المجموع : 161
أسألتَ بانَ الجِزْعِ وَهْوَ يُصَفِّقُ
أسألتَ بانَ الجِزْعِ وَهْوَ يُصَفِّقُ / كيفَ الثَنيَّةُ بَعدَنا والأبرَقُ
وهَلِ الأجارعُ أُمطِرتْ بعدَ النَوَى / يوماً وهل تِلكَ الخَمائلُ تُورِقُ
يا جِيرةَ الحَيِّ الذينَ تَحَمَّلوا / ما كُنتُ أحسَبُ أنَّنا نَتَفرَّقُ
أستغِفِرُ اللهَ العظيمَ بأنَّنِي / فارَقتُكم وبَقيتُ حَياً يُرزَقُ
ولَقد بكَيتُ على الدِّيارِ فساءَني / دَمعٌ لهُ سَعَةٌ وطَرْفٌ ضَيِّقُ
والدَّمعُ مِن بعضِ المِياهِ قليلُهُ / يُروي ولكنَّ الكثيرَ يُغرِّقُ
هل مُبْلغٌ عَنّي التَحيَّةَ ظَبيةً / عن مِسكِ نَكْهتِها اللَطائِمُ تُفتَق
تَلقَى مَعاطِفَها الغُصونَ فتنثَني / خَجَلاً وتَلقْاها النُجومُ فتخفِقُ
بَدَوِيةٌ من آلِ مُرَّةَ قد حَلا / نهبُ القُلوبِ لَها بطَرْفٍ يَسرِقُ
مِن خالِ وَجْنَتِها بَلاءٌ أسوَدٌ / من وَشْمِ بُلجَتها عَدُوٌّ أزرَقُ
يا دُرَّةَ الغَوَّاص طَيَّ خِبائِها / ويَحْي مَتى هذا الخِباءُ يُمزَّقُ
لو تُطبَعُ الأحداقُ فيهِ رأيتَهُ / كالدِّرعِ من حَدَقٍ إليهِ تُحدِّقُ
إنْ لم تُصِبْ قَدَمٌ إليكَ تَطَرُّقاً / خوفَ الرقيبِ فللقُلوبِ تَطَرُّقُ
قد كانَ لي قلبٌ فطارَ بهِ الهَوَى / فأنا بِلا قلبٍ أهيِمُ وأعشَقُ
وَجْدٌ تَوَقَّدَ في خِلالَ أضالعٍ / قد كانَ يُحرِقها فصارَتْ تُحرِقُ
قد أيْمَنَ الصَبرُ الذي أعدَدتُهُ / للنَّائِباتِ ورَكْبُ شَوقي مُعْرِقُ
شَوقٌ يهيجُ إلى الذي ينسَى بهِ / شَوقَ الجمالِ الهائمُ المُستغرِقُ
العالمُ الصَّدرُ الكبيرُ الشاعرُ ال / فَطِنُ الشَّهيرُ الكاتبُ المُتأنِّقُ
عَلَمٌ يَمُدُّ على العِراقِ رِواقَهُ / وبهِ العواصِمُ تَستَظِلُّ وجِلَّقُ
أبقَى لهُ الباقي الذي هُوَ عبدُهُ / شِيَماً من الفاروقِ لا تَتَفرَّقُ
منها الوَداعةُ والزَهادةُ والتُّقَى / والعَدلُ والحِلمُ الذي لا يَقلقُ
بدرٌ بأُفْقِ الشَرقِ لاحَ وضوءُهُ / في الخافِقِيْنِ مُغرِّبٌ ومُشرِّقُ
ما زالَ في شَرَفِ الكمالِ فلم يكُنْ / نَقصٌ ولا خَسْفٌ بهِ يتَعلَّقُ
هُوَ ذلكَ الرَّجُلُ الذي آثارُهُ / لا تُقتَفى وغُبارُهُ لا يُلحَقُ
ولهُ الفُتُوحُ إذا تَمرَّدَ مارِدٌ / في كُلِّ مُعضلةٍ وعَزَّ الأبلَقُ
تأتي نَفائِسُهُ إليَّ سَوابقاً / وهُوَ الذي في كلِّ فضلٍ يَسبُقُ
ولَعلَّها كالصُّبحِ يسبُقُ شَمسَهُ / والشمسُ تدنو بعدَ ذاكَ فتُشرِقُ
سُرَّتْ برُؤيةِ خَطّهِ العينُ التي / أبداً لرُؤيةِ وَجهِهِ تَتَشوَّقُ
أثَرُ الأحبَّةِ يُستلَذُّ بهِ كما / يَلتَذُّ وَسنانٌ بطَيْفٍ يَطرُقُ
غَمَرتْ فَوائِدُهُ البعيدَ بنَيْلِها / مثلَ القرِيبِ ونِيلُها يَتَدَفَّقُ
كالبحرِ يُهدِي من جَواهرِهِ إلى / مَن لا يَراهُ كمَنْ بهِ يتَعمَّقُ
يا أيُّها القَمَرُ الذي من دُونِهِ / طَبَقُ المفَاوِزِ لا السَّحابُ المُطْبِقُ
إن كُنتَ قد أبعَدتَ عَنَّا نازِحاً / فالبُعدُ أشجَى للقُلوبِ وأشْوَقُ
أُثني عليكَ كأنَّني مُتَفضِلٌ / ولَكَ التَفضُّلُ عندَ مَن يَتَحقَّقُ
لو لم يكُنْ لكَ ما نَطَقْتُ بِمَدْحِهِ / فتُرَى بماذا كانَ شِعري يَنطِق
ماذا يُؤَمِّلُهُ الحَسُودُ بجَهْدِهِ
ماذا يُؤَمِّلُهُ الحَسُودُ بجَهْدِهِ / إذ يَقصِدُ الموَلى كَرامةَ عبدِهِ
وإذا أرادَ اللهُ عَوْنَ مُوفَّقٍ / جُعَلِتْ مَلائكةُ السَّماءِ كجُندهِ
للهِ سِرٌّ في العِبادِ وحِكْمةٌ / تَدَعُ الرَّشيدَ كغائبٍ عن رُشدِهِ
يَقضي بما يَهْوَي فَسَلْ عن فِعِلِهِ / إنْ شئِتَ لكنْ لا تَسَلْ عن قَصدِهِ
والدَّهرُ كالبُستانِ بينَ رِجالهِ / لا بُدَّ يُؤذِي الشَّوكُ قاطفَ وَردِهِ
لو لم نَكُنْ ذُقنا مَرارةَ صَبرِهِ / بالأمسِ لم نَعرِفْ حَلاوةَ شَهدِهِ
لا تَحمَدِ الأمرَ الذي أبصَرتَهُ / حَتَّى يَتِمَّ فقمْ هُناكَ بَحمدِهِ
وإذا قَبَضْتَ مِنَ الصَداقةِ دِرْهماً / كَلِّفْ تجاريبَ الزَّمانِ بنَقْدِهِ
إنَّ الصَّديقَ هُوَ المُقيمُ على الوَفا / في وَقتِ ضَنْكِ العَيشِ لا في رَغدِهِ
أهْلُ الصَّداقِةِ في النُّحُوسِ قَلائلٌ / والكُلُّ أصحابُ الفَتَى في سَعدِهِ
ليسَ الجميلُ لِمَنْ يُعاهِدُ صاحباً / إنَّ الجَميلَ لِمَنْ يَقومُ بعَهدِهِ
لا يحَفَظُ الوُدَّ السَّليمَ لرَبِّهِ / مَن لم يكُنْ للناسِ حافظَ ودِّهِ
يا نِعمةَ اللهِْ الذي لَكَ نِعمةٌ / من فَضلِهِ وكَرامةٌ مِن عِندِهِ
وَعَدَ الإلهُ الصَّابرِينَ بعَونِهِ / لا تَحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعدِهِ
كم قد تَجرَّدَ سيفُ رجزٍ قاطعٌ / سَحَراً فأمسَى نائماً في غِمدِهِ
وَلَكَمْ تَمزَّقَ من سَحابٍ فارغٍ / قد كانَ يَرجُفُ بَرقُهُ من رَعدهِ
من عاشَ في هذا الزَّمانِ يَعوزُهُ / صَبرٌ على حَرِّ الزَمانِ وبَرْدِهِ
لا يُحْزِنُ المَرَضُ الفَتَى بقُدومِهِ / يوماً عليهِ كما يَسُرُّ بفَقْدِهِ
إنْ كُنتَ أحسنتَ الوَفاءَ فهكذا / قد أحسنَ المَلِكُ العظيمُ بِرِفدِهِ
شارَكتَهُ بالأمسِ في أتعابِهِ / واليومَ أنتَ شريكُهُ في مَجْدِهِ
ما بالُ تلكَ الشَّامةِ الخَضراءِ
ما بالُ تلكَ الشَّامةِ الخَضراءِ / في النارِ وَهْيَ كأنَّها في الماءِ
ومنَ العجائِبِ أنَّ ناراً قد بَدَت / في جَنَّةِ حُمِيَت عنِ الشُّهداءُ
يا ظَبيةً في الحيِّ حولَ كناسِها / سُمْرٌ حَفَفْنَ بصَعْدةٍ سَمْراءِ
ما نَرْتجي والحَرْبُ دائرةٌ إذا / قابَلْتِنا بالرَّايةِ البَيضاء
لا تَفتَخِر عَيناكِ في سَفكِ الدِّما / فَلَنا عُيونٌ سافكاتُ دِماءِ
ودعِي مُفاخَرَتي بحُمرةِ وَجنْةٍ / فقدِ انقلَبتُ بوَجْنةٍ حَمْراءِ
في الخيمةِ الزَّرقاءِ بِتِّ كأنَّما / أمسَيتِ فوقَ القُبَّةِ الزَّرقاءِ
ورأيتِ عَينَكِ في سَوادِ مَلابِسٍ / فظَنَنْتِها صارَتْ من الخُلَفاءِ
مَهلاً عليكِ فإنَّ حُسنَكِ دَولةٌ / ظَلَمَتْ فَليسَ لها طويلُ بَقاءِ
قد سُدْتِ أطرافَ الرِّجالِ فكيفَ لو / سُدْتِ الكِرامَ كسَيِّدِ الأمراءِ
الوارثُ الشَّرَفَ الذي يُغنيهِ عن / إنشاءِ مَرْتَبةٍ ورَفعِ بِناءِ
والمُنشئُ الحَسَبَ الذي يُغنيهِ عن / شَرَفٍ تَوارَثَهُ منَ الآباءِ
أوفَى وزادَ على القديمِ حديثُهُ / كصناعةِ التَخْميسِ للشُعراءِ
وتألَّفتْ أقلامُهُ وسُيُوفُهُ / فتَشابَهَتْ في هَيبةٍ ومَضاءِ
قد عَلَّمَتْهُ المَكْرُماتِ جُدُودُهُ / فاستَخَدمَ التعليمَ للأبناءِ
يجري على طُرُقِ الأمين مُحمَّدٌ / كالشِّبلِ يَقْفُو الليثَ في البَيْداءِ
في الشَّرْقِ غَرْبٌ للبلادِ كَشَرقِها / يَجُلو بهِ القَمرانِ عينَ الرائي
قَمرانِ ما للشمسِ يُفرَضُ منهُما / صُبحٌ ولا للبَدرِ وقتُ مساءِ
شَوقي إلى تِلكَ الرُبوعِ ومَنْ بها / شَوقُ العليلِ إلى شِفاءِ الدَّاءِ
تُهدِي لَنا أرَجَ النَّسيمِ فلا تَقُلْ / أرَجُ النّسيمِ سَرَى من الزَّوراءِ
أَصفَيتُ ساكِنَها العزيزَ مَوَدَّتي / وعلى مَحَبَّتهِ عَقَدتُ وَلائي
لاَ يَستطيعُ شِرَاءَ قَلبي غيرُهُ / فلَهُ بقَلْبي شُفعةُ الشُّرَكاءِ
إِنْ لم أَزُرْهُ فقد تَزُورُ رَسائلِي / شَوقاً بكلِّ وَصيفةٍ عَذراءِ
فَرْضٌ كتسليمِ المُصِلِّي عِندَنا / إِهداءُ تَسليمٍ لهُ ودُعاءِ
أكثَرتُ من مَدحِ الأميرِ فقالَ لي / أسرَفْتَ فاترُكْ فَضلةً لِسَوائي
فأجَبتُهُ دَعْ في المناقِبِ فَضلةً / للناسِ واحكُمْ بعَدها بخَطائي
يا ظالمَ الأشرافِ إذ قاسَمْتَهُم / فأخذتَ كُلَّ سجيَّةٍ غَرَّاءِ
إني رأيتُ الشِّعرَ فيكَ يُطيعُني / فأرَاكَ تُسِعفُني على الإنشاءِ
تُبدي ليَ المَعْنَى الذي أثني بهِ / وأنا أصوغُ عليهِ لفظَ ثَنائي
فَلَك الجميلُ فذاكَ رُوحٌ جِسمُها / لَفظٌ يُعَدُّ بها منَ الأحياء
لِمَنِ المَضارِبُ في ظِلالِ الوادي
لِمَنِ المَضارِبُ في ظِلالِ الوادي / مثلُ الجِبالِ تُشَدُّ بالأوتادِ
تكسو الذَّبائِحُ كُلَّ يومٍ أرضَها / بِدَمٍ فتَسْتُرُهُ بثَوبِ رَمادِ
حُفَّتْ بِغاباتِ الرِّماحِ وإنَّما / تِلكَ الرِّماحُ عَرِينةُ الآسادِ
تَخشَى اشتِعالَ العُودِ منها إذ تَرَى / لَيلاً أسِنَّتها كوَرْي زِنادِ
تِلكَ الدِّيارُ ديارُ طَيٍّ حَوْلها / أحياءُ جُلهُمَةٍ ورَبْعُ إيادِ
حَفَّت بها زُمَرُ الكُماةِ كأنَّها / دارُ السَّعيدِ تُحَفُّ بالأجنادِ
دارٌ بأرضِ الشُّوفِ قام بِناؤها / وظِلالُ هَيبْتِها على بَغْدادِ
إنْ لم تكُنْ كُلَّ البلادِ فإنَّها / نِصفُ البِلادِ وفَخْرُ كُلِّ بلادِ
هيَ كَعْبةُ القُصَّادِ بل هيَ منَهلُ ال / وُرَّادِ بل هيَ غُصَّة الحُسَّادِ
كَتبَتْ يمينُ الحقِّ في أبوابهِا / لا تَنْسَ أنّ اللهَ بالمِرْصادِ
يَممَّتُ صاحِبَها السَّعيدَ فقيلَ لي / أنتَ السَّعيدُ ظَفِرْتَ بالإسعادِ
إن كُنتَ طالبَ حاجةٍ فَقدِ انقَضَتْ / ما لم تَكُنْ مَلطوخةً بِفَسادِ
أهديتُهُ مِثلَ العَرُوسِ قَصيدةً / لكنَّها طَلَعَتْ بثَوبِ سَوادِ
حَزِنتْ لذُلِّ الشِعر حتى أيقَنَت / بِمَماتهِ فتَسربلَتْ بحِدادِ
ولقد هَمَمتُ بتَرْكهِ لو لم تَكُنْ / غَلَبَتْ عَلَيَّ صَبابةٌ بفُؤادي
ما كُنتُ أعرِفُ قبلَ مَعرِفتي بهِ / نَفْسي فكانَ كتوْأم المِيلادِ
قد قَلَّ في هذا الزَّمانِ رَواجُهُ / حَتَّى ابتُلِيْ مَعَ رُخصِه بكَسادِ
ولَئنْ تَكُنْ كَثُرَتْ معايبُهُ فَقد / ستَرَت عليها قِلَّةُ النُقَّادِ
يا واحداً غَلَبَ الأُلوفَ فأصبَحَت / رُتَبُ الأُلوفِ رَهينةَ الآحادِ
مَن كانَ يُجهِدُ في قِتالكَ نَفسَهُ / فبِسَيفِ ذُلٍّ لا بِسَيفِ عِنادِ
إنّي دَعَوتُكَ فاستَمَعْتُ إجابةً / بالقَلبِ قبلَ الأُذْنِ عِندَ بِعادي
حاشاكَ أنْ لا تَستَجِيبَ مُنادِياً / ونَرَى الإلهَ يُجيبُ حينَ تُنادي
هذِهْ عَرُوسُ الزَّهرِ نَقَّطَها النَّدَى
هذِهْ عَرُوسُ الزَّهرِ نَقَّطَها النَّدَى / بالدُرِّ فابتَسَمَتْ ونادَتْ مَعْبَدَا
لَمَّا تَفتَّقَ سِتْرُها عن رأسِها / عَبِثَ الحَياءُ بخَدِّها فَتورَّدا
فَتَحَ البَنَفْسَجُ مُقلةً مكحولةً / غَمَزَ الهَزازَ بها فقامَ وغَرَّدا
وتَبَرَّجَتْ وُرْقُ الحَمامِ بطَوْقِها / لمَّا رأينَ التَّاجَ يعلو الهُدْهُدا
بَلَغَ الأزاهرَ أنَّ وَرْدَ جِنانِها / مَلِكُ الزُهورِ فقابَلَتْهُ سُجَّدا
فرَنا الشَّقيقُ بأعينٍ مُحمَرَّةٍ / غَضَباً وأبدى منهُ قَلباً أسْودَا
بَسَطَ الغَديرُ الماءَ حَتَّى مَسَّهُ / بَرْدُ النَّسائِمِ قارصاً فتَجَعَّدا
ورأى النَّباتَ على جَوانِبِ أرضِهِ / مَهْداً رَطيباً لَيِّناً فَتَوسَّدا
يا صاحبيَّ تَعَجَّبا لِمَلابِسٍ / قد حاكهَا مَن لَم يَمُّدَّ لها يَدا
كلُّ الثِّيابِ يَحولُ لونُ صِباغِها / وصِباغُ هذِهْ حينَ طالَ تَجَدَّدا
ما بالُ هذا النَّهر يَضرِبُ صَدرَهُ / رَكضاً ويَهِدرُ كالبَعيرِ مُعَرْبِدا
هل غارَ من كَفِّ الأميرِ مُحمَّدٍ / كم حاسدٍ حَسَدَ الأميرَ محمَّدا
هذا الذي قَتَلَ العَدُوَّ بكَيدهِ / وأذابَ مِن حَرِّ الصُدُورِ الحُسَّدا
أعطاهُ خالقُهُ الذي لم يُعْطِهِ / أحَداً فإنْ حَسَدَ الحَسُودُ فما اعتَدى
أعطاهُ حِلمَ الشَّيخِ في سِنِّ الفَتَى / حَتَّى لَقد خِلْناهُ أشْيَبَ أمرَدا
ونَفَى عيوبَ الناسِ عنهُ جامعاً / ألطافَهُمْ في شَخصهِ فتَفرَّدا
عَجَباً نَزِيدُ على استِماعِ حديثِهِ / عَطَشاً ونَشهَدُ أنَّهُ رِيُّ الصَّدَى
ونَرَى حَلاوتَهُ ونَشهَدُ أنَّهُ / بحرٌ صَدَقْنا إنَّهُ بحرُ النَّدَى
ما زالَ كاللآّلِ ينثُرُ دُرَّهُ / طَوراً ويَنظِمُ حينَ شاءَ مُنَضِّدا
يَنهَى عن السُّكْرِ المَعِيبِ جَليسَهُ / ويُبيحُ ذاك إذا تَفَنَّنَ مُنشِدا
الكاتبُ اللَبِقُ الذي في كَفِّهِ / قَلَمٌ رأى آياتِهِ فتَشَّهدا
كلُّ السَّوادِ ضَلالةٌ لظَلامِهِ / إلاّ سَوادَ مِدادِهِ فهُوَ الهُدَى
يا ذا الذي يُعطِي الوُفُودَ لِسانُهُ / دُرَراً وتُعطِي راحتَاهُ العَسْجدا
وَفَدَتْ إليكَ قصيدةٌ خَيَّرتُها / فتَخيَّرتْ دُرَّ الجَوابِ مُقلَّدا
هل أنتَ تَرْضاني بِصدقِ مَوَدَّةٍ / عَبداً فإني قد رَضيتُكَ سَيِّدِا
ما زِلتُ مُستَنِداً إليكَ مُحدِّثاً / فكأنَّني خَبَرٌ وأنتَ المُبَتدا
أسَفاً لمن قد ماتَ قبلَ مَماتِهِ
أسَفاً لمن قد ماتَ قبلَ مَماتِهِ / لا بل لَعَمْري مات قبلَ حياتِهِ
لم يَدْرِ طَعْمَ العَيشِ مُنتبِهاً لهُ / كالحَيِّ حَتَّى ذاقَ طَعْمَ وَفاتِهِ
هذا غُلامٌ كالكُهولِ فكيفَ لو / بَلغَ الشَبابَ وخاضَ في فَلوَاتِهِ
ما زالَ يَنَحتُ ذِهنُهُ من قَلبِهِ / حَتَّى بَراهُ فكانَ شَرَّ عُدَاتِهِ
نَهْنِه دمُوعَكَ يا أبهاُ فقد جَرَى / ما قد جَرَى ومَضَى على عِلاّتِهِ
أشقَى الوَرَى عَيناً وأضيَعُ مَدمعاً / مَن قد بَكَى للأمرِ بعد فَواتِهِ
قد كانَ قبلَ البَينِ أهلاً للبُكا / إذ لم يكُنُ أمَلٌ بطُولِ ثَباتِهِ
عَهدِي بهِ أنْ لا يعيِشَ نَظيرُهُ / فَحسِبتُهُ قد جَفَّ مُنذُ نَباتِهِ
إذ لم يَجِدْ في الناسِ أمثالاً لهُ / طَلَبَ الملائكَ فَهْيَ من طَغمَاتِهِ
ولقد رآهُ الدَّهرُ من آحادِهِ / فلِذاكَ لم يُدْخِلْهُ في عَشَراتِهِ
يا صاحبَ السَّبْعِ السِّنينَ ودُونِها / ماذا تَرَكتَ لشَيخِنا في ذاتِهِ
أنتَ الغريبُ كما نَرَاكَ وهكذا / شَمْلُ الغريبِ يكونُ قُرْبَ شتاتِه
قد ضاق جسمك عن مدى النَّفس التّي / ضغطت هياكِلها جميع جهاتهِ
فمَضت إلى الموعودِ من غاياتِها / ومَضَى إلى المعهودِ من غاياتِهِ
هذا الذي تَرَكَ الأبُ الأقصَى لنا / لكن كَحظِّ بَنيهِ حَظُّ بَناتِهِ
كأسٌ على الغِلمانِ يَعرِضُ تارةً / قبلَ الشُّيوخِ لُسوءِ رأيِ سُقاتِهِ
يا أيُّها القبرُ الذي استُودِعْتَهُ / أبشِرْ فما من قائلٍ لكَ هاتِهِ
إِعطِفْ عليهِ فأنتَ حَقاً أمُّهُ / وازجُرْ ثَراك مُؤَدِّباً حَشَراتِهِ
واحرصْ على ذاكَ اللِسانِ فإنَّهُ / قد كانَ يَسقِي الشَّهْدَ من كَلِماتِهِ
لَكَ أُمُّهُ رَبَّتْهُ فاشكُرْ فَضْلَها / واشكُرْ أباهُ فذاكَ من حَسنَاتِهِ
يا طالما سَهِرَتْ عليهِ فقُلْ لها / ها قد أمِنْتِ اليومَ من يَقَظاتِهِ
لا تَخلَعي ثوبَ السَّوادِ لأجلِهِ / ما دامَ تحتَ اللَحْدِ في ظُلُماتِهِ
لمّا رآكِ وقد دَعَوْتِ بفارسٍ / سَبَقَ الرِّجالَ وجَدَّ في خَطَواتِهِ
لا تُنكِري هذا القَضاءَ بمَوتِهِ / فلَقَدْ جَرَى فيهِ على عاداتِهِ
بَلغَ الكمالَ كطاعنٍ في سنِّهِ / فَيكونُ ذلكَ مُنتَهَى أوقاتِهِ
أعَلِمْتِ ما بالقلبِ من نارِ الجَوَى
أعَلِمْتِ ما بالقلبِ من نارِ الجَوَى / يا ظَبْيةً بينَ المُحجَّرِ واللِوَى
وَرَدَ الهَوَى منكم عليَّ وهكذا / كانَ اشتِعالُ النَّارِ من ذاكَ الهَوَى
قالت تَميِلُ إلى السِّوى فأجَبتُها / أينَ السِّوَى ولَعلَّ في الدُّنيا سِوَى
لو كُنتُ أعلمُ عِندَ غَيركِ بُلْغةً / لكَرِهتُ أن أطوي حَشايَ على الطَوَى
وبمُهجتي شَوقٌ أقامَ كأنَّهُ / مَلِكٌ على عَرشِ الفُؤادِ قدِ استَوَى
أطعَمتُهُ قلبي الكليمَ فما اكتَفَى / وسقَيتُهُ دمعي السَّجيمَ فما ارتَوَى
قد كُنتُ أحسَبُهُ كضَيفٍ نازلٍ / فإذا أنا ضَيفٌ إليهِ قد أوى
ولَقَد سَمَحتُ لهُ بأنْ يكوِي الحَشا / فكَوَى ولكنْ ما رَضِي حتى شَوَى
ولرُبَّ طَيفٍ زارَني فوَجَدتُهُ / داءً عليَّ وكُنتُ أحسَبُهُ دَوا
وافى فحيَّا مُؤنِساً يُرِوي الظَّما / ومَضَى فوَدَّعَ جارحاً يُوهِي القُوَى
صارت تخافُ النَّومَ عيني بَعدَهُ / لا تَجزَعي ذَاكَ الكِتابُ قدِ انطَوَى
شَغَلَت فُؤادي عن مُغازَلةِ المَهَى / شِيمٌ لَوَت قلبي إليها فالتَوَى
للخِضْرِ أخلاقٌ يكادُ ثناؤُها / يَخَضرُّ منهُ كلُّ عُودٍ قدْ ذَوَى
طابت موارِدُها فَتُبِهجُ مَن رأى / وتَسُرُّ مَن سَمِعَ الحديثَ ومن رَوَى
قُلْ للّذي يزهو بمَكرْمُةٍ لهُ / هذا الذي كُلَّ المَكارمِ قد حَوَى
يَقضِي حُقوقَ الدِّينِ والدُّنيا معاً / في الجَهْرِ والنَجْوَى على حَدٍّ سَوا
هُوَ رُكنُ بيتِ الرَّعدِ وَهْوَ عَمُودُهُ / فيهِ الجَلالُ بجانبِ التَّقوَى ثَوَى
طُوِيَت على الإخلاصِ نيَّةُ قلبِهِ / ولِكُلِّ عبدٍ عندَ رَبِّكَ ما نَوَى
سادَ البلادَ فكان رَبَّ عَشيرةٍ / بينَ العَشائِرِ باتَ مرفوعَ اللِوا
أعيا المظَالمَ أنْ تَجُوزَ بِلادَهُ / يوماً ولو طَارَتْ إليها في الهوا
يا أيُّها الرَّعدُ الذي في الحربِ لو / وقَعَتْ صَواعِقُهُ على جَبَلٍ هَوَى
مَلأَ المَسامِعَ منكَ صِيتٌ قارعٌ / والرَّعدُ يَقرَعُ كلَّ سَمْعٍ إذ دَوَى
لا يستطيعُ البُعدُ حَجْبَ جَمالِهِ / كالصُّبحِ ليسَ يَصُّدُ شُهرَتَهُ النَّوَى
يا مَعشَرَ الشُّعرَاءِ تلكَ صِفاتُهُ / ما ضَلَّ صاحبكُم بِهِنَّ وما غَوَى
إنّي نَطَقتُ بما رأيتُ وبعضُهُ / مِمَّا سَمِعتُ فما نَطَقتُ عَنِ الهَوَى
ما دامَ هذا اليومُ يَخلُفُهُ الغدُ
ما دامَ هذا اليومُ يَخلُفُهُ الغدُ / لا تُنكِروا أنَّ القَديمَ يُجدَّدُ
لم تُقطَعِ الأغصانُ من شَجراتها / إلاّ رأينا غَيرها يتَولَّدُ
هذا الأمينُ مَضى فقامَ محمُّدٌ / خَلَفاً فنابَ عن الأمينِ مُحمَّدُ
حَدَثٌ لهُ في العينِ يومٌ أبيَضٌ / يُجلَى بهِ في القَلبِ يومٌ أسْوَدُ
مَن عاشَ في الدُّنيا تَفطَّرَ قلبُهُ / غَماً بها إن كانَ لا يَتَجلَّدُ
إن كانَ عيني كُلّما رأتِ البَلا / سَهِرَتْ فطولَ حياتِها لا تَرقُدُ
في كُلِّ يومٍ للحَوادِثِ غارةٌ / فينا تقولُ العَودُ عندي أحمَدُ
إن لم يَكُنِ للمَرْءِ عندَ لقائِها / سَيفٌ يُسَلُّ فدِرعُ صبرٍ تُسْرَدُ
فَقْدُ العزيزِ بليَّةٌ وأخَفُّها / ما صادَفَ التَعويضَ عَمَّا يُفقَدُ
عَزَمَتْ على الإنصافِ دُنيانا التِّي / سَلَبتْ يدٌ منها وأعطَتْنا يَدُ
بَدَلٌ لشَخصِ أبيهِ حَلَّ مَحلَّهُ / فَهُوَ الذي يُنحَى إليهِ ويُقصَدُ
لم تَعَهدِ العُليا فَتىً كمُحمَّدٍ / في النَّاسِ وَهْيَ لَدَيهِ مما يُعهَدُ
ألِفَ الولايةَ من صِباهُ كِلاهُما / إلفٌ لصاحِبِهِ عليهِ مُعوَّدُ
نَظَرتْ مَناقِبَهُ الحِسانَ فأدرَكَتْ / سِرّاً تكادُ تَراهُ مِمَّا يُعبَدُ
هيَ في حِماهُ رَبيبةٌ لا تَنْثني / عن بابهِ ونَزيلةٌ لا تُطرَدُ
وضَجيعةٌ في مَهْدِهِ وَردِيفةٌ / في سَرْجِهِ وجليسةٌ إذْ يَقعُدُ
رَيَّانُ في نَظَر البصائرِ أشيَبٌ / عَجَباً وفي بَصَرِ النَّواظِرِ أمرَدُ
تَزْوَرُّ عن مرْآهُ عينُ حَسُودِهِ / كَشُعاعِ شَمْسٍ يتَّقيهِ الأرمَدُ
خَلَفٌ كريمٌ أشبَهَ السَّلَفَ الذي / كانتْ لهُ كُلُّ الخَلائقِ تَشهَدُ
ما كانَ يُوجَدُ كالأمينِ بعَصرِهِ / واليومَ مِثلُ محمَّدٍ لا يُوجَدُ
غابَ الأميرُ فما تَمادَى المَرجِعُ
غابَ الأميرُ فما تَمادَى المَرجِعُ / كالبَدرِ في فَلَكٍ يَغيبُ فيَطلُعُ
ألَقى على غَرْبِ البِلادِ قُدومُهُ / طَرَباً عليهِ مَتنُها يَتَوجَعُ
رَجُلٌ تُصاحِبهُ السُّعودُ إذا مَضَى / وإذا أقامَ ففي حِماهُ تَرتَعُ
ما ضَيَّعَ الرَّحمنُ اسمَ محمَّدٍ / فيهِ وإنَّ اللهَ ليسَ يُضيِّعُ
وَرِثَ الأمينَ أباهُ مُتَّخِذاً لهُ / من عندهِ أصلاً فصارَ يُفرِّعُ
فكأنَّهُ أعطاهُ مالَ تجارةٍ / أضَحى غِناهُ برِبحِها يَتَوَسعُ
يا مَن تِجارتُهُ مَكارمُ نفسِهِ / أبداً فغيرَ المجدِ لا يَستبضِعُ
تَرضَى بمَيْسورِ المنافعِ قانعاً / لكنْ بميَسورِ العُلَى لا تَقنَعُ
ما أنتَ من أهلِ الزَّمانِ وإن تَكُنْ / فيهِ فإنَّكَ لَستَ مِمَّن يَتبَعُ
عَمرَتْ رُبوعُ العِلمِ عِندَكَ بَعدَما / كادَتْ تُمزِّقُها الرِّياحُ الأربَعُ
إنَّا لفي زَمَنٍ تَدِبُّ على العَصا / فيهِ العُلومُ وقد تَقومُ فتُصرعُ
ألقى عليها المالُ هيبةَ سَيفِهِ / فمَضَتْ تَصيحُ ووَيْحَها من يَسمَعُ
هذا هُوَ المَلِكُ العظيمُ فإنَّهُ / في الأرض تَخدِمُهُ الخلائقُ أجَمعُ
وهوَ القديرُ الآمِرُ النَّاهي الذي / يَنْهَى ويأمُرُ مَنْ يشاءُ فيَخضَعُ
في كلِّ أهواءِ النُّفوسِ تَصَنُّعٌ / إلاّ هَواهُ فليسَ فيهِ تَصَنُّعُ
ولكُلِّ شَهْوةِ راغبٍ شِبَعٌ سِوَى / من يَشتَهيهِ فإنَّهُ لا يَشبَعُ
حاشا الأميرِ مِنَ المَلامِ فإنَّهُ / في غيرِ كَسبِ فضيلةٍ لا يَطمَعُ
لا تَحسَبنَّ المُستحيلَ ثلاثَةً / فنظيرُهُ للمُستحيلِ يُربَّعُ
يا أيُّها العَلَمُ الرَّفيعُ مَقامُهُ / في كلِّ أمرٍ وَهوَ لا يَتَرَفَّعُ
إنْ قُلتَ هذا شاعرٌ يَغلُو فإنْ / شَهِدتْ معي الدُّنيا فماذا تَصنَعُ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ / هَيهاتَ لَيسَتْ من صِناعةِ كاتبِ
ومَنِ الذي خَضَبَ الخُدُودَ بحُمرةٍ / يا مَيُّ أم لَيسَتْ بصَبْغةِ خاضِبِ
بأبي التِّي من آلِ بَدرٍ وَجْهُهُا / ولِحاظُها من رَهْطِ آلِ مُحاربِ
تغزو كما تغزو الكُماةُ وإنَّما / تَدَعُ العِدَى وتُرِيدُ غزوَ الصَّاحبِ
قُلْ للَّتي نَهَبَتْ فُؤادَ مُحبِّها / بئِسَ الغنيمةُ نَهبُ قلبٍ ذَائبِ
نَهَبَتْ خُلاصةَ مالِها من بيتِها / نفسي فِداكِ فأينَ رِبحُ الناهِبِ
كم بينَ مَن يجفو الخَليِطَ وبينَ من / يصبو إلى حُبِّ البعيدِ الغائبِ
مَن كان يهوَى فلْيَكُنْ كَمُحمَّدٍ / يَهوَى ويُهوَى بالخليقِ الواجبِ
ذَاكَ الذي منهُ المَحَبَّةُ نحوَنا / قَطَعَتْ سَباسِبَ أُرِدفَتْ بسباسبِ
كلُّ الصِّحابِ نُريدُ تَجرِبةً لهم / وهوَ الغَنيُّ عنِ امتِحانِ تَجارِبِ
أهدَى إليَّ رسالةً آمَنتُ عنْ / ثِقَةٍ بها لما أتَتْ بعَجائِبِ
حَمَلَتْ على ضُعفٍ بها من صَبْوةٍ / ما ليسَ تَحمِلُهُ مُتونُ نجائبِ
عَرَبيةٌ جاءَت بلُطفِ حواضرٍ / من رِقَّةِ المَعْنى ولَفظِ أعاربِ
نَقَشَتْ سَواداً في البَياضِ كأنَّهُ / نَقشُ الغَوالي في وجوهِ كواعبِ
يامن دعا فأجاب قلبي طائعاً / لبَّيكَ من داعٍ عزيزِ الجانبِ
ذاكَ ابتِداءٌ مالَهُ من ناسخٍ / ولُ ارِتفاعٌ مالهُ من ناصِبِ
أنتَ الوفيُّ الصادقُ الحُبِّ الذي / يَبقَى على طولِ الزَّمانِ الكاذبِ
ولقَد تَوازَنتِ المحَبَّةُ بينَنا / كتَوازُنِ الأجزاءِ في المُتقاَربِ
حَمَّلْتَني من فضلِ جُودِكَ مِنَّةً / عَظُمَتْ ولكن ليس تُثقِلُ غاربي
مِنَنُ الكِرامِ على الرِّجالِ خفيفةٌ / إذ ليسَ من عَيبٍ بِهِنَّ لعائبِ
قد مَدَّ خَطَّ عِذارِهِ فأجادَهُ
قد مَدَّ خَطَّ عِذارِهِ فأجادَهُ / يا ليتَ ذَوْبَ القلبِ كان مِدادَهُ
رَشأٌ تَقَلَّدَ من شِفارِ جُفونِهِ / سَيفاً ذُؤابَتُهُ تكونُ نِجادَهُ
طَرْفٌ غَدَتْ كاللامِ منهُ أضلُعي / لمَّا رأتْ عيني السَّخينةُ صادَهُ
ألقَى على رأسي السَّخيفِ بياضَهُ / ورَمَى على حَظّي الضعيفِ سَوادَهُ
مُتحجِّبٌ جَعَلَ المدامعَ في الهَوَى / ماءً لمن جَعَلَ الصَّبابةَ زادَهُ
ما زِلتُ أسألُ عن مريضِ جُفونِهِ / ماذا على طَرْفي تُرَى لو عادَهُ
في خَدِّهِ النَّارُ التي قد أحرَقَتْ / قلبي ولم تَردُدْ عَلَيَّ رَمادَهُ
أهدَيتُ وَجْنتَهُ فُؤادي مِثلَما / أهدَى لنا البابُ العَليُّ فُؤادَهُ
هذا فُؤادُ المُلكِ أدرَكَ قُطرَنا / بالشَّامِ يُصلحُ بالرَّشادِ فَسادَهُ
نادَى مُنادِي العَرشِ يومَ قُدومِهِ / أليومَ قد رَحِمَ الإلهُ عِبادَهُ
وَعَدَ الإلهُ لكلِّ كَرْبٍ فَرْجةً / واللهُ ليسَ بمُخلفٍ مِيعادَهُ
مَولىً يُؤَدِّبُ عبدَهُ بجِراحِهِ / لكنْ يُهَيِّئُ قبلَ ذاكَ ضِمادَهُ
طُبِعَ الأنامُ على الخِصامِ سَجِيَّةً / في كلِّ شَعْبٍ وارثاً أجدادَهُ
لا يَستَبيحُ الوَحشُ قتلَ نظيرِهِ / والإنسُ يقتُلُ تارةً أولادَهُ
قَدِمَ الوزيرُ وقد تَضرَّمَتِ اللّظَى / في الأرضِ إذ أورَى الفسادُ زِنادَهُ
فأفاضَ لُجَّتَهُ على أركانِها / فَوراً فأطفأ جَمْرَها وأبادَهُ
خَطْبٌ شديدٌ قد تَلقَّاهُ القَضا / بأشدَّ منهُ هادماً ما شادَهُ
قد كانَ مَرصوداً على أقفالِهِ / واليومَ فَكَّ محمدٌ أرصادَهُ
مسعودُ وَجهٍ حيثُ سارَ ركابُهُ / كانَتْ ملائكةُ السَّما أجنادُهُ
هَيهاتِ أنْ يُنجي الفِرارُ طرِيدَهُ / يوماً ولو كانَ البُراقُ جَوادَهُ
قد أرقَدَ الأجفانَ تحتَ أمانِهِ / جَفْنٌ له طَرَدَ الحِفاظُ رُقادَهُ
يَقْظانُ يستقصي الأمورَ بنَظْرةٍ / تَطوِي وتَنشُرُ شَرْقنا وبِلادَهُ
غمَّ البَلاءُ رِجالَهُ وعِيالهُ / وجِبالَهُ ورِمالَهُ ووِهادَهُ
فأتاه من أعطى الأمانَ لخائفٍ / وأخافَ من كانَ الأمانُ وِسَادَهُ
ألقى على نارِ الضغينةِ بَرْدَهُ / وإلى العُراةِ بُرودَهُ ومِهادَهُ
قد أصبَحَتْ كلُّ البِلادِ عِيالَهُ / إذ كان يَرزُقُ كلَّها إمدادَهُ
هذا أمينُ الدَولةِ الرَّاعي الذي / جَعَلَ الصِّيانةَ حَجَّهُ وجِهادَهُ
أعطاهُ مَعْنٌ حِلمَهُ لكنَّهُ / لم يُعطِ مَعْناً حَزْمَهُ ورَشادَهُ
كُلٌّ يُلاحِظُ في الحَياةِ مَعاشَهُ / يا مَن يُلاحِظُ قبلَ ذاكَ مَعادَهُ
أللهُ يفَعَلُ ما يُرِيدُ بخلْقِهِ / وإذا أرادَ فَمنْ يَرُدُّ مُرادَهُ
لَكَ يَنبغي الشِّعرُ الذي لا يَنبغي / لِسِواكَ يا مَن قد رَفَعتَ عِمادَهُ
هَيَّجتَ لي شَوقاً إليهِ وكُنتُ قد / أهمَلتُهُ لمَّا رأيتُ كَسادَهُ
قد قَلَّ مَن أنشَدْتُهُ شِعراً فلم / أندَمْ عليهِ مُحرِّماً إنشادَهُ
حتى أتيتَ فقالَ لي مِضمارُهُ / نَبِّهْ يَراعَكَ أنْ يُجِدَّ طِرادَهُ
غابَ الفُؤَادُ ولم تَغِبْ آثارُهُ
غابَ الفُؤَادُ ولم تَغِبْ آثارُهُ / ذاتُ الجَمالِ ولم يَغِبْ إِمدادُهُ
تَرَكَ البِلادَ كأنَّهُ القَلَمُ الذي / تَرَك الكِتابَ وقامَ فيهِ مِدادُهُ
وَلَّى وآثارُ العَدالةِ زادُنا / منهُ وأدعِيةُ المَوَدَّةِ زادُهُ
نَقَشَ اسمَهُ لُبنانُ فوقَ صُخورِهِ / لا يَنمَحِي حتى يَذوبَ جمادُهُ
ألقَى عليهِ وَحشةً في طَيّها / شَوقٌ طويلٌ تَشتَكيهِ بِلادُهُ
لا تسألوا عن حالِها من بعدِهِ / ما حالُ من قد غابَ عنهُ فؤَادُهُ
لو أنصفَ الرَّاثي وسارَ على هُدى
لو أنصفَ الرَّاثي وسارَ على هُدى / جَعَلَ الرِّثاءَ لنَفسِهِ وبها ابتْدَا
فابكي لنَفسِكَ أَلفَ دَمعٍ جُملةً / يا منْ بَكَى لأَخيهِ دَمعاً مفُرَدا
وَدَّعْ أَخاكَ مُشمِّراً لطريقِهِ / ولَقَد يكونُ اليومَ ذلكَ أَو غَدا
ليسَ المُوفَّقُ مَن يَسيرُ مؤخَّرّاً / إنَّ المُوَفَّقَ من يَسيرُ مُزوَّدا
يا بانيَ القصرِ الجميلِ لبُرْهةٍ / قُمْ فابنِ قَبراً تَقتَنيهِ مؤَبَّدا
يا راقداً فوقَ السَّريرِ غَفَلَتَ عن / كَهفِ يكونُ إلى القيامةِ مَرْقَدا
يا جامعَ الأَموالِ هل تَمضي بها / و إذا مَضَيتَ فهل تَمُدُّ لها يَدا
يا صاحِبَ الجاهِ الذي لابُدَّ أَنْ / تَبقى أَسيراً في الضَّريحِ مُقَيَّدا
قُمْ نَعرِفِ المَيْتَ الذي ذاقَ البِلى / هل كانَ عبداً خادماً أم سَيِّدا
مَنْ كانَ فَتَّانَ الجَمالِ ومَنْ تُرَى / هُوَ ذلكَ البَطَلُ الذي قَهَرَ العِدى
أينَ الذينَ على العِبادِ تَسَلَّطوا / وسَطَوْا علي أَقصى البِلادِ تَمَرُّدا
الكُلُّ صاروا كالهباءِ فلا تَرَى / عَيناً ولا أَثَراً لعَينٍ قد بَدا
دارٌ غُرابُ البَينِ فيها ناعقٌ / قد حامَ فوقَ رُؤوسِنا مُتَردِّدا
لايَتَّقِي مَلِكاً ولا أَسَداً ولا / شِبلاً فهذا الشِّبلُ أَدَركَهُ الرَدَى
صبراً بنى أَيُّوبَ فالصَّبرُ انتَمَى / للبَيتِ قِدْماً فاحفَظوهُ مُجَدَّدا
صبرُ الرزيَّةِ كالدَّواءِ مُعادِلاً / للدَّاءِ فَهْوَ يُشَدُّ حينَ تَشدَّدا
إني لأَندُبُ فَقدَهُ مُتَشاغِلاً / عن وَصفِ شِيمَتِهِ الذي لن يُفقَدا
تَدري جميعُ النَّاسِ وصفَ كمالهِ / فيرُوحُ جَهدُ الواصفينَ لهُ سُدى
هذا هُوَ العَلَمُ الشَّهيرُ كأَنَّهُ / عَلَمُ على جَبَلٍ بهِ السَّاري اهتَدَى
نالَ الكَمالَ فكانَ أَعذبَ مَورِداً / وأَقَلَّ أَعداءً وأَكثَرَ حُسَّدا
جمعَتْ يداهُ المكرماتُ فصانَها / وجنَتْ قناطيرَ النُّضَارِ فَبدَّدا
يا أيُّها الشِّبلُ النزيلُ بِقَفْرةٍ / شِبلُ الأُسودِ على القِفارِ تَعوَّدا
يا أَبيَضَ الوَجهِ الجميلِ ثَناؤُهُ / ها قد جَعَلَتَ الصُّبحَ بَعدَكَ أَسودا
قد كُنتَ تدعو المُستغيثَ منادياً / فَغداً يَصيحُ وليسَ تَستَمِعُ النِّدا
ولَكَمْ فَدَيَتَ منَ المُصيبةِ بائساً / واليومَ مَن ذا يَستَطيعُ لكَ الفِدى
يا راحلاً رَحَلَ السُّرورَ لِفَقدِهِ / وأَقامَ فينا ذِكرُهُ طُولَ المَدَى
مَنَّا السَّلامُ عليكَ غيرَ مُودَّعٍ / وعلى ضريحٍ بِتَّ فيهِ مُوسَّدا
ظَلَّتْ ملائكةُ السَّماءِ تَزُورُهُ / وانهَلَّ فوقَ تُرابِهِ قَطْرُ النَّدَى
في قُبَّةِ الأَفلاكِ شمسٌ تَطلُعُ
في قُبَّةِ الأَفلاكِ شمسٌ تَطلُعُ / وبأَرضِنا شَمسٌ أجَلُّ وأنفَعُ
هاتيكَ تَطلُعُ في النَّهارِ وشَمسُنا / أَنوارُها في كلِّ حينٍ تَسطَعُ
قَدِمَ الوزيرُ فيا عبادُ استَبشِروا / بالصَّالحاتِ وبالسَّلامِ تَمَتَّعوا
جادَ الزَّمانُ بهِ فَكَذَّبَ مَن شكَا / بُخلَ الزَّمانِ معُطِّلاً ما يَصنَعُ
يا وَحشةَ القُدسِ الشَّرِيفِ فإِنَّهُ / لو يَستطيعُ لَسارَ مَعْهُ يُشيِّعُ
وسُرورَ بيروتَ التِّي أبراجُها / كادتْ تُصفِّقُ والحمائِمُ تَسجَعُ
هذا المُقلَّدُ بالحسامِ وعَزْمُهُ / أمضى منَ السَّيفِ الصَّقيلِ وأَقطَعُ
تَستَغرِقُ الأَلفاظُ منهُ كِلْمةٌ / ويُديرُ قُطرَ الشَّامِ منهُ إصبَعُ
يَقْظانُ فيهِ لِكُلِّ عُضوٍ مُقلَةٌ / يَرْنو بها ولِكُلِّ عُضوٍ مسمَعُ
رَحُبَتْ وِلايتُهُ ولكنْ صَدرُهُ / أَفضَى وأَرحَبُ في الأُمورِ وأَوسَعُ
فصلُ الخِطابِ على سِواهُ فرَاسِخٌ / لكنْ عليهِ إذا تَطاوَلَ أّذرُعُ
يَرمي البعيدَ بلَحْظِهِ فَيقُودُهُ / وتَصُكُّ هِمَّتُهُ الحديدَ فتَقطَعُ
شُكراً لدَولتِنا التي لم يَخْلُ مِن / شُكرٍ لها في كلِّ قُطرٍ مَوضِعُ
خافَتْ علينا من ظلامِ زَمانِنا / فجَلَتْ علينا نُورَ شمسٍ يَلمَعُ
الفضلُ من أهلِ الكرامةِ يُعرَفُ
الفضلُ من أهلِ الكرامةِ يُعرَفُ / بالفعلِ لا بالقَولِ مِمَّن يَهرِفُ
والجودُ في بعضِ الكِرامِ طبيعةٌ / رَسختْ وفي بعضِ الكِرامِ تَكلُّفُ
كَرَمُ اللِّسانِ خديعةٌ في طيِّها / كَذِبٌ يُعابُ بهِ وبُخلٌ يُقذَفُ
لو كانَ في طيبِ الكلامِ إفادةٌ / لجَمعتُ منهُ ثَرْوةً لا تُوصَفُ
المالُ يُزري بالبخيلِ للُؤمِهِ / حِرْصاً ولكن للكريمِ يشرِّفُ
إنَّ الغَنِيَّ إذا قضَى حقَّ الغِنَى / يَقضي الغِنَي حَقَّ الغَنِيِّ فيُنصِفُ
لو قُلتَ للكَرَمِ المصفَّى من تُرَى / تدعو أباكَ لقالَ قُلْ يا يوسُفُ
هذا الذي يَعتَدُّ من أموالِهِ / شُؤماً عليهِ دِرهماً لا يُصرَفُ
أعطاهُ خالقُهُ الكمالَ فلا تَرَى / في نفسهِ عيباً عليهِ يُعنَّفُ
وُضِعَتْ لفعلِ الخيرِ فَطرتُهُ كما / وُضِعَتْ لتركيبِ الكلامِ الأحرُفُ
يا مَن يَرَى سَبْق السؤَالِ عطاءَهُ / عاراً عليهِ يَصُدُّ عنهُ ويأنفُ
إنِّي أقولُ لحاسديكَ تأمَّلوا / وتعلَّموا منهُ ولا تَستنكْفوا
هذا هُوَ العَلَمُ الشَّهيرُ أمامَكُم / عنهُ خُذُوا وبهِ اقتدوا ولهُ اقتَفوا
مَن قالَ إنَّ الدَّهرَ ليسَ يعودُ
مَن قالَ إنَّ الدَّهرَ ليسَ يعودُ / هذا زمانٌ عادَ وَهْوَ جَديدُ
قد عادَ نابليونُ بعدَ زوالهِ / فكأنَّ ذلكَ بَعْثُهُ المَوعودُ
يا مَن يقولُ لرِمَّةٍ في لَحدِهِ / إنَّ السَّعيدَ كما عَلِمْتَ سعيدُ
هذا خليفتُهُ الذي أحيا الوَرَى / أحياكِ حتى اخضَرَّ منكِ العُودُ
يا قائماً فوقَ العَمُودِ بشخصهِ / عَلَماً وأنتَ على العَمُودِ عَمُودُ
أبدَيتَ رسمَ لويسَ في الدُّنيا كما / أبدى لكَ الاسكندرُ المعهودُ
لا تُفقَدُ الدُّنيا لفَقْدِ عزيزِها / ما دامَ يخلُفُ مَيْتها المَولودُ
تتجدَّدُ الأشخاصُ فيها مثلما / يُفرَى القضيبُ فينبُتُ الأُملودُ
ذَهَبَ الذي كانت بقَبْضةِ كَفِهِ الدْ / دُنيا وأشرَافُ البلادِ جنودُ
إرثُ العبادِ المالُ لكنْ إرثُهُ / تاجٌ وسيفٌ قاطِعٌ وبُنُودُ
قد نالَ تاجَ المُلكِ من هو أهلُهُ / شَرْعاً وكلُّ العالمينَ شُهودُ
وأقامَ في بُرجِ الخِلافةِ كوكباً / بضيائهِ انجَلَتِ اللَّيالي السُّودُ
راعتْ شَجاعتُهُ الكُماةَ فما دَرَوا / أفُؤادُهُ أقسَى أمِ الجُلمودُ
غَلَبَتْ عزيمتُهُ العَزائِمَ مثلما / غَلَبَ الطَّوالعَ نجمُهُ المَسعودُ
أهدَاهُ حِكمتَهُ سليمانُ الحِجَى / وحَباهُ صفوَ فؤادِهِ داودُ
قامتْ بمصلَحةِ البلادِ يمينهُ / وهي التِّي منها يفيضُ الجودُ
كالبحرِ قد صَلُحَ الفسادُ بمِلحِهِ / واُصطِيدَ منهُ اللؤلؤُ المنضودُ
قُطْبٌ عليهِ الأرضُ دائرةٌ كما / يختارُ فَهْيَ تدورُ كيفَ يُريدُ
فَضَّاضُ مُشكلةِ الملوكِ برأيهِ / وبهِ يُحَلُّ عسيرُها المعقودُ
جَبَلٌ على باريسَ قامَ فأطبَقتْ / في جانبيهِ من الرِّجالِ أُسودُ
يُجنَى جَناهُ ويُستَظَلُّ بِظِلِّهِ / أبداً ولكن ما إليهِ صُعودُ
مَلِكٌ أذَلَّ المالَ وهوَ جَواهرٌ / وأعزَّ نصلَ السَّيفِ وهو حديدُ
بَسْطٌ وقبضٌ في يديهِ فيُرتَجَى / وعدٌ لهُ ويُخافُ منهُ وَعِيدُ
دانَتْ لِهَيْبتهِ كتائبُ دولةٍ / دانتْ لهيبتِها المُلوكُ الصيِّدُ
قومٌ إذا تَركَ الغُمودَ نِصالُهم / فكأنَّ أسيافَ العُدَاةِ غُمودُ
يغزو القبائلَ ذكرُهم قبلَ اللِّقا / فيَفُلُّ عَزْمَ الجيشِ وَهْوَ بعيدُ
وإذا همُ اعتَنقوا الكُماةَ تَلاحَموا / مثلَ الحُروفِ يضُمُّها التَّشديدُ
هُوَ قَيْصرُ العَصْرِ الذي من دونِهِ / كِسرَى الذي ضاقتْ عليهِ البيدُ
لسعودِهِ الفَلَكُ المُسخَّرُ خادِمٌ / ولَوجْههِ القَمَرُ المنيرُ حَسودُ
ملِكٌ لدولتهِ العظيمةِ هيبةٌ / تهتزُّ منها الأرضُ وهيَ تَميدُ
في الغربِ طالعةٌ سحائبُ جيشها / ولها بروقٌ عندَنا ورُعودُ
حَمَلتْ رُبَى لبنانَ منها مِنَّةً / مِثْلَ الجِبالِ على الجِبالِ تزيدُ
سالت بنعمتِها البِطاحُ فأخصَبَتْ / وجرَى عليها ظِلُّها المَمْدودُ
حيا الصَّبا أزْهارَها فتبسَّمتْ / ومن النَّدَى في جِيدهِنَّ عُقودُ
رَقَصتْ حمائمُها وصَفَّقَ دَوْحُها / فأجابَهُنَّ من الهَزَازِ نشيدُ
هذا هُوَ المَلِكُ السَّعيدُ وإنَّنا / نِلنا السَّعادةَ حيث نَحنُ عبيدُ
للنَّاسِ منهُ كلَّ يومٍ بَهجةٌ / في المَكرُماتِ فكلَّ يومٍ عيدُ
قامَتْ لِهَيبَتِها غُصونُ البانِ
قامَتْ لِهَيبَتِها غُصونُ البانِ / مثل الجنودِ بحَضْرةِ السُّلطانِ
وأتى الهَزازُ يحومُ فَوقَ قَوامِها / إذ ظنَّهُ غُصناً بِرَوضِ جِنانِ
بَدَويَّةٌ في طَرْفِها سهمٌ بلا / وَتَرٍ على رُمحٍ بغيرِ سنانِ
أبدَتْ خُدُوداً كالدِّماءِ فما افترَى / منْ قالَ تلكَ شَقائِقُ النُّعمانِ
يا رَبَّةَ الحُسنِ العزيزِ نراكِ قد / غرَّبتِ عاشقَهُ بكلِّ مكانِ
إنَّ الغريبَ ذليلُ نفسٍ خاملٌ / كالشِّعرِ عندَ سِوَى بني رَسلانِ
قَومٌ تُساقُ إلى تَنوخَ فروعهُمُ / وأُصولُهُم تَرقى إلى قَحطانِ
غِلْمانُهُم مثلُ الشُّيوخِ نباهةً / وشيوخُهُم في البأسِ كالغِلْمانِ
يَجدُ الوُفودُ من الكرامةِ عندَهُم / ما يَذهلونَ بهِ عن الأوطانِ
ويُخاطبونَ بكلِّ فنٍّ أهلَهُ / فكأنَّ واحدَهم بألف لِسانِ
لهم السِّيادةُ في العِراقِ تطرَّقَتْ / منهُ على نُوَبٍ إلى لُبنانِ
في حِيرةِ العَرَبِ القديمةِ وَحشةٌ / منهم كشوقِ مَعرَّةِ النُّعمانِ
دَرَجوا إلى غَربِ البلادِ كما سَعَتْ / سَيَّارةُ الأفلاكِ في الدَّوَرانِ
فإذا بذاكَ الغربِ أحسنُ مَشرِقٍ / يبدو لنا من أُفقِهِ القَمَرانِ
قَمَرانِ حَيدَرُ منهما أزكى أبٍ / لأجلِّ نجلٍ مُلحمِ بنِ فُلانِ
أزكى أبٍ وأجلُّ نجلٍ فيهما / شِيَمُ العُلَى استَبَقَتْ كخَيلِ رِهانِ
نِعْمَ الأميرانِ اللذانِ كِلاهما / ذو الأمرِ بالمعروفِ والإحسانِ
الفاضلانِ العاملانِ الكاملا / نِ القائمانِ بطاعةِ الرحمانِ
لا تحسبوني مادحاً بل راوياً / أروي الوقائعَ عن جَلِيِّ عِيانِ
أروي كما أدري واترُكُ سامعي / يُثني فليسَ يُهِمُّني الأمرانِ
العِلمُ فوقَ المالِ في إرشادِهِ
العِلمُ فوقَ المالِ في إرشادِهِ / والمالُ فوقَ العلمِ في إسعادِهِ
والمُلكُ فوقهما لأنَّ الله قد / أعطاهُ للإنصافِ بينَ عبادِهِ
وأجلُّ صاحبِ دولةٍ مَن يَغرِس التْ / تَقوَى كأحمَدَ في صميمِ فؤادِهِ
سَبَّاقُ غاياتِ الكَمالِ مُجاهِدٌ / في طاعةِ الرَّحمن حقَّ جِهادِهِ
يَرعَى رَعيَّتَهُ بطَرْفٍ سُهدُهُ / أشهَى إليهِ من لذيذِ رُقادِهِ
ما زالَ ينظُرُ في مصالحِ شعبِهِ / حتى كأنَّ الشَّعبَ من أولادِهِ
وإذا تلَّبسَ بالفَسادِ زَمانُهُ / نَهَضتْ يداهُ إلى صَلاحِ فَسادِهِ
بَسَمتْ لدولتهِ الثُّغورُ وكبَّرَتْ / ودعا مُصلِّي الصُّبحِ في أورادهِ
وترنَّمتْ بيروتُ حينَ ثَوَى بها / فأجابها لُبنانُ من أطوادِهِ
البَدرُ من حسَّادِهِ والدَّهرُ مِن / أحفادهِ والنَّصرُ من أجنادهِ
والبِشرُ فوقَ جبينهِ والحُكمُ طو / عُ يمينهِ والأمرُ تحتَ مُرادهِ
يا كعبةَ القُصَّادِ يا مَنْ شأنُهُ / أن لا يخيبَ الظَنُّ من قُصَّادِهِ
أنتَ القديرُ متى دَعاكَ ضعيفُنا / أن تبسطَ الأيديْ إلى إمدادِهِ
النَّاسُ يَشكونَ الزَّمانَ وإنَّني / أشكو بَنيهِ فَلَسْتُ من أضدادِهِ
فَهمُ الذينَ تغيَّروا وَهُوَ الذي / لا يَعرِفُ التَّغييرَ عن مُعتادِهِ
العِلمُ قد أمسى ذليلاً كاسداً / فيهم فذَلَّتْ أهلُهُ لكَسادِهِ
والمالُ عند الأكثرِينَ كأنَّهُ / صَنَمٌ وربُّ المالِ من عُبَّادِهِ
أحرقتُ فِكري بالعلومِ فلم أنَلْ / إلاّ أذَى عَيِني بنَسفِ رَمادِهِ
وكتبتُ ما قد أحزَنَ القِرطاسَ مِن / تَلَفٍ فكانَ الحِبرُ ثَوْبَ حِدادِهِ
ولقد صبرتُ على البَلادِ ومَطامعي / ترجو بَياضَ الحظِّ بعد سَوَادِهِ
وَعَد الإلهُ الصَّابرينَ بلُطفِهِ / كَرَماً ولا إخلافَ في ميعادِهِ
قل للوزيرِ إذا وَقفْتَ ببابهِ
قل للوزيرِ إذا وَقفْتَ ببابهِ / ناسبتَ بينَ مُحمَّدٍ والمُصطَفَى
أرجعتَ طرْفكَ في الرِّجالِ مكرِّراً / حتى اصطفيتَ اليومَ أصدَقَ مَنْ وَفَى
لقدِ اصطفيتَ مُهذَّباً لو أنَّهُ / وُلِّي على مُلكِ ابنِ داودٍ كَفَى
يُغنيكَ عن حَمْلِ القَنا بيَراعهِ / وبرأيهِ عن أن تَسُلَّ الأسيُفا
مُتَيقِّظٌ للدَّهرِ ينظرُ ما بدا / منهُ ولا يَخَفى عليهِ ما اختَفى
وإذا اشتكتْ دُنياهُ حادِثَ عِلَّةٍ / فيمينُهُ البِيضاءُ ضامنةُ الشِّفَا
يا أيُّها الشَّهمُ الذي مِعرَاجُهُ / لا يُرتَقَى وطريُقهُ لا يُقتَفَى
تُملي علينا من صِفاتِكَ اسطُراً / عند المديحِ إذا كتبنا أحرُفا
خُذها إليكَ رسالةً أرجو لها / عَفوَ الكِرامِ وإنَّ مِثْلَكَ مَن عَفا
راحت تُهنِّي المُصطَفى لكرامةٍ / وأنا أُهنِّئْها بوَجهِ المُصطفَى
جادَ الزَّمانُ بنعمةٍ مُتَصدِّقا
جادَ الزَّمانُ بنعمةٍ مُتَصدِّقا / فشكرتُ نعمتَهُ ولستُ مُصدِّقا
يا نعمةً طَفَحتْ عليَّ غَلِطتُ بل / شَمَلَت جميعَ السَّاكنينَ المَشرِقا
حَمَلت لنا بَشرَى السُّرورِ سفينةٌ / حقٌّ على أخشابها أن تُورِقا
قد كانَ ذاكَ أسَرَّ لي من شَحْنِها / بالدُّرِ حتى أوشكتْ أن تغرقا
يا رأسَ زاويةِ العشيرةِ لا تَدَعْ / من بعدِكَ البُرجَ الحصينَ مُمزَّقا
ما كنتُ أرضَى بالبقا يوماً إذا / قالوا فُلانٌ قد مَضَى ولكَ البقا
يا ثغرَ بيروتَ ابتسمْ متهلِلاً / وليَبتهجْ شَجَرُ الغياضِ مُصفِّقا
ولتَرْقصِ اللّججُ العظيمةُ حولها / طرباً ويطفحْ نهرُها متدفِّقا
ولتلَبسِ الأرض الأريضةُ سُندُساً / خَضْراً ويلبَسْ زَهرُها الإسْتبرَقا
وتَجُرُّ أرواحُ النَّسائِمِ فوقَها / ذيلاً من المِسكِ الذَّكيِّ مُفتَّقا
عادَ الذي ابتهجَ الكلامُ بوَفْدِهِ / طرَباً وقد هنَّا البيانُ المَنطقِا
لا تُخبِروا عنهُ الطُّروسَ فربَّما / تلقي سوادَ الحبرِ من فرحِ اللِّقا
من عاشَ في دنيا التَّجاربِ لم يزلْ / متقلِّباً بينَ السَّعادةِ والشَّقا
هي حَوْلَنا ماءٌ وطينٌ فانظُروا / مَن خاضَ بينهما أيَطمعُ في النَّقا