القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 96
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً
يَمشي الزَمانُ بِمَن تَرقَّبَ حاجَةً / مُتَثاقِلاً كَالخائِفِ المُتَرَدِّدِ
حَتّى لِيَحسَبَهُ أَسيراً موثَقاً / وَيَراهُ أَبطَأَ مِن كَسيحٍ مُقعَدِ
وَيَخالُ حاجَتَهُ الَّتي يَصبو لَها / في دارَةِ الجَوزاءِ أَو في الفَرقَدِ
وَيَكونُ ما يَرجوهُ زَورَةَ صاحِبٍ / وَيَكونُ أَبعَدَ ما يُرَجّي في غَدِ
فَإِذا تَوَلّى النَفسَ خَوفٌ في الضُحى / مِن واقِبٍ تَحتَ الدُجى أَو مُعتَدِ
طارَت بِها خَيلُ الزَمان وَنوقُهُ / نَحوَ الزَمانِ المُدلَهِمِّ الأَسوَدِ
فَكَأَنَّها مَحمولَةٌ في بارِقٍ / أَو عارِضٍ أَو عاصِفٍ في فَدفَدِ
وَيَكونُ أَقصَرَ ما يَكونُ إِذا الفَتى / مَدَّت لَهُ الدُنيا يَدَ المُتَوَدِّدِ
فَتَوَسَّطَ اللَذاتِ غَيرَ مُنَفِّرٍ / وَتَوَسَّدَ الأَحلامَ غَيرَ مُنَكَّدِ
فَإِذا لَذيذُ العَيشِ نَغبَةَ طائِرٍ / وَإِذا طَويلُ الدَهرِ خَطرَةَ مَرودِ
وَإِذا الفَتى لَبِسَ الأَسى وَمَشى بِهِ / فَكَأَنَّما قَد قالَ لِلزَمَنِ اِقعُدِ
فَإِذا الثَواني أَشهُر وَإِذا الدَقا / إِقُ أَعصُر وَالحُزنُ شَيءٌ سَرمَدي
وَإِذا صَباحُ أَخي الأَسى أَو لَيلُهُ / مُتَجَدِّدٌ مَعَ هَمِّهِ المُتَجَدِّدِ
قَهَرَ الوَرى وَأَذَلَّهُم أَنَّ الوَرى / مُتَعَلِّلٌ أَو طامِعٌ أَو مُجتَدِ
جَعَلوا رَغائِبَهُم قِياسَ زَمانِهِم / وَالدَهرُ أَكبَرُ أَن يُقاسَ بِمَقصَدِ
وَقَتَلتُ في نَفسي الرَغائِب وَالمُنى / فَقَهَرتُهُ بِتَجَرُّدي وَتَزَهُدي
يَشكو الَّذي يَشكو السُهادَ جُفونَهُ / لَو لَم يَكُن ذا ناظِرٍ لَم يَسهَدِ
إِن كانَ شَيءٌ لِلنَفادِ أُعِدُّهُ / فيما اِنقَضى وَمَضى وَإِن لَم يَنفَدِ
ما أَن رَأَيتُ الكُحلَ في حَدَقِ المَهى / إِلّا لَمَحتُ الدودَ خَلفَ الأَثمَدِ
مَن لَيسَ يَضحَك وَالصَباحُ مُوَرِّدٌ / لِم يَكتَإِب وَالصُبحُ غَيرَ مُوَرِّدِ
سِيّانِ أَحلامٌ أَراها في الكَرى / عِندي وَأَشياءٌ بِها اِشتَمَلَت يَدي
أَنا في الزَمانِ كَمَوجَةٍ في زاخِرٍ / أَنا فيهِ إِن يُزيد وَإِن لَم يُزيدِ
مَهما تَلاطَمَ فَهوَ لَيسَ بِمَغرَقي / أَو مَخرَجي مِنه وَلا بِمُبَدِّدي
هَيهاتِ ما أَرجو وَلا أَخشى غَداً / هَل أَرتَجي وَأَخافُ ما لَم يوجَدِ
وَالأَمسُ فِيَّ فَكَيفَ أَحسَبُهُ اِنتَهى / أَفَما رَأَيتُ الأَصلَ في الفَرعِ النَدي
قَبلٌ كَبَعدٍ حالَةٌ وَهمِيَّةٌ / أُمسي أَنا يَومي أَنا وَأَنا غَدي
قالَ الغُراب وَقَد رَأى كَلَفَ الوَرى
قالَ الغُراب وَقَد رَأى كَلَفَ الوَرى / وَهُيامَهُم بِالبُلبُلِ الصَدّاحِ
لِمَ لا تَهيمُ بِيَ المَسامِعُ مِثلَهُ / ما الفَرقُ بَينَ جَناحِه وَجَناحي
إِنّي أَشَدُّ قِوى وَأَمضى مِخلَباً / فَعَلام نامَ الناسُ عَن تَمداحي
أَمُفَرِّقَ الأَحبابِ عَن أَحبابِهِم / وَمُكَدِّرَ اللَذات وَالأَفراحِ
كَم في السَوائِلِ مِن شَبيهٍ لِلطَلا / فَعَلام لَيسَ لَها مَقامُ الراحِ
لَيسَ الحُظوظُ مِنَ الجُسوم وَشَكلِها / السِرُّ كُلُّ السِرِّ في الأَرواحِ
وَالصَوتُ مِن نِعَمِ السَماء وَلَم تَكُن / تَرضى السَما إِلّا عَنِ الصَلاحِ
حَكَمَ القَضاءُ فَإِن نَقَمتَ عَلى القَضا / فَاِضرِب بِعُنقِكَ مُديَةَ الذَبّاحِ
لَمّا سَكَتَ حَسِبتَ أَنَّكَ ناجِ
لَمّا سَكَتَ حَسِبتَ أَنَّكَ ناجِ / هَيهاتِ إِنّي كَالمَنونِ أُفاجي
تَاللَهِ تَطمَعُ بِالسَلامَةِ بَعدَما / أَلقاكَ جَهلُكَ في يَدِ الأَمواجِ
إِن كانَ داخَلَكَ الغُرورُ فَإِنَّهُ / ما اِنفَكَّ في البُسَطاء وَالسُذّاج
إِنّي أَنا الأَسَدُ الهَصورُ بَسالَةً / وَيلٌ لِقَومٍ حاوَلوا إِحراجي
حاوَلتَ أَن تَهتاجَني عَن مَربَضي / لِتَنالَ ذِكراً خِبتَ يا ذا الراجي
عارٌ إِذا أَنشَبتُ فيكَ مَخالِبي / إِذ لَيسَ مِن خُلُقي اِفتِراسُ نِعاجِ
وَظَنَنتَ أَنَّكَ بالِغٌ شَأوي إِذا / رُمتَ القَريضَ فَما ظَفِرتَ بِحاجِ
إِنَّ القَوافي كَالخَرائِدِ مِنعَةً / وَتَفوقُها في نَبذِ كُلِّ مُداجِ
وَالشِعرُ تاجٌ لَو عَلِمت وَلَم تَكُن / مِمَّن يَليقُ بِحَملِ هَذا التاجِ
خُذها مُثَقَّفَةً إِذا وَقَعَت عَلى / جَبَلٍ لَأُزعِجَ أَيَّما إِزعاجِ
أَنا خَيرُ مَن قالَ القَوافِيَ مادِحاً / أَنا خَيرُ من قالَ القَوافِيَ هاجي
قَد كُنتُ أَزهُدُ في الهِجا لَو لَم يَكُن / لَكَ يا مَريضَ العُجبِ خَيرُ عِلاجِ
قُل لِلَّذي أَحصى السِنينَ مُفاخِراً
قُل لِلَّذي أَحصى السِنينَ مُفاخِراً / يا صاحِ لَيسَ السِرُّ في السَنَواتِ
لَكِنَّهُ في المَرءِ كَيفَ يَعيشُها / في يَقظَةٍ أَم في عَميقِ سُباتِ
قُم عُدَّ آلَفَ السِنينِ عَلى الحَصى / أَتَعُدُّ شِبهَ فَضيلَةٍ لِحُصاةِ
خَيرٌ مِنَ الفَلَواتِ لا حَدَّ لَها / رَوضٌ أَغَنُّ يُقاسُ بِالخُطُواتِ
كُن زَهرَةً أَو نَغمَةً في زَهرَةٍ / فَالمَجدُ لِلأَزهار وَالنَغَماتِ
تَمشي الشُهورُ عَلى الوُرودِ ضَحوكَةً / وَتَنامُ في الأَشواكِ مُكتَإِباتِ
وَتَموتُ ذي لِلعُقمِ قَبلَ مَماتِها / وَتَعيشُ تِلكَ الدَهرَ في ساعاتِ
تُحصى عَلى أَهلِ الحَياةِ دَقائِقٌ / وَالدَهرُ لا يُحصى عَلى الأَمواتِ
العُمرُ إِلّا بِالمَآثِرِ فارِغٌ / كَالبَيتِ مَهجورا وَكَالموماتِ
جَعَلَ السِنينَ مَجيدَة وَجَميلَةً / ما في مَطاويها مِنَ الحَسَناتِ
المَرءُ في غَفَلاتِه وَسُباتِهِ
المَرءُ في غَفَلاتِه وَسُباتِهِ / وَالدَهرُ كَالرِئبالِ في وَثَباتِهِ
وَالعُمر يجري وَالزَمانُ يَجِدُّ في / إِخفائِه وَالمَرءُ في إِثباتِهِ
وَالحَربُ لا تَنفَكُّ بَينَهُما وَلا / يَنفَكُّ هَذا المَرءُ في حَسَراتِهِ
لا تَعجَبوا مِن جَهلِه وَغُرورِهِ / وَتَعَجَّبوا إِن حالَ عَن حالاتِهِ
يَسعى وَلا يَدري إِلى حَيثُ الرَدى / وَكَذا الفَراشُ يَحومُ حَولَ مَماتِهِ
وَتُحَبِّبُ الدُنيا إِلَيهِ نَفسَهُ / فَيُطيعُها وَالنَفسُ مِن آفاتِهِ
وَيُضيرُها إِفلاتُهُ مِن قَيدِها / وَسَعادَةُ الإِنسانِ في إِفلاتِهِ
يَلقى الضَراغِمَ غَيرَ مُكتَرِثٍ بِها / فَإِذا سَطَت ضَرَبَت عَلى سَطَواتِهِ
وَما قاتَلَ البَطَلَ النَجيدَ غَضَنفَرٌ / إِنَّ الغَضَنفَرَ مَن عَصى شَهَواتِهِ
يا شاعِراً حُلوَ المَوَدَّةِ
يا شاعِراً حُلوَ المَوَدَّةِ / في الحُضور وَفي الغِيابِ
شَهدٌ وَلاؤُكَ وَالأَنامُ / وَلاؤهُم شَهدٌ وَصاب
أَنا إِن شَكَوتُ إِلَيكَ مِنـ / ـكَ وَسالَ في كُتُبي العِتاب
فَحِكايَتي كَحِكايَةِ الظَمآ / نِ في قَفرٍ يَباب
لَم يَروِهِ لَمعُ السَرابِ فَرا / حَ يَستَسقي السَحاب
فَهَمى فَكانَ الخَيرُ فيـ / ـهِ لِلأَباطِح وَالهِضابِ
مَسعودُ أَهوِن بِالمَشيـ / ـبِ فَما اِمَّحى إِلّا الخُضاب
ما ذا عَلَيكَ مِنَ الثُلوجِ / وَفي ضُلوعِكَ حَرُّ أَب
وَالكَأسُ أَجمَلُ في النَوا / ظِرِ إِذ يُرَصِّعُها الحَباب
إِن شابَ مِنكَ المَفرِقانِ / فَما أَظُنُّ القَلبَ شاب
لا تَزعَمَنَّ لَهُ المَتابَ / فَإِنَّ تَوبَتُهُ كِذاب
ما زالَ يَخفِقُ بِالهَوى / وَيَفيضُ بِالسِحرِ العُجاب
وَيُريكَ دُنيا لا تُحَدُّ وَ / مِن وَرائِكَ أَلفُ باب
دُنيا مِنَ اللَذات وَالأَف / راحِ في دُنيا عَذاب
وَيُريكَ جَنّاتِ الجَمالِ / وَأَنتَ في الطَلَلِ الخَراب
أَفتى القَوافي الشادِياتِ / كَأَنَّها أَطيارُ غاب
إِن قيلَ إِنَّكَ صِرتَ شَيخاً / قُل أَجَل شَيخُ الشَباب
أَتَرى إِذا العُنوانُ ضاعَ / يَضيعُ مَضمونُ الكِتاب
السَيفُ لَيسَ يُعيبُهُ مَشـ / ـيُ الخَلوقَةِ في القِراب
وَالخَمرُ خَمرٌ في إِنا / ءٍ مِن لُجَينٍ أَو تُراب
وَحَياةُ مِثلِكَ لَيسَ تَد / خُلُ في قِياسٍ أَو حِساب
فَغَدٌ زَمانَكَ مِثلُ أَمسٍ / وَإِن مَضى عَصرُ الشَباب
لا يُدرِكُ الهرِمُ النُجومَ / وَأَنتَ في الدُنيا شَهاب
وَإِذا يُعابُ عَلى المَشيبِ / فَتى فَمَن ذا لا يُعاب
أَو كانَ يَمدَحُ بِالسَوادِ / فَمَن تُرى مَدَحَ الغُراب
يا نَفحَةً مِن شاعِرٍ / أَرَجَ الكِتابُ بِها وَطاب
الفَجرُ أَهدى لِيَ السَنا / وَالرَوضُ لِيَ المَلاب
حَيِّ الشَآمَ مُهَنَّدا وَكِتابا
حَيِّ الشَآمَ مُهَنَّدا وَكِتابا / وَالغوطَةَ الخَضراء وَالمِحرابا
لَيسَت قِباباً ما رَأَيت وَإِنَّما / عَزمٌ تَمَرَّدَ فَاِستَطالَ قِبابا
فَاِلثُم بِروحِكَ أَرضَها تَلثُم عُصوراً / لِلعُلى سَكَنَت حَصى وَتُرابا
وَاِهبِط عَلى بَرَدى يُصَفِّقُ ضاحِكاً / يَستَعطِفُ التَلعات وَالأَعشابا
روحٌ أَطَلَّ مِنَ السَماءِ عَشِيَّةً / فَرَأى الجَمالَ هُنا فَحَنَّ فَذايا
وَصَفا وَشَفَّ فَأَوشَكَت ضِفّاتُهُ / تَنسابُ مِن وَجدٍ بِهِ مُنسابا
بَل أَدمُعٌ حورُ الجِنانِ ذَرَفنَها / شَوقا وَلَم تَملِك لَهُنَّ إِيابا
بَرَدى ذَكَرتُكَ لِلعَطاشى فَاِرتَوَوا / وَبَني النُهى فَتَرَشَّفوكَ رِضابا
مَرَّت بِكَ الأَدهارُ لَم تَخبِث وَلَم / تَفسُد وَكَم خَبَثَ الزَمان وَطابا
بِأَبي وَأُمّي في العَراءِ مُوَسَّدٌ / بَعَثَ الحَياةَ مَطامِعا وَرِغابا
لَمّا ثَوى في مَيسَلونَ تَرَنَّحَت / هَضَباتُها وَتَنَفَّسَت أَطيابا
وَأَتى النُجومَ حَديثُهُ فَتَهافَتَت / لِتَقومَ حُرّاساً لَهُ حُجّابا
ما كانَ يوسُفُ واحِداً بَل مَوكِباً / لِلنورِ غَلغَلَ في الشُموسِ فَغابا
هَذا الَّذي اِشتاقَ الكَرى تَحتَ الثَرى / كَي لا يَرى في جُلَّقِ الأَغرابا
وَإِذا نَبا العَيشُ الكَريمُ بِماجِدٍ / حُرٍّ رَأى المَوتَ الكَريمَ صَوابا
إِنّي لِأَزهى بِالفَتى وَأُحِبُّهُ / يَهوى الحَياةَ مَشَقَّة وَصِعابا
وَيُضَوِّعُ عِطراً كُلَّما شَدَّ الأَسى / بِيَدَيهِ يَعرُكُ قَلبَهُ الوَثّابا
وَيَسيلُ ماءً إِنحَواهُ فَدفَدٌ / وَإِذا طَواهُ اللَيلُ شَعَّ شَهابا
وَإِذا العَواصِفُ حَجَّبَت وَجهَ السَما / جَدَلَ العَواصِفَ لِلسَما أَسبابا
وَإِذا تَقَوَّضَ صَرحُ آمالٍ بَنى / أَمَلاً جَديداً مِن رَجاءٍ خابا
فَاِبنُ الكَواكِبِ كُلُّ أُفقٍ أُفقُهُ / وَاِبنُ الضَراغِمِ لَيسَ يَعدِمُ غابا
عَجَباً لِقَومي وَالعَدُوِّ بِبابِهِم / كَيفَ اِستَطابوا اللَهو وَالأَلعابا
وَتَخاذَلَت أَسيافُهُم عَن سَحقِهِ / في حينِ كانَ النَصرُ مِنهُم قابا
تَرَكوا الحُسامَ إِلى الكَلامِ تَعَلُّلاً / يا سَيفُ لَيتَكَ ما وَجَدتَ قِرابا
دُنياكَ يا وَطَنَ العُروبَةِ غابَةٌ / حَشَدَت عَلَيكَ أَراقِما وَذِئابا
فَاِلبِس لَها ماءَ الحَديدِ مَطارِقاً / وَاِجعَل لِسانَكَ مَخلِباً أَو نابا
لا شَرعَ في الغاباتِ إِلّا شَرعَها / فَدَعِ الكَلامَ شِكايَة وَعِتابا
هَذي هِيَ الدُنيا الَّتي أَحبَبتَها / وَسَقَيتَ غَيرَكَ حُبَّها أَكوابا
وَضَحِكتَ مَعَ أَحلامِها وَبَكَيتَ في / آلامِها وَجَرَعتَ مَعَها الصابا
وَأَضَلَّ روحُكَ في السُرى وَأَضَلَّها / ما خِلتَهُ ماءً فَكانَ سَرابا
وَنَظَرت وَالأَوصابُ تَنهَشُ قَلبَها / فَرَأَيتَ كُلَّ لَذاذَةٍ أَوصابا
شاءَ الظَلومُ خَرابَها فَإِذا الوَرى / لا يُبصِرونَ سِوى نُهاهُ خَرابا
دُنيا تَأَلَّقَ أَمسُها في يَومِها / فَاِستَجمَعَ الأَنساب وَالأَحسابا
وَسَرى سَناءُ الوَحيِ مِن آفاقِها / يَغشى العُصور وَيَغمِرُ الأَحقابا
الحَقُّ ما رَفَعَت بِهِ جُدرانُها / وَالخَيرُ ما زانَت بِهِ الأَبوابا
فَاِستِنطِقِ التاريخَ هَل في سِفرِهِ / مَجدٌ يُضاهي مَجدَها الخَلّابا
شابَت حَضارات وَدالَت وَاِنطَوَت / أُمَم وَمَجدُ أُمَيَّةٍ ما شابا
الأَمسُ كانَ لَها وَإِنَّ لَها غَدا / تَتَلَفَّتُ الدُنيا لَهُ إِعجابا
غَنَّيتَ مِن قَبلُ المَحولَة وَالعَرى / أَفَلا تُغَنّي الرَوضَةَ المِخصابا
عَطَفَت لَيالِيَها عَلَيكَ بَشاشَةً / فَاِنسَ اللَيالي غُربَة وَعَذابا
وَاِنشُر جَناحَكَ فَالفَضاءُ مُنَوِّرٌ / وَاِملَء كوأُسَكَ قَد وَجَدتَ شَرابا
فَلِشَدوِ مِثلَكَ كُوِّنَت وَلِمِثلِها / خَلَقَ الإِلَهُ البُلبُلَ المِطرابا
لَيتَ الرِياضَ تُعيرُني أَلوانَها / لِأَصوغَ مِنها لِلرَئيسِ خِطابا
وَأَقولُ إِنّي عاجِزٌ عَن شُكرِهِ / عَجزَ الأَنامِلِ أَن تَلُم عُبابا
أَشكو إِلى نَفسي العَياءَ فَتَشتَكي / مِثلي وَتَصمُتُ لا تَحيرُ جَوابا
فَلَقَد رَأَيتُ البَحرَ حينَ رَأَيتُهُ / فَوَقَفتُ مُضطَرِبَ الرُأى هَيّابا
أَعَميدَ سُرِيّا وَكاشِفَ ضَرِّها / خَلَقَت يَداكَ مِنَ الشُيوخِ شَبابا
وَبَلابِلٌ كانَت تَإِنُّ سَجينَةً / أَطلَقَتها عَلى أَطَرتَها أَسرابا
يا صاحِبَ الخَلقِ المُصَفّى كَالنَدى / لَو لَم تَكُن بَشَراً لَكُنتَ سَحابا
أَمَلُ الشَبيبَةِ في يَدَيكَ وَديعَةٌ / فَاِرفَع لَها الأَخلاق وَالآدابا
فَالجَهلُ أَنّى كانَ فَهوَ عُقوبَةٌ / وَالعِلمُ أَنّى كانَ كانَ ثَوابا
يا وَيحَ نَفسي كَم تُطارِدُني النَوى / وَتَهُدُّ مِنّي القَلب وَالأَعصابا
وَدَّعتُ خَلفَ البَحرِ أَمسُ أَحِبَّةً / وَغَداً أُوَدِّعُ هاهُنا أَحبابا
مِن أَينَ جِئتَ وَكَيفَ عُجتَ بِبابي
مِن أَينَ جِئتَ وَكَيفَ عُجتَ بِبابي / يا مَوكِبَ الأَجيالِ وَالأَحقابِ
أَمِنَ القُبورِ فَكَيفَ مَن حَلّوا بِها / أَهُناكَ ذو أَلَمٍ وَذو تَطرابِ
وَلَهُم صَباباتٌ لَنا أَم غودِروا / في بَلقَعٍ ما فيهِ غَيرُ خَرابِ
أَمرَرتَ بِالأَعشابِ في تِلكَ الرُبى / وَذَكَرتَ أَنَّكَ كُنتَ في الأَعشابِ
حَولَ الصُخورِ النائِماتِ عَلى الثَرى / وَعَلى حَواشي الجَدوَلِ المُنسابِ
وَعَلى ما تَصعَدُ كَالسَحابَةِ في الفَضا / وَإِلى التُرابِ مَصيرُ كُلِّ سَحابِ
لَمّا طَلَعتَ عَلى الشُعاعِ مُوَزِّعاً / مُتَرَجرِجاً كَخَواطِرِ المُرتابِ
وَذَهَبتَ في عَرضِ الفَضاءِ كَخَيمَةٍ / رُفِعَت بِلا عُمُد وَلا أَطنابِ
قالَ الصَحابُ لِيَ اِستَتِر وَتَراكَضوا / لِلذُعرِ يَعتَصِمونَ بِالأَبوابِ
وَهَبِ اِتَّقَيتُكَ بِالحِجابِ فَإِنَّني / لا بُدَّ خالِعَه وَأَنتَ حِجابي
كَم سارِحٍ في غابَةٍ عِندَ الضُحى / جاءَ المَساءُ فَكانَ بَعضَ الغابِ
وَمُصفِقٍ لِلخَمرِ في أَكوابِهِ / طَرَبا وَطَيفُ المَوتِ في الأَكوابِ
أَنا لَو رَأَيتُ بِكَ القَذى مَحضَ القَذى / لَسَتَرتُ وَجهي عَنكَ مِثلُ صِحابي
لَكِن شَهِدتُ شَبيبَة وَكُهولَةً / وَمُنىن وَأَحلاماً بِغَيرِ حِسابِ
وَالشارِبينَ بِكُلِّ كَأس وَالأُلى / عاشوا عَلى ظَمَإٍ لِكُلِّ شَرابِ
وَالضارِبينَ بِكُلِّ سَيفٍ في الوَغى / وَالخانِعينَ لِكُلِّ ذي قِرضابِ
وَالصارِفينَ العُمرَ في سوقِ الهَوى / وَالصارِفينَ العُمرَ في المِحرابِ
وَالغيدَ بَينَ جَميلَة وَدَميمَةٍ / وَالعاشِقَينِ الصَب وَالمُتَصابي
وَالعَبدَ في أَغلالِه وَحِبالِهِ / وَالمُلكَ في الديباج وَالأَطيابِ
وَآبوا جَميعاً في طَريقٍ واحِدٍ / الخاسِرَ المَسبِيِّ مِثلَ السابي
فَضَحِكتُ مِن حِرصي عَلى مَلِكِ الصِبا / وَعَجِبتُ كَيفَ مَضى عَلَيهِ شَبابي
وَوَقَعتَ أَنتَ عَلى تُرابِ ضاحِكٍ / لَمّا وَقَعتَ عَلَيَّ في جِلبابي
وَكَذاكَ أَشواقُ التُرابِ مَآلَها / وَلَئِن تَقادَمَ عَهدُها لِتُرابِ
يا نَفسُ هَذا مَنزِلُ الأَحبابِ
يا نَفسُ هَذا مَنزِلُ الأَحبابِ / فَاِنسَي عَذابَكِ في النَوى وَعَذابي
وَتَهَلَّلي كَالفَجرِ في هَذا الحِمى / وَتَأَلَّقي كَالخَمرِ في الأَكوابِ
وَلتَمسَحِ البُشرى دُموعَكِ مِثلَما / يَمحو الصَباحُ نَدىً عَنِ الأَعشابِ
وَاِستَرجِعي عَهدَ البَشاشَةِ وَالرِضى / فَالدَهرُ عادَ تَضاحُكاً وَتَصابي
أَنا بَينَ أَصحابي الَّذينَ أُحِبُّهُم / ما أَجمَلَ الدُنيا مَعَ الأَصحابِ
قَد كُنتُ مِثلَ الطائِرِ المَحبوسِ في / قَفَصٍ وَمِثلَ النَجمِ خَلفَ ضَبابِ
يَمتَدُّ في جُنحِ الظَلامِ تَأَوُّهي / وَيَطولُ في أُذنِ الزَمانِ عِتابي
وَأَهُزُّ أَقلامي فَتَرشَحُ حِدَّةً / وَأَسى وَيَندى بِالدُموعِ كِتابي
حَتّى لَقيتَكُمُ فَبِتُّ كَأَنَّني / لِمَسَرَّتي اِستَرجَعتُ عَصرَ شَبابي
لَيسَ التَعَبُّدُ أَن تَبيتَ عَلى الطَوى / وَتَروحَ في خِرَقٍ مِنَ الأَثوابِ
لَكِنَّهُ إِنقاظُ نَفسِ مُعَذَّبٍ / مِن رِبقَةِ الآلامِ وَالأَوصابِ
لَيسَ التَعَبُّدُ عُزلَةً وَتَنَسُّكاً / في الدَيرِ أَو في القَفرِ أَو في الغابِ
لَكِنَّهُ ضَبطُ الهَوى في عالَمٍ / فيهِ الغِوايَةُ جَمَّةُ الأَسبابِ
وَحَبائِلُ الشَيطانِ في جَنَباتِهِ / وَالمالُ فيهِ أَعظَمُ الأَربابِ
هَذا هُوَ الرَأيُ الصَوابُ وَغَيرُهُ / مَهما حَلا لِلناسِ غَيرُ صَوابِ
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُرٍّ مَذهَبي
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُرٍّ مَذهَبي / ما كُنتُ بِالغاوي وَلا المُتَعَصِّبِ
إِنّي لَأَغضَبُ لِلكَريمِ يَنوشُهُ / مَن دونَهُ وَأَلومُ مَن لَم يَغضَبِ
وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَو اَنَّهُ / خَصمي وَأَرحَمُ كُلَّ غَيرِ مُهَذَّبِ
يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى / حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ
لي أَن أَرُدَّ مَساءَةً بِمَساءَةٍ / لَو أَنَّني أَرضى بِبَرقٍ خُلَّبِ
حَسبُ المُسيءِ شُعورُهُ وَمَقالُهُ / في سِرِّهِ يا لَيتَني لَم أُذنِبِ
أَنا لا تَغُشُّنِيَ الطَيالِسُ وَالحُلى / كَم في الطَيالِسِ مِن سَقيمٍ أَجرَبِ
عَيناكَ مِن أَثوابِهِ في جَنَّةٍ / وَيَداكَ مِن أَخلاقِهِ في سَبسَبِ
وَإِذا بَصَرتَ بِهِ بَصَرتَ بِأَشمَطٍ / وَإِذا تُحَدِّثُهُ تَكَشَّفَ عَن صَبي
إِنّي إِذا نَزَلَ البَلاءُ بِصاحِبي / دافَعتُ عَنهُ بِناجِذي وَبِمِخلَبي
وَشَدَدتُ ساعِدَهُ الضَعيفُ بِساعِدي / وَسَتَرتُ مَنكِبَهُ العَرِيَّ بِمَنكِبي
وَأَرى مَساوِءَهُ كَأَنِّيَ لا أَر / وَأَرى مَحاسِنَهُ وَإِن لَم تُكتَبِ
وَأَلومُ نَفسي قَبلَهُ إِن أَخطَأَت / وَإِذا أَساءَ إِلَيَّ لَم أَتَعَتَّبِ
مُتَقَرِّبٌ مِن صاحِبي فَإِذا مَشَت / في عَطفِهِ الغَلواءُ لَم أَتَقَرَّبِ
أَنا مِن ضَميري ساكِنٌ في مَعقِلٍ / أَنا مِن خِلالي سائِرٌ في مَوكِبِ
فَإِذا رَآني ذو الغَباوَةِ دونَهُ / فَكَما تَرى في المَاءِ ظِلَّ الكَوكَبِ
سَفَرَت فَقُلتُ لَها أَهَذا كَوكَبٌ
سَفَرَت فَقُلتُ لَها أَهَذا كَوكَبٌ / قالَت أَجَل بل أَينَ مِنّي الكَوكَبُ
وَتَبَسَّمَت فَرَأَيتُ رِئماً ضاحِكاً / عَن لُؤلُؤٍ لَكِنَّهُ لا يوهَبُ
وَتَمايَلَت فَالسَمهَرِيُّ مُصَمِّمٌ / وَرَنَت فَأَبصَرتُ السِهامَ تُصَوَّبُ
أَنشَبتُ أَلحاظي بِوَردِ خُدودِها / لَمّا رَأَيتُ لِحاظَها بي تَنشُبُ
قَد كَلَّمَت قَلبي وَلَم تَرفُق بِهِ / وَاللَحظُ لَو دَرَتِ المَليحَةُ مَخلَبُ
بَيضاءُ ناصِعَةٌ كَأَنَّ جَبينَها / صُبحٌ وَطُرَّتَها عَلَيهِ غَيهَبُ
يا طالَما اِكتَسَبَ الحَريرُ مَلاحَةً / مِنها وَيُكسِبُ غَيرَها ما يَكسَبُ
وَلَطالَما بَعضُ النِساءِ حَسَدنَها / وَلَطالَما حَسَدَ السَليمَ الأَجرَبُ
بَينَ الطِلاءِ وَبَينَهُنَّ قَرابَةٌ / مَشهورَةٌ عَنها الجَميلَةُ تَنكُبُ
إِنَّ المَلاحَةَ عِندَها عَرَبِيَّةٌ / وَجَمالُ هاتيكَ الدُمى مُستَعرَبُ
قُل لِلغَواني إِنَّها خُلِقَت كَذا / الحُسنُ لا يُشرى وَلا يُستَجلَبُ
فَإِذا بَلَغتُنَّ الجَمالَ تَطَرِّياً / فَاِعلَمنَ أَنَّ بَقاءَهُ مُستَصعَبُ
هَيهاتِ ما يُغني المِلاحَ الحُسنُ إِن / كانَت خَلائِقُهُنَّ لا تُستَعذَبُ
إِنّي بَلَوتُ الغانِياتِ فَلَم أَجِد / فيهِنَّ قَطُّ مَليحَةً لا تَكذِبُ
وَصَحِبتُهُنَّ فَما اِستَفَدتُ سِوى الأَسى / ما يُستَفادُ مِنَ الغَواني يُتعِبُ
وَخَبَرتُهُنَّ فَما لِبِكرٍ حُرمَةٌ / تَرعى وَأَغدَرُ مَن رَأَيتُ الثَيِّبُ
لا يَخدَعَنَّكَ ضَعفُهُنَّ فَإِنَّما / بِالضَعفِ أَهلَكَتِ الهَزيرَ الأَرنَبُ
في ذَلِكَ الرَوضِ الأَغَنِّ بَدى فَتىً
في ذَلِكَ الرَوضِ الأَغَنِّ بَدى فَتىً / قَد يَبلُغُ العِشرينَ عاماً ذو نُهى
كَالبَدرِ إِلّا أَنَّهُ مُتَكَتِّمٌ / وَالغُصنِ إِلّا أَنَّهُ غُصنٌ ذَوى
كَتَبَ الضَنى في وَجهِهِ هَذا الَّذي / كادَ الغَرامُ بِهِ يَؤولُ إِلى الفَنا
دَنِفٌ تُرَوِّعُهُ الغُصونُ إِذا اِنثَنَت / طَرَباً وَيُقلِقُهُ النَسيمُ إِذا جَرى
حَيرانُ يُقعِدُهُ الهَوى وَيُقيمُهُ / فَكَأَنَّهُ عَلَمٌ يُداعِبُهُ الهَوا
فَإِذا رَنا لِلأُفقِ ظَنَّ نُجومَهُ / عَقدُ الَّتي مَن رامَها رامَ السَما
وَتَوَهَّمَ القَمَرَ المُحَلِّقَ وَجهَ مَن / ضَنَّت وَجادَت بِاللِقاءِ وَبِالنَوى
حَجَبَ الغَمامُ البَدرَ عِندَ مَسيرِهِ / فَكَأَنَّهُ أَسماءُ تَسري في الدُجى
حَسناءُ قَد عَشِقَ المُحِبُّ عَفافَها / وَتَعَشَّقَت آدابَهُ فَهُما سَوا
كَالغُصنِ قامَتُها إِذا الغُصنُ اِنثَنى / وَجَبينُها يَحكي الصَباحَ إِذا اِنجَلى
وَقَعَت غَدائِرُها عَلى أَقدامِها / فَكَأَنَّها قَد عَضَّها نابُ الهَوى
خَودٌ إِذا نَطَقَت حَسِبتَ حَديثَها / دُرّاً وَلَكِن لَيسَ مِمّا يُشتَرى
وَقَفَت تُحيطُ بِها الزُهورُ كَأَنَّها / قَمَرٌ تُحيطُ بِهِ الكَواكِبُ في الفَضا
وَمَشَت تَحِفُّ بِها الغُصونُ كَأَنَّها / مَلِكٌ تَحِفُّ بِهِ الجُنودُ إِذا مَشى
لِلَّهِ زَورَتُها وَقَد قَنِطَ الفَتى / فَكَأَنَّها روحٌ جَرى فيمَن تَوى
هَيهاتِ ما ظَفُرَ المُؤَمِّلُ بِالغِنى / بِأَلَذَّ مِن ظَفَرِ المُتَيَّمِ بِاللِقا
فَدَنا يُطارِحُها تَحِيَّةَ عاشِقٍ / وَيَقولُ أَهلاً بِالحَبيبِ الَّذي أَتى
بَينا تُصافِحُ مَن يُصافِحُها إِذا / بِدُموعِها سَحَّت فَصافَحَتِ الثَرى
ما لِلعُيونِ تَحَدَّرَت عَبَراتُها / وَعَلامَ هَذا الحُزنُ يا ذاتَ البَها
قالَت حَبيبي لَو تَرى ما قَد جَرى / في رَبعِنا شارَكتَني فيما تَرى
جارَ القَضاءُ عَلَيَّ في أَحكامِهِ / ما حيلَةُ الإِنسانِ إِن جارَ القَضا
فَاِبكِ مَعي فَلَرُبَّما نَفَعَ البُكا / إِنَّ اللَيالي لا تَدومُ عَلى الصَفا
قالَ الفَتى وَالدَمعُ مُنتَثِرٌ عَلى / خَدَّيهِ يا أَسماءُ قولي ما جَرى
فَتَلَفَّتَت في الرَوضِ خيفَةَ سامِعٍ / فَكَأَنَّها الظَبيُ الغَريرُ إِذا رَنا
وَتَرَدَّدَت بِكَلامِها فَكَأَنَّما / تَبغي وَلا تَبغي التَفَوُّهَ بِالنَبا
قالَت وَدَمعُ الحُزنِ يَخنُقُ صَوتَها / وَشَتِ الحَواسِدُ عِندَ مَن نَخشى بِنا
وَغَداً يَعودُ الشَملُ مُنفَصِمَ العُرى / هَذا هُوَ الخَبَرُ اليَقينُ بِلا خَفا
قَد أَنبَأَتهُ بِالفِراقِ وَما دَرَت / أَنَّ الفِراقَ حِمامُ مَن عَرَفَ الهَوى
فَكَأَنَّما سَهمٌ أَصابَ فُؤادَهُ / وَكَأَنَّهُ لَمّا اِرتَمى طَودٌ هَوى
أَمّا الفَتاةُ فَراعَها ما صارَ في / مَحبوبِها وَكَأَنَّها نَدِمَت عَلى
جَعَلَت تُناديهِ بِصَوتٍ مُحزِنٍ / فَيُجيبُها كَنِدائِها رَجعُ الصَدى
حَتّى إِذا قَنِطَت دَنَت مِنهُ كَما / يَدنو أَخو الداءِ العُضالِ مِنَ الدَوا
وَحَنَت فَحَرَّكَتِ الفَتى وَإِذا بِهِ / جِسمٌ وَلَكِن لا حَياةَ بِهِ وَلا
قَد فارَقَ الدُنيا فَفارَقَها الرَجا / وَهَوَت تُعانِقُهُ فَفارَقَتِ الوَرى
قَمَرانِ ضَمَّهُما التُرابُ وَما عَرَفـ / ـتُ سِواهُما قَمَرَينِ ضَمَّهُما الثَرى
لِلَّهِ مِن عَبَثِ القَضاءِ وَسُخرِهِ
لِلَّهِ مِن عَبَثِ القَضاءِ وَسُخرِهِ / بِالناسِ وَالحالاتِ وَالأَشياءِ
كَم دَرَّةٍ في التاجِ أَلفٌ مِثلُها / في القاعِ لَم تَخرُج مِنَ الظَلماءِ
وَلَكَم تَعَثَّرَ بِالغُبارِ سُمَيذَعٌ / وَاِنداحَتِ الأَطوادُ لِلجُبَناءِ
وَلَكَم جَنى عَلَمٌ عَلى أَربابِهِ / وَجَنى الهَناءَ جَماعَةُ الجُهَلاءِ
أَرَأَيتَ أَعجَبَ حالَةٍ مِن حالِنا / أَزَفَ الرَحيلُ وَلَم نَفُز بِلِقاءِ
عاشَت شُهوراً بِالرَجاءِ قُلوبُنا / وَبِلَحظَةٍ أَمسَت بِغَيرِ رَجاءِ
ماتَت أَمانينا الحِسانُ أَجِنَّةً / لَم تَكتَحِل أَجفانُها بِضِياءِ
فَكَأَنَّها بَرقٌ تَأَلَّقَّ وَاِنطَوى / في اللَيلِ لَم تَلمَحهُ مُقلَةُ راءِ
وَكَأَنَّنا كُنّا نُحَلِّقُ في الفَضا / صُعُداً لِنَلمِسَ مَنكِبَ الجَوزاءِ
حَتّى إِذا حانَ الوُصولُ رَمَت بِنا / نَكباءُ عاتِيَةٌ إِلى الغَبراءِ
وَكَأَنَّ تَكسَسَ وَهيَ في هَذا الحِمى / صَقعٌ كَسانبولٍ قَصِيٌّ ناءِ
طوبى لَها إِن كانَ يَعلَمُ أَهلُها / أَنَّ النَزيلَ بِها أَخو الوَرقاءِ
كانَت مَسارِحَ لِلرُعاةِ فَأَصبَحَت / لَمّا أَتاها كَعبَةَ الشُعَراءِ
هُوَ بُلبُلٌ عَبَقُ النُبُوَّةِ في أَغا / نيهِ وَفيها نَكهَةُ الصَهباءِ
وَجَلالُ لُبنانٍ وَقَد غَمَرَ المَسا / هَضَباتِهِ وَاِنسالَ في الأَدواءِ
غَنّى فَفي النَسَماتِ وَالأَوراقِ / وَالغُدرانِ أَعراسٌ بِلا ضَوضاءِ
وَبَكى فَشاعَ الحُزنُ في الأَزهارِ / وَالأَظلالِ وَالأَلوانِ وَالأَضواءِ
هُوَ نَفحَةٌ قُدسِيَّةٌ هَبَطَت إِلى / هَذا الثَرى مِن عالَمِ اللَألاءِ
لَو عادَ لِلدُنيا البُراقُ وَحُزنُهُ / ما كانَ إِلّا نَحوَهُ إِسرائي
أَشكو البَعادَ وَلَيسَ لي أَن أَشتَكي / فَسَماؤُهُ مَوصولَةٌ بِسَمائي
ما حالَ بَينَ نُفوسِنا ما حالَ بَيـ / ـنَ جُسومِنا مِن أَجبُلٍ وَفَضاءِ
فَلَكَم نَظَرتُ إِلى الرُبى فَلَمَحتَهُ / في الأُقحُوانِ الخَيِّرِ المِعطاءِ
وَسَمِعتُ ساقِيَةً تَئِنُّ فَخِلتَني / لِبُكائِهِ أَوطانُهُ إِصغائي
وَإِذا تَلوحُ لِيَ الجِبالُ ذَكَرتُهُ / فَالشاعِرُ القَرَوِيُّ طَودُ إِباءِ
مَن كانَ يَحلُمُ بِالغَديرِ فَإِنَّهُ / يَبدو لَهُ في كُلِّ قَطرَةِ ماءِ
إِن كُنتُ لَم أَرَهُ فَقَد شاهَدتُهُ / بِعُيونِ أَصحابي وَذاكَ عَزائي
أَفَتى القَوافي كَالشِواظِ عَلى العِدى / وَعَلى قُلوبِ الصَحبِ كَالأَنداءِ
سارَت إِلَيكَ تَحِيَّتي وَلَوَ اِنَّني / خُيِّرتُ كُنتُ تَحِيَّتي وَدُعائي
وَحَلِمتُ ثانِيَةً وَكانَ الكَونُ لَم
وَحَلِمتُ ثانِيَةً وَكانَ الكَونُ لَم / تَبرَح عَلَيهِ كَلاكِلُ الظَلماءِ
أَنّي رَأَيتُ جَرادَةً مَطروحَةً / في سَبخَةٍ مَنهوكَةِ الأَعضاءِ
تَرنو إِلى الأُفُقِ البَعيدِ بِمُقلَةٍ / كَلمى وَتَشتُمُ أَنجُمَ أَنجُمَ الجَوزاءِ
فَسَأَلتُها ماذا عَراكِ فَلَم تُجِب / فَسَأَلتُ عَنها زُمرَةَ الرُفَقاءِ
قالوا رَفيقَتُنا شَهيدَةُ هُزئِها / بِنَصائِحِ العُقَلاءِ وَالحُكَماءِ
كانَت إِذا جاعَت فَحَبَّةُ خَردَلٍ / تَكفي وَإِن عَطِشَت فَنُقطَةُ ماءِ
سَمِعَت بِنَهرٍ في السَماءِ وَجَنَّةٍ / لَيسَت لِتَصويحٍ وَلا لِفَناءِ
العِطرُ في أَثمارِها وَالشَهدُ في / أَنهارِها وَالسِحرُ في الأَنداءِ
فَاِستَنكَفَت أَن تَستَمِرَّ حَياتُها / في الأَرضِ جاثِمَةً عَلى الأَقذاءِ
فَمَضَت تُحَلِّقُ في الفَضاءِ وَلَم تَزَل / حَتّى وَهَت فَهَوَت إِلى الغَبراءِ
رَجَعَت إِلى الدُنيا الَّتي خُلِقَت لَها / لَم تُخلَقِ الحَشَراتُ لِلأَجواءِ
هَذي حِكايَتُها وَفيها عَبرَةٌ / لِلطائِشينَ كَهَذِهِ الحَمقاءِ
رُؤيا مَنامٍ رُبَّ حُلمٍ في الكَرى
رُؤيا مَنامٍ رُبَّ حُلمٍ في الكَرى / فيهِ تَلوحُ حَقائِقُ الأَشياءِ
إِنّي حَلِمتُ كَأَنَّما أَنا سائِرٌ / في رَوضَةٍ خَلّابَةٍ غَنّاءِ
النورُ مَفروشٌ عَلى طُرُقاتِها / وَالعِطرُ في النَسَماتِ وَالأَفياءِ
وَالعُشبُ فيها سُندُسٌ مُتَمَوِّجٌ / وَالجَوُّ أَضواءٌ عَلى أَضواءِ
وَإِذا بِصَوتٍ كَالهَريرِ يَطُنُّ في / أُذُني وَأَنيابٌ تَصُرُّ وَرائي
فَأَدَرتُ طَرفي باحِثاً مُتَعَجِّباً / مِمّا سَمِعتُ وَلَستُ في بَيداءِ
فَإِذا وَرائِيَ في الحَديقَةِ نابِحٌ / ضاري المَحاجِرِ ضامِرِ الأَحشاءِ
كادَت تَطُلُّ عُروقُهُ مِن جِلدِهِ / وَتَطُلُّ مَعها شَهوَةٌ لِدِمائي
أَشفَقتُ يَعلَقُ نابُهُ بِرِدائي / فَرَفَستُهُ غَضَباً فَطارَ حِذائي
فَطَوى نَواجِذَهُ عَلَيهِ كَأَنَّما / عَضَّت نَواجِذُهُ عَلى العَنقاءِ
وَمَضى بِهِ لِرِفاقِهِ فَتَهَلَّلوا / وَتَقاسَموهُ فَكانَ خَيرَ عَشاءِ
لا يَعجَبَن أَحَدٌ رَآني حافِياً / أَبلَت نِعالي أَلسُنُ السُفَهاءِ
تِلكَ السُنونُ الغارِباتُ وَرائي
تِلكَ السُنونُ الغارِباتُ وَرائي / سِفرٌ كَتَبتُ حُروفَهُ بِدِمائي
ما عِشتُها لِأَعُدَّها بَل عِشتُها / لِتَبينَ في سيمائِها سيمائي
سِيّانَ لَو أَنّي قَنِعتُ بِعَدِّها / عُمري وَعُمرُ الصَخرَةِ الصَمّاءِ
وَلَبَذَّني يَومَ التَفاخُرِ شاطِئٌ / ما فيهِ غَيرُ رِمالِهِ الخَرساءِ
لاحَت لِيَ العَلياءُ في آفاقِها / فَأَرَدتُها دَرباً إِلى العَلياءِ
وَمَحَبَّةً لِلخَيرِ تَسري في دَمي / وَرِعايَةً لِلضَعفِ وَالضُعَفاءِ
وَعِبادَةً لِلحَقِّ أَينَ وَجَدتُهُ / وَالحُسنِ في الأَحياءِ وَالأَشياءِ
لِتَدورَ بَعدي قِصَّةٌ عَن شاعِرٍ / رَقَصَت بِهِ الدُنيا جَناحَ ضِياءِ
نَشَرَ الطُيوبَ عَلى دُروبِ حَياتِهِ / وَسَرى هَوىً في الطيبِ وَالأَنداءِ
وَأَطَلَّ مِن قَلبِ البَخيلِ سَماحَةً / وَشَجاعَةً في السِلمِ وَالهَيجاءِ
وَمَشى إِلى المَظلومِ بارِقُ رَحمَةٍ / وَهَوى عَلى الظَلامِ سَوطَ بَلاءِ
فَتُعِزُّ دُنيا قَد طَوَت آبائي / وَتَهِشُّ دُنيا أَطلَعَت أَبنائي
تِلكَ السُنونُ بِبُؤسِها وَنَعيمِها / مالَت بِعودي وَاِنطَوَت بِرِوائي
أَينَ الشَبابُ أَلُفُّ أَحلامي بِهِ / لَيسَ الشَبابُ الآنَ لي بِرِداءِ
نَفسي تَحُسُّ كَأَنَّما أَثقالُها / قَد خُيِّرَت فَتَخَيَّرَت أَعضائي
كَم مِن رُؤىً طَلَعَت عَلى جَنَباتِها / رَكباً مِنَ الأَضواءِ وَالأَشذاءِ
قَلَّبتُ فيها بَعدَ لَأيٍ ناظِري / فَتَعَثَّرَت عَينايَ بِالأَشلاءِ
يا لِلضَحايا لا يَرِفُّ لِمَوتِها / جَفنٌ وَلا تُحصى مَعَ الشُهَداءِ
وَدَّعتُ لَذّاتِ الخَيالِ وَعُفتُها / وَرَضيتُ أَن أَشقى مَعَ الحُكَماءِ
فَعَرَفتُ مِثلَهُمُ بِأَنّي موجِدٌ / بُؤسي وَأَنّي خالِقٌ نُعَماءِ
إِنّي أُراني بَعدَ ما كابَدتُهُ / كَالفُلكِ خارِجَةً مِنَ الأَنواءِ
وَكَسائِحٍ بَلَغَ المَدينَةَ بَعدَما / ضَلَّ الطَريقَ وَتاهَ في البَيداءِ
شُكراً لِأَصحابي فَلَولا حُبُّهُم / لَم أَقتَرِب مِن عالَمِ اللَألاءِ
بِهِمِ اِقتَحَمتُ العاصِفاتِ بِمَركَبي / وَبِهِم عَقَدتُ عَلى النُجومِ لِوائي
شُكراً لِأَعدائي فَلَولا عَيثُهُم / لَم أَدرِ أَنَّهُموا مِنَ الغَوغاءِ
نَهَشَ الأَسى لَمّا ضَحِكتُ قُلوبَهُم / عُرسُ المَحَبَّةِ مَأتَمُ البَغضاءِ
ذَنبي إِلى الحُسّادِ أَنّي فُتُّهُم / وَتَرَكتُهُم يَتَعَثَّرونَ وَرائي
وَخَطيئَتي الكُبرى إِلَيهِم أَنَّهُم / قَعَدوا وَلَم أَقعُد عَلى الغَبراءِ
عَفوُ المُروءَةِ وَالرُجولَةِ أَنَّني / أَخطَأتُ حينَ حَسِبتُهُم نُظَرائي
شُكراً لِكُلِّ فَتىً مَزَجتُ بِروحِهِ / روحي فَطابَ وَلاؤُهُ وَوَلائي
مَن كانَ يَحلَمُ بِالسَماءِ فَإِنَّني / في قَلبِ إِنسانٍ وَجَدتُ سَمائي
لَيسَ الجَمالُ هُوَ الجَمالُ بِذاتِهِ / الحُسنُ يوجَدُ حينَ يوجَدُ رائي
ما الكَونُ ما في الكَونِ لَولا آدَمٌ / إِلّا هَباءٌ عالِقٌ بِهَباءِ
وَأَبو البَرِيَّةِ ما أَبانَ وُجودَهُ / وَأَتَمَّ غايَتَهُ سِوى حَوّاءِ
إِنّي سَكَبتُ الخَمرَ حينَ سَكَبتُها / لِلناسِ لا لِلأَنجُمِ الزَهراءِ
لا تَشرَبُ الخَمرَ النُجومُ وَإِن تَكُن / مَعصورَةً مِن أَنفُسِ الشُعَراءِ
تِلكَ السُنونُ عَقيمُها كَوَلودِها / حُلوٌ لَدَيَّ كَذا يَشاءُ وَفائي
فَاللَيلَةُ العَسراءُ مِن عُمري / وَعُمرُ الدَهرِ مِثلَ اللَيلَةِ السَمحاءِ
يا مَن يَقولُ ظَلَمتَ نَفسَكَ فَاِتَّئِد / دَعني فَلَستَ بِحامِلٍ أَعبائي
إِنَّ الحَياةَ الروحُ بَعضُ عَطائِها / وَأَنا ثِمارُ الروحِ كُلُّ عَطائي
ما العُمرُ إِن هُوَ كَالإِناءِ وَإِنَّني / بِالطَيِّبِ الغالي مَلَأتُ إِنائي
فَإِذا بَقيتُ فَلِلجَمالِ بَقائي / وَإِذا فَنيتُ فَفي الجَمالِ فَنائي
لِلَّهِ ما أَحلى وَأَسنى لَيلَتي / هِيَ في كِتابِ العُمرِ كَالطُغراءِ
يا صَحبُ لَن أَنسى جَميلَ صَنيعِكُم / حَتّى تُفارِقَ هَيكَلي حَوبائي
وَتَقولُ عَيني قَد فَقَدتُ ضِيائي / وَيَقولُ قَلبي قَد فَقَدتُ رَجائي
هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَلماءِ
هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَلماءِ / فَنَأى بِمُقلَتِهِ عَنِ الإِغفاءِ
نَفسٌ أَقامَ الحُزنُ بَينَ ضُلوعِهِ / وَالحُزنُ نارٌ غَيرَ ذاتِ ضِياءِ
يَرعى نُجومَ اللَيلِ لَيسَ بِهِ هَوى / وَيَخالُهُ كَلِفاً بِهِنَّ الرائي
في قَلبِهِ نارُ الخَليلِ وَإِنَّما / في وَجنَتَيهِ أَدمُعُ الخَنساءِ
قَد عَضَّهُ اليَأسُ الشَديدُ بِنابِهِ / في نَفسِهِ وَالجوعُ في الأَحشاءِ
يَبكي بُكاءَ الطِفلِ فارَقَ أُمِّهِ / ما حيلَةُ المَحزونِ غَيرُ بُكاءِ
فَأَقامَ حِلسَ الدارِ وَهوَ كَأَنَّهُ / لِخُلُوِّ تِلكَ الدارِ في بَيداءِ
حَيرانُ لا يَدري أَيَقتُلُ نَفسَهُ / عَمداً فَيَخلُصَ مِن أَذى الدُنياءِ
أَم يَستَمِرَّ عَلى الغَضاضَةِ وَالقَذى / وَالعَيشُ لا يَحلو مَعَ الضَرّاءِ
طَرَدَ الكَرى وَأَقامَ يَشكو لَيلَهُ / يا لَيلُ طُلتَ وَطالَ فيكَ عَنائي
يا لَيلُ قَد أَغرَيتَ جِسمي بِالضَنا / حَتّى لَيُؤلِمَ فَقدُهُ أَعضائي
وَرَمَيتَني يا لَيلُ بِالهَمِّ الَّذي / يَفري الحَشا وَالهَمُّ أَعسَرُ داءِ
يا لَيلُ ما لَكَ لا تَرِقُّ لِحالَتي / أَتُراكَ وَالأَيّامُ مِن أَعدائي
يا لَيلُ حَسبِيَ ما لَقيتُ مِنَ الشَقا / رُحماكَ لَستُ بِصَخرَةٍ صَمّاءِ
بِن يا ظَلامُ عَنِ العُيونِ فَرُبَّما / طَلَعَ الصَباحُ وَكانَ فيهِ عَزائي
وارَحمَتا لِلبائِسينَ فَإِنَّهُم / مَوتى وَتَحسَبُهُم مِنَ الأَحياءِ
إِنّي وَجَدتُ حُظوظَهُم مُسوَدَّةٌ / فَكَأَنَّما قُدَّت مِنَ الظَلماءِ
أَبَداً يُسَرُّ بَنو الزَمانِ وَما لَهُم / حَظٌّ كَغَيرِهِم مِنَ السَرّاءِ
ما في أَكُفِّهِم مِنَ الدُنيا سِوى / أَن يُكثِروا الأَحلامَ بِالنَعماءِ
تَدنو بِهِم آمالُهُم نَحوَ الهَنا / هَيهاتَ يَدنو بِالخَيالِ النائي
بَطَرُ الأَنامِ مِنَ السُرورِ وَعِندَهُم / إِنَّ السُرورَ مُرادِفُ العَنقاءِ
إِنّي لَأَحزَنُ أَن تَكونَ نُفوسُهُم / غَرَضَ الخُطوبِ وَعُرضَةَ الأَرزاءِ
أَنا ما وَقَفتُ لِكَي أُشَبِّبَ بِالطَلا / ما لي وَلِلتَشبيبِ بِالصَهباءِ
لا تَسأَلوني المَدحَ أَو وَصفَ الدُمى / إِنّي نَبَذتُ سَفاسِفَ الشُعَراءِ
باعوا لِأَجلِ المالِ ماءَ حَيائِهِم / مَدحاً وَبِتُّ أَصونُ ماءَ حَيائي
لَم يَفهَموا ما الشِعرُ إِلّا أَنَّهُ / قَد باتَ واسِطَةً إِلى الإِثراءِ
فَلِذاكَ ما لاقَيتُ غَيرَ مُشَبِّبٍ / بِالغانِياتِ وَطالِبٍ لِعَطاءِ
ضاقَت بِهِ الدُنيا الرَحيبَةُ فَاِنثَنى / بِالشِعرِ يَستَجدي بَني حَوّاءِ
شَقِيَ القَريضُ بِهِم وَما سَعِدوا بِهِ / لَولاهُمُ أَضحى مِنَ السُعَداءِ
نادوا عَلَينا بِالمَحَبَّةِ وَالهَوى / وَصُدورُهُم طُبِعَت عَلى البَغضاءِ
أَلِفوا الرِياءَ فَصارَ مِن عاداتِهِم / لَعَنَ المُهَيمِنُ شَخصَ كُلِّ مُرائي
إِن يَغضَبوا مِمّا أَقولُ فَطالَما / كَرِهَ الأَديبَ جَماعَةُ الغَوغاءِ
أَو يُنكِروا أَدَبي فَلا تَتَعَجَّبوا / فَالرَمدُ يُؤلِمُهُم طُلوعُ ذَكاءِ
أَو كُلَّما نَصَرَ الحَقيقَةَ فاضِلٌ / قامَت عَلَيهِ قِيامَةُ السُفَهاءِ
أَنا ما وَقَفتُ اليَومَ فيكُم مَوقِفي / إِلّا لِأَندُبَ حالَةَ التُعَساءِ
عَلّي أُحَرِّكُ بِالقَريضِ قُلوبَكُم / إِنَّ القُلوبَ مَواطِنُ الأَهواءِ
لَهَفي عَلى المُحتاجِ بَينَ رُبوعِكُم / يُمسي وَيُصبِحُ وَهوَ قَيدُ شَقاءِ
أَمسى سَواءً لَيلُهُ وَصَباحُهُ / شَتّانَ بَينَ الصُبحِ وَالإِمساءِ
قَطَعَ القُنوطُ عَلَيهِ خَيطَ رَجائِهِ / وَالمَرءُ لا يَحيا بِغَيرِ رَجاءِ
لَهفي وَلَو أَجدى التَعيسُ تَلَهُّفي / لَسَفَكتُ دَمعي عِندَهُ وَدِمائي
قُل لِلغَنِيِّ المُستَعِزِّ بِمالِهِ / مَهلاً لَقَد أَسرَفتَ في الخُيَلاءِ
جُبِلَ الفَقيرُ أَخوكَ مِن طينٍ وَمِن / ماءٍ وَمِن طينٍ جُبِلتَ وَماءِ
فَمِنَ القَساوَةِ أَن تَكونَ مُنَعَّماً / وَيَكونُ رَهنَ مَصائِبٍ وَبَلاءِ
وَتَظَلُّ تَرفُلُ بِالحَريرِ أَمامَهُ / في حينِ قَد أَمسى بِغَيرِ كِساءِ
أَتَضِنُّ بِالدينارِ في إِسعافِهِ / وَتَجودُ بِالآلافِ في الفَحشاءِ
اُنصُر أَخاكَ فَإِن فَعَلتَ كَفَيتَهُ / ذُلَّ السُؤالِ وَمِنَّةَ البُخَلاءِ
أَذوي اليَسارَ وَما اليَسارُ بِنافِعٍ / إِن لَم يَكُن أَهلوهُ أَهلُ سَخاءِ
كَم ذا الجُحودِ وَمالُكُم رَهنُ البَلا / وَبِمَ الغُرورُ وَكُلُّكُم لِفَناءِ
إِنَّ الضَعيفَ بِحاجَةٍ لِنُضارِكُم / لا تَقعُدوا عَن نُصرَةِ الضُعَفاءِ
أَنا لا أُذَكِّرُ مِنكُمُ أَهلَ النَدى / لَيسَ الصَحيحُ بِحاجَةٍ لِدَواءِ
إِن كانَتِ الفُقَراءُ لا تُجزيكُم / فَاللَهُ يُجزيكُم عَنِ الفُقَراءِ
روحي الَّتي بِالأَمسِ كانَت تَرتَعُ
روحي الَّتي بِالأَمسِ كانَت تَرتَعُ / في الغابِ مِثلَ الظَبيَةِ القَمراءِ
تَقتاتُ بِالثَمَرِ الجَنِيِّ فَتَشبَعُ / وَيَبُلُّ غَلَّتَها رَشاشُ الماءِ
نَظَرَت إِلَيكِ فَأَصبَحَت لا تَقنَعُ / بِالماءِ وَالأَفياءِ في الغَبراءِ
تُصغي وَتُنصِتُ وَالحَمامَةُ تَسجَعُ / إِصغاؤُها لَكَ لَيسَ لِلوَرقاءِ
نادَيتِها فَلَها إِلَيكِ تَطلَعُ / هَذا التَطَلُّعُ كانَ أَصلَ شَقائي
جَنَّحتَني كَيما أَطيرَ فَلَم أَطِر / هَيهاتِ إِنَّكِ قَد طَوَيتِ سَمائي
قَد كانَ يَسبيني الجَمالُ الرائِعُ / حَتّى لَمَحتُكِ فَهوَ لا يَسبيني
عَصَفَت بِصَدري لِليَقينِ زَوابِعُ / ثَلَّت عُروشَ تَوَهُّمي وَظُنوني
فَأَنا عَلى ما ضاعَ مِنِّيَ جازِعُ / إِنَّ الَّذي قَد ضاعَ جَدُّ ثَمينِ
لَولاكِ ما ماتَ الخَيالُ اليافِعُ / أَفَتَعجَبينَ إِذا كَرِهتُ يَقيني
هَذا صَنيعُكِ بي فَما أَنا صانِعُ / قَد شاءَ بَحرُكِ أَن تَضِلَّ سَفيني
جَرَّدتِ هَذا الطينَ مِن أَوهامِهِ / وَكَبُرتِ عَن قارورَةٍ مِن طينِ
كَيفَ الوُصولُ إِلَيكِ يا نارَ القِرى / أَنا في الحَضيضِ وَأَنتِ في الجَوزاءِ
لي أَلفُ باصِرَةٍ تَحِنُّ كَما تَرى / لَكِنَّ دونَكِ أَلفُ أَلفِ غَطاءِ
لو مِن ثَرىً مَزَّقتُها بِيَدِ الثَرى / لَكِنَّها سُجُفٌ مِنَ الأَضواءِ
ساءَلتُ قَلبي إِذ رَأى فَتَحَيَّرا / ماذا شَرِبتَ فَمِدتَ قالَ دِمائي
يا لَيتَهُ قَد ظَلَّ أَعمى كَالوَرى / فَلَقَد نَعِمتُ وَكانَ في ظَلماءِ
قَد شَوَّشَت كَفُّ النَهارِ سَكينَتي / يا هَذِهِ رُدّي إِلَيَّ مَسائي
أَمسَيتُ حينَ لَمَستِني بِيَدَيكِ / لي أَلفُ باصِرَةٍ وَأَلفُ جَناحِ
وَلَمَحتُ نارَ الوَحيِ في عَينَيكِ / وَالوَحيُ كانَ سُلافَةَ الأَرواحِ
فَنَشَرتُ أَجنِحَتي وَحُمتُ عَلَيكِ / مُتَوَهِّماً أَنّي وَجَدتُ صَباحي
قَد كانَ حَتفي في الدُنُوِّ إِلَيكِ / حَتفُ الفَراشَةِ في فَمِ المِصباحِ
فَسَقَطتُ مُرتَعِشاً عَلى قَدَمَيكِ / أَلنارُ مَهدي وَالدُخانُ وِشاحي
يا لَيتَ نورَكِ حينَ أَحرَقَني اِنطَوى / فَعَلى ضِيائِكِ قَد لَمَستُ جِراحي
لِيَ صاحِبٌ دَخَلَ الغُرورُ فُؤادَهُ
لِيَ صاحِبٌ دَخَلَ الغُرورُ فُؤادَهُ / إِنَّ الغُرورَ أُخَيَّ مِن أَعدائي
أَسدَيتُهُ نُصحي فَزادَ تَمادِياً / في غَيِّهِ وَاِزدادَ فيهِ بَلائي
أَمسى يُسيءُ بِيَ الظُنونَ وَلَم تَسُؤ / لَولا الغُرورُ ظُنونُهُ بِوَلائي
قَد كُنتُ أَرجو أَن يُقيمَ عَلى الوَلا / أَبَداً وَلَكِن خابَ فيهِ رَجائي
أَهوى اللِقاءَ بِهِ وَيَهوى ضِدَّهُ / فَكَأَنَّما المَوتُ الزُؤامُ لِقائي
إِنّي لَأَصحَبَهُ عَلى عِلّاتِهِ / وَالبَدرُ مِن قِدَمٍ أَخو الظَلماءِ
يا صاحِ إِنَّ الكِبرَ خُلقٌ سَيٌّ / هَيهاتِ يوجَدُ في سِوى الجُهَلاءِ
وَالعُجبُ داءٌ لا يَنالُ دَواءَهُ / حَتّى يَنالَ الخُلدَ في الدُنياءِ
فَاِخفِض جَناحَكَ لِلأَنامِ تَفُز بِهِم / إِنَّ التَواضُعَ شيمَةَ الحُكَماءِ
لَو أُعجِبَ القَمَرُ المُنيرُ بِنَفسِهِ / لَرَأَيتَهُ يَهوي إِلى الغَبراءِ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ / في ضَحوَةٍ كَثُرَت بِها الأَنواءُ
فَوَدِدتُ أَنّي غَرسَةٌ أَو زَهرَةٌ / وَوَدِدتُ أَنَّكِ عاصِفٌ أَو ماءُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025