القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الزَّقّاق البَلَنْسِي الكل
المجموع : 40
ركبٌ يجوبون الفلا بنجائبٍ
ركبٌ يجوبون الفلا بنجائبٍ / عُنِيَتْ بنصٍّ دائمٍ وعنيقِ
فحثثتُها والحيُّ قد نزلوا منىً / ذكرَ الحجيجِ لياليَ التشريق
تسري بكلِّ فتىً كأنَّ رداءَهْ / خَضِلاً بأدْمُعُهِ رداءُ غريق
يتنازعون على الرحالِ حديثَهُمُ / كتنازعِ الندماءِ كأسَ رحيق
رُمْدُ العيونِ كأنما عبراتُهُمْ / دُرٌّ تحَدَّرَ من فُصوص عقيق
يا كوكباً بهر الكواكب حسنه
يا كوكباً بهر الكواكب حسنه / لمّا أفلنَ وما عرفن أفولا
لله درُّكَ أن نقوَّلَ كاشحٌ / فرددت حدَّ لسانه مفلولا
ما كنت أضمر غير ودٍّ صادقٍ / لك كلّما هجر الخليلُ خليلا
فاقمعْ شرارَ الحاسدينَ فإنهم / طلبوا لتغيير الصفاءِ سبيلا
قلبي على العهدِ القديمِ فرِدْ به / ظلَّ المودة يا خبيرُ ظليلا
لا تطلبنَّ بيَ البديلَ فإنني / لم أتخذ بك في الإخاء بديلا
ألفٌ ألا انعم بالمحبة حالا
ألفٌ ألا انعم بالمحبة حالا / واجررْ لأبراد المنى أذيالا
باء بدا شفق المغيب وأوقدت / سرج النجوم فعاطني الجريالا
تاء تلوت محاسن البيض الدمى / سوراً وجدت بها الرحيق حلالا
ثاء ثوينا نجتني زَهَرَ المنى / من كل غصن في نقا قد مالا
جيم جرت أفلاك بدري أقمرا / مما تدور بأنجم تتلالا
حاء حباني من حبيت بوصله / برضابه فرشفت منه زلالا
خاء خلال الروض وهو ممسك / بتنا نباري الفرقدين وصالا
دال دنت بي منه رحما زورة / فظننتها مما ازدهيت خيالا
ذال ذؤابة من هويت زمرد / لو طاول المسك الأحم لطالا
راء رنا ظبياً وغنى أورقاً / ومشى قضيب نَقا ولاح هلالا
زاء زعمتم بالنصال فطرفه / أَصمى الفؤاد وما أعد نبالا
طاء طوى الهيمان طيَّ وشاحه / بمخصر فتوشح الخلخالا
ظاء ظللنا تحت ظلِّ مودة / في روض أنس نجتني الآمالا
كاف كساه الحسن غرة جعفر / فاهتزَّ من طرب وفاق جمالا
لام لواء المجدِ تحت يمينه / ولجامُ طِرْفِ العز منه مالا
نون نبيل إن تناول رقعة / خلت اليراعة أسمراً عسالا
صاد صدقت لقد بلوت فلم أجد / في المجد لابن أبي الربيع مثالا
ضاد ضمنت لمن أناخ بظله / إلا أن يحط على الخطوب رحالا
عين عفا رسم الوفاء فجددت / منه سوابغ فضله أَطلالا
غين غدت منا اللحاظ كأنما / نرعى به بدر التمام كمالا
فاء فريد الحسن منه يزيده / باللحظ تكرير العيون صقالا
قاف قُدِ العلياء يا قطب النهى / واجعل لها كرم الخلال عقالا
سين سموت وقد نمتكَ عصابة / مَلأَتْ صدوراً هيبة وجمالا
شين شآبيب الندى بأكفهم / عند الشدائد تطرد الأمحالا
هاء هم الغر الكرام وإن عروا / أردوا على الغر الكرام رجالا
واو وعندهم حمام عدوهم / من قبل أن ينضوا عليه نصالال
ياء يُلاقي ذكرهم لفؤاده / جزعاً كما يلقى النسيم ذبالا
كذبت ظنونُك ما العزاء جميلا
كذبت ظنونُك ما العزاء جميلا / أَوَما رأيتَ دمَ العلا مطلولا
هذا جوادُ أبي شجاعٍ مخبرٌ / أن الجواد انقضَّ عنه قتيلا
ولطالما لبس الدروعَ غلائلا / ولطالما جرَّ الرماح ذيولا
وسرى إلى الغارات وهي كتيبةٌ / ملء الفضاء فوارساً وخيولا
واستقبل الزمنَ البهيم فلم تزل / أيَّامه غرراً به وحجولا
حتى استفاض عليه بحرُ حمامِهِ / يربدُّ فيه أسنَّة ونصولا
في مأزق ضنك المسالك رتَّلَتْ / فيه الظُّبا سُوَرَ الردى ترتيلا
خام الكماةُ فكرَّ كرة ضيغم / لم يرضَ إلا السمهرية غيلا
لبس الشهادةَ حلَّةً حمراء من / عَلَقٍ تعم السابريَّ فضولا
يا شدَّ ما اتخذ المنيَّة خلَّة / من بعد ما اتخذ الحسام خليلا
وأجال عادية الجياد محارباً / وأذلَّ أعناق البلاد منيلا
يا راحلاً ركب الحمام مطيَّة / هل ترتجي بعد الرحيل قُفولا
غادرْتَ معمور المكارم بلقعاً / وتركت ربع المعلواتِ محيلا
إن كنتَ ودَّعْتَ الحياةَ فإنما / أودعت داءً في القلوب دخيلا
أو كان واراك الصفيحُ فإنما / وارى رقيق الشفرتين صقيلا
أزرى به طولُ الضراب وغادرتْ / في مضربية الحادثاتُ فلولا
أمَّا الأنام عيونهم وقلوبهم / فلقد مُلئنَ مدامعاً وغليلا
عندي حديث عن وجيبِ ضلوعهم / لو كنتَ تصغي للحديث قليلا
لم تَبْقَ من نُطَفِ المدامعِ قطرة / إلاَّ وراح مصونُها مبذولا
ما زلت صباً بالشهادة في الوغى / حتى وجدتَ إلى الوصالِ سبيلا
فبكى الحصان الأعوجيُّ تحمحماً / والهندوانيُّ الجُرازُ صليلا
واغرورقتْ عين السماء وربما / رفعت كواكبها عليك عويلا
وتغير الصبح المنير فخلته / مما تسربل بالشحوب أصيلا
يا حسرةً نفتِ الرقادَ وأَطلعتْ / للشيب في رأسِ الوليد نصولا
ما كان أَحرانا لمصرع أرقمٍ / أَنْ نغتدي في حيث حلَّ حلولا
أفبعده تبغي الحياةَ إذن فلا / دفع البكا منا عليه غليلا
قل للمؤمِّل حدتَ عن شأوِ المنى / رَمَتِ المنونُ فأَصْمَتِ المأمولا
واهرب كمن ركب السرى فسرى فتىً / يحدى السرى بعد الوزير قتيلا
خلع ابن لبونٍ ثيابَ حياته / فاخلع وجيفاً بعد وذميلا
يا حامليه للثرى رفقاً به / فالمجدُ أَصبح للثرى محمولا
خصُّوا به قلب الشجي لفقده / ولتجعلوه من الضريح بديلا
أو فاكفليه يا سماء فإنَّه / ما اعتاد نجم في سواك أفولا
كان الشهابَ المستضيءَ فلم يَنُبْ / عن نوره نور السِّماكِ دليلا
كان الغمامَ المستهلَّ فما لنا / نشكو أوان همى السحاب محولا
يا دهر أَنَّى غلت منه مثقَّفاً / لدنَ المهزِّ وصارماً مصقولا
يا قبر كيف وسعت منه سحابةً / وطفاءَ ساحبة الذيول هطولا
عظم المصاب وقد أصيب بمعرك / أخذت به منه العداة ذحولا
والرزء ليس يجل أو يُلفى الذي / أَصماهُ سهم الحادثات جليلا
أين الذي هدمت صوارمه الطلى / وغدا بتشييد العلاء كفيلا
أين الذي ملكت علاه نواظراً / ومسامعاً وقرائحاً وعقولا
وسرى فسمَّيْنا النجوم حباحباً / وحبا فسمَّيْنا الغمام بخيلا
من ذا يسدُّ مكانه في غارة / تركت سوابقها الحزون سهولا
أم من ينوب منابَهُ لحوادث / تذر العزيز بحكمهنَّ ذليلا
أَوَ لم يكن يغشى الحروب منازلاً / فيشبّها بحسامه مسلولا
أو ما غدا بجياده فتبخترت / مرحاً ورجَعتِ الغناء صهيلا
ما باله نبذ السوابغ والقنا / وأقام عن شغلٍ بها مشغولا
ما باله ترك الجفون سحائباً / ما باله ترك الجسوم طلولا
قد زرت موضع قبره فكأنما / قلّبتُ منه روضة وقبولا
ونشرت حُرَّ ثنائه فكأنما / عاطيت منه السامعين شمولا
ما راعنا موت العزيز فلم يزل / حيَّاً لمن يتأوِّل التنزيلا
لكن جزعنا للفراق وقد نوى / عنَّا إلى دار القرار رحيلا
أَلله أنزله الجنان ومدَّ من / رضوانه ظلاً عليه ظليلا
لو كنتَ شاهده وقد غَشِيَ الوغى
لو كنتَ شاهده وقد غَشِيَ الوغى / يختالُ في ضافي الحديد المسبلِ
لرأيتَ منه والحسامُ بكفه / بحراً يريق دمَ الكماة بجدول
يا برقَ نجدٍ هل شعرت بِمُتْهِمِ
يا برقَ نجدٍ هل شعرت بِمُتْهِمِ / وهبَ الكرى لوميضكَ المتبسمِ
ما طالَعَتْهُ في الدجى لك لمحةٌ / إلا وقال لدمعِ مقلته اسْجم
ناشدتكَ الله اسقينَّ رُبى الحمى / سُحُباً تطرِّزها بنوءِ المِرْزَم
وانفح بذي سَلَمٍ نسيم ظلاله / وإذا مررتَ على العقيق فسلم
فيها جررتُ ذيول أبرادِ الصبى / طوعاً له وعصيت لوم اللوَّم
ولقد طرقتُ الحيَّ في غَبَش الدجى / والليلُ في زِيِّ الجوادِ الأدهم
متنكباً زوراء مثل هلاله / نصَّلتُ أسهمها بمثل الأنجم
ولربَّما اتشحتْ هناك عواتقي / بنجادِ مطرورِ الغِرارِ مصمم
أسطو به والشوقُ أعظم سطوةً / مني فينقادُ العظيمُ لأعظم
ها إنني أيقنتُ أن جفونَهُمْ / تُربي على بأس الكمي المعلم
فغفرتُ ذنبَ مهنَّدي لمَّا نبا / في راحتي وقبلتُ عذرَ الأسهم
فسقى ديارهمُ وإن جارتْ بها / نُوَبُ الفراقِ على المحب المغرم
أهوى الحمى من أجلهم ولربَّما / أصبو لِعُلْوِيِّ الصَّبا المتنسِّم
وأقولُ والورقاءُ تهتفُ بالغنا / ومدامعي في مثل لونِ العندم
منكِ الغناءُ ومن دموعي قَرقفٌ / وقد اغتبقت كؤوسها فترنمي
في ليلةٍ ليلاءَ تلبسُ من دجى / ظلمائها ثوبَ الثكولِ بمأتم
هبَّ النسيمُ بها سريجياً فهل / شَفَقُ العشيَّةِ ما أراق من الدم
يا بنتَ جرَّارِ الذوابلِ في الوغى / مَنْ لي بظبيٍ في كفالةِ ضيغم
أَمسيتِ عاطلةً فأمستْ أدمعي / تهمي لبثِّ الجوهرِ المتنظّم
ولربما طربتْ فرائدُ سلكه / لما انتقلنَ من المقلَّد للفم
وضع الحسانُ الدرَّ فوق ترائبٍ / وسوالفٍ ووضعتِهِ في المبسم
يا هل تبلِّغني الجيادُ منازلاً / ممطورةً بدموع كلِّ متيَّم
من كل أشقرَ للبوارقِ يعتزي / أو كل أشهب للكواكب ينتمي
ترعى الكواكبُ منه كوكبَ غُرَّةٍ / ينشقُّ عنه دجى الغبار الأقتم
ويُجِنُّ منه الليل ليلاً مثله / مهما جرى جنح الظلام الأسحم
ينساب بي بين الصوارم مثلما / أبصرت في الماء انسياب الأرقم
لا شيءَ أسرع منه في ميدانه / إلا عياضاً
نجلُ الصناديد الألى ورثوا العلا / متقدِّماً في الفضلِ عن متقدم
من كلِّ أبلجَ بالفخارِ متوَّجٍ / أو كلِّ أروعَ بالسماحِ مختَّم
بيضٌ إذا اسودَّ الزمانُ وريبه / كشفوا حنادسه ببيض الأنعم
شادوا المعالي والمساعي أبرجاً / ترقى إليها النيِّراتُ بسلَّم
وَنَمَوْا أبا الفضل الذي بيمينه / فضلٌ على صَوْبِ الغمامِ المُرْهِم
سِيَرٌ تذكِّرُنا أساطيرَ الألى / كانوا الدعائمَ للزمانِ الأقدم
تحكي نجومَ القذف أنجمُها فإن / مَرَدَتْ شياطينُ الحوادثِ تُرْجَم
يا جوهرَ الألباب دونكَ جوهراً / لولا نظامُ عُلاك لم يتنظَّم
قَصَّرْنَ لما حزتَ من كرم ومنْ / نعمٍ ومن شيمٍ كزهر الأنجم
ومحاسنٍ شتَّى جمعتُ فنونها / فرفلت في وشي بهن منمنم
وإذا بعثتُ لك المديحَ فإنما / أُهدي به وَشَلاً لبحرٍ مفعم
خذها ولا تلفظ بغير بيوتها
خذها ولا تلفظ بغير بيوتها / متمثلاً فالشهدُ غير العلقم
معسولةً كالأري إلا أنها / لكيودها حُمَةُ الشُّجاعِ الأرقم
لا عيب فيها غير ذكر زعانف / جهلوا فهمُّوا بانتقاد الأنجم
والشّهب لو مزجت لكم بجنادل / لم تَفْرِقوا بين الصَّفا والمرزم
مَنْ كانَ يبغي أن تضاهيَ كفُّهُ
مَنْ كانَ يبغي أن تضاهيَ كفُّهُ / أُفقَ السماءِ بما حوتْ من أنجم
لا تخلُ مني راحتاهُ لدى الوغى / أَرْمِ العدا بشهابِ قَدْحٍ مضرم
فأنا التي تحكي الهلالَ معاطفي / وأنا التي تحكي الكواكبَ أسهمي
لله شهرٌ ما انتظرتُ هلالَهُ
لله شهرٌ ما انتظرتُ هلالَهُ / إلا كنونٍ أو كعطفة لام
حتى بدا منه أَغن مهفهف / لضيائه ينجابُ كلُّ ظلام
فطفقتُ أَهتفُ في الأنامِ ضللتمُ / وغلطتمُ في عِدَّةِ الأيام
ما جاءَنا شهرٌ لأوَّل ليلة / مذ كانتِ الدنيا ببدرِ تمام
بيني وبينَ الحادثاتِ خصامُ
بيني وبينَ الحادثاتِ خصامُ / فيما جَنَتْهُ على العلا الأيَّام
كسفت هلالَ سمائِها من بعد ما / وافاهُ من كَرَمِ الجلالِ تمام
ورمتْ قضيبَ رياضها بتقصفٍ / غضَّاً سقاه من الشباب غمام
فاليومَ بستانُ المكارمِ ماحِلٌ / واليومَ نورُ المعلُواتِ ظلام
رامت صروفُ الحادثاتِ فأدركت / مَنْ كان لم يبعدْ عليه مرام
أودت بمهجته الليالي بعد ما / فخرت به الأسياف والأقلام
وغدا وراح المجد ذا ثقة به / أن يردعَ الأحداثَ وهي جسام
وبدتْ عليه من حلاهُ شمائلٌ / لا تهتدي لنعوتها الأوهام
كالروضِ لما دبّجتُهُ غمامة / والمسكِ لما فُضَّ عنه ختام
ناحتْ عليه الشهبُ وهي عرائسٌ / وبكى عليه الغيمُ وهوَ جهام
وانجابَ ظلُّ الأنسِ فهو مقلَّصٌ / وامتدَّ ليلُ الخطب فهو تمام
واربدَّ ضوءُ الشمسِ في رأد الضحى / حتى استوى الإشراقُ والإظلام
ما للمدامعِ لا يُطَلُّ بها الثرى / والسادةُ الكبراء فيه نيام
أَكذا يُبادُ حلاحلٌ ومهذَّبٌ / أَكذا يُنالُ مُسَوَّدٌ وهمام
تَعِسَ الزمان فإنَّما أيامه / ومقامنا في ظلِّها أحلام
لنرى الديارَ وهنَّ بعد أنيسها / دُرُسُ المعالمِ والجسومِ رِمام
والنسرُ مقتَنصٌ بأشراكِ الرَّدى / وبناتُ نعشٍ في الدجى أيتام
بأبي قتيلٌ قاتلٌ حُسْنَ العزا / مذ أَقصدته من المنونِ سهام
غدرتْ به أُمُّ اللهيمِ وطالما / فلَّ الخميسَ المجرَ وهو لُهام
وأبى له إلاَّ الشهادةَ ربُّهُ / ومضاؤُهُ والبأسُ والإقدام
فتك الردى بأبي شجاعٍ فتكةً / زلَّت لها رضوى وخرَّ شمام
فُقِدَتْ لها الألبابُ والأحسابُ وال / آداب والإسراج والإلجام
ندبته أبكارُ الحروبِ وعونها / وبكاهُ حزبُ الله والإسلام
أيُّ السيوفِ قضى عليه وبينه / قِدْماً وبين ظبا السيوفِ ذِمام
وبأيِّ لحدٍ أودعوه وإنَّه / ما قَطُّ في الضريحِ حسام
ما كان إلاَّ التبرَ أُخلِصَ سبكُهُ / فاسْتَرْجَعَتْهُ تربةٌ ورغام
يا حامليه قِفوا عليه وقفةً / يَشْفَى بها قبل الوداع هُيام
رُدُّوا وليَّ الله حتى يُشْتَفى / من أروعٍ شُفِيَتْ به الآلام
ردُّوا الشهيد نُسَقِّهِ من أَدمع / إنْ أَخلفتْ مُزْنٌ بهنَّ رهام
لا تسلموه إلى الثرى فلسيفِهِ / مذ كان من أعدائه استسلام
ولتدفنوه في الجوانحِ والحشا / إن كان يُرضيه هناك مَقام
واستنشقوا لثنائِهِ عَرْفَاً به / ينحطُّ عن نفسِ الصباح لثام
ما ضمَّهُ بطنُ الثرى إلا وقد / ضمَّتْه في دارِ النعيمِ خيام
صلى عليه الله ما ثنت الصبا / غصناً وما غنَّتْ عليه حمام
يا عينُ شأنك والمدامعَ فاسمحي / ولتعلمي أن الهجوعَ حرام
إن الذي كان الرجاءُ مشيّداً / بوفائِهِ غدرتْ به الأيام
أَعززْ عليَّ بضيغمٍ ذي سطوةٍ / أَجماته بعد الرماحِ رِجام
اعززْ عليَّ بزهرةٍ مطلولةٍ / أمست ولا غيرَ الضريحِ كِمام
اعززْ عليَّ بمنْ يعزُّ على العلا / إن غيل قَسْوَرُ غيلها الضرغام
إن كان أفنتْهُ الحروبُ فشدَّ ما / فنيت بِمُنْصُلِهِ الطلى والهام
أو راح مهجورَ الفِناءِ فطالما / هَجَرَتْ به أرواحَها الأجسام
أمضرَّجٌ بدمائه هي ميتة / وَقْفٌ عليها السيد القمقام
البأسُ والإقدام أوردكَ الردى / إن كان أنجى غيرَك الإحجام
قد كنتَ في ذاك المقام مخيَّراً / لكن ثبتَّ وزلَّتِ الأقدام
لم يُلْفَ فيه سوى الفرارِ أو الردى / فاخترتَ صَرْفَ الموتِ وهو زؤام
وأبتْ لك الذمَّ المكارمُ والعلا / والسمهريُّ اللدنُ والصمصام
الليلُ بعدك سرمدٌ لا ينقضي / فكأنما ساعاتُهُ أعوام
والأنْسُ غمٌّ والسرورُ كآبةٌ / والنومُ سُهْدٌ والحياةُ حمام
لمن اطَّرحَت المجد وهو كأنه / طَلَلٌ تعفّيه صباً وغمام
ولمن تركتَ الصافناتِ كأنَّها / موسومةٌ باللؤمِ وهي كرام
زَفَرَتْ لموتِ أبي شجاعٍ زفرةً / لم يبقَ ساعَتَها لهنَّ حزام
عمَّتْ رزيَّتُهُ القلوبَ فكلُّها / كاسٌ وأنواعُ المدامِ حمام
كَثُرَ العويلُ عليه بعد نعيِّه / حتى كأنَّ العالمين حمام
وحكتْ دموعَ الغانياتِ عقودُها / لو لم يكن لعقودهنَّ نظام
يا حاملينَ النعشَ أين جيادُهُ / يا ملبسيه التربَ أين اللام
أينَ السماحةُ والفصاحةُ والنهى / منه وأين الجودُ والإكرام
أضحى لعمرُ الله دونَ جلاله / سترٌ من الأجداث ليس يرام
أأبا شجاعٍ إنْ حُجِبْتَ بربوةٍ / فالزهرُ منبتهُ رُبىً وأَكام
قم تبصرِ الخفراتِ حولك حُسَّراً / لو كان يمكنُهُ الغداةَ قيام
واسمعْ عويلَ بكائها فلقد بكتْ / لبكائها الأصواء والأعلام
ضجَّتْ لمصرعكَ النوادبُ ضجَّةً / سدَّت مسامعَها لها الأيام
ولقد عهدتُك كوكباً أَبراجه / جُرْدُ المذاكي والسماءُ قتام
وعهدتُ سيفك جدولاً في وِردِهِ / يومَ الكريهة للنفوسِ هيام
فابشرْ فدارُ الخلد منكَ بموعدٍ / واهنأ ففيها غبطةٌ ودوام
مرَّ الغمامُ على ثراك محيِّياً / فعلى الغمامِ تحيَّةٌ وسلام
الجيشُ يُملي نَصْرَهُ المَلَوانِ
الجيشُ يُملي نَصْرَهُ المَلَوانِ / فافتكْ بكلِّ مهنَّدٍ وسِنانِ
واجنبْ إلى الهيجاءِ كلَّ كتيبةٍ / واخفضْ إلى الهيجاءِ كلَّ عنان
وارجمْ شياطينَ الوغى بكواكبٍ / تمحو الضلالَ إذا التقى الجمعان
إن عسعستْ ظُلَمُ القَتام فما لها / إلاَّ طُلى الأعداءِ من قُربان
دلفوا كما دلفتْ أسودُ خفيّةٍ / والتفَّتِ الأقرانُ بالأقران
حتى إذا ما النقعُ أظلمَ أجفلوا / خوفَ انتقامكَ فيه كالظُّلمان
فرقوا لطيفك في المنام ففرَّقوا / بين الكرى المعهودِ والأجفان
ولقد تروعهمُ الكواكبُ هَبَّةً / لما حكين أَسِنَّةَ المرَّان
ولربَّما عطشوا فحلأَّهمْ عن ال / غُدُر اشتباهُ البيضِ بالغدران
أيّ الغوائلِ آمنوها بعدما / عركتْ كماتَهمُ رحى الميدان
خاضت دماءَهمُ السوابحُ فاستوتْ / منها عتاقُ الخيلِ في الألوان
والجوُّ يرفلُ في مُلاءِ قَساطلٍ / رفعتْ بها ظلا على الفرسان
والسيفُ دامى المضربين كجدولٍ / في ضفَّتيه شقائقُ النعمان
يقضي بيمنك دائماً منه على / يمناك ماضي الشفرتين يماني
أَلْبَسْتَ أعطاف الجيادِ لدى الوغى / حُلَلَ الدماءِ بمرهفٍ عريان
والمُلك محميُّ الذمارِ محجَّبٌ / فالمُنْتَضى ومن انتضى سيفان
وعجاجةٍ كالليلِ إلاَّ أنها / ينقضُّ فيها نجمُ كلِّ سنان
نشأتْ كما نشأتْ سحابةُ عارضٍ / يتلوه غيمٌ وَدْقُهُ مُتَدان
وبدتْ صواديها فقلتُ بوارقٌ / لمَّا اختطفنَ الهامَ باللمعان
زاحمتَها والشهبُ دهمٌ والقنا / متقصفٌ والموت أحمر قاني
في جحفلٍ ملء الملا شَرِقَتْ به / شُمُّ الربى وسباسبُ الغيطان
آجامُ أَشْبُلِهِ القضابُ من القنا / ويروجُ أنجمِهِ من الخرصان
ما أن تني الخضراءُ في رَهَجٍ به / يسمو ولا الغبراءُ في رَجَفَان
راياتُهُ والنصرُ معقود بها / كقلوب أهلِ الشركِ في الخفقان
وجنوده كالأُسدِ مألفُها الشرى / والصافناتُ الجردُ كالعقبان
تمشي الونى تحت الفوارس في الوغى / متبختراتٍ مِشْيَةَ النَّشْوان
تطأُ الجماجمَ تحتهمْ فكأنما / قد أَنعلوا بالهامِ كلَّ حصان
بيضٌ يرونَ البيضَ أو سُمْرَ القنا / أَوْلَى من الأرواح والأبدان
لا تَثْبُتُ الأقدامُ عند لقائهمْ / ولو أنَّهم حُملوا على ثهلان
وإذا المنايا استحوذتْ فمناهمُ / بيعُ النفوسِ بكلِّ سوق طعان
يا أيها الملكُ الذي هنديُّهُ / يومَ الطِّعان كشعلة النيران
كم جبتَ فيه بعزمةٍ أرضَ العدا / فتركتها قفراً بلا عمران
وهدمتَ من بِيَعٍ لهم وكنائسٍ / وكسرتَ من صُلُبٍ ومن أوثان
وجررتَ أذيال الكتائبِ رافلاً / بين الصوارمِ والقنا الريَّان
فالدينُ موقوفٌ عليكَ رجاؤُهُ / أَنْ يُسْتباحَ الشركُ بالإيمانن
ما لاحَ في الهيجاءِ نجمُ مُثَقَّفٍ / وهلالُ كلِّ حنيَّةٍ مِرْنان
وأغرَّ مصقولِ الأديمِ تخالُهُ
وأغرَّ مصقولِ الأديمِ تخالُهُ / بَرْقَاً إذا جَمَعَ العتاقَ رهانُ
يطأ الثرى متبختراً فكأنَّه / من لحظِهِ في متنه نشوان
فكأنَّ بدرَ التِّمِّ فوقَ سَراته / حُسْناً وبين جفونِهِ كيوان
وقزازةٍ زرقاءَ رقُّ صفاؤها
وقزازةٍ زرقاءَ رقُّ صفاؤها / قد ضمَّ زهرَ الجلَّنارةِ ماؤهاه
فاعجبْ لراحٍ كاسُها من فضةٍ / ما إنْ تسيلُ وقد يسيلُ إناؤها
ومهفهفٍ غنِجٍ تَقَسَّمَتِ الظّبا
ومهفهفٍ غنِجٍ تَقَسَّمَتِ الظّبا / أَلحاظَهُ لمَّا رَنَتْ رُقَباؤهُ
فليومه زرق المهند تنتضي / ولمقلتيه حَدُّهُ ومضاؤهُ
ومهفهفٍ نبتَ الشقيقُ بخده
ومهفهفٍ نبتَ الشقيقُ بخده / واهتزَّ أملودُ النَّقا في بردهِ
ماء الشبيبة والجمال أرق من / صَقْلِ الحسامِ المنتضى وفِرِنْده
يُحيى الأنامَ بلمحةٍ منْ وَصْلِهِ / مِنْ بَعْدِ ما وردوا الحمامَ بصدّه
إن كنت أهديتَ الفؤادَ له فقلْ / أيّ الجوى لجوانحي لم يُهْدِه
قاض يجورُ على الضعيف وربما
قاض يجورُ على الضعيف وربما / لقي القويَّ بمثلِ حلم الأحنفِ
لعبت بطلعته الرُّشا لعب الرَّشا / بفؤادِ خفَّاقِ الجوانحِ مُدنف
ومهندٍ عضبٍ براحةِ أغيدِ
ومهندٍ عضبٍ براحةِ أغيدِ / في جفنه عضبٌ يَقُدُّ مَفاصلي
يسطو بذاكَ وذا فيغدو قِرْنُهُ / بهما صريعَ لواحظٍ ومناصل
ماضٍ كلا السيفين لكنْ لحظُهُ / أمضى وإلا فاسألنَّ مقاتلي
لله ليلتنا التي استجدى بها
لله ليلتنا التي استجدى بها / فَلَقُ الصباحِ لسدفةِ الإظلامِ
طرأتْ عليَّ مع النجومِ بأنجمٍ / من فتيةٍ بيضِ الوجوهِ كرامِ
إن حُوربوا فَزِعوا إلى بيضِ الظُّبا / أو خوطبوا فزعوا إلى الأقلام
فترى البلاغةَ إنْ نظرتَ إليهمُ / والبأسَ بين يراعةٍ وحُسام
هَل لِي سِوى وُطفِ الغَمائِمِ مُسعِدُ
هَل لِي سِوى وُطفِ الغَمائِمِ مُسعِدُ / بَينَ اللَواعِجِ وَجدُهُ يَتَوَقَّدُ
فَتبَسُّمُ الأَنوارِ عِندَ بُكائِها / قَد دَلَّ أَنّ بُكاءَهُنَّ تَعَمُّدُ
يا لائِمِيَّ وَقَد سَفَحتُ مَدامِعي / لَمّا خَلا بِالسَفحِ مِنها مَعهَدُ
كُنتُم تَرَون الرَأيَ رَأيي في البُكا / لَو أَنّ لَيلَكُم كَلَيلِيَ سَرمَدُ
الصُبحُ مَسدُود المَطالِعِ دُونَنا / وَالنجم عَن خَطوِ الغُروبِ مُقَيَّدُ
لا تُنكِرُوا خَفَقانَ قَلبِي إِنّهُ / سَكرانُ مِن خَمرِ الجُفونِ مُعَربِدُ
وَلتَسألُوا الرَكبَ اليَمانِيّ الأَلى / ظَعَنُوا بِميَّة أَينَ مِنها المَوعِدُ
بِالكِلَّةِ الحَمراءِ مِنها جُؤذَرٌ / وَسنانُ مَصقُولُ التَرائِبِ أَغيَدُ
خَفَقَت لَهُ زُهرُ الكَواكِبِ غيرةً / لَمّا تَحلّى الدُرَّ مِنهُ مُقَلَّدُ
وَبَكى الحَمامُ صَبابَةً إِن لَم يَكُن / بِقضيب قامتِه الرطيب يُغَرِّدُ
فَليَعلِم الغادُونَ أَنّ جَوانِحي / مَثوى الأَحِبَّةِ غُوَّرُوا أَو أَنجَدُوا
أَم يَنشُدُ الركبانُ بَين رِحالِهم / وَقَد اِرتَمَت بِهُم النَوى ما أَنشَدُوا
ضاعَ الفُؤادُ غَداةَ بَينِهِمُ وَما / في غَيرِ هاتيكَ المَراحِلِ يُوجَدُ
وَمُهفهَفٍ نَبتَ الشَقيقُ بَخَدِّهِ
وَمُهفهَفٍ نَبتَ الشَقيقُ بَخَدِّهِ / وَاهتَزّ أَملُودُ النَقا في بُردِهِ
فَأَتى بَرَوضِ الحُسنِ أَخضَرَ يانِعاً / غَضَّ الجَنى مِن وَجنَتَيهِ وَقَدِّهِ
فَليَبخَلِ الرَوضُ الأَنيقُ بَزَهرِهِ / خَدّاهُ أَحسَنُ بَهجَةً مِن وَردِهِ
وَلَيَكهَمِ السَيفُ الصَقيلُ فَإِنّما / عَيناهُ تُغني عَن ذَلاقَة حَدِّه
ماءُ الشَبِيبَةِ وَالجَمالِ أَرَقّ مِن / صَقلِ الحُسامِ المُنتَضى وَفِرِندِهِ
وَنَسِيمُهُ أَندى وَأَعطَرُ مِن صَبا / نَجدٍ وَنَشرِ عَرارِه أَو رَندِهِ
ذُو عِزّةٍ يُعزى الصباحُ لِنُورِها / حُسناً كَما يُعزى السَرابُ لِوَعدِهِ
وَسنانُ مَكحُولُ المَدامِعِ كاحِلٌ / جَفنَ المُحبِّ المُستَهامِ بِسُهدِهِ
إِن كُنتُ أَهدَيتُ الفُؤادَ لَهُ فَقُل / أَيَّ الجَوى لِجَوانِحي لَم يُهدِهِ
يَحيى الوَرى بِتَحِيّةٍ مِن وَصلِهِ / مِن بَعدِما وَرَدُوا الحِمامَ بِصَدِّه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025