المجموع : 71
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا
إيهٍ على تذكارِ ما سَلَفا / فالدمعُ منك أَقلُّ ما وَكَفا
يا عين أنت جلبتِ ناظرةً / لفؤاديَ الأشواقَ والشَّغَفا
كم قد كَففتُك خائفاً حَذِرا / عن ناظرٍ يَقْوَى إذا ضَعُفا
فعَجِبتُ كيف رَمَيْتِ يومئذٍ / سهما فعادَ لوقِته هدفا
ذاك التبسُّمُ كان غايتَه / هذا البكاء لأجله سَرَفا
أَسرتْك وانصرفَتْ وما وَجَدت / عَزَماتُ قلِبك بعدُ مُنْصَرَفا
واللهِ ربِّ مِنىً وما جَمعتْ / وكفى بذاك لمُقْسِمٍ حَلَفا
إنى إذا ما الوصلُ أَمْكَنني / نَزَّهتُه عن ريبةٍ أَنَفا
وأبيت أَقَنع بالحديثِ ولو / كان الحديثُ إشارةً لكَفَى
وبما يُبَلِّغه الرسولُ ولو / كان النسيمُ رسولَها لشَفَي
وبطيفِها وبأنها علمتْ / أنى أَبيت بحبها كلِفا
وبلفظِ مَبْسِمِها ومَقْصِدُه / أخرى فيُهْجُني وما عَرَفا
وبرَشْفِ ماءِ النيلِ قد وَردَتْ / أولاَه ثم وردتُه طَرَفا
ولوِ استطعتُ منعتُ إذ وَردَتْ / منْ عَبَّ من شَطَّيْه أو رَشَفا
غَيْران من علمي بأنّ به / من سُؤْرِ شهدِ رُضابِها نُطَفا
وأَغارُ من مرِّ النسيم بها / دوني يُباشِر ذلك التَّرفا
مالي وللعُذال لا سَعِدوا / فلقد لقيتُ بعَذْلهم جَنَفا
عَذَلوا وما عَشِقوا ولو عشقوا / قَبِلوا هنالك عُذْرَ من شُغِفا
يا وَيْحهَم لو أبصروا رَشَأً / يهتزُّ من لينِ الصِّبا هَيَفا
بدرٌ على غصنٍ على نَقَوَىْ / رملٍ أَضاءَ وماسَ وارْتَدَفا
يفتر عن نَوْر الأَقاحِ إذا / وافَى نَدىً سَحَرا به فصفا
كالدُّرِّ لكنْ صاغ ناظمُه / بالمسكِ من لَعَسٍ به صَدَفا
وجَنِىُّ وردٍ فوقَ وجْنِته / يَحمرُّ ثم يعود إنْ قُطِفا
لاستبدلوا بمَلامتي حسدي / ورأوا تَعاقُل عاذلي خَرَفا
مَنْ لي بعيشٍ كان لي ومضى / عني ولم أَعتضْ به خَلَفا
حيث الصبابةُ والصِّبا شَرَعٌ / كلٌّ حَلا وصَفا لمن وَصَفا
فكأن عيشي كان بينهما / قبل التفرق روضة أُنُفا
إنْ كانت الإسكندريةُ قد / شَطَّتْ فَأَوْلَتنْي نَوًى قَذَفا
وسكنتُ بالفُسْطاط مُغْترِبا / فلقد كسبتُ بغربتي شرفا
ورَقيتُ من مدح الملوك بها / رُتَبا أَنافتْ في العُلى كَنَفا
وكسبتُ مالا لو يُرَفِّره / جَدْواىَ لم أعرفْ له طرفا
لكنْ ينازِعني إلى وطني / شوقٌ إذا استمهَلتُه عَسَفا
وأَعافُ مِصرَ وعيشُها رَغَد / ويَشوقُني وطني ولو عَجِفَا
أُقْصِي البنفسجَ ثم يُعجبني / أنْ أَنْشَقَ الظَّيّان والطَّرفا
شوقاً إلى ذاك الثَّرَى وإلى / ذاك النسيمِ الرَّطْبِ حين هَفا
وإلى رياضٍ كان يوقِظني / فيها ندى سَحَرٍ إذا كَثُفا
وشَميمِ عَرْفِ الروضِ حينَ بدا / ورَخيمِ لَحْنِ الطير إذ هَتفا
ويهزني مرحُ الشبابِ بها / هزَّ القَضيب اللَّدْن مُنعطِفا
ما بين أترابٍ قدِ اتفقوا / أنْ يجعلوا ساعاتِهم تُحفَا
يُبدون من آدابِهم مُلَحا / جَعلوا لها آذانَهم صُحُفا
لَهْفِى على زمنٍ بها وبهم / لو كان ينفعُ قولُ والَهَفا
فارقتُهم وصَحِبتُ بعدهمُ / حاليْن قَرْعَ السِّنِّ والأَسفا
نَغَمُ الحُداةِ بكم وزَجْرُ السائقِ
نَغَمُ الحُداةِ بكم وزَجْرُ السائقِ / أَوْهَتْ قُوَى جَلَد المُحبِّ الوامقِ
عَجِل الفراقُ علىَّ فيك ولم أَنَلْ / وَصْلا سوى نَظرٍ كلَمْحَةِ بارقِ
وأبيكِ ما أبقَى الهوى مني سِوَى / كفٍّ تشدُّ على فؤادٍ خافق
رِفْقا بأسْرى مُقْلتيْك فقَلَّما / يبقَى على الهجرانِ صبرُ العاشق
ها قد كتمتُ هواك معْ ما أنه / نار تشَبُّ على فؤادٍ شائق
هَبْنِي قَدَرتُ على لسانٍ صامتٍ / ما حيلتي في دمع عينٍ ناطق
لو كان يَقْطُر لا عتذرتُ بعلٍة / ما حيلتي في ذي غُروبٍ دافق
إنْ لم أَخُضْ لُجَجَ الغرامِ وأمتطىِ / طلبَ الوصالِ بكل أَشْعث رائق
وأكرُّ بين الجَحْفَلَيْن معرِّضا / نفسي هناك لطاعنٍ أو راشِقِ
وأُدافع الموتَ الزؤام بمنكبي / في كل ملتبِس المَسَالكِ مازِق
نَكِرتْ كعوبَ السَّمْهَرِية راحتي / وعَدمتُ آثارَ النِّجادِ بعاتقي
وفَررتُ من خصمي وعاف مُعاشِري / خُلُقي وخُيِّب سائلي أو طارِقي
بِنْتم فما فَرِحتْ بأَوْبَةِ قادمٍ / نفسي ولا حَزِنت لفقدِ مُفارِق
أنا من فراقك بين حزنٍ ثابتٍ / لايستقلُّ وبين صبرٍ آبِق
يا هلْ حَفِظت على ثنيةِ رامةٍ / عهدي الذي أَكَّدته ومَواثِقي
حيث السَّرائرُ والنسيمُ كلاهما / مِثْلان فتنةُ سامعٍ أو ناشِقِ
والروضُ فيما نحن فيه مُؤلِّفٌ / ثغرَ الأَقاحِ إلى خدودِ شَقائق
والطَّلُّ يُحْسَب فوق مُخْضَلِّ الرُّبا / دمعَ الدَّلالِ على عِذارِ مُراهِق
يشدو الحمامُ على الأَراكِ فتَنْبَرى ال / أغصانُ بين تَمايُل وتَعانُق
يا ليتَ شِعْري هل يُعاوِد ما مضَى / أم جَذَّت الأيامُ منه عَلائقي
هبْ ذاك عاوَد كيف لي بزوالِ ما / كتبتْ صروفُ الدهرِ فوق مَفارقي
خَطٌّ غدا يَقَقَ الحروفِ فما له / يسودُّ حين يراه قلبُ الوامِق
ما للزمانِ يَخصُّني بصُروفِه / حتى ركضْنَ إلىَّ ركضَ مُسابِق
ما زال يُنْهِلني الأُجاجَ مكررا / ويُعِلُّ غيري بالزُّلالِ الرائق
وكذا الرياحُ إذا عَصَفْنَ فإنما / تأتِي على نَبْت المكان الشاهق
تغدو القَطا بين الحدائق آمنا / منها ونلعب بالمُنيفِ الباشَق
صبرا عليه فرُبَّ حالِ مُنافرٍ / حالتْ وأَضْحَى وهو أَىُّ مُصادِق
لا تَفْرَحنَّ برُتبةٍ
لا تَفْرَحنَّ برُتبةٍ / أَعْطاكَها في الناسِ جَدُّكْ
وانظرْ مكانَك في المكا / رم بالحقيقةِ فهْو حَدُّك
أنت الفقيرُ مع الغِني / إنْ لم تجد عقلا يُمِدُّك
هَبْك اقتدرتَ على الظوا / هرِ هل قلوبُ الناس جُنْدُك
لا يَغْررُنَّك أنْ تُها / ب ولا يروقُك من يَرُدّك
فمن البليةِ أن تز / لُ فلا يُجيِبك من يَرُدُّك
وإذا بُليتَ بفَقْدِه / فخيارُ ما استعجلتَ فَقْدُك
أَسِفى على زمنِ الشبابِ الزائلِ
أَسِفى على زمنِ الشبابِ الزائلِ / أسفٌ أُديم عليه عَضَّ أناملي
ولَّى فلا طمعٌ بعَطْفَةِ هاجرٍ / منه ولا أَمَلٌ لأَوْبَةِ راحل
هذا على أنّ العَفافَ وهِمَّتي / لم يُظْفِرا حظِّى لديه بطائل
إن كنتُ خنتكمُ المودةَ ساعةً
إن كنتُ خنتكمُ المودةَ ساعةً / أو مِلْتُ بعدكمُ لقول العُذَّل
أو آنسَتْ روحي بشيء راحةً / من منظرٍ أو مَشْرب أو مأكل
فزعمتُ أن النيل عند كماله / أوفى وأغزر من نَوال الأَفْضَل
أو قلتُ إِن الشمس تُدرِك شأوه / في النفع أو في النور أو في المنزل
هيهاتَ جلَّ عن الدلائل فضلُه / قدرا وصار ضرورةً لم يُشْكِل
وصلَ الكتابُ فيا لَه من واصلِ
وصلَ الكتابُ فيا لَه من واصلِ / أَهدى السرور على المدى المُتطاوِل
فلثمتُه من قبِل فكِّ خِتامه / لما تَبدَّى من يمين الحامل
وفَضضتُه عن روضِ خَطٍّ ضِمْنُه / زَهْرانِ من لفظٍ ومعنىً فاضِل
فكأنّ أفواه الحِسان تقسمت / لي منه بين مَعاجر وغَلائل
وكأن مُقْدَمَه زيارةُ خلسةٍ / جاءتْ بديها من حبيبٍ ماطِل
درٌ نفيس القدر جاء هديةً / من ذلك البحرِ البعيد الساحل
فرأيتُ معجزةً يُقصِّر دونَها / هِممُ الورى من كاتب أو قائل
وعجبتُ كيف تَبرعتْ بكماله / في المعجزاتِ يدُ الزمان الباخل
صلى الإلهُ عليك يا بْنَ رسولِهِ
صلى الإلهُ عليك يا بْنَ رسولِهِ / وهَدى لطاعِتك الوَرَى لسبيلِهِ
فبِكَ استقرَّ الحقُّ واتضح الهدى / وأبان للثَّقَلين وجهُ دليلِهِ
يا بنَ الأئمةِ من ذؤابةِ هاشمٍ / شَرَفٌ سَما بفروعه وأصوله
ومبيد مُلْكِ الرومِ بالنصرِ الذي / نَطَقَت به الآياتُ من إنجليه
قد شام منه الشامُ أعظمَ بارِقٍ / يمحو الفِرِنْجَة منه بعضُ سيوله
بادرْ بيومٍ مثلِ بدرٍ إنْ يكن / لأبيك ذاك فإن ذا لسليله
قد حان حَيْنُهمُ وكاد لقربه / منهم يُسمِّعُنا صياحَ عَويله
للهِ جيشٌ مثلُ جيشك مُعْلَم / فالنصرُ يرحل دائبا برحيله
لولا الضجيجُ لكادَ يسمع ناصِتٌ / صوتَ المَلائكِ فيه من تهليله
وأجْرِ الجياد فكلُّ طِرْفٍ سابح / شوقا لهذا النصر جَلّ صهيلُه
وشِمِ السيوفَ إذاً فكلُّ مُهنَّدٍ / لرقابِ أهلِ الكفر فَرْطُ نُحوله
فليَثْبُتِ الإفرنجُ منه لقَسْوَرٍ / بعث الحُتوف إليهمُ من غِيله
ما مالهم وحريمهمُ ودماؤهم / إلا وَديعته بكفِّ وكيله
فالبَرُّ مثلُ البحرِ من فرسانه / والبحر مثل البر من أسطوله
جَمْعٌ يَبيت الطيرُ فوق رماحِه / عُدْما لكثرته مكانَ مَقيله
ضاقتْ به الكرةُ التي هو مِلْؤُها / حتى يكادَ يشقُّها برَعيله
يا أرفعَ الخلفاء قَدْرا يا إما / مَ الحقِّ دعوةُ صادقٍ في قِيله
إن الذي أَهَّلْتَنا لمَديحه / ورفعتَه في المُلْك بعد نزوله
وأَشعْتَ في الثَّقَليْن موقعَ ذكرِه / فجرتْ به الأفواهُ بعدَ خموله
أنت المُرادُ بقَصْدِ كلِّ قصيدةٍ / بُنِيَت على الأفهام في تَبْجيله
كسجودِ أَملاكِ السماءِ لآدمٍ / وسجودُها لله في تأويله
أَولَيته نِعَما تعَاظمَ قَدْرُها / شَرَفا فقابَلَها بفَرْطِ غُلوله
نال الثريا في ذَراكَ فحظُّه / تحتَ الثرى الأقصى طِلابُ فُضوله
وجعلتَه كالشمسِ ما بينَ الورى / وفِعالُه تَقضِي بوَشْكِ أُفوله
فاغترَّ بالرأيِ الذي أَوْدَى به / وأَصارَه لقُيوده وكبوله
ومَطامع الآمالِ تخدع ذا النُّهى / وتُعيد عالمَ عصرِه كجِهوله
فاللهُ ناصرُ من أطاعَك صادقا / ومُبيدُه بالذلِّ عند نُكوله
فلقد عدلتَ فكِدْتَ تأخذُ رغبةً / بالثأرِ من هابيلَ في قابيِله
ووهبتَ حتى إنّ جودَك يغمر ال / دنيا ومن فيها ببعض هُموله
وحَلُمت حتى إنَّ عفوك يسبق ال / جاني إلى الغايات من تأميله
وأَجرتَ من جَورِ الزمانِ فما لَه / صَرْفٌ يخافُ الْحُرُّ من تَنْقيله
غاياتُ مدحِك لا تُنال ونَيْلُها / إفحامُ مُوجزِه وعجزُ مُطيله
كالبحرِ لم تبلغ نهايةُ ذي نُهّى / أبداً إلى مَوزونه ومَكيله
ماذا يقول المادحون وقد بدا / بمديحِك القرآنُ في تنزيله
أنت الذي بَعث الإلهُ لنا به / آباءَه فتَمثَّلوا بمُثوله
حتى لقد ودَّ الحجازُ تشوقا / لو زاره برسُومه وطُلوله
فيرى لوجهك ما رأى من حَقِّهم / فيما مضى بجماله وجميله
ولِيُمْسِك البيتُ الحرامُ وحِجْرُه / ومقامُه وحَطيمُه بذُيوله
ويُبادِرَ الْحَجرُ العظيمُ ومالَه / غيرُ استلامِ يديه أو تقبيله
وتقول مكةُ عند ذاك وطَيْبَةٌ / هذا ابنُ حَيْدرةَ الرِّضاَ وبَتوله
هذا ضياءُ اللهِ والمعنى الذي / تتَفاضلُ العلماءُ في تعليله
هذا ابنُ مَنْ أَدْناهُ منه إلهُه / كالقابِ من قَوْسَيْن في تمثيله
هذا ابن من نطق الذراعُ لجَدِّه / إذْ سَمَّه الكفار في مأكوله
من آمنتْ جِنُّ البلاد به وقد / سمعتْ كلامَ اللهِ في تنزيله
ما زال يَنْقُله الإله مُطهَّرا / عن ظهرِ مثلِ ذَبيحه وخَليله
وتَوارثتْه الأنبياءُ وسادةُ ال / خلفاءِ حتى حانَ وقتُ حُلوله
قَسما بمولِده وغُرَّةِ وجهِه / شَرَفا أَناف لعصِره ولجِيله
هذا مُذِلُّ الشِّرْكِ بالعَزْم الذي / ما فيه غيرُ أسيره وقتيله
أَغنتْ هِباتُك قُطْرَ مِصْر عن الْحَيا / جُودا وأغنى نَيْلُها عن نِيله
مَدَّ الحياءَ على الْحَيا حتى انثَنى / عنها ودام النيلُ في تَطْفيله
ولقد يُريد تَشَبُّها بك في الندى / وأقلُّ جودِ يديك مثلُ جَليله
ونَداك أَدْوم ثم أحلى موقعا / منه فما ينفكُّ عن تخجيله
لو لم يُراعِ له قريبَ جوارِهِ / لرَواه سَيْبُك في عظيم نزوله
جودٌ يَفيض لمن دَنا ولمن نَأى / فالْخَلقُ بين هُموله وشُموله
يا طالبا للدين والدنيا معا / يَبْغيهما بوَجيفه وذَميله
مِصراً فبابُ اللهِ فيها سائلُ ال / أفضالِ قد سعد الوَرى بدخوله
الآمرُ المنصورُ والجبلُ الذي / قامتْ ملوكُ الأرضِ تحتَ سهوله
هو واحدٌ والناسُ طُرّا بعضُه / ما عازَه في الخلق غيرُ عَديله
يا غرَّةَ الحقِّ المُنيرةَ للورى / فدليلُها بادٍ على مدلوله
هذا مقام كنت أَجْهَد دائِبا / في نَيْله وأَجِدُّ في تحصيله
حتى وقفتُ أمامَ دَسْتِك مُنشِدا / ما أنت أعلمُ سامعٍ بمقَولة
فلأَفْخَرَنَّ به لأكِمد حاسدي / حتى يموتَ بغيظه وغَليله
فتَهنَّ هذا العيدَ فهْو مُهَنَّأٌ / فيما لديك بقُربِه ووُصوله
وافَى فأَدركَ منك فخرا عاجلا / ظَفِر الزمانُ به مِنِ اسْماعيله
شَرَّفتَنا وزمانَنا فجميعُنا / مُتميِّز في جنسه وقَبيله
فاسلمْ ودُمْ والْقَ السنين بمُبْتدا / عُمرٍ كطيبِ نَدى يَدَيْك وطوله
لأُرَوِّيَنَّ الدرهَ مَدائحاً
لأُرَوِّيَنَّ الدرهَ مَدائحاً / كالسحرِ إلا أنهن حلالُ
مدحٌ يَعُمُّ الخافقَيْنَ أَقلُّه / وكأنه من راحتيكَ نوالُ
وصل الكتابُ فكدتُ من فرجٍ به
وصل الكتابُ فكدتُ من فرجٍ به / أوهِى يمينَ رسوله تَقْبيلا
فكأنني ظمآن ضَلَّ بقَفْزةٍ / حتى انتهى يأسا أصاب النيلا
وأظنُّ مولاي اقْتَدَى بمقالِ مَنْ / نَظم القريضَ وأَغْرَب التأويلا
لولا طِرادُ الخيلِ لم تك لذةٌ / فَتطارَدِي لي بالوصالِ قليلا
لا زلتَ تتخذ السعادةَ صاحبا / والعزَّ دارا والبقاءَ خليلا
تُثْنِى بما أُثِنى عليك صحائفٌ / تُتْلَى بألسنةِ الورى تَرْتيلا
إنّ الخلافةَ لم تَزُلْ عن أصِلها
إنّ الخلافةَ لم تَزُلْ عن أصِلها / بل أصبحتْ في ملكِ ناظمِ شَمْلِها
صارتْ إلى مَن لو حَواها غيرُه / ما كان مُضطلِعا بأَيسرِ ثِقْلِها
إن الهناءَ لها برُتْبِة وَصْلِهِ / ضعفُ الهَناءِ له برتبِة وَصْلِها
فالمُلْكُ كالفُلْكِ المضيءِ بشمسِه / والشمسُ أنت وضوءُه من فِعْلِها
يا حجةَ الله التي وجبَتْ على / أهلِ الزمانِ بفَرْعِها وبأصلها
إن القلوب تألفت واستسلمتْ / طوعا إليك بعلمِها لا جهلها
والحقُّ أبلجُ والضرورة شاهدٌ / بقضيةٍ تقِضى العقولُ بعَدْلِها
وَرِث ابنُ عمِّ محمدٍ من بعدِهِ / حقَّ الخلافةِ مُنْصِفا في نَقْلِها
وورثتَ أنت عن ابنِ عمك حَقَّها / فجَرى قياسُ خِلافه في شكلها
واللهِ ما اختارتْك إلا بعد ما / وَجدتْك أَوْلَى وارثٍ من نَسْلِها
حتى لوِ اجتمع الخَليقةُ كلها / من شيخِها أو طفلها أو كَهْلها
لم ينهضوا بدقيقةٍ من حمِله / ووجدتْك أَنْهضَ من يقوم بحملها
يا حافظا للدينِ حِفْظَ حِياطةٍ / بسياسةٍ ما شُوهدتْ من قَبْلِها
عدلٌ وإنصافٌ وفَرْطُ صِيانةٍ / ومواهبٌ تُرْوِى الأَنامَ بَهطْلِها
وسدادُ رأىٍ أظهرتْ مرآتُه / لك ما يدِقُّ بما صَفا من صَقْلها
ورجاحةٌ وفصاحةٌ وسماحة / أربتْ على البحر الخِضَمِّ بوَبْلِها
وتواضعٌ للهِ عن شرفٍ سَما / فوق الثريا ضِعْفَ ضعفِ مَحَلِّها
يا ابنَ النبوةِ والخلافةِ والأُلَى / نهضَوا بصعبِ المَكْرُمات وسهلها
الفرضُ طاعتُكم وطاعةُ غيرِكم / تَبَعٌ لها بضرورةٍ من أجلها
إن الصلاة بكم تَصِحُّ وذكرُكم / تتميمُها في فَرْضها أو نَفْلِها
بكم تسعدُ الدنيا ويسعد أهلها / يا خيرَ حيٍّ من سُلالة رُسْلِها
يا عروةَ اللهِ التي لم ينتفع / إلا امرءٌ عَلِقتْ يداه بحبلها
يا بحرَ علمٍ كالبحارِ جميعِها / لك من فنونِ الفضلِ عِدَّةُ رَمْلِها
الله خَصَّك في الكمال برتبةٍ / لم ينفتح لسواك مُغْلَقُ قُفْلِها
أَمنتْ بك الدنيا لأنك حافظٌ / بالحزمِ بين أَدَقِّها وأَجلِّها
قد كان قبلَك نيلُ مصرَ مُقصِّرا / والناسُ في جَزعٍ لوافدِ مَحْلِها
حتى وليتَ فأدركتْها رحمةٌ / يَتتابعُ الغيثُ الغزيرُ بمثلها
وكفَي بذلك في البرية مُعجِزا / يشِفي السَّرائر من شَوائبِ غُلِّها
إن الخلافة ما أَتتْك عريبة / بل أَيِّمٌ أضحتْ تُزَفُّ لبَعْلِها
جاءتْ إلى الأَوْلَى بقَبْضِ زمامها / وظَهيرِ ذِرْوَتها ومَوْطِىءِ رجلها
فاز الملوكُ من السعودِ ببعضها / وأتيتْ بعدهمُ ففزتَ بكُلِّها
فضُروبُ فضلِك لا تُعَدَّ فإنها / كالسُّحْبِ لا تُحصَى فَرائدُ وَبْلِها
منها بدورُ سَمائِك الغرُّ التي / فضحتْ أَكُفُّهمُ السحابَ بهَطْلِها
ساروا إلى العَليا ملوكٌ فانتَهى / جهدُ السوابقِ عند أولِ نُزْلِها
أرضعتَهم دَرَّ الفضائلِ فارْتَوَوا / من بعدِ ما طال الزمانُ بَحفْلِها
سُحْبٌ تجود لنا بعَذْبِ نوالها / غَدَقا وتَلْحَقنا بباردِ ظلِّها
سُسْتُ الأمور سياسةً بلطافةٍ / فإذا جَفا خَطْبٌ رَمتْه لجَزْلِها
فاسْلمْ لضبطِ الدين والدنيا معا / حِصْنا يحيط بشيخِها وبطفلها
فتهنَّ هذا العامَ فهْو مُبِّشر / بسعادةٍ ملأتْ مَسالكَ سُبْلِها
هو وافدٌ وافَى لينصر عِزُّه / نورَ النبوةِ مُعْرِبا عن فضلها
صَلَّى عليها مَنْ أَتمَّ بها الهدى / علما وفكَّ بها النُّهَى من غُلها
بعثتْ إليكَ بطَيفِها تَعْليلا
بعثتْ إليكَ بطَيفِها تَعْليلا / وخِضابُ ليِلك قد أَراد نُصولا
وأتْتك وَهْنا والظلامُ كأنما / عَقَد النجومَ لرأسِه إكليلا
وإذا تأملتَ الكواكبَ خِلْتَها / زهرا تَفتَّح أو عيونا حُولا
أهدتْ لنا من خَدِّها ورُضابها / وردا تُحَيِّينا به وشَمولا
وردا إذا ما اشْتَمَّ زاد غَضاضةً / وإذا شممتَ الورد زاد ذبولا
وجَلتْ لنا بَرَدا يُشَهِّى بَرْدُه / نفسَ الحَصورِ العابدِ التَّقبيلا
بَرَدٌ يُذيب ولا يَذوب وكلما / شرِب المتيمُ منه زاد غَليلا
لم أنْسَها تشكو الفراق بأَدُمعٍ / ما اعْتَدْنَ في الخدِّ الأسيل مَسيلا
فرأيتُ سيفَ الجفنِ ليس بمُغْمَدٍ / من تحتِ أَدْمُعِها ولا مسلولا
إن غاض دمعُكِ فاحذرِي غرقا به / فإذا تَوالَى القَطْرُ عاد سيولا
حُطى النِّقابَ لعلّ سَرْحَ لِحاظِنا / في روضٍ وجهِك يَرتْعَينَ قليلا
لما انتقبتِ حَسبتُ وجهك شُعلةً / خَللَ النقاب وخِلتُه قنديلا
هام الفؤاد بأَنْجُمٍ من حيث ما / بصرتُهن رأيتُهن أُفولا
ينمون حين تَرى الموارد طُفَّحا / والروضَ غَضَّا والنسيمَ عليلا
والأُقحوانةَ ثَمَّ تْلقَى أختَها / كفمٍ يُحاول من فمٍ تقبيلا
كلِف الفؤاد بمن رأيت فكلما / دانيتُه شبرا تَأخَّر ميلا
قَتلتنيَ الأيامُ حين قتلتُها / علما فدُونَك قاتلا مقتولا
يا دارُ ماذا فيك من مُلَحٍ
يا دارُ ماذا فيك من مُلَحٍ / دلتْ على شَرَفٍ من الهِمَم
لكنْ لمن تَنْميك همتُه في الفضلِ / قَدْرٌ جَلَّ عن إرم
كم شاد في العلياءِ من شرفٍ / يزداد تجديدا على القِدَم
فرِواقُه بالحمدِ مرتِفع / وأساسُه بالجود والكرم
للقائدِ المولى الأَجلِّ به / ذِكرُ يوَقِّيه من العَدَم
لا زال طيبُ ثنائِه أبدا / في الدهرِ مفروضا على الأُمم
في ظلِّ شاهِنْشاهَ مرتِفعٌ / عن نائبات الدهر في حَرَم
ينهى ويأمر كلَّ حادثةٍ / فتطيع وهْي له من الخدم
لَهْفِي على الإسكندري
لَهْفِي على الإسكندري / ةٍ كيف يَسْكُنها اللئامُ
بلد عَدِمتُ بها السرو / ر كما بها عُدِم الكرِام
حَسُنتْ وقُبِّح أهلها / فضِياؤُها بهمُ ظلام
قومٌ إذا استيقظتَهم / لمَكارمِ الأخلاقِ ناموا
قوم إذا قعد الكرا / م على بساط العز قاموا
فحلالُهم من شُحِّهم / في كل مسألةٍ حَرام
قوم إذا استطعَمْتَهم / في يومِ عيدِ الفطر صاموا
هذا الخليجُ فمَرْحَبا بزمانِهِ
هذا الخليجُ فمَرْحَبا بزمانِهِ / يا حَبَّذا الآصالُ بين جِنانِهِ
فامرحْ بطَرْفِك كيف شئتَ ترى به / معنى يَفُكُّ القلبَ من أحزانه
تَسْرِى الصَّبا في جانبيه عَليلةً / فيَثور عرفُ المسكِ من ريحانه
وتَهُبّ فوقَ إهابِه فتُعيده / دُرّا يعز الطرفَ عند عِيانه
فكأنّ وسوسةَ الغصونِ أحبَّةٌ / كلٌّ يُبثُّ أخاه من ألحانه
حَنَّت دَواليبُ المياهِ وساعدتْ / شَدَواتِ لحنِ الطيرِ في أغصانه
والشمسُ في أفق الغُروبِ كراحلٍ / متأسِّفٍ بالبين عن أوطانه
ذا منظرٌ لو أنصفوه سَعَى له / كِسْرى أنو شروان من إيوانه
لله أيامي به ومُساعِدِي / من صَحَّ عِقْدُ السحرِ من أجفانه
من خَدِّه وَرْدِى ورَشْفِ رُضابه / خَمْرى ونُقْلى مَصُّ طرْفِ لسانه
يسعى بمِرِّيِّحٍ تَضمَّن قامةً / كالسَّمْهَرى ولحْظُهُ كسِنانه
فأروح في بُرْدِ الشبابِ وأغتدِي / وزمامُ أمرِي في يَدَيْ شيطانه
يا قلبُ ما فَعلتْ بك العينانِ
يا قلبُ ما فَعلتْ بك العينانِ / عَنَّتْ فمَلَّكتِ الغرامَ عِناني
يا معقلَ الحَسراتِ قد كَمُل الضَّنا / كم ذا وألسنة النُّهَى تَنْهاني
كم في حَشاك جِراحةٌ عَبَثتْ بها / حَدَقُ الظِّبا وسَوالفُ الغِزلان
من كل معتدلِ القَوام تَخالُه / مُتهادِيا غُصْنا من الريحان
يعني بمِسْواك الأَراك بمثلِه / ويُقابل الكثبانَ بالكثبان
نَشوان حُمِّل خَصْرُه من رِدْفِه / ما قد تحملَ من هواه جَنانى
يَفْتَرُّ عن شَبِم الرضاب كأنه / دُرٌّ لها صدف منَ المَرْجان
لا تَطْرفُ الألحاظُ عند لقائِه / فكأنها ليست من الحيوان
يا سالما وهَواه بين جَوانحِي / يَجرِي مَجاري الروحِ من جثماني
كم ليلةٍ أَطْلعْتُ فيها فجَرها / ويدي على كبدي منَ الخَفَقان
أخلو بذكرِك ثم يُقلقني ألأسى / فأَعَضُّ من أسفٍ عليك بناني
خذ جانبا يا صاحِ عن لَحظاتِه / حَذَرا فهن حَبائلُ الشيطان
كالسيف يَخْترِم النفوس غرارُه / ورُواهُ يُعجِب ناظرَ الإنسان
لا أستميحُ الوصلَ منك لأنه / لو ناله غيرِي لكنتُ الثاني
لو أن ما أرجوه منك وجدتُه / وأراده غيرِي لكان مكاني
لو جدتَ لي بالوصل ثم بعثتَ لي / منك الخيال مُواصِلا لَكفانِي
زدني قِلىً واهجرْ فذلك بُغْيَتي / من بعدِ كونِى والورى سِيّان
بجلالِ قدرِك تفخر الأزمانُ
بجلالِ قدرِك تفخر الأزمانُ / وأشدُّ مُفتَخِرٍ به رمضانُ
لو كان ينطق قال هَنوني به / لكنْ يُخلُّ به فمٌ ولسان
لولا سيوفُك ما استقرَّ لنا به / صومٌ ولا نُسكٌ ولا قرآن
بركاتُك اشتملتْ عليه فما خَلا / منهن لا شهرٌ ولا إنسان
ما حلَّ حتى حل فضُلك فوقَه / فله بذلك في المعالي شان
يا أيُّها الملكُ الذي تَحيا به / الأزمانُ والأذهان والأبدان
أنتَ الغريبُ الفضلِ معْ ما أنه / لولاك لم يَتعرَّفِ العِرفان
فضلٌ يَجِلُّ عن الدليلِ وهل على / شمسِ الظَّهيرةِ يُطْلَب البرهان
عَظُمَتْ صِفاتُك في السماعِ لغائب / ورُؤِيتَ فاحتقرَ السَّماعَ عيانُ
أبدتْ جمالا في جميل صَنائعٍ / فافترَّ فيها الْحُسنُ والإِحسان
عَمَّت مَواهُبك الأنام كأنما / من جودِ كفِّك يُرْزَق الحيوان
وأمرتَ فامتثلَ الملوكُ كأَنهم / أعضاء مُقْتدِر وأنت جَبان
ونهيتَ فارتاع الزمانُ تَهيُّبا / فكأنك الهيجاء وهْو جنان
وعزمت فالفَلك الأثير كأنما / يتلوك أو بيديك منه عنان
وكأنما سابْقتَه فسَبقْتَه / وجميعُ موجودٍ حَواهُ رِهان
عَزْمٌ أَتمُّ مَدىً وأطولُ مدةٍ / في كل شاسعةٍ نَواها الآنُ
راضتْ سياستُك البلادَ وأهلَها / فكأنها أُمٌّ وهم إخوان
وأَخفْتَ شاسعةَ العِدَا فقبورُهم / أوطانهم وثيابهم أكفان
والخوفُ هاجِرةٌ وسيفُك مَورِدٌ / فَرْدٌ وكلٌّ منهمُ ظمآن
يا مُجْتَدى الكرماءِ حَسْبُك قد طَما / بحرُ النوالِ فهانتِ الغُدران
ها كفُّ شاهِنْشاهَ تَزْخَرُ بالندى / غدِقا وظَنِّى أنه الطوفان
لا تَدَّخِرَّ لغدٍ فإنَّ نواله / أبداً بكلِّ نَفيسةٍ يَهْتان
دِيَمٌ تجود مدى الزمانِ على الورى / طُرّا فلم يُخْصَص بهن مكان
فكأنها في كل أرضٍ شكرُها / ولكلِّ ذي لغةٍ به إدمان
تتكرر الأنفاسُ وهْو أمامها / أبدا فمَجْراها له ميدان
هيهاتَ ليس يَزينُ وصفَك مادحٌ / لكنْ مَدائحُه به تَزْدان
منك استفدْنا ما نقول وإنما / تزداد في أوصافك الأوزان
لك في خفيّاتِ المَعالي خاطرٌ / يقظان مهما نامتِ الأجفان
وبديهةٌ في صائبِ الرأي الذي / يُغنِي إذا أُرْوِى به لُقْمان
للسيفِ والقلمِ افتخارٌ كلما / لَمستْها لك راحةٌ وبَنان
تغدو المنايا والآماني منهما / تجرى فذي نفْسٌ وتلك سِنان
يامن تَنزَّهَ أنْ يُقاسَ بمن مَضَى / أين الأعاجم منك والعربان
مَن أَحْنَفٌ من حاتم من يَعْرُب / من عنتر من قُسُّ من سَحْبان
من أَرْسَطاطاليسُ من إسكندر / من قيصر أم من أنوشِرْوان
هيهاتَ جزءٌ من كمالك عاجزٌ / عنه الخليفةُ إنْسُها والجان
يا دوحةَ الفضلِ التي في ظِلَّها / للخَلْقِ من جَوْرِ الزمانِ أمان
قد طاب أصُلك في المَكارمِ مَغْرِسا / وتَفنَّنتْ لك في العُلى أَفْنان
وروى ثَراك سحابُ كلِّ فضيلةٍ / وعلاهُ روضُ نوالِك الرَّيان
وغَدتْ لك الآمالُ وهْي من الطَّوى / هَزْلَى وراحت عنك وهْي سِمان
تتنافس الآمالُ فيك فما أَتَى / فَرِحٌ وما فارقتَه أَسْيان
كسرورِ شهرِ الصومِ إذ قابلتَه / وتأسُّفٌ وَلَّى به شعبان
فبقيتَ ما بقي الزمان مُهنَّأً / بيديك يَقْوَى الأمنُ والإيمان
شهرُ الصيام بك المُهَنَّا
شهرُ الصيام بك المُهَنَّا / إذ كان يُشبِه منك فَنّا
ما سار حَولا كاملا / إلا ليسرقَ منك معنى
وينالَ منك كما ننا / لُ ويستفيدَ كما استفدنا
فرأَى مَحلَّك من محل / هِلاله أعلا وأَسْنَى
بَهرتْ مَحاسُنك الورى / فأعادتِ الفُصحاءَ لُكنا
فإذا مَدحْناك احتقر / نا ما نقول وإِن أَجَدْنا
والفضلُ أجمعُ بعضُ وص / فِك وهْو غايةُ ما وَجَدْنا
إن الذي صَدَح الحما / مُ به ثناؤُك حين غَنَّى
وأظنُّ ذلك مُوجِبا / طَرَبَ القضيبِ إذا تَثَنَّى
فتَهَنَّ شهرَك واسْتزِدْ / بقدومه سعدا ويُمْنا
فمكانُه من علمِهِ / كمكانك المحروسِ مِنّا
لا يسكن اللفظَ البديعَ حلاوةٌ
لا يسكن اللفظَ البديعَ حلاوةٌ / حتى يكون ثَناك من أركانِهِ
ويظلُّ بيتُ الشعرِ قَفْرا خاليا / ما لم تكن بالمدح من سُكّانه
قدٌّ تُقَدُّ به القلوبُ إذا انْثَنَى
قدٌّ تُقَدُّ به القلوبُ إذا انْثَنَى / يُنْبِيك كيفَ تَأَوَّدُ الأغصانُ
كالصَّعْدةِ السمراء قد أَوْفَى بها / من لحظِ مُقْلِته الضعيفِ سِنان
ما خِلْتُ أن النار في وَجَناتِه / حتى بدا في عارضيه دخان
هذا الفراقُ وهذه الأَظعانُ
هذا الفراقُ وهذه الأَظعانُ / هل غيرَ وقِتك للدموعِ أَوانُ
إيهٍ دموعَك إنما سُنَن الهوى / جسم يذوب ومَدْمَعٌ هَتّان
إنْ لم تفِضْها كالعقيقِ فكلُّ ما / تدعوه من جهد الهوى بُهتْان
إن كنتَ تَدَّخر الدموعَ لبَينِهم / فالآنَ قد وقع الفراقُ وبانوا
قد حلَّ ما قد كنتَ تحذر كونَه / فلقُرْبِ شأنك أنْ تُؤخّر شان
عذرُ المتيَّمِ أن يكون بقلبه / نارٌ وبين جفونه الطوفان
أفصِحْ بما ضَمِنت دموعك من أسى / فعليكَ من أمر الهوى برهان
هذا السَّقامُ على ضميرِك شاهد / عَدْلٌ فماذا ينفع الكتمان
تَتناهبُ الزَّفراتُ قلبَك كلما / غنى على فَنَنِ الغَضا حَنَّان
ويَهيج شوقَك للأحبةِ شكلُها / كُثبٌ تَميس على ذُراها البان
قد كان حَسْبُك أنْ تَكلَّمَ مُقْلةٌ / يومَ التَّرحُّلِ أو يُشير بَنان
لكنْ عَداكَ عن الأحبة مِثلُها / قَدٌّ ولحظٌ ذابلٌ وسِنان
للبيضِ دونَ البيضِ ضربٌ مثلما / للسُمْرِ دونَ السمر عنك طِعان
من كلِّ مُعتِقلِ القَناةِ تَخالُه / أَسدا يلوذ بكفِّه ثعبان
يسطو وقائمُ سيفهِ في كفِّه / فكأن راحتُه له أوطان
للهِ دَرُّكِ يا أُثيلاتِ الحِمى / سَقْيا لعيشك والزمانُ زمان
كم قد نَثَرْنا فيكِ من أَفواهِنا / دُرّا صَفا أصدافُه الآذان
سِرٌّ ولولا شُحُّ أَلْسُنِنا به / رَقَصت به طَرَبا لها كثبان
وفؤادِ مُظلمةٍ قطعتُ نِياطَه / سَعْيا وطَرْفُ جِماحها وَسْنان
لا تُقدم القَدَمان فيه بخطوة / جَرْيا ولا للعينِ فيه عيان
ومُصاحِبي شختُ الغِرارُ مُذَرَّب / للموت في جَنباته هيجان
حتى سموتُ إلى رفيعٍ يبصر ال / إنسانَ في صَفحاته الإنسان
سامٍ يَزَلُّ الذَّرُّ عن جَنباته / ويَكلُّ دونَ سمائه العِقْبان
وبكتْ حذارَ الكاشِحين فخِلتُ ما / في الجيدِ ما جادت به الأجفان
ورشفتُ معسولَ الرضاب كأنما / فُضَّت عليه لَطيمةٌ ودِنان