المجموع : 45
لمن الديار يلحن في الصحصاح
لمن الديار يلحن في الصحصاح / لعبت بهن روامس الأرواح
عبثت بها أيدي البلى فتركنها / في العين أخفي من دريس نصاح
ولقد وقفت بها المطيّ مسائلا / شجرات واديها وهنّ ضواح
أقتاف آثاراً لهنّ دوارساً / كانت إليها غدوتي ورواحي
لما تبيّنت المعالم همّداً / هطلت مدامع طرفي السفاح
فسقاك مرتكز الغمائم صوبه / غدقاً بكلّ عشيّة وصباح
حيّ الديار وأن تحمّل أهلها / عنها وأمست موحشات بطاح
عهدي بها والعيش أخضر ناعم / والشمل تجمعه يد الأفراح
مغنىً أنيقاً للحسان وروضة / نبتت بكل عرارة وأقاح
كم قد لثمت بها المراشف آخذاً / بهضيم خصر جال تحت وشاح
ولكم لهَوت من الحسان بغادة / لمياء ترشفني شمول الراح
هل عائد زمن أتيتُ مع المها / ما شئت من لعب به ومزاح
قد بتّ فيه ضجيع كل غريرة / رَود الشباب من الخراد رداح
أيام تحضر بي بمضمار الصبا / فرس الشبيبة وهي ذات جماح
ركضوا بميدان التحاسد خيلهم / وسبَوا من الأعراض غير مباح
لبسوا النفاق لهم دروعاً وأغتدَوا / يتطاعنون من الخنى برماح
أضحَوا كماة وشاية وسعاية / ومن الضغائن هم شكاة سلاح
كالجاهليّة غير أنّ مغارهم / في نهب كلّ خطيئة وجناح
أصلاحهم أعيا العقول لأنهم خلقت / مفاسدهم لغير صلاح
من كل مرتكب الشنيع ولم يكد / يثنيه عنه إذا لحاه اللاحي
أهدى بطرق المخزيات من القطا / وأضلّ ممَن آمنوا بسجاح
رقّت بوصف جمالك الأقوال
رقّت بوصف جمالك الأقوال / ورأتك فأفتتنت بك العذال
وهب الآله بك الجمال تجمّلاً / حتى كأنك للجمال جمال
كل العيون إذا برزت شواخص / كيما تراك وغضّهنّ محال
وإذا الخليّ رآك عاد بمهجة / للوجد مخترق بها ومجال
كم قد سفرت ففي القلوب تولّه / لما رأوك وفي العقول خبال
فرمَوك بالأبصار وهي كليلةٌ / من نور وجهك نورهنّ مذال
ربطوا الأكفّ على ضلوع تحتها / بين النواظر والقلوب جدال
لو كنت في أيام يوسف لم تكن / بجمال يوسف تضرب الأمثال
ولقطّعت دون الأكفّ قلوبها / شوقاً إليك مع النساء رجال
كم قد يجور على جفونك سقمها / كسراً وتجهد خصرك الأكفال
عجباً لطرفك وهو أضعف ما أرى / يرنو فترهب فتكه الأبطال
أهلاً بأضياف العرا
أهلاً بأضياف العرا / ق أتوه من مصر العزيزه
سروات مصر في العلا / ء لهم على السروات ميزه
من مثل طلعتهم نشاطاً / في فعائله الحريزه
هو في النشاط كمرجل / يغلي فيسمعنا أزيزه
قد يعجز الصرّيع عنه / إذا يحاول أن يروزه
ذو همّة فعّالة / ترك الجبال بها هزيزه
لو سار في شدق الهزَبر / بها لأمكن أن يجوزه
كم في معادن سعيه / لبني المواطن من ركيزه
أعماله للملقين / بمصر قد فتحت كنوزه
لو سار في يبس لأبدي / من مواطئه نزيزه
لم يثنه عن كل ما / قد رام إلاّ أن يحوزه
ومهذّب لم تلق في / أوصاف سيرته غميزه
زار العراق تفضّلاً / والفضل من كرم الغريزه
فعسى زيارته تكون / طويلة ليست وجيزه
قالوا نخّلد ذكره بحديقة
قالوا نخّلد ذكره بحديقة / غنّاء فيها تنبت الأزهار
ونضيفها في التسميات إلى اسمه / حتى يكون له بها تذكار
هذا لعمر اللّه جهل تضحك ال / عقلاء منه وتهزأ الأحرار
أن الحدائق لا تخّلد بإسمها / من لا تخّلد ذكره الآثار
ما نفع تسمية الأماكن باسم من / خلت الضمائر منه والأفكار
من فاته غرّ المساعي فاته / بعد الممات بغيرها الأنشار
أن المحايي ما لهنّ مآثر / مثل الليالي ما بها أقمار
هل تذكر الأشجار من بعد البلى / إلاّ بما انتضدت بها الأثمار
والذكريات إذا أتت بشهودها / حسن السماع وأحمد التكرار
من سار في دنياه سيرة مصلح / لهجت بخالد ذكره الأمصار
من عاش في خطط البلاد مؤثّراً / أحيته بعد مماته الآثار
ياسين خلوٌ من خوالد سعيه / أنّى تخّلد ذكره الأزهار
فعدت بقارعة الطريق تنوح
فعدت بقارعة الطريق تنوح / والطفل يجذب ردنها ويصيح
تبكي وقد ضحك الحريق بدارها / كالبرق يضحك في الدجى ويلوح
ضحِيَت وقد قلص الظلال فوجهها / للشمس في وجناته تلويح
جرّ الحريق على الديار ذيوله / فجري لذلك دمعها المسفوح
ولقد وقفت حيالها ومدامعي / تسخو سوى أن العزاء شحيح
فغدا يلقنني الأسى من عينها / لحظٌ برقراق الدموع سيوح
يا أيّما أجرى الغداة دموعها / بيت بجائحة الحريق مجوح
لا تهلكي جزعاً فإن بيوتناً / ما للملمّ بأهلها تسريح
أعليك أنت تضيق كل ديارنا / هذي وأكثرها ديارٌ فيح
فاقني عزاءك فالحياة وإن أرت / بعض السرور فكلّها تتريح
قف بالديار فقد أناخ بها البلى / وانظر فقد قرعت بهنّ السوح
نزل الحريق بها فشتَّت شملها / فغدت عراصاً وهي قبل صروح
بكر الشواظ بها ينضنِض ألسناً / من هول مطلعها تذوب الروح
نشر الهيب على البيوت ملاءة / حمراء تصفق جانبَيها الريح
فتعبّست منه السماء وأمطرت / ناراً وقد أخذ اللهيب يسيح
وعلا الدخان على البيوت سحائباً / برق المهالك بينهن لموح
أما الشرار فكان وبلاً منبتاً / نوباً برائحة الدمار تفوح
والشمس قد كسفت بجون دخانه / وبدت عليها سفعةٌ وكلوح
يا قوم ساء مصيركم فإلى متى / لا تسمعون لما يقول نصيح
هَلا أخذتم للخطوب عتادها / كي لا يكون لها بكم تبريح
هذا الحريق وكل يوم ناره / تغدو عليكم تارةً وتروح
فالنار ما برحت تفوه بألسن / ذرب وأن كلامها لفصيح
لمَ لم تعوا ما قلن قبل مكرّراً / أو ما كفاكم ذلك التصريح
نِمتم إلى نوب الزمان فإن أتت / قمتم كما يتململ المذبوح
وأهمّكم أدنى الأمور وفاتكم / نظر إلى الأمر القصيّ طموح
كم في الحوادث من نذير قد أتى / فيكم بأسرار الزمان يبوح
أما الحريقان اللذان تقدّما / فكلاهما شقّ لكم وسطيح
قد أنراكم بالخارب وأنبًآ / أن التراخي في الأمور قبيح
عجبي إلى تلك المصائب كيف قد / نسيت ولم تبرأ لهنّ جروح
سرعان ما تنسون عظم مصابكم / ولو أن شقّة منتهاه طروح
لا تستنيموا للزمان فأخذه / خلسٌ وقوس الحادثات ضروح