المجموع : 73
وَمُنَسَّمِ الآذيِّ يُعنِقُ شَطُّهُ
وَمُنَسَّمِ الآذيِّ يُعنِقُ شَطُّهُ / من نكبةٍ هوجاءَ حُلّ وثاقُها
وكأنَّما رأتِ الحِقاقَ فَعَجعَجَت / فيها القرومُ وأزبدت أشداقها
وَمُجَرّرٍ في الأرضِ ذيلَ عسيبِهِ
وَمُجَرّرٍ في الأرضِ ذيلَ عسيبِهِ / حَميلَ الزبَرجَدَ منه جِسمُ عَقيق
يَجري وَلَمعُ البرقِ في آثارِهِ / مِن كَثرةِ الكبَواتِ غَيرَ مفيق
وَيَكادُ يَخرُجُ سرعةً من ظِلِّهِ / لو كان يرْغبُ في فراق رفيق
جاءتك أولادُ الوجيه ولاحقِ
جاءتك أولادُ الوجيه ولاحقِ / فأرَتْكَ في الخَلقِ ابتداعَ الخالقِ
نينانُ أمواه وفُتْخُ سباسبٍ / وظباءُ آجامٍ وعُصْمُ شواهقِ
بمؤلَّلاتٍ تستديرُ كَأَنّها / أقلامُ مُبتدعِ الكتابةِ ماشقِ
قد وَقّعتْ لك بالسعود وما جَرَتْ / بسوادِ نِقْسٍ في بياض مَهارِقِ
غُرٌّ محجَّلَةٌ تكامَلَ خلقها / بمجانسٍ من حسنها ومطابقِ
وكأنّما حَيّتْ عُلاكَ وجوهها / فأسال فيها الصبحُ بيضَ طَرائقِ
كرّت ذخائر عربها في عتقها / وَشَأتْ بفضلة عَدوِها المُتلاحِقِ
وإذا الجلال تجرّدَت عن جردها / لبست غلالةَ كلّ لونٍ رائقِ
من كلّ طِرْفٍ يستطيرُ كَطَرْفِهِ / جَرْياً فوثبَتُه غِلابُ السابِقِ
وَرْدٌ تَمَيَّعَ فيه عَنْدَمُ حُمْرَةٍ / كالورد أُهْدِيَ في الرّبيع لناشقِ
وكأَنَّهُ وكأنَّ غُرَّةَ وَجهِهِ / شفقٌ تألّقَ فيه مطلَعُ شارِقِ
وَكَأَنَّ صبحاً خصَّ فاه بِقُبلَةٍ / فابيضّ موضعها لِعَيْن الرامقِ
مُتَصيِّدٍ برياضةٍ وطلاقةٍ / في تيه معشوقٍ وطاعة عاشقِ
وإذا تَغَنّى بالصهيل مطرِّباً / أنسى أغانِيَ مَعْبَدٍ ومخارقِ
ومزعفرٍ لونَ القميص بِشُقْرَةٍ / كالرّيح تعصفُ في التِهاب البارقِ
وتَراهُ يدبرُ كالظليمِ بِرِدفِهِ / عُجْباً ويُقبِلُ كانتصابِ الباشقِ
وإِذا طَرَقت به انتَهى بكَ غايَة / أبداً تشقّ على الخيال الطارقِ
كَادَ الكميتُ يَنوبُ عَن لَعسِ اللمى / ويسوغُ كالخمر الكُمَيْتِ لذائقِ
ويَمدُّ فَوْقَ البحرِ عِندَ عُبورِهِ / جسراً بهادٍ للسماءِ معانقِ
خَيلٌ كَأنَّ الرّكضَ من خيلائها / في قلب كلّ معاندٍ ومنافقِ
وكَأَنَّما اقتَسَمَتْ عيونَ أَجادلٍ / وشدوقَ غربانٍ وسوقِ نقانِقِ
قُدْها تخب بكلّ ذِمْرٍ أبلهٍ / بخداعِ أبطال الوقائِعِ حاذِقِ
وإِذا أثَرْنَ بِنَقعِهِنَّ سحائِباً / صبَّتْ على الأعداءِ صَوْبَ صواعِقِ
أصبحتَ في السادات ناصرَ دَوْلَةٍ / تصفُ العُلى عدل مناطقِ
بطلاً يطول بذكره في سلمهِ / كصياله بحسامِهِ في المازقِ
مُتَرَحِّلاً نحوَ المعالي ساكِناً / بالجيش في ظلِّ اللواءِ الخافِقِ
شَدّتْ عزائمُهُ مهالكَهُ كما / شُدّتْ فرازينٌ بعقدِ بيادِقِ
الهجرُ يضحكُ وَالهوى يبكي
الهجرُ يضحكُ وَالهوى يبكي / والوَصلُ بَينَهُما على هُلْكِ
يا جَنَّتي ما كُنتُ أَحسَبُ أنْ / أصلى جَحيمَ قَطيعَةٍ مِنكِ
لِلَّه عَينٌ مِنكِ مُخبِرَةٌ / عَنِّي بِكُلِّ سَريرَةٍ عَنكِ
عَجَبي لِلَفظٍ مِنكِ ذي نُسُكٍ / هَذا وَلَحظُكِ حاضِرُ الفَتكِ
وَسَلبتِ قَلبي مِن حَشايَ فَهلْ / لَكِ في القلوبِ صِناعَةُ الدكِّ
أَغزالةَ الفلكِ الَّتي عَبَقَتْ / مِسكاً فَقُلتُ غَزالةُ المِسكِ
إِن دامَ هَجْرُكِ لي بلا سَبَبٍ / فَلأنتِ قاتِلَتِي بِلا شكِّ
ويْلي على مملوكةٍ مَلَكَتْ
ويْلي على مملوكةٍ مَلَكَتْ / رقّي بحُسْنِ مَقالها وَيْلي
غَيداءُ تَسحَبُ كُلَّما انعَطَفَتْ / مِنْ فرْعها ذيلاً على الذيلِ
وكأنّها شمسٌ على غُصُنٍ / مترنّحَ التقويمِ والميلِ
قالَتْ وَقَد عانَقتُها سَحَراً / لِمْ زُرْتَنا في آخِرِ الليلِ
فأجبتُها وغمرتُها قُبَلاً / هذا أوانُ إغارةِ الخيلِ
حتَّى إذا بَزَغَتْ شبِيهَتُها / كالتاجِ فوْقَ مفارقِ القيلِ
نزَعتْ كنزْع الروح من جسدي / عنّى قلادةَ ساعدٍ غَيْلِ
فنهضتُ أشرَقُ بالدموعِ كما / شَرِقَ الفضاء بكثرةِ السيلِ
ورْدُ الخدودِ ونرجسُ المُقَلِ
ورْدُ الخدودِ ونرجسُ المُقَلِ / عَدَلا بسامِعَتي عَنِ العَذَلِ
ومواردُ الرّشَفاتِ مُرْوِيَتي / حيثُ المياهُ مثيرةٌ غُلَلي
خَذَلَتْكَ باللّحَظاتِ خاذِلَةٌ / في الإجل ترْسل أسهم الأجَلِ
مِنْ مُقْلَةٍ نَقَلَتْك قهوتها / بالسُّكْرِ من خَبَلٍ إلى خَبَلِ
ولَقَلَّما يصحو امرؤ حكَمَت / فيهِ كُؤوسُ الأَعيُنِ النُّجُلِ
إنّي امرؤ ما زلتُ أنظمُ في / جيدِ الغزال قلائدَ الغزلِ
وجنيّةٍ ضَنّتْ على نظري / بِجنيّ وَرْدِ الوجنَةِ الخَضلِ
صَبَغَتْ غلالةَ خدّها بدمي / إن لم يكن فبِعَندَمِ الخجلِ
تعلو بعود أراكةٍ بَرَداً / غَسَلَتْ حَصَاهُ مدامعُ السَّبلِ
وتكفّ عن فَلَقٍ دُجى غَسَقٍ / بِمُضرَّجاتٍ من دَمِ البَطَلِ
وَكَأَنَّما خاضَتْ ذَوائِبُها / من جفنها في صِبْغةِ الكحلِ
يا هَذِهِ استَبقي على رَجُلٍ / أفحمتِهِ بالفاحمِ الرّجِلِ
لا تسأليهِ عن الهوَى وَسَلي / عنه إشارةَ دَمْعِهِ الهَطِلِ
عَطَفَتْ وقالتْ رُبَّ ذي أملٍ / ظفرتْ يداه بطائِلِ الأمَلِ
قِبَلي ديونٌ ما اعترفتُ بها / إلّا لِأَمنَحَ مُجْتَنى قُبَلي
واهاً لأيّامٍ سقُيتُ بها / كأسَ النعيمِ براحةِ الجذَلِ
لَم يَبقَ لي من طيبِهِنَّ سِوى / ما أَبقَتِ الأَحلامُ في المُقَلِ
ثُمَّ اعتَبَرتُ هدايةً زَمني / فإذا تَصَرّفُهُ عليَّ ولي
يا لائمي نَقّلْ ملامَكَ عنْ / نَدْبٍ وصيّرْهُ إلى وَكِلِ
أَعلى الزّماعِ تلومُ مُغترباً / يقري الرّحال غواربَ الإبِلِ
إِنِّي أُقيمُ صُدورَها لِسُرىً / يهدي كلاكِلَها إلى الكَلَلِ
وأروحُ عن وطني إذا دَمِيَتْ / بعدي مدامعُ دُمْيَةِ الكِلَلِ
والسيفُ لا يَفْري ضريبَتَهُ / حَتّى تُجَرِّدَهُ مِنَ الخِلَلِ
سَأُثيرُها مِنْ كُلِّ طاعِنَةٍ / صَدْرَ الفلاةِ بأذْرُعٍ فُتُلِ
فَإِذا بِلَغْنَ مُحَمَّداً أمِنَتْ / غَلَسَ البكور وروحة الأُصُلِ
وإلى ابن عَبّادٍ تَعَبّدها / رَمْلاً قَطَعْنَ مداهُ بالرّمَلِ
ترعَى الرسيمَ إلى الوجيفِ بنا / بَدَلاً من الحَوذانِ والنّفَلِ
صُوْرَ العيونِ إلى سَنَا مَلِكٍ / حيِّ السماحة ميِّتِ البَخَلِ
مَلِكٌ تقابلُ منه أُبَّهةً / تُغْضي العيونُ بها إلى القَبَلِ
فَتُزَرُّ لأمَتُهُ على أسَدٍ / وَتُلاثُ حَبْوَتُهُ على جَبَلِ
لو لم يَزُرْ مغناهُ ذو عَدَمٍ / ألقى نداهُ له على السّبُلِ
أو زاره في الحشر آثَرَهُ / كَرَماً عَلَيهِ بِصالِحِ العَمَلِ
أَحَسِبتَ أنَّ يَمينَهُ فَرَغَتْ / هِيَ للندى والبأسِ في شُغُلِ
أسَدٌ على الفُرْسانِ يَفْرِسُها / عندَ انقِراضِ الأمنِ بالوجَلِ
وكتيبةٍ شهباءَ رانيةٍ / تحتَ العجاج بأعْيُنِ الأسَلِ
جاءَتْ بِها الآسادُ تَزأَرُ في / غيل الصّوارِمِ والقنا الذّبُلِ
والطعنُ يلحقُ من سوابغِهِم / حَدَقَ الجرادِ بأعين الحَجَلِ
وكأنّ سُمْرَ الخطّ في شَرَقٍ / بالعلّ من دمهمْ وبالنّهَلِ
وَكَأَنَّما يَلحَسْنَ في غُدُرٍ / مُهَجَ الكماةِ بألسنِ الشُّعَلِ
خَطَبَتْ سيوفُك مِن سَراتِهِمُ / لِعُلاكَ فوق منابِرِ القُلَلِ
يا ماتِحاً بِرِشاءِ صَعْدَتِهِ / بين الأسنّةِ مُهْجَةَ البطلِ
رمحٌ يروقُ الطرفَ مُعْتَقَلاً / في كفِّ غيرك غيرَ مُعتقلِ
أيّ الملوك لك الفداءُ وقد / صَيّرْتَ جِلّتَها من الخَوَلِ
دامَتْ لَكَ الدنْيا وَدُمْتَ لها / وأقامَ سيفُكَ كلّ ذي مَيَلِ
ومُعَطَّشاتٍ في سُعُورِ قُيونها
ومُعَطَّشاتٍ في سُعُورِ قُيونها / تُسْقى نجيعَ جماجمٍ وكواهِلِ
وَمِنَ البروقِ على الرؤوسِ لِوَقْعِها / رعدٌ يَصُوبُ منَ الدماءِ بِوابِلِ
وَكَأنَّ أَجنِحَةَ الفراشِ تَقَطّعتْ / منثورةً منهنّ فَوقَ جَداولِ
من كلّ أبيضَ راكِضٍ في غِمده / لجّ المنيّة مُعطبٌ بالساحِلِ
يَفري الضرائِبَ في حبائكِ سردِها / بمضاربٍ شهِدتْ وقائعَ وائلِ
وكأنّما قفْرٌ يطولُ بمتنِهِ / في رمله للنملِ إِثرَ أنامِلِ
مُلْكٌ جديدٌ مثل طَبْعِ المُنصُلِ
مُلْكٌ جديدٌ مثل طَبْعِ المُنصُلِ / نَمشُ الفرندِ عَلَيهِ صنع الصيقلِ
ورياسةٌ عُلْوِيّةٌ ترنو إلى / زُهْرِ الكواكبِ إذ تَراءتْ من عَلِ
وسعادةٌ لو أنّها جُعِلتْ على / هَرِمٍ لعادَ إلى الشّبابِ الأوّلِ
هاتِ الحديثَ عن الزّمانِ وحُسْنِهِ / وَخُذِ الحديث من المُحدِّث عن علي
من ألحفَ الدنْيا جنَاحَيْ عدْلِهِ / وأجارَ من صرْفِ الخطوبِ المعضلِ
من مَهّدَ الملكَ العظيمَ وناهضاً / للمكرمات بكلّ عبءٍ مثقلِ
ملك تَفُلّ عداتَهُ عزماتُهُ / بصوارم قَدَرِيّةٍ لم تُفْلَلِ
برٌّ إذا عَمَلٌ خلا من نُصْحِهِ / ورجا التقيُّ قبولهَ لم يُعْمَلِ
شَرِبَتْ قلوبُ الناسِ مِنهُ محبَّةً / كَرْعَ الصوادي في عذوبةِ منهلِ
وقضى له بالنّجْحِ مبدأُ أمرِد / ويدلّكَ الماضي على المستقبلِ
وَسما يُحَلِّقُ في العلى بِعِداتِهِ / مثلَ البغاثِ خَشينَ وَقْعَ الأجدلِ
إِيّاكَ أَن يختالَ مِنهُم جاهلٌ / فحسامُهُ للجيدِ منه يختلي
إِنَّ الشريعةَ مِنهُ تُشْرِعُ عاملاً / من كلِّ باغٍ عامِلاً في المقتَلِ
وَرِثَ الممالِكَ مِن أَبيهِ فَحازَهَا / وتُراثَ مجدٍ في الصميم مُؤثَّلِ
حَسَمَ المظالمَ عادلاً فكأنّهُ / من سيرة العُمرَيْن جَدّدَ ما بَلي
كم قال من حيٍّ لِمَيْتٍ قُمْ ترى / ما نَحنُ فيه منَ التنَعُّم مُذْ ولي
إنَّ ابنَ يَحيى في المفاخِرِ ذِكرُهُ / مُتَضَوّعٌ منه فمُ المتمثّلِ
ملكٌ إذا خفقتْ عليه بنودُهُ / فالحافقانِ له جناحا جَحفَلِ
يَقتادُ كلَّ عَرَمْرَمٍ متَموِّجٍ / كالبحر تركُلُهُ نَوؤجُ الشّمألِ
وتريكَ في أُفْقِ العجاجِ رماحُهُ / شَرَرَ الأسنّةِ في رمادِ القسطلِ
في كُلِّ سابِغَةٍ كَأنَّ قَتيرَها / حدَقُ الجنادبِ في سَرابِ المجهَلِ
ماذيّةٌ يشكو لِكَثرَةِ لَحمِها / ضُرّاً بلا نفعٍ لسانُ المُنْصُلِ
كَغَمامَةٍ يَجلو عَلَيكَ بَريقُها / في السّرد لمعَ البارقِ المُتَهلِّلِ
يَفتَرُّ عَن ثغرِ الرئاسَةِ والرّدى / جَهْمٌ يلذّ بِعَضِّ نابٍ أعصلِ
إِن كرَّ في ضَربِ الكماةِ بِمرهَفٍ / قدّ الحديدَ على الكميّ بجدوَلِ
وتخالُ يومَ الطّعْنِ مهجةَ قِرنِهِ / تُجْري السليطَ على السنانِ المُشعَلِ
لا تَسأَلَنْ عَن بأسِهِ واقْرَأه في / صفةِ الحديدِ من الكتابِ المنزلِ
صَلْتُ الجبينِ على أسِرّةِ وجههِ / نورٌ يشيرُ إلى الظلامِ فينجلي
ثبتَتْ رصانةُ حِلْمِهِ فكأنّما / أرساهُ خالقُهُ بِهَضْبَةِ يَذْبُلِ
ما زلتَ في رُتَبِ العُلا متنقّلاً / وكذا انتقالُ البَدر في الفَلكِ العلي
وموفّقُ الأعمالِ تحسبُ رأيَهُ / صُبْحاً يقدّ أديمَ ليلٍ أليْلِ
وتكادُ تُرْدي في الغمودِ سيوفُهُ / وتبيدُ أسهُمُهُ وإن لم تُرْسَلِ
دُمْ للمعالي أيّها الملك الذي / أسْدَى الأماني من يمينَيْ مفضلِ
نِعَمٌ تُنَوِّرُ في الأَكُفِّ كَما سقى / عينَ الرياض حَيَا السحابِ المُسْبَلِ
وَفَدَتْ عَلَيكَ سعودُ عامٍ مُقْبِلٍ / فَتَلَقَّهُ بِسعودِ عِزٍّ مقبلِ
أَهْدَى التحيَّةَ واستعارَ لنُطْقِهِ / من كلّ ممتدح فصاحةَ مِقْولِ
وَسعَى بِأَرضِكَ واضِعاً فَمَهُ على / تُرْبٍ بأفواهِ الملوكِ مُقَبَّلِ
وكَأَنَّهُ بِكَ لِلأنامِ مهنّئٌ / ومبشّرٌ لك في علوّ المنزلِ
بمراتبٍ تُبْنى وبأسٍ يُتّقَى / وسعادةٍ تَنْمى وكعبٍ يعتلي
نَهَتِ الكواشحَ عنه والعُذّالا
نَهَتِ الكواشحَ عنه والعُذّالا / فَكَأنَّما ملأتْ يديه وصالا
أَتَظُنّها رَحِمَتْهُ من أَلمِ الجَوَى / بِمُخَلخَلٍ يَستَرحِمُ الخِلخَالا
ظَمآنُ يَستسقي أُجاجَ دموعِهِ / من عارِضِ البَرِد الشنيبِ زلالا
حَتّى إذا لَذَعَ الغَرامُ فؤادَهُ / شربَ الغليلَ وأُشرِبَ البِلبالا
مُضْنىً أزارتْهُ خيالاً عائداً / فكأنّما زارَ الخيالُ خيالا
لا يستجيبُ لسائلٍ فكأنّهُ / طَلَلٌ وهل طللٌ يجيبُ سُؤالا
كَم سامِعٍ بِالعَينِ مِن آلامِهِ / قِيلاً بأفواهِ الدموعِ وقالا
إِنّي طُرِفْتُ بِأَعينٍ في طَرفِها / سِحْرٌ يَحُلُّ مِنَ العقولِ عِقالا
وَفَحَصتُ عَن سَببٍ عَصَيتُ بِهِ النّهى / فَوَجدتُهُ ذُلّاً يُطيعُ دلالا
وَأَنا الَّذي صَيَّرْتُ عِلْقَ صبابتي / بصبابَتي للغانِيات مُذالا
فتَصيَّدَتنِي ظبيةٌ إنسِيّةٌ / وَأَنا الَّذي أَتَصَيَّدُ الرّئبالا
تُجري الأراكَ على الأقاح وظَلمُها / ريقٌ أذُقْتَ الشَّهدَ والجِريالا
وتريكَ ليلاً في الذوائب يجتلي / نوراً عليك ظلامُهُ وصقالا
وإذا تداولتِ الولائدُ مَشْطَهُ / عَرُضَ السُّرى بالمشطِ فيه وطالا
وتَنَفَّسَتْ بِالندِّ فيهِ فَخَيَّمتْ / نَارٌ مواصِلَةٌ بِهِ الإِشعالا
يا هَذِهِ لَقَدِ انفَرَدتِ بِصورَةٍ / لِلحُسنِ صُوِّرَ خَلقُها تِمثالا
أمّا الجفونُ فقد خَلَقْنَ مقَاتِلاً / مِنّي فَكَيفَ خَلَقْنَ مِنكِ نِبالا
هَل تطلعينَ عليَّ بدراً عن رضىً / فأراكِ عن غضَبٍ طلعتِ هلالا
ألفيتُ بَرْقَكِ في المَخِيلَةَ خُلّباً / ويمينَ عَهدكِ في الوفاءِ شمالا
ما هذه الفتكات في مهجاتنا / هَل كانَ عِندَكِ قَتلهنَّ حلالا
لِم لا ترقُّ لَنا بِقَلبِكَ قَسوَة / أَخُلِقْتِ إِلّا غادَة مِكسالا
وظُباكِ تصرعُ دائباً أهلَ الهَوى / وَظُبا عليٍّ تَصرَع الأبطالا
مَلكٌ لِنصر اللَّه سَلَّ مجاهداً / عَضْباً تَوَقّدَ بالمتونِ وسالا
وإذا شدا في الهام خلتَ صليلَهُ / عمَلاً وَهَزّ غِرارِهِ استِهلالا
وَكَأنَّهُ مِن كُلِّ دِرعٍ قَدَّها / يُغْري بأحداقِ الجرادِ نَمالا
مَلكٌ إِذا نَظَمَ المِكارِمَ مَثَّلتْ / يدُهُ بها التتميمَ والإيغالا
فَدَعِ الهبات إِذا ذَكَرْتَ هِباته / تُنْسي البحورُ بِذِكرها الأوشالا
ماضٍ على هَوْلِ الوقائعِ مُقْدِمٌ / كَالسيفِ صَمّمَ وَالغَضَنفرِ صالا
يرمي بثالثَةِ الأثافي قِرْنَهُ / فَالأَرْضُ مِنها تَشتَكي الزلزالا
فَبِأَيِّ شَيءٍ تَتَّقي من بأسِهِ / ما لو رَمَى جبلاً به لانهالا
يصْلى حرورَ الموْت مَنْ مَدّتْ له / يمناهُ من وَرَقِ الحديدِ ظلالا
هَدّ الضّلالَ فلم تقُمْ عُمُدٌ له / وأقامَ من عمد الهدى ما مالا
من سادةٍ أخلاقُهُمْ وحلومُهُمْ / تتعرّضانِ بسائطاً وجبالا
أقْيَالُ حِمْيَرَ لا يَرُدّ زمانُهُمْ / لَهمُ بما أمرُوا بِه أقْوَالا
وإذا الكريهةُ بالحتوفِ تسعّرَتْ / وغدتْ نواجذُها قناً ونصالا
واستَحضَرَ اللَّيلُ النّهارَ بظلمةٍ / طلعتْ بها زُهْرُ النجوم إلالا
نَبذوا الدّروعَ وقاربت أعمارهم / نيل اللّهاذم والظُّبا الآجالا
حَتّى كَأَنَّهُمُ بِهَجرِ حَياتِهمْ / يَجِدونَ مِنها بالحِمامِ وِصالا
فهمُ همُ أُسْدُ الأسود براثناً / وأرقّ أبناءِ الملوكِ نِعالا
يا مَنْ تَضَمّنَ فضْلُهُ إفْضالَهُ / والفضلُ ما يَتَضَمّنُ الإفضالا
عَيّدْتَ بالإسْلامِ مُهْتبِلاً لهُ / في زينةٍ خلعتْ عليه جمالا
ولبستَ فيه على شِعارِكَ بالتُّقى / من ربّكَ الإعظامَ والإجْلالا
قدّمْتَ عدّ بنيك فيه لمن يَرى / ليثَ الكفاح يُرَشّحُ الأشبالا
في جحفلٍ ملأ الهواءَ خوافقاً / والسّمْعَ رِكْزاً والفَضاءَ رعالا
وكأنّ أطراف الذوابلِ فوقَه / تُذْكي لإطفاءِ النّفوس ذُبَالا
بالخَيْلِ جُرداً والسيوف قواضباً / والبزْلِ قُوداً والرماح طوالا
وبعارِضِ الموتِ الذي في طيِّهِ / وَبْلٌ يَصُبُّ على عِداكَ وبالا
تَرَكَتْ ثَعابينُ القفارِ شِعابَها / وأُسودُها الآجام والأغيالا
وأتت معوّلةً على جيفِ العدى / وحسبنَ سِلْمَكَ بالعجاج قتالا
خَفَقَتْ بنودٌ ظَلَّلت عَذَباتها / بُهَماً سيوفُها الضُّلّالا
من كلّ جسمٍ يَحتْسي من ريحِهِ / روحاً يقُيم بخلقهِ أشكالا
وكأنّ أجياداً حباك جيادَهُ / فكسوتَهُنّ من الجَلالِ جُلالا
من كلّ وَرْدٍ رائقٍ كسميِّهِ / فتخالُ من شَفَقٍ له سربالا
أَو أَشقَرٍ كَالصبحِ يَعقِلُ رادعاً / هَيْقَ الفلاةِ وجأبها الذيّالا
أو أشعلٍ كالسّيد عَرّضَ سابحاً / فحسبته بالأيطلَينِ غزالا
أو مُشْبِهٍ لعس الشفاهِ فكُلَّما / رَشَفَتْهُ بالنّظَرِ العيونُ أحالا
أو لابسٍ ثوباً عليه مُرَيَّشاً / وصلتْ قوائمه به أذيالا
أَو أَدهَمٍ كاللَّيلِ أَمّا لونه / فَلَكَم تَمنّى الحسنُ منه خيالا
يَطَأُ الصفا بالجزع منه زبرجدٌ / فيثيرهُ في جوّه قَسْطالا
والبُزْلُ تجنحُ بالقِبابِ كأنّها / سُفُنٌ مدافعةٌ صَباً وشمالا
وكأنّما حملت رُبى قد نوّرَتْ / وَسُقِينَ من صَوْبِ الربيع سجالا
وَكَأَنَّما زُفَّتْ لَهُنَّ عَرائِساً / لِتَحلّ مَغْنَى عِزِّك المحلالا
بَكَرَت تَعالى للهِلالِ وما انثَنَتْ / حَتّى رَأيتَ لَها الهلالَ تَعالى
صَلّيتَ ثمَّ نحرتَ في سُنَنِ الهدى / بُدْناً كنحرِكَ في الوغى الأقتالا
وَتَبِعتَ سُنَّةَ أَحمدٍ وأريتنا / مِنْ فِعْلِهِ في الفعلِ منك مثالا
ثمَّ انصرفتَ إلى قصورك تبتني / مجداً وتهدمُ بالمكارمِ مالا
وتؤكّد الأسماءَ في ما تشتهي / من هِمَةٍّ وَتُصَرِّفُ الأفعالا
أظلومُ منكِ تعلّمت ظلمي
أظلومُ منكِ تعلّمت ظلمي / حرباً وكانت قبل ذا سَلْمي
كانت بهجري غيرَ عالمةٍ / فَهَدَيتِها منهُ إلى علمِ
هذا وفاقٌ عن مخالفَةٍ / كالزيرِ تُصْلِحُهُ على البمِّ
خودٌ تلقّنُ تِرْبَها حُجَجاً / كالبنتِ مُصْغِيَةً إلى الأمِّ
والغادتانِ تفِيضُ بينهما / خُدَعُ الهوى وقطيعةُ الحلمِ
إنَّ النّواعمَ في العتابِ لها / غَرَضٌ إليه جميعُها تَرْمي
لو قدْ وقفتِ على ضَنى جَسَدي / لوقفتِ باكيةً على رسمِ
ورأيتِ أضداداً أذوبُ بها / حُرَقاً تُشَبّ وأدمعاً تهمي
وبنفسيَ الخودُ التي برِئَتْ / في قتلها نفسي من الإِثمِ
لمياءُ تبسمُ عن مُؤشَّرَةٍ / تجلو الظلامَ ببارِقِ الظَّلمِ
وتخوضُ من سَفَهِ الصِّبا مُلَحاً / فتحلّ منك معاقدَ الحِلْمِ
مَرَّتْ تميسُ فقلتُ هَل سَكرَتْ / من ريقها بسُلافةِ الكرْمِ
كَمُنَعَّمِ الأطرافِ بَلّلَهُ / شَرَقُ النسيم بريقِهِ الوَسْمي
وَفَدَتْ عَلَيكَ سعادةُ الأعوامِ
وَفَدَتْ عَلَيكَ سعادةُ الأعوامِ / لِعُلى يديكَ ونُصرَةِ الإسلامِ
وبطول عمرٍ يعمُرُ الرّتَبَ التي / يختطّها الخطّيّ وهي سَوَامِ
عامٌ أتاك مُبشّراً برياسةٍ / أبديّةِ الإجلال والإعظامِ
لك في ابتداءِ العمرِ عزمُ مُؤيَّدٍ / وأناةُ مقتدرٍ وعدلُ إمامِ
صدقُ المخايل في حداثةِ سنّهِ / والشبلُ فيه طبيعةُ الضرغامِ
كم قائلٍ لنموّ قدرك في العلى / هذا الهلالُ ينير بَدْرَ تَمامِ
تُرْدي عُداةَ اللَّه منك إشارةٌ / والسّقْطُ يحرقُ كثرَةَ الآجامِ
وكأنّما الإيمان في حرب العدا / بيمينه منك انتضاءُ حسامِ
حَسُنَتْ بسعدك للخلائقِ كلهمْ / لمّا وليتَ خلائق الأيامِ
فانْصَبّتِ الأرْزَاقُ بعد جُمودِها / وأضاءَتِ الآفاقُ بعدَ ظلامِ
وتنفّستْ من رَوْض خلقك نفحَةٌ / صَحّتْ بها الآمال بعد سقامِ
كم قال من حيٍّ لميتٍ قُم ترَى / فَرَحَ الورى بالأمنِ والإنعامِ
هذا هو الحَسَنُ الذي حَسَناتُه / قعدت لدى الكرماءِ بعد قيامِ
انظرْ إلى القمرِ الذي في دَسْتِهِ / فيمينُهُ تَنْدى بصَوْبِ غمامِ
مُتخَتّمٌ لعُفاتهِ وَعُداتِهِ / بالجود أو بقبيعة الصمصامِ
خلع اللواءُ عليك عزّ مُمَلَّكٍ / تَخْشَى سُطاهُ أجِنّةُ الأرحامِ
تخذ الجنودَ من الأسود فوارساً / مِنْ ضاربٍ أو طاعنٍ أو رامِ
في كلّ خضراءِ الحبائكِ فاضةٍ / فاضَتْ على قَدَمٍ من الأقدامِ
وكأنّ أحداقَ الجرادِ تبرّقتْ / منها لِعَيْنِكَ في سرابِ موامي
أكْرِمْ صديقك عن سؤا
أكْرِمْ صديقك عن سؤا / لك عنه واحفظ منه ذِمّه
فلربما استخبرت عن / ه عَدُوَّهُ فسمعتَ ذَمّه
أدِمِ المروءةَ والوفاءَ ولا يكنْ
أدِمِ المروءةَ والوفاءَ ولا يكنْ / حبل الديانة منك غيرَ متينِ
والعزّ أبقى ما تراه لمكرم / إكرامُهُ لمروءَةٍ أو دينِ
ومُديمةٍ لَمْعَ البروقِ كأنّما
ومُديمةٍ لَمْعَ البروقِ كأنّما / هَزّتْ من البيضِ الصفاحِ متونا
وسرتْ بها الرّيحُ الشمالُ فكم يدٍ / كانت لها عند الرّياض يمينا
صرَختْ بصَوْتِ الرّعد صرْخة حامل / ملأتْ بها الليلَ البهيمَ أنينا
حتى إذا ضاقتْ بمضمر حملها / ألْقَتْ بحجرِ الأرضِ منه جنينا
قطراً تَنَاثَرَ حَبُّهُ فلوَ اَنّهُ / دُرٌّ تنظّمه لكان ثمينا
وكأنّما عُمْي الرياضِ بدمعه / كُسِيَتْ من الزّهْرِ الأنيقِ عيونا
عَذّبْتني بالعُنْصُرَيْنِ
عَذّبْتني بالعُنْصُرَيْنِ / بلظى حشاي وماءِ عيني
ألْبَسْتِي سَقَماً أرا / كِ لَبِسْتِهِ في الناظرينِ
جسمي هو الطّيْفُ الّذي / يُدْنِيهِ منكِ طِلابُ ديني
ولقد خَفِيتُ من الضّنا / وأمِنْتُ لَحْظَ الكاشحينِ
ولئن سلمتُ من الرّدى / فلأنّهُ لم يدر أيْني
لم أسْلُ عنْهُ وقد سَلا عنّي
لم أسْلُ عنْهُ وقد سَلا عنّي / فالذّنْبُ منه وضِدّهُ منّي
قمرٌ ملاحاتُ الورى جُمِعَتْ / في خَلْقِهِ فَنّاً إلى فَنِّ
قد كان يبلغُ من مواصلتي / ظنّي وفوقَ نهايةِ الظنِّ
ويضيفُ ريقَتَهُ بقبلتِهِ / كَإضافةِ السلوى إلى المنِّ
فاليومَ ينفرُ من ملاحظتي / كَنِفارِ إنْسيٍّ من الجنِّ
يا صورةَ الحُسْنِ الَّتي طَلَعَتْ
يا صورةَ الحُسْنِ الَّتي طَلَعَتْ / بالشمسِ في خُوطٍ من البانِ
ما بالُ بلقيسيّ حُسْنِكِ لا / يَحْنو على وَجْدي السُّلَيماني
لمّا وجدتُ هَواكِ خامَرَني / أيقنتُ أنّ هواك روحاني
لا تنكري داءً نحلتُ به / فبِسُقْم طرْفِك سُقْم جثماني
يا كيْفَ أكْتُمُ حبّ فاتكةٍ / يبديه إسراري وإعلاني
إنْسيّةٌ ذكرى محبّتها / جنيّةٌ بالشّوقِ تَغْشاني
ولقد يخامرُني بها شَغَفٌ / لا يُفْتَدَى منه بسلواني
يا من يجازيني بسيّئةٍ / أكذا يكون جزاءُ إحساني
وأبي هواكِ وما حلفتُ به / إلّا وكانَ الصّدقُ من شاني
لا طابَ لي طِيبُ الحياة ولا / خَطَرَ الكرى بضميرِ أجفاني
حتى أرى والوَصْلُ يجمعنا / إنسانَ عينك نُصْبَ إنساني
أعليتَ بين النجم والدّبرانِ
أعليتَ بين النجم والدّبرانِ / قصراً بناهُ من السعادة بانِ
فَضَحَ الخوَرنَقَ والسديرَ بحسنه / وسما بقمّتِهِ على الإيوانِ
فإذا نَظَرْتَ إلى مَرَاتبِ مُلكه / وبدتْ إليك شواهدُ البرهانِ
أوْجَبْتَ للمنصور سابقةَ العُلى / وعَدلْتَ عن كسرَى أنوشروانِ
قصرٌ يقصِّرُ وهو غير مقصِّر / عن وصفه في الحسن والإحسانِ
وكأنّهُ من دُرّةٍ شَفّافَةٍ / تُعْشي العيونَ بشدّة اللمعانِ
لا يَرْتقي الرّاقي إلى شرفاتِهِ / إلا بمعراج من اللحظانِ
عرّجْ بأرض الناصرّية كي تَرَى / شَرَفَ المكان وقدْرَةَ الإمكانِ
في جنّةٍ غَنّاءَ فِرْدَوْسِيّةً / محفوفةٍ بالرَّوحِ والرّيحانِ
وتوقّدتْ بالجمر من نارنجها / فكأنّما خُلِقَتْ من النّيرانِ
وكأنّهنّ كراتُ تبرٍ أحمرٍ / جُعِلَتْ صوالجها من القضبانِ
إن فاخر الأترجُّ قال له ازدجر / حتى تحوزَ طبائع الإيمانِ
لي نفحةُ المحبوب حين يَشمني / طيباً ولونُ الصّبّ حين يَراني
منّي المصبَّغ حين يبسط كفّه / فبنانُ كلّ خريدة كبناني
والماءُ منه سبائكٌ فضيّةٌ / ذابتْ على دَرَجاتِ شاذروانِ
وكأنّما سيفٌ هناك مُشَطَّبٌ / ألقَتْهُ يوم الحرب كفّ جبانِ
كم شاخصٍ فيه يطيلُ تَعَجّباً / من دوحَةٍ نَبَتتْ من العقيانِ
عَجَباً لها تسقي الرياض ينابعاً / نَبَعَتْ من الثّمَرَاتِ والأغصانِ
خصّتْ بطائرَةٍ على فَنَنٍ لها / حَسُنَتْ فَأُفْرِدَ حُسْنُها من ثانِ
قُسّ الطيورِ الخاشعاتِ بلاغةً / وفصاحةً من منطقٍ وبيانِ
فإذا أُتيحَ لها الكلامُ تَكَلّمَتْ / بخريرِ ماءٍ دائمِ الهملانِ
وكأنّ صانِعَها استبدّ بصنعةٍ / فخرَ الجمادُ بها على الحيوانِ
أوْفتْ على حوْضٍ لها فكأنّها / منها إلى العَجَبِ العُجابِ رواني
فكأنّها ظَنّتْ حلاوةَ مائها / شهداً فذاقتْهُ بكلّ لسانِ
وزرافةٍ في الجوفِ من أنبوبها / ماءٌ يريكَ الجري في الطيرانِ
مركوزة كالرمح حيثُ ترى له / من طعنه الحلق انعطاف سنانِ
وكأنّها ترْمي السماء ببندق / مستنبطٍ من لؤلؤ وجمانِ
لو عاد ذاك الماءُ نفطاً أحرقت / في الجوّ منه قميصَ كلّ عنانِ
في بركةٍ قامتْ على حافاتها / أُسْدٌ تذلُّ لعزّة السلطانِ
نزَعتْ إلى ظلم النفوس نفوسها / فلذلك انتزعتْ من الأبدانِ
وكأنّ بَرْدَ الماءِ منها مُطفئٌ / ناراً مُضَرَّمَةً من العدوانِ
وكأنّما الحيّات من أفواهها / يَطرَحنَ أَنفُسَهن في الغدرانِ
وكأنّما الحيتان إذ لم تخشها / أخذت من المنصور عقد أمانِ
كم مجلسٍ يجري السرور مسابقاً / منه خيولَ اللهو في ميدانِ
يجلو دماهُ على الخدود ملاحةً / فكأنّهُ المحراب من غمدانِ
فسماؤه في سمكها علويَّةٌ / وقبابه فَلَكِيّةُ البنيانِ
للّه شمسٌ كانَ أولها السّها
للّه شمسٌ كانَ أولها السّها / كَحَلَ الظلامُ بنورها أجفاني
جادَ الزّنادُ بِعُشْوَةٍ فتَخيّرت / قَصَرَ الجفيفةِ بعد طول زمانِ
شعواءُ باتتْ تَرْمَحُ الريح التي / أمْسَتْ تجاذبها شليل دخانِ
وكأنّما في الجوّ منها رايةٌ / حمراءُ تخفق أو فؤاد جبانِ
أقبلتها من وجه أدهم غُرَّةً / فأرتْك كيف تَقَابَلَ القمرانِ
في ظلّ منسدل الدجى جارتْ به / عيني التي هُدِيَتْ بأذن حصاني
للّه واصفةٌ مُعَرَّسَ سادةٍ / وهناً لعينك باضطراب لسانِ
نزلوا بأوطان الوحوش وما نبا / بهمُ زمانُهُمُ عن الأوطانِ
خطّافة الحركات ذات مساعر / حملت جفونَ مراجلٍ وجفانِ
كالبحر أعلاها اللهيبُ وقعرها / جمرٌ كمثل سبائك العقيانِ
تَشوي اللطاةَ على سواحل لجها / للطارقين شواءة اللحمانِ
من كلّ منسكب السماحة يلتظي / في كفّه اليمنى شواظُ يماني
وإذا ابن آوى مدّ ذات رُنُوِّهِ / كَحَلَتْهُ بابن حَنِيّةٍ مرنانِ
متوسّدين بها عبابَ دروعهم / إنّ الدروع وسائدُ الشُجعانِ
يتنازعونَ حديثَ كلّ كريهةٍ / بِكْرٍ تَصَالوا حرّها وعوانِ
صرعوا الأوابدَ في الفدافد بالقنا / وخواضب الظلمان في الغيطانِ
من كلّ وحشيّ يُسابقُ ظِلَّهُ / حتى أتاه مسابقُ اللحظانِ
صِيدٌ إذا شهدوا النديّ همى الندى / فيه ونيط الحسن بالإحسانِ
من كلّ صَبٍّ بالحروبِ حياتُهُ / مشغُوفَةٌ بمنيّةِ الأقرانِ
في متن كلّ أقبّ تحسبُ أنّه / برقٌ يصرِّفه بوَحْي عنانِ
وإذا تَضَرّمَتِ الكريهة واتقى / لفحاتِها الفرسان بالفرسانِ
وثنى الجريحُ عنانه فكأنّما / خُلِعَتْ عليه معاطف النشوانِ
وعلى الجماجم في الأكف صوارمٌ / ففراشها بالضرب ذو طيرانِ
قدّوا الدروعَ بقضبهم فكأنّما / صَبّوا بها خُلُجاً على غدرانِ
وَأرَوْكَ أنّ من المياه مَناصِلاً / طُبِعَتْ مضاربها من النيرانِ
أخذتْ سفاقسُ منك عهدَ أمانِ
أخذتْ سفاقسُ منك عهدَ أمانِ / وَرَدَدتَ أهليها إلى الأوطانِ
أطلقتَ بالكرم الصريح سراحَهُمْ / فرعوا بقاعَ العزّ بعد هوانِ
وعطفتَ عطفةَ قادمٍ أسيافُهُ / غُمِدَتْ على الجانين في الغفرانِ
كم من مُسيءٍ تحتَ حكمك منهمُ / قَلّدْتَهُ مِنَناً من الإحسانِ
ومروَّعٍ وقع الردى في رُوعِهِ / أطفأت جَمْرَةَ جَوْفهِ بأمان
كان الزّمانُ عدوّهم فثنيْتَهُ / وهو الصّديقُ لهم بلا عُدوانِ
أمسى وأصبح طيبُ ذكركَ فيهمُ / بأريجِهِ يَتَأرّج الملوانِ
ولقد يكون من الضلوع حديثُهُم / في مُعْضِلاتِ تَوَقّعِ الحدثانِ
يا يَوْمَ رَدّهِمُ إلى أوطانِهِمْ / لرددتَ أرواحاً إلى أبدانِ
نزَلتْ بك الأفراحُ في عَرَصَاتهمْ / وبها يكونُ تَرَحّلُ الأحزانِ
فِلَذُ القلوب إلى القلوب تَراجعتْ / في مُلْتَقَى الآباءِ بالولدانِ
والأمّهاتُ على البناتِ عَواطِفٌ / والمشفقاتُ على اللّداتِ حوانِ
سُرَّ القرابةُ بالقرابةِ منهمُ / وتَأنّسَ الجيرانُ بالجيرانِ
وَتَزَاوَرَ الأحبابُ بعد قطيعةٍ / دخلتْ بذكر الودّ في النّسيانِ
في كلّ بيتٍ نعمةٌ وَمَسَرّةٌ / شربوا سُلافتها بلا كيزانِ
ودُعاؤهم لك في السماء مُحَلّقٌ / حتى لضاقَ بعرضه الأفقانِ
كحجيج مكة في ارْتفاع عجيجهم / وطوافهمْ بالبيتِ ذي الأركانِ
صَيّرْتَ في الدّنْيا حديثك فيهمُ / مثلاً يمرّ بأهل كلّ زمانِ
فخرٌ يقيمُ إلى القيامة ذكرُهُ / مثلَ الشنوفِ تُناطُ بالآذانِ
لك يا ابن يحيى في علائك مُرْتَقى / لم تَرْقَهُ من أكبرٍ قدمانِ
إن كنتَ في الأيمان أشرعتَ القنا / فبها أقمْتَ شرائعَ الإيمانِ
أو كان فضْلُك ليس يُجحدَ حقُّه / فعليه مُتّفِقٌ ذوو الأديانِ
أو كنْتَ مرهوبَ الأناةِ فكامنٌ / فيها وثوبُ الضيغم الغضبانِ
لا يأمنِ الأعداءُ وقعَ صوارمٍ / نامتْ مناياهُنّ في الأجفانِ
فلها انتباهٌ في يديكَ وإنّها / لقطوف هامات الجُناةِ جَوانِ
كم للعدى في الروع من خَرَسٍ إذا / نطقَ الرّدى لهمُ من الخُرصْانِ
لله دَرّكَ من هُمامٍ حازمٍ / يَرْضى ويغضَبُ في رضى الرحمانِ
للَّه منك جميلُ صنعٍ سائحٌ / في الأرضِ منْه حديثُ كل لسانِ
سرّحْتَ مالكِ من يمينِ سميحةٍ / والمال في اليمنى السميحة عانِ
إنِّي امرؤ أبني القريض ولا أرى / زَمَناً يحاولُ هدْمَ ما أنا باني
صَنعٌ بتحبيرِ الثناءِ وَحَوْكِهِ / فكأنّما صنعاءُ تحت لساني
وأفيدُ نوّارَ البديع تضوّعاً / مُتَنَسمّاً بدقائقِ الأذهانِ
والشعرُ يسري في النفوس ولا كما / يَسْري معَ الصّهباءِ والألحانِ
ولقد شأوتُ الريح فيه مُسَابقاً / من بعد ما أمسكتُ فضْل عِناني
وطعنتُ في سنّ الكبير وما نبا / عن طَعنِ شاكلة البديع سناني
ولوَ انّني أصْفَيْتُ منه لولّدتْ / علياك في فكري ضروبَ معاني
فافخرْ فإنّكَ من مُلوكٍ لم يَزَلْ / لهمُ قديمُ مَفَاخرِ الأزمانِ
ولقد عكفتَ على مواصلَةِ النّدى / فكأنّهُ حُبٌّ بلا سلوانِ
وغمرْتَ بالطَّوْلِ الزّمانَ فقلْ لَنا / أهُوَ الهواءُ يعمّ كلّ مكانِ
نُفْني مدائِحَنا عَلَيكَ لأنَّها / سُقيَتْ ظماءً منك ماءَ بنانِ
والرّوْضُ إن رَوّى الغمامُ بقاعَهُ / أثْنى عليه تَنَفّس الريحانِ
سنحتْ في السرْبِ من حورِ الجنانْ / ظبيةٌ تبسم عن سِمْطَيْ جُمان
وكأنّ العَيْنَ منها تجتلي / بَرَداً للبرق فيه لَمَعَان
بنتُ سبعٍ وثمانٍ وَجَدَتْ / عُمُري ضَرْبَكَ سبعاً في ثمان
في شبابٍ بهجٍ وفّى لها / وثنى ريعانَهُ عنّي فخان
يستبي النّاسكَ منها ناظرٌ / ساحرُ الطرْفِ عليلُ اللّحظان
وأثيثٌ ذو عقاصٍ غَيّمَتْ / فيه للمندل أنفاسُ دخان
يا لها من جنّةٍ رمّانُها / ما دَرَتْ ما لمسُهُ راحةُ جان
يا عليلَ القلب كم ذا تشتهي / سَوْسَنَ النحرِ وَعُنّابَ البنان
وأوانُ الهجرِ لا يُجْنى به / ثَمَرٌ كان لها الوَصْلُ أوان
إذ شبَابي غَضّةٌ أوراقُه / وحديثي تُحَفٌ بين الحسان
وقطوفُ اللهوِ من قاطفها / دانياتٌ ببنيّاتِ الدّنان
كلّ عذراءَ عجوز قد علا / رأسَها في الدنّ شيبُ القُمُّحان
وكأنّ الكفّ من حُمرَتِها / غُمِسَتْ أنْملها في الأرجُوَان
صرْفُها يقسو فيبدي غضباً / فإذا أرضَيْتَهُ بالمزْجِ لان
رَبّةَ القُرْطِ الذي أحسبه / راشَ للقلب جَنَاحَ الخفقان
إن يكُنْ سحركِ قد خُصّ بهِ / لحظُ طرفٍ منك أو لفظُ لسان
فعليٌّ بأسُهُ خُصّ بِهِ / حدُّ سيفٍ منه أو حدُّ سنان
منعم تهوى القوافي مَدْحَهُ / أو مَا ناظِمُ مَعناها مُعان
معرقٌ في المجد من آبائه / أُسُدِ الرّوع وأملاكِ الزمان
جلّ مِنْ شبلٍ أبوه قَسْوَرٌ / بَطَلُ الحرْبِ بكفّيْهِ جبان
إن تلا يحيى عليٌّ في العلى / فبما دانَ من الإِحسان دان
كلّ يومٍ في المعاني قدرُهُ / بسماءِ الملك يَنْمي للعيان
وهلالٌ أوّلُ البدرِ الّذي / يَرْتدي بالنور منه الأفقان
كم طريدٍ مُستقِرٍّ عندهُ / من حَرُورِ الخوْفِ في ظلّ أمان
وفقيرٍ مُعْسِرٍ قد صانَهُ / من مهين الفقر بالمال المهان
كان في غير حماه غرضاً / لِسِهامٍ فُوّقَتْ بالحدثان
في جَفافِ العُدْمِ حتى غرَفَتْ / من يديه في الغنى منه يدان
يشتري بالحمدِ فَقْراً كيفَ لا / يُشْتَرى باقٍ معَ الدّهْرِ بفان
جادَ حتى قيلَ هلْ أموالهُ / عند أهل القصد في صَوْن اختزان
وإذا الهيجاءُ شَبّتْ نارُهَا / بالرّقاقِ البيضِ والسُّمرِ اللدان
وأثارتْ شُزَّبُ الجُرْدِ بها / عِثْيَراً يَسودّ منه الخافقان
فكأنّ الليلَ مما أظلمتْ / جُنّ أو ألقى على الأرض جِران
صادَ بالبأس عليٌّ صِيدَها / وَثَنى منها عن النصر عِنان
بيمينٍ صَيّرَتْ خاتمها / تاجَ عَضْبٍ يقطفُ الهامَ يمان
وكأنّ الليْثَ من صَعْدَتِهِ / بفؤادِ الذِّمْرِ يعني أفعوان
يسْرقُ المهجةَ من عامِلِهِ / في أضاةِ الدرع للنار لسان
لست أدري أدَمٌ في رمحه / مِنْ جَنَانِ الدهرِ أم وردِ الجنان
يا ابن يحيى أنتَ ذو الطَّوْل الذي / أوّلٌ نائله والبحر ثان
فابقَ للمعروفِ في العزِّ وَدُمْ / من علوّ القدر في أعلى مكان
وعلى وجهك للبشرِ سنا / وعلى قَصْدِكَ للنّجْمِ ضَمان