المجموع : 73
لَم أَنسَ ما سالَت بِهِ
لَم أَنسَ ما سالَت بِهِ / مِن خاطِري تِلكَ المَقاطِر
لَم أَنسَ نَحتي لِاِصطِلا
لَم أَنسَ نَحتي لِاِصطِلا / حٍ دونَهُ نَحتُ المَحاجِر
قَضَّيتُ عَهدَ حَداثَتي
قَضَّيتُ عَهدَ حَداثَتي / ما بَينَ ذُلٍّ وَاِغتِراب
لَم يُغنِ عَنّي بَينَ مَش / رِقِها وَمَغرِبِها اِضطِراب
صَفِرَت يَدي فَحَوى لَها / رَأسي وَجَوفي وَالوِطاب
وَأَنا اِبنُ عَشرٍ لَيسَ في / طَوقي مُكافَحَةُ الصِعاب
لَم يَبقَ مِن أَهلي سِوى / ذِكرٍ تَناساهُ الصِحاب
أَمشي يُرَنِّحُني الأَسى / وَالبُؤسُ تَرنيحَ الشَراب
فَلَكَم ظَلِلتُ عَلى طَوىً / يَومي وَبِتُّ عَلى تَباب
وَالجوعُ فَرّاسٌ لَهُ / ظُفرٌ يَصولُ بِهِ وَناب
فَكَأَنَّهُ في مُهجَتي / نَصلٌ تَغَلغَلَ لِلنِصاب
وَلَكَم صَحِبتُ الأَبيَضَي / نِ فَأَبلَيا بُردَ الشَباب
فَإِذا ظَفِرتُ بِكِسرَةٍ / فَإِدامُها مِنّي لُعاب
وَعَلَيَّ طِمرٌ لَو هَفَت / ريحُ الشَمالِ بِهِ لَذاب
فَخُروقُهُ وَمَصائِبي / في العَدِّ يُخطِئُها الحِساب
ما زِلتُ أوسِعُ مِحنَتي / صَبراً وَأَحتَمِلُ العَذاب
حَتّى تَنَفَّسَ صُبحُ إِق / بالي وَنَجمُ النَحسِ غاب
وَلِكُلِّ سَيفٍ مُصلَتٍ / لِحَوادِثِ الدُنيا قِراب
وَالعَيشُ في إِقبالِهِ / شَهدٌ وَفي الإِدبارِ صاب
فَتَلَقَّفَتني فِتيَةٌ / رُحبُ الشَمائِلِ وَالجَناب
مَهَدوا لِأَنفُسِهِم بِما / صَنَعوهُ زُلفى وَاِحتِساب
وَعَدَوا إِلى الحُسنى كَما / تَعدو المُطَهَّمَةُ العِراب
كَم أُسرَةٍ ضاقَ الرَجا / ءُ بِها وَأَعياها الطِلاب
دَقّوا عَلَيها بابَها / وَاللَيلُ مَسدولُ النِقاب
وَتَعاهَدوها مِثلَما / يَتَعاهَدُ النَبتَ السَحاب
وَجَمالُ صُنعِ البِرِّ أَل / لا يُستَشَفَّ لَهُ حِجاب
فَتَحوا المَدارِسَ حِسبَةً / وَتَنَظَّروا حُسنَ المَآب
فيها تَبَيَّنتُ الهُدى / وَقَرَأتُ فاتِحَةَ الكِتاب
وَبِها صَدَفتُ عَنِ الضَلا / لَةِ وَاِهتَدَيتُ إِلى الصَواب
وَغَدَوتُ إِنساناً تُجَم / مِلُهُ الفَضائِلُ لا الثِياب
مُتَبَصِّراً ذا فِطنَةٍ / تَنفي القُشورَ عَنِ اللُباب
جَمعِيَّةٌ خَيرِيَّةٌ / قامَت لِتَخفيفِ المُصاب
قَد كانَ فيها عَبدُهُ / غَوثاً يُلَبّي مَن أَهاب
لَم يَدعُ مِسماحاً إِلى / إِنعاشِها إِلّا أَجاب
ما غابَ عَنها مَرَّةً / حَتّى تَغَيَّبَ في التُراب
وَلِعاصِمٍ أَثَرٌ بِها / باقٍ وَذِكرٌ مُستَطاب
قَد كانَ يَحميها كَما / تَحمي مَجاثِمَها العُقاب
ثَبَتَت وَكانَ ثَباتُها / يَدعو إِلى العَجَبِ العُجاب
وَالشَرقُ أَورَثَ أَهلَهُ / حُبَّ التَقَلُّبِ وَالخِلاب
فينا عَلى كَرَمِ الطِبا / عِ وَنُبلِها طَبعٌ يُعاب
داءُ التَواكُلِ وَهوَ في ال / عُمرانِ داعِيَةُ الخَراب
ثَبَتَت لِأَنَّ لَها إِلى / أَعتابِ مَولانا اِنتِساب
لَولا حُسَينٌ لَم تَدُم / إِلّا كَما دامَ الحَباب
اللَهُ أَدرَكَها بِهِ / بَحراً مَوارِدُهُ عِذاب
يا واهِبَ الآلافِ كَم / طَوَّقتَ بِالمِنَنِ الرِقاب
لَكَ ساحَةٌ عَلَوِيَّةٌ / ما أَمَّها أَمَلٌ وَخاب
مَهَّدتَ لِلأَخيارِ مَي / دانَ السِباقِ إِلى الثَواب
لا زِلتَ في القُطرَينِ مَح / روسَ الأَريكَةِ وَالرِكاب
كَم وارِثٍ غَضِّ الشَبابِ رَمَيتِهِ
كَم وارِثٍ غَضِّ الشَبابِ رَمَيتِهِ / بِغَرامِ راقِصَةٍ وَحُبِّ هَلوكِ
أَلبَستِهِ الثَوبَينِ في حالَيهِما / تيهَ الغَنِيِّ وَذِلَّةِ المَفلوكِ
أَحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ
أَحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ / وَبِأَلفِ أَلفٍ تُرزَقُ الأَمواتُ
مَن لي بِحَظِّ النائِمينَ بِحُفرَةٍ / قامَت عَلى أَحجارِها الصَلَواتُ
يَسعى الأَنامُ لَها وَيَجري حَولَها / بَحرُ النُذورِ وَتُقرَأُ الآياتُ
وَيُقالُ هَذا القُطبُ بابُ المُصطَفى / وَوَسيلَةٌ تُقضى بِها الحاجاتُ
أَخشى مُرَبِّيَتي إِذا
أَخشى مُرَبِّيَتي إِذا / طَلَعَ النَهارُ وَأَفزَعُ
وَأَظَلُّ بَينَ صَواحِبي / لِعِقابِها أَتَوَقَّعُ
لا الدَمعُ يَشفَعُ لي وَلا / طولُ التَضَرُّعِ يَنفَعُ
وَأَخافُ والِدَتي إِذا / جَنَّ الظَلامُ وَأَجزَعُ
وَأَبيتُ أَرتَقِبُ الجَزا / ءَ وَأَعيُني لا تَهجَعُ
ما ضَرَّني لَو كُنتُ أَس / تَمِعُ الكَلامَ وَأَخضَعُ
ما ضَرَّني لَو صُنتُ أَث / وابي فَلا تَتَقَطَّعُ
وَحَفِظتُ أَوراقي بِمَح / فَظَتي فَلا تَتَوَزَّعُ
فَأَعيشُ آمِنَةً وَأَم / رَعُ في الهَناءِ وَأَرتَعُ
قَصرَ الدُبارَةِ هَل أَتاكَ حَديثُنا
قَصرَ الدُبارَةِ هَل أَتاكَ حَديثُنا / فَالشَرقُ ريعَ لَهُ وَضَجَّ المَغرِبُ
أَهلاً بِساكِنِكَ الكَريمِ وَمَرحَباً / بَعدَ التَحِيَّةِ إِنَّني أَتَعَتَّبُ
نَقَلَت لَنا الأَسلاكُ عَنكَ رِسالَةً / باتَت لَها أَحشاؤُنا تَتَلَهَّبُ
ماذا أَقولُ وَأَنتَ أَصدَقُ ناقِلٍ / عَنّا وَلَكِنَّ السِياسَة تَكذِبُ
عَلَّمتَنا مَعنى الحَياةِ فَما لَنا / لا نَشرَئِبُّ لَها وَما لَكَ تَغضَبُ
أَنَقِمتَ مِنّا أَن نُحِسَّ وَإِنَّما / هَذا الَّذي تَدعو إِلَيهِ وَتَندُبُ
أَنتَ الَّذي يُعزى إِلَيهِ صَلاحُنا / فيما تُقَرِّرُهُ لَدَيكَ وَتَكتُبُ
إِن ضاقَ صَدرُ النيلِ عَمّا هالَهُ / يَومَ الحَمامِ فَإِنَّ صَدرَكَ أَرحَبُ
أَوَ كُلَّما باحَ الحَزينُ بِأَنَّةٍ / أَمسَت إِلى مَعنى التَعَصُّبِ تُنسَبُ
رِفقاً عَميدَ الدَولَتَينِ بِأُمَّةٍ / ضاقَ الرَجاءُ بِها وَضاقَ المَذهَبُ
رِفقاً عَميدَ الدَولَتَينِ بِأُمَّةٍ / لَيسَت بِغَيرِ وَلائِها تَتَعَذَّبُ
إِن أَرهَقوا صَيّادَكُم فَلَعَلَّهُم / لِلقوتِ لا لِلمُسلِمينَ تَعَصَّبوا
وَلَرُبَّما ضَنَّ الفَقيرُ بِقوتِهِ / وَسَخا بِمُهجَتِهِ عَلى مَن يَغصِبُ
في دِنشِوايَ وَأَنتَ عَنّا غائِبٌ / لَعِبَ القَضاءُ بِنا وَعَزَّ المَهرَبُ
حَسِبوا النُفوسَ مِنَ الحَمامِ بَديلَةً / فَتَسابَقوا في صَيدِهِنَّ وَصَوَّبوا
نُكِبوا وَأَقفَرَتِ المَنازِلُ بَعدَهُم / لَو كُنتَ حاضِرَ أَمرِهِم لَم يُنكَبوا
خَلَّيتَهُم وَالقاسِطونَ بِمَرصَدٍ / وَسِياطُهُم وَحِبالُهُم تَتَأَهَّبُ
جُلِدوا وَلَو مَنَّيتَهُم لَتَعَلَّقوا / بِحِبالِ مَن شُنِقوا وَلَم يَتَهَيَّبوا
شُنِقوا وَلَو مُنِحوا الخِيارَ لَأَهَّلوا / بِلَظى سِياطِ الجالِدينَ وَرَحَّبوا
يَتَحاسَدونَ عَلى المَماتِ وَكَأسُهُ / بَينَ الشِفاهِ وَطَعمُهُ لا يَعذُبُ
مَوتانِ هَذا عاجِلٌ مُتَنَمِّرٌ / يَرنو وَهَذا آجِلٌ يَتَرَقَّبُ
وَالمُستَشارُ مُكاثِرٌ بِرِجالِهِ / وَمُعاجِزٌ وَمُناجِزٌ وَمُحَزِّبُ
يَختالُ في أَنحائِها مُتَبَسِّماً / وَالدَمعُ حَولَ رِكابِهِ يَتَصَبَّبُ
طاحوا بِأَربَعَةٍ فَأَردَوا خامِساً / هُوَ خَيرُ ما يَرجو العَميدُ وَيَطلُبُ
حُبٌّ يُحاوِلُ غَرسَهُ في أَنفُسٍ / يُجنى بِمَغرِسِها الثَناءُ الطَيِّبُ
كُن كَيفَ شِئتَ وَلا تَكِل أَرواحَنا / لِلمُستَشارِ فَإِنَّ عَدلَكَ أَخصَبُ
وَأَفِض عَلى بُندٍ إِذا وَلِيَ القَضا / رِفقاً يَهَشُّ لَهُ القَضاءُ وَيَطرَبُ
قَد كانَ حَولَكَ مِن رِجالِكَ نُخبَةٌ / ساسوا الأُمورَ فَدَرَّبوا وَتَدَرَّبوا
أَقصَيتَهُم عَنّا وَجِئتَ بِفِتيَةٍ / طاشَ الشَبابُ بِهِم وَطارَ المَنصِبُ
فَاِجعَل شِعارَكَ رَحمَةً وَمَوَدَّةً / إِنَّ القُلوبَ مَعَ المَوَدَّةِ تُكسَبُ
وَإِذا سُئِلتَ عَنِ الكِنانَةِ قُل لَهُم / هِيَ أُمَّةٌ تَلهو وَشَعبٌ يَلعَبُ
وَاِستَبقِ غَفلَتَها وَنَم عَنها تَنَم / فَالناسُ أَمثالُ الحَوادِثِ قُلَّبُ
لي فيكَ حينَ بَدا سَناكَ وَأَشرَقا
لي فيكَ حينَ بَدا سَناكَ وَأَشرَقا / أَمَلٌ سَأَلتُ اللَهَ أَن يَتَحَقَّقا
أَشرِق عَلَينا بِالسُعودِ وَلا تَكُن / كَأَخيكَ مَشئومَ المَنازِلِ أَخرَقا
قَد كانَ جَرّاحَ النُفوسِ فِداوِها / مِمّا بِها وَكُنِ الطَبيبَ مُوَفَّقا
هَلَّلتُ حينَ لَمَحتُ نورَ جَبينِهِ / وَرَجَوتُ فيهِ الخَيرَ حينَ تَأَلَّقا
وَهَزَزتُهُ بِقَصيدَةٍ لَو أَنَّها / تُلِيَت عَلى الصَخرِ الأَصَمِّ لَأَغدَقا
فَنَأى بِجانِبِهِ وَخَصَّ بِنَحسِهِ / مِصراً وَأَسرَفَ في النُحوسِ وَأَغرَقا
لَو كُنتُ أَعلَمُ ما يُخَبِّئُهُ لَنا / لَسَأَلتُ رَبّي ضارِعاً أَن يُمحَقا
أَولى الأَعاجِمَ مِنَّةً مَذكورَةً / وَأَعادَ لِلأَتراكِ ذاكَ الرَونَقا
وَتَغَيَّرَت فيهِ الخُطوبُ بِفارِسٍ / حَتّى رَأَيتُ الشاهَ يَخشى البَيدَقا
وَأَدالَ مِن عَبدِ الحَميدِ لِشَعبِهِ / فَهَوى وَحاوَلَ أَن يَعودَ فَأَخفَقا
أَمسى يُبالي حارِساً مِن جُندِهِ / وَلَقَد يَكونُ وَما يُبالي الفَيلَقا
وَرَمى عَلى أَرضِ الكِنانَةِ جِرمَهُ / بِالنازِلاتِ السودِ حَتّى أَرهَقا
حَصَدَت مَناجِلُهُ غِراسَ رَجائِنا / وَلَو أَنَّها أَبقَت عَلَيهِ لَأَورَقا
فَتَقَيَّدَت فيهِ الصِحافَةُ عَنوَةً / وَمَشى الهَوى بَينَ الرَعِيَّةِ مُطلَقا
وَأَتى يُساوِمُ في القَناةِ خَديعَةً / وَلَوَ اِنَّها تَمَّت لَتَمَّ بِها الشَقا
إِنَّ البَلِيَّةَ أَن تُباعَ وَتُشتَرى / مِصرٌ وَما فيها وَأَلّا تَنطِقا
كانَت تُواسينا عَلى آلامِنا / صُحُفٌ إِذا نَزَلَ البَلاءُ وَأَطبَقا
فَإِذا دَعَوتُ الدَمعَ فَاِستَعصى بَكَت / عَنّا أَسىً حَتّى تَغَصَّ وَتَشرَقا
كانَت لَنا يَومَ الشَدائِدِ أَسهُماً / نَرمي بِها وَسَوابِقاً يَومَ اللِقا
كانَت صِماماً لِلنُفوسِ إِذا غَلَت / فيها الهُمومُ وَأَوشَكَت أَن تَزهَقا
كَم نَفَّسَت عَن صَدرِ حُرٍّ واجِدٍ / لَولا الصِمامُ مِنَ الأَسى لَتَمَزَّقا
ما لي أَنوحُ عَلى الصِحافَةِ جازِعاً / ماذا أَلَمَّ بِها وَماذا أَحدَقا
قَصّوا حَواشِيَها وَظَنّوا أَنَّهُم / أَمِنوا صَواعِقَها فَكانَت أَصعَقا
وَأَتَوا بِحاذِقِهِم يَكيدُ لَها بِما / يَثني عَزائِمَها فَكانَت أَحذَقا
أَهلاً بِنابِتَةِ البِلادِ وَمَرحَباً / جَدَّدتُمُ العَهدَ الَّذي قَد أَخلَقا
لا تَيأَسوا أَن تَستَرِدّوا مَجدَكُم / فَلَرُبَّ مَغلوبٍ هَوى ثُمَّ اِرتَقى
مَدَّت لَهُ الآمالُ مِن أَفلاكِها / خَيطَ الرَجاءِ إِلى العُلا فَتَسَلَّقا
فَتَجَشَّموا لِلمَجدِ كُلَّ عَظيمَةٍ / إِنّي رَأَيتُ المَجدَ صَعبَ المُرتَقى
مَن رامَ وَصلَ الشَمسِ حاكَ خُيوطَها / سَبَباً إِلى آمالِهِ وَتَعَلَّقا
عارٌ عَلى اِبنِ النيلِ سَبّاقِ الوَرى / مَهما تَقَلَّبَ دَهرُهُ أَن يُسبَقا
أَوَ كُلَّما قالوا تَجَمَّعَ شَملُهُم / لَعِبَ الشِقاقُ بِجَمعِنا فَتَفَرَّقا
فَتَدَفَّقوا حُجَجاً وَحوطوا نيلَكُم / فَلَكَم أَفاضَ عَلَيكُمُ وَتَدَفَّقا
حَمَلوا عَلَينا بِالزَمانِ وَصَرفِهِ / فَتَأَنَّقوا في سَلبِنا وَتَأَنَّقا
هَزّوا مَغارِبَها فَهابَت بَأسَهُم / يا وَيلَكُم إِن لَم تَهُزّوا المَشرِقا
فَتَعَلَّموا فَالعِلمُ مِفتاحُ العُلا / لَم يُبقِ باباً لِلسَعادَةِ مُغلَقا
ثُمَّ اِستَمَدّوا مِنهُ كُلَّ قِواكُمُ / إِنَّ القَوِيَّ بِكُلِّ أَرضٍ يُتَّقى
وَاِبنوا حَوالَي حَوضِكُم مِن يَقظَةٍ / سوراً وَخُطّوا مِن حِذارٍ خَندَقا
وَزِنوا الكَلامَ وَسَدِّدوهُ فَإِنَّهُم / خَبَؤوا لَكُم في كُلِّ حَرفٍ مَزلَقا
وَاِمشوا عَلى حَذَرٍ فَإِنَّ طَريقَكُم / وَعرٌ أَطافَ بِهِ الهَلاكُ وَحَلَّقا
نَصَبوا لَكُم فيهِ الفِخاخَ وَأَرصَدوا / لِلسالِكينَ بِكُلِّ فَجٍّ مَوبِقا
المَوتُ في غِشيانِهِ وَطُروقِهِ / وَالمَوتُ كُلُّ المَوتِ أَلّا يُطرَقا
فَتَحَيَّنوا فُرَصَ الحَياةِ كَثيرَةً / وَتَعَجَّلوها بِالعَزائِمِ وَالرُقى
أَو فَاِخلُقوها قادِرينَ فَإِنَّما / فُرَصُ الحَياةِ خَليقَةٌ أَن تُخلَقا
وَتَفَيَّئوا ظِلَّ الأَريكَةِ وَاِقصِدوا / مَلِكاً بِأُمَّتِهِ أَبَرَّ وَأَرفَقا
لا زالَ تاجُ المُلكِ فَوقَ جَبينِهِ / تَحتَ الهِلالِ يَزينُ ذاكَ المَفرِقا
أَهلاً بِأَوَّلِ مُسلِمٍ
أَهلاً بِأَوَّلِ مُسلِمٍ / في المَشرِقَينِ عَلا وَطار
النيلُ وَالبُسفورُ في / كَ تَجاذَبا ذَيلَ الفَخار
يَومَ اِمتَطَيتَ بُراقَكَ ال / مَيمونَ وَاِجتَزتَ القِفار
تَلهو وَتَعبَثُ بِالرِيا / حِ عَلى المَفاوِزِ وَالبِحارِ
لَو سابَقَتكَ سَوابِقُ ال / أَفكارِ أَدرَكَها العِثار
حَسَدَتكَ في الأُفُقِ البُرو / قُ وَغارَ في الأَرضِ البُخار
تَجري بِسابِحَةٍ تَشُق / قُ سَبيلَها شَقَّ الإِزار
وَتَكادُ تَقدَحُ في الأَثي / رِ فَيَستَحيلُ إِلى شَرار
مِثلَ الشِهابِ اِنقَضَّ في / آثارِ عِفريتٍ وَثار
فَإِذا عَلَت فَكَدَعوَةِ ال / مُضطَرِّ تَختَرِقُ السِتار
وَإِذا هَوَت فَكَما هَوَت / أُنثى العُقابِ عَلى الهَزاز
وَتُسِفُّ آوِنَةً وَآ / وِنَةً يَحيدُ بِها اِزوِرار
فَيَخالُها الراؤونَ قَد / قَرَّت وَلَيسَ بِها قَرار
لَعِبَ الجَوادُ أَقَلَّ لَي / ثاً مِن قُضاعَةَ أَو نِزار
أَو كَاللَعوبِ مِنَ الحَما / ئِمِ فَوقَ مَلعَبِهِ اِستَطار
وَكَأَنَّها في الأُفقِ حي / نَ يَميلُ ميزانُ النَهار
وَالشَمسُ تُلقي فَوقَها / حُلَلَ اِحمِرارٍ وَاِصفِرار
مَلِكٌ تُمَثِّلُهُ لَنا ال / سيما فَيَأخُذُنا اِنبِهار
فَتحي بِرَبِّكَ ما رَأَي / تَ بِذَلِكَ الفَلَكِ المُدار
أَبَلَغتَ تَسبيحَ المَلا / ئِكِ أَو دَنَوتَ مِنَ السِرار
أَم خِفتَ تِلكَ الراصِدا / تِ هُناكَ مِن شُهُبٍ وَنار
أَرَأَيتَ سُكّانَ النُجو / مِ وَأَنتَ في ذاكَ الجِوار
أَهُناكَ في المِرّيخِ ما / في الأَرضِ مِن عِلَلِ الشِجار
أَهُناكَ يَستَعدي الضَعي / فُ عَلى القَوِيِّ فَلا يُجار
ما لِاِبنِ آدَمَ زادَ في / غُلَوائِهِ فَطَغى وَجار
يا لَيتَ شِعري هَل لَهُ / في عالَمِ المَلَكوتِ ثار
أَم لاذَ مُعتَصِماً بِكُر / سِيِّ المُهَيمِنِ وَاِستَجار
فَاِستَلَّ مِن قَلبِ الجَما / دِ الصُلبِ أَجنِحَةً وَطار
وَتَسَلَّقَ الأَجواءَ مُم / تَطِياً عَواصِفَها وَسار
يَرجو النَجاءَ مِنَ المَظا / لِمِ وَالمَغارِمِ وَالدَمار
يا أَيُّها الطَيّارُ طِر / فَإِذا بَلَغتَ مَدى المَطار
فَزُرِ السُها وَالفَرقَدَي / نِ إِذا أُتيحَ لَكَ المَزار
وَسَلِ النُجومَ عَنِ الحَيا / ةِ فَفي السُؤالِ لَكَ اِعتِبار
هُم يُنبِئونَكَ أَنَّ كُل / لَ الكائِناتِ إِلى بَوار
وَالظُلمُ مِن طَبعِ النِظا / مِ فَإِن ظُلِمتَ فَلا تُمار
إِنَّ الَّذي بَرَأَ السَدي / مَ هُوَ الَّذي بَرَأَ الغُبار
في العالَمِ العُلوِيِّ وَال / سُفلِيِّ أَحكامٌ تُدار
خُلِقَ الضَعيفُ لِخِدمَةِ ال / أَقوى وَلَيسَ لَهُ خِيار
فَتَقَوَّ يَرهَبكَ القَوِي / يُ وَهُن يُلازِمكَ الصَغار
في الأَرضِ ما تَبغونَ مِن / عِزٍّ وَآمالٍ كِبار
فيها الحَديدُ وَفيهِ بَأ / سٌ يَومَ يُمتَهَنُ الذِمار
فيها الكُنوزُ الحافِلا / تُ لِمَن تَبَصَّرَ وَاِستَنار
مِنها اِستَمَدَّ قُواهُ مَن / قَهَرَ المَمالِكِ وَاِستَعار
وَبِما اِحتَوَت رَدَّ الحَصي / فُ الرَأيِ غارَةَ مَن أَغار
في ذِمَّةِ الآفاقِ سِر / وَاِرجِع إِلى تِلكَ الدِيار
وَاِجعَل تَحِيَّتَنا إِلى / بَلَدٍ بِهِ لِلمُلكِ دار
دارٌ عَلَيها لِلخِلا / فَةِ وَالهُدى رُفِعَ المَنار
دارُ الغُزاةِ الفاتِحي / نَ الصَفوَةِ الغُرِّ الخِيار
في كُلِّ حاضِرَةٍ لَهُم / غَزوٌ فَفَتحٌ فَاِنتِصار
ضَرَبوا الزَمانَ بِسَوطِ عِز / زَتِهِم فَلانَ لَهُم فَدار
يَمشونَ في غابِ القَنا / مَشيَ المُرَنَّحِ بِالعُقار
مِن كُلِّ أَروَعَ فاتِكٍ / لا يَستَشيرُ سِوى الغِرار
ذي مِرَّةٍ تُشجيهِ ذا / تُ النَقعِ لا ذاتُ الخِمار
يَغشى المَعامِعَ ضارِباً / بِحَياتِهِ ضَربَ القِمار
لا يَنثَني أَو تَخرُجَ ال / أَجرامُ عَن فَلَكِ المَدار
عَبَسَت لَهُم أَيّامُهُم / وَالعَبسُ يَعقُبُهُ اِفتِرار
ما عابَهُم أَنَّ الصُعو / دَ يَليهِ في الدَهرِ اِنحِدار
فَلِكُلِّ غادٍ رَوحَةٌ / وَلِكُلِّ وُضّاءٍ سِرار
وَلَسَوفَ يَعلو نَجمُهُم / وَيَسودُ ذَيّاكَ الشِعار
أَي مَكمَهونُ قَدِمتَ بِال
أَي مَكمَهونُ قَدِمتَ بِال / قَصدِ الحَميدِ وَبِالرِعايَه
ماذا حَمَلتَ لَنا عَنِ ال / مَلِكِ الكَبيرِ وَعَن غِرايَه
أَوضِح لِمِصرَ الفَرقَ ما / بَينَ السِيادَةِ وَالحِمايَه
وَأَزِل شُكوكاً بِالنُفو / سِ تَعَلَّقَت مُنذُ البِدايَه
وَدَعِ الوُعودَ فَإِنَّها / فيما مَضى كانَت رِوايَه
أَضحَت رُبوعُ النيلِ سَل / طَنَةً وَقَد كانَت وِلايَه
فَتَعَهَّدوها بِالصَلا / حِ وَأَحسِنوا فيها الوِصايَه
إِنّا لَنَشكو واثِقي / نَ بِعَدلِ مَن يُشكي الشِكايَه
نَرجو حَياةً حُرَّةً / مَضمونَةً في ظِلِّ رايَه
وَنَرومُ تَعليماً يَكو / نُ لَهُ مِنَ الفَوضى وِقايَه
وَنَوَدُّ أَلّا تَسمَعوا / فينا السِعايَةَ وَالوِشايَه
أَنتُم أَطِبّاءُ الشُعو / بِ وَأَنبَلُ الأَقوامِ غايَه
أَنّى حَلَلتُم في البِلا / دِ لَكُم مِنَ الإِصلاحِ آيَه
رَسَخَت بِنايَةُ مَجدِكُم / فَوقَ الرَوِيَّةِ وَالهِدايَه
وَعَدَلتُمُ فَمَلَكتُمُ ال / دُنيا وَفي العَدلِ الكِفايَه
إِن تَنصُروا المُستَضعَفي / نَ فَنَحنُ أَضعَفُهُم نِكايَه
أَو تَعمَلوا لِصَلاحِنا / فَتَدارَكوهُ إِلى النِهايَه
إِنّا بَلَغنا رُشدَنا / وَالرُشدُ تَسبِقُهُ الغَوايَه
لا تَأخُذونا بِالكَلا / مِ فَلَيسَ في الشَكوى جِنايَه
هَذا حُسَينٌ فَوقَ عَر / شِ النيلِ تَحرُسُهُ العِنايَه
هُوَ خَيرُ مَن يَبني لَنا / فَدَعوهُ يَنهَضُ بِالبِنايَه
لِلَّهِ آثارٌ هُناكَ كَريمَةٌ
لِلَّهِ آثارٌ هُناكَ كَريمَةٌ / حَسَدَت رَوائِعَ حُسنِها بِرلينُ
طاحَت بِها تِلكَ المَدافِعُ تارَةً / لَمّا أَمَرتَ وَتارَةً زِبلينُ
ماذا رَأَيتُ مِنَ النَبالَةِ وَالعُلا / في عُدمِهِنَّ وَكُلُّهُنَّ عُيونُ
لَو أَنَّ في بِرلينَ عِندَكَ مِثلَها / لَعَرَفتَ كَيفَ تُجِلُّها وَتَصونُ
إِن كُنتَ أَنتَ هَدَمتَ رِمسَ فَإِنَّهُ / أَودى بِمَجدِكَ رُكنُها المَوهونُ
لَم يُغنِ عَنها مَعبَدٌ خَرَّبتَهُ / ظُلماً وَلَم يُمسِك عِنانَكَ دينُ
لا تَحسَبَنَّ الفَخرَ ما أَحرَزتَهُ / الفَخرُ بِالذِكرِ الجَميلِ رَهينُ
هَل شِدتَ في بِرلينَ غَيرَ مُعَسكَرٍ / قامَت عَلَيهِ مَعاقِلٌ وَحُصونُ
وَجَمَعتَ شَعبَكَ كُلَّهُ في قَبضَةٍ / إِن لَم تَكُن لانَت فَسَوفَ تَلينُ
نَظَمَت تِجارَتُكَ المَدائِنَ وَالقُرى / فَالنيلُ ناءَ بِها وَناءَ السينُ
فَبِكُلِّ أَرضٍ مِن رِجالِكَ عُصبَةٌ / وَبِكُلِّ بَحرٍ مِن لَدُنكَ سَفينُ
تَسري وَنَسرُكَ أَينَ لُحنَ يُظِلُّها / لا اللَيثُ يُزعِجُها وَلا التِنّينُ
فَالأَمرُ أَمرُكَ وَالمُهَنَّدُ مُغمَدٌ / وَالنَهيُ نَهيُكَ وَالسُرى مَأمونُ
قَد كانَ في بِرلينَ شَعبُكَ وادِعاً / يَستَعمِرُ الأَسواقَ وَهيَ سُكونُ
فُتِحَت لَهُ أَبوابُها فَسَبيلُها / وَقفٌ عَلَيهِ وَرِزقُهُ مَضمونُ
فَعَلامَ أَرهَقتَ الوَرى وَأَثَرتَها / شَعواءَ فيها لِلهَلاكِ فُنونُ
تَاللَهِ لَو نُصِرَت جُيوشُكَ لِاِنطَوى / أَجَلُ السَلامِ وَأَقفَرَ المَسكونُ
سَبعونَ مِليوناً إِذا وَزَّعتَها / بَينَ الحَواضِرِ نالَنا مِليونُ
وَيلٌ لِمَن يَستَعمِرونَ بِلادَهُ / القَحطُ أَيسَرُ خَطبِهِ وَالهونُ
أَكثَرتَ مِن ذِكرِ الإِلَهِ تَوَرُّعاً / وَزَعَمتَ أَنَّكَ مُرسَلٌ وَأَمينُ
عَجَباً أَتَذكُرُهُ وَتَملَأُ كَونَهُ / وَيلاً لِيَنعَمَ شَعبُكَ المَغبونُ
وَكَذَلِكَ القَصّابُ يَذكُرُ رَبَّهُ / وَالنَصلُ في عُنُقِ الذَبيحِ دَفينُ
لاهُمَّ إِنَّ الغَربَ أَصبَحَ شُعلَةً
لاهُمَّ إِنَّ الغَربَ أَصبَحَ شُعلَةً / مِن هَولِها أُمُّ الصَواعِقِ تَفرَقُ
العِلمُ يُذكي نارَها وَتُثيرُها / مَدَنِيَّةٌ خَرقاءُ لا تَتَرَفَّقُ
وَلَقَد حَسِبتُ العِلمَ فينا نِعمَةً / تَأسو الضَعيفَ وَرَحمَةً تَتَدَفَّقُ
فَإِذا بِنِعمَتِهِ بَلاءٌ مُرهِقٌ / وَإِذا بِرَحمَتِهِ قَضاءٌ مُطبِقُ
عَجِزَ الرُماةُ عَنِ الرُماةِ فَأَرسَلوا / كِسَفاً يَموجُ بِها دُخانٌ يَخنُقُ
تَتَعَوَّذُ الآفاقُ مِنهُ وَتَنثَني / عَنهُ الرِياحُ وَيَتَّقيهِ الفَيلَقُ
وَتَنابَلوا بِالكيمِياءِ فَأَسرَفوا / وَتَساجَلوا بِالكَهرُباءِ فَأَغرَقوا
وَتَنازَلوا في الجَوِّ حينَ بَدا لَهُم / أَنَّ البَسيطَةَ عَن مَداهُم أَضيَقُ
نَفِسوا عَلى الحيتانِ واسِعَ مُلكِها / فَتَفَنَّنوا في سَلبِهِ وَتَأَنَّفوا
مَلَكوا مَسابِحَها عَلَيها بَعدَ ما / غَلَبوا النُسورَ عَلى الجِواءِ وَحَلَّقوا
إِن كانَ عَهدُ العِلمِ هَذا شَأنُهُ / فينا فَعَهدُ الجاهِلِيَّةِ أَرفَقُ
خَرَجَ الغَواني يَحتَجِج
خَرَجَ الغَواني يَحتَجِج / نَ وَرُحتُ أَرقُبُ جَمعَهُنَّه
فَإِذا بِهِنَّ تَخِذنَ مِن / سودِ الثِيابِ شِعارَهُنَّه
فَطَلَعنَ مِثلَ كَواكِبٍ / يَسطَعنَ في وَسَطِ الدُجُنَّه
وَأَخَذنَ يَجتَزنَ الطَري / قَ وَدارُ سَعدٍ قَصدُهُنَّه
يَمشينَ في كَنَفِ الوَقا / رِ وَقَد أَبَنَّ شُعورَهُنَّه
وَإِذا بِجَيشٍ مُقبِلٍ / وَالخَيلُ مُطلَقَةُ الأَعِنَّه
وَإِذا الجُنودُ سُيوفُها / قَد صُوِّبَت لِنُحورِهِنَّه
وَإِذا المَدافِعُ وَالبَنا / دِقُ وَالصَوارِمُ وَالأَسِنَّه
وَالخَيلُ وَالفُرسانُ قَد / ضَرَبَت نِطاقاً حَولَهُنَّه
وَالوَردُ وَالرَيحانُ في / ذاكَ النَهارِ سِلاحُهُنَّه
فَتَطاحَنَ الجَيشانِ سا / عاتٍ تَشيبُ لَها الأَجِنَّه
فَتَضَعضَعَ النِسوانُ وَال / نِسوانُ لَيسَ لَهُنَّ مُنَّه
ثُمَّ اِنهَزَمنَ مُشَتَّتا / تِ الشَملِ نَحوَ قُصورِهِنَّه
فَليَهنَأَ الجَيشُ الفَخو / رُ بِنَصرِهِ وَبِكَسرِهِنَّه
فَكَأَنَّما الأَلمانُ قَد / لَبِسوا البَراقِعَ بَينَهُنَّه
وَأَتَوا بِهِندِنبُرجَ مُخ / تَفِياً بِمِصرَ يَقودُهُنَّه
فَلِذاكَ خافوا بَأسَهُن / نَ وَأَشفَقوا مِن كَيدِهِنَّه
أَشرِق فَدَتكَ مَشارِقُ الإِصباحِ
أَشرِق فَدَتكَ مَشارِقُ الإِصباحِ / وَأَمِط لِثامَكَ عَن نَهارٍ ضاحي
بورِكتَ يا يَومَ الخَلاصِ وَلا وَنَت / عَنكَ السُعودُ بِغُدوَةٍ وَرَواحِ
بِاللَهِ كُن يُمناً وَكُن بُشرى لَنا / في رَدِّ مُغتَرِبٍ وَفَكِّ سَراحِ
أَقبَلتَ وَالأَيّامُ حَولَكَ مُثَّلٌ / صَفَّينِ تَخطِرُ خَطرَةَ المَيّاحِ
وَخَرَجتَ مِن حُجبِ الغُيوبِ مُحَجَّلاً / في كُلِّ لَحظٍ مِنكَ أَلفُ صَباحِ
لَو صَحَّ في هَذا الوُجودِ تَناسُخٌ / لَرَأَيتُ فيكَ تَناسُخَ الأَرواحِ
وَلَكُنتَ يَومَ اللابِرِنتَ بِعَينِهِ / في عِزَّةٍ وَجَلالَةٍ وَسَماحِ
يَومٌ يُريكَ جَلالُهُ وَرُواؤُهُ / في الحُسنِ قُدرَةَ فالِقِ الإِصباحِ
خَلَعَت عَلَيهِ الشَمسُ حُلَّةَ عَسجَدٍ / وَحَباهُ آذارٌ أَرَقَّ وِشاحِ
اللَهُ أَثبَتَهُ لَنا في لَوحِهِ / أَبَدَ الأَبيدِ فَما لَهُ مِن ماحي
حَيّيهِ عَنّا يا أَزاهِرُ وَاِملَئي / أَرجاءَهُ بِأَريجِكِ الفَوّاحِ
وَاِنفَحهُ عَنّا يا رَبيعُ بِكُلِّ ما / أَطلَعتَ مِن رَندٍ وَنَورِ أَقاحِ
تِه يا فُؤادُ فَحَولَ عَرشِكَ أُمَّةٌ / عَقَدَت خَناصِرَها عَلى الإِصلاحِ
أَبناؤُنا وَهُمُ أَحاديثُ النَدى / لَيسوا عَلى أَوطانِهِم بِشِحاحِ
صَبَروا عَلى مُرِّ الخُطوبِ فَأَدرَكوا / حُلوَ المُنى مَعسولَةَ الأَقداحِ
شاكي سِلاحِ الصَبرِ لَيسَ بِأَعزَلٍ / يَغزوهُ رَبُّ عَوامِلٍ وَصِفاحِ
الصَبرُ إِن فَكَّرتَ أَعظَمُ عُدَّةٍ / وَالحَقُّ لَو يَدرونَ خَيرُ سِلاحِ
قَد أَنكَروا حَقَّ الضَعيفِ فَهَل أَتى / إِنكارُ ذاكَ الحَقِّ في إِصحاحِ
كَم خَدَّرَت أَعصابَ مِصرَ نَوافِحٌ / لِوُعودِهِم كَنَوافِحِ التُفّاحِ
فَتَعَلَّلَ المِصرِيُّ مُغتَبِطاً بِها / أَرَأَيتَ طِفلاً عَلَّلوهُ بِداحِ
وَتَأَنَّقوا في الخُلفِ حَتّى أَصبَحَت / أَقوالُهُم تُذرى بِغَيرِ رِياحِ
لَمّا تَنَبَّهَ بِالكِنانَةَ نائِمٌ / وَأَصاتَ بِالشَكوى الأَليمَةِ صاحي
وَتَكَشَّفَت تِلكَ الغَياهِبُ وَاِنطَوَت / وَبَدَت شُموسُ الحَقِّ وَهيَ ضَواحي
عَلِموا بِحَمدِ اللَهِ أَنَّ قَرارَنا / في ظِلِّ غَيرِ اللَهِ غَيرُ مُتاحِ
فَاليَومَ قَرّي يا كِنانَةُ وَاِهدَئي / حَرَمُ الكِنانَةِ لَم يَكُن بِمُباحِ
مَن ذا يُغيرُ عَلى الأُسودِ بِغابِها / أَو مَن يَعومُ بِمَسبَحِ التِمساحِ
لِلنيلِ مَجدٌ في الزَمانِ مُؤَثَّلٌ / مِن عَهدِ آمونٍ وَعَهدِ فَتاحِ
فَسَلِ العُصورَ بِهِ وَسَل آثارَهُ / في مِصرَ كَم شَهِدَت مِنَ السُيّاحِ
يا صاحِبَ القُطرَينِ غَيرَ مُدافِعٍ / ما مِثلُ ساحِكَ في العُلا مِن ساحِ
لَم يَبدُ نورٌ فَوقَ نورٍ يُجتَلى / كَالتاجِ فَوقَ جَبينِكَ الوَضّاحِ
ذَكَرَت بِعَرشِكَ مِصرُ يَومَ وَليتَهُ / عَرشَ المُعِزِّ بِها وَعَرشَ صَلاحِ
في كُلِّ قُطرٍ مِن جَلالِكَ رَوعَةٌ / وَلِكُلِّ قُطرٍ مِنكَ ظِلُّ جَناحِ
لَكَ مِصرُ وَالسودانُ وَالنَهرُ الَّذي / يَختالُ بَينَ رُبىً وَبَينَ بِطاحِ
وَبَواسِقُ السودانِ تَشهَدُ أَنَّها / غُرِسَت بِعَهدِ جُدودِكَ الفُتّاحِ
لا غَروَ إِن غَنّى بِمَدحِكَ صائِحٌ / أَو مُسجِحٌ في حَلبَةِ المُدّاحِ
حُسنُ الغِناءِ مَعَ الصِياحِ كَحُسنِهِ / عِندَ الخَبيرِ بِهِ مَعَ الإِسجاحِ
أَوَ لَم يَكُن لَكَ مُلكُ مِصرَ وَنيلُها / يَنسابُ بَينَ مُروجِها الأَفياحِ
مَنضورَةَ الجَنّاتِ حالِيَةَ الرُبا / مَطلولَةَ السَرَحاتِ وَالأَرواحِ
قَد قالَ عَمرٌو في ثَراها آيَةً / مَأثورَةً نُقِشَت عَلى الأَلواحِ
بَينا تَراهُ لَآلِئاً وَكَأَنَّما / نُثِرَت بِتُربَتِهِ عُقودُ مِلاحِ
وَإِذا بِهِ لِلناظِرينَ زُمُرُّدٌ / يَشفيكَ أَخضَرُهُ مِنَ الأَتراحِ
وَإِذا بِهِ مِسكٌ تَشُقُّ سَوادَهُ / شَقَّ الأَديمِ مَحارِثُ الفَلّاحِ
البَرلَمانُ تَهَيَّأَت أَسبابُهُ / لَم يَبقَ مِن سَبَبٍ سِوى المِفتاحِ
هُوَ في يَدَيكَ وَديعَةٌ لِرَعِيَّةٍ / تُثني بِأَلسِنَةٍ عَلَيكَ فِصاحِ
رُدَّ الوَديعَةَ يا فُؤادُ فَإِنَّما / رَدُّ الوَديعَةِ شيمَةُ المِسماحِ
وَاِنهَض بِشَعبِكَ يا فُؤادُ إِلى العُلا / وَإِلى مَكانٍ في الوُجودِ بَراحِ
فَاللَهُ يَشهَدُ وَالخَلائِقُ أَنَّنا / طُلّابُ حَقٍّ في الحَياةِ صِراحِ
هَذا مَنارُ البَرلَمانِ أَمامَكُم / لِهُدى السَبيلِ كَإِبرَةِ المَلّاحِ
فَتَيَمَّموهُ مُخلِصينَ فَما لَكُم / مِن دونِهِ مِن غِبطَةٍ وَفَلاحِ
الفَصلُ لِلشورى وَتِلكَ هِيَ الَّتي / تَزَعُ الهَوى وَتَرُدُّ كُلَّ جِماحِ
هِيَ لا تَضِلُّ سَبيلَها فَكَأَنَّما / خُلِقَ السَبيلُ لَها بِغَيرِ نَواحي
هِيَ لا بَراحَ تَرُدُّ كَيدَ عَدُوِّكُم / وَتَفُلُّ غَربَ الغاصِبِ المُجتاحِ
فَتَكَنَّفوا الشورى عَلى اِستِقلالِكُم / في الرَأيِ لا توحيهِ نَزعَةُ واحي
وَيَدُ الإِلَهِ مَعَ الجَماعَةِ فَاِضرِبوا / بِعَصا الجَماعَةِ تَظفَروا بِنَجاحِ
كونوا رِجالاً عامِلينَ وَكَذِّبوا / وَالصُبحُ أَبلَجُ حامِلَ المِصباحِ
وَدَعوا التَخاذُلَ في الأُمورِ فَإِنَّما / شَبَحُ التَخاذُلِ أَنكَرُ الأَشباحِ
وَاللَهِ ما بَلَغَ الشَقاءُ بِنا المَدى / بِسِوى خِلافٍ بَينَنا وَتَلاحي
قُم يا اِبنَ مِصرَ فَأَنتَ حُرٌّ وَاِستَعِد / مَجدَ الجُدودِ وَلا تَعُد لِمَراحِ
شَمِّر وَكافِح في الحَياةِ فَهَذِهِ / دُنياكَ دارُ تَناحُرٍ وَكِفاحِ
وَاِنهَل مَعَ النُهّالِ مِن عَذبِ الحَيا / فَإِذا رَقا فَاِمتَح مَعَ المُتّاحِ
وَإِذا أَلَحَّ عَلَيكَ خَطبٌ لا تَهُن / وَاِضرِب عَلى الإِلحاحِ بِالإِلحاحِ
وَخُضِ الحَياةَ وَإِن تَلاطَمَ مَوجُها / خَوضُ البِحارِ رِياضَةُ السَبّاحِ
وَاِجعَل عِيانَكَ قَبلَ خَطوِكَ رائِداً / لا تَحسَبَنَّ الغَمرَ كَالضَحضاحِ
وَإِذا اِجتَوَتكَ مَحَلَّةٌ وَتَنَكَّرَت / لَكَ فَاِعدُها وَاِنزَح مَعَ النُزّاحِ
في البَحرِ لا تَثنيكَ نارُ بَوارِجٍ / في البَرِّ لا يَلويكَ غابُ رِماحِ
وَاُنظُر إِلى الغَربِيِّ كَيفَ سَمَت بِهِ / بَينَ الشُعوبِ طَبيعَةَ الكَدّاحِ
وَاللَهِ ما بَلَغَت بَنو الغَربِ المُنى / إِلّا بِنِيّاتٍ هُناكَ صِحاحِ
رَكِبوا البِحارَ وَقَد تَجَمَّدَ ماؤُها / وَالجَوَّ بَينَ تَناوُحِ الأَرواحِ
وَالبَرُّ مَصهورَ الحَصى مُتَأَجِّجاً / يَرمي بِنَزّاعِ الشَوى لَوّاحِ
يَلقى فَتِيُّهُمُ الزَمانَ بِهِمَّةٍ / عَجَبٍ وَوَجهٍ في الخُطوبِ وَقاحِ
وَيَشُقُّ أَجوازَ القِفارِ مُغامِراً / وَعرُ الطَريقِ لَدَيهِ كَالصَحصاحِ
وَاِبنُ الكِنانَةِ في الكِنانَةِ راكِدٌ / يَرنو بِعَينٍ غَيرِ ذاتِ طِماحِ
لا يَستَغِلُّ كَما عَلِمتَ ذَكاءَهُ / وَذَكاؤُهُ كَالخاطِفِ اللَمّاحِ
أَمسى كَماءِ النَهرِ ضاعَ فُراتُهُ / في البَحرِ بَينَ أُجاجِهِ المُنداحِ
فَاِنهَض وَدَع شَكوى الزَمانِ وَلا تَنُح / في فادِحِ البُؤسى مَعَ الأَنواحِ
وَاِربَح لِمِصرَ بِرَأسِ مالِكَ عِزَّةً / إِنَّ الذَكاءَ حُبالَةُ الأَرباحِ
وَإِذا رُزِقتَ رِآسَةً فَاِنسُج لَها / بُردَينِ مِن حَزمٍ وَمِن إِسجاحِ
وَاِشرَب مِنَ الماءِ القَراحِ مُنَعَّماً / فَلَكَم وَرَدتَ الماءَ غَيرَ قَراحِ
قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ
قَد مَرَّ عامٌ يا سُعادُ وَعامُ / وَاِبنُ الكِنانَةِ في حِماهُ يُضامُ
صَبّوا البَلاءَ عَلى العِبادِ فَنِصفُهُم / يَجبي البِلادَ وَنِصفُهُم حُكّامُ
أَشكو إِلى قَصرِ الدُبارَةِ ما جَنى / صِدقي الوَزيرُ وَما جَبى عَلّامُ
قُل لِلمُحايِدِ هَل شَهِدتَ دِماءَنا / تَجري وَهَل بَعدَ الدِماءِ سَلامُ
سُفِكَت مَوَدَّتُنا لَكُم وَبَدا لَنا / أَنَّ الحِيادَ عَلى الخِصامِ لِثامُ
إِنَّ المَراجِلَ شَرُّها لا يُتَّقى / حَتّى يُنَفِّسَ كَربَهُنَّ صِمامُ
لَم يَبقَ فينا مَن يُمَنّي نَفسَهُ / بِوِدادِكُم فَوِدادُكُم أَحلامُ
أَمِنَ السِياسَةِ وَالمُروءَةِ أَنَّنا / نَشقى بِكُم في أَرضِنا وَنُضامُ
إِنّا جَمَعنا لِلجِهادِ صُفوفَنا / سَنَموتُ أَو نَحيا وَنَحنُ كِرامُ
وَدَعا عَلَيكَ اللَهَ في مِحرابِهِ / الشَيخُ وَالقِسّيسُ وَالحاخامُ
لاهُمَّ أَحيِ ضَميرَهُ لِيَذوقَها / غُصَصاً وَتَنسِفَ نَفسَهُ الآلامُ
لا تَذكُروا الأَخلاقَ بَعدَ حِيادِكُم
لا تَذكُروا الأَخلاقَ بَعدَ حِيادِكُم / فَمُصابُكُم وَمُصابُنا سِيّانِ
حارَبتُمُ أَخلاقَكُم لِتُحارِبوا / أَخلاقَنا فَتَأَلَّمَ الشَعبانِ
قَصرَ الدُبارَةِ قَد نَقَض
قَصرَ الدُبارَةِ قَد نَقَض / تَ العَهدَ نَقضَ الغاصِبِ
أَخفَيتَ ما أَضمَرتَهُ / وَأَبَنتَ وُدَّ الصاحِبِ
الحَربُ أَروَحُ لِلنُفو / سِ مِنَ الحِيادِ الكاذِبِ
لا وَالأَسى وَتَلَهُّبِ الأَحشاءِ
لا وَالأَسى وَتَلَهُّبِ الأَحشاءِ / ما باتَ بَعدَكَ مُعجَبٌ بِوَفاءِ
أَنّى حَلَلتُ أَرى عَلَيكَ مَآتِماً / فَلِمَن أُوَجِّهُ فيكَ حُسنَ عَزائي
لِبَنيكَ أَم لِذَويكَ أَم لِلكَونِ أَم / لِلدَهرِ أَم لِجَماعَةِ الجَوزاءِ
أَودى سُلَيمانٌ فَأَودى بَعدَهُ / حُسنُ الوَفاءِ وَبَهجَةُ العَلياءِ
لا تَحمِلوهُ عَلى الرِقابِ فَقَد كَفى / ما حُمِّلَت مِن مِنَّةٍ وَعَطاءِ
وَذَروا عَلى نَهرِ المَدامِعِ نَعشَهُ / يَسري بِهِ لِلرَوضَةِ الفَيحاءِ
تَاللَهِ لَو عَلِمَت بِهِ أَعوادُهُ / مُذ لامَسَتهُ لَأَورَقَت لِلرائي
خُلُقٌ كَضَوءِ البَدرِ أَو كَالرَوضِ أَو / كَالزَهرِ أَو كَالخَمرِ أَو كَالماءِ
وَشَمائِلٌ لَو مازَجَت طَبعَ الدُجى / ما باتَ يَشكوهُ المُحِبُّ النائي
وَمَحامِدٌ نَسَجَت لَهُ أَكفانَهُ / مِن عِفَّةٍ وَسَماحَةٍ وَإِباءِ
وَمَناقِبٌ لَولا المَهابَةُ وَالتُقى / قُلنا مَناقِبُ صاحِبِ الإِسراءِ
وَعَزائِمٌ كانَت تَفُلُّ عَزائِمَ ال / أَحداثِ وَالأَيّامِ وَالأَعداءِ
عَطَّلتَ فَنَّ الشِعرِ بَعدَكَ وَاِنطَوى / أَجَلُ القَريضِ وَمَوسِمُ الشُعَراءِ
وَاللُؤلُؤُ اِستَعصى عَلَينا نَظمُهُ / بِسُموطِ مَدحٍ أَو سُموطِ هَناءِ
إِلّا عَلى طَرفٍ بَكاكَ وَشاعِرٍ / أَحيا عَلَيكَ مَراثِيَ الخَنساءِ
نَثَروا عَلَيكَ نَوادِيَ الأَزهارِ
نَثَروا عَلَيكَ نَوادِيَ الأَزهارِ / وَأَتَيتُ أَنثُرُ بَينَهُم أَشعاري
زَينَ الشَبابِ وَزَينَ طُلّابِ العُلا / هَل أَنتَ بِالمُهَجِ الحَزينَةِ داري
غادَرتَنا وَالحادِثاتُ بِمَرصَدٍ / وَالعَيشُ عَيشُ مَذَلَّةٍ وَإِسارِ
ما كانَ أَحوَجَنا إِلَيكَ إِذا عَدا / عادٍ وَصاحَ الصائِحونَ بَدارِ
أَينَ الخَطيبُ وَأَينَ خَلّابُ النُهى / طالَ اِنتِظارُ السَمعِ وَالأَبصارِ
بِاللَهِ ما لَكَ لا تُجيبُ مُنادِياً / ماذا أَصابَكَ يا أَبا المِغوارِ
قُم وَاِمحُ ما خَطَّت يَمينُ كُرومَرٍ / جَهلاً بِدينِ الواحِدِ القَهّارِ
قَد كُنتَ تَغضَبُ لِلكِنانَةِ كُلَّما / هَمَّت وَهَمَّ رَجاؤُها بِعِثارِ
غَضَبَ التَقِيِّ لِرَبِّهِ وَكِتابِهِ / أَو غَضبَةَ الفاروقِ لِلمُختارِ
قَد ضاقَ جِسمُكَ عَن مَداكَ فَلَم يُطِق / صَبراً عَلَيكَ وَأَنتَ شُعلَةُ نارِ
أَودى بِهِ ذاكَ الجِهادُ وَهَدَّهُ / عَزمٌ يَهُدُّ جَلائِلَ الأَخطارِ
لَعِبَت يَمينُكَ بِاليَراعِ فَأَعجَزَت / لَعِبَ الفَوارِسِ بِالقَنا الخَطّارِ
وَجَرَيتَ لِلعَلياءِ تَبغي شَأوَها / فَجَرى القَضاءُ وَأَنتَ في المِضمارِ
أَوَ كُلَّما هَزَّ الرَجاءُ مُهَنَّداً / بَدَرَت إِلَيهِ غَوائِلُ الأَقدارِ
عَزَّ القَرارُ عَلَيَّ لَيلَةَ نَعيِهِ / وَشَهِدتُ مَوكِبَهُ فَقَرَّ قَراري
وَتَسابَقَت فيهِ النُعاةُ فَطائِرٌ / بِالكَهرَباءِ وَطائِرٌ بِبُخارِ
شاهَدتُ يَومَ الحَشرِ يَومَ وَفاتِهِ / وَعَلِمتُ مِنهُ مَراتِبَ الأَقدارِ
وَرَأَيتُ كَيفَ تَفي الشُعوبُ رِجالَها / حَقَّ الوَلاءِ وَواجِبَ الإِكبارِ
تِسعونَ أَلفاً حَولَ نَعشِكَ خُشَّعُ / يَمشونَ تَحتَ لِوائِكَ السَيّارِ
خَطّوا بِأَدمُعِهِم عَلى وَجهِ الثَرى / لِلحُزنِ أَسطاراً عَلى أَسطارِ
آناً يُوالونَ الضَجيجَ كَأَنَّهُم / رَكبُ الحَجيجِ بِكَعبَةِ الزُوّارِ
وَتَخالُهُم آناً لِفَرطِ خُشوعِهِم / عِندَ المُصَلّى يُنصِتونَ لِقاري
غَلَبَ الخُشوعُ عَلَيهِمُ فَدُموعُهُم / تَجري بِلا كَلَحٍ وَلا اِستِنثارِ
قَد كُنتَ تَحتَ دُموعِهِم وَزَفيرِهِم / ما بَينَ سَيلٍ دافِقٍ وَشَرارِ
أَسعى فَيَأخُذُني اللَهيبُ فَأَنثَني / فَيَصُدُّني مُتَدَفِّقُ التَيّارِ
لَو لَم أَلُذ بِالنَعشِ أَو بِظِلالِهِ / لَقَضَيتُ بَينَ مَراجِلٍ وَبِحارِ
كَم ذاتِ خِدرٍ يَومَ طافَ بِكَ الرَدى / هَتَكَت عَلَيكَ حَرائِرَ الأَستارِ
سَفَرَت تُوَدِّعُ أُمَّةً مَحمولَةً / في النَعشِ لا خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
أَمِنَت عُيونَ الناظِرينَ فَمَزَّقَت / وَجهَ الخِمارِ فَلَم تَلُذ بِخِمارِ
قَد قامَ ما بَينَ العُيونِ وَبَينَها / سِترٌ مِنَ الأَحزانِ وَالأَكدارِ
أُدرِجتَ في العَلَمِ الَّذي أَصفَيتَهُ / مِنكَ الوِدادَ فَكانَ خَيرَ شِعارِ
عَلَمانِ مِن فَوقِ الرُؤوسِ كِلاهُما / في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
ناداهُما داعي الفِراقِ فَأَمسَيا / يَتَعانَقانِ عَلى شَفيرٍ هاري
تَاللَهِ ما جَزِعَ المُحِبُّ وَلا بَكى / لِنَوىً مُرَوِّعَةٍ وَبُعدِ مَزارِ
جَزَعَ الهِلالِ عَلَيكَ يَومَ تَرَكتَهُ / ما بَينَ حَرِّ أَسىً وَحَرِّ أُوارِ
مُتَلَفِّتاً مُتَحَيِّراً مُتَخَيِّراً / رَجُلاً يُناضِلُ عَنهُ يَومَ فَخارِ
إِنَّ الثَلاثينَ الَّتي بِكَ فاخَرَت / باتَت تُقاسُ بِأَطوَلِ الأَعمارِ
ضَمَّت إِلى التاريخِ بِضعَ صَحائِفٍ / بَيضاءَ مِثلَ صَحائِفِ الأَبرارِ
شَبَّهتُهُنَّ بِنُقطَةٍ عِطرِيَّةٍ / وَسِعَت مُحَصَّلَ رَوضَةٍ مِعطارِ
خَلَّفتَها كَالمَشقِ يَحذو حَذوَها / راجى الوُصولِ وَمُقتَفي الآثارِ
ماذا عَلى الساري وَهُنَّ مَناثِرٌ / لَو سارَ بَينَ مَجاهِلٍ وَقِفارِ
ما زِلتَ تَختارُ المَواقِفَ وَعرَةً / حَتّى وَقَفتَ لِذَلِكَ الجَبّارِ
وَهَدَمتَ سوراً قَد أَجادَ بِناءَهُ / فِرعَونُ ذو الأَوتادِ وَالأَنهارِ
وَوَصَلتَ بَينَ شَكاتِنا وَمَشايِخٍ / في البَرلَمانِ أَعِزَّةٍ أَخيارِ
كَشَفوا الغِطاءَ عَنِ العُيونِ فَأَبصَروا / ما في الكِنانَةِ مِن أَذىً وَضِرارِ
نَبَذوا كَلامَ اللُردِ حينَ تَبَيَّنوا / حَنَقَ المَغيظِ وَلَهجَةَ الثَرثارِ
وَرَماهُمُ بِمُجَلَّدَينِ رَمَوهُما / في رُتبَةِ الأَصفارِ لا الأَسفارِ
واهاً عَلى تِلكَ المَواقِفِ إِنَّها / كانَت مَواقِفَ لَيثِ غابٍ ضاري
لَم يَلوِهِ عَنها الوَعيدُ وَلا ثَنى / مِن عَزمِهِ قَولُ المُريبِ حَذارِ
فَاِهنَأ بِمَنزِلِكَ الجَديدِ وَنَم بِهِ / في غِبطَةٍ وَاِنعَم بِخَيرِ جِوارِ
وَاِستَقبِلِ الأَجرَ الكَبيرَ جَزاءَ ما / ضَحَّيتَ لِلأَوطانِ مِن أَوطارِ
نِعمَ الجَزاءُ وَنِعمَ ما بُلِّغتَهُ / في مَنزِلَيكَ وَنِعمَ عُقبى الدارِ
لِلَّهِ دَرُّكَ كُنتَ مِن رَجُلِ
لِلَّهِ دَرُّكَ كُنتَ مِن رَجُلِ / لَو أَمهَلَتكَ غَوائِلُ الأَجَلِ
خُلُقٌ كَأَنفاسِ الرِياضِ إِذا / أَسحَرنَ غِبَّ العارِضِ الهَطِلِ
وَشَمائِلٌ لَو أَنَّها مُزِجَت / بِطَبائِعِ الأَيّامِ لَم تَحُلِ
جَمُّ المَحامِدِ غَيرُ مُتَّهَمٍ / جَمُّ التَواضُعِ غَيرُ مُبتَذَلِ
يا دَولَةَ الأَخلاقِ رافِلَةً / مِن قاسِمٍ في أَبهَجِ الحُلَلِ
كَيفَ اِنطَوَيتِ بِهِ عَلى عَجَلٍ / أَكَذا تَكونُ مَصارِعُ الدُوَلِ
يا طالِعاً لِلشَرقِ لَجَّ بِهِ / نَحسُ النُحوسِ فَقَرَّ في زُحَلِ
هَلّا وَصَلتَ سُراكَ مُنتَقِلاً / عَلَّ السُعودِ تَكونُ في النُقَلِ
ما لي أَرى الأَجداثَ حالِيَةً / وَأَرى رُبوعَ النيلِ في عَطَلِ
فَإِذا الكِنانَةُ أَطلَعَت رَجُلاً / طاحَ القَضاءُ بِذَلِكَ الرَجُلِ
أَوَ كُلَّما أَرسَلتُ مَرثِيَةً / مِن أَدمُعي في إِثرِ مُرتَحِلِ
هاجَت بِيَ الأُخرى دَفينَ أَسىً / فَوَصَلتُ بَينَ مَدامِعِ المُقَلِ
إِن خانَني فيما فَجِعتُ بِهِ / شِعري فَهَذا الدَمعُ يَشفَعُ لي
وَلَقَد أَقولُ وَما يُطاوِلُني / عِندَ البَديهَةِ قَولُ مُرتَجِلِ
يا مُرسِلَ الأَمثالِ يَضرِبُها / قَد عَزَّ بَعدَكَ مُرسِلُ المَثَلِ
يا رائِشَ الآراءِ صائِبَةً / يَرمي بِهِنَّ مَقاتِلَ الخَطَلِ
لِلَّهِ آراءٌ شَأَوتَ بِها / في الخالِدينَ نَوابِغَ الأُوَلِ
قَد كُنتَ أَشقانا بِنا وَكَذا / يَشقى الأَبِيُّ بِصُحبَةِ الوَكَلِ
لَهفي عَلَيكَ قَضَيتَ مُرتَجِلاً / لَم تَشكُ لَم تَستَوصِ لَم تَقُلِ
غَلَّ القَضاءُ يَدَ القَضاءِ فَذا / يَبكي عَلَيكَ وَذاكَ في جَذَلِ
شَغَلَتكَ عَن دُنياكَ أَربَعَةٌ / وَالمَرءُ مِن دُنياهُ في شُغُلِ
حَقٌّ تُناصِرُهُ وَمَفخَرَةٌ / تَمشي إِلَيها غَيرَ مُنتَحِلِ
وَحَقائِقٌ لِلعِلمِ تَنشُدُها / ما لِلحَكيمِ بِهِنَّ مِن قِبَلِ
وَفَضيلَةٌ أَعيَت سِواكَ فَلَم / تَمدُد إِلَيهِ يَداً وَلَم يَصِلِ
إِن رَيتَ رَأياً في الحِجابِ وَلَم / تُعصَم فَتِلكَ مَراتِبُ الرُسُلِ
الحُكمُ لِلأَيّامِ مَرجِعُهُ / فيما رَأَيتَ فَنَم وَلا تَسَلِ
وَكَذا طُهاةُ الرَأيِ تَترُكُهُ / لِلدَهرِ يُنضِجُهُ عَلى مَهَلِ
فَإِذا أَصَبتَ فَأَنتَ خَيرُ فَتىً / وَضَعَ الدَواءَ مَواضِعَ العِلَلِ
أَولا فَحَسبُكَ ما شَرُفتَ بِهِ / وَتَرَكتَ في دُنياكَ مِن عَمَلِ
واهاً عَلى دارٍ مَرَرتُ بِها / قَفراً وَكانَت مُلتَقى السُبُلِ
أَرخَصتُ فيها كُلَّ غالِيَةٍ / وَذَكَرتُ فيها وَقفَةَ الطَلَلِ
ساءَلتُها عَن قاسِمٍ فَأَبَت / رَدَّ الجَوابِ فَرُحتُ في خَبَلِ
مُتَعَثِّراً يَنتابُني وَهَنٌ / مُتَرَنِّحاً كَالشارِبِ الثَمِلِ
مُتَذَكِّراً يَومَ الإِمامِ بِهِ / يَومَ اِنتَوَيتُ بِذَلِكَ البَطَلِ
يَومَ اِحتَسَبتُ وَكُنتُ ذا أَمَلٍ / تَحتَ التُرابِ بَقِيَّةَ الأَمَلِ
جاوِر أَحِبَّتَكَ الأُلى ذَهَبوا / بِالعَزمِ وَالإِقدامِ وَالعَمَلِ
وَاِذكُر لَهُم حاجَ البِلادِ إِلى / تِلكَ النُهى في الحادِثِ الجَلَلِ
قُل لِلإِمامِ إِذا اِلتَقَيتَ بِهِ / في الجَنَّتَينِ بِأَكرَمِ النُزُلِ
إِنَّ الحَقيقَةَ أَصبَحَت هَدَفاً / لِلراكِبينَ مَراكِبَ الزَلَلِ
لِلَّهِ آثارٌ لَكُم خَلَدَت / صاحَ الزَوالُ بِها فَلَم تَزُلِ
لِلَّهِ أَيّامٌ لَكَم دَرَجَت / طالَت عَوارِفُها وَلَم تَطُلِ
نِعمَ الظِلالِ لَوَ اِنَّها بَقِيَت / أَو أَنَّ ظِلّاً غَيرُ مُنتَقِلِ