المجموع : 71
أقسمتُ لو كاتبتُكم
أقسمتُ لو كاتبتُكم / حَسْبَ اشتياقي واعتقادي
وفعلت ما يقضي به / أسَفِي على طول البعاد
لَكتبتُ في خدي لكم / بسواد عيني أو فؤادي
ولكان ذكركمُ يج / لُّ عَن الصَّحائِف والمِداد
لا فرقَ بينكمُ وبين فؤادي
لا فرقَ بينكمُ وبين فؤادي / في حالَتَىْ قُربِي لكمُ وبِعادي
فلَقد حَبَبْتكم على عِلاّتِكم / كمحبَّةِ الآباءِ للأَولاد
ونَزلتُمُ مني وَإنْ لم تُنصِفوا / بمَنازلِ الأرواحِ في الأجساد
ورجوتُ أن أسلو لسوء صَنيعِكم / عندي فصار ذَريعةَ لودادي
قد كنتُ أطمعُ بالخيال لو أنكم / لم ترحلوا يومَ النَّوَى برُقادي
ولذكركم في مِسْمَعىَّ لَذاذةٌ / كالماء عذبا في لَهاةِ الصّادي
مَجدٌ تَقاصرَ عن سَماهُ الفَرْقَدُ
مَجدٌ تَقاصرَ عن سَماهُ الفَرْقَدُ / وسعادةٌ أسبابها تتأكد
رُتَبٌ خُصِصْتَ بها وما صادفتها / لكنْ أَفادَكها الحِجَا والسؤدد
وسياسةٌ ورياسةٌ ونَفاسة / وتَفقُّد وتَسدُّد وتَأَيُّد
إنّ الخلافةَ ما اصْطَفَتْك لنفسها / حتى اخْتُبِرت لكلِّ أمرٍ يُحْمَد
فاشْتُقَّت الألْقابُ فيك لأنها / وصفٌ جميلٌ في صفاتٍ تُوجد
فدَعتْك بالمأمون وهْي جِبِلَّة / مما يُثَبِّتُها لديك المَوْلِد
تاج الخلافِة وهْو تاجُ فَضائلٍ / تَقْضِي الجواهرُ دُونَه والعَسْجَد
فَخْرُ الصَّنائِع أيُّ فخر صِبغه / أَبدا على طول المَدى يتجدَّد
وإذا وجيه الملك قيل فإنه / وَجْهٌ له من كلِّ فضلٍ مُسْعِد
نِعْمَ الذَّخيرةُ أنت للأمرِ الذي / يَنْحُو أميرَ المؤمنين ويَقْصِد
يُزْهَى بك التشريفُ والخِلَعُ التي / جَلَّت وجوهر طرفها المتوقِّد
ما خاب فيك دعاؤُنا ورجاؤُنا / واللهُ يَعْلم ما نقول ويَشْهَد
كم من قَريحِ القلبِ في ظُلَم الدُّجَى / ودعاؤها لك دائم يتردّدُ
وضعيفةٍ تحنو على أطفالها / فلَهم نوالُك كلَّ وقت يُورَد
ومُكرِّرِ الزَّفَرَاتِ في مِحْرابه / يَقْرأ ويركع للإله ويسجد
أوْليتَه بِرّا فأَخْلَص دعوةً / نجَحَتْ وأنت بها المَجِيد الأَسْعَد
فأبْشِرْ فهذا بعضُ ما سَتنالُه / إنّ الذي يأتِي أَجلُّ وأَرْغَد
شَمِل الورى فَضْلانِ منك ونعمةٌ / أَسْديتَها أو مِنَّةٌ تُتقلَّد
من يزرعِ المعروفَ زَرْعَك للنَّدى / لا شكَّ مثلَ حصيدِ سَعْدِك يَحْصُد
مولاىَ قد أَوْليتَ عبدَك نِعمةً / فَله عليك بها ثَناءٌ سَرْمَد
والآن قد أضحتْ حَواشِى حالِه / هُدْبا فلا تُرْفَى ولا هي تُعْقَد
فكأنني بعضُ الملائكةِ التي / لا تغتذى وكأن بيتيَ مسجد
وتكاثُرُ الأطفالِ فاقَ تَجلُّدي / لكنّني كم قَدْرُ ما أتجلَّد
فكأننا ليكائهم في مأتمٍ / طولَ الزمانِ وما لنا من نفقد
وتَعُّذر الجارى أَضَرَّ بحالهم / وأَضرَّبى وهو القليل الأنكد
هو خمسةٌ عدداً يَصِحُّ ثلاثةً / لكنْ هُمُ عَشْرٌ تَتِمُّ وأزْيَد
وتساوىُ العَدَدين عندَك هينٌ / لو شئتَه ما كان أمرا يبعُد
فاقْصِدْ مَسَرَّتَهم فتلك غنيمةٌ / فثَناؤها وثوابُها لا يَنْفَذ
قد وَجَّهوني قاصِدين وأيقنوا / أنْ سوف يفعلها الأجلُّ محمد
يا دارُ حَلَّت فيك كلُّ سعادةٍ
يا دارُ حَلَّت فيك كلُّ سعادةٍ / طولَ الزمانِ على نظامٍ واحدِ
وَحَويْتِ كل مَسَرَّةٍ وكُفيتِ ك / لَّ مَضَرَّةٍ وعَلَوْتِ كلَّ مُعانِد
وغَدتْ ببابك للنجاح بَشائر / من صادِرٍ يَلْقَى عزيمةَ وارد
وتَنافستْ في مدِح ساكِنك الوَرى / من بينِ مُثْنٍ لا يَمَلُّ وحامد
فلقد سَما فوقَ النجومِ بمثِلها / مِن زُهْرِ أفعالٍ وجَدٍّ صاعد
فإذا ابتغيْنا الفضلَ كان مَقرُّه / بيدَيْ أبى عبد الإله القائد
لم يُعْلِ شاهِنْشاهُ رتبةَ قَدْرِه / في العز إلا وهْو أَخْبَرُ ناقد
اللهُ يرفعُ في المعالي قَدْرَه / أَبدا على رغم العدو الحاسد
لو كان بالصبرِ الجميلِ مَلاذُه
لو كان بالصبرِ الجميلِ مَلاذُه / ما سَحَّ وابِلُ دَمْعِه ورَذاذُهُ
ما زال جيشُ الحبِّ يَغْزو قلبه / حتى وَهَى فتقطعتْ أَفْلاذه
لم يَبْقَ فيه مع الغرام بقيةٌ / إلا رَسيس تحتويه جُذاذه
من كان يرغبُ في السلامة فلْيَكُن / أبداً من الحَدَق المِراضِ عياذُه
لا تَغْرُرَنَّك بالفتورِ فإنه / مرضٌ يضرُّ بقلِبك اسْتِلْذاذه
يا أيُّها الرَّشَأُ الذي مِنْ لحظِه / سهمٌ إلى حَبِّ القلوب نَفاذه
دُرٌّ يلوح بِفيكَ من نَظّامُه / خمرٌ يجول عليه مَنْ نَبّاذُه
وقناةُ ذاك القَدِّ كيف تَقوَّمت / وسِنان ذاك اللحظِ ما فُولاذه
رِفْقاً بجسمك لا يذوبُ فإنني / أخشى بأنْ يَجْفو عليه لاذُه
هاروتُ يَعْجِز عن مَواقعِ سِحْره / وهو الإمامُ فمن تُرى أستاذه
تاللهِ ما علقتْ مَحاسُنك أمرأً / إلا وعزَّ على الورى اسْتِنْقاذه
أَغْزيتَ حبَّك في القلوبِ فأذعنتْ / طَوْعاً وقد أَوْدَى بها اسْتِحواذه
مالي أتيتُ الحظَّ من أبوابه / جهدي فَدام نفورُه ولواذه
إياكَ من طمعِ المُنَى فعَزيزه / كذَليله وغنيُّه شَحّاذه
ذالية ابن دريد استهوى بها / قوماً غداةَ نَبتْ به بغداذه
دانوا لُزخرفِ قوله فتفرقوا / طمعاً فهم صَرْعاه أو جُذّاذه
من قَدَّر الرزقَ الذي لك أَيْنَما / قد كان ليس يضرُّه إنفاذه
جاء الكتابُ فكان لي
جاء الكتابُ فكان لي / مما أُكابِدُهُ مَلاذا
وقرأته فوجدت في / ه لكلِّ معجزةٍ نَفاذا
فأزال نارَ تَأسُّفٍ / عاد الفؤادُ به جُذاذا
لو قيل لي ما الحُسْن كن / تُ أَفُضُّه وأقول هذا
هذا الربيعُ أتى بأحسنِ منظرِ
هذا الربيعُ أتى بأحسنِ منظرِ / يختالُ بين مُدَبَّجٍ ومُعَصْفَرِ
فانْهض إلى داعِي السرورِ وخَلِّنى / مما يُقال عذرْتَ أم لم تَعْذُرِ
واسرقْ بنا خُلَس الزمان مُبادرا / والدهرُ في غَفَلاته لم يشعر
والروضُ يُقْلِقه الصَّبا فيُثير مِن / أرجائه نَفَحاتِ مسكٍ أَذْفَر
وكأنَّ مُصْفَرَّ الأَصيلِ خِلالَه / وَرْشٌ يُذَرُّ على بساطٍ أخضر
والشمسُ قد حَوَت المغَاربُ شطرَها / فَرنَت بعينِ الذَّاهِب المُتحسِّر
والجو من شَفَق الغروبِ مُفَرْوَزٌ / كحديقةٍ حُفَّتْ بوردٍ أحمر
مبَدا الهلالُ لِليلتين كأنه / فِتْرٌ حَوى تفاحةً من عَنْبَر
والماءُ يُبدي للنسيم تَملُّقا / فيَسير بين تدرُّجٍ وتَكسُّر
والطيرُ يُطرِب شَجْوُها أَغصانَها / فتَظلُّ بين تَمايُل وتَبخْتُر
والليلُ يختلس النهارَ كعُصْبةٍ / من آلِ حامٍ خلفَ آلِ الأَصْفَر
انظُرْ إلى ما ضُمِّن ال
انظُرْ إلى ما ضُمِّن ال / كانونُ من فحمٍ وجَمْرْ
هذا يزيد وذا يَبي / د كما انْطَوَى ليلٌ بفَجرْ
فكأنها رُسُلُ الوصا / ل تَواترتْ بزَوال هجر
أو كالعُقودِ تَضمَّنتْ / نوعين من سَبَجٍ وشَذْر
أو جمرةِ الوَجَنات لا / ح شَقيقُها في آسِ شَعر
يَلْجا إلى الكانونِ في / كانونَ مُفْتقِرٌ ومُثْر
فمُقامُه في البيتِ أن / فعُ فيه من نَمَطٍ وسِتر
عَبِقت بطيبِ ثَنائِك الأَقْطارُ
عَبِقت بطيبِ ثَنائِك الأَقْطارُ / وتَجمَّلتْ بَمديحِك الأَشْعارُ
وعَظُمتَ وصْفا في السَّماعِ فمُذْ بَدا / للعينِ خُبْرُك هانتِ الأخبار
فات المدائحَ بعضُ وصفِك كلّها / عَجْزا عن التقصيرِ وهْي قِصار
وسقى البلادَ سَخاءُ جودِك فارتوتْ / وتَأرَّجتْ بثنائِك الأزهار
فكأنما الدنيا عروس تُجْتَلى / ولها مَواهبُك الغِزار نِثار
فرِضاك عَدْلٌ واصْطِناعك رحمةٌ / وسُطاك مَهْلكةٌ وعزمُك نار
والأرضُ مُلْكٌ والزمانُ وأهلُه / خَدَمٌ وبعضُ جيوشِك الأَقْدار
ما قيل شاهِنشاهُ إلا كان ل / لأكِ من معنى الكلام فَخار
يا مالكَ الدنيا الذي من عَدْلِه / في كل أرض عسكرٌ جَرّار
ومُقسِّمَ النِّعَم التي لِنوالِها / في كل موضعِ شعرةٍ بَتّار
ومُبخِّلَ الكرماءِ أَيْسَرُ جودِه / فكأنما حَسناتُهم أوزار
جُحِد الكمالُ من الوجود فمُذْ بَدا / للناسِ فضُلك أُنْكِر الإنكار
إن كان هذا الخَلْقُ أصلُ وجودِه / طينٌ فأَصُلك جَوْهرٌ ونُضار
لا شكَّ لما طابَ أصُلك في العُلا / والمجدِ طابتْ هذه الأثمار
ثَمَرٌ جيوشيُّ المَغارِسِ أَفْضَل / ىُّ الفرع للفَضْلَيْن فيه شِعار
كالمرتضى شمس المعالي مَنْ حَبا / كَ اللهُ منه بكلِّ ما تختار
فكسوتَ وجه الأرضِ منه محاسنا / فلِعزِّك الدنيا به أنوار
فأَتى بما اقتضتِ الفِراسة فِعْلَه / فتَنافستْ في فضِله الأفكار
جاورْتَه داراً لدارٍ فاغتدَتْ / لجلالِه في كلِّ قلب دار
وجَلونَ منه على الأَنامِ فَضائلا / فعُقول أهلِ الأرضِ فيه تَحار
أظهرتَه للناس عند كَمالِه / فَضْلا فأنجَبَ ذلك المضمار
فتَلا مَحاسنَك الشريفة للعُلى / بالجِدِّ فهْو السابق السَّيّار
وقَرنْتَه بالشمسِ فِعْلَ مُجرِّب / إنّ الشموس بُعولُها الأقمار
فالخَلْق في عرسٍ يدوم سرورُه / أَبدا كأنّ الليل فيه نهار
لم تَنفرِدْ مصرٌ به عن غيرِها / سِيّانِ مصرٌ فيه والأَمْصار
كاد المُقطّمُ أنْ يَميدَ مَسرَّةً / لو لم يُصِبْه من لَدُنْك وَقار
غَمرتْ مَكارُمك البريةَ قبلَه / وانْضاف هذا العرس فهْي بِحار
بَذلتْ هِباتُك فيه كلَّ نفيسةٍ / حتى تأكد للنُّضار بَوار
اللهُ يبِقى في بقائك عُمْرَه / ما دام للفَلك الأَثير مَدار
حتى يشدَّ بَنوك ملكَك مثله / ويشدَّه أبناؤه الأبرار
واللهُ يجعلنا فداءَك إنّه / لولاك ما طابت لنا الأعمار
والنيلُ مثلُ عِمامةٍ
والنيلُ مثلُ عِمامةٍ / نُشِرتْ مُحشّاةً بأَخْضَرْ
والجسر فيها كالطِّرا / ز ومَوْجُه رَقْمٌ مُصَوَّرْ
والبحرُ في رأس الجزي / رةِ كالسَّراويل المحرَّر
تَفْرِيكُه ما دَرَّجت / فيه الرياحُ من التكسُّر
هذا الربيعُ وهذه أَنْوارُهُ
هذا الربيعُ وهذه أَنْوارُهُ / طاب الزمانُ وأورقَتْ أشجارُهُ
فاشربْ على وجه الحبيبَ وغَنِّنى / هذا هواكَ وهذه آثارُهُ
حُكْمُ العيونِ على القلوبِ يَجوزُ
حُكْمُ العيونِ على القلوبِ يَجوزُ / وداؤُها من دائهنّ عَزيزُ
كم نظرةٍ نالتْ بطَرْفٍ ذابلٍ / ما لا يَنال الذابلُ المهزوز
فحَذارِ من مَلَقِ اللَّواحِظِ غِرَّةً / فالسحرُ بينَ جُفونها مكنوز
يا ليتَ شِعْري والأماني ضِلَّةٌ / والدهرُ يُدرِك صَرْفُه ويَجوز
هل لي إلى زمنٍ تَصرَّم عهدُه / سببٌ فيرجعَ ما مضى فأَفوز
وأَزور من أَلِف البعادَ وحبُّه / بينَ الجوانحِ والحَشَا مركوز
ظبيٌ تناسبَ في الملاحةِ شَخْصُه / فالوصفُ حتى يطول فيه وجيز
والبدرُ والشمسُ المنيرة دُونه / في الحسنِ حين يُحرَّر التمييز
لولا تَثنِّى خصره في رِدْفه / ما خِلتُ إلا أنه مغروز
تجفو غِلالتُه عليه لطَافًة / فبجسمِه من طَرْزِها تَطْريز
من لي بدهرٍ كان لي بوصاله / سَمْحا ووعدى عنده منجوز
والعيشُ مخضَرُّ الجَنابِ أَنيقه / ولأَوْجُهِ اللذاتِ فيه بُروز
والروضُ في حُلَل النبات كأنما / فُرِشتْ عليه دَيابِجٌ وخُزوز
والماء يبدو في الخليجِ كأنه / إيْمٌ لسرعِة سيره محفوز
والزهرُ يُوهم ناظِريه كأنما / ظَهرتْ به فوقَ الرياشِ كنوز
فأَقاحُه وَرِقٌ ومَنْثور الندى / دُرٌّ ونَوْرُ بَهارِه إبريز
والروضُ فيه تغازلٌ وتَمايلٌ / وتشاغُل وتراسُل ولغوز
للطيرِ فيها بالغصونِ تَصارُخٌ / وتَصايُحٌ وتفَاصحٌ ورموز
وكأنما القُمْرِيُّ يُنشِد مَصْرَعا / من كل بيتٍ والحَمامُ يُجيز
وكأنما الدولابُ يَرْمِزُ كلما / غَنَّت وأصواتُ الضفادِع شِيز
يا رُبَّ غانيةٍ أَضرَّ بقلبها / أنِّى بلفظِة مُعْدِمٍ مَنْبوز
فأَجبتُها ما عازَني نيلُ الغِنى / لكنَّ مَطْلبَه الحميدَ يَعُوز
إني أَعاف الذلَّ فيما أبتِغى / فلِهمَّتِى عن جانبيهِ نُشوز
ما خاب من هَضَم التفضُّلُ مالَه / كَرما ووافرُ عرضِه محروز
جاء الربيعُ أخو حياةِ الأَنْفُس
جاء الربيعُ أخو حياةِ الأَنْفُس / ومُجمِّلُ الدنيا بأَفْخَرِ مَلْبَسِ
فاغْنَمْ بنا مُلَح الزمانِ مُبادِرا / وتَملَّ منها حَظَّ من لم يُبْخَس
واستقبِلِ الأَرج المُعطَّر كلما / مَرَّت عليه الريحُ كالمُتنفِّس
فكأنما زهرُ النباتِ قَلائدٌ / نُثرِت على صَفحات بُسْط السُّندس
والوردُ يَخْجل حينَ قبَّل خَدَّه / ثغرُ الأَقاحي من عيون النرجس
فكأنه غيرانُ أدهشه الهوى / وأمالَ منه الفكرُ جِيدَ منكِّس
وكأنما الأغصان تَطْرب كلما / ألقتْ إليها الريحُ سرَّ مُوسوِس
وكأن هَتْف الوُرْقِ في أَغصانِها / لفظٌ يُفيدك من فصيحٍ أَخْرس
والماءُ قد عَبثتْ به أيدي الصَّبا / فَحكي غُضونا في جبينِ مُعبِّس
وكأنما حُبُك الرياحِ على النَّقا / أَثر الحَزازِ على سَنامِ الأَعْيُس
والطيرُ تَسْرَح في الرياض غَوادِيا / للرزقِ بين مُبكِّرٍ ومُغلِّس
والوحشُ بين سَوانحٍ وبَوارحٍ / ورَواتعٍ بين الرياض وكنَّس
تَرِد الغديرَ ورودَ من لا يشتفِى / وتنال من طَرفيْه ما لم تَغْرِس
والشمسُ تُجْلَى في مَطالع شَرْقها / في حُلَّتين مُعَصْفَرٍ ومُوَرَّس
وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ
وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ / أَضحتْ لكلِّ نَفيسةٍ كالأنفس
والليلُ قد وَلَّى بعَبْسِة راحلٍ / والصبحُ قد وافَى بِبشْرِ مُعَرِّس
والصبحُ قد أخفَى النجومَ كأنه / سَيْلٌ يفيض على حديقةِ نرجس
يا من نَصيِبي منه قر
يا من نَصيِبي منه قر / بٌ مثلُ سرعةِ عِيسِهِ
أَسقمْتَني فخَفيتُ عن / نظرِ البصيرِ ولَمْسه
ورجعتُ جزأً دَقَّ عن / وهم الذَّكي وحَدْسِه
ولَطُفتُ حتى أنني / عَرَضٌ يقوم بنفسه
فكأنني ظمآن ضلَّ بقَفْزةٍ
فكأنني ظمآن ضلَّ بقَفْزةٍ / حتى انتهى يأسا فصَابَ النِّيلا
من بعد مطْلٍ حتى كاد أن / يَضْحى به رَبْعُ الرجاء بخيلا
وكأنّ مولاىَ اقتدى بمقالِ مَن / نَظم القَريضَ وأَغْرَبَ التأويلا
لولا طِرادُ الخيل لم تكُ لذةٌ / فتَطارَدِى لي بالوصال قليلاً
كم رام سَلْوَتَه العَذولُ فما وَعَى
كم رام سَلْوَتَه العَذولُ فما وَعَى / ورجَا إجابَته فلم يَرَ مَطْمَعا
مذ صار ذاك السرُّ في أسماعه / لم يُبْقِ فيه للمَلامِة موضعا
قد كان لي قلبٌ فصَيَّره الهوى / هَدَفا لألحاظِ الظِّبا فتَقطَّعا
مِن كلِّ من جَعل النَّقا كَفَلاله / والغُصن قَدّا والمَلاحة بُرْقُعا
رَياَّن من ماء النعيم فلو دَنا / من جسِمه الصَّخر الأَصمُّ لأَيْنَعا
كالبدر لما أَنْ بَدا كالَّظبْي لم / ا أنْ رَنا كالغُصْن لما أن سعى
حلو الحديث فما يَروقك منظرا / بِجماله إلا وراقك مَسْمَعا
يُبدي التبسمُ منه عند تَنهُّدي / دُرّا لطيفا في العقيقِ مُرصَّعا
تُنْبِيك نَكْهَتُه بأنّ رُضابَه / خمرٌ يَشوب المِسْكَ حين تَضوَّعا
قد كان يَعْذُب لي العذابُ وسِنُّه / عَشْرٌ وكيف وقد تَزايدَ أربعا
حين استتمَّ جمالُه وأضاء في / وَجَناتِه نورُ الشبابِ مشعشعا
ما بال حظى والزمانُ يَحُطُّه / باعا لأَسْفَلَ حين يرقَى إصبعا
أبداً يُقابلني بضِدِّ إرادتي / قَصْدا فلو أهوى المَشيب لأَقْشَعا
لما رأى قلبي بَوفْدَ صُروفِه / رَحْبا أصار لهن فيه مَرْبَعا
من كلِّ كالحةٍ إذا أَنْحَتْ على / رَضْوى بكَلْكَلها وَهَى وتَضَعْضَعا
أفنتْ كنانُته دروعَ تَصبُّرى / ورَمى فلم يتركْ لقوسٍ مَنْزَعا
حالي كممدودِ اسْمِها في هَمِّهِ / يستغرِق الثَّقَلَيْن في وقتٍ معا
نَزِّهْ لِحاظَك في غريب بَدائِعى
نَزِّهْ لِحاظَك في غريب بَدائِعى / وعجيبِ تشبيهي وحكمةِ صانِعِي
فكأنني كَفّا مُحِبٍّ شَبَّكَتْ / يومَ الفراقِ أَصابِعا بأَصابع
انظرْ إليّ ففيّ كلُّ غريبةٍ
انظرْ إليّ ففيّ كلُّ غريبةٍ / وعجيبةٍ نُتِجت عن الصُّنّاع
فلئنْ عجبتَ من اجتماع فضائلي / لما جمعتُ الحسنَ بالإجماع
فلقد بنت في الفخرِ همة مالكي / فخرا بطيبِ مآثرٍ ومساعِ
القائدُ ابنِ أبي شجاعٍ مَن جَلا / ه الفضلُ للأبصارِ والأسماع
غَرْس الأجلِّ الأفضلِ الملك الذي أس / تَرْعاهُ خِدْمَتَه ونِعْمَ الراعي
يا بدرَ تِمٍّ بالجمالِ تَبَرْقَعا
يا بدرَ تِمٍّ بالجمالِ تَبَرْقَعا / وقضيبَ بانٍ ماسَ لما أنْ سَعَى
مالي دعوتُك للوصالِ فلم تُجِبْ / ودعوتَني لهواك لَبَّيْتُ الدُّعا
أتُراك حُلْتَ عن المودةِ أم تُرَى / داعٍ علينا بالقَطيعِة قد دَعا
يا مُسقْنِي غُصَصَ الغرامِ بصَدِّه / لما تأهب للمسير وَودَّعا
ورميتني بسهامِ لحظِك قاصِدا / لو كان قلبي عارفاً لتَدرَّعا
لكنه غِرٌّ فَغرَّ به الهوى / والقلبُ مُغْرًى بالصَّبابة مولعا
ولقد أتيتُك سائلاً في حاجةٍ / حاشاك يا مولاي أنْ تَتَمنَّعا
وكتبتُ سائر حاجتي يا سيدي / وَقِّع فَديتُك واستمدَّ وَوقِّعا
وسَخا بما قد كان يُبْخِلُني به / كرما وجاد بنفسه وتبرعا
ومليحةِ النَّغَماتِ تحسب عودَها / طِفْلا وتحسبُها عليه مُرْضِعا
أبداً تَراهُ مُقمَّطا في حِجْرها / حاز المعالي قبل أنْ يَتَرَعْرعا
ولربما ضَربْته ضرباً موجِعا / فسمعتَه من ضربها مُتوجِّعا
غَنَّتْ فأغنتْ والغناءُ غناؤها / ثم انثنتْ كيما تقولَ فتُسْمِعا
فإذا تَغنَّى قلتُ ما قد قاله / في وصفِ مثلِك شاعرٌ قد نَوَّعا
نَشَرتْ ثلاثَ ذوائبٍ من شعرِها / في ليلةٍ فأَرتْ لياليَ أربعا
واستقبلتْ قمرَ السماءِ بوجهها / فأرتنَي القَمرين في وقتٍ معا