المجموع : 29
يا نَاديَ العلَمين صرتَ لفتيةٍ
يا نَاديَ العلَمين صرتَ لفتيةٍ / كانت مواقفُهم بمصرَ مشرِّفهْ
قد توَّج النطق الكريم جهادَهم / وسما بمن يبني العقولَ وأنصفه
زادوك ميماً فازدهيتَ بحسنها / تيهاً ولم تكُ غيرَ ميم المعرفه
أَسَمِعْت شَدْوَ الطائر الغِرِّيدِ
أَسَمِعْت شَدْوَ الطائر الغِرِّيدِ / هَزِجاً يُنَاغي فَجْرَ يَوْمَ العِيدِ
وَبَدَا عَمُودُ الصُّبح أَبْيَضَ ناصِعاً / كالسَّلْسَلِ الضَّحْضَاحِ فَوْق جَلِيدِ
أو كاليدِ البَيْضَاءِ تَنْضَح بالنَّدَى / والغيث أو جِيدِ العَذَارَى الغِيدِ
أَو كاقْتِبَالِ الْحُسنِ بعد تَحَجُّبٍ / أو كابتسام الدَّلِّ بعد صُدُودِ
وإِذا لَمحْتَ الشَّرْقَ خِلْتَ عَرَائِساً / مَاسَتْ بثوبٍ كالشَّباب جَدِيدِ
يَرْفُلْنَ في ضَافِي الضِّيَاءِ نَوَاعِماً / في سِحْرِ أنغامٍ وَلينِ قُدُودِ
وَدَمُ الشّباب له روائعُ نَشْوَةٍ / ما نَالَها يوماً دَمُ العُنْقُودِ
ما بين طَرْفٍ بالخديعة ناعِسٍ / ثَمِلٍن وآخَرَ في الهوى عِرْبِيدِ
وَدَّعْتُ أيام الشباب حَوَافِلاً / من بعدها عَصَفَ المشِيبُ بعُودِي
فإِذا خَطَرْنَ فَهُنَّ رُؤْيَا نَائِمٍ / وإِذا هَمسْنَ فَهُنَّ رَجْعُ نَشِيدِ
أَرْنُو إِلى عَهْدٍ لَهُنَّ كأَنمَا / أَرْنُو لِنَجْمٍ في السَّمَاءِ بَعِيدِ
وأَرَى الحياة بلا شَبَابٍ مِثْلَمَا / لَمَعَ السَّرابُ بِمُقْفِرَاتِ البِيدِ
إنَّ الشَّبَابَ رَحِيقُ أَزْهَارِ الرُّبا / وَحَفِيفُ غُصْنِ الْبَانَةِ الأُمْلُودِ
ومَطِيَّةُ الآمال في رَيْعَانِهَا / وسِرَاجُ لَيْلِ السَّاهِدِ المَجْهُودِ
وبَشَاشَةُ الدُّنيا إذا ما أقْبَلَتْ / ونجاةُ وَعْدٍ مِنْ أَكُفِّ وَعِيدِ
هو في كتاب العمرِ أَوَّلُ صَفْحَةٍ / بُدِئتْ بِبِسْمِ اللّهِ وَالتَّحْمِيدِ
وربيعُ أيَّام الحياةِ تَبَسَّمَتْ / رَوْضَاتهُ عن ضَاحِكاتِ وُرُودِ
أَهْدَى لها الوَسْمِيُّ نَسْجَ غَلاَئِلٍ / وَأتَى الوَلِيُّ لها بوَشْيِ بُرُودِ
وسَرَى النَّسِيم بهَا يُغَازِلُ أَعْيُناً / من نَرْجِسٍ ويَشَمُّ وَرْدَ خُدُودِ
إِنَّ الشباب ومَا أُحَيْلَى عَهْدَه / كالواحَةِ الْخَضْرَاءِ في الصَّيْهُودِ
تَلْقَى بها ماءً وظِلاً حَوْلَهُ / جَدْبُ الْجَفَافِ وقَسْوَةُ الْجُلْمُودِ
إِنّي طَرَحْتُ مِنَ الشباب رِدَاءَهُ / وثَنَيْتُ عَنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ جِيدِي
وَاخْتَرْتُ من صُحُفِ الأَوائِلِ صَاحِبي / وجَعَلْتُ مأثُورَ البَيَانِ عَقِيدِي
ومَرَرْتُ بالتاريخِ أَملأُ نَاظِرِي / منه وأُحْيِي بالفناءِ وُجُودِي
كَمْ عَالمٍ قابَلْتُ في صَفَحَاتِه / ولَكَمْ ظَفْرتُ بفاتِحٍ صِنْدِيدِ
وإِذا التمسْتَ مِن الدُّهورِ رِسَالةً / فصَحَائِفُ التَّاريخِ خَيْرُ بَرِيدِ
أَحْنُوا إلى قَلَمي كأنّ صَرِيرَه / في مِسْمَعي المكْدُودِ رَنَّةُ عُودِ
وأَعيشُ في دُنْيَا الْخيالِ لأنَّني / أَحْظَى بها بالفائت المفْقُودِ
كَمْ لَيْلَةٍ سامَرْتُ شِعْرِيَ لاَهِياً / وَالنَّجمُ يَلْحَظُنَا بعين حَسُودِ
حِيناً يُراوغُنِي فأَنْظُرُ ضَارِعاً / فَيَلِينُ بعد تَنَكُّرٍ وجُحُودِ
ولقد أُغَرِّدُ بالقرِيض فَيَنْثَنِي / فأَنَالُ قَادِمَتَيْهِ بالتَّغْرِيدِ
طَهَّرْته ةمن كلِّ مَا تأبى النُّهَى / ويَعَافُهُ سَمْعُ الحِسَانِ الْخُودِ
وَبَعَثْتُ فِيهِ تَجَارِباً مَذْخُورَةً / هِيَ كلُّ أَمْوَالي وكلُّ رَصِيدِي
وَجعلْتُ تَشْبِيبِي بمِصْرَ ومَجْدِهَا / وشمَائِلَ الفَارُوقِ بَيْتَ قَصِيدِي
مَلِكٌ زَهَا الإِسلامُ تَحْتَ لِوَائِه / وَأَوَى لِرُكْنٍ من حِمَاهُ شَدِيدِ
إِنْ فَاتَ عَهْدُ الراشدينَ فَقَدْ رَأَى / في دَوْلَةِ الفَارُوق خَيْرَ رَشِيدِ
قَرَنَتْ مَنَابِرُه جَلاَئِلَ سَعْيِهِ / وَجِهَادِهِ بِشَهَأدَةِ التَّوْحِيدِ
وصَغَتْ مَسَاجِدُه لتَرْدِيدِ اسْمِهِ / فكأنما يَحْلُو عَلَى التَّرْدِيدِ
مَنْ يَجْعَلِ الإِيمَانَ صَخْرَةَ مُلْكِهِ / رَفَعَ البِنَاءَ عَلَى أَشَمَّ وَطِيدِ
كَمْ وقفةٍ لك في المَحَارِبِ جَمَّلَتْ / عِزَّ المُلوك بِخَشْيَةِ الْمعبُودِ
سَجَدَتْ لك الأيَّامُ حِينَ تَلَفَّتَتْ / فرأتك بينَ تَشَهُّدٍ وسُجُودِ
وتَطَلَّعَ الإِسْلاَمُ في أَمْصَارِهِ / يَهْفُو لِظلِّ لِوَائِكَ المَعْقُودِ
سَعِدَ الصِّيَامُ وشَهْرُهُ بمُجَاهِدٍ / عَبِقَ الوُجُودُ بِذِكْرِهِ المَحْمُودِ
فَنَهارُه للصَّالحاتِ ولَيْلُهُ / لِلْبَاقياتِ وللنَّدَى والْجُودِ
حَيَّيْتَ في المِذْيَاعِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ / مِنْهُ بقَولٍ مُحْكَمِ التَّسْدِيدِ
جَمَعَ السِّيَاسَةَ كُلَّها في أَحْرُفٍ / كالعِقْدِ أَلَّفَ بَيْنَ كُلِّ فَرِيدِ
وكَقَطْرَةِ العِطْرِ الّتي كَمْ جَمَّعَتْ / من نَوْرِ أَغْوَارٍ وَزَهْرِ نُجُودِ
قَوْلٌ بِهِ الْحِكَمُ الغَوَالي نُسِّقَتْ / ما بينَ منْثُورٍ وبَينَ نَضِيدِ
أصْغَى إليه الشَّرْقُ يَسْمَعُ دَعوَةً / قُدْسِيَّةً للبَعْثِ والتَّجْدِيدِ
وَزَهَتْ بهِ العَزَمَاتُ بَعْدَ ذُبُولِهَا / وَصَحَتْ به الآمالُ بَعْدَ رُقُودِ
للّهِ صَوْتكَ في الأَثِيرِ فَإِنّه / أَخَذَ الهُدَى والْحُسْنَ عَنْ دَاوُدِ
لَبَّيْكَ يا مَلِكَ القلوب فَمُرْ نَكُنْ / لَكَ طاعَةً واللّهُ خَيْرُ شَهِيدِ
إِنَّا بدَرْسِ الدِّينِ أَبْصَرْنَا الهدَى / نُوراً يُشِعُّ بِجَمْعِهِ المحشُودِ
وَبدَا المْلِيكُ بهِ يُمَجِّدُ رَبَّهُ / للّهِ مِنْ نُسْكٍ وَمِنْ تَمْجِيدِ
أَبْصَرْتُه والشَّعْبُ حَوْلَ بِسَاطِهِ / كَالطَّيْرِ رَفَّ لِوَرْدِهِ المَوْرُودِ
مَا أَسْمَحَ الإِسْلامَ يَجْمَعُ رَحْبُهُ / في اللّهِ بَيْنَ مُسَوَّد ومَسُودِ
حَرَسَتْهُ أَفْئِدَةٌ تُفْدِّي عَرْشَهُ / وَالْحُبُّ أَقْوَى عُدَّةٍ وعَدِيدِ
إِنَّ الْجُنُودَ بِه تَلُوذُ وَتَحْتَمِي / وَلَكَمْ عُرُوش تحْتَمِي بِجُنُودِ
يُصْغِي ويُنْصِتُ للكِتَابِ وَآيِهِ / في سَمْتِ مَوْفُورِ الجَلاَلِ حَمِيد
يا قُدْوَةَ الجِيل الْجَديِدِ وَذخْرَهُ / عِشْ لِلْمُنَى فَرْداً بِغَيرِ نَديدِ
حَارَ القَرِيضُ وكيفَ أَبْلُغُ غَايةً / هي فَوْقَ طَوقِ يِرَاعَتي وجُهُودِي
أَعْدَدْتُ أَلْوَانِي لأَرْسُمَ صُورَةً / أَيْنَ السُّهَا من سَاعِدِي المكْدُودِ
حِلْمٌ كما تُغْضِي الأُسُودُ تَكَرُّماً / وَعَزائِمٌ فِيهَا نِجَارُ أُسُودِ
وَفِرَاسَةٌ سَبَقَتْ حَوادِثَ دَهْرِهَا / حَتَّى كَأنَّ الغَيْبَ كالمَشْهُودِ
وإِرَادَةٌ تَفْرِي الصِّعَابَ شَبَاتُهَا / وَتَهُدُّ عَزْمَ الصَّخْرَةِ الصَّيْخُودِ
وَذكَاءُ قَلْبٍ لَوْ رَمَى حَلَكَ الدُّجَى / لَمضَى يُهَرْوِلُ في المُسُوحِ السُّودِ
مَوْلاَي إِنَّ الشِّعْرَ يَشْهَدُ أَنَّهُ / بَلَغَ المَدَى في ظِلِّكَ المَمْدُودِ
أَلْفَى خِلاَلاً لقَّنَتْهُ بَيَانَهُ / فَأَعَادَهَا كَالصَّادِحِ الغِرِّيدِ
فَلكَمْ بَعَثْتُ مَعَ الأَثِيرِ وَحِيدَةً / في فَنِّهَا تَشْدُو بِمُلْكِ وَحِيدِ
فَاهْنَأْ بِمِيلاَدِ الأَمِيرَةِ إِنَّهَا / عُنْوَانُ مَجْدٍ طَارِفٍ وَتَلِيدِ
وانْعَمْ بِعِيدِ الفِطْرِ واسْعَدْ بالمُنَى / في طالِعٍ ضَافي النَّعيمِ سَعِيدِ
العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي
العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي / ماتَ الْحجَا وقَضَى جَلاَلُ النَّادِي
أرْجَاءَ ذَا الوادِي الخَصِيبِ جنابُهُ / ماذَا أَصَابَكَ يَا رَجَاءَ الوَادِي
سَهْمٌ رَمَاك بهِ الحِمامُ مُسَدَّدٌ / أَوْدَى بأَيِّ رَويَّة وسَدَادِ
وقَضَى على الآمَالِ في أَفْنَانِها / فَذَوَتْ ولم تُمْهَلْ لوَقْتِ حَصَادِ
وأَصَابَ من قَبَس الزَّكَانةِ شُعْلَةً / وَهَّاجَةً فَغَدت فَتيتَ رَمَادِ
وطَوَى حُسَاماً مِنْك في جَفْن الثَرَى / قَدْ كَانَ يَسْتَعْصي عَلَى الأَغْمَادِ
صُحُف الحيَاةِ وأَنْتَ أصْدَقُ قارىءٍ / لسُطُورِها تُطوَى إِلى ميعَادِ
والوَرْدُ يَزْهُو ناضِراً فَوْقَ الرُّبَا / ويَعُودُ حِيناً وهو شَوْكُ قَتَأدِ
والمَاءُ يَجْتَذِبُ النُّفُوسَ نَمِيرُه / وَلَقَدْ يَكُون الماءُ غُصَّةَ صَادِي
مَا هَذِهِ الدُّنْيَا أمَا مِنْ نِعْمةٍ / فيها لغَيْرِ تَشَتُّتٍ ونَفَادِ
قَدْ حَيَّرَتْ شَيْخَ المَعَرَّةِ حِقْبَةً / في نَوْحِ بَاكٍ أَوْ تَرَنُّم شَادِي
تَعَبُ الحيَاةِ يَجيءُ من لَذَّاتِها / ولذِيذُهَا يُجْنَى مِنَ الإِجْهاد
يَطْوِي بِسَاطَ الْعُرْسِ فيها مأتمٌ / في إِثره عِيدٌ من الأعيَادِ
قَدْ كَانَ في رُزْء الحسَيْن بكَرْبَلاَ / عيد اليزيدِ وعيدُ آل زِياد
أَيَمُوتُ عاطفُ والكِنَانةُ تَرْتَجِي / وَثَباتِه واليوْمُ يَوْمُ جلاَدِ
أيَموتُ في المَيْدَانِ لم يُغْمَدْ له / سَيْفٌ ولم يُخْلَعْ نِياط نِجادِ
أَيَمُوتُ والنَّصْرُ المُبِينُ مُلَوِّحٌ / بِلوَائِه لطَلائِع الأجنَادِ
ويَغِيضُ ماءٌ كانَ أيْسَرُ قَطْرةٍ / مِنهُ حَيَاةَ خَلاَئِقٍ وبِلادِ
عُمْرٌ إِذَا قَلَّتْ سِنُوه فإِنَّما / آثارُهُنَّ كثِيرَةُ التَّعْدَادِ
كالعِطْرِ تَجْمَعُ قَطْرةٌ من مائهِ / زَهْراً يَنُوءُ بغُصْنِهِ المَيَّادِ
كَمْ مِنْ فَتيٍ في التُّرابِ وخَلْفَهُ / ذِكْرٌ يُزَاحِمُ مَنْكِبَ الآبَادِ
ومُعَمَّرٍ عَبَرَ الوُجودَ فَما رَنَا / طَرْفٌ إِليهِ ولا بَكَى لِبعَادِ
عُمْرُ الرِّجالِ يُقَاسُ بالمَجْدِ الَّذي / شادُوه لا بِتَقَادُمِ المِيلادِ
عَزَّ المعارِف مُطْرِقاً في عَاطِفٍ / زَيْنِ الفِناءِ وسَيِّدِ الأنْدَادِ
للعِلْم والأخْلاَقِ كانَ مُعَاضِداً / فطَوَى الْحَياةَ وفَتَّ في الأعْضَادِ
ما زالَ يَكْدَحُ والْخُطُوبُ بِمَرْصَدٍ / والدَّاءُ يَطْغَى والزَّمانُ يُعَادِي
لَمْ تثْنِهِ الآلامُ عن غَاياتهِ / أو تَلْوِه الأسْقَامُ دُونَ مُرَادِ
فاللَّيْلُ مَوْصُولٌ بيَوْمٍ حافلٍ / واليومُ مَعقُودٌ بليْل سُهَأدِ
وكأنّما نصْحُ الطبيبِ بسَمْعِه / هَذَرُ الوُشَاة وزَفرَةُ الْحُسَّادِ
وَهَبَ الحياةَ كريمةً لبِلادِهِ / ومَضَى إلى الأُخْرَى صَريعَ جِهاد
وإِذَا بذَلتَ لمِصرَ كلَّ عَزيزةٍ / إِلاّ الحيَاةَ فَأَنتَ غيرُ جَواد
حَمَلُوا على الأعْوَادِ خيرَ وديعةٍ / أَعلمتَ مَنْ حَمَلوا على الأَعْوَاد
في رَكْبِه زُمَرُ السَّمَواتِ العُلاَ / تَحْدُو مَطِيَّتَهُ لِخَيْرِ مَعَاد
والصبرُ ناءٍ والرُّءُوسُ خواشِعٌ / والدَّمعُ جارٍ والقُلوبُ صَوَادِي
حَمَلوا على النَّعْشِ الكَريمِ سُلاَلةَ الْ / حَسَبِ الكَريمِ وصَفوةَ الأَمْجاد
وتَحمَّلوهُ ليَدْفِنوا تَحْتَ الثَّرَى / شَمَمَ الأُبَاةِ وصَوْلَةَ الآسَادِ
حَفّ الشبابُ به وفي عَبَرَاتهم / كَمَدُ الجنودِ لمصْرَعِ القُوّادِ
يا رَامِيَ الأملِ البَعِيدِ بهمّةٍ / شمَّاءَ تُدْرِك غايةَ الأَبْعاد
وعَقيدةٍ لو صُوِّرَتْ بمُماثلٍ / كانت تكونُ رَصانَةَ الأطْواد
لم يَزْهُها ضافي المديح ولم تكن / في الحق ترهب صولةَ النقَّاد
وعزيمةٍ لا الزجر نهنه هَمّها / يوماً ولا فُلَّتْ من الإيعاد
كادت تَدُور مع الكَواكِب دَوْرَها / بالنَّحس آونةً وبالإِسْعاد
كانتْ أَحزَّ من المُدَى وأَحَدَّ مِنْ / غَرْب الظُّبَى يُسلَلْنَ يومَ طِرَاد
وَثِقتْ بخالِقها القَديِرِ فشمَّرتْ / مَحْمودةَ الإِصْدَار والإِيرَاد
سِيشيلُ منه رَأتْ هَصوراً يَزْدَرِي / ألمَ الإِسَارِ وقَسْوَةَ الأصْفَأد
لَهْفِي عَلَيه والدّيارُ بَعِيدةٌ / وخَيالُ مِصْرَ مُرَاوِحٌ ومُغادِي
مُتَوَثِّباً نحوَ المُحِيط كأنَّه / صَقْرُ الفلاةِ بِكفّة الصَّيّاد
ما دكّه عَصْفُ الْخُطُوبِ ولا وَنَى / لزَعازِع الإِبْراق والإِرْعاد
لا تَعْجَبوا مَنْ كان سعدٌ خالَهُ / ألقَتْ له الأخلاقُ كلَّ قِيَاد
سَعْدُ الذي غَرَسَ المُهَيْمِنُ حُبَّه / في كلِّ جارِحةٍ وكلِّ فُؤَادِ
مُحْيي القَضَاءِ رَمَاه في رَيَعَانِهِ / سَهْمُ القضاءِ فما له من فادي
وثبتْ عَليه من المَنُونِ غوائِلٌ / وعَدَت عليه من الزَّمان عَوادِي
شَيّدتَ داراً للقَضاءِ فأصْبَحَتْ / للدّينِ والأخْلاقِ خيرَ عِماد
لو لم تَجِىءْ يومَ الحِسابِ بغَيْرِها / لَسَمَوْتَ فوق مَنازِلِ العُبّادِ
وبَثثتَ رُوحَكَ في الشّيوخِ فكلُّهم / داعٍ إلى نُور النبوّة هادِي
وبَنَيْتَ بالأخْلاقِ منهمْ دولةً / بَلَغتْ بِحَوْلِكَ أَبْعَدَ الآمادِ
الدِينُ سَمْحٌ إِنْ سَلَكْتَ سَبيلَه / لِلْخَيْرِ لا للشَّرِّ والإِفْسَادِ
فلَكَمْ رَأينا في المَعابد أَشْعَباً / للختْل يَلْبَسُ بُرْدَةَ الزُّهّاد
فَزِعت لك الأقْلاَمُ فوق طُروسِها / ومن المِدَادِ لَبِسْنَ ثوْبَ حِداد
وتكادُ تَلْتَهبُ المَنَابرُ حَسْرةً / لمّا رَحَلْتَ على خَطِيب إِياد
والشِّعْرُ أضحتْ هاطلاتُ دُموعِهِ / بَحْراً فنَاح عليكَ في الإِنشاد
مَنْ لي وظِلُّ الموتِ داج بَيْننا / بِضِياءِ ذاك الكَوْكبِ الوقّاد
مَنْ لي بِذاكَ الوجهِ بَيْنَ غُصُونِهِ / أَسْطارُ أَسْرارِ الْحَياةِ بوادِي
يا طالباً نُورَ اليَقينِ حَيَاتَهُ / جاءَ اليقينُ فسِرْ بأَوْفَرِ زَاد
وامْلأْ جُفونَكَ بالكَرَى في غِبْطةٍ / قد كنتَ أَحوجَ ساهدٍ لرُقاد
واخلَعْ ثيابَ الداءِ عَزَّ دواؤه / والْبَسْ بعَدْنٍ أنْفسَ الأبْراد
واذْهبْ كما ذَهب الشباب مُشَيَّعاً / بِدم الجُفونِ وحُرْقة الأكْباد
سَحّتْ عليكَ مع الْجَنُوب رَوَائِحٌ / وهَمَتْ عليك مع الشمالِ غوادِي
ألْقيتُ للغِيد الملاحِ سلاحي
ألْقيتُ للغِيد الملاحِ سلاحي / ورجَعتُ أغسلُ بالدموعِ جراحِي
ولمحتُ رَيْحانَ الصبا فرأيتُه / ذَبُلَتْ نضارتُه على الأقداح
كان الشبابُ طمِاحَ لاعجَةِ الهَوى / فاليوم يرفَعُ ساعدَيه طِمَاحِي
مَنْ لي وقد عَبِثَ المشيبُ بلِمّتي / بضياءِ ذاك الفاحِم اللَّماح
قد كان للذَّاتِ أسْرع ناصحٍ / فغدا على الشُبُهات أولَ لاحي
لو أستطيعُ لبعتُ عمري كلّه / لمنى الصبا وأريجه النفّاح
أيامَ أوتاري تغرِّدُ وحَدها / وتكادُ تَسْكَرُ في الزُّجاجةِ راحي
أيامَ شِعْري للفواتنِ رُقْيَةٌ / تستَلُّ كلَّ تدلُّلٍ وجِمَاح
دوجين لم يجدِ الفتى مصباحه / وأبان أسرارَ الهَوى مصْباحي
الفلسفاتُ وما حوتْ في نظرةٍ / من لحظِ ساجية العيونِ رَداحِ
تُغري الهوى وتصُدُّه لَمحَاتُها / فَيَحارُ بين تمنُّعٍ وسماح
والنظرةُ البَهْمَاءُ أفتكُ بالفتى / من كلِّ واضحةِ المرام وَقاح
فخذوا اليقينَ ونورَه لعقولكم / ودعوا شُكوكَ الحُبِّ للأرواح
سِرْ يا قطارُ ففي فؤادي مَرْجَلٌ / يُزْجيك بيْنَ مَتالعٍ وبِطاح
لو كنتَ شِعْري كنت أسبقَ طائرٍ / يكفيه للقطبين خَفْقُ جَناحِ
قالوا هنا لُبْنانُ قلتُ وهل سوى / لُبنانَ ملعبُ صبوتي ومِراحي
يبدو أشم على البطاحِ كأنّه / عَلَمٌ بكفِّ الفارِس الجحْجاح
نسجت له سُحبُ السماءِ مطارفاً / وحبتْه زُهْرُ نجومها بوشاح
طُرُقٌ كما التوت الظنونُ وقِمةٌ / قامت كحقٍّ للشعوب صُراح
النبعُ خمرٌ والحدائقُ نَشْوَةٌ / والجوُّ من مِسْكٍ ومن تُفّاح
لُبنانُ دوْحُ الشعرِ أنت تعلّمتْ / منكَ الهديلَ سواجعُ الأدواح
شِعْرٌ له فِعْلُ السُّلاف فلو أتى / قبلَ الشرائع كان غيرَ مُباح
ونضيرُ ألفاظٍ كأزهارِ الرُّبا / يبسِمن غِبَّ العارِضِ السَّحَّاحِ
وخمائلٌ من أحرُفٍ قُدْسيةٍ / أخملن صوتَ الطائر الصَدّاح
الفنُّ من سرِّ السماءِ ونَفْحَةٌ / من فَيْضِ نورِ الواهب الفتّاح
والعبقريةُ أنْ تحلِّقَ وادعاً / فتفوتَ جُهْدَ الناصِبِ الكَدّاح
لُبنانُ أنتَ من العزائم والنُّهى / ما أنتَ من صَخْرٍ ولا صُفّاح
أبطالُكَ الصيدُ الكُماةُ مَناصِلٌ / طُبِعتْ ليوم كريهةٍ وتلاحي
شَحُّوا على مُتَع الحياةِ بلحظةٍ / ومشَوا لِورْدِ الموتِ غيرَ شِحاح
قهروا الزمانَ ولن تضيعَ كرامةٌ / للحقِّ بين أسِنةٍ ورماح
المجدُ بابٌ إن تعاصَى فتحُه / فاسألْ كتائبهم عن المفتاح
دقّوا فما أودَى بعزم أكفِّهم / بأسُ الحديدِ وقسوةُ الألواح
ومن الْحِفاظِ المُرِّ ما يُعْيي الفتى / ليست تكاليفُ العلا بمزاح
كم صابروا عَنَتَ الحياةِ وعُسْرَها / بخلائقٍ غُرِّ الوجوهِ صِباح
نزحوا عن الأوطانِ في طلب العُلا / والعزمُ مِلءُ حقائبِ النُزّاح
وسرَوْا مع الريح الهَبُوبِ فلا تَرى / إلاّ رياحاً زُوحمتْ برياحِ
لم يستكينوا للزمان ووعدِه / فالدهرُ أكذَبُ من نَبِيِّ سَجاح
في أرض كُولُمْبٍ بنَوا فيما بَنوا / شَمَمَ الأبيِّ وعزمة المِلحاح
وبكلِّ جوٍ رايةٌ هفَّافةٌ / تهتزُّ كالمتخايل الميّاح
لو أبصروا في الشمسِ موضعَ مَهْجَرٍ / لتسلّقوا لسعيرها اللّواح
والنفسُ إن عظُمت يضيقُ بسعيِها / صدرُ الفضاء برَحْبِه الفيّاح
للناسِ ناحيةٌ تلُمُّ شَتاتَهم / والعبقريُّ له الوجودُ نواحي
يمشي الجريءُ على العُبابِ مخاطراً / وأرَى الجبانَ يموتُ في الضحْضاح
لُبنانُ صنتَ الضادَ في لأوائها / من شرِّ ماحٍ أو هَوى مجتاح
في البَدْوِ لوَّحها الهجيرُ فلم تجدْ / إلاّ ظِلالَكَ نُجعةَ المُلْتاح
جمعَتْ رجالُكَ زَهرَها في طاقةٍ / عَبِق الوجودُ بنشْرِها الفَوَّاح
نظموا لها عِقْداً يرِفُّ شعاعُه / بلآلىءٍ مِلء العيونِ صحاح
وحَمَوْا كتابَ اللّه جلّ جلاله / من لَغْوِ فَدْمٍ أو هُرَاءِ إباحي
فانظرْ إلى البُستان هل تلقى به / إلاَّ وروداً أو ثُغورَ أقاحي
لُبنانُ والفِرْدَوسُ أنت لقيتُه / فطرَحْتُ عند لِقائِه أتْراحي
وتركتُ للهْوِ العنانَ وأطلقتْ / أيدي الزمانِ العاتياتُ سراحي
وشهِدتُ فيكَ الْحُورَ تسبح في السَّنا / نفسي فِداءُ ضِيائها السّباح
طاوعتُ في نجلائِهنّ صَبابتي / وعصَيتُ ما تَهْذي به نُصَّاحي
ما الفتنةُ الشّعْواءُ إلاّ أعينٌ / سُودٌ تَلأْلأَ في وجوهِ مِلاح
دافعتُ بالغَزَلِ الْحَنونِ لحاظَها / شتَّانَ بيْن سِلاحِها وسلاحي
وبعثتُ أنّاتي وقلتُ لعلَّها / تُغْني إشارتُها عن الإِفصاح
فتجاهلتْ لغةَ الغرامِ وتابعتْ / خُطُواتِها في عِزَّةِ وشِياحِ
عادتْ إليَّ حَبائلي فَلَممتُها / ورضِيتُ من ضحِكِ الهَوى بنُواحي
لم يُبْقِ مني الوجدُ غيرَ حُشاشةٍ / لولا التعلُّلُ آذنتْ بروَاح
أشكو وما الطبُّ الحديثُ براحمٍ / شجوي ولا مُتسمِّعٍ لِصياحي
هل بين مؤتمرِ الأساةِ مجرِّبٌ / شافٍ لأدواءِ الصبابةِ ماحي
والطبُّ لا يصِلُ المَدَى إن لم تصِلْ / جَدْواه للأَرواحِ وَالأشباحِ
مَرْحَى بمؤتمرٍ تبلّجَ نورهُ / في الشرقِ مثلَ تبلُّجِ الإصباح
زُمَرٌ من البَشَرِ الملائكِ كم لهم / في الطبِّ من غُرَرٍ ومن أوْضاح
بذلوا النفوسَ فكم شهيدِ جِراحةٍ / منهم وكم منهم شهيدُ كِفاح
وتفهّموا سِرَّ الحياةِ ولم يكنْ / سرُّ الحياةِ لغيرهم بمُباح
دهَتِ البلادَ بعوضةٌ أجَمِيّةٌ / جاءت على قدَرٍ لمصرَ مُتاح
دقَّتْ لغير ترحُّلٍ أطنابَها / ورمتْ مراسيها لغيرِ بَراح
وَعَدَتْ على الماء القراحِ جُيوشُها / فغدا النميرُ العذْبُ غيرَ قراح
السُّمُّ أقوَى في شَبا خُرْطومِها / من حدِّ كلِّ مُهنَّدِ سفَّاح
كالْجِنِّ تهوَى الليلَ في وثَباتِها / وتَفِرُّ ذُعْراً من بُزوغِ صَباح
يا خِيرةَ الشرقِ المُدِلِّ بقومِه / هذا أوانُ البعثِ والإِصلاح
المجدُ فوقكُمُ دنتْ أفنانُه / فتلقّفوا ثمراتِه بالرّاح
وترسَّموا سَنَنَ الرئيسِ وهدْيَه / شيخِ الأساةِ عليّ الْجراحِ
وَانفُوا عن الطبِّ الرَطانةَ إنّها / نَمَشٌ يَعيثُ بوجههِ الوضَّاح
كم في حِمَى الفصْحَى وبين كُنوزها / من مُشْرِقاتٍ بالبيانِ فصاح
ما أنكرتْ أممٌ لسانَ جُدودها / يوماً وسارتْ في طريق فلاح
لُبنانُ مُذْ حلّتْ ذَراكَ رِكابُنا / حلّتْ من الدنيا بأكرم ساح
الأرْزُ فيك ونخلُ مصرَ كلاهما / أخَوانِ في الأتراح والأفراح
وَالنيلُ منكَ فلو بَكْيتَ لفادحٍ / غَمَر الشُّطوطَ بدمعِه النضّاح
لُبنانُ آن لك الفَخارُ بسادةٍ / عُرْبٍ كِرامِ المنْبِتَيْنِ سِمَاح
مجدٌ إذا ما أشرقتْ صَفحاتُه / أزْرتْ بُمؤتلِقِ النهارِ الضاحي
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ / ماذا يقولُ إذا نعاكَ الناعِي
بُهِتَ القريضُ فما يُبينُ وأَذْهَلَتْ / نُوَبُ الخطوبِ نوادبَ الأسجاع
وتنكَّرَتْ صُورُ البيانِ وعقَّني / عن أَنْ أبوحَ كما أشاءُ يراعي
تمحو سواجمُهُ المِدادَ فخطُّهُ / أسطارُ ملتَهِبِ الحشَا مُلْتاع
والشعرُ إن عقَدَ المُصَابُ لسانَهُ / فسكوتُه ضَرْبٌ من الإبداع
نَعْيُ الكريمِ العَبْقَرِيِّ لأُمَّةٍ / نَعْيُ الغَمامِ إلى رياضِ القاع
وَيْلَ المنونِ تطاولت أحْداثُها / فَلَوتْ قناةَ الأَرْوعِ الشَّعْشَاعِ
وطغَتْ عواصفُها فغَالَ هُبوبُها / أَضْواءَ ذاكَ الكوكبِ اللمّاع
بكتِ الصحافةُ فيه أشجعَ فارسٍ / وأعزَّ مَدْعُوٍ وأكرَمَ داعي
قد كان جَبْرائيلُ مُلْهِمَ وَحْيها / يرعَى جلالةَ قُدْسِها ويُراعي
فإذا جفاني الشعرُ يومَ رِثائِهِ / فلقد رثَتْه مآثرٌ ومَساعي
وإذا فَرَرْتُ من الوداعِ وهَوْلهِ / فلقد بعثتُ مع الدُّموعِ وَداعي
خَفَقَتْ بساحتِكَ البشائِرْ
خَفَقَتْ بساحتِكَ البشائِرْ / وسَرَتْ بريّاكَ الأزاهرْ
يا يومَ مولِدِه وما / لكَ في جمالِكَ من مُفاخرْ
جاهرْ بنُبْلك في الزما / نِ فحقُّ مثلِكَ أَنْ يجاهرْ
لك أوّلٌ في المَكْرُما / ت وما لفيضِ يدَيْكَ آخرْ
أشرقتَ في أُفُقِ القلو / بِ ودُرْتَ في فَلكِ الضمائرْ
وجُمِعْتَ من ضَوْءِ المنى / وخُلِقْتَ من نور البصائرْ
لكَ بينَ أعيادِ الزما / نِ سَناً على الأعياد باهرْ
شَفَقاكَ خدّا غادةٍ / ودُجاكَ أحداقُ النواظرْ
ما أنتَ في الدنيا سوَى / أملٍ وضِيءِ الْحُسن سافرْ
هذا الجمالُ كأنّه / قد صِيغَ من خَطَراتِ شاعرْ
سَحَر العُيونَ بحُسنِه / والحسنُ للأبصارِ ساحرْ
الصبحُ بسّامُ السنا / والليلُ مصقولُ الغدائرْ
يا يومَ فاروقٍ وكمْ / لكَ عند مصرٍ من مآثِرْ
شهدت بمطلعك الحيا / ة تفيض بالنِعَمِ الزواخرْ
ورأتْ جَبيناً كالصبا / حِ أضاء مُعْتَكِرَ الدياجرْ
ورأتْ مُنىً قدسيَّةً / دقَّ الزمانُ لها البشائرْ
ورأت مخَايلَ دَوْلَةٍ / فوْقَ النجوم لها معَابرْ
ورأت رجاءَ النيلِ في / ثوبٍ من الإيمان طاهرْ
ورأت بَوادرَ هِمَّةٍ / أعظِمْ بهاتيكَ البَوادرْ
ورأت سَرِيرة خاشعٍ / سَجدَتْ لخشيتهِ السرائرْ
وتطلعَ المِحْرابُ في / جَذَلٍ وأشرقتِ المنابرْ
واستبشر الدينُ الحني / فُ بخيرِ من يُحيي الشعائرْ
نادَى البشيرُ به فيا / بُشْرَى المدائنِ والحواضرْ
ومشتْ ملائكَةُ السما / ء تَهُزُّ في الجوِّ المباخرْ
فالأفْقُ مِسْكٌ عاطرٌ / والمَهْدُ مثلُ المسكِ عاطرْ
هتفتْ لمَوْلِدِ كابرٍ / لمُطَهَّرِ الأنسابِ كابرْ
هتفتْ بفاروقٍ أجَ / لِّ مُمَلَّكِ وأعزِّ ناصرْ
خطَّ المثالَ وفضلُهُ / مَثَلٌ يُباري الريحَ سائرْ
والناسُ بينَ مُكَبِّرٍ / داعٍ ومُولي الحمدِ شاكرْ
ملأوا القلوبَ بحبهِ / وبِذِكْرِهِ ملأوا الحناجرْ
فاروقُ فَرْدٌ في الجلا / لِ فلا شبيهَ ولا مناظرْ
هذي بَواكِرُه فكي / ف يكونُ ما بعدَ البواكرْ
ينهَى ويأمر هادياً / أفْدِيه من ناهٍ وآمرْ
فَرْعٌ من الدَّوْح الكر / يم مُباركُ النَّفحاتِ زاهرْ
وقديمُ ماضٍ في العَلا / ء يزينُه في النُّبْل حاضرْ
وسُلاَلةُ الأمجادِ أبنا / ء المواضي والبَواترْ
من كلِّ مِسْعَر غارَةٍ / والموتُ مُحْمَرُّ الأظافرْ
يُجْرِي الحصانَ مُخَاطراً / فوقَ الجِماجم والمغافرْ
أمضَى لدعوةِ صارخٍ / من لمح كرّات الخواطرْ
يأبى عليه نِجاره / وإباؤه ألاّ يبادرْ
للنَّقع فوقَ جَبينه / مِسْكٌ يُضَمِّخُ كلَّ ظافرْ
المجدُ لا يُلْقي العِنا / نَ لغيرِ ذي العزم المثابرْ
السابقِ الوثّابِ طَلاَّ / عِ الثَّنِيَّاتِ المصابرْ
مَنْ لا يُحاذِرُ إنْ دَعا / هُ حِفاظُه ألاّ يُحاذرْ
عشِقَ المخاطرَ مُرَّة / فَجَنى الشِّهادَ من المخاطرْ
من كالأساوِرَةِ البوا / سلِ والقَسَاورةِ الخوادِرْ
أجدادِ فاروقٍ كِرا / م الْمُنتَمى طُهْرِ الأواصرْ
بعثوا تُراثَ الأوَّلي / نَ ووطَّدوا مَجْدَ الأواخرْ
تُزْهَى بهم مِصرٌ كما / زُهِيَتْ بفِتْيتها تُماضرْ
دعْها تُكاثر بالذي / أسدَوْا نَعَمْ دَعْها تُكاثرْ
فاروقُ أشرِقْ بالمنى / يسمو لِضوئك كُلُّ حائرْ
مصرٌ وأنت يمينها / عَقَدت على الحبِّ الخَناصرْ
هَذِي الديَارُ وَأَنْتَ شاعِرْ
هَذِي الديَارُ وَأَنْتَ شاعِرْ / فَانْثُرْ كَرِيماتِ الْجَوَاهِرْ
وَافْعَلْ كَما يُمْلي الْهَوَى / فَاكْتُمْ حَدِيثَكَ أو فَجَاهِرْ
هِيَ مَنْ عَلِمْتَ مَكانَها / فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُخَاطِرْ
حاذِرْ عَليُّ وَلَيْتَ شِعْرِي / هَلْ يَرُدُّكَ قَوْلُ حاذِرْ
حَوْراءُ تَسْرَحُ في الْقُلُو / بِ كَأَنَّها مَرِحُ الْجَآذِرْ
يَا لَيْلَةً حُمِدَت بِها / عُقْبَى الْمَوَارِدِ وَالْمَصَادِرْ
مَرَّت كَحَسْوَةِ طائرٍ / قِصَراً وَكَرَّاتِ الْخَواطِرْ
وَدَّ الْكَوَاعِبُ لَوْ تُمَدُّ بِمَا / لَهُنَّ مِنَ الْغَدَائِرْ
أوْ لَوْ وَصَلْنَ سَوَادَها / بِسَوَادِ حَبَّاتِ النَواظِرْ
نَشَرَ الْجَلالُ لِوَاءَهُ / فيها وَصَفَّقَتِ الْبَشائِرْ
وَطَفا السرورُ على الْوُجُو / هِ ودَبَّ ما بَيْنَ السرائِرْ
وأَتَتْ كَمَا يأْتِي الشبا / بُ مُبارَكَ النفَحَاتِ ناضِرْ
إِنْ غَاب فيها بَدْرُ ذِي الد / نْيَا فَبَدْرُ الدينِ حاضِرْ
أَمُحَمَّدٌ يا زِينَةَ الْ / فِتْيَانِ يا نَسْلَ الأَكابِرْ
صاهَرْتَ أَكْرَمَ أُسْرَةٍ / نِعْمَ الْمُصَاهَرُ والْمُصَاهِرْ
وَظَفْرْتَ مِنْ نِعَمِ الْحَيَا / ةِ بِنِعْمَةٍ يَا خَيْرَ ظَافِرْ
يا ابْنَ الأُلَى بَزَّتْ فِعا / لُهُمُ الأَوَائِلَ وَالأَوَاخِرْ
يا ابْنَ الأُلَى كانَتْ لَهُمْ / في كُلِّ حادِثَةٍ مَآثِرْ
كانَتْ رَشِيدُ بِجَدِّكَ الْ / أَعْلَى تَتِيهُ عَلَى الْحَوَاضِر
قَدْ كانَ رِدْئَاً لِلْعِبا / دِ وَكانَ مَوْئِلَ كُلِّ عَاثِرْ
كَمْ رَدَّ غَائِلَة الْمُحَا / فِظِ وَالْمُحَصِّلِ والْمُبَاشِرْ
عَصْرٌ بِجَدِّي ثُمَّ جَدِّك / كانَ بِالْعَلْيَاءِ زَاهِرْ
سَهِرَا فَنَامَ الْبَائِسُو / نَ مُحَصَّنِينَ مِنَ الْمَخاطِرْ
وَتَقَاسَمَا فَضْل الْفَخا / رِ وَنَادَيَا هَلْ مِنْ مُفَاخِرْ
جَدِّي بِعِلْمٍ ناصِعٍ / يَهْدِي وَلَيْلُ الشكِّ عاكِرْ
وَبِمِقْوَلٍ يَفْرِي الْحَدِي / د وَيَصْرَعُ الْخصْمَ الْمُكابِرْ
في حِينِ جَدِّكَ بِالسَما / حَةِ يُخْجلُ السحْبَ الْمَواطِرْ
دَانَ الزمانُ لِطَوْلِهِ / فَأَتَى إلَيْهِ وَهْوَ صَاغِرْ
سَلْ مَنْ رَأَوْهُ فَكُلُّهُمْ / لِنَوَالِ بَدْرِ الدينِ ذَاكِرْ
أَمَّا أَبُوكَ فَقَدْ سَعَى / في إثْرِهِ سَعَىَ الْمُثَابِرْ
خُلُقٌ كَنَوْرِ الرَّوْضِ بَا / كَرَهُ الْحَيَا والروْضُ عاطِرْ
وَعَزِيمةٌ أَمْضَى مِنَ الْ / أَقْدارِ في حَلَكِ الديَاجِرْ
بَطْشٌ كَبَطْشِ اللَّيْثِ أَغْ / ضَبَهُ الطوَى واللَّيْثُ خادِرْ
نزَلَتْ مَحَبَّتُهُ الْقُلُو / بَ وَأقْسَمَتْ أَلاَّ تُغادِرْ
هُوَ خَيْرُ مَنْ هَزَّ الْيَرَا / عَ وَهَزَّ أَعْوَادَ الْمَنابِرْ
فَإِذا انْبَرَى لِلْقَوْلِ كا / نَ لَهُ مِنَ التوْفِيقِ ناصِرْ
فَتَكادُ تَأْكُلُهُ النفُو / سُ هَوىً وتشْرَبُهُ الضمائِرْ
أَعليُّ إنَّكَ أنْتَ أَكْ / رَمُ نابِهٍ فِينا وكابِرْ
إنْ عُدَّ أَبْطَالُ الرجا / لِ فَأَنْتَ أَوَّلهُمْ وآخِرْ
عُرْسٌ أقيمَ على الدمِ المسفوكِ
عُرْسٌ أقيمَ على الدمِ المسفوكِ / أأُرَدِّدُ الألحانَ أم أبكيكِ
باريسُ حيَّرْتِ القريضَ فمرّةً / يشدو وحيناً والِهاً يَدْثيك
نهكَتْكِ داهيةُ الْخُطوبِ فلم تَدعْ / للفوْزِ غيرَ حُشاشةِ المنهوك
إنْ كان ما تَعْنِي الحياةُ تنفُّساً / فالعيشُ خَيْرٌ في ظِلالِ النوك
لَهفي عليكِ ولهفَ شعري ما الذي / لاقيتِ من جَبَريّةٍ وفُتوك
ما بين ظُلْمٍ كالمنونِ مُحجَّبٍ / عاتٍ وظلمٍ كاسمِه مهتوك
ألقيتِ نفسَكِ للطغاةِ غنيمةً / ومضَى القضاءُ فعزّ مَنْ يُنجيكِ
جُرْحُ الهزيمةِ لا تَجِفُّ دماُه / وتجفُّ داميةُ القنا المشكوك
ناديتِ لا بيتانُ في تسعينهِ / مُصْغٍ ولا لافالُ بين ذَويك
ولقيتِ من عَسْفِ العدوِّ وكيدِه / دونَ الذي لاقيتِ من أهليكِ
ولي الْحُماةُ فما أجابوا دعوةً / لمّا دعاهم للردَى داعيك
تركوك للموتِ الزُؤام وأدبروا / يا ليتَهم للموتِ ما تركوك
ومضَوْا حيَارَى ذاهلين فما رأوا / كَفَّيْكِ ضارعةً ولا سمِعوك
قذفوا السلاحَ فصبّه أعداؤُهم / غُلاً فكاد حديدهُ يُرْديك
ونُعِيتِ للدنيا فشبَّتْ لوعةٌ / أصلَى القلوبَ بحرِّها ناعيكِ
ويلَ الشبابِ من النعومةِ إنَّها / أعراضُ سُمٍّ للشعوبِ وشيك
ما أتعسَ الزمنَ الجديدَ بِفِتْيةٍ / قتلوه في التصفيفِ والتدليك
قلبٌ كقُرْطِ الغانياتِ مُفَرّغٌ / وإرادةٌ من حيْرةٍ وشُكوك
عاشوا صعاليكَ الحياةِ وليتهم / فازوا بصدقِ عزيمةِ الصُّعْلوك
أبقتْ ليالي الأُنسِ من أخلاقهم / فزعَ النعامةِ وازدهاءَ الديك
باريسُ هالتْكِ الدماءُ غزيرةً / فسقطتِ بين نَصالِ جزّاريك
خِفْتِ القذائِفَ أن تهدَّ معالماً / فتهدّمَ التاريخُ في أيديك
ما كان أحْرَى لو دُكِكْتِ إلى الثرىَ / وتركتِ ذكْراً ليس بالمدكوكِ
ما برجُ ايفَ حين يسلَمُ مانعٌ / هَمْساً يطِنُّ غداً بأذْنِ بنيك
لو طال صبرُكِ في المكارهِ ساعةً / لرأيتِ أنّ الموتَ قد يُنجيك
إنّ الذي خلقَ الكرامةَ صانها / بالسيفِ يمحو رأْيَ كلِّ أفيك
بين المهانةِ والمَعَزّةِ خُطوةٌ / فإذا ضلِلْتِ فقلَّ مَنْ يَهديك
شتانَ بين فتىً يموتُ مجالِداً / وفتىً يموتُ بجُرْعةِ الفينيك
شتّى أساليبُ الحياةِ ولا أرَى / للمجدِ غيرَ طريقهِ المسلوك
سرُّ البطولةِف الشدائدِ جُرْأةٌ / سيَّانِ تَفرى الخطبَ أم يَفريك
قد كنتِ في السبعين أكرمَ موقفاً / والغانياتُ بشَعرِها تفديكِ
باريسُ قد ضرب الثبات بلندنٍ / مَثَلاً إلى أمثالِه يدعوك
عبَستْ لهم دنكركُ فاقتحموا الردَى / ومشَوا بوجهٍ للمنونِ ضحوك
واستقبلوا نُوّبَ الزمانِ ضراغماً / لما تخلّف عاهلُ البلجيك
جعلوا الهزائِمَ سُلّماً فتسلّقوا / للنصرِ فوقَ جماجمٍ وتَرِيك
أصْلَتْهُمُ الهيجاءُ نارَ جحيمها / فتخلّصوا كالعَسْجدِ المسبوكِ
لو أنَّهم وهَنوا لزالتْ ريحُهم / وقضَوْا عبيدَ الذلِّ والتفكيك
ولمَا رمى شرْ بُرْجَ منهم جَحْفَلٌ / في مأزِقٍ كفمِ الليوثِ ضَنيك
ولما رأت روما طلائعَ نجدةٍ / تشري المحامدَ بالدمِ المسفوكِ
ولما مضَى روميلُ يلعَقُ جُرْحَه / ويجرُّ ذيلَ العاثرِ المفلوك
ولما جرت في البحرِ تخطِرُ سُفْنُهم / من آخرِ الهادي إلى البلطيك
باريسُ والذكرىَ جحيمٌ فانظُري / نحوَ السماءِ لعلّها تُتسيك
وتذكّري ماضيكِ فهو مَجادةٌ / قد كان أستاذَ الوَرى ماضيك
يا أمَّ هوجو كلُّ شِعْرٍ يرْتَجي / لو كان يَلْقَى وحيَه من فيك
أشعلتِ مصباحَ الفنون فأشرقت / بضيائه الأيامُ بعد حلوك
فيكِ الثقافةُ بالمجانةِ تلتقي / ماذا أقولُ وكلُّ شيءٍ فيك
يا كعبةَ الدنيا ويا نادي الهوَى / الآنَ كيفَ الحالُ في ناديكِ
أتُرَى البلابلُ لا تزالُ صوادحاً / ام راعها الغِربانُ في واديكِ
والغانياتُ أُفزِّعتْ أسرابُها / وتفرّق السُّمارُ عن شاديك
طلعتْ عليكِ مع الصباح فوارسٌ / ومشَى الغريمُ لحقِّه المتروك
طاحوا بقيدكِ في الهواء وكم لهم / مِنَنٌ على المأسورِ والمملوك
وجنودُكِ الأحرارُ تستبقُ الْخُطا / لتردَّ صفعتَها إلى غازيك
فتفرّق الأعداءُ عنكِ بَدائداً / والطعنُ فوق قفاهُمُ المصكوك
سبحانَ من لا حكم إلاّ حكمهُ / يُمضِي إرادتَه بغير شريك
عودي إلى ظلِّ السلامِ وأشْرِقي / كالشمسِ تعلو الأفْقَ بعد دُلوكِ
واستقبلي الدنيا جديداً واعلمي / أنّ الأسَى والحزنَ لا يُجديك
قَدَرُ الإلهِ إذا كرِهتِ لقاءه / فلعَلَّ في عُقْباه ما يرضيك
عرشٌ ينوح أسى على سلطانهِ
عرشٌ ينوح أسى على سلطانهِ / قد غاب كسرى الشعر عن إيوانِهِ
طوت المنون من الفصاحة دولةً / ما شادها هارون في بغدانه
في ذمة الفن المقدسّ عازف / لقي الحِمام على صدى ألحانه
لمّا تهامست الصفوف بنعيه / كاد الفؤد يكفّ عن خفقانه
ساءلت حين قضى عليٌّ فجأة / هل حلّ يومُ الحشرِ قبل أوانه
سقد المؤبّنُ وهو يسمع شعره / من ذا يؤبّنه بمثل بيانه
وصف الزمان لنا وجاد بنفسه / لتكون برهاناً على حدثانه
قال احذروا غدر الحمام معزّزاً / بحياته ما قاله بلسانه
لا تعجبوا من موْته في حفله / إنّ الشجاع يموت في ميْدانه
بطلُ المنابر ما له من فوْقها / يهوي وكمْ عرفت ثبات جنانه
إن خانه ضعف المشيب فطالما / قهر المنابر وهو في ريعانه
كلاّ لعمري لم يخنه مشيبه / لكنّ حمّى المرء من خوّانه
لم يجنها إلا رقيقُ شعوره / والمرهفُ الحساس من وجدانه
حرٌّ قضى متأثراً ببيانه / ولكم جنى فنٌّ على فنّانه
يا شاعراً طار اسمه بقوادم / من عبقريته ومن اتقانهِ
ما دان يوماً للصغار بصيته / أو دان للزُّلفى برفعة شانه
والمجد منه زائفٌ وممحصٌ / لا تخلطوا بلوره بجمانه
ما كل لمّاع ببرقٍ ممطرٍ / البرق غير الال في لمعانه
عرشُ القوافي بعد موتك شاغرٌ / يا طول ما يلقاه من أشجانه
قل للذي يومي إليه بلحظه / هذا مجال لست من فرسانه
لا هُمّ حكمك في الورى جارٍ وما / من حيلةٍ للعبد في جريانه
الطير ملء الروض أشكالاً فما / للسهم لا يُصمي سوى كروانه
يمضي العظيمُ من الرجال فينبري / لمكنه خلفاء من أقرانه
والشاعرُ الموهوب فلتة دهره / إن مات أعيا الدهر سدّ مكانه
قل للرياض قضى عليٌّ نحبه / ولطيرها الشادي على أفنانهِ
الشاعرُ الغرد المحلّق في السها / بجناحه قد كفّ عن طيرانه
بكت اللآلىءُ بعده لالها / وتساءل الياقوت عن دهقانه
وتساءل التاريخ عمن شعره / كان السجل لحادثات زمانه
بكت الكنانةُ في عليٍّ شاعراً / جعل اسمها كالنجم في دورانه
عفُّ اللسان مؤدبُ الأوزان لم / يتلق وحي الشعر عن شيطانه
بل كان نفح الخلد أمتعنا به / حيناً وعاد به إلى رضوانه
للنيل شاد بشعره ما لم يشدْ / فرعونُ والهرمان من بنيانه
من كلِّ بيتٍ في السُّها شرفاته / تتلألأ الأضواءُ في أركانه
يعيي الفراعنةَ الشدادَ أساسهُ / ويحار ذو القرنين في جدرانه
شعرٌ إذا غُني به لم يبْق من / لم يروْه كالبرق في سريانه
غنى الطروبُ به على قيثاره / وترنمّ المحزون في أحزانه
بهر العذارى حسنَه فوددْن لو / صيغت قلائدهنّ من عقيانه
ويكاد سامعه يفسّر لفظه / من قبل أن يسري إلى آذانهِ
تغري سلاستهُ الغريرَ فيقتفي / آثاره سيراً على قضبانه
حتى إذا هدَّ المسيرُ كيانَه / حصب الورى بالصلد من صّوانه
يا رُب ديوانِ تأنّق ربه / في طبعه وافتن في عنوانه
لا يسمع اليقظان وقع قريضه / حتى يدبَّ النومُ في أجفانه
والشعرُ إما خالدٌ أو مدرجٌ / من ليلة الميلاد في أكفانه
قالوا عليٌّ شاعرٌ فأجبت بل / ساقٍ عصير الرم ملء دنانه
قمْ سائل الفقهاء هل في شرعهم / حرجٌ على ثملٍ بخمرة حانه
كم خطّ من صوّر الحياة مدادهُ / ما لم يخطّ مصوّر بدهانه
ببراعةٍ لو أدركت موسى رأى / من سحرها ما غاب عن ثعبانه
أين القصائد كالخرائد كلّها / بكرٌ وبكر الشعر غير عوانه
أحيا لنا ابن ربيعة تشبيبها / وأعاد للأذهان عهدَ حسانه
شيخٌ يحس الشيخ عند نسيبه / بدم الشباب يسيل في شريانه
وإذا تحمّس قلت حيدرة انبرى / تحت العجاجة فوق ظهر حصانه
وإذا تبدّى قلت لابس بردةٍ / قد جاء من وادي العقيق وبانه
وإذا تحضّر قلت نسمةُ روضة / من فرط رقّته وفرط حنانه
يا طالما حمل الأثيرُ نشيدَهُ / وكأنّما هو عازفٌ بكمانه
بغدادُ مصغيةٌ إلى أنغامه / ودمشقُ راقصةٌ على عيدانه
وكأنّما الحرمان عند هتافه / سمعا بلالاً هاتفاً بأذانه
يُثني على الفاروق تحسبه فتى / ذبيان قد أثنى على نعمانه
والملكُ يظهر بالثناء جلاله / والشعر مثل الدرّ في تيجانه
والشعر مرآة النفوس يذيع ما / طويت قرارتها على كتمانه
من أحرفٍ سوداء إلا أنه / نقشٌ يُريك الطيفَ في ألوانه
والشاعرُ الموهوب تقرأ شعره / فترى جمالَ اللّه في أكوانهِ
يا ويح قومي كم أشاهد بينهم / من شاعرٍ هو شاعرٌ بهوانه
يا راثي الموتى ومُخلد ذكرهم / بالخالد السيّار من أوزانه
أرثيك حفظاً للجميل وإنّه / دينٌ أعيذ النفس من نُكرانه
ماذا يؤمّل شاعرٌ من راحلٍ / أتره يطمع منه في إحسانه
وأنا الذي ما سمت شعري ذلةً / أو بعته بالبخس من أثمانه
يا رب بيت قد ضننت ببذله / ضناً على من ليس من سُكّانه
أقسمت ما جاوزت فيك عقيدتي / قسم الأمين البر في إيمانه
دارُ العلوم بنتك حصناً شامخاً / للضاد تلقى الأمن في أحضانه
رزئت لعمري فيك رزء الدوح في / كروانه والفلك في ربّانه
دارٌ قد انتظمت أياديها الحمى / أشياخه والنشىء من ولدانه
دارُ العلوم ونيلُ مصر كلاهما / بنميره يروي صدى ظمآنه
فاضا على الوادي فكان العلمُ من / فيضانها والماءُ من فيضانه
يا خادمَ الفصحى وكمْ من خادمٍ / تعتز ساداتٌ بلثم بنانه
أفنيت عمرك زائداً عن حوْضها / ذود الكريم الحرِّ عن أوطانه
أنصفتها من معشرٍ مستعجم / الغرب أصبح آخذاً بعنانه
والضاد حسب الضاد فخراً أنها / كانت لسان اللّه في فرقانه
هي سؤدد العربي يوم فخاره / وقوامُ نهضته وسرُّ كيانه
من ذاد عنها ذاد عن أحسابه / بل عن عقيدته وعن إيمانه
نم يا عليّ جوار ربك آمناً / لك عنده ما شئت من غفرانه
لك عند رب العرش أجر مجاهدٍ / فانعم برحمته وعدن جنانه
كم من شهيدٍ مات فوق فراشه / جمد الدمُ السيّال في جثمانه
إن المجاهد من أغار بفكره / لا من أغار بسيفه وسنانه
سيظل شعرك يا عليّ مردداً / ما غرّد القمري في بستانه
أقسمت ما نال البلى من شاعرٍ / يحيا حياة الخلد في ديوانه