القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حافِظ إِبراهِيم الكل
المجموع : 73
لَم أَنسَ ما سالَت بِهِ
لَم أَنسَ ما سالَت بِهِ / مِن خاطِري تِلكَ المَقاطِر
لَم أَنسَ نَحتي لِاِصطِلا
لَم أَنسَ نَحتي لِاِصطِلا / حٍ دونَهُ نَحتُ المَحاجِر
قَضَّيتُ عَهدَ حَداثَتي
قَضَّيتُ عَهدَ حَداثَتي / ما بَينَ ذُلٍّ وَاِغتِراب
لَم يُغنِ عَنّي بَينَ مَش / رِقِها وَمَغرِبِها اِضطِراب
صَفِرَت يَدي فَحَوى لَها / رَأسي وَجَوفي وَالوِطاب
وَأَنا اِبنُ عَشرٍ لَيسَ في / طَوقي مُكافَحَةُ الصِعاب
لَم يَبقَ مِن أَهلي سِوى / ذِكرٍ تَناساهُ الصِحاب
أَمشي يُرَنِّحُني الأَسى / وَالبُؤسُ تَرنيحَ الشَراب
فَلَكَم ظَلِلتُ عَلى طَوىً / يَومي وَبِتُّ عَلى تَباب
وَالجوعُ فَرّاسٌ لَهُ / ظُفرٌ يَصولُ بِهِ وَناب
فَكَأَنَّهُ في مُهجَتي / نَصلٌ تَغَلغَلَ لِلنِصاب
وَلَكَم صَحِبتُ الأَبيَضَي / نِ فَأَبلَيا بُردَ الشَباب
فَإِذا ظَفِرتُ بِكِسرَةٍ / فَإِدامُها مِنّي لُعاب
وَعَلَيَّ طِمرٌ لَو هَفَت / ريحُ الشَمالِ بِهِ لَذاب
فَخُروقُهُ وَمَصائِبي / في العَدِّ يُخطِئُها الحِساب
ما زِلتُ أوسِعُ مِحنَتي / صَبراً وَأَحتَمِلُ العَذاب
حَتّى تَنَفَّسَ صُبحُ إِق / بالي وَنَجمُ النَحسِ غاب
وَلِكُلِّ سَيفٍ مُصلَتٍ / لِحَوادِثِ الدُنيا قِراب
وَالعَيشُ في إِقبالِهِ / شَهدٌ وَفي الإِدبارِ صاب
فَتَلَقَّفَتني فِتيَةٌ / رُحبُ الشَمائِلِ وَالجَناب
مَهَدوا لِأَنفُسِهِم بِما / صَنَعوهُ زُلفى وَاِحتِساب
وَعَدَوا إِلى الحُسنى كَما / تَعدو المُطَهَّمَةُ العِراب
كَم أُسرَةٍ ضاقَ الرَجا / ءُ بِها وَأَعياها الطِلاب
دَقّوا عَلَيها بابَها / وَاللَيلُ مَسدولُ النِقاب
وَتَعاهَدوها مِثلَما / يَتَعاهَدُ النَبتَ السَحاب
وَجَمالُ صُنعِ البِرِّ أَل / لا يُستَشَفَّ لَهُ حِجاب
فَتَحوا المَدارِسَ حِسبَةً / وَتَنَظَّروا حُسنَ المَآب
فيها تَبَيَّنتُ الهُدى / وَقَرَأتُ فاتِحَةَ الكِتاب
وَبِها صَدَفتُ عَنِ الضَلا / لَةِ وَاِهتَدَيتُ إِلى الصَواب
وَغَدَوتُ إِنساناً تُجَم / مِلُهُ الفَضائِلُ لا الثِياب
مُتَبَصِّراً ذا فِطنَةٍ / تَنفي القُشورَ عَنِ اللُباب
جَمعِيَّةٌ خَيرِيَّةٌ / قامَت لِتَخفيفِ المُصاب
قَد كانَ فيها عَبدُهُ / غَوثاً يُلَبّي مَن أَهاب
لَم يَدعُ مِسماحاً إِلى / إِنعاشِها إِلّا أَجاب
ما غابَ عَنها مَرَّةً / حَتّى تَغَيَّبَ في التُراب
وَلِعاصِمٍ أَثَرٌ بِها / باقٍ وَذِكرٌ مُستَطاب
قَد كانَ يَحميها كَما / تَحمي مَجاثِمَها العُقاب
ثَبَتَت وَكانَ ثَباتُها / يَدعو إِلى العَجَبِ العُجاب
وَالشَرقُ أَورَثَ أَهلَهُ / حُبَّ التَقَلُّبِ وَالخِلاب
فينا عَلى كَرَمِ الطِبا / عِ وَنُبلِها طَبعٌ يُعاب
داءُ التَواكُلِ وَهوَ في ال / عُمرانِ داعِيَةُ الخَراب
ثَبَتَت لِأَنَّ لَها إِلى / أَعتابِ مَولانا اِنتِساب
لَولا حُسَينٌ لَم تَدُم / إِلّا كَما دامَ الحَباب
اللَهُ أَدرَكَها بِهِ / بَحراً مَوارِدُهُ عِذاب
يا واهِبَ الآلافِ كَم / طَوَّقتَ بِالمِنَنِ الرِقاب
لَكَ ساحَةٌ عَلَوِيَّةٌ / ما أَمَّها أَمَلٌ وَخاب
مَهَّدتَ لِلأَخيارِ مَي / دانَ السِباقِ إِلى الثَواب
لا زِلتَ في القُطرَينِ مَح / روسَ الأَريكَةِ وَالرِكاب
كَم وارِثٍ غَضِّ الشَبابِ رَمَيتِهِ
كَم وارِثٍ غَضِّ الشَبابِ رَمَيتِهِ / بِغَرامِ راقِصَةٍ وَحُبِّ هَلوكِ
أَلبَستِهِ الثَوبَينِ في حالَيهِما / تيهَ الغَنِيِّ وَذِلَّةِ المَفلوكِ
أَحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ
أَحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ / وَبِأَلفِ أَلفٍ تُرزَقُ الأَمواتُ
مَن لي بِحَظِّ النائِمينَ بِحُفرَةٍ / قامَت عَلى أَحجارِها الصَلَواتُ
يَسعى الأَنامُ لَها وَيَجري حَولَها / بَحرُ النُذورِ وَتُقرَأُ الآياتُ
وَيُقالُ هَذا القُطبُ بابُ المُصطَفى / وَوَسيلَةٌ تُقضى بِها الحاجاتُ
أَخشى مُرَبِّيَتي إِذا
أَخشى مُرَبِّيَتي إِذا / طَلَعَ النَهارُ وَأَفزَعُ
وَأَظَلُّ بَينَ صَواحِبي / لِعِقابِها أَتَوَقَّعُ
لا الدَمعُ يَشفَعُ لي وَلا / طولُ التَضَرُّعِ يَنفَعُ
وَأَخافُ والِدَتي إِذا / جَنَّ الظَلامُ وَأَجزَعُ
وَأَبيتُ أَرتَقِبُ الجَزا / ءَ وَأَعيُني لا تَهجَعُ
ما ضَرَّني لَو كُنتُ أَس / تَمِعُ الكَلامَ وَأَخضَعُ
ما ضَرَّني لَو صُنتُ أَث / وابي فَلا تَتَقَطَّعُ
وَحَفِظتُ أَوراقي بِمَح / فَظَتي فَلا تَتَوَزَّعُ
فَأَعيشُ آمِنَةً وَأَم / رَعُ في الهَناءِ وَأَرتَعُ
قَصرَ الدُبارَةِ هَل أَتاكَ حَديثُنا
قَصرَ الدُبارَةِ هَل أَتاكَ حَديثُنا / فَالشَرقُ ريعَ لَهُ وَضَجَّ المَغرِبُ
أَهلاً بِساكِنِكَ الكَريمِ وَمَرحَباً / بَعدَ التَحِيَّةِ إِنَّني أَتَعَتَّبُ
نَقَلَت لَنا الأَسلاكُ عَنكَ رِسالَةً / باتَت لَها أَحشاؤُنا تَتَلَهَّبُ
ماذا أَقولُ وَأَنتَ أَصدَقُ ناقِلٍ / عَنّا وَلَكِنَّ السِياسَة تَكذِبُ
عَلَّمتَنا مَعنى الحَياةِ فَما لَنا / لا نَشرَئِبُّ لَها وَما لَكَ تَغضَبُ
أَنَقِمتَ مِنّا أَن نُحِسَّ وَإِنَّما / هَذا الَّذي تَدعو إِلَيهِ وَتَندُبُ
أَنتَ الَّذي يُعزى إِلَيهِ صَلاحُنا / فيما تُقَرِّرُهُ لَدَيكَ وَتَكتُبُ
إِن ضاقَ صَدرُ النيلِ عَمّا هالَهُ / يَومَ الحَمامِ فَإِنَّ صَدرَكَ أَرحَبُ
أَوَ كُلَّما باحَ الحَزينُ بِأَنَّةٍ / أَمسَت إِلى مَعنى التَعَصُّبِ تُنسَبُ
رِفقاً عَميدَ الدَولَتَينِ بِأُمَّةٍ / ضاقَ الرَجاءُ بِها وَضاقَ المَذهَبُ
رِفقاً عَميدَ الدَولَتَينِ بِأُمَّةٍ / لَيسَت بِغَيرِ وَلائِها تَتَعَذَّبُ
إِن أَرهَقوا صَيّادَكُم فَلَعَلَّهُم / لِلقوتِ لا لِلمُسلِمينَ تَعَصَّبوا
وَلَرُبَّما ضَنَّ الفَقيرُ بِقوتِهِ / وَسَخا بِمُهجَتِهِ عَلى مَن يَغصِبُ
في دِنشِوايَ وَأَنتَ عَنّا غائِبٌ / لَعِبَ القَضاءُ بِنا وَعَزَّ المَهرَبُ
حَسِبوا النُفوسَ مِنَ الحَمامِ بَديلَةً / فَتَسابَقوا في صَيدِهِنَّ وَصَوَّبوا
نُكِبوا وَأَقفَرَتِ المَنازِلُ بَعدَهُم / لَو كُنتَ حاضِرَ أَمرِهِم لَم يُنكَبوا
خَلَّيتَهُم وَالقاسِطونَ بِمَرصَدٍ / وَسِياطُهُم وَحِبالُهُم تَتَأَهَّبُ
جُلِدوا وَلَو مَنَّيتَهُم لَتَعَلَّقوا / بِحِبالِ مَن شُنِقوا وَلَم يَتَهَيَّبوا
شُنِقوا وَلَو مُنِحوا الخِيارَ لَأَهَّلوا / بِلَظى سِياطِ الجالِدينَ وَرَحَّبوا
يَتَحاسَدونَ عَلى المَماتِ وَكَأسُهُ / بَينَ الشِفاهِ وَطَعمُهُ لا يَعذُبُ
مَوتانِ هَذا عاجِلٌ مُتَنَمِّرٌ / يَرنو وَهَذا آجِلٌ يَتَرَقَّبُ
وَالمُستَشارُ مُكاثِرٌ بِرِجالِهِ / وَمُعاجِزٌ وَمُناجِزٌ وَمُحَزِّبُ
يَختالُ في أَنحائِها مُتَبَسِّماً / وَالدَمعُ حَولَ رِكابِهِ يَتَصَبَّبُ
طاحوا بِأَربَعَةٍ فَأَردَوا خامِساً / هُوَ خَيرُ ما يَرجو العَميدُ وَيَطلُبُ
حُبٌّ يُحاوِلُ غَرسَهُ في أَنفُسٍ / يُجنى بِمَغرِسِها الثَناءُ الطَيِّبُ
كُن كَيفَ شِئتَ وَلا تَكِل أَرواحَنا / لِلمُستَشارِ فَإِنَّ عَدلَكَ أَخصَبُ
وَأَفِض عَلى بُندٍ إِذا وَلِيَ القَضا / رِفقاً يَهَشُّ لَهُ القَضاءُ وَيَطرَبُ
قَد كانَ حَولَكَ مِن رِجالِكَ نُخبَةٌ / ساسوا الأُمورَ فَدَرَّبوا وَتَدَرَّبوا
أَقصَيتَهُم عَنّا وَجِئتَ بِفِتيَةٍ / طاشَ الشَبابُ بِهِم وَطارَ المَنصِبُ
فَاِجعَل شِعارَكَ رَحمَةً وَمَوَدَّةً / إِنَّ القُلوبَ مَعَ المَوَدَّةِ تُكسَبُ
وَإِذا سُئِلتَ عَنِ الكِنانَةِ قُل لَهُم / هِيَ أُمَّةٌ تَلهو وَشَعبٌ يَلعَبُ
وَاِستَبقِ غَفلَتَها وَنَم عَنها تَنَم / فَالناسُ أَمثالُ الحَوادِثِ قُلَّبُ
لي فيكَ حينَ بَدا سَناكَ وَأَشرَقا
لي فيكَ حينَ بَدا سَناكَ وَأَشرَقا / أَمَلٌ سَأَلتُ اللَهَ أَن يَتَحَقَّقا
أَشرِق عَلَينا بِالسُعودِ وَلا تَكُن / كَأَخيكَ مَشئومَ المَنازِلِ أَخرَقا
قَد كانَ جَرّاحَ النُفوسِ فِداوِها / مِمّا بِها وَكُنِ الطَبيبَ مُوَفَّقا
هَلَّلتُ حينَ لَمَحتُ نورَ جَبينِهِ / وَرَجَوتُ فيهِ الخَيرَ حينَ تَأَلَّقا
وَهَزَزتُهُ بِقَصيدَةٍ لَو أَنَّها / تُلِيَت عَلى الصَخرِ الأَصَمِّ لَأَغدَقا
فَنَأى بِجانِبِهِ وَخَصَّ بِنَحسِهِ / مِصراً وَأَسرَفَ في النُحوسِ وَأَغرَقا
لَو كُنتُ أَعلَمُ ما يُخَبِّئُهُ لَنا / لَسَأَلتُ رَبّي ضارِعاً أَن يُمحَقا
أَولى الأَعاجِمَ مِنَّةً مَذكورَةً / وَأَعادَ لِلأَتراكِ ذاكَ الرَونَقا
وَتَغَيَّرَت فيهِ الخُطوبُ بِفارِسٍ / حَتّى رَأَيتُ الشاهَ يَخشى البَيدَقا
وَأَدالَ مِن عَبدِ الحَميدِ لِشَعبِهِ / فَهَوى وَحاوَلَ أَن يَعودَ فَأَخفَقا
أَمسى يُبالي حارِساً مِن جُندِهِ / وَلَقَد يَكونُ وَما يُبالي الفَيلَقا
وَرَمى عَلى أَرضِ الكِنانَةِ جِرمَهُ / بِالنازِلاتِ السودِ حَتّى أَرهَقا
حَصَدَت مَناجِلُهُ غِراسَ رَجائِنا / وَلَو أَنَّها أَبقَت عَلَيهِ لَأَورَقا
فَتَقَيَّدَت فيهِ الصِحافَةُ عَنوَةً / وَمَشى الهَوى بَينَ الرَعِيَّةِ مُطلَقا
وَأَتى يُساوِمُ في القَناةِ خَديعَةً / وَلَوَ اِنَّها تَمَّت لَتَمَّ بِها الشَقا
إِنَّ البَلِيَّةَ أَن تُباعَ وَتُشتَرى / مِصرٌ وَما فيها وَأَلّا تَنطِقا
كانَت تُواسينا عَلى آلامِنا / صُحُفٌ إِذا نَزَلَ البَلاءُ وَأَطبَقا
فَإِذا دَعَوتُ الدَمعَ فَاِستَعصى بَكَت / عَنّا أَسىً حَتّى تَغَصَّ وَتَشرَقا
كانَت لَنا يَومَ الشَدائِدِ أَسهُماً / نَرمي بِها وَسَوابِقاً يَومَ اللِقا
كانَت صِماماً لِلنُفوسِ إِذا غَلَت / فيها الهُمومُ وَأَوشَكَت أَن تَزهَقا
كَم نَفَّسَت عَن صَدرِ حُرٍّ واجِدٍ / لَولا الصِمامُ مِنَ الأَسى لَتَمَزَّقا
ما لي أَنوحُ عَلى الصِحافَةِ جازِعاً / ماذا أَلَمَّ بِها وَماذا أَحدَقا
قَصّوا حَواشِيَها وَظَنّوا أَنَّهُم / أَمِنوا صَواعِقَها فَكانَت أَصعَقا
وَأَتَوا بِحاذِقِهِم يَكيدُ لَها بِما / يَثني عَزائِمَها فَكانَت أَحذَقا
أَهلاً بِنابِتَةِ البِلادِ وَمَرحَباً / جَدَّدتُمُ العَهدَ الَّذي قَد أَخلَقا
لا تَيأَسوا أَن تَستَرِدّوا مَجدَكُم / فَلَرُبَّ مَغلوبٍ هَوى ثُمَّ اِرتَقى
مَدَّت لَهُ الآمالُ مِن أَفلاكِها / خَيطَ الرَجاءِ إِلى العُلا فَتَسَلَّقا
فَتَجَشَّموا لِلمَجدِ كُلَّ عَظيمَةٍ / إِنّي رَأَيتُ المَجدَ صَعبَ المُرتَقى
مَن رامَ وَصلَ الشَمسِ حاكَ خُيوطَها / سَبَباً إِلى آمالِهِ وَتَعَلَّقا
عارٌ عَلى اِبنِ النيلِ سَبّاقِ الوَرى / مَهما تَقَلَّبَ دَهرُهُ أَن يُسبَقا
أَوَ كُلَّما قالوا تَجَمَّعَ شَملُهُم / لَعِبَ الشِقاقُ بِجَمعِنا فَتَفَرَّقا
فَتَدَفَّقوا حُجَجاً وَحوطوا نيلَكُم / فَلَكَم أَفاضَ عَلَيكُمُ وَتَدَفَّقا
حَمَلوا عَلَينا بِالزَمانِ وَصَرفِهِ / فَتَأَنَّقوا في سَلبِنا وَتَأَنَّقا
هَزّوا مَغارِبَها فَهابَت بَأسَهُم / يا وَيلَكُم إِن لَم تَهُزّوا المَشرِقا
فَتَعَلَّموا فَالعِلمُ مِفتاحُ العُلا / لَم يُبقِ باباً لِلسَعادَةِ مُغلَقا
ثُمَّ اِستَمَدّوا مِنهُ كُلَّ قِواكُمُ / إِنَّ القَوِيَّ بِكُلِّ أَرضٍ يُتَّقى
وَاِبنوا حَوالَي حَوضِكُم مِن يَقظَةٍ / سوراً وَخُطّوا مِن حِذارٍ خَندَقا
وَزِنوا الكَلامَ وَسَدِّدوهُ فَإِنَّهُم / خَبَؤوا لَكُم في كُلِّ حَرفٍ مَزلَقا
وَاِمشوا عَلى حَذَرٍ فَإِنَّ طَريقَكُم / وَعرٌ أَطافَ بِهِ الهَلاكُ وَحَلَّقا
نَصَبوا لَكُم فيهِ الفِخاخَ وَأَرصَدوا / لِلسالِكينَ بِكُلِّ فَجٍّ مَوبِقا
المَوتُ في غِشيانِهِ وَطُروقِهِ / وَالمَوتُ كُلُّ المَوتِ أَلّا يُطرَقا
فَتَحَيَّنوا فُرَصَ الحَياةِ كَثيرَةً / وَتَعَجَّلوها بِالعَزائِمِ وَالرُقى
أَو فَاِخلُقوها قادِرينَ فَإِنَّما / فُرَصُ الحَياةِ خَليقَةٌ أَن تُخلَقا
وَتَفَيَّئوا ظِلَّ الأَريكَةِ وَاِقصِدوا / مَلِكاً بِأُمَّتِهِ أَبَرَّ وَأَرفَقا
لا زالَ تاجُ المُلكِ فَوقَ جَبينِهِ / تَحتَ الهِلالِ يَزينُ ذاكَ المَفرِقا
أَهلاً بِأَوَّلِ مُسلِمٍ
أَهلاً بِأَوَّلِ مُسلِمٍ / في المَشرِقَينِ عَلا وَطار
النيلُ وَالبُسفورُ في / كَ تَجاذَبا ذَيلَ الفَخار
يَومَ اِمتَطَيتَ بُراقَكَ ال / مَيمونَ وَاِجتَزتَ القِفار
تَلهو وَتَعبَثُ بِالرِيا / حِ عَلى المَفاوِزِ وَالبِحارِ
لَو سابَقَتكَ سَوابِقُ ال / أَفكارِ أَدرَكَها العِثار
حَسَدَتكَ في الأُفُقِ البُرو / قُ وَغارَ في الأَرضِ البُخار
تَجري بِسابِحَةٍ تَشُق / قُ سَبيلَها شَقَّ الإِزار
وَتَكادُ تَقدَحُ في الأَثي / رِ فَيَستَحيلُ إِلى شَرار
مِثلَ الشِهابِ اِنقَضَّ في / آثارِ عِفريتٍ وَثار
فَإِذا عَلَت فَكَدَعوَةِ ال / مُضطَرِّ تَختَرِقُ السِتار
وَإِذا هَوَت فَكَما هَوَت / أُنثى العُقابِ عَلى الهَزاز
وَتُسِفُّ آوِنَةً وَآ / وِنَةً يَحيدُ بِها اِزوِرار
فَيَخالُها الراؤونَ قَد / قَرَّت وَلَيسَ بِها قَرار
لَعِبَ الجَوادُ أَقَلَّ لَي / ثاً مِن قُضاعَةَ أَو نِزار
أَو كَاللَعوبِ مِنَ الحَما / ئِمِ فَوقَ مَلعَبِهِ اِستَطار
وَكَأَنَّها في الأُفقِ حي / نَ يَميلُ ميزانُ النَهار
وَالشَمسُ تُلقي فَوقَها / حُلَلَ اِحمِرارٍ وَاِصفِرار
مَلِكٌ تُمَثِّلُهُ لَنا ال / سيما فَيَأخُذُنا اِنبِهار
فَتحي بِرَبِّكَ ما رَأَي / تَ بِذَلِكَ الفَلَكِ المُدار
أَبَلَغتَ تَسبيحَ المَلا / ئِكِ أَو دَنَوتَ مِنَ السِرار
أَم خِفتَ تِلكَ الراصِدا / تِ هُناكَ مِن شُهُبٍ وَنار
أَرَأَيتَ سُكّانَ النُجو / مِ وَأَنتَ في ذاكَ الجِوار
أَهُناكَ في المِرّيخِ ما / في الأَرضِ مِن عِلَلِ الشِجار
أَهُناكَ يَستَعدي الضَعي / فُ عَلى القَوِيِّ فَلا يُجار
ما لِاِبنِ آدَمَ زادَ في / غُلَوائِهِ فَطَغى وَجار
يا لَيتَ شِعري هَل لَهُ / في عالَمِ المَلَكوتِ ثار
أَم لاذَ مُعتَصِماً بِكُر / سِيِّ المُهَيمِنِ وَاِستَجار
فَاِستَلَّ مِن قَلبِ الجَما / دِ الصُلبِ أَجنِحَةً وَطار
وَتَسَلَّقَ الأَجواءَ مُم / تَطِياً عَواصِفَها وَسار
يَرجو النَجاءَ مِنَ المَظا / لِمِ وَالمَغارِمِ وَالدَمار
يا أَيُّها الطَيّارُ طِر / فَإِذا بَلَغتَ مَدى المَطار
فَزُرِ السُها وَالفَرقَدَي / نِ إِذا أُتيحَ لَكَ المَزار
وَسَلِ النُجومَ عَنِ الحَيا / ةِ فَفي السُؤالِ لَكَ اِعتِبار
هُم يُنبِئونَكَ أَنَّ كُل / لَ الكائِناتِ إِلى بَوار
وَالظُلمُ مِن طَبعِ النِظا / مِ فَإِن ظُلِمتَ فَلا تُمار
إِنَّ الَّذي بَرَأَ السَدي / مَ هُوَ الَّذي بَرَأَ الغُبار
في العالَمِ العُلوِيِّ وَال / سُفلِيِّ أَحكامٌ تُدار
خُلِقَ الضَعيفُ لِخِدمَةِ ال / أَقوى وَلَيسَ لَهُ خِيار
فَتَقَوَّ يَرهَبكَ القَوِي / يُ وَهُن يُلازِمكَ الصَغار
في الأَرضِ ما تَبغونَ مِن / عِزٍّ وَآمالٍ كِبار
فيها الحَديدُ وَفيهِ بَأ / سٌ يَومَ يُمتَهَنُ الذِمار
فيها الكُنوزُ الحافِلا / تُ لِمَن تَبَصَّرَ وَاِستَنار
مِنها اِستَمَدَّ قُواهُ مَن / قَهَرَ المَمالِكِ وَاِستَعار
وَبِما اِحتَوَت رَدَّ الحَصي / فُ الرَأيِ غارَةَ مَن أَغار
في ذِمَّةِ الآفاقِ سِر / وَاِرجِع إِلى تِلكَ الدِيار
وَاِجعَل تَحِيَّتَنا إِلى / بَلَدٍ بِهِ لِلمُلكِ دار
دارٌ عَلَيها لِلخِلا / فَةِ وَالهُدى رُفِعَ المَنار
دارُ الغُزاةِ الفاتِحي / نَ الصَفوَةِ الغُرِّ الخِيار
في كُلِّ حاضِرَةٍ لَهُم / غَزوٌ فَفَتحٌ فَاِنتِصار
ضَرَبوا الزَمانَ بِسَوطِ عِز / زَتِهِم فَلانَ لَهُم فَدار
يَمشونَ في غابِ القَنا / مَشيَ المُرَنَّحِ بِالعُقار
مِن كُلِّ أَروَعَ فاتِكٍ / لا يَستَشيرُ سِوى الغِرار
ذي مِرَّةٍ تُشجيهِ ذا / تُ النَقعِ لا ذاتُ الخِمار
يَغشى المَعامِعَ ضارِباً / بِحَياتِهِ ضَربَ القِمار
لا يَنثَني أَو تَخرُجَ ال / أَجرامُ عَن فَلَكِ المَدار
عَبَسَت لَهُم أَيّامُهُم / وَالعَبسُ يَعقُبُهُ اِفتِرار
ما عابَهُم أَنَّ الصُعو / دَ يَليهِ في الدَهرِ اِنحِدار
فَلِكُلِّ غادٍ رَوحَةٌ / وَلِكُلِّ وُضّاءٍ سِرار
وَلَسَوفَ يَعلو نَجمُهُم / وَيَسودُ ذَيّاكَ الشِعار
أَي مَكمَهونُ قَدِمتَ بِال
أَي مَكمَهونُ قَدِمتَ بِال / قَصدِ الحَميدِ وَبِالرِعايَه
ماذا حَمَلتَ لَنا عَنِ ال / مَلِكِ الكَبيرِ وَعَن غِرايَه
أَوضِح لِمِصرَ الفَرقَ ما / بَينَ السِيادَةِ وَالحِمايَه
وَأَزِل شُكوكاً بِالنُفو / سِ تَعَلَّقَت مُنذُ البِدايَه
وَدَعِ الوُعودَ فَإِنَّها / فيما مَضى كانَت رِوايَه
أَضحَت رُبوعُ النيلِ سَل / طَنَةً وَقَد كانَت وِلايَه
فَتَعَهَّدوها بِالصَلا / حِ وَأَحسِنوا فيها الوِصايَه
إِنّا لَنَشكو واثِقي / نَ بِعَدلِ مَن يُشكي الشِكايَه
نَرجو حَياةً حُرَّةً / مَضمونَةً في ظِلِّ رايَه
وَنَرومُ تَعليماً يَكو / نُ لَهُ مِنَ الفَوضى وِقايَه
وَنَوَدُّ أَلّا تَسمَعوا / فينا السِعايَةَ وَالوِشايَه
أَنتُم أَطِبّاءُ الشُعو / بِ وَأَنبَلُ الأَقوامِ غايَه
أَنّى حَلَلتُم في البِلا / دِ لَكُم مِنَ الإِصلاحِ آيَه
رَسَخَت بِنايَةُ مَجدِكُم / فَوقَ الرَوِيَّةِ وَالهِدايَه
وَعَدَلتُمُ فَمَلَكتُمُ ال / دُنيا وَفي العَدلِ الكِفايَه
إِن تَنصُروا المُستَضعَفي / نَ فَنَحنُ أَضعَفُهُم نِكايَه
أَو تَعمَلوا لِصَلاحِنا / فَتَدارَكوهُ إِلى النِهايَه
إِنّا بَلَغنا رُشدَنا / وَالرُشدُ تَسبِقُهُ الغَوايَه
لا تَأخُذونا بِالكَلا / مِ فَلَيسَ في الشَكوى جِنايَه
هَذا حُسَينٌ فَوقَ عَر / شِ النيلِ تَحرُسُهُ العِنايَه
هُوَ خَيرُ مَن يَبني لَنا / فَدَعوهُ يَنهَضُ بِالبِنايَه
لِلَّهِ آثارٌ هُناكَ كَريمَةٌ
لِلَّهِ آثارٌ هُناكَ كَريمَةٌ / حَسَدَت رَوائِعَ حُسنِها بِرلينُ
طاحَت بِها تِلكَ المَدافِعُ تارَةً / لَمّا أَمَرتَ وَتارَةً زِبلينُ
ماذا رَأَيتُ مِنَ النَبالَةِ وَالعُلا / في عُدمِهِنَّ وَكُلُّهُنَّ عُيونُ
لَو أَنَّ في بِرلينَ عِندَكَ مِثلَها / لَعَرَفتَ كَيفَ تُجِلُّها وَتَصونُ
إِن كُنتَ أَنتَ هَدَمتَ رِمسَ فَإِنَّهُ / أَودى بِمَجدِكَ رُكنُها المَوهونُ
لَم يُغنِ عَنها مَعبَدٌ خَرَّبتَهُ / ظُلماً وَلَم يُمسِك عِنانَكَ دينُ
لا تَحسَبَنَّ الفَخرَ ما أَحرَزتَهُ / الفَخرُ بِالذِكرِ الجَميلِ رَهينُ
هَل شِدتَ في بِرلينَ غَيرَ مُعَسكَرٍ / قامَت عَلَيهِ مَعاقِلٌ وَحُصونُ
وَجَمَعتَ شَعبَكَ كُلَّهُ في قَبضَةٍ / إِن لَم تَكُن لانَت فَسَوفَ تَلينُ
نَظَمَت تِجارَتُكَ المَدائِنَ وَالقُرى / فَالنيلُ ناءَ بِها وَناءَ السينُ
فَبِكُلِّ أَرضٍ مِن رِجالِكَ عُصبَةٌ / وَبِكُلِّ بَحرٍ مِن لَدُنكَ سَفينُ
تَسري وَنَسرُكَ أَينَ لُحنَ يُظِلُّها / لا اللَيثُ يُزعِجُها وَلا التِنّينُ
فَالأَمرُ أَمرُكَ وَالمُهَنَّدُ مُغمَدٌ / وَالنَهيُ نَهيُكَ وَالسُرى مَأمونُ
قَد كانَ في بِرلينَ شَعبُكَ وادِعاً / يَستَعمِرُ الأَسواقَ وَهيَ سُكونُ
فُتِحَت لَهُ أَبوابُها فَسَبيلُها / وَقفٌ عَلَيهِ وَرِزقُهُ مَضمونُ
فَعَلامَ أَرهَقتَ الوَرى وَأَثَرتَها / شَعواءَ فيها لِلهَلاكِ فُنونُ
تَاللَهِ لَو نُصِرَت جُيوشُكَ لِاِنطَوى / أَجَلُ السَلامِ وَأَقفَرَ المَسكونُ
سَبعونَ مِليوناً إِذا وَزَّعتَها / بَينَ الحَواضِرِ نالَنا مِليونُ
وَيلٌ لِمَن يَستَعمِرونَ بِلادَهُ / القَحطُ أَيسَرُ خَطبِهِ وَالهونُ
أَكثَرتَ مِن ذِكرِ الإِلَهِ تَوَرُّعاً / وَزَعَمتَ أَنَّكَ مُرسَلٌ وَأَمينُ
عَجَباً أَتَذكُرُهُ وَتَملَأُ كَونَهُ / وَيلاً لِيَنعَمَ شَعبُكَ المَغبونُ
وَكَذَلِكَ القَصّابُ يَذكُرُ رَبَّهُ / وَالنَصلُ في عُنُقِ الذَبيحِ دَفينُ
لاهُمَّ إِنَّ الغَربَ أَصبَحَ شُعلَةً
لاهُمَّ إِنَّ الغَربَ أَصبَحَ شُعلَةً / مِن هَولِها أُمُّ الصَواعِقِ تَفرَقُ
العِلمُ يُذكي نارَها وَتُثيرُها / مَدَنِيَّةٌ خَرقاءُ لا تَتَرَفَّقُ
وَلَقَد حَسِبتُ العِلمَ فينا نِعمَةً / تَأسو الضَعيفَ وَرَحمَةً تَتَدَفَّقُ
فَإِذا بِنِعمَتِهِ بَلاءٌ مُرهِقٌ / وَإِذا بِرَحمَتِهِ قَضاءٌ مُطبِقُ
عَجِزَ الرُماةُ عَنِ الرُماةِ فَأَرسَلوا / كِسَفاً يَموجُ بِها دُخانٌ يَخنُقُ
تَتَعَوَّذُ الآفاقُ مِنهُ وَتَنثَني / عَنهُ الرِياحُ وَيَتَّقيهِ الفَيلَقُ
وَتَنابَلوا بِالكيمِياءِ فَأَسرَفوا / وَتَساجَلوا بِالكَهرُباءِ فَأَغرَقوا
وَتَنازَلوا في الجَوِّ حينَ بَدا لَهُم / أَنَّ البَسيطَةَ عَن مَداهُم أَضيَقُ
نَفِسوا عَلى الحيتانِ واسِعَ مُلكِها / فَتَفَنَّنوا في سَلبِهِ وَتَأَنَّفوا
مَلَكوا مَسابِحَها عَلَيها بَعدَ ما / غَلَبوا النُسورَ عَلى الجِواءِ وَحَلَّقوا
إِن كانَ عَهدُ العِلمِ هَذا شَأنُهُ / فينا فَعَهدُ الجاهِلِيَّةِ أَرفَقُ
خَرَجَ الغَواني يَحتَجِج
خَرَجَ الغَواني يَحتَجِج / نَ وَرُحتُ أَرقُبُ جَمعَهُنَّه
فَإِذا بِهِنَّ تَخِذنَ مِن / سودِ الثِيابِ شِعارَهُنَّه
فَطَلَعنَ مِثلَ كَواكِبٍ / يَسطَعنَ في وَسَطِ الدُجُنَّه
وَأَخَذنَ يَجتَزنَ الطَري / قَ وَدارُ سَعدٍ قَصدُهُنَّه
يَمشينَ في كَنَفِ الوَقا / رِ وَقَد أَبَنَّ شُعورَهُنَّه
وَإِذا بِجَيشٍ مُقبِلٍ / وَالخَيلُ مُطلَقَةُ الأَعِنَّه
وَإِذا الجُنودُ سُيوفُها / قَد صُوِّبَت لِنُحورِهِنَّه
وَإِذا المَدافِعُ وَالبَنا / دِقُ وَالصَوارِمُ وَالأَسِنَّه
وَالخَيلُ وَالفُرسانُ قَد / ضَرَبَت نِطاقاً حَولَهُنَّه
وَالوَردُ وَالرَيحانُ في / ذاكَ النَهارِ سِلاحُهُنَّه
فَتَطاحَنَ الجَيشانِ سا / عاتٍ تَشيبُ لَها الأَجِنَّه
فَتَضَعضَعَ النِسوانُ وَال / نِسوانُ لَيسَ لَهُنَّ مُنَّه
ثُمَّ اِنهَزَمنَ مُشَتَّتا / تِ الشَملِ نَحوَ قُصورِهِنَّه
فَليَهنَأَ الجَيشُ الفَخو / رُ بِنَصرِهِ وَبِكَسرِهِنَّه
فَكَأَنَّما الأَلمانُ قَد / لَبِسوا البَراقِعَ بَينَهُنَّه
وَأَتَوا بِهِندِنبُرجَ مُخ / تَفِياً بِمِصرَ يَقودُهُنَّه
فَلِذاكَ خافوا بَأسَهُن / نَ وَأَشفَقوا مِن كَيدِهِنَّه
أَشرِق فَدَتكَ مَشارِقُ الإِصباحِ
أَشرِق فَدَتكَ مَشارِقُ الإِصباحِ / وَأَمِط لِثامَكَ عَن نَهارٍ ضاحي
بورِكتَ يا يَومَ الخَلاصِ وَلا وَنَت / عَنكَ السُعودُ بِغُدوَةٍ وَرَواحِ
بِاللَهِ كُن يُمناً وَكُن بُشرى لَنا / في رَدِّ مُغتَرِبٍ وَفَكِّ سَراحِ
أَقبَلتَ وَالأَيّامُ حَولَكَ مُثَّلٌ / صَفَّينِ تَخطِرُ خَطرَةَ المَيّاحِ
وَخَرَجتَ مِن حُجبِ الغُيوبِ مُحَجَّلاً / في كُلِّ لَحظٍ مِنكَ أَلفُ صَباحِ
لَو صَحَّ في هَذا الوُجودِ تَناسُخٌ / لَرَأَيتُ فيكَ تَناسُخَ الأَرواحِ
وَلَكُنتَ يَومَ اللابِرِنتَ بِعَينِهِ / في عِزَّةٍ وَجَلالَةٍ وَسَماحِ
يَومٌ يُريكَ جَلالُهُ وَرُواؤُهُ / في الحُسنِ قُدرَةَ فالِقِ الإِصباحِ
خَلَعَت عَلَيهِ الشَمسُ حُلَّةَ عَسجَدٍ / وَحَباهُ آذارٌ أَرَقَّ وِشاحِ
اللَهُ أَثبَتَهُ لَنا في لَوحِهِ / أَبَدَ الأَبيدِ فَما لَهُ مِن ماحي
حَيّيهِ عَنّا يا أَزاهِرُ وَاِملَئي / أَرجاءَهُ بِأَريجِكِ الفَوّاحِ
وَاِنفَحهُ عَنّا يا رَبيعُ بِكُلِّ ما / أَطلَعتَ مِن رَندٍ وَنَورِ أَقاحِ
تِه يا فُؤادُ فَحَولَ عَرشِكَ أُمَّةٌ / عَقَدَت خَناصِرَها عَلى الإِصلاحِ
أَبناؤُنا وَهُمُ أَحاديثُ النَدى / لَيسوا عَلى أَوطانِهِم بِشِحاحِ
صَبَروا عَلى مُرِّ الخُطوبِ فَأَدرَكوا / حُلوَ المُنى مَعسولَةَ الأَقداحِ
شاكي سِلاحِ الصَبرِ لَيسَ بِأَعزَلٍ / يَغزوهُ رَبُّ عَوامِلٍ وَصِفاحِ
الصَبرُ إِن فَكَّرتَ أَعظَمُ عُدَّةٍ / وَالحَقُّ لَو يَدرونَ خَيرُ سِلاحِ
قَد أَنكَروا حَقَّ الضَعيفِ فَهَل أَتى / إِنكارُ ذاكَ الحَقِّ في إِصحاحِ
كَم خَدَّرَت أَعصابَ مِصرَ نَوافِحٌ / لِوُعودِهِم كَنَوافِحِ التُفّاحِ
فَتَعَلَّلَ المِصرِيُّ مُغتَبِطاً بِها / أَرَأَيتَ طِفلاً عَلَّلوهُ بِداحِ
وَتَأَنَّقوا في الخُلفِ حَتّى أَصبَحَت / أَقوالُهُم تُذرى بِغَيرِ رِياحِ
لَمّا تَنَبَّهَ بِالكِنانَةَ نائِمٌ / وَأَصاتَ بِالشَكوى الأَليمَةِ صاحي
وَتَكَشَّفَت تِلكَ الغَياهِبُ وَاِنطَوَت / وَبَدَت شُموسُ الحَقِّ وَهيَ ضَواحي
عَلِموا بِحَمدِ اللَهِ أَنَّ قَرارَنا / في ظِلِّ غَيرِ اللَهِ غَيرُ مُتاحِ
فَاليَومَ قَرّي يا كِنانَةُ وَاِهدَئي / حَرَمُ الكِنانَةِ لَم يَكُن بِمُباحِ
مَن ذا يُغيرُ عَلى الأُسودِ بِغابِها / أَو مَن يَعومُ بِمَسبَحِ التِمساحِ
لِلنيلِ مَجدٌ في الزَمانِ مُؤَثَّلٌ / مِن عَهدِ آمونٍ وَعَهدِ فَتاحِ
فَسَلِ العُصورَ بِهِ وَسَل آثارَهُ / في مِصرَ كَم شَهِدَت مِنَ السُيّاحِ
يا صاحِبَ القُطرَينِ غَيرَ مُدافِعٍ / ما مِثلُ ساحِكَ في العُلا مِن ساحِ
لَم يَبدُ نورٌ فَوقَ نورٍ يُجتَلى / كَالتاجِ فَوقَ جَبينِكَ الوَضّاحِ
ذَكَرَت بِعَرشِكَ مِصرُ يَومَ وَليتَهُ / عَرشَ المُعِزِّ بِها وَعَرشَ صَلاحِ
في كُلِّ قُطرٍ مِن جَلالِكَ رَوعَةٌ / وَلِكُلِّ قُطرٍ مِنكَ ظِلُّ جَناحِ
لَكَ مِصرُ وَالسودانُ وَالنَهرُ الَّذي / يَختالُ بَينَ رُبىً وَبَينَ بِطاحِ
وَبَواسِقُ السودانِ تَشهَدُ أَنَّها / غُرِسَت بِعَهدِ جُدودِكَ الفُتّاحِ
لا غَروَ إِن غَنّى بِمَدحِكَ صائِحٌ / أَو مُسجِحٌ في حَلبَةِ المُدّاحِ
حُسنُ الغِناءِ مَعَ الصِياحِ كَحُسنِهِ / عِندَ الخَبيرِ بِهِ مَعَ الإِسجاحِ
أَوَ لَم يَكُن لَكَ مُلكُ مِصرَ وَنيلُها / يَنسابُ بَينَ مُروجِها الأَفياحِ
مَنضورَةَ الجَنّاتِ حالِيَةَ الرُبا / مَطلولَةَ السَرَحاتِ وَالأَرواحِ
قَد قالَ عَمرٌو في ثَراها آيَةً / مَأثورَةً نُقِشَت عَلى الأَلواحِ
بَينا تَراهُ لَآلِئاً وَكَأَنَّما / نُثِرَت بِتُربَتِهِ عُقودُ مِلاحِ
وَإِذا بِهِ لِلناظِرينَ زُمُرُّدٌ / يَشفيكَ أَخضَرُهُ مِنَ الأَتراحِ
وَإِذا بِهِ مِسكٌ تَشُقُّ سَوادَهُ / شَقَّ الأَديمِ مَحارِثُ الفَلّاحِ
البَرلَمانُ تَهَيَّأَت أَسبابُهُ / لَم يَبقَ مِن سَبَبٍ سِوى المِفتاحِ
هُوَ في يَدَيكَ وَديعَةٌ لِرَعِيَّةٍ / تُثني بِأَلسِنَةٍ عَلَيكَ فِصاحِ
رُدَّ الوَديعَةَ يا فُؤادُ فَإِنَّما / رَدُّ الوَديعَةِ شيمَةُ المِسماحِ
وَاِنهَض بِشَعبِكَ يا فُؤادُ إِلى العُلا / وَإِلى مَكانٍ في الوُجودِ بَراحِ
فَاللَهُ يَشهَدُ وَالخَلائِقُ أَنَّنا / طُلّابُ حَقٍّ في الحَياةِ صِراحِ
هَذا مَنارُ البَرلَمانِ أَمامَكُم / لِهُدى السَبيلِ كَإِبرَةِ المَلّاحِ
فَتَيَمَّموهُ مُخلِصينَ فَما لَكُم / مِن دونِهِ مِن غِبطَةٍ وَفَلاحِ
الفَصلُ لِلشورى وَتِلكَ هِيَ الَّتي / تَزَعُ الهَوى وَتَرُدُّ كُلَّ جِماحِ
هِيَ لا تَضِلُّ سَبيلَها فَكَأَنَّما / خُلِقَ السَبيلُ لَها بِغَيرِ نَواحي
هِيَ لا بَراحَ تَرُدُّ كَيدَ عَدُوِّكُم / وَتَفُلُّ غَربَ الغاصِبِ المُجتاحِ
فَتَكَنَّفوا الشورى عَلى اِستِقلالِكُم / في الرَأيِ لا توحيهِ نَزعَةُ واحي
وَيَدُ الإِلَهِ مَعَ الجَماعَةِ فَاِضرِبوا / بِعَصا الجَماعَةِ تَظفَروا بِنَجاحِ
كونوا رِجالاً عامِلينَ وَكَذِّبوا / وَالصُبحُ أَبلَجُ حامِلَ المِصباحِ
وَدَعوا التَخاذُلَ في الأُمورِ فَإِنَّما / شَبَحُ التَخاذُلِ أَنكَرُ الأَشباحِ
وَاللَهِ ما بَلَغَ الشَقاءُ بِنا المَدى / بِسِوى خِلافٍ بَينَنا وَتَلاحي
قُم يا اِبنَ مِصرَ فَأَنتَ حُرٌّ وَاِستَعِد / مَجدَ الجُدودِ وَلا تَعُد لِمَراحِ
شَمِّر وَكافِح في الحَياةِ فَهَذِهِ / دُنياكَ دارُ تَناحُرٍ وَكِفاحِ
وَاِنهَل مَعَ النُهّالِ مِن عَذبِ الحَيا / فَإِذا رَقا فَاِمتَح مَعَ المُتّاحِ
وَإِذا أَلَحَّ عَلَيكَ خَطبٌ لا تَهُن / وَاِضرِب عَلى الإِلحاحِ بِالإِلحاحِ
وَخُضِ الحَياةَ وَإِن تَلاطَمَ مَوجُها / خَوضُ البِحارِ رِياضَةُ السَبّاحِ
وَاِجعَل عِيانَكَ قَبلَ خَطوِكَ رائِداً / لا تَحسَبَنَّ الغَمرَ كَالضَحضاحِ
وَإِذا اِجتَوَتكَ مَحَلَّةٌ وَتَنَكَّرَت / لَكَ فَاِعدُها وَاِنزَح مَعَ النُزّاحِ
في البَحرِ لا تَثنيكَ نارُ بَوارِجٍ / في البَرِّ لا يَلويكَ غابُ رِماحِ
وَاُنظُر إِلى الغَربِيِّ كَيفَ سَمَت بِهِ / بَينَ الشُعوبِ طَبيعَةَ الكَدّاحِ
وَاللَهِ ما بَلَغَت بَنو الغَربِ المُنى / إِلّا بِنِيّاتٍ هُناكَ صِحاحِ
رَكِبوا البِحارَ وَقَد تَجَمَّدَ ماؤُها / وَالجَوَّ بَينَ تَناوُحِ الأَرواحِ
وَالبَرُّ مَصهورَ الحَصى مُتَأَجِّجاً / يَرمي بِنَزّاعِ الشَوى لَوّاحِ
يَلقى فَتِيُّهُمُ الزَمانَ بِهِمَّةٍ / عَجَبٍ وَوَجهٍ في الخُطوبِ وَقاحِ
وَيَشُقُّ أَجوازَ القِفارِ مُغامِراً / وَعرُ الطَريقِ لَدَيهِ كَالصَحصاحِ
وَاِبنُ الكِنانَةِ في الكِنانَةِ راكِدٌ / يَرنو بِعَينٍ غَيرِ ذاتِ طِماحِ
لا يَستَغِلُّ كَما عَلِمتَ ذَكاءَهُ / وَذَكاؤُهُ كَالخاطِفِ اللَمّاحِ
أَمسى كَماءِ النَهرِ ضاعَ فُراتُهُ / في البَحرِ بَينَ أُجاجِهِ المُنداحِ
فَاِنهَض وَدَع شَكوى الزَمانِ وَلا تَنُح / في فادِحِ البُؤسى مَعَ الأَنواحِ
وَاِربَح لِمِصرَ بِرَأسِ مالِكَ عِزَّةً / إِنَّ الذَكاءَ حُبالَةُ الأَرباحِ
وَإِذا رُزِقتَ رِآسَةً فَاِنسُج لَها / بُردَينِ مِن حَزمٍ وَمِن إِسجاحِ
وَاِشرَب مِنَ الماءِ القَراحِ مُنَعَّماً / فَلَكَم وَرَدتَ الماءَ غَيرَ قَراحِ
قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ
قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ / وَاِبنُ الكِنانَةِ في حِماهُ يُضامُ
صَبّوا البَلاءَ عَلى العِبادِ فَنِصفُهُم / يَجبي البِلادَ وَنِصفُهُم حُكّامُ
أَشكو إِلى قَصرِ الدُبارَةِ ما جَنى / صِدقي الوَزيرُ وَما جَبى عَلّامُ
قُل لِلمُحايِدِ هَل شَهِدتَ دِماءَنا / تَجري وَهَل بَعدَ الدِماءِ سَلامُ
سُفِكَت مَوَدَّتُنا لَكُم وَبَدا لَنا / أَنَّ الحِيادَ عَلى الخِصامِ لِثامُ
إِنَّ المَراجِلَ شَرُّها لا يُتَّقى / حَتّى يُنَفِّسَ كَربَهُنَّ صِمامُ
لَم يَبقَ فينا مَن يُمَنّي نَفسَهُ / بِوِدادِكُم فَوِدادُكُم أَحلامُ
أَمِنَ السِياسَةِ وَالمُروءَةِ أَنَّنا / نَشقى بِكُم في أَرضِنا وَنُضامُ
إِنّا جَمَعنا لِلجِهادِ صُفوفَنا / سَنَموتُ أَو نَحيا وَنَحنُ كِرامُ
وَدَعا عَلَيكَ اللَهَ في مِحرابِهِ / الشَيخُ وَالقِسّيسُ وَالحاخامُ
لاهُمَّ أَحيِ ضَميرَهُ لِيَذوقَها / غُصَصاً وَتَنسِفَ نَفسَهُ الآلامُ
لا تَذكُروا الأَخلاقَ بَعدَ حِيادِكُم
لا تَذكُروا الأَخلاقَ بَعدَ حِيادِكُم / فَمُصابُكُم وَمُصابُنا سِيّانِ
حارَبتُمُ أَخلاقَكُم لِتُحارِبوا / أَخلاقَنا فَتَأَلَّمَ الشَعبانِ
قَصرَ الدُبارَةِ قَد نَقَض
قَصرَ الدُبارَةِ قَد نَقَض / تَ العَهدَ نَقضَ الغاصِبِ
أَخفَيتَ ما أَضمَرتَهُ / وَأَبَنتَ وُدَّ الصاحِبِ
الحَربُ أَروَحُ لِلنُفو / سِ مِنَ الحِيادِ الكاذِبِ
لا وَالأَسى وَتَلَهُّبِ الأَحشاءِ
لا وَالأَسى وَتَلَهُّبِ الأَحشاءِ / ما باتَ بَعدَكَ مُعجَبٌ بِوَفاءِ
أَنّى حَلَلتُ أَرى عَلَيكَ مَآتِماً / فَلِمَن أُوَجِّهُ فيكَ حُسنَ عَزائي
لِبَنيكَ أَم لِذَويكَ أَم لِلكَونِ أَم / لِلدَهرِ أَم لِجَماعَةِ الجَوزاءِ
أَودى سُلَيمانٌ فَأَودى بَعدَهُ / حُسنُ الوَفاءِ وَبَهجَةُ العَلياءِ
لا تَحمِلوهُ عَلى الرِقابِ فَقَد كَفى / ما حُمِّلَت مِن مِنَّةٍ وَعَطاءِ
وَذَروا عَلى نَهرِ المَدامِعِ نَعشَهُ / يَسري بِهِ لِلرَوضَةِ الفَيحاءِ
تَاللَهِ لَو عَلِمَت بِهِ أَعوادُهُ / مُذ لامَسَتهُ لَأَورَقَت لِلرائي
خُلُقٌ كَضَوءِ البَدرِ أَو كَالرَوضِ أَو / كَالزَهرِ أَو كَالخَمرِ أَو كَالماءِ
وَشَمائِلٌ لَو مازَجَت طَبعَ الدُجى / ما باتَ يَشكوهُ المُحِبُّ النائي
وَمَحامِدٌ نَسَجَت لَهُ أَكفانَهُ / مِن عِفَّةٍ وَسَماحَةٍ وَإِباءِ
وَمَناقِبٌ لَولا المَهابَةُ وَالتُقى / قُلنا مَناقِبُ صاحِبِ الإِسراءِ
وَعَزائِمٌ كانَت تَفُلُّ عَزائِمَ ال / أَحداثِ وَالأَيّامِ وَالأَعداءِ
عَطَّلتَ فَنَّ الشِعرِ بَعدَكَ وَاِنطَوى / أَجَلُ القَريضِ وَمَوسِمُ الشُعَراءِ
وَاللُؤلُؤُ اِستَعصى عَلَينا نَظمُهُ / بِسُموطِ مَدحٍ أَو سُموطِ هَناءِ
إِلّا عَلى طَرفٍ بَكاكَ وَشاعِرٍ / أَحيا عَلَيكَ مَراثِيَ الخَنساءِ
نَثَروا عَلَيكَ نَوادِيَ الأَزهارِ
نَثَروا عَلَيكَ نَوادِيَ الأَزهارِ / وَأَتَيتُ أَنثُرُ بَينَهُم أَشعاري
زَينَ الشَبابِ وَزَينَ طُلّابِ العُلا / هَل أَنتَ بِالمُهَجِ الحَزينَةِ داري
غادَرتَنا وَالحادِثاتُ بِمَرصَدٍ / وَالعَيشُ عَيشُ مَذَلَّةٍ وَإِسارِ
ما كانَ أَحوَجَنا إِلَيكَ إِذا عَدا / عادٍ وَصاحَ الصائِحونَ بَدارِ
أَينَ الخَطيبُ وَأَينَ خَلّابُ النُهى / طالَ اِنتِظارُ السَمعِ وَالأَبصارِ
بِاللَهِ ما لَكَ لا تُجيبُ مُنادِياً / ماذا أَصابَكَ يا أَبا المِغوارِ
قُم وَاِمحُ ما خَطَّت يَمينُ كُرومَرٍ / جَهلاً بِدينِ الواحِدِ القَهّارِ
قَد كُنتَ تَغضَبُ لِلكِنانَةِ كُلَّما / هَمَّت وَهَمَّ رَجاؤُها بِعِثارِ
غَضَبَ التَقِيِّ لِرَبِّهِ وَكِتابِهِ / أَو غَضبَةَ الفاروقِ لِلمُختارِ
قَد ضاقَ جِسمُكَ عَن مَداكَ فَلَم يُطِق / صَبراً عَلَيكَ وَأَنتَ شُعلَةُ نارِ
أَودى بِهِ ذاكَ الجِهادُ وَهَدَّهُ / عَزمٌ يَهُدُّ جَلائِلَ الأَخطارِ
لَعِبَت يَمينُكَ بِاليَراعِ فَأَعجَزَت / لَعِبَ الفَوارِسِ بِالقَنا الخَطّارِ
وَجَرَيتَ لِلعَلياءِ تَبغي شَأوَها / فَجَرى القَضاءُ وَأَنتَ في المِضمارِ
أَوَ كُلَّما هَزَّ الرَجاءُ مُهَنَّداً / بَدَرَت إِلَيهِ غَوائِلُ الأَقدارِ
عَزَّ القَرارُ عَلَيَّ لَيلَةَ نَعيِهِ / وَشَهِدتُ مَوكِبَهُ فَقَرَّ قَراري
وَتَسابَقَت فيهِ النُعاةُ فَطائِرٌ / بِالكَهرَباءِ وَطائِرٌ بِبُخارِ
شاهَدتُ يَومَ الحَشرِ يَومَ وَفاتِهِ / وَعَلِمتُ مِنهُ مَراتِبَ الأَقدارِ
وَرَأَيتُ كَيفَ تَفي الشُعوبُ رِجالَها / حَقَّ الوَلاءِ وَواجِبَ الإِكبارِ
تِسعونَ أَلفاً حَولَ نَعشِكَ خُشَّعُ / يَمشونَ تَحتَ لِوائِكَ السَيّارِ
خَطّوا بِأَدمُعِهِم عَلى وَجهِ الثَرى / لِلحُزنِ أَسطاراً عَلى أَسطارِ
آناً يُوالونَ الضَجيجَ كَأَنَّهُم / رَكبُ الحَجيجِ بِكَعبَةِ الزُوّارِ
وَتَخالُهُم آناً لِفَرطِ خُشوعِهِم / عِندَ المُصَلّى يُنصِتونَ لِقاري
غَلَبَ الخُشوعُ عَلَيهِمُ فَدُموعُهُم / تَجري بِلا كَلَحٍ وَلا اِستِنثارِ
قَد كُنتَ تَحتَ دُموعِهِم وَزَفيرِهِم / ما بَينَ سَيلٍ دافِقٍ وَشَرارِ
أَسعى فَيَأخُذُني اللَهيبُ فَأَنثَني / فَيَصُدُّني مُتَدَفِّقُ التَيّارِ
لَو لَم أَلُذ بِالنَعشِ أَو بِظِلالِهِ / لَقَضَيتُ بَينَ مَراجِلٍ وَبِحارِ
كَم ذاتِ خِدرٍ يَومَ طافَ بِكَ الرَدى / هَتَكَت عَلَيكَ حَرائِرَ الأَستارِ
سَفَرَت تُوَدِّعُ أُمَّةً مَحمولَةً / في النَعشِ لا خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
أَمِنَت عُيونَ الناظِرينَ فَمَزَّقَت / وَجهَ الخِمارِ فَلَم تَلُذ بِخِمارِ
قَد قامَ ما بَينَ العُيونِ وَبَينَها / سِترٌ مِنَ الأَحزانِ وَالأَكدارِ
أُدرِجتَ في العَلَمِ الَّذي أَصفَيتَهُ / مِنكَ الوِدادَ فَكانَ خَيرَ شِعارِ
عَلَمانِ مِن فَوقِ الرُؤوسِ كِلاهُما / في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
ناداهُما داعي الفِراقِ فَأَمسَيا / يَتَعانَقانِ عَلى شَفيرٍ هاري
تَاللَهِ ما جَزِعَ المُحِبُّ وَلا بَكى / لِنَوىً مُرَوِّعَةٍ وَبُعدِ مَزارِ
جَزَعَ الهِلالِ عَلَيكَ يَومَ تَرَكتَهُ / ما بَينَ حَرِّ أَسىً وَحَرِّ أُوارِ
مُتَلَفِّتاً مُتَحَيِّراً مُتَخَيِّراً / رَجُلاً يُناضِلُ عَنهُ يَومَ فَخارِ
إِنَّ الثَلاثينَ الَّتي بِكَ فاخَرَت / باتَت تُقاسُ بِأَطوَلِ الأَعمارِ
ضَمَّت إِلى التاريخِ بِضعَ صَحائِفٍ / بَيضاءَ مِثلَ صَحائِفِ الأَبرارِ
شَبَّهتُهُنَّ بِنُقطَةٍ عِطرِيَّةٍ / وَسِعَت مُحَصَّلَ رَوضَةٍ مِعطارِ
خَلَّفتَها كَالمَشقِ يَحذو حَذوَها / راجى الوُصولِ وَمُقتَفي الآثارِ
ماذا عَلى الساري وَهُنَّ مَناثِرٌ / لَو سارَ بَينَ مَجاهِلٍ وَقِفارِ
ما زِلتَ تَختارُ المَواقِفَ وَعرَةً / حَتّى وَقَفتَ لِذَلِكَ الجَبّارِ
وَهَدَمتَ سوراً قَد أَجادَ بِناءَهُ / فِرعَونُ ذو الأَوتادِ وَالأَنهارِ
وَوَصَلتَ بَينَ شَكاتِنا وَمَشايِخٍ / في البَرلَمانِ أَعِزَّةٍ أَخيارِ
كَشَفوا الغِطاءَ عَنِ العُيونِ فَأَبصَروا / ما في الكِنانَةِ مِن أَذىً وَضِرارِ
نَبَذوا كَلامَ اللُردِ حينَ تَبَيَّنوا / حَنَقَ المَغيظِ وَلَهجَةَ الثَرثارِ
وَرَماهُمُ بِمُجَلَّدَينِ رَمَوهُما / في رُتبَةِ الأَصفارِ لا الأَسفارِ
واهاً عَلى تِلكَ المَواقِفِ إِنَّها / كانَت مَواقِفَ لَيثِ غابٍ ضاري
لَم يَلوِهِ عَنها الوَعيدُ وَلا ثَنى / مِن عَزمِهِ قَولُ المُريبِ حَذارِ
فَاِهنَأ بِمَنزِلِكَ الجَديدِ وَنَم بِهِ / في غِبطَةٍ وَاِنعَم بِخَيرِ جِوارِ
وَاِستَقبِلِ الأَجرَ الكَبيرَ جَزاءَ ما / ضَحَّيتَ لِلأَوطانِ مِن أَوطارِ
نِعمَ الجَزاءُ وَنِعمَ ما بُلِّغتَهُ / في مَنزِلَيكَ وَنِعمَ عُقبى الدارِ
لِلَّهِ دَرُّكَ كُنتَ مِن رَجُلِ
لِلَّهِ دَرُّكَ كُنتَ مِن رَجُلِ / لَو أَمهَلَتكَ غَوائِلُ الأَجَلِ
خُلُقٌ كَأَنفاسِ الرِياضِ إِذا / أَسحَرنَ غِبَّ العارِضِ الهَطِلِ
وَشَمائِلٌ لَو أَنَّها مُزِجَت / بِطَبائِعِ الأَيّامِ لَم تَحُلِ
جَمُّ المَحامِدِ غَيرُ مُتَّهَمٍ / جَمُّ التَواضُعِ غَيرُ مُبتَذَلِ
يا دَولَةَ الأَخلاقِ رافِلَةً / مِن قاسِمٍ في أَبهَجِ الحُلَلِ
كَيفَ اِنطَوَيتِ بِهِ عَلى عَجَلٍ / أَكَذا تَكونُ مَصارِعُ الدُوَلِ
يا طالِعاً لِلشَرقِ لَجَّ بِهِ / نَحسُ النُحوسِ فَقَرَّ في زُحَلِ
هَلّا وَصَلتَ سُراكَ مُنتَقِلاً / عَلَّ السُعودِ تَكونُ في النُقَلِ
ما لي أَرى الأَجداثَ حالِيَةً / وَأَرى رُبوعَ النيلِ في عَطَلِ
فَإِذا الكِنانَةُ أَطلَعَت رَجُلاً / طاحَ القَضاءُ بِذَلِكَ الرَجُلِ
أَوَ كُلَّما أَرسَلتُ مَرثِيَةً / مِن أَدمُعي في إِثرِ مُرتَحِلِ
هاجَت بِيَ الأُخرى دَفينَ أَسىً / فَوَصَلتُ بَينَ مَدامِعِ المُقَلِ
إِن خانَني فيما فَجِعتُ بِهِ / شِعري فَهَذا الدَمعُ يَشفَعُ لي
وَلَقَد أَقولُ وَما يُطاوِلُني / عِندَ البَديهَةِ قَولُ مُرتَجِلِ
يا مُرسِلَ الأَمثالِ يَضرِبُها / قَد عَزَّ بَعدَكَ مُرسِلُ المَثَلِ
يا رائِشَ الآراءِ صائِبَةً / يَرمي بِهِنَّ مَقاتِلَ الخَطَلِ
لِلَّهِ آراءٌ شَأَوتَ بِها / في الخالِدينَ نَوابِغَ الأُوَلِ
قَد كُنتَ أَشقانا بِنا وَكَذا / يَشقى الأَبِيُّ بِصُحبَةِ الوَكَلِ
لَهفي عَلَيكَ قَضَيتَ مُرتَجِلاً / لَم تَشكُ لَم تَستَوصِ لَم تَقُلِ
غَلَّ القَضاءُ يَدَ القَضاءِ فَذا / يَبكي عَلَيكَ وَذاكَ في جَذَلِ
شَغَلَتكَ عَن دُنياكَ أَربَعَةٌ / وَالمَرءُ مِن دُنياهُ في شُغُلِ
حَقٌّ تُناصِرُهُ وَمَفخَرَةٌ / تَمشي إِلَيها غَيرَ مُنتَحِلِ
وَحَقائِقٌ لِلعِلمِ تَنشُدُها / ما لِلحَكيمِ بِهِنَّ مِن قِبَلِ
وَفَضيلَةٌ أَعيَت سِواكَ فَلَم / تَمدُد إِلَيهِ يَداً وَلَم يَصِلِ
إِن رَيتَ رَأياً في الحِجابِ وَلَم / تُعصَم فَتِلكَ مَراتِبُ الرُسُلِ
الحُكمُ لِلأَيّامِ مَرجِعُهُ / فيما رَأَيتَ فَنَم وَلا تَسَلِ
وَكَذا طُهاةُ الرَأيِ تَترُكُهُ / لِلدَهرِ يُنضِجُهُ عَلى مَهَلِ
فَإِذا أَصَبتَ فَأَنتَ خَيرُ فَتىً / وَضَعَ الدَواءَ مَواضِعَ العِلَلِ
أَولا فَحَسبُكَ ما شَرُفتَ بِهِ / وَتَرَكتَ في دُنياكَ مِن عَمَلِ
واهاً عَلى دارٍ مَرَرتُ بِها / قَفراً وَكانَت مُلتَقى السُبُلِ
أَرخَصتُ فيها كُلَّ غالِيَةٍ / وَذَكَرتُ فيها وَقفَةَ الطَلَلِ
ساءَلتُها عَن قاسِمٍ فَأَبَت / رَدَّ الجَوابِ فَرُحتُ في خَبَلِ
مُتَعَثِّراً يَنتابُني وَهَنٌ / مُتَرَنِّحاً كَالشارِبِ الثَمِلِ
مُتَذَكِّراً يَومَ الإِمامِ بِهِ / يَومَ اِنتَوَيتُ بِذَلِكَ البَطَلِ
يَومَ اِحتَسَبتُ وَكُنتُ ذا أَمَلٍ / تَحتَ التُرابِ بَقِيَّةَ الأَمَلِ
جاوِر أَحِبَّتَكَ الأُلى ذَهَبوا / بِالعَزمِ وَالإِقدامِ وَالعَمَلِ
وَاِذكُر لَهُم حاجَ البِلادِ إِلى / تِلكَ النُهى في الحادِثِ الجَلَلِ
قُل لِلإِمامِ إِذا اِلتَقَيتَ بِهِ / في الجَنَّتَينِ بِأَكرَمِ النُزُلِ
إِنَّ الحَقيقَةَ أَصبَحَت هَدَفاً / لِلراكِبينَ مَراكِبَ الزَلَلِ
لِلَّهِ آثارٌ لَكُم خَلَدَت / صاحَ الزَوالُ بِها فَلَم تَزُلِ
لِلَّهِ أَيّامٌ لَكَم دَرَجَت / طالَت عَوارِفُها وَلَم تَطُلِ
نِعمَ الظِلالِ لَوَ اِنَّها بَقِيَت / أَو أَنَّ ظِلّاً غَيرُ مُنتَقِلِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025