المجموع : 95
أمسي يعذبني ويضنيني
أمسي يعذبني ويضنيني / شوقٌ طغى طغيان مجنون
أين الشفاء ولم يعد بيدي / إلا أضاليل تُداويني
أبغي الهدوء ولا هدوء وفي / صدري عبابٌ غير مأمون
يهتاج أن لَجَّ الحنين به / ويئن فيه أنينَ مطعون
ويظل يضرب في أضالعه / وكأنها قضبان مسجون
ويحَ الحنين وما يجرعني / من مُرِّه ويبيت يسقيني
ربيته طفلاً بذلت له / ما شاء من خفضٍ ومن لينِ
فاليوم لمّا اشتدّ ساعده / وربا كنوار البساتينِ
لَم يرض غير شبيبتي ودمي / زاداً يعيش به ويفنيني
كم ليلةٍ ليلاء لازمني / لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همساً يخاطبني / وأرى له ظلاً يماشيني
متنفساً لهباً يهبُّ على / وجهي كأنفاس البراكينِ
ويضمنا الليل العظيم وما / كالليل مأوى للمساكينِ
أمسيتُ أشكو الضيقَ والأينا
أمسيتُ أشكو الضيقَ والأينا / مستغرقاً في الفكرِ والسأمِ
فمضيتُ لا أدري إلى أينا / ومشيت حيث تجرّني قدمي
فرأيت فيما أبصَرَت عيني / مَلهىً أعدَّ ليبهج الناسا
يجلون فيه فرائدَ الحسن / ويباع فيه اللهو أجناسا
بغرائب الألوان مزدهر / وتراه بالأضواء مغمورَا
فقصدته عَجِلاً ولي بصرٌ / شبه الفراشة يعشق النورَا
ودخلتُه أجتازُ مزدحماً / بالخَلقِ أفواجاً وأفواجا
وأخوض بحراً بات ملتطماً / بالناس أمواجاً وأمواجا
فقدوا حجاهم حينما طربوا / ودووا دويّ البحر صخّابا
فإذا استقرّوا لحظة صخبوا / لا يملكون النفس إعجابا
متوثبين يميل صفهم / متطلع الأعناق يتقدُ
ومصفقين عَلَت أكفهم / فوّارة فكأنها الزبدُ
لِمَ لا أثور اليومَ ثورتهم / لِمَ لا أجرّبُ ما يحبونا
لِمَ لا أصيح اليوم صيحتهم / لِمَ لا أضجّ كما يضجونا
لِمَ لا تذوق كؤوسهم شفتي / إنَّ الحجا سمّي وتدميري
في ذمة الشيطان فلسفتي / ورزانتي ووقار تفكيري
يا قلبُ ضقتَ وها هنا سعةٌ / ومجالُ مصفودٍ بأغلال
أتقول أعمارٌ مضيعة / ماذا صنعت بعمرك الغالي
انظر ترَ السيقان عارية / وترَ الخصورَ ضوامراً تغري
وتجد عيون اللهو جارية / فهنا الحياة وأنت لا تدري
مَن هاتِه الحسناءُ يا عيني / السحرُ كلّلها وظلّلها
كالطير من غصنٍ إلى غصنِ / وثابة وثب الفؤاد لها
وتراه حسناً غيرَ كذابِ / لا ما يزيفه لك الضوءُ
ويزيد فتنتها باغرابِ / حزنٌ وراءَ الحسن مخبوءُ
ثم اختفت والجمع يرقبها / ويلحّ عودي ليس يرحمها
هي متعة للحسِّ يطلبها / وأنا بروحي بتُّ أفهمها
ورأيتها في آخر الليلِ / في فتية نصبوا لها شركا
يعلو سناها الحزن كالظل / مسكينة تتكلّف الضحكا
فمضيتُ توّاً قلت سيدتي / زنتِ المراقص أيَّما زين
هل تأذنين الآن ساحرتي / تأكيدَ إعجابي بكأسين
فتمنّعت وأنا ألحّ سدىً / بالقول أُغريها وأَعتذر
فاستدركت قالت أراك غداً / إن شئتَ أني اليوم أعتذر
وتحوَّلت عني لرفقتها / ما بين منتظرٍ ومرتقب
فتَّانة تغرى ببسمتها / وتحدّد الميعاد في أدب
حان اللقاء بغادتي وأنا / أخشى سراباً خادعاً منها
متلهفاً أستبطئ الزمنا / وأظل أسأل ساعتي عنها
وأجيل عين الريب ملتفتاً / متطلعاً للباب حيرانا
وأقول ما يدريك أي فتى / هي في ذراعي حبه الآنا
مَن ذا يُصدّقُ وعدَ فاتنة / لا ترحم الأرواح إتلافا
أنثى تلاقي كل آونةٍ / رجلاً وترمي الوعد آلافا
وهممت بعد اليأس أن أمضي / فإذا بها تختال عن بُعد
ميّزتها بشبابها الغضِّ / وبقدِّها أُفديه من قد
يا للقلوب لملتقى اثنين / لا يعلمان لأيّما سَبَبِ
جمعتهما الدنيا غريبين / فتآلفا في خلوة عَجَبِ
عجباً لقلب كان مطمعه / طَرَباً فجاء الأمرُ بالعكس
وأشدّ ما في الكون أجمعه / بين القلوب أواصرُ البؤس
مَن أنت يا مَن روحها اقتربت / مني وخاطب دمعها روحي
صبّته في كأسي وما سكبت / فيه سوى أنَّات مذبوحِ
عجباً لنا في لحظة صرنا / متفاهمين بغير ما أمدا
يا من لقيتك أمس هل كنا / روحين ممتزجين في الأبدِ
هاتي حديثَ السقم والوصبِ / وَصفي حقارةَ هذه الدنيا
إني رأيت أساكِ عن كثبِ / ولَمست كربك نابضاً حيَّا
لا تكتُمي في الصدر أسرارا / وتحدثي كيف الأسى شاءَ
أنا لا أرى إثماً ولا عارا / لكن أرى امرأةً وبأساءَ
تجدين فكرك جدّ مبتعد / والناس نحو سناك دانونا
وترين حالك حال منفرد / والقوم كثر لا يُعدّونا
وترين أنكِ حيثما كنتِ / ترضين خوّانين أنذالا
يبغونه جسداً فإن بعتِ / بذلوا النضار وأجزلوا المالا
يا حرَّها من عبرةٍ سالت / مِن فاتكِ العينين مكحولِ
وعذابها من وحشة طالت / وحنين مجهولٍ لمجهولِ
أفنيتِ عمرك في تطلبه / ويكاد يأكل روحَكِ المللُ
فإذا بدا مَن تعجبين به / وتقول روحك ها هو الأملُ
أدميت قلبك في تقرّبه / والقلب إن يخلص يَهُن دمُه
فإذا حسبتِ بأن ظفرتِ به / فازت به من ليس تفهمُه
سكتت وقد عجبت لخلوتنا / طالت كأنَّا جدّ عشاقِ
وأقول يا طرباً لنشوتنا / صرعى المدامة والجوى الساقي
أفديك باكيةً وجازعةً / قد لفّها في ثوبه الغسقُ
ودعتها شمساً مودّعة / ذهبت وعندي الجرحُ والشفقُ
تمضي وتجهل كيف أكبرها / إذ تختفي في حالك الظلم
روحاً إذا أثمت يطهرها / ناران نار الصبر والألَمِ
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ / أنا إلف روحك آخر الأبدِ
ظمأٌ على ظمأ على ظمأ / ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ
مرَّ الظلامُ وأنت لي شجنٌ / وأتى النهارُ وأنت في خلدي
لا يسمع البحرُ الغضوب إلى / شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ
كم لاح لي حربُ الحياة على / أمواجه المجنونة الزبدِ
ورأيت طيفَ الضنك مرتسما / في عاصفِ الأنواء مطَّردِ
في الليل مدَّ رواقه وثوى / كجوانحٍ طُويت على حسدِ
قبر مَباهجه بلا عددٍ / لفتى متاعبه بلا عددِ
مَن يومه يوم بلا أملٍ / وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ
لولاك والعهد الذي عقدت / بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعتُ جنبي جوف غيهبه / وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ
يا مخلفَ الميعاد عد لترى / جزع الغريب وضيعة الرشدِ
وليالياً موصولة سهراً / أبدية حجرية الكبدِ
وطليحَ أسفار وعلّته / قتالة لَم تشف في بلدِ
يا شعر أيامي وأغنيتي / وغليل ظمآن الشفاه صدي
يا ظالمي عيناك كم وعدت / قلبي إذا شفتاك لَم تعدِ
هل في العصيب المدلهم
هل في العصيب المدلهم / مصغٍ لشاكٍ لم ينم
سهدٌ على سهدٍ وذك / رى فوق ذكرى تزدحم
وحنين قلب لا يثو / بُ إلى حيالٍ لا يلم
يا من أحب وأفتدي / ويلذ لي فيه الألم
لو كنت تسمع لاسترح / ت من الشكاية للظلم
إن الكواكب ضقن بي / ذرعاً وآسيها سئم
ومن العجائب في الليا / لي والحوادث تستجم
شكوى الحيارى في الحيا / تِ إلى حيارى في السدم
لمن انتظاري في الظلا / مِ كأنَّ بي شبه اللمم
وتساؤلي في حالك / لا صوت فيه ولا قدم
وعلام إصغائي لعل / لَ خطاك هذي عن أمم
ليلي العشية مثل لي / لِي في غرامك من قدم
يا طالما أدنتكِ أو / هامٌ كواذب كالحلم
فلمحت صبحك في السوا / دِ وخلتُ روحكِ في النسم
وشفيت وهمي من رضا / كِ وربَّ ذي يأسٍ وهم
ورويت أذني من حدي / ثكِ وهو معبود النغم
وحرقت قلبي من سنا / كِ على جمالٍ يضطرم
كفراشةٍ حامت علَي / كِ وأيّ قلبٍ لَم يحم
لك حسن نوّار الخمي / لة طلَّ صبحاً فابتسم
لك نظرة الفجر الجَمي / لِ على الذوائبِ والقمم
لك طلعة البرءِ المرج / جَى بعد مستعصى السقم
لك كل ما أوفى على / قدر النهاية واستتم
فبأي قلبٍ أتقي / وبأي حصنٍ أعتصم
يا زائراً عجلان لَم / يطل اللقاء ولَم يقم
ودّعت ما أشبعت لي / روحي ولا نظري النهم
ومضيت عن دنيا خلَت / وجرت بنعمى لَم تتم
لم يبق من أثر اللقا / ءِ بها سوى عبقٍ ينم
وسؤال دمعك حين يس / ألني ومَن لي بالكلم
لِمَ يا أليفَ خواطري / غفت العيون ونحن لَم
وإلامَ تدفعنا الحوا / دث في عُبابٍ يلتطم
دَفَعت بمركبنا المقا / دِيرُ الخفية والقسم
خَرَجَت وما تدري الغَدا / ةَ بأي صخرٍ ترتَطِم
بدَأت عَلى ريح الرضا / والله يدري المختتم
بي ما تحسّ وفي فؤادك ما بي
بي ما تحسّ وفي فؤادك ما بي / فتَعال نبكِ أيا نجيَّ شبابي
تجري الدموع وأنتَ دَانٍ واصلٌ / كمسيلهن وأنتَ في الغيَّابِ
أنكرت بي ناري عشية لامَسَت / شفتاي مِنك أنامل العنابِ
وجرت يميني في غَزيرٍ حالكٍ / مسترسل كالجدول المنسابِ
وسألت ما صمتي وما إطراقتي / وعَلامَ ظلَّت حيرة المرتابِ
أقبل أذقني ما اليقين وهاته / خلواً من الآلام والأوصابِ
أقبل لأقسم في حياتي مرةً / إن الذي أُسقاه ليس بصابِ
لهفي على هذا اليقين وطعمه / بفمي وتكذيبي شهيَّ شرابي
من أنتَ من أي العوالم ساحرٌ / مستأثر بأعنة الألبابِ
حدَّثت نفسي إذ رأيتُكَ بادياً / وأطَلت تسآلي بغير جوابِ
ما يصنع الملك الطهور بعالَمٍ / فانٍ وأيَّامٍ كلمع سرابِ
ما يصنع الأبرار بالأرض التي / ساوت من الأبرار والأوشابِ
دوَّارةً أبدَ السنين كعهدِها / من ليل آثامٍ لصبح متابِ
تغلو الحياة بها إلى أن تنتهي / عند التراب رخيصة كترابِ
يا هيكل الحسن المبارَك ركنه / الساحر النور الطهور رحابِ
لا صدقَ إلا في لهيبك وحده / وجلاله الباقي على الأحقابِ
قدمتُ قرباني إليك بقية / من مهجة ضاعت على الأحبابِ
وأَذبتُ جوهَرهَا فدَاءَ نَوَاظِر / قُدسِيَّةٍ عُلويّةِ المحرابِ
يا رسمَ من أعطى الهوى
يا رسمَ من أعطى الهوى / مفتاحَ قلبي المقفلِ
في حبه فنيَ الصبا / وشباب أيامي بلي
يا ويح ما ضيعت في / هِ من قليل مخجلِ
ماضيَّ ضاع ولو قدر / ت لجدت بالمستقبلِ
يا رسم كم من ليلةٍ / أبكي وأستبكيك لي
حتى رجعتُ مخادعاً / ومَضيتُ جد مضلّلِ
أرنُو لدمعي بادياً / في وجهك المتهللِ
فإخال عينك هَزّها / شَكوى الغريب المهملِ
فَبَكَت وتلك دموعها / هَذِي تَسيل وذِي تَلي
عادت لطائرها الذي غَنّاهَا
عادت لطائرها الذي غَنّاهَا / وشَدَا فهاج حَنينها وشَجاهَا
أيُّ الحظوظ أعادها لوَفيِّها / ونجيّ وحدتها وإلف صباهَا
مشبوبة التحنان تكتم نارها / عبثاً وتأبَى أن يبين لظاهَا
يا إلفيَ المعبود سِرّك ذائع / نار الحنين دفينها أفشاهَا
ماذا لقينا من لقاءٍ خاطفٍ / وعشية كالبرق حان ضحاهَا
يا ويح هاتيك الثواني لَم تقف / حتَّى نسيغ هناءةً ذقناها
حتى يمتع باليقين مكذب / عينيه في رؤيا يضلّ سناهَا
تمضي لها الأبصار مُشعلة الهوى / وتحول عنها ما تُطيق لقاهَا
تخبو العواطف في الصدور وتنتَهي / ويَجف في زهر القلوب نداهَا
وأنا أحسّ اليومَ بدء علاقة / وعنيف ثورتها وحزّ مُدَاهَا
لم تَرو منكِ نواظري وخواطري / ورجعت أذكي مهجةً وشفاهَا
مدَّ الخريف على الرياض رواقه / ومضى الربيع الطلق ما يغشاها
ما بالرياض كآبةٌ في أرضها / وسحابة تغشى أديمَ سماهَا
جمدت حمائم أيكها وأنا الذي / شاكيتها فاغرورقت عيناهَا
كيف السبيلُ إلى شفاء صبابة / الدهر أجمع ما يبلُّ صداهَا
وإلى نسائم جنة سحرية / قرّحت أجفاني على مغناهَا
قضَّيتُ أيامي أضمّ خيالها / وأضعت أيامي أقول عساهَا
قل للذين بَكَوا على شوقي
قل للذين بَكَوا على شوقي / النادبين مصارع الشُّهبِ
والهفَتاهُ لمصر والشَّرق / ولدولة الأشعار والأدبِ
دنيا تَقَرُّ اليومَ في لحدٍ / وصحيفةٌ طُويت من المجدِ
ومُسافرٌ ماضٍ إلى الخلد / سَبَقَتهُ آلاءٌ بلا عَدِّ
هذا ثَرى مصرَ الكريمُ وكم / أكرمتَهُ وأشدتَ بالذكرِ
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فنم / في النور لا في ظُلمةِ القبرِ
كم من دفينٍ رحتَ تحييهِ / وبَعثتَهُ وكَففتَ غُربَتَهُ
فاحلل عليه مكرَّماً فيه / يا طالما قَدَّست تُربتَهُ
يا نازلَ الصحراء موحشةً / ريَّانةً بالصمت والعدمِ
سالت بها العبرات مجهشةً / وجَرت بها الأحزان من قدمِ
هذا طريق قد ألفناهُ / نمشي وراءَ مُشَيَّعٍ غالِ
كم من حبيب قد بكيناهُ / لم يُمحَ من خلدٍ ولا بالِ
وكأنَّ يومك في فجيعته / هو أول الأيامِ في الشَّجنِ
وكأنَّما الباكي بدمعتهِ / ما ذاق قبلك لوعةَ الحزنِ
فاذهب كما ذهب النهار مضى / قد شيَّعَته مدامعُ الشفق
واغرب كما غرب الشعاع قضى / رفّت عليه جوانح الغسق
ما كنت إلاَّ أمةً ذهَبت / والعبقريَّة أمَّةُ الأمَم
أو شُعلة أبصارنا خلبت / ومنارة نُصبَت على عَلَمِ
يا راقداً قد بات في مَثوىً / بَعُدَت به الدُّنيا وما بَعُدَا
أين النجوم أصوغ ما أهوى / شعراً كشعرك خالداً أبدَا
لكنَّ حزني لو علمت به / لم يُبقِ لي صبراً ولا جُهدَا
فاعذر إلى يومٍ نفيك به / حقَّ النبوغ ونذكر المجدَا
راحوا بأرواحٍ ظماء
راحوا بأرواحٍ ظماء / يتهافتون على الفناء
جفَّت حلوقٌ بعدهم / لم تلق دونهمُ رواء
واهاً لكأسٍ كالخُلو / دِ ومنهلٍ فيه الشفاء
كنَّا إذا ضجَّ الفؤا / دُ وضاق بالدنيا وناء
نَمضي إليه فنستَقي / ونَعُبُّ منه كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزا / رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتُمُ بُخلَ الضَّني / نِ فحسبُنا قَطراتُ ماء
أين الأمين على الإما / رة والحريصُ على اللواء
قبسٌ أضاء العالَمي / ن كما تُضيءُ لهم ذكاء
ثم اختفى خلف الغيو / ب مخلِّفاً ظُلم المساء
فكأنما هبة السّما / ءِ قد استردَّتها السَّماء
جزع الرياض لطائرٍ / غنَّى فأبدعَ في الغناء
حتى إذا خلب العقو / لَ وقيل سِحرٌ لا مراء
ولَّى عن الأيك الفخو / ر به إلى عرضِ الفضاء
فكأنَّه والسُّحّب تط / ويه فيمعن في الخفاء
دنيا من الأمل الجمي / لِ قد استبدَّ بها العَفاء
ووراءها شفقٌ من الذ / ذكرى كجرحٍ ذي دِماء
وتُسائل الدُّنيا التي / ناطت به كلَّ الرَّجاء
عن أي سرٍ طار عن / هَذي الرُّبى وعلام جاء
قُم يا فقيدَ الشعرِ وان / ظُر أيّ حفلٍ للرثاء
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها / بعضاً وهيهات العزاء
هذي الجموع الباكيا / تُ الساخطاتُ على القضاء
قاسمتها أشجانها / ووفيت ما شاءَ الوفاء
أوَ لَم تجدكَ لسانها الش / شاكي إذا احتدم البلاء
أوَ لَم تكن غِرّيدَها / ونديمها عند الصفاء
لم لا توفيك الجَمي / ل وتَستَقلّ لك الفداء
ومُنَعَّمٍ بين القصو / رِ قد استَتم له الثراء
ما بالهُ حملَ الهمو / مَ وجشَّم القلبَ العناء
وينوءُ بالعبءِ الذي / هو عن أذاه في غَناء
ويحَ الذكاءِ وما يُكل / لِفه من الثَّمنِ الذَّكاء
أضنى قواه ولم يدع / من جسمه إلا ذماء
والمجد يوغل في حنا / يا روحه والمجدُ داء
صرحٌ من الأدبِ الصمي / مِ له على الدنيا البقاء
الدَّهر يحمي ركنَه / والفنُّ في روح البناء
شوقي على رغم التفر / ردِ والتفوقِ والعلاء
ذاك الرقادُ بساحةٍ / كل الرجال بها سواء
وبرغم ذهن كالفرا / شة حول مصباح أضاء
مثواك لا تشكو السكو / نَ ولا تمل من الثواء
يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي
يا أيها الحملُ الوديعُ أنا الذي / يحنو عليك أنا الحبيب الراعي
كم ليلة والرعبُ يمشي في الدجى / والهول منتشر على الأصقاع
أغفيت في كنفي وفي ظل الكرى / كالطفل في أمنٍ مِنَ الأوجاع
يا ربِّ قد وهت العصا واستأثرت / غيرُ الليالي بالقويِّ الباع
فانظر إلى الحمل الوديع ووقّه / شر النفوس وفتنة الأطماع
نضّر له الدنيا ومدَّ ربيعها / وانشره مؤتلقا بكل شعاع
واجعل له الأيام ظلاً وارفاً / وخرير أنهارٍ وخصب مراعي
من شاطئ لشواطئ جدد
من شاطئ لشواطئ جدد / يرمي بنا ليل من الأبد
ما مرّ منه مضى فلم يعد / هيهات مرسى يومه لغد
سنة مضت وختامها حانا / والدهر فرّق شملنا أبدا
ناجِ البحيرة وحدك الآنا / واجلس بهذا الصخر منفردا
قل للبحيرة تذكرين وقد / سكن المساء ونحن باللج
لا صوت يسمع في الدنى لأحد / إلا صدى المجداف والموج
فإذا بصوت غير معتاد / هزّ السكون هتافه العذب
أصغى العباب ورجّع الوادي / أصداءه وتناجت السحب
يا دهر في رفق ولا تدر / ساعاته في هينة وقفي
حتى تتاح هناءة العمر / وتطول لذتها لمقتطف
هلا التفتَ لذلك الكون / وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنى / خل الممتع وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحن / يتنافسان الدهر إقلاعا
فبأي عدل أيها الزمن / تتشابه الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجب / وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقب / ونعيم عمر غير معتاض
ناج البحيرة والصخور وعد / فاستحلف الأغوار والغابا
قل صُن ذكر غرامنا فلقد / صين الشباب عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في / حاليك ثائرة وهادئة
في باسق للماء منعطف / في رائعات الصخر ناتئة
في عابر النسمات مرتجفاً / في النجم فضض صفحة الماء
في الريح أنّ أنينه وهفا / في الغصن نفّس حر أحشاء
في الجو معتبقاً بريّاكِ / خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي / سيقول يا أسفا لقد ذهبا
فيم الغدوّ غداً وأين رواحي
فيم الغدوّ غداً وأين رواحي / ويح الصباح لقد مضى بصباحي
عصفت علينا غير راحمة لنا / يا صفوة الأحباب أيّ رياح
عبثت بمعبود العيون وصيَّرت / كالورس لوناً توأم التفاح
ذهبوا به كالورد جافاه الندى / ومضوا به شبحاً من الأشباح
يا هاتفاً باسمي فديت منادياً / ردّ النداء عليه حرّ نواحي
يا آسي الآسي لممت جراحتي / وأسلت يوم نواك أيّ جراح
طأطأتُ للبين المشتت هامتي / وخفضت للقدر المغير جناحي
أيّ الليالي العاتيات سهرتها / في أيّ آلام وأيُّ كفاح
هدم الضنى العادي قويّ شكيمتي / وثنى معاندتي وردّ جماحي
وطغى على الملك الموسد بيننا / في لطف زنبقة وضعف أقاح
كيف المآب إلى مكان موحشٍ / متجهم العرصات قفر الساح
في كل ناحيةٍ خيالٌ هاتفٌ / ومذكر بجبينك الوضاح
وموسد كالطيف صاحٍ ليله / أمسيت أرعاه بجفنٍ صاح
عاد الشقي إلى قديم شقائه / ومحا من الدنيا السعادة ماحي
ويح الحياة اليوم أين جمالها / وعلامَ إخفاقي بها ونجاحي
أنت الذي وهب الحياة لميت / في الأرض منفرد بغير طماح
أشرقت في ظلمائها وغمامها / وطلعت مثل البارق اللماح
أدركت عندك يوميَ الموعودا
أدركت عندك يوميَ الموعودا / ولقيت فيك مثاليَ المنشودا
وافرحتي بك فرحة الطفل الذي / يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وافرحتي بك فرحة الطير الذي / ملأ الروابي المصغيات نشيدا
طربت لصدحته وصفق ظافراً / جذلان في عرض الفضاء سعيدا
في موكب من قلبه وحبيبه / من راح تحسبه العيون وحيدا
وافرحتي بك فرحة الضال الذي / يطوي القفار اللافحات شريدا
لاحت له بعد الهواجر أيكة / غنّاء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى / وأحالها روضاً أغر جديدا
شتى غرائبها وأعجبها فتى / يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكان على جمالك صبوة / يتنافسان ضراعه وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضباً / كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإيمان يغمر خاطري / كالفجر قد غمر السماء وئيدا
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين / علمنني الإيمان والتوحيدا
أقبل بموكبك الأغَر
أقبل بموكبك الأغَر / ما أظمأَ الأبصارَ لك
العين بعدك يا قمر / عمياءُ والدنيا حلَك
تمضي وراءَ سحابة / تحنو عليك وتلثُمك
وأنا رهين كآبة / بخواطري أتوهَّمك
كن حيث شئت فما أنا / إلا معنَّى بالمحال
أغدو لقدسك بالمنى / وأزور عرشك بالخيالِ
وأقول صبراً كلَّما / عزَّ الفكاك على الأسير
روحي وروحك ربما / طابا عناقاً في الأثير
مهما تسامى موضعُك / وعلا مكانك في الوجود
فأنا خيالك أتبعُك / ظمآن أرشف ما تجود
قمرَ الأماني يا قمر / إني بهمٍّ مسقمِ
أنت الشفاء المدَّخر / فاسكب ضياءك في دمي
أفرغ خلودك في الشباب / واخلع على قلبي الصفاء
أسفاً لعمر كالحباب / والكأس فائضة شقاء
خذني إليك ونجّني / مما أُعاني في الثرى
قدحي ترنَّق فاسقني / قدح الشعاع مطهّر
واهاً لأحلامٍ طوال / وأنا وأنتَ بمعزلِ
نَعلو على قمم الجبال / ونرى العوالم من عَلِ
وطنٌ دعا وفتى أجاب
وطنٌ دعا وفتى أجاب / بوركت يا عزم الشباب
يا فتية النيل المسا / لم والكريم بلا حساب
جناته مرآتكم / ولكم خلائقها العِذاب
ولكم جمال الزهرِ رف / فَ على الأماليد الرطاب
ولكم فؤاد النهر رق / على المحاني والشعاب
يمضي فيضحك للسهو / لِ ولا يضن على الهضاب
حتى إذا نادتكم ال / أوطان والوادي أهاب
حتى إذا طغت الكوا / رث واستفزكم العذاب
أصبحتم كالغيل تح / ميه الليوث بألف ناب
قل للشباب اليوم يو / مكم الأغر المستطاب
اليوم يبدو حبّ مِص / ر فلا خفاءَ ولا حِجاب
إن كان إثماً يا شبا / بُ فلا رجوع ولا متاب
الله ينظر والليا / لي عندها لكم الحساب
والعهد في القلب المصا / بر والأمانة في الرقاب
هاتوا الفدا الغالي لمص / ر وأرخوه كالتراب
المال والأرواح كل / ل ضحيةٍ ولها ثواب
اليوم يومك في الشباب فناد
اليوم يومك في الشباب فناد / لا نوم بعد ولا شهيُّ رقادِ
قل للذي يبغي الصلاح لقومه / بنبيل صنع أو شريف جهادِ
بالطب أو بالشعر أو بكليهما / كل الجهود فداء هذا الوادي
لا خير في قلم إذا هو لَم يكن / حراً طهوراً كالشعاع الهادي
لا خير في طب إذا هو لم يزر / ظلم الحياة كفرحة الأعيادِ
يا أيها الوطن الجريح وجرحه / بصميم كل حشاشة وفؤادِ
صبراً فنحن أساتك الرحماء في ال / بأساء قد جئنا بكل ضمادِ
قل للبناة المصلحين ألا اخلقوا / شم الذرى ورواسخ الأطواد
جيلاً من النشء القوي إذا مشوا / رفعوا الرؤوس بعزة وعنادِ
لا خير في الأرواح تسكن منزلاً / متهدماً رثاً من الأجسادِ
لا خير في الأرواح تسكن موطناً / متخاذلاً لا يرتجى لجلادِ
أبَكَت عيونكم الضعيف يصير في / ناب القوي فريسة استعبادِ
فتبينوا إذن الحقيقة واعلموا / أن الطبيعة هكذا من عادِ
الجو ملك النسر يغشاه على / ما يشتهي والغاب للآسادِ
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً / في ساحة مجموعة الأشهادِ
واخجلتا مما نقدمه إذا / حان الحساب وجاء يوم معادِ
أيّ الصحائف في غد وحسابكم / في ذمة الأبناء والأحفادِ
أيّ البلاد هو السعيد وأهله / يتنابذون تنابذ الأضدادِ
كل يعيش لنفسه في أمة / شقيت بطول تفرق الأفرادِ
فخذوا السبيل إلى الحياة تآلفاً / وتكاتفاً في رغبةٍ وودادِ
خير الصحائف ما كتبت سطوره / بيد الكفاح الحر لا بمدادِ
صونوا البلاد وأدركوا فلاَّحكم / كاد الحمى يغدو بغير عمادِ
حيران من مرضٍ إلى بؤس إلى / كربٍ تمر به بلا تعدادِ
هذي دياركم وذلك نيلكم / هبة السماء ومنحة الآبادِ
هذي دياركم وهذي شمسكم / طمع الغريب وحرقة الحسادِ
ومن المصائب في زمانك أن ترى / بلداً كثير مناهل الروادِ
والخير مدرار عليه وربه / جوعان محروم الرعاية صادِ
والزرع نضر في الحقول وأهله / يتهيأون لمنجل الحصادِ
هذا زمانكم وذا ميدانكم / ماذا بكم من عدة وعتادِ
نبغي شداد القوم قد شحذوا القرى / في ليل أحداث نزلن شدادِ
ونريد شباناً بمصر استعصموا / ومضوا يصدون الغريب العادي
ونريد أطفالاً إذا ما أُرضعوا / فرضاعهم وطنية بسهادِ
الطفل منهم مثل أمي أو أبي / شفتاه أول ما تقول بلادي
يُغذون في الأرحام حب بلادهم / لتكون مصراً صرخة الميلادِ
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ / مَن مُسعدي في ساعةِ التذكارِ
قُم يا أميرُ أفِض عليَّ خواطراً / وابعث خيالكَ في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياة فراشةً / غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أفق / واهتف بشعرك في شباب الدارِ
يا مَن دعا للحق في أوطانه / ومضى ليهتف في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها / نهبُ الخطوب قليلة الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاء البلى / والعيشُ رثٌ والسنونُ عوارِ
عامٌ مضى يا للزمان وطيّه / فينا ويا لسواخر الأقدارِ
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه / يا ما أقلَّ العامَ في الأعمارِ
أينَ الإمارة والأميرُ ودولةٌ / مبسوطةُ السلطان في الأمصارِ
خمسون عاماً وهي وارفةُ الجنى / تحت الربيع دؤوبة الأثمارِ
مَدّ الخريفُ على الرياض رواقَهُ / ومضى الربيعُ الضاحكُ النوّارِ
هيهات أنسى قبل بينك ساعةً / جمعت صحابَك في غروب نهار
والشمس في سقم الغروب وأنتَ في / لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحت وقد ذهبت شعاعاً غارباً / كسناك طوّافاً على السّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلّ في / طبي مقيلاً من وشيكِ عثارِ
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى / متهجماً في صَرحه المنهارِ
فرأيتُ ما صنع الضنى في صورةٍ / حالت وخلى هيكلاً كإطارِ
ووجمتُ ألمحُ في الغيوب نهايةً / وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمه / والعبقرية وهي في الإِدبارِ
أو لَم يكن لك من زمانك ذائداً / وثباتُ ذهنٍ ماردٍ جبارِ
أو لم يكن لكَ من حمامك عاصماً / ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ
وليت في إثر الذين رثيتهم / وأقمتَ فيهم مأتمَ الأشعارِ
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ / محتومة الأقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفقاً / فمضيتَ في متدفق التيارِ
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به / قيثارةٌ سحريةُ الأوتارِ
صدحت بألحان الحياة ووقعت / أنغامها المحجوبةَ الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً / منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ / شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعالياً حتى الأشعة مشرقاً / متالقاً كالكوكب السيَّارِ
شوقي نظمت فكنت برّاً خيِّراً / في أمة ظمأى إلى الأخيارِ
أرسلت شعرك في المدائن هادياً / شبهَ المنار يطوف بالأقطارِ
تدعو الى المجد القديم وغابرٍ / طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ
تدعو لمجدِ الشرق تجعل حبَّهُ / نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظارِ
تبكي العراقَ إذا استبيح ولا تضن / ن على الشآم بمدمع مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم / خرجوا لصون كرامة وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم / كفّاً مضرجةً مع الأحرارِ
ما زلتَ تبعث في قريضكَ ثاوياً / أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ شاعرٌ / ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ
فجلوتَ ما لم يشهدوا ورسمت ما / لَم يعهدوا من معجز الأفكارِ
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ / وجنانُهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابة واصفاً / مجنونَ ليلى في سحيق قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً / تلك العصور وطيفها المتواري
ويرى الحياة الحبَّ والحبَّ الحيا / ةَ هما شعارُ العيش أيُّ شعارِ
دينٌ وهذا اليومُ يومُ وفاءِ
دينٌ وهذا اليومُ يومُ وفاءِ / كم منَّةٍ للميت في الأحياءِ
إن لم يكن يُجزى الجزاءَ جميعه / فلعلّ في التذكار بعض جزاءِ
يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها / مستوحشاً في غربةٍ وتنائي
هل كنت قبلاً تستشفّ سكونها / وترى مقامك في العراء النائي
فأتيتَ والدنيا سرابٌ كلها / تروي حديثَ الحبّ في الصحراءِ
ووصفت قيساً في شديد بلائه / ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ
ظمآن حين الماء ليلى وحدَها / عزَّت عليه ولمَ تُتح لظماءِ
هيمان يضرب في الهواجر حالماً / بظلال تلك الجنة الفيحاءِ
فإذا غفا فلطيفها وإذا هفا / فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على / قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ
هي قصةُ الطيف الحزين وصورة ال / قلب الطعين مجللاً بدماءِ
هي قصة الدنيا وكم من آدم / منا له دمعٌ على حوّاءِ
كل به قيس إذا جنَّ الدجى / نزع الإِباءَ وباح بالبرحاءِ
فإذا تداركه النهارُ طوى المدا / معَ في الفؤاد وظُنَّ في السُّعداءِ
لا تعلم الدنيا بما في قلبه / من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاءِ
كلٌّ له ليلى ومن لم يَلقها / فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ
كلٌّ له ليلى يرى في حبها / سرّ الدٌّنى وحقيقةَ الأشياءِ
ويرى الأماني في سعير غرامها / ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ
الكونُ في إحسانها والعمرُ عِن / د حنانها والخلدٌ يومُ لقاءِ
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ / لم تُروَ إلا رُوِّحَت ببكاءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً / ممّا كساها سيدُ الشعراءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً / من جودة التمثيل والإلقاءِ
من فنّ زينبها ومن علامها / زين الشباب وقدوةِ النبغاءِ
عجباً لقلبٍ هيض منكَ جناحُهُ
عجباً لقلبٍ هيض منكَ جناحُهُ / وجرى به نصلُ الندامة يذبحُ
ومضى الحمامُ يدبُّ فيه فإن جرت / ذكراك طار إليك وهو مجنَّح
لهفي على الناقوس بين جوانحي / وعلى بقية هيكل لا تصلح
لا فرق بين أنينه ورنينه / وصداه في وادي المنية أوضح
يا قلب صهباء الهوى وبساطه / وكؤوسه المتجاوبات الصُّدَّح
وقفٌ على متنقلين على الهوى / يبغون من لذّاته ما يسنح
متبدِّلين موائداً وأحبةً / ما خاب من حب فآخر يفلح
فالحبُّ آسيه وراء عليله / فيهم وبلسمه على ما يجرح
يا قلبُ ويح ثباتنا ماذا جنى / أترى شعاعاً في البقية يُلمح
يا أيها الحبُّ المقدَّسُ هيكلاً / ذاق الردى من عابديك مسبح
كثرت ضحاياه وطال قيامه / وصيامه فمتى رضاءَك تمنح
يا دوحة الأرواح يُحمد عندها / فيءٌ ويعبد زهرها المتفتح
أينال ظلك والرعايةَ عابثٌ / بجلالك البادي وآخر يمزح
ويبيت يحرمه قتيل صبابةٍ / قضّى الحياة إلى ظلالك يطمح
ليلى حببتك كالحياة وذقتُ في / ناديك كأساً بالأماني تطفح
فتكسرت قدح المنى ورجعت من / سقم الهوى وهزاله أترنح
نزل الستار على الرواية وانقضت / تلك الفصول وفُضَّ ذاك المسرح
هل أنتِ سامعةٌ أنيني
هل أنتِ سامعةٌ أنيني / يا غايةَ القلب الحزين
يا قِبلة الحب الخفي / وكعبة الأمل الدفين
إني ذكرتك باكياً / والأفق مُغبر الجبينِ
والشمس تبدو وهي تغ / رب شبه دامعة العيون
أمسيت أرقبها على / صخر وموج البحر دوني
والبحر مجنون العبا / ب يهيج ثائره جنوني
ورضاكِ أنتِ وقايتي / فإذا غضبتِ فمَنَ يقيني