القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 95
أمسي يعذبني ويضنيني
أمسي يعذبني ويضنيني / شوقٌ طغى طغيان مجنون
أين الشفاء ولم يعد بيدي / إلا أضاليل تُداويني
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي / صدري عبابٌ غير مأمون
يهتاج أن لَجَّ الحنين به / ويئن فيه أنينَ مطعون
ويظل يضرب في أضالعه / وكأنها قضبان مسجون
ويحَ الحنين وما يجرعني / من مُرِّه ويبيت يسقيني
ربيته طفلاً بذلت له / ما شاء من خفضٍ ومن لينِ
فاليوم لمّا اشتدّ ساعده / وربا كنوار البساتينِ
لَم يرض غير شبيبتي ودمي / زاداً يعيش به ويفنيني
كم ليلةٍ ليلاء لازمني / لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همساً يخاطبني / وأرى له ظلاً يماشيني
متنفساً لهباً يهبُّ على / وجهي كأنفاس البراكينِ
ويضمنا الليل العظيم وما / كالليل مأوى للمساكينِ
أمسيتُ أشكو الضيقَ والأينا
أمسيتُ أشكو الضيقَ والأينا / مستغرقاً في الفكرِ والسأمِ
فمضيتُ لا أدري إلى أينا / ومشيت حيث تجرّني قدمي
فرأيت فيما أبصَرَت عيني / مَلهىً أعدَّ ليبهج الناسا
يجلون فيه فرائدَ الحسن / ويباع فيه اللهو أجناسا
بغرائب الألوان مزدهر / وتراه بالأضواء مغمورَا
فقصدته عَجِلاً ولي بصرٌ / شبه الفراشة يعشق النورَا
ودخلتُه أجتازُ مزدحماً / بالخَلقِ أفواجاً وأفواجا
وأخوض بحراً بات ملتطماً / بالناس أمواجاً وأمواجا
فقدوا حجاهم حينما طربوا / ودووا دويّ البحر صخّابا
فإذا استقرّوا لحظة صخبوا / لا يملكون النفس إعجابا
متوثبين يميل صفهم / متطلع الأعناق يتقدُ
ومصفقين عَلَت أكفهم / فوّارة فكأنها الزبدُ
لِمَ لا أثور اليومَ ثورتهم / لِمَ لا أجرّبُ ما يحبونا
لِمَ لا أصيح اليوم صيحتهم / لِمَ لا أضجّ كما يضجونا
لِمَ لا تذوق كؤوسهم شفتي / إنَّ الحجا سمّي وتدميري
في ذمة الشيطان فلسفتي / ورزانتي ووقار تفكيري
يا قلبُ ضقتَ وها هنا سعةٌ / ومجالُ مصفودٍ بأغلال
أتقول أعمارٌ مضيعة / ماذا صنعت بعمرك الغالي
انظر ترَ السيقان عارية / وترَ الخصورَ ضوامراً تغري
وتجد عيون اللهو جارية / فهنا الحياة وأنت لا تدري
مَن هاتِه الحسناءُ يا عيني / السحرُ كلّلها وظلّلها
كالطير من غصنٍ إلى غصنِ / وثابة وثب الفؤاد لها
وتراه حسناً غيرَ كذابِ / لا ما يزيفه لك الضوءُ
ويزيد فتنتها باغرابِ / حزنٌ وراءَ الحسن مخبوءُ
ثم اختفت والجمع يرقبها / ويلحّ عودي ليس يرحمها
هي متعة للحسِّ يطلبها / وأنا بروحي بتُّ أفهمها
ورأيتها في آخر الليلِ / في فتية نصبوا لها شركا
يعلو سناها الحزن كالظل / مسكينة تتكلّف الضحكا
فمضيتُ توّاً قلت سيدتي / زنتِ المراقص أيَّما زين
هل تأذنين الآن ساحرتي / تأكيدَ إعجابي بكأسين
فتمنّعت وأنا ألحّ سدىً / بالقول أُغريها وأَعتذر
فاستدركت قالت أراك غداً / إن شئتَ أني اليوم أعتذر
وتحوَّلت عني لرفقتها / ما بين منتظرٍ ومرتقب
فتَّانة تغرى ببسمتها / وتحدّد الميعاد في أدب
حان اللقاء بغادتي وأنا / أخشى سراباً خادعاً منها
متلهفاً أستبطئ الزمنا / وأظل أسأل ساعتي عنها
وأجيل عين الريب ملتفتاً / متطلعاً للباب حيرانا
وأقول ما يدريك أي فتى / هي في ذراعي حبه الآنا
مَن ذا يُصدّقُ وعدَ فاتنة / لا ترحم الأرواح إتلافا
أنثى تلاقي كل آونةٍ / رجلاً وترمي الوعد آلافا
وهممت بعد اليأس أن أمضي / فإذا بها تختال عن بُعد
ميّزتها بشبابها الغضِّ / وبقدِّها أُفديه من قد
يا للقلوب لملتقى اثنين / لا يعلمان لأيّما سَبَبِ
جمعتهما الدنيا غريبين / فتآلفا في خلوة عَجَبِ
عجباً لقلب كان مطمعه / طَرَباً فجاء الأمرُ بالعكس
وأشدّ ما في الكون أجمعه / بين القلوب أواصرُ البؤس
مَن أنت يا مَن روحها اقتربت / مني وخاطب دمعها روحي
صبّته في كأسي وما سكبت / فيه سوى أنَّات مذبوحِ
عجباً لنا في لحظة صرنا / متفاهمين بغير ما أمدا
يا من لقيتك أمس هل كنا / روحين ممتزجين في الأبدِ
هاتي حديثَ السقم والوصبِ / وَصفي حقارةَ هذه الدنيا
إني رأيت أساكِ عن كثبِ / ولَمست كربك نابضاً حيَّا
لا تكتُمي في الصدر أسرارا / وتحدثي كيف الأسى شاءَ
أنا لا أرى إثماً ولا عارا / لكن أرى امرأةً وبأساءَ
تجدين فكرك جدّ مبتعد / والناس نحو سناك دانونا
وترين حالك حال منفرد / والقوم كثر لا يُعدّونا
وترين أنكِ حيثما كنتِ / ترضين خوّانين أنذالا
يبغونه جسداً فإن بعتِ / بذلوا النضار وأجزلوا المالا
يا حرَّها من عبرةٍ سالت / مِن فاتكِ العينين مكحولِ
وعذابها من وحشة طالت / وحنين مجهولٍ لمجهولِ
أفنيتِ عمرك في تطلبه / ويكاد يأكل روحَكِ المللُ
فإذا بدا مَن تعجبين به / وتقول روحك ها هو الأملُ
أدميت قلبك في تقرّبه / والقلب إن يخلص يَهُن دمُه
فإذا حسبتِ بأن ظفرتِ به / فازت به من ليس تفهمُه
سكتت وقد عجبت لخلوتنا / طالت كأنَّا جدّ عشاقِ
وأقول يا طرباً لنشوتنا / صرعى المدامة والجوى الساقي
أفديك باكيةً وجازعةً / قد لفّها في ثوبه الغسقُ
ودعتها شمساً مودّعة / ذهبت وعندي الجرحُ والشفقُ
تمضي وتجهل كيف أكبرها / إذ تختفي في حالك الظلم
روحاً إذا أثمت يطهرها / ناران نار الصبر والألَمِ
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ / أنا إلف روحك آخر الأبدِ
ظمأٌ على ظمأ على ظمأ / ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ
مرَّ الظلامُ وأنت لي شجنٌ / وأتى النهارُ وأنت في خلدي
لا يسمع البحرُ الغضوب إلى / شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ
كم لاح لي حربُ الحياة على / أمواجه المجنونة الزبدِ
ورأيت طيفَ الضنك مرتسما / في عاصفِ الأنواء مطَّردِ
في الليل مدَّ رواقه وثوى / كجوانحٍ طُويت على حسدِ
قبر مَباهجه بلا عددٍ / لفتى متاعبه بلا عددِ
مَن يومه يوم بلا أملٍ / وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ
لولاك والعهد الذي عقدت / بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعتُ جنبي جوف غيهبه / وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ
يا مخلفَ الميعاد عد لترى / جزع الغريب وضيعة الرشدِ
وليالياً موصولة سهراً / أبدية حجرية الكبدِ
وطليحَ أسفار وعلّته / قتالة لَم تشف في بلدِ
يا شعر أيامي وأغنيتي / وغليل ظمآن الشفاه صدي
يا ظالمي عيناك كم وعدت / قلبي إذا شفتاك لَم تعدِ
هل في العصيب المدلهم
هل في العصيب المدلهم / مصغٍ لشاكٍ لم ينم
سهدٌ على سهدٍ وذك / رى فوق ذكرى تزدحم
وحنين قلب لا يثو / بُ إلى حيالٍ لا يلم
يا من أحب وأفتدي / ويلذ لي فيه الألم
لو كنت تسمع لاسترح / ت من الشكاية للظلم
إن الكواكب ضقن بي / ذرعاً وآسيها سئم
ومن العجائب في الليا / لي والحوادث تستجم
شكوى الحيارى في الحيا / تِ إلى حيارى في السدم
لمن انتظاري في الظلا / مِ كأنَّ بي شبه اللمم
وتساؤلي في حالك / لا صوت فيه ولا قدم
وعلام إصغائي لعل / لَ خطاك هذي عن أمم
ليلي العشية مثل لي / لِي في غرامك من قدم
يا طالما أدنتكِ أو / هامٌ كواذب كالحلم
فلمحت صبحك في السوا / دِ وخلتُ روحكِ في النسم
وشفيت وهمي من رضا / كِ وربَّ ذي يأسٍ وهم
ورويت أذني من حدي / ثكِ وهو معبود النغم
وحرقت قلبي من سنا / كِ على جمالٍ يضطرم
كفراشةٍ حامت علَي / كِ وأيّ قلبٍ لَم يحم
لك حسن نوّار الخمي / لة طلَّ صبحاً فابتسم
لك نظرة الفجر الجَمي / لِ على الذوائبِ والقمم
لك طلعة البرءِ المرج / جَى بعد مستعصى السقم
لك كل ما أوفى على / قدر النهاية واستتم
فبأي قلبٍ أتقي / وبأي حصنٍ أعتصم
يا زائراً عجلان لَم / يطل اللقاء ولَم يقم
ودّعت ما أشبعت لي / روحي ولا نظري النهم
ومضيت عن دنيا خلَت / وجرت بنعمى لَم تتم
لم يبق من أثر اللقا / ءِ بها سوى عبقٍ ينم
وسؤال دمعك حين يس / ألني ومَن لي بالكلم
لِمَ يا أليفَ خواطري / غفت العيون ونحن لَم
وإلامَ تدفعنا الحوا / دث في عُبابٍ يلتطم
دَفَعت بمركبنا المقا / دِيرُ الخفية والقسم
خَرَجَت وما تدري الغَدا / ةَ بأي صخرٍ ترتَطِم
بدَأت عَلى ريح الرضا / والله يدري المختتم
بي ما تحسّ وفي فؤادك ما بي
بي ما تحسّ وفي فؤادك ما بي / فتَعال نبكِ أيا نجيَّ شبابي
تجري الدموع وأنتَ دَانٍ واصلٌ / كمسيلهن وأنتَ في الغيَّابِ
أنكرت بي ناري عشية لامَسَت / شفتاي مِنك أنامل العنابِ
وجرت يميني في غَزيرٍ حالكٍ / مسترسل كالجدول المنسابِ
وسألت ما صمتي وما إطراقتي / وعَلامَ ظلَّت حيرة المرتابِ
أقبل أذقني ما اليقين وهاته / خلواً من الآلام والأوصابِ
أقبل لأقسم في حياتي مرةً / إن الذي أُسقاه ليس بصابِ
لهفي على هذا اليقين وطعمه / بفمي وتكذيبي شهيَّ شرابي
من أنتَ من أي العوالم ساحرٌ / مستأثر بأعنة الألبابِ
حدَّثت نفسي إذ رأيتُكَ بادياً / وأطَلت تسآلي بغير جوابِ
ما يصنع الملك الطهور بعالَمٍ / فانٍ وأيَّامٍ كلمع سرابِ
ما يصنع الأبرار بالأرض التي / ساوت من الأبرار والأوشابِ
دوَّارةً أبدَ السنين كعهدِها / من ليل آثامٍ لصبح متابِ
تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي / عند التراب رخيصة كترابِ
يا هيكل الحسن المبارَك ركنه / الساحر النور الطهور رحابِ
لا صدقَ إلا في لهيبك وحده / وجلاله الباقي على الأحقابِ
قدمتُ قرباني إليك بقية / من مهجة ضاعت على الأحبابِ
وأَذبتُ جوهَرهَا فدَاءَ نَوَاظِر / قُدسِيَّةٍ عُلويّةِ المحرابِ
يا رسمَ من أعطى الهوى
يا رسمَ من أعطى الهوى / مفتاحَ قلبي المقفلِ
في حبه فنيَ الصبا / وشباب أيامي بلي
يا ويح ما ضيعت في / هِ من قليل مخجلِ
ماضيَّ ضاع ولو قدر / ت لجدت بالمستقبلِ
يا رسم كم من ليلةٍ / أبكي وأستبكيك لي
حتى رجعتُ مخادعاً / ومَضيتُ جد مضلّلِ
أرنُو لدمعي بادياً / في وجهك المتهللِ
فإخال عينك هَزّها / شَكوى الغريب المهملِ
فَبَكَت وتلك دموعها / هَذِي تَسيل وذِي تَلي
عادت لطائرها الذي غَنّاهَا
عادت لطائرها الذي غَنّاهَا / وشَدَا فهاج حَنينها وشَجاهَا
أيُّ الحظوظ أعادها لوَفيِّها / ونجيّ وحدتها وإلف صباهَا
مشبوبة التحنان تكتم نارها / عبثاً وتأبَى أن يبين لظاهَا
يا إلفيَ المعبود سِرّك ذائع / نار الحنين دفينها أفشاهَا
ماذا لقينا من لقاءٍ خاطفٍ / وعشية كالبرق حان ضحاهَا
يا ويح هاتيك الثواني لَم تقف / حتَّى نسيغ هناءةً ذقناها
حتى يمتع باليقين مكذب / عينيه في رؤيا يضلّ سناهَا
تمضي لها الأبصار مُشعلة الهوى / وتحول عنها ما تُطيق لقاهَا
تخبو العواطف في الصدور وتنتَهي / ويَجف في زهر القلوب نداهَا
وأنا أحسّ اليومَ بدء علاقة / وعنيف ثورتها وحزّ مُدَاهَا
لم تَرو منكِ نواظري وخواطري / ورجعت أذكي مهجةً وشفاهَا
مدَّ الخريف على الرياض رواقه / ومضى الربيع الطلق ما يغشاها
ما بالرياض كآبةٌ في أرضها / وسحابة تغشى أديمَ سماهَا
جمدت حمائم أيكها وأنا الذي / شاكيتها فاغرورقت عيناهَا
كيف السبيلُ إلى شفاء صبابة / الدهر أجمع ما يبلُّ صداهَا
وإلى نسائم جنة سحرية / قرّحت أجفاني على مغناهَا
قضَّيتُ أيامي أضمّ خيالها / وأضعت أيامي أقول عساهَا
قل للذين بَكَوا على شوقي
قل للذين بَكَوا على شوقي / النادبين مصارع الشُّهبِ
والهفَتاهُ لمصر والشَّرق / ولدولة الأشعار والأدبِ
دنيا تَقَرُّ اليومَ في لحدٍ / وصحيفةٌ طُويت من المجدِ
ومُسافرٌ ماضٍ إلى الخلد / سَبَقَتهُ آلاءٌ بلا عَدِّ
هذا ثَرى مصرَ الكريمُ وكم / أكرمتَهُ وأشدتَ بالذكرِ
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فنم / في النور لا في ظُلمةِ القبرِ
كم من دفينٍ رحتَ تحييهِ / وبَعثتَهُ وكَففتَ غُربَتَهُ
فاحلل عليه مكرَّماً فيه / يا طالما قَدَّست تُربتَهُ
يا نازلَ الصحراء موحشةً / ريَّانةً بالصمت والعدمِ
سالت بها العبرات مجهشةً / وجَرت بها الأحزان من قدمِ
هذا طريق قد ألفناهُ / نمشي وراءَ مُشَيَّعٍ غالِ
كم من حبيب قد بكيناهُ / لم يُمحَ من خلدٍ ولا بالِ
وكأنَّ يومك في فجيعته / هو أول الأيامِ في الشَّجنِ
وكأنَّما الباكي بدمعتهِ / ما ذاق قبلك لوعةَ الحزنِ
فاذهب كما ذهب النهار مضى / قد شيَّعَته مدامعُ الشفق
واغرب كما غرب الشعاع قضى / رفّت عليه جوانح الغسق
ما كنت إلاَّ أمةً ذهَبت / والعبقريَّة أمَّةُ الأمَم
أو شُعلة أبصارنا خلبت / ومنارة نُصبَت على عَلَمِ
يا راقداً قد بات في مَثوىً / بَعُدَت به الدُّنيا وما بَعُدَا
أين النجوم أصوغ ما أهوى / شعراً كشعرك خالداً أبدَا
لكنَّ حزني لو علمت به / لم يُبقِ لي صبراً ولا جُهدَا
فاعذر إلى يومٍ نفيك به / حقَّ النبوغ ونذكر المجدَا
راحوا بأرواحٍ ظماء
راحوا بأرواحٍ ظماء / يتهافتون على الفناء
جفَّت حلوقٌ بعدهم / لم تلق دونهمُ رواء
واهاً لكأسٍ كالخُلو / دِ ومنهلٍ فيه الشفاء
كنَّا إذا ضجَّ الفؤا / دُ وضاق بالدنيا وناء
نَمضي إليه فنستَقي / ونَعُبُّ منه كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزا / رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتُمُ بُخلَ الضَّني / نِ فحسبُنا قَطراتُ ماء
أين الأمين على الإما / رة والحريصُ على اللواء
قبسٌ أضاء العالَمي / ن كما تُضيءُ لهم ذكاء
ثم اختفى خلف الغيو / ب مخلِّفاً ظُلم المساء
فكأنما هبة السّما / ءِ قد استردَّتها السَّماء
جزع الرياض لطائرٍ / غنَّى فأبدعَ في الغناء
حتى إذا خلب العقو / لَ وقيل سِحرٌ لا مراء
ولَّى عن الأيك الفخو / ر به إلى عرضِ الفضاء
فكأنَّه والسُّحّب تط / ويه فيمعن في الخفاء
دنيا من الأمل الجمي / لِ قد استبدَّ بها العَفاء
ووراءها شفقٌ من الذ / ذكرى كجرحٍ ذي دِماء
وتُسائل الدُّنيا التي / ناطت به كلَّ الرَّجاء
عن أي سرٍ طار عن / هَذي الرُّبى وعلام جاء
قُم يا فقيدَ الشعرِ وان / ظُر أيّ حفلٍ للرثاء
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها / بعضاً وهيهات العزاء
هذي الجموع الباكيا / تُ الساخطاتُ على القضاء
قاسمتها أشجانها / ووفيت ما شاءَ الوفاء
أوَ لَم تجدكَ لسانها الش / شاكي إذا احتدم البلاء
أوَ لَم تكن غِرّيدَها / ونديمها عند الصفاء
لم لا توفيك الجَمي / ل وتَستَقلّ لك الفداء
ومُنَعَّمٍ بين القصو / رِ قد استَتم له الثراء
ما بالهُ حملَ الهمو / مَ وجشَّم القلبَ العناء
وينوءُ بالعبءِ الذي / هو عن أذاه في غَناء
ويحَ الذكاءِ وما يُكل / لِفه من الثَّمنِ الذَّكاء
أضنى قواه ولم يدع / من جسمه إلا ذماء
والمجد يوغل في حنا / يا روحه والمجدُ داء
صرحٌ من الأدبِ الصمي / مِ له على الدنيا البقاء
الدَّهر يحمي ركنَه / والفنُّ في روح البناء
شوقي على رغم التفر / ردِ والتفوقِ والعلاء
ذاك الرقادُ بساحةٍ / كل الرجال بها سواء
وبرغم ذهن كالفرا / شة حول مصباح أضاء
مثواك لا تشكو السكو / نَ ولا تمل من الثواء
يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي
يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي / يحنو عليك أنا الحبيب الراعي
كم ليلة والرعبُ يمشي في الدجى / والهول منتشر على الأصقاع
أغفيت في كنفي وفي ظل الكرى / كالطفل في أمنٍ مِنَ الأوجاع
يا ربِّ قد وهت العصا واستأثرت / غيرُ الليالي بالقويِّ الباع
فانظر إلى الحمل الوديع ووقّه / شر النفوس وفتنة الأطماع
نضّر له الدنيا ومدَّ ربيعها / وانشره مؤتلقا بكل شعاع
واجعل له الأيام ظلاً وارفاً / وخرير أنهارٍ وخصب مراعي
من شاطئ لشواطئ جدد
من شاطئ لشواطئ جدد / يرمي بنا ليل من الأبد
ما مرّ منه مضى فلم يعد / هيهات مرسى يومه لغد
سنة مضت وختامها حانا / والدهر فرّق شملنا أبدا
ناجِ البحيرة وحدك الآنا / واجلس بهذا الصخر منفردا
قل للبحيرة تذكرين وقد / سكن المساء ونحن باللج
لا صوت يسمع في الدنى لأحد / إلا صدى المجداف والموج
فإذا بصوت غير معتاد / هزّ السكون هتافه العذب
أصغى العباب ورجّع الوادي / أصداءه وتناجت السحب
يا دهر في رفق ولا تدر / ساعاته في هينة وقفي
حتى تتاح هناءة العمر / وتطول لذتها لمقتطف
هلا التفتَ لذلك الكون / وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنى / خل الممتع وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحن / يتنافسان الدهر إقلاعا
فبأي عدل أيها الزمن / تتشابه الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجب / وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقب / ونعيم عمر غير معتاض
ناج البحيرة والصخور وعد / فاستحلف الأغوار والغابا
قل صُن ذكر غرامنا فلقد / صين الشباب عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في / حاليك ثائرة وهادئة
في باسق للماء منعطف / في رائعات الصخر ناتئة
في عابر النسمات مرتجفاً / في النجم فضض صفحة الماء
في الريح أنّ أنينه وهفا / في الغصن نفّس حر أحشاء
في الجو معتبقاً بريّاكِ / خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي / سيقول يا أسفا لقد ذهبا
فيم الغدوّ غداً وأين رواحي
فيم الغدوّ غداً وأين رواحي / ويح الصباح لقد مضى بصباحي
عصفت علينا غير راحمة لنا / يا صفوة الأحباب أيّ رياح
عبثت بمعبود العيون وصيَّرت / كالورس لوناً توأم التفاح
ذهبوا به كالورد جافاه الندى / ومضوا به شبحاً من الأشباح
يا هاتفاً باسمي فديت منادياً / ردّ النداء عليه حرّ نواحي
يا آسي الآسي لممت جراحتي / وأسلت يوم نواك أيّ جراح
طأطأتُ للبين المشتت هامتي / وخفضت للقدر المغير جناحي
أيّ الليالي العاتيات سهرتها / في أيّ آلام وأيُّ كفاح
هدم الضنى العادي قويّ شكيمتي / وثنى معاندتي وردّ جماحي
وطغى على الملك الموسد بيننا / في لطف زنبقة وضعف أقاح
كيف المآب إلى مكان موحشٍ / متجهم العرصات قفر الساح
في كل ناحيةٍ خيالٌ هاتفٌ / ومذكر بجبينك الوضاح
وموسد كالطيف صاحٍ ليله / أمسيت أرعاه بجفنٍ صاح
عاد الشقي إلى قديم شقائه / ومحا من الدنيا السعادة ماحي
ويح الحياة اليوم أين جمالها / وعلامَ إخفاقي بها ونجاحي
أنت الذي وهب الحياة لميت / في الأرض منفرد بغير طماح
أشرقت في ظلمائها وغمامها / وطلعت مثل البارق اللماح
أدركت عندك يوميَ الموعودا
أدركت عندك يوميَ الموعودا / ولقيت فيك مثاليَ المنشودا
وافرحتي بك فرحة الطفل الذي / يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وافرحتي بك فرحة الطير الذي / ملأ الروابي المصغيات نشيدا
طربت لصدحته وصفق ظافراً / جذلان في عرض الفضاء سعيدا
في موكب من قلبه وحبيبه / من راح تحسبه العيون وحيدا
وافرحتي بك فرحة الضال الذي / يطوي القفار اللافحات شريدا
لاحت له بعد الهواجر أيكة / غنّاء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى / وأحالها روضاً أغر جديدا
شتى غرائبها وأعجبها فتى / يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكان على جمالك صبوة / يتنافسان ضراعه وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضباً / كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإيمان يغمر خاطري / كالفجر قد غمر السماء وئيدا
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين / علمنني الإيمان والتوحيدا
أقبل بموكبك الأغَر
أقبل بموكبك الأغَر / ما أظمأَ الأبصارَ لك
العين بعدك يا قمر / عمياءُ والدنيا حلَك
تمضي وراءَ سحابة / تحنو عليك وتلثُمك
وأنا رهين كآبة / بخواطري أتوهَّمك
كن حيث شئت فما أنا / إلا معنَّى بالمحال
أغدو لقدسك بالمنى / وأزور عرشك بالخيالِ
وأقول صبراً كلَّما / عزَّ الفكاك على الأسير
روحي وروحك ربما / طابا عناقاً في الأثير
مهما تسامى موضعُك / وعلا مكانك في الوجود
فأنا خيالك أتبعُك / ظمآن أرشف ما تجود
قمرَ الأماني يا قمر / إني بهمٍّ مسقمِ
أنت الشفاء المدَّخر / فاسكب ضياءك في دمي
أفرغ خلودك في الشباب / واخلع على قلبي الصفاء
أسفاً لعمر كالحباب / والكأس فائضة شقاء
خذني إليك ونجّني / مما أُعاني في الثرى
قدحي ترنَّق فاسقني / قدح الشعاع مطهّر
واهاً لأحلامٍ طوال / وأنا وأنتَ بمعزلِ
نَعلو على قمم الجبال / ونرى العوالم من عَلِ
وطنٌ دعا وفتى أجاب
وطنٌ دعا وفتى أجاب / بوركت يا عزم الشباب
يا فتية النيل المسا / لم والكريم بلا حساب
جناته مرآتكم / ولكم خلائقها العِذاب
ولكم جمال الزهرِ رف / فَ على الأماليد الرطاب
ولكم فؤاد النهر رق / على المحاني والشعاب
يمضي فيضحك للسهو / لِ ولا يضن على الهضاب
حتى إذا نادتكم ال / أوطان والوادي أهاب
حتى إذا طغت الكوا / رث واستفزكم العذاب
أصبحتم كالغيل تح / ميه الليوث بألف ناب
قل للشباب اليوم يو / مكم الأغر المستطاب
اليوم يبدو حبّ مِص / ر فلا خفاءَ ولا حِجاب
إن كان إثماً يا شبا / بُ فلا رجوع ولا متاب
الله ينظر والليا / لي عندها لكم الحساب
والعهد في القلب المصا / بر والأمانة في الرقاب
هاتوا الفدا الغالي لمص / ر وأرخوه كالتراب
المال والأرواح كل / ل ضحيةٍ ولها ثواب
اليوم يومك في الشباب فناد
اليوم يومك في الشباب فناد / لا نوم بعد ولا شهيُّ رقادِ
قل للذي يبغي الصلاح لقومه / بنبيل صنع أو شريف جهادِ
بالطب أو بالشعر أو بكليهما / كل الجهود فداء هذا الوادي
لا خير في قلم إذا هو لَم يكن / حراً طهوراً كالشعاع الهادي
لا خير في طب إذا هو لم يزر / ظلم الحياة كفرحة الأعيادِ
يا أيها الوطن الجريح وجرحه / بصميم كل حشاشة وفؤادِ
صبراً فنحن أساتك الرحماء في ال / بأساء قد جئنا بكل ضمادِ
قل للبناة المصلحين ألا اخلقوا / شم الذرى ورواسخ الأطواد
جيلاً من النشء القوي إذا مشوا / رفعوا الرؤوس بعزة وعنادِ
لا خير في الأرواح تسكن منزلاً / متهدماً رثاً من الأجسادِ
لا خير في الأرواح تسكن موطناً / متخاذلاً لا يرتجى لجلادِ
أبَكَت عيونكم الضعيف يصير في / ناب القوي فريسة استعبادِ
فتبينوا إذن الحقيقة واعلموا / أن الطبيعة هكذا من عادِ
الجو ملك النسر يغشاه على / ما يشتهي والغاب للآسادِ
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً / في ساحة مجموعة الأشهادِ
واخجلتا مما نقدمه إذا / حان الحساب وجاء يوم معادِ
أيّ الصحائف في غد وحسابكم / في ذمة الأبناء والأحفادِ
أيّ البلاد هو السعيد وأهله / يتنابذون تنابذ الأضدادِ
كل يعيش لنفسه في أمة / شقيت بطول تفرق الأفرادِ
فخذوا السبيل إلى الحياة تآلفاً / وتكاتفاً في رغبةٍ وودادِ
خير الصحائف ما كتبت سطوره / بيد الكفاح الحر لا بمدادِ
صونوا البلاد وأدركوا فلاَّحكم / كاد الحمى يغدو بغير عمادِ
حيران من مرضٍ إلى بؤس إلى / كربٍ تمر به بلا تعدادِ
هذي دياركم وذلك نيلكم / هبة السماء ومنحة الآبادِ
هذي دياركم وهذي شمسكم / طمع الغريب وحرقة الحسادِ
ومن المصائب في زمانك أن ترى / بلداً كثير مناهل الروادِ
والخير مدرار عليه وربه / جوعان محروم الرعاية صادِ
والزرع نضر في الحقول وأهله / يتهيأون لمنجل الحصادِ
هذا زمانكم وذا ميدانكم / ماذا بكم من عدة وعتادِ
نبغي شداد القوم قد شحذوا القرى / في ليل أحداث نزلن شدادِ
ونريد شباناً بمصر استعصموا / ومضوا يصدون الغريب العادي
ونريد أطفالاً إذا ما أُرضعوا / فرضاعهم وطنية بسهادِ
الطفل منهم مثل أمي أو أبي / شفتاه أول ما تقول بلادي
يُغذون في الأرحام حب بلادهم / لتكون مصراً صرخة الميلادِ
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ / مَن مُسعدي في ساعةِ التذكارِ
قُم يا أميرُ أفِض عليَّ خواطراً / وابعث خيالكَ في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياة فراشةً / غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أفق / واهتف بشعرك في شباب الدارِ
يا مَن دعا للحق في أوطانه / ومضى ليهتف في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها / نهبُ الخطوب قليلة الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاء البلى / والعيشُ رثٌ والسنونُ عوارِ
عامٌ مضى يا للزمان وطيّه / فينا ويا لسواخر الأقدارِ
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه / يا ما أقلَّ العامَ في الأعمارِ
أينَ الإمارة والأميرُ ودولةٌ / مبسوطةُ السلطان في الأمصارِ
خمسون عاماً وهي وارفةُ الجنى / تحت الربيع دؤوبة الأثمارِ
مَدّ الخريفُ على الرياض رواقَهُ / ومضى الربيعُ الضاحكُ النوّارِ
هيهات أنسى قبل بينك ساعةً / جمعت صحابَك في غروب نهار
والشمس في سقم الغروب وأنتَ في / لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحت وقد ذهبت شعاعاً غارباً / كسناك طوّافاً على السّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلّ في / طبي مقيلاً من وشيكِ عثارِ
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى / متهجماً في صَرحه المنهارِ
فرأيتُ ما صنع الضنى في صورةٍ / حالت وخلى هيكلاً كإطارِ
ووجمتُ ألمحُ في الغيوب نهايةً / وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمه / والعبقرية وهي في الإِدبارِ
أو لَم يكن لك من زمانك ذائداً / وثباتُ ذهنٍ ماردٍ جبارِ
أو لم يكن لكَ من حمامك عاصماً / ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ
وليت في إثر الذين رثيتهم / وأقمتَ فيهم مأتمَ الأشعارِ
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ / محتومة الأقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفقاً / فمضيتَ في متدفق التيارِ
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به / قيثارةٌ سحريةُ الأوتارِ
صدحت بألحان الحياة ووقعت / أنغامها المحجوبةَ الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً / منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ / شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعالياً حتى الأشعة مشرقاً / متالقاً كالكوكب السيَّارِ
شوقي نظمت فكنت برّاً خيِّراً / في أمة ظمأى إلى الأخيارِ
أرسلت شعرك في المدائن هادياً / شبهَ المنار يطوف بالأقطارِ
تدعو الى المجد القديم وغابرٍ / طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ
تدعو لمجدِ الشرق تجعل حبَّهُ / نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظارِ
تبكي العراقَ إذا استبيح ولا تضن / ن على الشآم بمدمع مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم / خرجوا لصون كرامة وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم / كفّاً مضرجةً مع الأحرارِ
ما زلتَ تبعث في قريضكَ ثاوياً / أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ شاعرٌ / ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ
فجلوتَ ما لم يشهدوا ورسمت ما / لَم يعهدوا من معجز الأفكارِ
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ / وجنانُهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابة واصفاً / مجنونَ ليلى في سحيق قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً / تلك العصور وطيفها المتواري
ويرى الحياة الحبَّ والحبَّ الحيا / ةَ هما شعارُ العيش أيُّ شعارِ
دينٌ وهذا اليومُ يومُ وفاءِ
دينٌ وهذا اليومُ يومُ وفاءِ / كم منَّةٍ للميت في الأحياءِ
إن لم يكن يُجزى الجزاءَ جميعه / فلعلّ في التذكار بعض جزاءِ
يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها / مستوحشاً في غربةٍ وتنائي
هل كنت قبلاً تستشفّ سكونها / وترى مقامك في العراء النائي
فأتيتَ والدنيا سرابٌ كلها / تروي حديثَ الحبّ في الصحراءِ
ووصفت قيساً في شديد بلائه / ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ
ظمآن حين الماء ليلى وحدَها / عزَّت عليه ولمَ تُتح لظماءِ
هيمان يضرب في الهواجر حالماً / بظلال تلك الجنة الفيحاءِ
فإذا غفا فلطيفها وإذا هفا / فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على / قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ
هي قصةُ الطيف الحزين وصورة ال / قلب الطعين مجللاً بدماءِ
هي قصة الدنيا وكم من آدم / منا له دمعٌ على حوّاءِ
كل به قيس إذا جنَّ الدجى / نزع الإِباءَ وباح بالبرحاءِ
فإذا تداركه النهارُ طوى المدا / معَ في الفؤاد وظُنَّ في السُّعداءِ
لا تعلم الدنيا بما في قلبه / من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاءِ
كلٌّ له ليلى ومن لم يَلقها / فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ
كلٌّ له ليلى يرى في حبها / سرّ الدٌّنى وحقيقةَ الأشياءِ
ويرى الأماني في سعير غرامها / ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ
الكونُ في إحسانها والعمرُ عِن / د حنانها والخلدٌ يومُ لقاءِ
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ / لم تُروَ إلا رُوِّحَت ببكاءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً / ممّا كساها سيدُ الشعراءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً / من جودة التمثيل والإلقاءِ
من فنّ زينبها ومن علامها / زين الشباب وقدوةِ النبغاءِ
عجباً لقلبٍ هيض منكَ جناحُهُ
عجباً لقلبٍ هيض منكَ جناحُهُ / وجرى به نصلُ الندامة يذبحُ
ومضى الحمامُ يدبُّ فيه فإن جرت / ذكراك طار إليك وهو مجنَّح
لهفي على الناقوس بين جوانحي / وعلى بقية هيكل لا تصلح
لا فرق بين أنينه ورنينه / وصداه في وادي المنية أوضح
يا قلب صهباء الهوى وبساطه / وكؤوسه المتجاوبات الصُّدَّح
وقفٌ على متنقلين على الهوى / يبغون من لذّاته ما يسنح
متبدِّلين موائداً وأحبةً / ما خاب من حب فآخر يفلح
فالحبُّ آسيه وراء عليله / فيهم وبلسمه على ما يجرح
يا قلبُ ويح ثباتنا ماذا جنى / أترى شعاعاً في البقية يُلمح
يا أيها الحبُّ المقدَّسُ هيكلاً / ذاق الردى من عابديك مسبح
كثرت ضحاياه وطال قيامه / وصيامه فمتى رضاءَك تمنح
يا دوحة الأرواح يُحمد عندها / فيءٌ ويعبد زهرها المتفتح
أينال ظلك والرعايةَ عابثٌ / بجلالك البادي وآخر يمزح
ويبيت يحرمه قتيل صبابةٍ / قضّى الحياة إلى ظلالك يطمح
ليلى حببتك كالحياة وذقتُ في / ناديك كأساً بالأماني تطفح
فتكسرت قدح المنى ورجعت من / سقم الهوى وهزاله أترنح
نزل الستار على الرواية وانقضت / تلك الفصول وفُضَّ ذاك المسرح
هل أنتِ سامعةٌ أنيني
هل أنتِ سامعةٌ أنيني / يا غايةَ القلب الحزين
يا قِبلة الحب الخفي / وكعبة الأمل الدفين
إني ذكرتك باكياً / والأفق مُغبر الجبينِ
والشمس تبدو وهي تغ / رب شبه دامعة العيون
أمسيت أرقبها على / صخر وموج البحر دوني
والبحر مجنون العبا / ب يهيج ثائره جنوني
ورضاكِ أنتِ وقايتي / فإذا غضبتِ فمَنَ يقيني

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025