المجموع : 149
ما للدُّموعِ على التَّظَنُّنِ تَذرِفُ
ما للدُّموعِ على التَّظَنُّنِ تَذرِفُ / الجارُ وافٍ والهَوى متألِّفُ
لا تُنكروا حُبَّ النبيِّ لآلِهِ / وديارِهِ الأولى ولا تَتَأسَّفُوا
أحَسِبْتُمُوهُ يُريدُ عنكم مَصرفاً / مَهْلاً فليس عن الأحبَّةِ مَصْرَفُ
لمَّا فزعتم قال يا قومُ اسْكُنُوا / هِيَ يَثرِبٌ ما دُونَها مُتَخَلَّفُ
دارُ الحياةِ وَمنزلُ الموتِ الذي / مَالِي سِوَاهُ فإنْ جَهِلْتُمْ فَاعْرفوا
فَرِحُوا وأشرقَتِ الوجوهُ فما تَرَى / عَيناً تَفيضُ ولا فُؤاداً يَرجُفُ
صَدَقُوا نبيَّهُمُ الهَوَى فَقلوبُهم / مِن حولِهِ شَغَفاً تَرِفُّ وَتَعطِفُ
أنصارُهُ في الحادِثَاتِ إذا طَغَتْ / وجنودُهُ في الحربِ سَاعَةَ تَعصِفُ
هُمْ أنصفوهُ مُشرَّداً يَجِدُ الأذَى / من كلِّ ذِي جَبريَّةٍ لا يُنْصِفُ
وَتَكنَّفوهُ يُعَظِّمُونَ مَكَانَهُ / وَذوُو قرابَتِهِ تَصُدُّ وَتَصدِفُ
ما عَزَّ منزلُ قادمٍ أو زائرٍ / إلا ومنزلُهُ أعزُّ وأشرَفُ
شَدُّوا عُرَى الإسلامِ حَتّى استحكمتْ / ولَوَى السَّواعِدَ حبلُهُ المُسْتَحْصِفُ
كانوا أَساسَ بِنائِهِ وعِمادَهُ / والأرضُ تُخْسَفُ والشَّوامخُ تُنْسَفُ
انظرْ بِناءَ اللَّهِ حَوْلَ رَسولِهِ / وَصِفِ الذُّرى إن كنَّ مما يُوصَفُ
في كلِّ سورٍ منه جُندٌ يَرتَمِي / يغزو الأُلَى كفروا وموتٌ يَزحَفُ
صَبُّوا على المستضعفينَ نَكَالَهُمْ / وَجَرى القَضَاءُ فَهُمْ أذلُّ وأضعَفُ
يا معشرَ الأنصارِ ما مِن صالحٍ / إلا لكم فيهِ يَدٌ أو مَوقِفُ
لَكمُ المواقِفُ ما يُذاعُ حَدِيثُها / إلا يُهِلُّ بها الزّمانُ ويَهتِفُ
لا الشِّعرُ مُتَّهمٌ إذا بلغَ المَدَى / يُطرِي مناقِبَكُم ولا أنا مُسْرِفُ
أوَ ما كَفَاكُمْ ما يَقُولُ إلهُكُم / في مَدْحِكُمْ وَيَضُمُّ منه المُصْحَفُ
أَرأَيت حِكمةَ سيِّدِ الكُرماءِ
أَرأَيت حِكمةَ سيِّدِ الكُرماءِ / وعَرفتَ شيخَ السَّداةِ الحُكَماءِ
تلك السياسةُ حَزْمُها ودهاؤُهَا / ناهيك من حزمٍ وفَرْطِ دَهاءِ
مُرْ يا محمدُ وَاقْضِ مالَك عَائِبٌ / في كلِّ أمرٍ ترتضي وقضاءِ
وَلرُبَّما خَفِيَ الصّوابُ فأسفَرتْ / عنه وُجوهُ الرأيِ بعد خَفاءِ
بَدأ النبيُّ بغيرِ من كانوا له / خَيْرَ الصَّحابةِ عند كُلِّ بَلاءِ
يرجو مَوَدَّتَهم وَيَبني منهمُ / لِلدّينِ صَرحَ أمانةٍ وَوفاءِ
أعطى أبا سُفيانَ وَابْنَيْهِ فما / أنْدَى سَجايا الواهبِ المِعْطَاءِ
وَحبا حَكيماً ما أرادَ ثلاثةً / ونهى هَواهُ فكانَ خيرَ حِباءِ
وأصابَها مِئَةً له من نفعها / ما جَلَّ عن عَدٍّ وعن إحْصاءِ
قال ارْعَويْتُ فلستُ أرزأُ بَعدَها / أحداً وآلَى حِلفَةَ الأُمناءِ
يُدْعَى لِيأخذَ من أبي بكرٍ ومن / عُمَرٍ فما يَزدادُ غيرَ إباءِ
يا وَيْحَ للعبّاسِ يَغلبُ حِلْمَهُ / أنْ كان دُونَ مَراتبِ الرُؤساءِ
أبْدَى الشكاةَ فكان صُنْعُ مُحمّدٍ / صُنْعَ الطبيبِ يُريدُ حَسْمَ الدَّاءِ
قال اقْطَعُوا هذا اللِّسانِ بنفحةٍ / عَنّي وتلك سَجِيَّةُ العُظماءِ
صَفوانُ أسلمَ فانجلتْ غَمراتُه / وأفاقَ بعد غَوايةٍ وغَباءِ
لمّا رأى الإسلامَ يَسطعُ نُورُه / كَرِهَ الضلالَ وضَاقَ بالظلماءِ
ومَشى على الأثرِ الكريمِ يَزِينُه / خُلُقُ الهُداةِ ومَظهرُ الحُنَفاءِ
صَفوانُ سِرْ في نُورِ ربِّكَ إنّه / يَهْديكَ في سَيْرٍ وفي إسراءِ
يا زَيْدُ قُمْ بالأمرِ وَاكْتُبْ وَاجْتَنِبْ / خَطَأ الغُواةِ وكَبْوَةَ الجُهَلاءِ
أحْصِ الرجالَ وآتِ كُلّاً حَقَّهُ / ممّا أفاءَ اللهُ ذُو الآلاءِ
ما أكرم الأنصارَ والصَّحْبَ الأُلى / حُرِمُوا فَمِن صَبرٍ ومن إغضاءِ
نزلوا على حُكمِ النبيِّ وسَرَّهم / ما كان من ثقةٍ وحُسنِ رَجاءِ
قَومٌ رسا الإيمانُ مِلءَ قُلوبِهِم / وسَما عَن الشَّهواتِ والأهواءِ
لا تَملكُ الدنيا عليهم أمرَهم / في شِدّةٍ من دَهرهِم ورَخاءِ
ما ضرَّ مَنْ يَسخو بِمُهجةِ نفسِهِ / أنْ لا يفوزَ من امرئٍ بِسَخاءِ
نالوا بفضلِ اللهِ عند رسولهِ / ما لم يَنَلْ أحدٌ من النَّعماءِ
إنّ الثّناءَ إلى الرجالِ يَسوقُه / لأجلُّ من إبلٍ تُساقُ وشَاءِ
خَسِرَ الذي آذَى النَّبيَّ بِقولِهِ / ظَلَم الرجالَ ولجَّ في الإيذاءِ
أثِمَ المنافقُ إنّها لَكبيرةٌ / وكذاكَ يَأثمُ نَاطِقُ العَوْراءِ
صبراً رسولَ اللهِ لستَ بأوّلٍ / ما حِيلةُ الحُكماءِ في السُّفهاءِ
مُوسى أخوكَ أُصيبَ من أعدائهِ / بأشَدِّ ما تَرمِي قُوَى الأعداءِ
إن أنتَ لم تَعدلْ فمن ذا يُرتجى / للعدلِ تحت القُبَّةِ الزّرقاءِ
نَفَر الحِفاظُ بخالدٍ ورفيقهِ / والموتُ مُصغٍ والمهندُ راءِ
لولاكَ إذ جاوزْتَ أبعدَ غايةٍ / في الحِلمِ جاوزَ غايةَ الأحياءِ
قُلتَ اسْكُنا لا تقْتُلاَهُ فإنّه / سيكونُ رأسَ الشِّيعةِ النّكراءِ
يغلونَ في دينِ الإلهِ فَيخرجُوا / مِنهُ خُروجَ السَّهمِ يومَ رِمَاءِ
لا يذكرِ الأقوامُ أنّ محمداً / يَجزِي الأُلى صَحبُوه شرَّ جَزاءِ
تِلكَ النُّبُوَّةُ يا مُحمّدُ فَاضْطَلِعْ / منها بأعباءٍ على أعْباءِ
أدِّبْ وعلِّمْ تِلكَ مدرسةُ الهُدَى / فُتِحتْ وأنت مؤدِّبُ العُلماءِ
إِرفعْ كِتابَكَ يا سُرا
إِرفعْ كِتابَكَ يا سُرا / قَةُ إنّه عَلَمُ النَّجاةِ
هُوَ جُنَّةٌ لك من سُيو / فِ الضّاربينَ طُلَى الكُماةِ
عَهْدُ النَّبيِّ فأيُّ ذخ / ر مثله للحادثاتِ
أسْدَى الجميلَ ومَنَّ يأ / خُذُ نَفْسَهُ بالمكرماتِ
ويُقيمُ أعلامَ الهُدَى / للتابعين مِنَ الهُداةِ
لو شاءَ قتلك يا سُرا / قَةُ لم تذق طَعْمَ الحياةِ
إذ جئتَ تطلبُ قتلَه / وتُطيعُ فيه هوى الغُواةِ
أرأيتَ حِلْمَ مُحمّدٍ / وَعَرفته جَمَّ الأناةِ
أدْرِكْ بدينِ اللهِ نَفْ / سَكَ واستقِمْ قبل الفواتِ
دين المفاخر والمآ / ثرِ والخلالِ الصّالحاتِ
دين الغطارفةِ الأما / جدِ والجهابذَةِ الثِّقاتِ
دين الرشادِ بأسرِهِ / والخيرِ من ماضٍ وآتِ
اللَّهُ ربُّ العالَمِي / نَ فما اتّباعُ التُّرَّهاتِ
إن كنتَ ذا عقلٍ فَحَسْ / بُكَ نظرةٌ في الكائناتِ
تلك المعالِمُ واضحا / تٍ والشواهدُ بَيّنَاتِ
دَعْ ما مَضى لَك يا سُرا / قَةُ من جناياتِ العُصاةِ
أيّامَ تَضربُ في الغَوا / يةِ بالعَشِيِّ وبالغداةِ
أنت أتّقيتَ اللَّهَ ربْ / بَكَ فَاغْتَنِمْ عُقبَى التُّقاةِ
خَطَب الرسولُ فَكُلُّ سَمْعٍ مُنْصِتٌ
خَطَب الرسولُ فَكُلُّ سَمْعٍ مُنْصِتٌ / في الخَافِقَيْنِ وكلُّ قلبٍ خَاشِعُ
قُلْ يا محمّدُ كُلُّ شيءٍ مُطرقٌ / يَرجو المزيدَ وكلُّ شيءٍ سَامِعُ
قل ما يُعَلِّمكَ الذي هو عَالِمٌ / أنّ النُّفوسَ إلى الفسادِ نَوازِعُ
أدِّبْ بدينِ اللَّهِ قَوْمَكَ إنّه / دِينٌ لأشتاتِ الفضائلِ جامعُ
هذا تراثُ العالمِينَ بأسرهم / يَجرِي عليهم نَفْعُه المتتابعُ
فلكلِّ عصرٍ منه وِردٌ سائغٌ / ولكلِّ جِيلٍ منه كَنْزُ رائعُ
قُل للذي تَرك السّبيلَ ألا اسْتَقِمْ / وعَنِ العَمايةِ فَلْيَزَعْكَ الوازِعُ
فإذا غَوَيْتَ فكلُّ شيءٍ ضائرٌ / وإذا اهتديتَ فكلُّ شيءٍ نافعُ
اللَّهُ أنزلَ في المفصَّلِ حُكمَهُ / والحقُّ يعرفه التَقيُّ الطائعُ
خَفُّوا يُلاقونَ النبيَّ بيثربٍ
خَفُّوا يُلاقونَ النبيَّ بيثربٍ / من بعدِ ما كَرِهوا الخُروجَ فأحْجَموا
فَنَأى وأعرضَ لا يُريدُ لِقاءَهم / وتَكشَّفوا فَمُبَغَّضٌ ومُذَمَّمُ
وَتقطَّعتْ أسبابُهم فكأنّهم / سَرْحٌ يُبدَّدُ أو بِناءٌ يُهدَمُ
سُودُ الوجوهِ تَرى العُيونُ قَتامها / فَتظلُّ تُطْعَنُ باِللِّحاظِ وَتُرْجَمُ
يَتلفَّتونَ إذا مَشَوْا وإخالُهم / لو يَقدِرونَ مِنَ الحياءِ تَلثَّموا
يَتقلَّبُ الآباءُ في حَسَرَاتِهم / وكأنّما الأبناءُ ليسوا مِنْهُمُ
هَجْرٌ وإعراضٌ وَطُولُ قَطيعةٍ / فالعيشُ سُمٌّ نَاقِعٌ أو عَلْقَمُ
هُمْ أجْرَمُوا فَهُوَ الجزاءُ وَهكذا / يُجْفَى ويُجْتَنَبُ المُسِيءُ المجرِمُ
وَيْحَ الثلاثةِ إنّهم مما لَقُوا / لأَشدُّ خَطباً في الرجالِ وأعظمُ
وَدُّوا لَو اَنَّ الأرضَ زالتْ فَانْطَوَتْ / ثُمَّ انْطَوَوْا فكأنّهم لم يأثَموا
ضاقتْ جَوانِبُها فلا مُتأخَّرٌ / فيها لأنفُسِهم ولا مُتقَدَّمُ
كلٌّ له في العالَمين جَزاؤُه / ومِنَ الجماعةِ حَاكِمٌ لا يَظْلِمُ
يَقْضُونَ إنْ عَقَلوا قَضاءً صالحاً / هُوَ للنّفوسِ مُهذِّبٌ ومُقَوِّمُ
فإذا هُمو جَهِلُوا فليس لدائِهم / طِبٌّ وليس لمثلِهم أن يَحْكُموا
سُبحانَ ربِّكَ ذي الجلالةِ إنّه / لم يُوجبِ الشُّورى لِمَنْ لا يَفْهَمُ
الرَّأيُ رأيُ ذَوِي المعارِفِ والنُّهَى / ومِنَ الرجالِ بَهائِمٌ لا تَعْلَمُ
أنِخِ البعيرَ فقد بلغتَ المسجدا
أنِخِ البعيرَ فقد بلغتَ المسجدا / واخشع ضمامُ فأنتَ في حَرَمِ الهُدَى
أضَلْلتَ حين سألت أين مُحمَّدٌ / أفما رأيتَ الكوكبَ المتوَقَّدا
إن كنتَ تعرفُ مطلعَ النُّورِ الذي / صَدَع الظلامَ فقد عَرفتَ محمدا
هو ذاك فاصدعْ يا ضمامُ بنورِهِ / ليلَ العَمى وحَذارِ أن تَتردَّدا
اسْأَلهُ وَاسْمَعْ ما يقولُ ووالهِ / واتبعْ شريعتَهُ إماماً مُرشِدا
اجمعْ قُواكَ فقد بلغتَ المُنتهى / وانقعْ صَداكَ فقد أصبتَ الموردا
قُلْ ما تشاءُ فلن يَضيقَ بسائلٍ / يرجو الصَّوابَ وإن ألحَّ وشَدَّدا
كلُّ الذي قال النبيُّ وقلتَهُ / حقٌّ وحَسْبُكَ مَغنماً أن تشهدا
ولقد سَعِدتَ بها شهادةَ مُؤمنٍ / ما كنتَ لو كبرتْ عليك لتسعدا
حَمِدَ النبيُّ وصحبُه لك شَيمةً / ما كُنتَ تطمعُ قبلها أن تُحمدا
ولربَّما ازْدانَ الفتى بسجيَّةٍ / كانت له شَرَفاً أشمَّ وسُؤْدَدا
رَضِيَ الهُدَى دِيناً وعادَ بنعمةٍ / يدعو إلى اللهِ النُّفوسَ الشُّرَّدا
وضحَ السّبيلُ لقومِهِ فتدفّقوا / زُمراً يريدونَ النَّجاةَ من الرَّدى
خلصوا على يده فيا لكِ من يدٍ / فتحت لدينِ اللهِ باباً مُوصَدا
أبشِرْ ضمامُ فأنتَ جاوزتَ المدى / وبلغتَ في الحُسنَى المكان الأبعدا
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى / مَن يَتركُ التِّيجانَ واهِيةَ العُرَى
حُيِيتَ عُروَةُ إنّه لكَ مَقْدِمٌ / يُمنٌ وحَسْبُكَ ما تُشاهِدُ أو تَرى
عَطَفَ النبيُّ عليكَ وانْبَسَطتْ له / نَفْسٌ تُرِيكَ مَكَانَهُ والمظهرا
ما كَان يومُ الرّومِ من أوطارِهِ / بل هزَّ نَفْسَكَ واعِظاً ومُذكِّرا
ما أورثَ الإسلامُ قومَكَ زادهم / خَيراً وكان لهم أجلَّ وأكبرا
الجاهليةُ قد عفَتْ آثارُها / فيهم وأصبحَ عهدُها قد أدبرا
كانت لهم مَوْتاً فَتِلكَ حَياتُهم / في دولةِ الإسلامِ عاليةُ الذُّرى
هذا رفيقُك ما لقومِكَ غيرُه / نِعمَ الرفيقُ إذا اللّبيبُ تَخَيَّرا
إنّي جعلتُ لخالدٍ صَدَقاتِهم / تُجبَى إليَّ فما أحقَّ وأجدرا
ولقد أقمتُكَ عاملاً فَكُن امْرءاً / للخيرِ في كلِّ الأمورِ مُيسَّرا
سِيرا على بَرَكاتِ ربِّكما ولا / تَنِيَا إذا أحدٌ ونَى أو قَصّرا
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ / واليمنُ في فمهِ وَفْوَق جَبينِهِ
وَافَى إمامَ المُرسلينَ مُبشّراً / بالمؤمنينَ من الملوكِ بدينهِ
بعثوا إليه رسولهم وكتابَهم / أن ليس مُتَّبَعٌ لهم مِن دونه
قالوا اعْتَصمنا باليقينِ فَزادنا / دِينُ الهُدى والمرءُ عِندَ يقينِهِ
ولقد قتلنا المشركينَ نُريدُه / فتحاً يَشُجُّ الشِّركَ في عِرْنِينهِ
أقيالُ حِمْيَرَ لانَ جانِبُ عِزِّهم / لِمُسلَّطٍ لِينُ الظُّبَى مِن لِينهِ
سَنَّ السّبيلَ بِسيفهِ وَلِسانِهِ / فتهافتَ الأقوامُ في مَسْنُونِه
لا شيءَ كالحقِّ المُسلَّحِ للفتى / يَشفِيهِ من كَلَبِ الهَوى وجُنونِهِ
اللّيثُ في مِحرابِهِ وكتابِهِ / واللّيثُ في أشبالِهِ وعَرِينهِ
رَجَع الرسولُ على هُدَىً برسالةٍ / فيها الهُدَى يَمحُو الظّلامَ لِحينهِ
فيها قُوى الإسلامِ مُحكَمةُ العُرَى / لِمَن ابْتَغَى الخيراتِ في تَمكينهِ
فيها شَعائرهُ ومَظهرُ مجدهِ / ونظامُ دَولتِهِ وأُسُّ شُؤونِهِ
أخَذَ الملوكَ بواضحٍ من هَدْيهِ / مُتبلِّجٍ لم يَأْلُ في تَبْيينهِ
وَرَمى إليهم بالوصيَّةِ سمحةً / يَقضِي الأمينُ بها زِمامَ أمينِهِ
أن أكْرِموا رُسلِي الذين تَرَوْنَهم / يرجون فضلَ الله عِندَ ديُونهِ
أَوصيتُ زرعةَ أن يكونَ لهم يداً / كَيَدِ القرينِ يَشُدُّ أزْرَ قرينِهِ
ولقد جعلتُ إلى معاذٍ أمرهُمْ / فجعلتُه لِزَعيمهِ وضَمينهِ
لا يرجعنَّ إليَّ إلا راضياً / والله عَوْنُ نَصيرِه وَمُعينِهِ
يا حارثُ اشْكُرْ فَضْلَ رَبِّكَ إنّه / أعطاكَ حَظّاً زَادَ في تَحسينِهِ
أوَ لستَ أوّلَ مُسلمٍ من حِمْيَرٍ / وَرَدَ الهُدى وَمَضى بِصَفْوِ مَعينِهِ
وأقامَ للشركِ المذمَّمِ مَأتماً / يَستعذِبُ الإسلامُ رَجْعَ أنينِهِ
أبْشِرْ بخيرٍ غيرِ مقطوعِ الجنَى / مِن ربّكَ الأعلى ولا مَمْنونِهِ
هَذا السّبيلُ فأينَ يذهبُ من أبى / أوَ ليس نُور اللهِ قد كشفَ الدُّجَى
ليس الذي رَكِبَ الغَوايةَ فَالْتوى / كَمَن استقامَ ولا الضَّلالةُ كالهُدَى
أحسنتَ فروةُ إنّ دِينَ مُحمدٍ / لَهُوَ الذي يَشفِي القُلوبَ مِنَ العَمَى
هذا رسولُكُ جَاءَهُ بِهَديّةٍ / فيها لنفسِك كلُّ ما تَهَبُ المُنَى
أنت السّعيدُ بها ولو أتْبعَتها / كُلَّ الذي لك لم تَزِدْ إلا غِنَى
ماذا يغيظُ الرُّومَ من مُسْتَبْصِرٍ / صَرَفَ العِنانَ عن الغوايةِ وارْعَوَى
سجنوه حين رَأوْهُ يُطلِقُ نفسَهُ / في المعشرِ الطُلَقاءِ من سِجنِ الهَوى
وتكنَّفوهُ لِيفتنُوه فزادَ في / إيمانِهِ ما جَرّعوهُ من الأذَى
لو يعقِلُ الملكُ الغَبيُّ لمَا رأى / رَأْيَ الأُلى ضلّوا السّبيلَ ولا غَوَى
قال اعْتَزِلْ دِينَ الذينَ هُمُ العِدَى / إن كنتَ تُؤثِرُ أن تُرَدَّ على رِضَى
لك عند قومِكَ ما تحبُّ وتَشتهِي / في ذلكَ الحَرمِ المُمنَّعِ والحِمَى
المجدُ والشرفُ الرفيعُ وما ترى / من نعمةٍ خضراءَ دانيةِ الجَنى
قال اقْتصِدْ ما أنْتَ أنْتَ ولا أنا / أنا قد مضى من أمرِنا ما قد مَضى
إنّي اصطفيتُ مُحمداً وهو الذي / أوصى به عيسَى فَنِعمَ المُصطفى
وأراكَ تَعلمُ غيرَ أنّكَ مُولَعٌ / بالمُلكِ تكرهُ أن يكونَ له مدَى
قال اقتلوهُ فراحَ يَلقى ربَّهُ / فَرِحاً بما حَفِظَ الأمانةَ وَاتَّقَى
صَلبوهُ من حَنَقٍ عليه فويحهم / أفَلَمْ يكنْ في قتلِ فروةَ ما كَفَى
نِعْمَ الشهيدُ وبِئْسَ ما صَنعوا به / وسيعلمون لِمَنْ يكونُ المُنتهى
تِلكَ العقيدةُ حكمُها وسبيلُها / إمّا سبيلُ المؤمنينَ أوِ الرَّدى
أَقْبِلْ رِفاعَةُ لا مُعَرَّجُ لامْرِئٍ
أَقْبِلْ رِفاعَةُ لا مُعَرَّجُ لامْرِئٍ / يَبغِي الذي تَبغِي ولا مُتَلَوَّمُ
جِئتَ الرسولَ المجتبَى من ربِّهِ / وقدِمتَ تتبعُه فنِعمَ المَقدِمُ
أكرمتَ نفسك فانطلقت تُريدُه / دِيناً هو الشّرفُ الأجلُّ الأعظمُ
يَبني الحياةَ على أساسٍ ثابتٍ / من قُوةِ اللَّهِ التي لا تُهْدَمُ
إن شئتَ أن ترقى بنفسِكَ صاعِداً / فعليكَ بالإيمانِ فهو السُّلَّمُ
وَهْوَ الجناحُ فإن ظَفِرتَ به فَطِرْ / واطْوِ الجِواءَ فأنتَ أنتَ القَشْعَمُ
لا تنهضُ الهِمَمُ الكِبارُ بغيرِه / سبباً ولا تَسمُو النُّفوسُ الحُوَّمُ
سَعِدَ الغُلامُ كما سَعِدَت وربّما / خَدَمَ السّعيدُ فكان مِمّن يُخْدَمُ
عَزَّت بسيّدِهِ العوالمُ أرضُها / وسماؤُها وَهوَ الأعزُّ الأكرمُ
أَفْضَى إليكَ بأمرِ قومِكَ فَاضْطَلِعْ / وَاعْزِمْ رِفاعةُ إنّ مثلَكَ يعزِمُ
وَخُذِ الكتابَ مُباركاً ما مثلُه / كتبتْ يَدٌ فيما يُخَطُّ وَيُرقَمُ
إقرأه مُتَّئِداً عليهم وَادْعُهم / أن يتبَعوكَ إلى التي هِيَ أقْوَمُ
وَلِمَنْ عَصاكَ مدىً فإنْ بلغوا المدَى / فاللّهُ يَقْضِي ما يشاءُ ويَحكمُ
أوَ ما كفى شهرٌ يجرُّ وراءَهُ / شَهراً لِمن يبغِي المحَجَّةَ مِنهُمُ
للّهِ قَومُكَ يا ابنَ زيدٍ إنّهم / سمعوا الكِتابَ فشايعوكَ وأسلموا
نُورٌ على نورٍ ونُعْمى زادها / من فضلِهِ الأوفى الكريمُ المنعِمُ
عَلِمَتْ خزاعةُ بعد جهلٍ فَاهْتَدَتْ / وإلى الحقائقِ يَهتدي مَن يعلمُ
إن يذكروا فَضْلَ الرجالِ وأيُّهم / أرْبَى فأنتَ السابقُ المتقدّمُ
هُوَ وَفدُهم وهمُ الفريقُ الطَّيِّبُ
هُوَ وَفدُهم وهمُ الفريقُ الطَّيِّبُ / ما فَاتَهم من كلِّ خيرٍ مَطْلَبُ
طابت مَنابِتُهم فطابَ صَنيعُهم / إنّ الرجالَ إلى المنابِتِ تُنْسَبُ
إلا يُطيعوا خالداً إذ جَاءهم / فلكلِّ أمرٍ مَوعِدٌ يُتَرَقَّبُ
سَدُّوا السبيل عليه ستة أشهر / وأتى عليٌّ بالكتاب فرحّبوا
همدان أهلٌ للجميلِ وعِندهم / غَوْثُ الصَّريخِ ونَجدةٌ ما تكذبُ
نَصرُ الحُماةِ الصَّادِقينَ وصَبْرُهُم / والحربُ حَرَّى والفوارِسُ هُيَّبُ
شَهِدَ النبيُّ لهم فتلكَ صِفاتُهم / تُمْلى مَحاسِنُها عَليَّ وأكْتُبُ
يرضونَ مِلَّتَهُ فيسجدُ شاكراً / للهِ جلَّ جلالُه يَتقرَّبُ
ويُذِيقُهم بَرْدَ السّلامِ مُردَّداً / عَذْباً كماءِ المُزْنِ أو هُوَ أعْذَبُ
أوتادُ هذِي الأرضِ أو أبدالُها / مِنهم فمشرِقُها لهم والمغرِبُ
يَمضِي الزمانُ وهم وُلاةُ أمورِها / في دولةٍ أبديَّةٍ ما تَذْهَبُ
تِلكَ الولايةُ لا ولايةُ معشرٍ / يَبْقَوْنَ ما غَفل الزمانُ القُلَّبُ
جاءوا عليهم رونقٌ ونضارةٌ / يَصِفُ النَّعيمَ لباسُهم والمركبُ
صَنَعَ البُرودَ لهم فأحسنَ صُنْعَها / وأجادَها صَنَعُ اليَدَيْنِ مُدَرَّبُ
تَهفُو يمانيةً على أجسادِهم / فَتكادُ حُسْناً بالنواظِرِ تُنْهَبُ
من كلِّ وضّاحِ الجبينِ مُعمَّمٍ / وكأنّه مما يُهابُ مُعصَّبُ
زانوا الرِجالَ بما أفاءتْ مَهْرَةٌ / من نَسْلِها الغالِي وأنْجَبَ أرْحَبُ
جاءوا بِشاعِرِهم فَمِنْ أنفاسِهِ / أرَجٌ كَنَفْحِ الطِّيبِ أو هو أطْيَبُ
حيَّا رسولَ اللهِ يُظهِرُ حُبَّهُ / إنّ الكريمَ إلى الكريمِ مُحبَّبُ
حيَّا الشَّمائِلَ كالخمائِلِ فالرُّبَى / تُبدِي البشاشةَ والخمائلُ تطربُ
حَيَّاهُ مُرْتَجِزاً وإنَّ لمالكٍ / لأَعَزَّ ما مَلَكَ البَيَانُ المُعْجِبُ
قُلْ يا أخا هَمْدانَ واشْهَدْ أنّه / لَلحقُّ مالَكَ دُونَهُ مُتَنَكَّبُ
هُوَ ذلكم ما مِنْ رسولٍ غيره / فَيميلُ عنه أخو الرَّشادِ ويَرْغَبُ
ما فيه من شكٍّ وليس كمثلِهِ / لِلعالَمينَ مُعلِّمٌ ومُهَذِّبُ
أنتَ الأميرُ على الأُلى اتّبعوا الهُدَى / والحقَّ من هَمْدانَ أو أنتَ الأبُ
خُذْهم بآدابِ الكتابِ وَكُنْ لهم / مَثَلاً من الشِّيَمِ الرَّضِيَّةِ يُضْرَبُ
وَاعْمَلْ لربِّكَ جَاهِداً لا تَأْلُهُ / دَأَباً فليس يفوزُ من لا يَدْأبُ
الكُتْبُ تَتْرَى والكتائبُ تَدلِفُ
الكُتْبُ تَتْرَى والكتائبُ تَدلِفُ / والبأسُ بينهما يَثورُ ويعصِفُ
الله وكَّلَ بالملوكِ رَسولَه / فإذا العروشُ بهم تَميدُ وتَرجُفُ
أهِيَ القلوبُ تَلجُّ في خَفَقاتِها / أم تلكَ أجنحةٌ تَظلُّ تُرفرفُ
رُسُلُ النبيِّ بكلِّ أرضٍ جُوَّلٌ / تَرمِي بهم هِمَمٌ نواهِضُ قُذَّفُ
حَملوا القُلوبَ الصُّمَّ يَعصِمُهم بها / دِينٌ لهم صلْبٌ ورأيٌ مُحْصَفُ
تَرمِي الجَلامِدَ والحديدَ بِقوّةٍ / تمضِي فتصدعُ ما تشاءُ وتَقصِفُ
يَخشَى العَتِيُّ المُستَبِدُّ نَكالَها / ويَهابُها المُسْتكبِرُ المُتَغطرِفُ
سِرْ في ذِمامِ اللهِ دِحْيَةُ إنّها / لك حاجةٌ ما دونها مُتخَلَّفُ
أيْقِظْ هِرَقْلَ فقد تطاولَ نَومُهُ / وأبَتْ عَمايتُه فما تَتَكشَّفُ
أيْقِظهُ إنّ اللهَ ليس كَدِينهِ / دِينٌ وليس له شَريكٌ يُعرَفُ
أخَذَ الكتابَ ورَاحَ يسألُ كلّما / وَضح اليقينُ لهُ يُلِحُّ ويُلْحِفُ
ماذا أرادَ اللَّهُ ما شأنُ الذي / بَعثَ الكتابَ بأيِّ شَيءٍ يُوصَفُ
قُلْ يا أبا سُفيانَ لا تُطِعِ الهَوى / وَدَعِ المَلامَ لِمن يَجورُ ويَجْنِفُ
أبدى هِرقلُ لقومِهِ أنْ قد صَغا / مِنْهُ إلى الإسلامِ قلبٌ مُنصِفُ
غَضِبُوا فقال رُوَيْدَكُم ما بي سوى / أن أستبين وأين منا المصرف
بعث الكتاب فقالَ إنّي مُسلمٌ / لكنّهم قومي الأُلى أتَخوَّفُ
وَاخْتَارها مِمّا يُحِبُّ هَدِيَّةً / ألقى بها من مَكْرِهِ يَتزلَّفُ
قال النبيُّ رِسالةٌ من كاشحٍ / يُبدِي الرِّضى ومُنافقٍ يَتكلَّفُ
وهَديَّةٌ سَاءتْ وسَاءَ حَدِيثُها / فالزّورُ من أسمائِها والزُّخْرُفُ
كِسرَى لكَ الويلاتُ ماذا تَبتغِي / ماذا تظنُّ بِمَنْ تُغاثُ وتُسْعَفُ
مَزقَّتَ من كُتبِ النبيِّ تميمةً / فيها مَنابِعُ رَحمةٍ لا تَنْزَفُ
وذخيرةً يَجِدُ الذَّخائِرَ كُلَّها / بِيَدَيهِ حينَ يُصيبُها المتلقِّفُ
أطلبتَ من باذانَ رأسَ مُحمّدٍ / إن لم يَتُبْ بل أنتَ غاوٍ مُسرِفُ
سَتَرى اليقينَ على يَدِ ابنكِ فَانْتَبِهْ / لَكَ مَوْعِدٌ عمّا قليلٍ يَأزَفُ
صَدَقَ النبيُّ وذاقَ كِسرَى حتفَهُ / مِن شِيرويه فما له من يَعطِفُ
وَرأى الهُدى باذانُ بعد ضلالةٍ / فمضَى على البيضاءِ لا يتعسَّفُ
نَبَذَ الهَوى فَصَحا وأصبحَ مُسلِماً / ودَعا الأُلَى معه فلم يَتخلَّفوا
لا خابَ جَدُّ القومِ إنّ إلههم / جمعَ القلوبَ على الهدى فتألَّفوا
وأتى النجَاشيَّ الكتابُ فلم يكن / مِمّن يَصُدُّ عنِ الصَّوابِ ويَصدِفُ
شَرَفٌ أُتِيحَ له وعِزٌّ زانَهُ / إنّ التقيَّ هو الأعزُّ الأشرفُ
وأبى المُقْوقِسُ أن يُفارِقَ دِينَهُ / يَخْشَى الذي يَخْشَى الغَبِيُّ المُتْرَفُ
بَعثَ الهدايا يَتَّقي بحسانِها / ما يتّقِي ذُو البِغْضَةِ المتلطِّفُ
ضَنّ الخبيثُ بِمُلكِهِ وغَداً يرى / يد غَيْرِه في مُلْكِهِ تتصرَّفُ
هذا الذي قال النبيُّ وهكذا / صَنَعَ الذي يبنِي العُروشَ وينسِفُ
والمنذرُ اتَّخذَ السّبيلَ مُسدَّداً / قَبْلَ الكتابِ يُخِبُّ فيه ويُوجِفُ
سألَ النبيَّ فقالَ ما أنا فاعلٌ / بالقومِ إذ ضَلُّوا السّبيلَ وَزَيَّفُوا
فَقَضى إليهِ الأمرَ يأخذُهم بهِ / ويُقيمُه بالحقِّ لا يَتحرَّفُ
للمسلمينَ أمورُهم وله على / مَن ضلَّ جِزيةُ عادلٍ لا يُجحِفُ
وطحا بجيفرَ جَهلُهُ وعِنادُه / فأبَى على عمروٍ وأعرضَ يأنَفُ
ورآهُ يَهدِرُ بالوعيدِ فراعه / وأتى غَدٌ فَانْقَادَ لا يَتوقَّفُ
وَانْساقَ يَتبَعُه أخوهُ وإنّه / لَمُهَذَّبٌ سَمْحٌ الخِلالِ مُثقَّفُ
وأتى اليمامةَ بالكتابِ رَسُولُها / فكذاكَ يَهذِي الطّامِحُ المتعَجْرِفُ
طُغيانُ شاعرِها وجَهْلُ خطيبها / وغروُ صاحِبها المُبيدُ المُتلِفُ
طَلَب المحالَ من النبيِّ ولم يَزَلْ / ذُو الجهلِ يُولَعُ بالمحالِ ويُشْغَفُ
يَهْذِي ببعضِ الأمرِ يَقطعهُ له / والأمرُ ما قطع الحُسامُ المُرهَفُ
والحارثُ المأفونُ طاحَ بِلُبِّهِ / خَبَلٌ تُصابُ بِهِ العقولُ فَتَضْعُفُ
ألقى الكتابَ وقالَ مُلكي ليس لي / كُفْؤٌ فَيُنزَعُ من يَديَّ ويُخْطَفُ
انْظُرْ شُجاعُ الخيلَ والجُندَ الأُلَى / تَلْقَى العدوَّ بهم تَكُرُّ وتزحَفُ
وَاذْكُرْ لِصاحبكَ الحديثَ فَرُبَّما / كَفَّ المناجِزُ وارْعَوى المُسْتَهْدِفُ
ثم استعدَّ وجاءَ قيصرَ وافدٌ / بصحيفةٍ منه تَصِرُّ وتَصْرُفُ
حَمْقاءَ يَطغى الغيظُ بين سُطورِها / وتَشُبُّ بالشَّنآنِ منها الأحرفُ
رَكِبَ الغُرورَ وقال إنّي قَاذفٌ / بالجيشِ يثرِبَ فَهْيَ قاعٌ صَفْصَفُ
قالَ ازْدَجِرْ ما أنتَ من أكفائها / واسْكُنْ فإنّك لَلغوِيُّ المُرجِفُ
فأفاقَ واتَّخَذَ الخِداعَ سَجِيَّةً / لا يَسْتَحِي منها ولا يَتعفَّفُ
بَعثَ السلامَ مع ابنِ وَهْبٍ وَادَّعَى / دَعْوَى الذي يُرخِي القِناعَ ويُغْدِفُ
قال ادَّخرني يا شُجاعُ فإنّ لي / قلباً إلى دينِ الهُدَى يَتشَّوفُ
إنّي لمتبِعٌ سبيلَ مُحمّدٍ / وإليكَ رِفْدُكَ بالكرامةِ يُرْدَفُ
سَمِعَ النبيُّ حدِيثَهُ فتكشَّفتْ / نَفسٌ مُقنَّعةٌ وقلبٌ أغْلَفُ
مُلكٌ يبيدُ ومالِكٌ يُرجَى إلى / أجلٍ يَحينُ وموعَدٍ ما يُخْلَفُ
يَأبَى الغَوِيُّ الرُّشدَ يرفعَ شأنَهُ / فإذا هوى ألفيتَهُ يَتأسَّفُ
لِلحقِّ مِئذنةٌ وَدَاعٍ مُسمِعٌ / في كلِّ شيءٍ بالخلائقِ يَهتِفُ
عَجِبَ الملوكُ لِكابرِينَ سَمَتْ بهم / هِممٌ تَميلُ عنِ العُروشِ وتَعزِفُ
المُتّقونَ هُمُ الملوكُ وإن أبَوْا / رَغدَ الحياةِ ولينَها فتقشَّفوا
عَكَفوا على آيِ الكتابِ فأفْلَحُوا / والجاهلونَ على المآثِمِ عُكَّفُ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ / أعَلَى الغمامِ إلى الشآمِ تَسيرُ
زَيْدُ بْنُ حارثةٍ يَطيرُ وَرَاءَها / مَا ظَنَّهَا بالنَّسرِ حِينَ يَطيرُ
مَهْلاً أبا سُفيانَ إنَّ طِلابَكُمْ / عَسِرٌ وإنَّ مُصَابَكم لَكَبيرُ
صَفْوَانُ يُرْعِدُ خِيفةً وحُوَيْطِبٌ / مِمَّا عَرَاهُ مُرَوَّعٌ مَذعُورُ
زُولُوا بأنفسِكم فَتِلْكَ حُتوفُها / غَضْبَى إليها بالسُّيوفِ تُشِيرُ
هِيَ غارةُ البَطَلِ المُظَفَّرِ مالكم / مِنه إذا خَاضَ الغِمَارَ مُجيرُ
ظَنُّوا الظنُّونَ بهِ فلمَّا اسْتَيْقَنُوا / زَالوا عَنِ الأموالِ وَهْيَ كَثيرُ
أَمْسَتْ تُساقُ إلى النبيِّ غَنيمةً / للَّهِ فيها فَضلُهُ المشكُورُ
هذا دليلُ العِيرِ غُودِرَ وَحْدَهُ / خَلْفَ الأُلَى خَذلُوهُ فَهْوَ أَسِيرُ
اللَّهُ أطلقَهُ على يدِ مُنْقِذٍ / هُوَ للأُسارَى المرهَقِينَ بَشِيرُ
عَقَدَتْ مِنَ الإسلامِ فوقَ جَبينِهِ / تاجاً عليهِ من الجلالةِ نُورُ
مَن علَّمَ القومَ العُكوفَ على الهوى / أنَّ الحياةَ جَهالةٌ وغُرور
تِلك المغانِمُ ما لها كَمُحَمَّدٍ / في النَّاسِ من أحدٍ إليهِ تَصِيرُ
هِيَ قُوَّةٌ لِلمُسْلِمينَ وَمَظهرٌ / للقائِمينَ على الجهادِ خَطيرُ
بُورِكْتَ يا زَيْدُ بنُ حارثةٍ فما / لكَ في الموالِي الصَّالِحينَ نَظيرُ
إيهٍ أميرَ الجندِ ليس كمثلهِ / جُندٌ ولا مِثلَ الأميرِ أميرُ
يَا ابْنَيْ خُوَيْلِدَ أيَّ شَرٍّ هِجْتُما
يَا ابْنَيْ خُوَيْلِدَ أيَّ شَرٍّ هِجْتُما / إن كانَ مَن يَبغِي المُحالَ فأنتما
أَفَتَدْعُوانِ إلى قتالِ مُحمّدٍ / هَلّا إلى غيرِ القتالِ دَعَوْتُما
ما كان قيسٌ في النصيحةِ جاهلاً / بل كان أعلمَ بالصّوابِ وأَحْزَما
ينهاكما أن تفعلا ويَخافُها / مشبوبةً تَجرِي جَوانِبُها دما
بَعَثَ النبيُّ الجيشَ تَحتَ لوائِهِ / بطلٌ إذا نَكَصَ الفوارسُ أقدما
هو ذاك عبدُ اللهِ في أصحابِهِ / يَمشِي إلى قَطَنٍ قَضاءً مُبْرَمَا
فتأهَّبا يا ابْنَيْ خُويلدَ وَاجْمَعَا / للحربِ جَمْعَكما ولا تَتَندَّما
سر يا دليلَ الجيشِ في بَرَكاتِهِ / وَاسْلُكْ إلى فيْدَ الطريقَ الأقوما
هِيَ مُنتواهُ فليس يَبغِي غيرهَا / لِشَبَا القواضِبِ مُنتوىً ومُيمَّما
يا دائباً يَصِلُ الدياجِرَ بالضُّحَى / سِرْ في سَبيلِكَ إن أردتَ المغنما
إنّ الأُلَى جعلوكَ رائدَهم أَبَوْا / إلا السَّخاءَ فما أبرَّ وأكرما
دَرجوا على دينِ الفِداءِ فما بهم / عِندَ الحفيظةِ ما يُعابُ ويُحْتَمَى
أين الرجال ألا فتى ذو نجدة / يرمي بمهجته العجاج الأقتما
أين الرجالُ أَفَارَقُوا أوطانَهم / أم أصبحوا مِلءَ المضاجِعِ نُوَّما
يا ابْنَيْ خُوَيْلِدَ جَرِّدا سَيْفَيْكُما / حَذَرَ العِدَى وَتَقدَّما لا تُحجِما
يا ابني خُويلدَ أين ما أعددتُما / للحربِ تَسْتَلِبُ الكَمِيَّ المُعلَما
أعددتما الجُبنَ المُذِلَّ لتسلما / فهلكتما وكذاك يَهلَكُ ذو العَمَى
أسلمتما النَّهبَ السليبَ وإنّه / لأجلُّ منزلةً وأعظمُ مِنْكُما
رَجَعَ الغُزَاةُ به كراماً ما لقوا / كَيْداً يُرَدُّ ولا أصابوا مُجرما
اللَّهُ طهَّرهم وصانَ سُيوفَهُم / سُبحانَهُ أَسْدَى الجميلَ وأنعما
هم حِزبُهُ لا حِزْبَ إلا دونهم / وَلَو اَنَّهُ اتَّخَذَ الكواكبَ سُلَّما
سر يا أُسامةُ ما لجيشكَ هَازِمُ
سر يا أُسامةُ ما لجيشكَ هَازِمُ / أنت الأميرُ وإن تعتَّب وَاهِمُ
قالوا غلامٌ للكتائبِ قائدٌ / وفتىً على الصَّيدِ الخضارمِ حَاكمُ
غَضِبَ النبيُّ وقال إنّي بالذي / جَهِلَ الغِضابُ السّاخطونَ لعالِمُ
إن يجهلوهُ فقد عَرفتُ مَكانَهُ / والعدلُ عِندي لا محالةَ قائِمُ
ولئن رموه بما يسوءُ فقد رموا / مِن قبلُ والدَه ولَجَّ النّاقِمُ
نقموا الإمارَةَ فيهما وهُما لها / أهلٌ فكلٌّ أحوذِيٌّ حازِمُ
الخيرُ فيه وفي أبيهِ فآمِنوا / يا قومُ وَانْطلِقوا لما أنا عازِمُ
ساروا وظَلَّ مع النبيِّ خَليلُه / والخطبُ بينهما مُقِيمٌ جاثِمُ
يَنتابُ مَضجَعَهُ وينظرُ ما الذي / صنعَ القضاءُ فَهَمُّه مُتراكِمُ
مَرضُ النبيِّ طَغَى عليه فَقلبُه / يَغشاهُ مَوجٌ للأسى مُتلاطِمُ
ودَرَى أسامةُ فانثنَى في جيشهِ / والحزنُ طامٍ والدُّموعُ سَواجِمُ
مات الرّسولُ المجتبى ماتَ الذي / أحيا نُفُوسَ الناسِ وَهْيَ رَمائِمُ
مات الرسولُ فكلُّ أُفقٍ عابسٌ / أسفاً عليه وكلُّ جَوٍّ قَاتِمُ
مات الذي شَرَعَ الحياةَ كريمةً / والنّاسُ شرٌّ والحياةُ مآثِمُ
مات الذي كانت عجائبُ طِبّهِ / تَشفِي العُقولَ وداؤُها مُتفاقِمُ
طَاشتْ لمصرعِهِ عُقولٌ رُجَّحٌ / وَوَهَتْ قُوىً مشدودةٌ وعَزائِمُ
دنيا الممالكِ بعد عصرِ مُحمّدٍ / حُزْنٌ يُجدَّدُ والعصورُ مَآتِمُ
صلّى عليكَ اللَّهُ إنّ قضاءَهْ / حَتْمٌ وإنْ زَعَمَ المزاعِمَ حَالِمُ
عادَ ابنُ زيدٍ بالكتائبِ ما لوَى / من عزمِهِ الحَدَثُ الجليلُ العَارِمُ
يَمشِي الخليفةُ لائذاً بركابِهِ / وكأنَّما هو سائِقٌ أو خادِمُ
وأبى الأميرُ فقال دُونَكَ مَركبي / لا تَمْشِ إنّي إن فعلتَ لَغانِمُ
ولئن أبيتَ لأنزلَنَّ كَرامةً / لكَ فاقْضِ أمرَكَ لا نَبَا لَكَ صَارِمُ
قال الخليفةُ ما أراكَ بِمُنْصِفي / دَعْنِي فللإسلامِ حَقٌّ لازِمُ
أنا من جُنودِكَ لو ملكت رأيتني / تحت اللّواءِ فهالكٌ أو سالمُ
قُضِيَ الوَداعُ وعادَ مَشكورَ الخُطَى / يَرعاهُ للإسلامِ رَبٌّ راحِمُ
سِرْ يا أُسامةُ فالقواضِبُ لم تَمُتْ / هِيَ ما ترى وَهْوَ الجهادُ الدّائِمُ
وإذا البواتِرُ واللهاذِمُ أعوزَتْ / فالمسلمونَ بواترٌ ولهاذِمُ
يا لاثِمَ القمرِ المنيرِ مُودّعاً / هل كان قبلكَ للكواكبِ لاثمُ
هِيَ يا أخا الشّوقِ المبرِّحِ قُبْلَةً / ما ذَاقَ لذَّتَها مَشُوقٌ هائِمُ
ولقد تكونُ وفي حلاوتها أسىً / مُرٌّ مَذاقتُه ووجْدٌ جاحِمُ
زلْزِلْ جُنودَ الرُّومِ وَاهْدِمْ مُلكَهُمْ / في عزّهِ العالي فنِعمَ الهادِمُ
قتلوا أباك فلا تَدَعْهُمْ وَاعْتَصِمْ / منهم بربّك إنّه لكَ عاصِمُ
ولقد هَزمتَ جُموعَهم فتفرَّقوا / وشَفاكَ منهم جَيْشُكَ المُتلاحِمُ
وأجَلْتَ خيلكَ في عِراصِ دِيارِهم / وفعلتَ فِعلكَ والأُنوفُ رَواغِمُ
قتلٌ وأسرٌ هَدَّ من عَزَماتِهم / وأذلَّهم وكذاكَ يُجزَى الظّالِمُ
ولَئِنْ أزلتَ دِيارَهُم ونَخيلَهم / من بَعدِ ما ظلموا فما لكَ لائِمُ
عُدْ يا ابنَ زيدٍ باللّواءِ مُظفَّراً / وَانْعَمْ فَبالُ مُحمّدٍ بكَ ناعِمُ
هذا أبو بكرٍ مَشَى في صحبِهِ / يلقاكَ مُبتهِجاً ورَكبُكَ قادِمُ
هُمْ هنَّؤوكَ وأنت أهلٌ للذي / صنعوا وحَسْبُكَ أن يُفيقَ النّائمُ
اشْكُرْ صَنيعَ اللَّهِ يا شيخَ الوغَى / إنّ الذي عابَ الغُلامَ لنادِمُ
حِبَّ الرسولِ لكَ البِشارةُ إنّه / شَرَفٌ له فوقَ النُّجومِ دَعائِمُ
ماذا يقولُ ذَوُو الحفيظةِ بعد ما / شكَرْت أُميّةُ ما صَنَعْتَ وهاشِمُ
عفواً فَتِلكَ حَمِيَّةٌ عَربِيَّةٌ / أعيا الأوائلَ عَهدُها المُتقادِمُ
للمرءِ من نُورِ الحقائقِ ما يَرى / لا ما تُرِيهِ وساوِسٌ ومَزاعِمُ
والنّاسُ عِندَ فِعالِهم إنْ يفعلوا / خَيراً فأحرارُ النّفوسِ أعاظِمُ
لا حُكْمَ للأنسابِ أو للسنِّ في / ما قالَ فِيهمِ مادحٌ أو واصِمُ
أَنّا بَنو عُثمانَ أَعلامُ الوَرى
أَنّا بَنو عُثمانَ أَعلامُ الوَرى / وَالأَرضُ تَشرُفُ فَوقَها الأُعلامُ
إِنّا السَنامُ إِذا الأَنامُ تَفاخَرَت / وَالناسُ فيهم مَنسِمٌ وَسَنامُ
إِنّا يسوسُ أُمورَنا وَيُقيمُها / ملكٌ بِأَمرِ إِلههِ قَوّامُ
رَحبُ الذراعِ كَفى الَّذي نُعنى بِهِ / رَأيٌ لَهُ في المُشكلاتِ حُسامُ
عَبدُ الحَميد أَتاحَ في أَيّامِهِ / لِلملكِ ما ذهبت بِهِ الأَيّامُ
لَولا حَزامتُه وَشدّةُ بَأسِهِ / وَمَضاؤُهُ لَتضعضعَ الإِسلامُ
ما زالَ يَحمِي حَوضَهُ مُذ جاءَهُ / وَكَذاك يَحمي غيلَهُ الضِّرغامُ
مَلِكٌ يَقومُ اللَيلَ يَنظر في غَدٍ / ماذا يُسدِّدُ وَالمُلوكُ نِيامُ
مَنَعَ الخِلافةَ أَن تُنالَ صرُوحُها / حَتّى تَحامَت سُوحَها الأَوهامُ
جَدعاً لِأَنفِ معاشرٍ منّتهمو / بِالمُلكِ ما مَنَّتهمُ الأَحلامُ
وَلَقد دَرى اليُونانُ أَنّا مَعشرٌ / في الرَوعِ ضرّابو الكُماةِ كِرامُ
بيضُ الوُجوه إِذا الكَريهةُ كشّرت / وَسما لَها تَحت الحَديدِ ضِرامُ
نَسطو وَنَبطش قادرين أَعزّةً / تَشكو السُيوفُ ضِرابَنا وَالهامُ
نَهفو وَتثبت رُجّحاً أَحلامُنا / وَتَظلُّ تَهفو منهمُ الأَحلامُ
وَارحمتا للرُومِ أَبقَينا بِهم / جُرحاً مَدى الأَيّامِ لا يَلتامُ
إِنّا لَنمنعُ أَن يُضامَ حَريمُنا / وَنُزلزلُ الأَرضين حينَ يُضامُ
دُم يا أَميرَ المُؤمنين فَما لِمَن / عاداكَ بَينَ العالمين دَوامُ
لا زلتَ يا رُكنَ الخلافَةِ شامِخاً / تَعنو لَك الأَعرابُ وَالأَعجامُ
غَضِبَ الحُماةُ لدين أَحمدَ غَضبَةً
غَضِبَ الحُماةُ لدين أَحمدَ غَضبَةً / نُصر الإِلهُ بِها وَعزَّ المُصحَفُ
قَذَفَت بِهانوتو فَطاحَ بَهبوَةٍ / تَرمِي بِأَبطالِ الرِجالِ وَتقذفُ
ما انقضَّ يَرمي المُسلِمِينَ بِعَسفِهِ / حَتّى اِنبَرى القَدرُ الَّذي لا يَعسِفُ
هاج الحُماةَ فَهاجَ كُلَّ مُشيَّعٍ / عَجِلِ الوَقائع بِالفَوارس يَعصفُ
جبريلُ يَدلِفُ بِاللواءِ وَأَحمدٌ / بَينَ الوَصيِّ وَبَينَ حَمزَةَ يَزحَفُ
أَو كلّما هاجَ التعصُّبَ أَهلُهُ / صاح الغَوِيُّ بِنا وضجَّ المُرجِفُ
في كُلِّ يَومٍ لِلتَعَصُّبِ غارَةٌ / يَدعو بِها داعِي الصَليبِ وَيَهتِفُ
ضَجَّت شُعوبُ المُسلمين وَراعهم / ظُلمُ الأُلى لَولا السياسَةُ أَنصفوا
جَعلوا الصَليبَ سِلاحَها وَتدَّفعت / عَن جانِبَيهِ دَماً فَلَم يَستنكفوا
إِنّ الصَليبَ عَلى جَهالةِ أَهلِهِ / ليرى سَبيلَ المُصلِحينَ وَيَعرِفُ
أَيَهِمُّ هانوتو بِقَبرِ مُحمَّدٍ / وَيَسوعُ حَولَيهِ يَطوف وَيَعكِفُ
أَيقولُ تِلكَ فَلا تَميدُ بِأَهلِها / باريسُ مِن فَزَعٍ وَيَهوي المُتحَفُ
فَلَسَوفَ يَنظرُ أَيّ مُلكٍ يَنطَوي / وَلَسَوفَ يَعلم أَيّ عَرشٍ يُنسَفُ
وَيحي عَلى الإِسلامِ هان وَزَلزَلَت / أَيدي الخُطوبِ شُعوبَه فَاستُضعِفوا
لَولا التَعصُّبُ لَم تُرَع في ظِلِّهِ / أُمَمٌ تَميدُ ولا ممالكُ تَرجُفُ
وَأَرى الَّذين تَفرَّقَت أَهواؤُهم / لَو أَنَّهُم غَضِبوا لَهُ لتأَلّفوا
مَهلاً دُعاةَ الشَرِّ إِنّ وَراءَكُم / يَوماً تَظلُّ بِهِ الشُعوبُ تَخطَّفُ
تَتَخبّط الأَحداث في غَمراتِهِ / وَتظلُّ عَن أَهوالِهِ تَتَكشَّفُ
لِلّهِ فيما تَفعلون بِدينهِ / عَهدٌ أَبرُّ وَمَوعدٌ ما يُخلَفُ
مَهلاً فيومئذٍ يُحَمُّ قَضاؤُهُ / إِنّ القَضاءَ إِذا جَرى لا يُصرَفُ
كشف الكِتابُ عَن المَحجَّةِ فَانظُروا / وَأَرى المحجّة عِندَكُم أَن تَصدِفوا
لُوذوا بِأروَعَ ما تَخافُ نُفوسُكُم / إِنّ الكِتابَ عَلى النُفوسِ لَأَخوَفُ
إِن الَّذي قَهرَ الجَبابر ما لَهُ / مَثَلٌ يُعَدُّ وَلا شَبيهٌ يُوصَفُ
يُزجِي أَساطيلَ القَضاءِ سُطورهُ / وَتَقود خَيلَ اللَهِ مِنهُ الأَحرُفُ
وَلربّما ركب المجرَّةَ فَاعتَلى / وَهَوى المُنيفُ عَلى العُبابِ المُشرِفُ
حِصنٌ يلوذُ الدينُ مِنهُ بِجانبٍ / عَزريلُ مُرتَقِبٌ عَلَيهِ يُرَفرفُ
تَشقى الجِواءُ بِما يُذِيبُ مِن القُوى / وَتَضيقُ بِالمُهجِ الَّتي يَتَلقَّفُ
ما بَينَ وَثبَةِ ثائِرٍ وَنُكوصِهِ / إِلّا مجالٌ للحُماةِ وَمَوقفُ
أُمٌّ تُدافعُ يَأسَها بَرجائِها
أُمٌّ تُدافعُ يَأسَها بَرجائِها / ما تَنقضِي الآمالُ في أَبنائِها
أَمسى الشَقاءُ لَها خَدِيناً ما لَهُ / مُتحوَّلٌ عَنها فيا لِشَقائِها
هَذا لعَمُركُمُ العُقوقُ بِعينهِ / أَكَذا تُخلّى الأُمُّ في بَلوائِها
أَكذا تُغادَرُ للخطوبِ تَنوشُها / وَتمدُّ أَيديها إِلى حَوبائِها
غَرضَ النَوائبِ ما تَزالُ سِهامُها / تَهوِي مُسدَّدةً إلى أَحشائِها
صَرعى تَواكلَها الحُماةُ فَما لَها / إِلّا تَرقُّبُ مَوتِها وَفنائِها
تَبكي وَنضحكُ دُونَها وَلَوَ اَنّنا / بَشَرٌ بَكَينا رَحمةً لِبُكائِها
تَشكو البلايا التارِكاتِ نَعيمَها / بُؤساً وَما تَشكو سِوى جُهلائِها
يا آلَ مصرَ وَأَنتمُ أَبناؤُها / وَلَكُم جَوانِبُ أَرضِها وَسَمائِها
إِن تَسألوا فَالجهلُ داءُ بلادِكُم / وَمِن البليّةِ أَن تَموتَ بِدائِها
وَالمالُ وَهوَ مِن الوَدائعِ عِندَكُم / نِعمَ الدَواءُ المُرتَجى لشفائِها
إِن يَبنِ زارعُها الحياةَ لِقَومِهِ / فبكفِّ صانِعها تَمامُ بِنائِها
عودُ الثُقابِ أَما يَكونُ بِأَرضِنا / إِلا تَراهُ العَينُ مِن أَقذائِها
يا قَومُ هَل مِن إِبرَةٍ مِصريّةٍ / تَشفي بَقايا النَفسِ مِن بُرحائِها
إِنّ الصَنائعَ للحياةِ وَسيلةٌ / فَتعاونوا طُرّاً عَلى إحيائِها
لا تَبخلوا يا قَومُ إِن كُنتم ذَوي / كَرَمٍ فَما الدُنيا سِوى كُرمائِها
قُوموا قيامَ الأَكرمين وَجَرِّدوا / هِمَماً تودُّ البِيضُ بَعضَ مَضائِها
وَتَدَفَّقوا بِالمكرماتِ وَنافِسُوا / في بَذلِ عارفةٍ وَكَسبِ ثَنائِها
عَزَّ الثَراءُ فجئتُ مِصرَ وَأَهلَها / مُتَبَرِّعاً بِالشِعرِ عَن شُعرائِها
في كُلِّ يَومٍ شِرعَةٌ وَنِظامُ
في كُلِّ يَومٍ شِرعَةٌ وَنِظامُ / ما هَكَذا الأَحكامُ وَالحُكّامُ
عِشرونَ عاماً وَالدِيارُ مَريضَةٌ / تَنتابُها الأَدواءُ وَالأَسقامُ
إِنَّ الأُساةَ لَتَعرِفُ الداءَ الَّذي / تَرَكَ المَريضَ تُذيبُهُ الآلامُ
وَلَرُبَّما غَشَّ الطَبيبُ عَليلَهُ / لِيَعودَ مِنهُ الداءُ وَهوَ عُقامُ
كَيفَ الشِفاءُ لِمِصرَ مِن أَدوائِها / أَم كَيفَ يُرجى عِزُّها وَيُرامُ
وَالمُصلِحونَ كَما عَلِمتَ وَأَهلُها / عَنها عَلى زَجرِ المُهيبِ نِيامُ
و إذا النفوس تعدَّدت أهواؤها / شقِيَت بها الكتّابُ والأقلامُ
يا دَولَةً رفعَت عَلى أَوطانِنا / عَلَماً تُنَكَّسُ تَحتَهُ الأَعلامُ
أَينَ المَواثيقُ الَّتي أَبرَمتِها / إِن كانَ مِنكِ لِمَوثِقٍ إِبرامُ
لَم تَحفِلي بِعُهودِنا فَنَقَضتِها / يا هَذِهِ نَقضُ العُهودِ حَرامُ
عِشرونَ عاماً ما كَفَتكِ وَهَكَذا / تَأتي وَتَذهَبُ بَعدَها الأَعوامُ
طالَ المُقامُ وَأَنتِ أَنتِ وَلَم يَكُن / لِيَطولَ لَولا الجَهلُ منكِ مُقامُ
دَومي فَما لِلجاهِلينَ دَوامُ / وَكَذا يَكونُ الجِدُّ وَالإِقدامُ
الأَرضُ أَرضُكِ وَالسَماءُ حَليفَةٌ / لَكِ وَاللَيالي وَالوَرى خُدّامُ
يا أُمَّةً خاطَ الكَرى أَجفانَها / هُبّي فَقَد أَودَت بِكِ الأَحلامُ
هُبّي فَما يَحمي المَحارِمَ راقِدٌ / وَالمَرءُ يُظلَمُ غافِلاً وَيُضامُ
هُبّي فَما يُغني رُقادُكِ وَالعِدى / حَولَ الحِمى مُستَيقِظونَ قِيامُ
عَجَباً لِهَذا النّيل كَيفَ نَعَقُّهُ / وَيَدومُ مِنهُ البِرُّ وَالإِكرامُ
لَو كانَ يَجزينا بِسوءِ صَنيعِنا / أَودى بِهاتيكَ النُفوسِ أُوامُ
لَكِنَّها رَحِمُ الجُدودِ وَلَم تَزَل / تُرعى لَدى أَمثالِهِ الأَرحامُ
شَيئانِ يَذهَبُ بِالشُعوبِ كِلاهُما / نَومٌ عَنِ الأَوطانِ وَاِستِسلامُ
إِلّا يَحِن لِلراقِدينَ قِيامُ / فَعَلَيهِمُ وَعَلى الدِيارِ سَلامُ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ / وَمِنَ السَعادَةِ سَيرُكَ المَيمونُ
الحَزمُ هادٍ وَالسِياسَةُ مَركَبٌ / وَالعَزمُ حادٍ وَالمَضاءُ قَرينُ
لَكَ كُلَّ عامٍ رِحلَةٌ تَبغي بِها / ما عَزَّ مِن آمالِنا فَيَهونُ
تَرِدُ المَوارِدَ ما يُكَدِّرُ صَفوَها / قَولُ الوُشاةِ وَلِلوُشاةِ شُؤونُ
سِر فَالقُلوبُ عَلى ركابِكَ حُوَّمٌ / يَبدو لِعَينِكَ سِرُّها المَكنونُ
صَحِبَتكَ تَعلَمُ أَنَّ بِرَّكَ زادُها / وَالبِرُّ بِالحُبِّ الصَريحِ ضَمينُ
اطلُع بِيَلدِزَ كَوكَباً مُتَوَقِّداً / تَنجابُ عَنهُ غَياهِبٌ وَدُجونُ
وَالقَ الخَليفَةَ قَد تَهَلَّلَ وَجهُهُ / بِشراً وَخَفَّ إِلَيكَ وَهوَ رَصينُ
وَتَذَكَّرا العَهدَ القَديمَ وَجَدِّدا / عَهداً عَنِ الوُدِّ المَتينِ يُبينُ
كَثُرَت ظُنونُ الجاهِلينَ وَقَلَّما / تَبقى إِذا وَضَحَ اليَقينُ ظُنونُ
كَذَبوا فَما اِنتَقَضَ الَّذي أَبرَمتُما / وَالظَنُّ في بَعضِ الأُمورِ يَخونُ
أَتَهيجُهُم طَشيوزُ وَهيَ سَحابَةً / تَمضي كَما يَمضي السَحابُ الجُونُ
إِنَّ الخَليفَةَ لَيسَ يِعدُو عِلمُهُ / أَنَّ الأَميرَ حُسامُهُ المَسنونُ
وَمِنَ السِياسَةِ أَن يَظَلَّ مُذَرَّباً / تَعنو لَهُ هامُ العِدى وَتَدينُ
عَبّاسُ إِنَّكَ لِلَّذينَ تَسوسُهُم / حِصنٌ يَرُدُّ العادِياتِ حَصينُ
يَأبى اِشتِدادَ الخَطبِ حينَ تَروضُهُ / عَزمٌ لَهُ النُوَبُ الشِدادُ تَلينُ
إِنّا أَتَينا بِالثَناءِ نَسوقُهُ
إِنّا أَتَينا بِالثَناءِ نَسوقُهُ / جَلَلاً يَهُزُّ دَوِيُّهُ الأَقطارا
أَمَّنتَنا كَيدَ الَّذينَ تَنازَعوا / أَرواحَنا وَتَناهَبوا الأَعمارا
يا واهِبَ الأَمنِ النُفوسَ وَلَم تَكُن / لِتُصيبَ أَمناً أَو تَطيقَ قَرارا
إِنَّ الَّذينَ أَدَلتَ مِنهُم عادِلاً / وَتَرَكتَهُم مُتَمَزِّقينَ حَيارى
كانوا النُهاةَ الآمِرينَ فَما اِشتَهوا / نالوا وَما ساموا الخَلائِقَ صارا
كَم أَنَّةٍ تَحتَ الظَلامِ تَرَدَّدَت / فَاِستَوقَفَت أَصداؤُها الأَقدارا
كَم نَكبَةٍ فَدَحَت وَكَم مِن غَمرَةٍ / خُضنا بِها الأَهوالَ وَالأَخطارا
في ظِلِّ قَسوَرِكَ المُبارَكِ عَهدُهُ / عاشَ الَّذي لَقِيَ الحِمامَ مِرارا
أَنتُم وُلاةُ الأَمرِ فَاِحتَفِظوا بِهِ / وَكَفى بِكُم لِبِلادِكُم أَنصارا