في دارِ
هَيهاتَ تُنسى أُمَّةٌ مَدفونَةٌ / في أَربَعينَ مِنَ الزَمانِ قِصارِ
إِن شِئتَ يَوماً أَو أَرَدتَ فَحُقبَةً / كُلٌّ يَمُرُّ كَلَيلَةٍ وَنَهارِ
هاتوا اِبنَ ساعِدَةٍ يُؤَبِّنُ قاسِماً / وَخُذوا المَراثِيَ فيهِ مِن بَشّارِ
مِن كُلِّ لائِقَةٍ لِباذِخِ قَدرِهِ / عَصماءَ بَينَ قَلائِدِ الأَشعارِ
اليَومَ أَصعَدُ دونَ قَبرِكَ مِنبَرا
اليَومَ أَصعَدُ دونَ قَبرِكَ مِنبَرا / وَأُقَلِّدُ الدُنيا رِثاءَكَ جَوهَرا
وَأَقُصُّ مِن شِعري كِتابَ مَحاسِنٍ / تَتَقَدَّمُ العُلَماءَ فيهِ مُسَطَّرا
ذِكراً لِفَضلِكَ عِندَ مِصرَ وَأَهلِها / وَالفَضلُ مِن حُرُماتِهِ أَن يُذكَرا
العِلمُ لا يُعلي المَراتِبَ وَحدَهُ / كَم قَدَّمَ العَمَلُ الرِجالَ وَأَخَّرا
وَالعِلمُ أَشبَهُ بِالسَماءِ رِجالُهُ / خُلِطَت جَهاماً في السَحابِ وَمُمطِرا
طُفنا بِقَبرِكَ وَاِستَلَمنا جَندَلاً / كَالرُكنِ أَزكى وَالحَطيمِ مُطَهَّرا
بَينَ التَشَرُّفِ وَالخُشوعِ كَأَنَّما / نَستَقبِلُ الحَرَمَ الشَريفَ مُنَوَّرا
لَو أَنصَفوكَ جَنادِلاً وَصَفائِحاً / جَعَلوكَ بِالذِكرِ الحَكيمِ مُسَوَّرا
يا مَن أَراني الدَهرُ صِحَّةَ وُدِّهِ / وَالوُدُّ في الدُنيا حَديثٌ مُفتَرى
وَسَمِعتُ بِالخُلُقِ العَظيمِ رِوايَةً / فَأَرانِيَ الخُلُقَ العَظيمَ مُصَوَّرا
ماذا لَقيتَ مِنَ الرُقادِ وَطولِهِ / أَنا فيكَ أَلقى لَوعَةً وَتَحَسُّرا
نَم ما بَدا لَكَ آمِناً في مَنزِلٍ / الدَهرُ أَقصَرُ فيهِ مِن سِنَةِ الكَرى
ما زِلتَ في حَمدِ الفِراشِ وَذَمِّهِ / حَتّى لَقيتَ بِهِ الفِراشَ الأَوثَرا
لا تَشكُوَنَّ الضُرَّ مِن حَشَراتِهِ / حَشَراتُ هَذا الناسِ أَقبَحُ مَنظَرا
يا سَيِّدَ النادي وَحامِلَ هَمِّهِ / خَلَّفتَهُ تَحتَ الرَزِيَّةِ موقَرا
شَهِدَ الأَعادي كَم سَهِرتَ لِمَجدِهِ / وَغَدَوتَ في طَلَبِ المَزيدِ مُشَمِّرا
وَكَمِ اِتَّقَيتَ الكَيدَ وَاِستَدفَعتَهُ / وَرَمَيتَ عُدوانَ الظُنونِ فَأَقصَرا
وَلَبِثتَ عَن حَوضِ الشَبيبَةِ ذائِداً / حَتّى جَزاكَ اللَهُ عَنهُ الكَوثَرا
شُبّانُ مِصرَ حِيالَ قَبرِكَ خُشَّعٌ / لا يَملِكونَ سِوى مَدامِعِهِم قِرى
جَمَعَ الأَسى لَكَ جَمعَهُم في واحِدٍ / كانَ الشَبابَ الواجِدَ المُستَعبِرا
لَولاكَ ما عَرَفوا التَعاوُنَ بَينَهُم / فيما يَسُرُّ وَلا عَلى ما كَدَّرا
حَيثُ اِلتَفَتَّ رَأَيتَ حَولَكَ مِنهُمُ / آثارَ إِحسانٍ وَغَرساً مُثمِرا
كَم مَنطِقٍ لَكَ في البِلادِ وَحِكمَةٍ / وَالعَقلُ بَينَهُما يُباعُ وَيُشتَرى
تَمشي إِلى الأَكواخِ تُرشِدُ أَهلَها / مَشيَ الحَوارِيّينَ يَهدونَ القُرى
مُتَواضِعاً لِلَّهِ بَينَ عِبادِهِ / وَاللَهُ يُبغِضُ عَبدَهُ المُتَكَبِّرا
لَم تَدرِ نَفسُكَ ما الغُرورُ وَطالَما / دَخَلَ الغُرورُ عَلى الكِبارِ فَصَغَّرا
في كُلِّ ناحِيَةٍ تَخُطُّ نِقابَةً / فيها حَياةُ أَخي الزِراعَةِ لَو دَرى
هِيَ كيمِياؤُكَ لا خُرافَةُ جابِرٍ / تَذَرُ المُقِلَّ مِنَ الجَماعَةِ مُكثِرا
وَالمالُ لا تَجني ثِمارَ رُؤوسِهِ / حَتّى يُصيبَ مِنَ الرُؤوسِ مُدَبِّرا
وَالمُلكُ بِالأَموالِ أَمنَعُ جانِباً / وَأَعَزُّ سُلطاناً وَأَصدَقُ مَظهَرا
إِنّا لَفي زَمَنٍ سِفاهُ شُعوبِهِ / في مُلكِهِم كَالمَرءِ في بَيتِ الكِرا
أَسِواكَ مِن أَهلِ المَبادِىءِ مَن دَعا / لِلجِدِّ أَو جَمَعَ القُلوبَ النُفَّرا
المَوتُ قَبلَكَ في البَرِيَّةِ لَم يَهَب / طَهَ الأَمينُ وَلا يَسوعُ الخَيِّرا
لَمّا دُعيتُ أَتَيتُ أَنثُرُ مَدمَعي / وَلَوِ اِستَطَعتَ نَثَرتُ جَفني في الثَرى
أَبكي يَمينَكَ في التُرابِ غَمامَةً / وَالصَدرَ بَحراً وَالفُؤادَ غَضَنفَرا
لَم أُعطَ عَنكَ تَصَبُّراً وَأَنا الَّذي / عَزَّيتُ فيكَ عَنِ الأَميرِ المَعشَرا
أَزِنُ الرِجالَ وَلي يَراعٌ طالَما / خَلَعَ الثَناءَ عَلى الكِرامِ مُحَبَّرا
بِالأَمسِ أَرسَلتُ الرِثاءَ مُمَسَّكاً / وَاليَومَ أَهتِفُ بِالثَناءِ مُعَنبَرا
غَيَّرتَني حُزناً وَغَيَّرَكَ البِلى / وَهَواكَ يَأبى في الفُؤادِ تَغَيُّرا
فَعَلَيَّ حِفظُ العَهدِ حَتّى نَلتَقي / وَعَلَيكَ أَن تَرعاهُ حَتّى نُحشَرا