المجموع : 45
سر في حياتك سير نابه
سر في حياتك سير نابه / ولُم الزمان ولا تُحابه
وإذا حللتَ بموطنٍ / فاجعل محلّك في هضابه
واختر لنفسك منزلاً / تهفو النجوم على قِبابه
ورُم العَلاء مخاطراً / فيما تحاول من لُبابه
فالمجد ليس يناله / إلا المخاطر في طِلابه
وإذا يخاطبك اللئي / مُ فصُمَّ سمعك عن خطابه
وإذا انبرى لك شاتماً / فاربأ بنفسك عن جوابه
فالروض ليس يَضيره / ما قد يطنطن من ذبابه
ولَرُبّ ذئب قد أتا / ك من ابن آدم في اهابه
ما امتاز قطّ عن ابن آ / وى شخصه بسوى ثيابه
وإذا ظفرت بذى الوفا / ء فحُطّ رحلك في رحابه
فأخوك مَن إن غاب عَنْ / ك رعى وِدادك في غيابه
وإذا أصابك ما يَسُو / ءُ مُصابك من مصابه
وتراه يَيْجَح إن شكو / ت كأنّ ما بك بعض مابه
يا قوم هَرِم الزما / ن من التمادي في انقلابه
فلذاك عند الهاجرا / ت يَسيل شيء من لعابه
ما زال من خَرَف به / للناس يهذر في كذابه
يأتي بكل عجيبة / تدعو اللبيب إلى ارتيابه
والناس في عطش تسي / رُ إلى ارتواء من سرابه
فمتى يجود لنا الزما / ن ولو بَمْذقٍ من وطابه
وإلى متى هو ساتر / وجه الحقيقة في ضَبابه
يتلو بصَرف الحادثا / ت لنا فصولاً من كتابه
كم يدّعي وطنيةً / من لم تكن مرّت ببابه
فتراه يَنفَح لاغياً / فيها وينفُخ في جِرابه
ليكون مكتسباً بها / مالاً تهالك في اكتسابه
فكأنما هو صائد / وكأنما هي من كلابه
وتراه يرمي المخلصي / ن بكل سهم من جِعابه
ويَعيب قوماً بالخيا / نة والخيانة بعض عابه
لا بدّ للوطن العزي / ز من المستكّن لاضطرابه
من مجلس للشعب ين / ظر بالتأمّل في مآبه
وينوب عن أبناّئه / إن صادقوه على منابه
حتّى ترى أمر البلا / د به يعود إلى نصابه
أبهت حكومتنا لهِ / والشعب ليس له بآبه
أترى الحكومة تبتغي / ه ونحن نعرض عن طلابه
هذا لعمر أبيك ما / يدعو الحليم إلى انتحابه
هلا يقول القاعدو / ن مسارعين إلى انتخابه
كي ينقذ الوطن الذي / صرف الومان له بنابه
وغدا يهدد بالبوا / ر بنيه بورٌ في ترابه
إن لم يكن تكونوا مدركي / ه فلا محالة من خرابه
آب المسافرُ للديا / ر على اضطرار في إيابه
لو كان يَجْمح للإيا / ب لما تعجّل في ذهابه
قد كان يمرح في التغرُّ / ب بالحفاوة من صِحابه
لا تَعَجبنّ لخامل / لبِس النباهة في اغترابه
فالسيف أحسن ما يكو / ن إذا تجرّد من قِرابه
أما العراق فإن لي / كل الرجاء بأُسد غابه
ينجاب يأسي بالرجا / ء إذا نظرتُ إلى شبابه
من كل من هو في ظلام الل / يل أضوأ من شهابه
لمع الذكاء بوجهه / كالبرق يلمع في سحابه
يا من زكت أحسابهم / فأتوا بأخلاق نوابه
ووجوههم بالنَيِّرا / ت من النجوم لها مَشابه
إني لأشكر فضلكم / شكر المُثاب على ثوابه
كالروض يشكر وابلاً / حيّا الأزاهر بانسكابه
أنا بالحكومة والسياسة أعرف
أنا بالحكومة والسياسة أعرف / أأُلام في تفنيدها وأعنَّف
سأقول فيها ما أقول ولم أخف / من أن يقولوا شاعر متطرِّف
هذي حكومتنا وكل شُموخها / كَذِب وكل صنيعها متكلَّف
غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها / فجميع ما فيها بهارج زُيَّف
وجهان فيها باطن متستِّر / للأجنبيّ وظاهر متكشِّف
والباطن المستور فيه تحكّم / والظاهر المكشوف فيه تصلُّف
عَلَم ودستور ومجلس أمة / كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها / أما معانيها فليست تعرف
مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه / وَفقاً لصكّ الانتداب مصنَّف
من ينظرِ العَلم المرفوف يلقَه / في عزّ غير بني البلاد يرفرف
من يأتِ مجلسنا يصدّق أنه / لمُراد غير الناخبين مؤلَّف
من يأتِ مُطّرَد الوزارة يُلفِها / بقيود أهل الاستشارة ترسف
أفهكذا تبقى الحكومة عندنا / كلماً تموَّه للورى وتُزخرَف
كثرت دوائرها وقلّ فَعالها / كالطبل يكبُر وهو خال أجوف
كم ساءنا منها ومن وزرائها / عمل بمنفعة المواطن مُجحِف
تشكو البلاد سياسة مالية / تجتاح أموال البلاد وتُتلف
تُجبى ضرائبها الثقال وإنما / في غير مصلحة الرعيّة تُصرف
حكمت مُشدِّدة علينا حكمها / أما على الدخلاء فهي تخفِّف
يا قوم خَلُّوا الفاشية إنها / في السائسين فظاظة وتعجرُف
للإنكَليز مطامع ببلادكم / لا تنتهي إلاّ بأن تتبلشفُوا
بالله يا وزراءنا ما بالكم / إن نحن جادلناكم لم تُنصِفوا
وكأنّ واحدكم لفَرط غروره / ثمِل تَميل بجانبَيْه القرقَف
أفتقنعون من الحكومة باسمها / ويفوتكم في الأمر أن تتصرّفوا
هذي كراسيّ الوزارة تحتكم / كادت لفرط حيائها تتقصَّف
أنتم عليها والأجانب فوقكم / كلّ بسلطته عليكم مُشرِف
أيُعَدّ فخراً للوزير جلوسه / فَرِحاً على الكرسيّ وهو مُكتَّف
إن دام هذا في البلاد فإنه / بدوامه لسيوفنا مُسترعِف
لا بدّ من يوم يطول عليكم / فيه الحساب كما يطول المَوْقف
فهُنالِكم لم يُغنِ شيئاً عنكم / لُسُنٌ تقول ولا عيون تذرف
الشعب في جزع فلا تستعبدوا / يوماً تثور به الجيوش وتزحف
وإذا دعا داعي البلاد إلى الوغى / أتظنّ أن هناك مَن يتخلَّف
أيذِلّ قوم ناهضون وعندهم / شرف يعزّز جانبَيه لمُرهف
كم من نواصٍ للعدى سنجُزّها / ولحىً بأيدي الثائرين ستنتف
إن لم نضاحك بالسيوف خصومنا / فالمجد من أبناء والعُلا تتأفّف
زر ردهة التأريخ إن فناءها / للمجد من أبناء يعرب متحف
قد كان للعرب الأكارم دولة / من بأسها الدول العظيمة ترجُف
عاش الأديب منعَّماً في ظلّها / والعالم النِحرير والمتّفلسف
أيام كان المسلمون من الورى / في ظلّها لهم المحل الأشرف
ثم انقضى عهد العروبة مذ غدا / عنها الزمان بسعده يتحرَّق
حتى تقلَّص بعد من سلطانها / ظلّ بأقصى المشؤقَين مُوَرَّق
وغدت ممالكها الكبيرة كلها / لسهام كل دويلة تَسْتَهْدف
فبنو العروبة أصبحوا في حالة / منها العروبة لا أبا لك تأنف
والمسلمون بحالة من أجلها / تالله ضجّ بما حواه المُصحف
ياسين إنك بالقلوب مشيَّع
ياسين إنك بالقلوب مشيَّع / أ فأنت للوطن العزيز مودع
أخذوك يا بطل المعامع غِيلةً / بيد الخِداع ومثلهم مَن يخدع
ولو أنهم تركوا الخداع وحاولوا / لُقياك أعجزهم إليك المطلع
أوَ ليس يدري آخذوك بأنهم / هاجَوا بمأخذك الخطوب وزعزعوا
أين الذمام ونحن من حلفائهم / سرعان ما نقضُوا العهود وضيَعوا
أفيجهلون بأننا من أمة / في المجد تأمر مَن تشاء فيسمع
لا تجزعَنّ فإن خلفك أمةً / تمشي كمشيك للعَلاء وتتبع
إن أخرجوك من المواطن مُكرَهاً / فالشعب خلفك هائج لا يهجع
أو غيّبوك فإن أمرك حاضر / أو ثبطوك فإن جيشك مسرع
فَلنَملأنّ بك البلاد هزاهزاً / حتى يضيق بها الفضاء الأوسع
ولَننهضنّ إلى الهياج بهمّة / شّماء يُبصرها الجبان فيشجع
ولنَسعرنّ معامعاً يَصلونها / ورءوسهم فيها لسيفك رُكّع
ولَنَرمَينّهم بمعضلة إذا / تُرمى الجبال بمثلها تتصدّع
ونقودها خرساء يُنطقها الردى / فيصِل صمصمام ويصرخ مِدفع
يا راحلاً عنا بكَيد عدوّنا / أبشر فإنك عن قريب ترجع
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا / فلقد رأيت اليوم طيف خيالها
شاهدتها والغُلّ ناهز قُرطها / والقيد مشدود على خَلخالها
إذ ترسل النظرات في أطرافها / حيث ابن هند قائم بحيالها
وأبو عبيدة واقف بيمينها / وابن الوليد تجاهه بشمالها
وسيوفهم بأكُفّهم مسلولة / والنار تلهب من شِفار نصالها
في ساحة بثّ الأعادي حولها / زُمَراً تموج بخيلها ورجالها
شاهدتها والحزن فوق جبينها / يحكي سواداً فوقه من خالها
ترنو وقد عقد المُصاب لسانها / فشكت مصيبتها بمنطق حالها
جَور العدى أزرى بغضّ جمالها / فذوى وما أزرى بعزّ جلالها
ولقد سمعت أبا يزيد هاتفاً / بمقالة دُهش العدى بمآلها
صُبُّوا لَظاكم في طَريّ جمالها / إني افتديت جلالها بجمالها
هي حرّة تأبى المَذَلّة نفسُها / والدهر أجمعُ عَيّ عن إذلالها
ثم انتحى بالسيف أرضاً حولها / جَلَداً فخطّ بها خطوط مثالها
وغدا به ضرباً على أغلالها / وعلى قيود الرجل من تمثالها
فَعَلت بقامتها وفك أسارها / وانبتّ منقطعاً وثيق عقالها
فمشَوا ثلاْثتهم بها وسيوفهم / شُبِّكْنَ كالاكليل فوق قَذالها
فكأنما هي قَيْلة قد أبررت / تحت اللوامع من ظُبى أقيالها
هذي هي الرؤيا وهل تعبيرها / إلاّ دمشق تفوز باستقلالها
فليعلم اللؤماء من أعدائنا / أن البلاد عزيزة برجالها
فرجالها أسمى الورى وطنية / وأشدهم صبراً بيوم نضالها
فإذا دعتهم للوغى أوطانهم / كانوا الكُماة الشُوس من أبطالها
أرجال كتلتها هنيئاً للعلا / في الدهر أنكم بُغاة وصالها
أولى البرية بالسيادة أمة / تسمو بوحدتها على أمثالها
ومَن افتدت أوطانها بدمائها / وبآخر الرَبَوات من أموالها
وإذا التفرُّق دبّ بين صفوفها / باتت مَهدَّدة العلا بزوالها
يا قوم فَلْنَكُ أمةً كجدودنا / أفعالها تُربي على أقوالها
من مبسم الغازي إلى الفاروق
من مبسم الغازي إلى الفاروق / بَسَمات مَومُوق إلى موموق
ملكان مؤتلقان في عرشيهما / كالفرقدين قبالة العَيّوق
نجمان صانهما الإله بلطفه / من أن يُراع سناهما بخفوق
طلعا بَريْعان الشباب على الورى / كالشمس ساعة آذنت بشروق
جمع المهين للعروبة فيهما / سملاً به عبِثت يد التفريق
حتى انجلت من بيننا / ظلمات كل تقاطُع وعقوق
لما تألقّ في البلاد سناها / وضحت إلى العلياء كل طريق
صفت المحبّة في قرار نفوسنا / لهما صفاء الخمر في الراووق
باللطف كل منهما من سعبه / يدنو دُنُوَّ أبٍ عليه شفوق
ما أسعد الشعبين قد جمعتهما / أبداً أواصر من دم وعُروق
هذا انتشى بصَبوحه من دجلة / قبلاً وزاد من نيله بغبوق
أحيا العروبة بعد لأيٍ رّبها / بحياة غازيها وبالفاروق
يا وافدين وفي مسيرهم امتطَوْا / بطن الجَوائب لا ظهور النُوق
يا مرحباً بقدومكم من معشر / حرّ إلى الشرف الرفيع سبوق
أبناء مصر والشآم إليكم / منّي تحية وامق وصديق
فيكم جهابذة العلوم بحورها / من كل نطس في الفنون عريق
لله أنتم كم خطيب مِصْقَع / فيكم وكم من شاعر منطيق
من ضئضئ العرب الكرام زكا لكم / نسب يروق بمجده المَنسوق
لا تعجبوا من أن تضوّع طيبه / فلقد تَضَمخ من علاً بخَلوق
أنتم أسود من ذؤابة يعرب / زلزلتم بالعزم كل صَفوق
حاولتم الشرف الرتيق مناله / حتى رميتم رتقه بفتوق
رقت لكم في الرافدين مودّة / كَندى الغيوم تضاحكت ببروق
سكبت لكم منا المَقاول صِرفها / كالراح تسكب من فم الإبريق
ما أن تصافحنا غداة لقائكم / إلا بكفَّيْ شائق ومَشوق
هذي القلوب وقد زكت بوِدادكم / مثل النخيل وقد زهت بعُذوق
لكم المِقات تضمهنّ صدورنا / مثل العقود تُصان في صندوق
والنيل من شرف العروبة منهل / جلّت موارده عن الترنيق
هذي مآثرنا العظام خذوا بها / ودعوا إدعاء الحاسد الصَعفوق
إني أودّعكم ودَاع مواصل / يرجو اللَحاق بكم بلا تعويق
وأطيق في طول المقام تحكُّماً / منكم ولست لبَيْنكم بمطيق
ومن العجائب في الزمان وأهله / بَلَه الفقيه وفطنة الزنديق
يا عدل طَال الانتظار فعجِلِّ
يا عدل طَال الانتظار فعجِلِّ / يا عدل ضاق الصبر عنك فأقبل
يا عدل ليس على سواك مُعوَّل / هلا عطفت على الصَريخ المعْوِل
كيف القرار على أمور حكومة / حادت بهنّ عن الطريق الأمثل
في المُلك تفعل من فظائع جَورها / ما لم تقُل وتقول ما لم تفعل
ملأت قراطيس الزمان كتابةً / للعدل وهي بحكمها لم تعدِل
أضحتْ مناصبها تُباع وتُشترى / فغدت تُفوّض للغنيّ الأجهل
تعطى مؤجَّلةً لمن يبتاعها / ومتى انتهى الأجل المسمّى يعزل
فيروح يَشري ثانياً وبما ارتشى / قد عاد من أهل الثراء الأجزل
فيَظَلّ في دار الخِلافة راشياً / حتى يعود بمنصب كالأول
سُوق تباع بع المراتب سُّميت / دار الخلافة عند من لم يعقل
أبَتِ السياسة أن تدوم حكومة / خُصَّت برأي مُقَّدس لم يُسأل
مَثل الحكومة تستبد بحكمها / مَثَل البناء على نَقاً متهّيِل
يا أمة رقدت فطال رقادها / هُبّي وفي أمر الملوك تأمّلي
أيكون ظِلَّ الله تاركُ حكمه ال / مَنْصوص في آي الكتاب المُنزل
أم هل يكون خليفةً لرسوله / من حاد عن هّدْي النبي المُرسَل
كم جاء من مَلِك دهاك بجَوره / ولواك عن قصد السبيل الأفضل
يَقضي هواه بما يَسُومك في الورى / خَسفاً وينقِم منك إن لم تقبلي
ويَروم صبرك وهو يَسقيك الرَدى / ويُريد شكرك وهو لم يتفضل
وقد استكُنْت له وأنت مُهانة / حتى صبَرت لفتكه المستأصل
باتَ السعيدَ وبِتِّ فيه شَقّيةً / تُستخدمين لغَيّه المسترسل
تلك الحماقةُ لا حماقة مثلها / منها رُميتِ بكل داءٍ مُعضِل
إن لم يكن ذُلّ الألولف لواحد / حُمُقاً فهل هو من صحيح تعقُّل
إن الحكومة وهي جمهورية / كشفت عماية قلب كل مضلّل
سارت إلى نُجْح العباد بسيرة / أبدت لهم حُمُق الزمان الأوّل
فسَمَوا إلى أوج الَعلا ونحن لم / نبرح نَسوخ الحضيض الأسفل
حتى استقلّوا كالكواكب فوقنا / تجلو الظلام بنورها المتهلِّل
وعَلَوا بحيث إذا شَخَصنا نحوهم / من تحتهم ضحكوا علينا من عل
لبسوا ثياب فَخارهم مَوشِيّةً / بالعوّ وهي من الطراز الأكمل
نالوا وصال مُنَى النفوس وإنها / حرّية العيش الرغيد المُخْضِل
حتى أُقيم مُجَسَّماً تمثالها / بين الشعوب على بناءٍ هَيْكل
تمثال ناعمة الشمائل وجهها / تزداد نوراً منه عين المُجتلي
أفبعد هذا يا سَراة مَواطني / نَرضى ونَقنع بالمعاش الأرذل
العَوَثُ من هذا الجمود فإنّه / تالله أهَونُ منه صُمُّ الجَنْدل
قد أبْحَرت شُمُّ الجبال وأجبلتْ / لُجّج البحار ونحن لم نتبّدل
ما ضَرَّكم لو تسمعون لناصح / لم يَأتِ من نسج الكلام بهَلهَل
حَتّام تَبقَى لعبة لحكومة / دامَت تُجرِّعنا نَقيع الحنظل
تنحو بنا طُرُق البوار تحيُّفاً / وتَسومنا سوء العذاب الأهَول
هذا ونحن مُجَدَّلون تجاهها / كالفار مُرتعِداً تجاه الخَيْطل
ما بالنا نخاف القتل إن / قمنا أما سنموت إن لم نُقتَل
يا عاذلاً فيما نفثت من الرُقىَ / وعَزَمت فيه على الصريع المهمَل
انظر لصرعة من رَقَيْتُ وطولها / فإذا نظرت فعند ذلك فاعذِل
أمّا وقد طلع الرجا
أمّا وقد طلع الرجا / ءُ يشع أنوار السرور
في دار مولانا النقيب / بوجه مولانا الأمير
فاذهب لشأنك أيها / اليأس المخيِّم في الصدور
ماذا يريد المرجفو / ن بكلّ بهتان وزور
من بعد ما بدت المنى / للقوم باسمة الثغور
في دار مولانا النقيب / بوجه مولانا الأمير
ماذا يخاف القوم من / ميل الزعانف للنفور
بعد اقتران النَيِّريْن / الساطعين بكل نور
من وجه مولانا النقيب / ووجه مولانا الأمير
مدّ النقيب إلى الأمي / ر يد المعاون والنصير
فليخز كل مشاغب / في القوم ينزغ بالشرور
وليحى مولانا النقيب / حياة مولانا الأمير
اليوم قرّي يا مواطن أعينا
اليوم قرّي يا مواطن أعينا / وتطرّبي بالحمد منك الألسنا
فلقد وفاك الجيش حقك سابغاً / إذ قام فيك على البلاد مهيمنا
وسعى يَحُوطك بالصوارم طائعاً / لزعيمه العالي الرشيد ومذعنا
جيش قد اقتحم المخاطر واثقاً / بالله والنصر المؤزَّر مؤمنا
متوشحاً عزّ الشهامة جاعلاً / كزعيمه حبّ المواطن دّيْدنا
سر يا زعيم الشعب غير مُنازَع / بالجيش للعزّ المجلّل بالسنا
وأعد لنا عهد الرشيد وحاكه / بالاسم والهمم الرفيعة والكُنى
إنا لمن قوم أبت أحسابهم / إلا ذُرا العزّ المؤثّل مسكنا
غرسوا الفَخار على مسيل دمائهم / وتفيّئوا الشرف الشهيّ المجتنى
أنذِلّ للمستعمرين وعندنا / جيش إذا خاض المعارك ما انثنى
وَفَوُا المواطن حقها وتسنّموا / أعلى المفاجر بالصوارم والقنا
قد أخلصوا لله حبّ بلادهم / فتسربلوا أبهى البرود من الثنا
ويل لمن خانوا البلاد وما أبت / للأجنبيّ نفوسهم أن تركنا
كفروا بأنعمها وهم أبناؤها / فلذاك باؤا بالفضيحة في الدنى
نشؤوا بها مثل العقارب دأبها / نفث السموم فمن هناك ومن هنا
وإذا شممت بناشِقَيْك طباعهم / أعطتك طينتهم شميماً مُنتِنا
لعنت قرائنهم وكل من احتمى / بالأجنبي فحقّه أن يلعنا
طاروا بأجنحة الأجانب واغتدَوْا / يتربّصون بنا التخاذُل والونى
وغدَوْا لهم عَوناً علينا ظاهراً / يتحيّنون لنا الشقا تحيٌّنا
تركوا مواطنهم تنوء بعبئهم / وتقوّلوا بالمَيْن عنها والخنى
وسعَوْا لمنفعة الأجانب سعيةً / شنعاء كادت أن تُعدّ تجنٌّنا
فليُرجِفوا بعد النزوح فما هم / إلا الذباب قد استطار مطنطِنا
وليخسؤوا إن البلاد جميعها / تقفو الزعيم وترتضيه ميهمنا
تبّاً لمن قد خان عرش مليكه / وبني أبيه ونفسه والموطنا
ومكائد السفهاء واقعة بهم / وعداوة الشعراء بئس المقتنى
نزلت تجرّ إلى الغروب ذيولا
نزلت تجرّ إلى الغروب ذيولا / صفراءَ تشبه عاشقاً متبولا
تهتزّ بين يد المغيب كأنها / صبّ تململ في الفراش عليلا
ضحكت مَشارقها بوجهك بكرةً / وبكت مغاربها الدماء أصيلا
مذ حان في نصف النهار دلوكها / هبطت تزيد على النزول نزولا
قد غادرت كبد السماء منيرة / تدنو قليلا للأفول قليلا
حتى دنت نحو المغيب وجها / كالورس حال به الضياء حيولا
وغدت بأقصى الأفق مثل عرارة / عطشت فأبدت صفرةً وذبولا
غربت فأبقت كالشواظ عقبيها / شفقاً بحاشية السماء طويلا
شفق يروع القلب شاحب لونه / كالسيف ضمّخ بالدما مسلولا
يحكي دم المظلوم مازج أدمعاً / هملت بها عين اليتيم همولا
رقّت أعليه وأسفله الذي / في الأفق اشبع عصفرا محلولا
شفق كأن الشمس قد رفعت به / ردناً بذوب ضيائها مبلولا
كالخود ظلّت يوم ودّع الفها / ترنو وترفع خلفه المنديلا
حتى توارت بالحجاب وغادرت / وجه البسيطة كاسفاً مخذولا
فكأنّها رجل تخرّم عزّه / قرع الخطوب له فعاد ذليلا
وانحطّ من غرف النباهة صاغراً / وأقام في غار الهوان خمولا
لم أنس قرب الأعظمية موقفي / والشمس دانية تريد افولا
وعن اليمين أرى مروج مزارع / وعن الشمال حدائقاً ونخيلا
وترع قلبي للدوالي نعرةٌ / في البين يحبسها الحزين عويلا
ووراء ذاك الزرع راعي ثلّةٍ / رجعت تؤمّ إلى المراح قفولا
وهناك ذو بر ذو نتين قد انثنى / بهما العشيّ من الكراب نحيلا
وبمنتهى نظري دخان صاعد / يعلو كثيراً تارة وقليلا
مدّ الفروع إلى السماء ولم يزل / بالأرض متصلاً يمدّ أصولا
وتراكبت في الجوّ سود طباقه / تحكي تلولاً قد حملن تلولا
فوقفت ارسل في المحيط إلى المدى / نظراً كما نظر السقيم كليلا
والشمس قد غربت ولما ودّعت / أبكت حزوناً بعدها وسهولا
غابت فأوحشت الفضاء بكدرة / سقم الضياء بها فزاد نحولا
حتى قضت روح الضياء ولم يكن / غير الظلام هناك عزرائيلا
وأتى الظلام دنة فدجنّةً / يرخى سدولاً جمّةً فسدولا
ليل بغيهبه الشخوص تلفّعت / فظللت أحسب كل شخص غولا
ثم انثنيت أخوض غمر ظلامه / وتخذت نجم القطب فيه دليلا
أن كان أوحشني الدجى فنجومه / بعثت لتؤنسني الضياءرسولا
سبحان من جعل العوالم أنجماً / يسبحن عرضاً في الأثير وطولا
كم قد تصادمت العقول بشأنها / وسعت لتكشف سرّها المجهولا
لاتحتقر صغر النجوم فإنما / أرقى الكواكب ما استبان ضئيلا
دارت قديماً في الفضاء رحى القوى / فغدا الأثير دقيقها المنخولا
فاقرأ كتاب الكون تلق بمتنه / آيات ربك فصّلت تفصيلا
ودع الظنون فلا وربّك أنها / لم تغن من علم اليقين فتيلا
يرزت تميس كخطرة النشوان
يرزت تميس كخطرة النشوان / هيفاء مخجلةً غصون البان
ومشت فخفّ بها الصبا فتمايلت / مرحاً فأجهد خصرها الردفان
جال الوشاح على معاطفها / التي قعدت وقام بصدرها النهدان
تستعبد الحرّ الأبيّ بمقلة / دبّ الفتور بجفنها الوسنان
وإذا بدت تهفو القلوب صبابةً / فيها وتركع دونها العينان
أخذ الدلال مواثقاً من عينها / أن لا تزال مريضة الأجفان
تمشي فتنشر في الفضاء محاسناً / بسط الزمان لها يدي ولهان
ويلوح للنظر القريب بوجها / عقل الحليم وعصمة الصبيان
لم أنس في قلبي صعود غرامها / إذ نحن نصعد في ربا لبنان
حيث الرياض يهزّ عطف غصونها / شدو الطيور بأطرب الألحان
لبنان تفعل بالحياة جنانه / فعل الزلال بغلة الظمآن
وتردّ غصن العيش بعد ذبوله / غضاً يميد بفرعه الفينان
فكأن لبناناً عروس إذ غدا / يزهو بنشر غدائر الأغصان
وكأنما البحر الخضمّ سجنجل / يبدي خيال جمالها الفتّان
جبل سمت منه الفروع وأصله / تحت البسيطة راسخ الأركان
تهفو الغصون به النهار وفي الدجى / تهفو عليه ذوائب النيران
وترى النجوم على ذراه كأنها / من فوقه دررٌ على تيجان
للّه لبنان الذي هضباته / ضحكت مغازلةً مع الوديان
يجري النسيم الغضّ بين رياضه / مرخى الذيول معطّر الأردان
جلت الطبيعة في رباه بدائعاً / تكسو الكهول غضاضة الشبان
يا صاحبيّ أتذكران فإنني / لم أنس بعد كما سوى النسيان
إذ كان يغبطنا الزمان ونحن في / وادي الفريكة منبت الريحانى
في ليلة حسد الضياء ظلامها / وعنا لفضل نجومها القمران
متجاولين من الحديث بساحة / ركض البيان بها بغير عنان
والليل يسمع ما نقول ولم يكن / غير الكواكب فيه من آذان
فكأنّ جولتنا بصدر ظلامه / سرٌّ يجول بخاطر الكتمان
ما كنت احسب أن أحلّ ببقعة / لللحسن منبتة وللاحسان
حتى نزلت من الشوير بجنّة / فيها الحياة كثيرة الألوان
فهصرت أغصان الأمان ولم يكن / غير السرور بهنّ قطف دان
ولقيت شاعرها الذي ارتفعت له / كفّ القريض مشيرةً ببنان
حتى إذا تمّ اللقاء قصدت من / ربوات بكفيّا ظلال جنان
يا يوم بكفيّا وبيت شبابها / أفديك من يوم بكل زمان
وسقى زمانك يا ديار بحنّسٍ / صوب المسرة دائم التهتان
فلقد رأيت ضياء مجدك مشرقاً / في وجه كل حلاحل ديان
أفيذكر اللبكى يوم بحنس / حيث اجتمعنا في حمى كنعان
أم ليس يعلم أنني أحببته / حُباً أذبت بناره سلواني
لبست ربا لبنان ثوباً أخضرا / وزهت بحيث الحسن أحم قان
نثر الربيع بهنّ زهراً مؤنقاً / يزري بنظم قلائد العقيان
فبرزن من وشي الطبيعة بالحلى / فكأنهنّ بحسنهنّ غوان
وكأنّ صنّيناً أطلّ مراقباً / يرنو لهنّ بمقلة الغيران
تلك الربا أما الجمال فواحدٌ / فيها وأما أهلها فاثنان
رجل يسير إلى النجاح وآخر / يسعى وغايته إلى الخسران
متخاذلين بها وهم أعوانها / ومن البلاء تخاذل الأعوان
ضعفت مباني كل أمرٍ عندهم / ما بين هادمها وبين الباني
وتفرقوا دنياً كأن لم يكفهم / في النائبات تفرّق الأديان
وسعوا فرادى للنجاح وفاتهم / أن التضامن رائد العمران
يا أهل ذا الجبل المنيع مكانه / تفدى مواطنكم بكلّ مكان
أما محاسنها فهنّ بمنزل / تنحطّ عنه بدائع الأكوان
ومن الفخامة هنّ في غلوائها / ومن الشبيبة هن في ريعان
فتبوّءوا جنّاتهنّ أنيقةً / وابنوا بهنّ كأكرم البنيان
ماذا يثبطكم بها أن تنهضوا / نحو الفخار كنهضة اليابان
إني لأرجو أن أراكم للعلا / متهجّين تهيّج البركان
وأودّ لو تمشون مشية واحد / متكاتفين تكاتف الأخوان
لا تقرنوا بتشتت آراءكم / فالبدر يمحق عند كل قران
أمها جري لبنان طال غيابكم / أين الحنين إلى ربا لبنان
هذي مواطنكم تريد وصالكم / وتئنّ شاكيةً من الهجران
أفترحمون أنينها أم أنتم / لا ترحمون أنين ذي أشجان
إني أرى هجر الرجال بلادهم / شيئاً يضيع كرامة البلدان
واضاعة الوطن العزيز جناية / ضلّ الزمان بها عن الغفران
من كان ذا جدةٍ فأحر بمثله / أن لا يضنّ بها على الأوطان
ناح الحمام وغرّد الشحرور
ناح الحمام وغرّد الشحرور / هذا به شجن وذا مسرور
في روضة يشجي المشوق ترقرق / للماء في جنباتها وخرير
ماء قد انعكس الضياء بوجهه / وصفا فلاح كأنه بلّور
قد كاد يمكن عند ظنّي أنه / بالماس يوشر منه لي موشور
وتسلسلت في الروض منه جداول / بين الزهور كأنهنّ سطور
حيث الغصون مع النسيم موائل / فكأنهنّ معاطف وخصور
ماذا أقول بروضة عن وصفها / يعيا البيان ويعجز التعبير
عني الربيع بوشيها فتنوّعت / للعين أنوار بها وزهور
مثلت بها الأغصان وهي منابر / وتلت بها الخطباء وهي طيور
متعطّر فيها النسيم كأنّما / جيب النسيم على الشذا مزرور
للنرجس المطلول ترنو أعين / فيها وتبسم للأقاح ثغور
تخذت خزاماها البنفسج خدنها / وغدا يشير لوردها المنثور
وكأن محمرّ الشقيق وحوله / في الروض زهر الياسمين يمور
شمع توقّد في زجاج أحمر / فغدا حواليه الفراش يدور
وتروق من بعدٍ بها فوّارة
وتروق من بعدٍ بها فوّارة / في الجو يدفق ماؤها ويفور
يحكي عمود الماء فيها آخذاً / صعداً عمود الصبح حين ينير
ناديت لما أن رأيت صفاءه / والنور فيه مفلفل مكسور
هل ذاك الماس يجمد صاعداً / أم قد تجسّم في الهواء النور
تناثرت القطرات في أطرافها / فكأنما هي لؤلؤ منثور
ينحلّ فيها النور حتى قد ترى / قوس السحاب لها بها تصوير
كم قد لبست بها الضحا من روضة
كم قد لبست بها الضحا من روضة / فيها علتني نضرة وسرور
فأجلت في الأزهار لحظ تعجّبي / ولفكرتي بصفاتهنّ مرور
فنظرتهنّ تحيّراً ونظرنني / حتى كلانا ناظر منظور
فكأنّ طرف الزهر ثمّة ساحر / لمّا رنا وكأنني مسحور
أن الزهور تكنّهنّ براعم / مثل العلوم تجنهن صدور
وتضّوع النفحات منها مثله / تبينها للناس والتقرير
وبتلك قلب الجهل مصدوع كما / ثوب الهموم بهذه مطرور
والزهر ينبته السحاب بمائه / كالعلم ينبت غرسه التفكير
أن كان هذا في الحدائق بهجةً / يزهو فذلك في النهي تنوير
أو كان هذا لا يدوم فإن ذا / ليدوم ما دامت تكرّ عصور
من كان يأرق بالهمو
من كان يأرق بالهمو / م فقد أرقت من السرور
وطربت من صوت يجى / ءُ إلىَّ من غرف القصور
صوت كأن الغانيا / ت أعرنه هيف الخصور
ونضحن من ماء الحيا / ة عليه في شنب الثغور
سرّى الهموم ن الفؤا / د بجوف حالكة الستور
والعود ينطق باللحو / ن بلهجتي بمّ وزير
يرمي به الصوت الرخي / م على الدجى لمعات نور
ملأ الظلام توقّداً / كالكهرباءة في الأثير
يحكي الزلال لدى العطا / ش أو الثراء لدى الفقير
أصغيت منقطعاً إلي / ه عن المواطن والعشير
فحسبت نفسي في الجنا / ن بغير ولدان وحور
وطفقت أدّكر العرا / ق فعاد صفوي ذا كدور
فرجَعت عن ذاك السما / ع وغِبت عن ذاك الشعور
وذكرت من تبكي هنا / ك عليّ بالدمع الغزير
تستوقف العجلان ثَمّ / ةَ بالرنين عن المسير
وتقول من مضض الفرا / ق مقال ذي قلب كسير
أبنيّ سر سير الأما / ن من الطوارق في خفير
يا أمّ لا تخشى فإنّ / اللّه يا أمي مجيري
ودعي البكاء فإنّ قل / بي من بكائك في سعير
أعلمت أني في دمش / ق أجرّ أذيال السرور
بين الغطارفة الذي / ن تخافهم غير الدهور
من كل وضّاح الجبي / ن أغرّ كالبدر المنير
حرّ الشمائل والفعا / ئل والظواهر والضمير
للمسلمين على نزورة وفرهم
للمسلمين على نزورة وفرهم / كنز يفيض غنى من الأوقاف
كنز لو استشفوا به من دائهم / لتوجّروا منه الدواء الشافي
ولو ابتغوا للنشئ فيه ثقافة / لتثقفوا منه بخير ثقاف
ولو ارتقوا بجناحه في عصرهم / لأطارهم بقوادم وخوافي
لكنّهم قد أهملوه وأعملوا / في جانبيه عوامل الاتلاف
فإذا نظرت رأيت ثمة أرضه / تجري الرياح بها وهنّ سوافي
قد تابعوا الموتى عليه وما وقَوا / أهل الحياة به من الأحجاف
وقفوا به عند الشروط لواقف / وتغافلوا عن حكمة الإيقاف
تركوا له في العصر نفعاً ظاهراً / وتعاملوا فيه بنفع خافي
لم يستجدّوا فيه شيئاً واكتفَوا / في كل حال منه بالسفساف
غرسوه غرساً مثمراً لكن جرت / غير الزمان فعاد كالصفاف
قل للذين تقيّدوا بشروطه / ماذا التوقف عند رسم عافي
أنريد أن يقفو الزمان أمورنا / وأمورنا هي للزمان قوافي
هل بين شرط الواقفين وكل ما / نفع العموم تناقض وتنافي
الأرض مسجدنا ففيم مساجد / أمست تعدّ اليوم بالآلاف
كان الصلاة بمسجد وبغيره / في الحكم واحدة لدى الأسلاف
هلاّ جعلن مدارساً فيّاضة / من كل علم بالزلال الصافي
ينتابها أبناؤكم كي يأخذوا / من كل فن بالنصيب الوافي
فيفيض فيض العلم حتى يرتوي / منه بنو الأمصار والأرياف
إن لم يكن شرف البلاد محصّناً / بالعلم كان مهدّد الأطراف
وإذا النفوس تسافلت من جهلها / لم يعلها شمم من الآناف
هذي لخزانة أنشئت فبناؤها / للأمر فيه تدارك وتلافي
أيظنّ ذو عقل بأنّ بناءها / شيء لشرط الواقفين منافي
تاللّه ليس بمنكر تشييدها / إلا امرؤ خال من الانصاف
أحّيوا بها عصر العلوم لدولة / خلفاؤها من آل عبد مناف
عصر الرشيد أبي الخلائف إذ غدت / بغداد رافلةً بمجد ضافي
في عهد فيصلنا المعظّم انشئت / علماً يشير لأشرف الأهداف
فإذا هتفت بحمده وبشكره / ردّ الصدى بنيانها لهتافي
ناديت طلاب العلوم مؤرخاً / حجّوا بناء خزانة الأوقاف
لو كنت أعبد فانياً في ذي الدنى
لو كنت أعبد فانياً في ذي الدنى / لعبدت من دون الإله المحسنا
وجعلت قلبي مسجداً لتعبّدي / سرّاً وفهت له بشكري معلناً
كي لا أكون مرائياً بعبادتي / ولكي أكون بشكره متفنّنا
في مجتنى غرس الخليقة لم أجد / غرساً سوى الإحسان حلو المجتنى
هو في الخليقة ذو عجائب سرّها / أعيا اللبيب وأعجز المتفطنا
بيناه يغدو للنفوس مقيّداً / بالحب يطلق بالثناء الألسنا
يستعبد الأحراروهو صنيعهم / ويردّ بغض المبغضين تحنّنا
كم بلّ نائرةً فأطفأ نارها / من بين مشتبك الصوارم والقنا
ما لاح كوكبه بموهن غمّةٍ / إلاّ أعاد ضحاً سناه الموهنا
ما إن تظلّل موطن بظلاله / إلاّ أعزّ اللّه ذاك الموطنا
نفحاته تمحو معايب أهله / من حيث تعمي عن رؤاها الأعينا
لم أدر والآثار منه كثيرة / في الغرب لم نزرت وقلّت عندنا
أفنحن نجهله وقد علم الورى / في الشرق نشأته ربيباً بيننا
أو ما أمرنا في عظات كتابنا / بالعدل والإحسان ان نتديّنا
ويسرّني أني أشاهد موطني / قد نال من بركاته بعض المنى
وإذا استريب بما أقول فشاهدي / هذا البناء ومن حماه ومن بنى
قد شيد للأيتام مأوىً واقياً / يهتمّ بالأيتام فيه ويعتني
ليكون فيه شفاؤهم من جهلهم / ومن الظما ومن الطوى ومن الضنى
جاد ابن دانيل الركيم لذا البنا / بالمال مشترياً به كل الثنا
فاستوجب الحمد الذي كلماته / مستغرِقات بالثناء الأزمنا
فَلْنكْنِه بأبي اليتامى بعد ذا / إذ لا يخاطب مثله بسوى الكنى
رجل علمنا اليوم من إحسانه / أن ليس للإحسان دين في الدنى
لا يحسن الإحسان إلاّ هكذا / قد صار طبعاً في النفوس وديدنا
والمال أن جادت به يد محسن / حسن وإلاّ فهو بئس المقتنى
سعد امرؤ بذل الفواضل للورى / عفواً نفسه أن يحسنا
والجهد مني ها هنا هو أنني / أدعو إلى الإحسان من حضروا هنا
لا تبك أربعهم ولا الأطلالا
لا تبك أربعهم ولا الأطلالا / واربأ بحبّك أن يكون خبالا
واترك سؤالك للرسوم فإنها / مما يزيدك بالسؤال ضلالا
وانظر إلى حسن الطبيعة أنه / حسنٌ يفيدك في الحياة كمالا
حسنٌ يقيّد من رآه بحّبه / ويفكّ من أفكاره الأغلالا
ويطير في جوّ السرور مرفوفاً / بالمشتكين كآبةً ومسلالا
أو ما ترى البدر المنير إذا بدا / يكسو الدجى من نوره سربالا
ولقد وقفت بجسر مود عشيّةً / والبدر في افق العلا يتلالا
والليل يلبس من سناه مطارفاً / منها يجرّ بدجلة أذيالا
أما النسيم فقد جرى متعطّراً / وحكى بطيب هبوبه الآمالا
وجبين دجلة قد صفا متألّقاً ف / حكى السماء محاسناً وجمالا
فحسبت نفسي في السماء مشاهداً / تحتي بدجلة للسماء مثالا
ورأيت من فوقي السماء حقيقة / ورأيت من تحتي السماء خيالا
فكأنما الجسر الذي أنا فوقه / قد مدّ في حوّ السماء مشالا
وكأنما أنا في السماء محلّقٌ / طروراً أسفّ وتارة أتعالى
للّه ما شاهدته من منظر / يدع الكئيب كشاربٍ جريالا
حفّت جوانبه بكلّ بديعةٍ / فزها جمالاً واستقلّ جلالا
حتى نخيل الجانَببين جمعها / قامت له بحفارة اجلالا
من جور مصر على العروبة أنها
من جور مصر على العروبة أنها / تتعمّد التمصير في آدابها
وتحيد عن آداب كلّ قبيلة / لم تنتحلها مصر في أنسابها
فترى بمصر تعصباً لأديبها / متحكّم النزغات في أعصابها
فأذكر أولي الآداب من غير الألى / في مصر يغضب منك أهل جنابها
وأشد بَمن في غير مصر منّوهاً / ما أن ترى فيها لقولك آبها
تحفى بمنشدها القريب وتدّعي / أن لن يكون له البعيد مشابها
فالشاعر المصري فيها فاضل / وسواه مفضول وأن يك نابها
وكأنما أمست مواهب ربّنا / مقصورة فيها على كتّابها
هذا لعمر اللَّه جور عدّه / من فرط ضلّتها اولو ألبابها
آداب كل معاشر كعلومهم / جلّت عن الأوطان في استنسابها
للعلم والآداب في كل الورى / دار محرّمة أجافة بابها
من أين كانت مصر في أقباطها / كمواطن الأعراب في أعرابها
أبت الجزيرة أن يفوق هزارها / صرد زقى في مصر زَقيَ غرابها
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم / كرة تراض بلعبها الأجسام
وقفوا لها متشمّرين فالقيت / فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في ساحة / للسوق معترك بها وصدام
وبرفس أرجلهم تساق وضربها / بالكفّ عند اللاعبين حرام
ولقد تحلَق في الهواء وأن هوت / شرعوا الرءوس فناطحتها الهام
وتخالها حيناً قذيفة مدفع / فتمرّ صائتة لها أرزام
ولربما سقطت فقام حيالها / للضرب عبل الساعدَين همام
فتخالها وتخاله كفريسةٍ / سقطت فزمجر دونها الضرغام
لا تستقرّ بحالة فكأنها / أمل به تتقاذف الأوهام
تنحو الشمال بضربةٍ فيردّها / نجو الجنوب ملاعب لطّام
وتمر واثبةً على وجه الثرى / مراً كما تتواثب الآرام
وتدور بين اللاعبين فمحجِم / عنها وآخر ضارب مقدام
وكأنها والقوم يَحتوِ شونها / قلبٌ عليه تهاجم الآلام
راضوا بها الأبدان بعد طلابهم / علماً تراض بدرسه الأفهام
أبناء مدرسة أولاء وكلّهم / يفع مرير المرفقين غلام
لابد من هزل النفوس فجدّها / تعبٌ وبعض مزاحها استجمام
فإذا شغلت العقل فالْهُ سويعةً / فاللهو للعقل الطليح جمام
والفكر منهكة فباستمراره / تهن العقول وتهزل الأجسام
ورياضة الأبدان ملعبة بها / حفظت نشاط جسومها الأقوام
أن الجسوم إذا تكون نشيطةً / تقوى بفضل نشاطها الأحلام
هذي ملاعبهم فجسمك رض بها / وأسلك مسالكهم عداك الذام
جاء المصيف فجفّت الأنداء
جاء المصيف فجفّت الأنداء / وشكت يبوستها به الأشياء
وتوقّدت عند الهجيرة شمسه / فتلمّظت بلعابها الصحراء
وعلى الديار تراكمت من شمسه / ملء الفضاء حرارة وضياء
فعلى من الشمس المنيرة أصبحت / غضبي تجيش بصدرها الشحناء
مدّت الينا في الهجير أشعةّ / كالكهرباءة نارها بيضاء
فحكت أشعتها حراباً أشرعت / بيضاً فما بحديدها أصداء
حتى استجار الليل من لفحاتها / ركبٌ سرَوا فهدتهم الجَوزاء
أنظر إلى الحسناء في رأد الضحا / تمشي فتلفح وجها الرمضاء
وتمرّ لاغبة وفوق جبينها / عرق ووجنة خدّها حمراء
أن كان حرّ الشمس لوّح وجها / فكذاك تؤذي الضَرّة الوَرهاء
إني لأغفر للمصيف ذنوبه / ولو أن غارة هَيفه شعواء
فالصيف أرأف بالفقير من الشتا / ولذا تحبّ قدومه الفقراء
قلّت به الحاجات فالفقراء في / أيامه والأغنياء سواء
من كان أعوَزه كساءٌ منهم / فالصيف مِلحفةٌ له وكساء
والأرض أن طلبوا الرقاد وطؤهم / من دون منًّ والسماء غطاء
ولئن يكن كدر النهار فلَيله / طَلق وفي وجه السماء صفاء
ولئن قسا عند الهجير فريحه / هبّت بحاشيتيه وهي رخاء
أضحى فطابت في ضحاه ظلاله / وأتى الأصيل فطابت الأفياء
والصيف أحسن ما به لمشاهد / صبح أغرّ وليلة قمراء
وأجلّ ما يرتاد فيه جنينةٌ / ترف الظلال بها ويجري الماء
فعليك فيه بسرحة في منبع / تحنو عليك غصونها الخضراء