المجموع : 72
بحياةِ أيْرِ أبي الرَّجا
بحياةِ أيْرِ أبي الرَّجا / لمّا استَوى وتَسكْرَجا
وأتاك مُمتَدّاً فأد / خَلَ في حشاكَ وأخرجا
إلا احتشَمْتَ ولا تكو / نُ إلى هجائك مُحوِجا
فلقد رأيتَ وقد مدحْ / تُك كيف كان وكيف جا
مَن كان يَصفَعُ بالمدي / ح فكيف ظنُّك إن هَجا
شاقَ الحَمَامُ إليك لمّا ناحا
شاقَ الحَمَامُ إليك لمّا ناحا / صَباً تَذكَّر إلْفَهُ فارتاحا
ليتَ الحَمامَ أتَمَّ لي إحسانه / فأعارني أيضاً إليه جَناحا
يا نازِحاً لم يَنقَطعْ ذِكْرِي له / لو أنّ ذاك يُقربُ النُزّاحا
أَتَظُنُّ أنّي صابِرٌ وجوانحي / مَمْلوءةٌ للبُعْدِ منك جِراحا
شَوقي إليك على البِعادِ قدِ اغتدَى / بَرَحاً لوَ أنّي أستطيعُ بَراحا
قَسَماً لقد كتَم اللّسانُ هواكُمُ / لكنَّ دمعي بالسّرائر باحا
عَزَّ العزاءُ عليَّ لمّا أنْ جَلا / يومَ الرّحيلِ معَ الصّباح صَباحا
وعلى الجيادِ مُعارِضينَ فوارسٌ / فوق الكَوائبِ عارِضينَ رِماحا
لو قاتَلوا بَدَلَ الظُّبَى بلِحاظِها / كانوا إذنْ أمضى الأنامِ سِلاحا
ومُرنَّحُ الأعطافِ تَحسَبُ صُدْغَه / ليلاً وتَحسَبُ خَدَّه مِصْباحا
صَلِفٌ له سلطانُ حُسْنٍ قاهرٌ / يأبَى إذا مَلَك الفَتىإسجاحا
بِتْنا نَدِيمَيْ خَلْوةٍ في عِفّةٍ / مُتَساقِيَيْنِ ولا زجاجةَ راحا
راحاً تَعاطاها السُّقاةُ نفوسَها / منّا ولم تُمْدد إليها راحا
للهِ أحبابٌ تأوَّبَ طَيْفُهم / ليُزيحَ عن عَيني الكرَى فأزاحا
غدَروا ففي الأسماع ما مَلَحوا وإن / سَفَروا فكانوا في العُيونِ مِلاحا
فكأنّما داعٍ دعا فأجَبْتُ ال / لازالَ أفعالُ الحسانِ قِباحا
كم كان من عُسْرٍ ومِن يُسرٍ / فما ألفِيتُ مِجْزاعاً ولا مِفراحا
خاطَبْتُ كلَّ مَعاشرٍ بلُغاتهم / زَمناً مُخاطبةَ الصّدَى مَن صاحا
ومنَعْتُ نفسي قولَ كلِّ بديعةٍ / عِطْفُ الكريم لها يُهَزُّ مِراحا
أضحىَ لعِجْلِ اللُّؤْمِ كُلٌ عابداً / جَهْلاً فألقَى شِعْريَ الألواحا
حتى صدَرْتُ إليك يا صدْرَ الورى / بمَطالبي العُلْيا بك استِنْجاحا
ورأيتُ مَمدوحاً كما رَضِيَ العُلا / فَرضيِتُ أن أُسْمَى له مَدّاحا
تُفْدَى الصدورُ لصدْرِ دَهرٍ لم يَزلْ / طَلِباً إلى فُضَلائه مُرْتاحا
في القُرْبِ مُرتاحاً إذا لاقاهُمُ / وعلى البِعادِ إليهمُ مُلْتاحا
من أصبحَ الإسلامُ وهْو لبيتهِ / ركْنٌ عُلاه أعيَتِ المُساحا
ولمَسْحِه كَفَّ الثريّا عُمْرَها / بَقِيَتْ كذا مَبْسوطةً إلحاحا
أقضَى قُضاةٍ في الممالكِ كُلِّها / مِمَّن غَدا يَبْغي العلا أو راحا
يّقْظانُ صاغَ اللهُ ثاقِبَ فَهْمِه / لُطْفاً لقُفْلِ غُيوبهِ مِفْتاحا
ما قِسْتُ عِلْمَ بني الزّمان بِعِلْمِه / مَن قائِسٌ بغُطامِطٍ ضَحْضاحا
وَرِثَ الأئمَةَ كابراً عن كابرٍ / ولوِرْثِه جَعَلَ العُلا الارجاحا
مَطرَوا هُمُ ومضوا كراماً في الورى / فثَوى غديراً بَعْدَهم طفَّاحا
حسُنتْ وطابَتْ في الورى أخبارُه / وأصَحَّها راوي العُلا إصحاحا
وكأنّ دُرًّا فاه راوى مَدْحِه / لمّا رَوى وكأنّ مِسْكا فاحا
مَلِكٌ سَرى العلماءُ تحت لوائه / فغَدا حريمُ بني الضَّلال مُباحا
قد سَخَّر الأرواحَ خالِقُها له / إن لم يكُنْ قد سَخّر الأرواحا
وإذا أشارَ بعَقْدِ مَوْعدِ مَجْلسٍ / شَوْقاً إليه تُعاوِدُ الأشباحا
أمّا المُلوكُ فلَثْمُ ما هو واطِيءٌ / شَوْقاً إليه يَطْمحَونَ طِماحا
تَمْتارُ من آرائه راياتُهم / نَصْراً مُتاحاً للِعدا مُجْتاحا
ويَروْنَ إن فَسَدَ الزّمانُ وأهلُه / للدين والدّنيا بهِ اسِتصْلاحا
إنّ المعاليَ كُنَّ سَرْحاً رائعاً / ألفاهُ عصْرُك عازِباً فأراحا
وحديثُ مَجْدٍ بالقديم وصَلْتَه / إذ كانَ حُبُّك للزّمانِ لِقاحا
أسلافُنا البيِضُ اليَمانونَ الأُلَى / كانوا وكان نداهم فضَّاحا
وإذا وقوا شح النفوس بمالهم / كانوا بأعراضٍ كَرُمْنَ شِحاحا
وغدَتْ فوارسُ للفوارسِ فيِهمُ / أبداً تُعوَّدُ للصِفاحِ صِفاحا
سَبقوا بنَصْرِ الدينِ دينِ مُحمَّدٍ / حتّى انجَلَى ليلُ الهُدى إصباحا
وشَرعْتَ أنت اليومَ نَصْراً مِثْله / فأزالَ عادِيةَ العِدا وأزاحا
فَعَلتْ فُصولُك فوق فِعْلِ نُصولِهم / لمّا أطارَ جَماجِماً وأطاحا
وأتىَ جِدالُك ما أتَوا بجِلادِهم / حتّى أسالَ دِماءهم وأساحا
ففَداكَ مِن رَيْبِ الحوادثِ حاسدٌ / يغدو إلى ما نِلْتَه طَمّاحا
عاوٍ يَقومُ على أناملِ رِجْلِه / لتنَال منه الكَفُّ نَجْماً لاحا
يَرجو سِواكَ وقد طَلَعْتَ لعَيْنهِ / قَسَماً لقد خُلِقَ الجَهولُ وَقاحا
في جَنْبِ شَمْسِ صُحىً يُقلِّبُ عَيْنَه / أعمىَ لِيَطْلُبَ بالسُّها استِصْباحا
ألسانَ أُمةِ أحمدٍ أنتَ الّذي / أوضَحْتَ مِلّةَ أحمدٍ لَمّاحا
لمّا رأوكَ منَ السّماحِ غمامةً / رَكِبوُا إليك من المَطِيِّ رِياحا
فمتى تَنالُ العَيْنُ منّي قُرّةً / بلِقاءِ شَمْسِ المُلْكِ منكَ كِفاحا
ومتى أُقَرِّطُ دُرَّ لفظِك مِسْمَعي / ويَزيدُ قُرْبُك روحِيَ اسْترواحا
قد كان خُوزِستانُ عُطْلاً عِطْفُها / حتّى كساها اللهُ منكَ وِشاحا
لا تَحقِرَنَّ قَضاءها من خِطَة / نُصْحاً لعَمْرُ أبي عُلاكَ صُراحا
فَهي المُعسْكرُ للمُهلّبِ جَدكم / أيامَ جرَّ جُيوشُه الأرْماحا
فَنفَى الخوارجَ عنْوةً عن أرضِها / نَفْياً أقامَ عليِهمُ النُّوّاحا
فاتْبَعْ كذلكَ في الممالِك إثْرَهُ / تَعْقُبْ فَساداً عَمَّهنّ صَلاحا
لو أرى المُهَّنى في البسيطةِ أمْةٌ / وُلِّيتُها فَتهادَتِ الأفراحا
وتَجِلُّ أنت عن الهَناءِ بمِثْلِها / شَرَفاً لكَ اللهُ الكريم أتاحا
أبكارُ مَدْحي كلّما استأمَرْتُها / تأبَى لكُفْوءٍ غيرِكَ الإنكاحا
فأصِخْ لها من مِدحةٍ حاآتُها / وحياضُ جُودِكَ رَوَّتِ المُدّاحا
أخّرتُ كتُبْي كي أكونَ مُقدّماً / منّي إليك معَ الوفودِ رَداحا
حُبّاً لنَفْسي لا بنفسي أنْ أرى / منّي الغداةَ لها إليك سَراحا
قَدَمِي تَغارُ عليك من قَلَمي إذا / أصلَحْتُه لِكتابةٍ إصلاحا
ولوِ استَطَعْتُ حكَيْتُه وسبَقْتُه / مَغْدىً إليك بمَفْرِقِي ومُراحا
بل لو قَدِرت وقد عَجَزْت عن السرى / لصُروفِ دَهرٍ قد أهَدَّ جِماحا
لَجَعْلت نقطةَ باءِ بسمٍ ناظري / مُتشَوِّقاً لِكتابِيَ اسِتفتاحا
فعسى يَرى إنسانَ عَيْني أوّلاً / قبلَ القراءةِ وَجْهك الوَضّاحا
فأجِبْ جَوابَ مُشرَفٍ عن خِدْمتي / حَسَنِ السّوابقِ لُبسها أوضاحا
وأقَلُّ حَقّي إن طَرقْتُ فِناءكم / وأنخْتُ أنضائي إليه طِلاحا
والخَدُّ لم يّظلْلِه ليلَ شَبيبتي / واليومَ جَلّلَه المَشيبَ صَباحا
فمِنَ البياضِ إلى البياضِ خدمتكُم / خِدماً بها يوماً رجَوْتُ فَلاحا
واليومَ ذاك اليوم فاسْعَ مُبادِراً / نَصْرِي فدَهْرِي في العِنادِ أشاحا
لم يَبْقَ منّي غير سُؤْرِ حَوادثٍ / إن لم تَدَاركْه بِجُودِكَ طاحا
لِمُهَلّبٍ بكُم وأنْصارِ النّبِي / حَقٌ إذا استَوضَحْتَه استيضاحا
يَقْضى على كرمِ العناصرِ منكَ أنْ / تُهْدِي بلا سَعْيٍ إلى جَناحا
فاسَمحْ بمأمولي الذي أنا طالبٌ / يا ابنَ الأُلىَ فضَلُوا المُلوكَ سَماحا
واحْمِلْ تَدلُّلَ آمِيلكَ فقد رأوا / طُرُقَ الرّجاءِ إلى نَداكَ فِساحا
فإليَّ أُهْدِ الإقْتراحَ كرامةً / وإلى فؤادِ الحاسد الأقراحا
أرغِمْ حسوداً فيكَ يُصبحُ بالقِلَي / عُمرَ الزمانِ إناؤه رَشَاحا
لا تُرْعَينْ كلَّ امْرىءٍ مُتَنَصّحٍ / سَمْعَ المُصدِقِّ قولَهُ استِنْصاحا
وزِنِ الوَرى وَزْناً بقِسطاسِ النُّهى / وانْقُدْ رِجالَ الاسْطِناعِ رَجاحا
واقدَحْ زِنادَ الرّأيِ منكَ ولا تَكُنْ / فيما عنَى نَشْرَ الحَيا قَدّاحا
واشْرِ المحامِدَ مُغْلياً أثماَها / فلَتلْكَ أعظَمُ صفَقْةٍ أرباحا
دُمْ للعلا ما جاد صُبْحاً دِيمةٌ / وسرى بلَيْلٍ بارِقٌ وألاحا
واستَنْطَقَ الطّيرَ الرّبيعُ فأصبحَتْ / في شُكْرِه عُجْمُ الطيورِ فِصاحا
ولقد أقولُ لشَمعةٍ نُصِبَتْ لنا
ولقد أقولُ لشَمعةٍ نُصِبَتْ لنا / وسُتورُ جُنحِ اللّيلِ ذاتُ جُنوحِ
أنا مَن يَحِنُّ إلى الأحبّةِ قَلْبُه / ولك البُكاء بدَمْعِكِ المَسفْوح
قالتْ عَجِلْتَ إلى المَلامِ مُسارِعاً / فاسمَعْ بيانَ حَدِيثيَ المَشْروح
أُفرِدْتُ مِن إلْفٍ شَهِيً وَصْلُه / حُلْوِ الجَنَى عَذِبِ المذاقِ صَريح
قد سُلَّ من جِسمْي وكان شَقيقَه / فرجعت عنه بقلبي المقروح
ها أنت تفقد من حكاه برقَّة / وبرِيقه وأراكَ في تَبْريح
وأنا لهُ ولقد فَقدْتُ بعَيْنهِ / أفليس بُخْلُ مدَامعي بقَبيح
بالنّارِ فَرّقتِ الحوادثُ بيننا / وبها نذَرْتُ أعودُ أقتُلُ روحي
من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد
من حُسنِ عهدٍ للخليطِ المُنْجد / ألا يَضُنَّ بوقْفةٍ في المَعْهَدِ
ناشَدْتكمْ إلا قَصْرتمُ ساعةً / فَضْلَ الأزمّةِ عند بُرْقةِ مُنْشِد
أما مُسعِدٌ فيكم فهل من مُغْرمٍ / أو مُغْرَمٌ فيكم فهل من مُسْعِد
ربْعٌ وقَفْتُ أرى وجوهَ أحِبّتي / فيه بعَيْنَيْ ذِكْريَ المُتَجَدّد
رفَع الهوى للعينِ فيه شُخوصَهم / سَقْياً له من آهِلٍ مُتأبِّد
من كلِّ ظاعنةٍ أقامَ خيالُها / ومضَتْ تَروحُ بها الرِكابُ وتغتَدي
بَعُدتْ وخيَّم طيفُها في ناظري / من بعدها فكأنّها لم تَبْعُد
لمّا سَبقْتُ إلى الحمى وتَلاحَقُوا / صَحْبِي وهل لأسيرِ حُبٍّ مُفْتد
وقَفوا فكُلٌّ حَطّ فيه لثامَه / للصّبِ عن فَمِ عاذِلٍ ومُفَنّد
لِمَعاجِ نِضْوٍ في مَحل داثرٍ / ومَجلِّ طَرْفٍ في رسومٍ هُمّد
عَطِرٌ ثَراهُ على تَطاوُل عَهْده / بَمَجّرِ أذيالِ الحِسانِ الخُرَد
فلأتْرُكَنّ الجفْنَ فيه ماطراً / ما بين مُبرِقِ عُذّلِي والمُرعِد
ومُسهَّدٍ قال النّجومُ لطَرْفِه / هي عُقْبةٌ بيني وبينَك فارصُد
كم قد سَهِرْتُ وقَد رَقَدْتَ ليالياً / والآنَ قد أَعيَيْتُ فاسهر أرقُد
وعَدُوا الرّحيل غداً وليس بقاتلي / إلا وَفاؤهمُ بذاكَ المَوعِد
ونَوى الصّباحُ نوىً فقلتُ لقد دنا / يا ليلُ إسفارُ الصّباح فأمدِد
كم طُلْتِ لي فَذُمِمِت في زمنِ النّوى / يا ليلتي فالآن طُولي تُحْمَدي
تَدْري المليحةُ كم لنا في جِيدِها / بينَ القلائدِ من دَمٍ مُتَقلَّد
طاهَرْتِ بينَ طوائلٍ وطوائلٍ / وظَهرْتِ منها في حُلىً لم تُعْهَد
أفذاكِ جيدٌ من هِزَبْرٍ أغلب / يُجْليَ لنا أم من غَزالٍ أغيد
ودليلُ فَرسِكِ أن أشَرتِ بأنمُلٍ / مَخْضوبةٍ أظفارُها من أكْبُد
والحِبُّ إنْ يَغدِرْ بجارٍ لا يَخَفْ / عاراً وإن يقُتلْ قتيلاً لا يَد
ومَنِ امتطى ظَهْرَ الزّمانِ جَرَتْ به / غُلوَاءُ طاغٍ للعنانِ مُقلَّد
فارْبطْ له جأْشَ الصَبور لرَيْبه / ثَبْتاً وأمْهِلْ كُلَّ ريحٍ تَرْكُد
فالطّودُ يَهزأُ بالعواصف كلمّا / لَعِبتْ بخُوطِ البانةِ المُتأود
فانْهَدْ لقاصيةِ المَرامِ ولا تَقُلْ / حَصِراً إذا قامَ الحوادثُ فاقْعُد
واكنِزْ مَودّاتِ الكرامِ ذخيرةً / ولربّما طَنّتْ زُيوفٌ فانْقُد
وإذا أُتيحَ وللجُدودِ مَواهبٌ / لكَ من خلالِ الدّهر صُحبةُ أمجَد
فَرْدٍ يَسُدُّ مكانَ ألفٍ نَجْدةً / فبِخِنْصِرَيْكَ معاً عليه فاعْقِد
ولأرْيحيّات الشّبابِ وعَصْرِه / فُرَصٌ إذا هي أقبلَتْ فكأنْ قد
فأصِخْ لداعيةِ التّصابي عندَها / وعنِ النّصيحِ لخَرْقِ سَمْعكَ فاسْدُد
واقْرِ الهمومَ إذا طَرقْنك طَرْدها / لم يُقْرَ ضَيفُ الهمّ إن لم يُطْرَد
أما الزّمانُ فقد تَجدّدَ آنفاً / فإنِ استطعْتَ تَشبُّهاً فَتجَدّد
أهدَى الرّبيعُ لكلِّ قلبٍ طَرْبةً / وصبَا بِكلِّ صَرورةٍ مُتعبّد
فالروضُ مُفتَرُّ المباسمِ ما بِه / شَكْوى سوى نَفَسِ الصَّبا المُتَردِّد
والطّيرُ تَنطِقُ وَسْطَه بلُغاتِها / من كلِّ مِطْرابِ العَشِّي مُغَرِّد
يَدْعون والقُمْرِى يَخطُب بينها / غَلقاً بسَجْعٍ لا يَمَلُّ مُردَّد
يَعلو ذُؤابةَ منْبرٍ أَعوادُه / لِسوى خطابةِ ذاكَ لم تَتَعَوّد
ويُريكَ أعْلى الكِتْفِ وهْو مُزَيَّنٌ / منه بلَفّةِ طيلسانٍ أسْود
وكأنّما سادَ الطيورَ بأنْ غَدا / يَدعو لعَصْرِ القائمِ المُستَرشِد
وإذا نَظْرتَ إلى الحقائقِ لم تَجِدْ / ذا مَنْطقٍ لزمانه لم يَحْمَد
ما نِيطَ بعدَ الراشِدينَ خلافةٌ / يوماً بأهْدى منه قَطٌ وأرْشَد
مُستَرشدٌ باللهِ يُرشِدُ خَلْقَهُ / بضياء رأى في الخطوبِ مُسدَّد
ملأ الزّمانَ عُلا سوى ما حازَهُ / إرْثاً من المُستَظهِرِ بْنِ المُقْتَدى
فاقَ الجُدودَ وزانَهم فطريفُه / غُرَرٌ بها انتَقَبتْ جِباهُ المُتْلَد
مَلِكٌ رَبوبِيُّ الجَلالِ تَحفُّه / أنوارُ عُلْوِيِّ الخِلالِ مُؤَيَّد
ولذاكَ لمّا أن تَجلّى للعِدا / صَعِقوا بأوّلِ لَمْعةٍ لمُهَنّد
فأعادَ كلَّ شهابِ رُمْح واقِدٍ / أرْدَى شياطيناً ولمّا يَخْمُد
ما كان مَتْنُ الأرضِ يَثْبُتُ عندَها / لو قال ثانيةً لوَطْأتِه اشْدُدِي
إحدى عظيماتِ الزّمانِ مُلِمّةٌ / ذِيدَتْ عنِ الإسلام بعدَ تَوَرُّد
رفَع الحِجابَ لها الخليفةُ رفْعةً / والسّيفُ لولا سَلُّه لم يُغْمَد
سيفٌ يَدُ اللهِ انتضَتْهُ لدينه / غصباً على عنق العدو المعتدى
إلى الحسام نظرت حين عصبته / تعساً لرأيك أم إلى المتقلد
خَطّافُ هامِ عِداهُ قِدْماً مُغمَداً / فاليوم كيف تراه بعد تجرد
قد سار في جندين جند قبائل / صُبُرٍ وجند للسماء مجنَّد
من حيثُ زارَتْ سودُ أعلامٍ له / دارَتْ ببِيضٍ في الكَريهة حُشَّد
كالعَينِ كيف رَمتْ بطَرْفٍ إنّما / يَعْتادُ أبيضُها اتِّباع الأسْود
مَجْرٍ يَشُدُّ نِقابَهُ وجْهُ الضُّحى / إن جَرَّ فاضِلَ ذيلِه في الفَدْفَد
تبدِي شعارَ الحق فيه سُيوفُهم / من كلِّ أبيضَ بالقِرابِ مُسَوّد
فإذا نَضا عن مَتْنتَيهِ سَوادَهُ / لِيُجِيبَ دَعْوةَ صارخٍ مُستَنْجِد
يَعْتاده خَجَلٌ لذاكَ فما يُرَى / في الرَوْعِ منه الخَدُّ غيرَ مُوَرَّد
ولوِ استَطاعَتْ بِيضُهُ لتَسرْبلَتْ / بِدَمِ العِدا من قَبْلِ خَلْعِ الأغْمد
ومنَ الأعاجيبِ اللّواتي مِثْلُها / من قبلِ عَهْدِ جِلادِه لم يَعْهَد
بِيضٌ منَ الأحداقِ في سودٍ من ال / أجفانِ إنْ تَلْمَحْ رؤوساً تَرْمَد
ملأتْ له الآفاقَ نوراً غُرّةٌ / كالبدر وهْو بجنْحِ لَيلٍ مُرتَد
وغدا الظُّبىَ والهامَ حين عَرفْنَه / مِن رُكّعٍ صَلَتْ إليه وسُجَّد
والشمسُ فرْطُ سَناهُ أرمَدَ عَينَها / فكحَلْنَها أيدي الجيادِ بإثْمِد
غُرٌّ فَوارسُها وأوْجُهها معاً / من كُلِّ مُنْجَردٍ وطِرْفٍ أجْرَد
سَهِرَ العِدا من خَوْفهم فتجَشَّموا / تَصبيحَ أعيُنهم برَشْقٍ مُرْقِد
فكأنّ أسهُمَهم طوائفُ من كرىً / غَشِيَتْ معَ الإصباحِ كُلَّ مُسهَّد
فَهناكَ فَتْحٌ عاجِلٌ قَسَم العِدا / قِسمَيْنِ بينَ مُصَرَّعٍ ومُشَرَّد
لا تُسْمِ حَيَّ عِداكَ حَيّاً خائفاً / بل مُلْحِداً من ثَوْبِه في مُلْحَد
مَيْتاً يُعذَّبُ واللّظَى في قَلْبهِ / إن أنت لم تَرْحَمْ ولم تَتَغمَّد
إن كان غاب الدِّينِ أصحَرَ لَيْثُه / وتَكلَّفَ الأيّامَ ما لم تَعْتَد
فأبانَ عن نابٍ لأكْلُبِ فتنة / لولا مِطالُ الحِلْمِ لم تَستأسِد
وكفىَ خيالٌ في الكرى من خَيلِه / رَمْياً لشَمْلِ لَفيفِهم بتَبَدُّد
فلقد سَنَنْتَ الغَزْو سُنّةَ مَنْ مَضَى / لبنى الهُدَى فشَهِدْتَ أوّلَ مَشْهَد
والأرضُ مُحترقٌ تضاءَل شَخْصُه / لِيُعادَ بَدْرٌ في قُراه كما بُدى
والدّهرُ مُجتازٌ ولا بُدَّ له / في كُلِّ يومٍ من جديد تَزَوُّد
والكُفْرُ كُفْرانُ الإمامِ وسَلّةٌ / بخِلافِه للسّيفِ من مُتَمَرّد
فجزاكَ رَبُكَ يا خليفةَ أحمدٍ / عَمَّا نظَمْتَ به خِلافةَ أحمَدِ
أصبحتَ بالقُرآن فيهم حاكماً / والقومُ أمَسوا بالقُرآنِ بمَرْصَد
وأبَى جَلالُك أن تُؤامِرَ أنجُماً / من غيرِ صُنْعِكَ في مُلمٍّ مُوئد
فبنَيْتَ من نَقْعٍ سماءً مِلْؤها / شُهُبُ الأسنّةِ كالذُّبالِ المُوقَد
شُهُبٌ طَلعْنَ على العَدّوِّ بأنْحُسٍ / قَتّالةٍ وعلى الولِيّ بأسْعُد
أسبَغْتَ ظِلَّ العَدْلِ غيرَ مُقَلَّصٍ / وسقَيْتَ ماءَ الخَفْضِ غيرَ مُصرَّد
وأسَلتْ أوديةَ النّوالِ فلم تَدعْ / لِسوى حَسودِكَ غُلّةً لم تَبْرُد
والأرضُ تَذْكرُ ظَمأتَيْنِ شَكتْهما / في سالفٍ من عَهْدِها ومُجَدِّد
ظّمِئَتْ إلى ماءِ السّماءِ جديبةً / أيامَ أصبَحتِ الخلافةُ في عَدِي
وإلى صَبيبِ دماءِ أعداءِ الهُدى / في عَصْرِكَ التاحَتْ فقلتَ لها رِدي
فمطَرْتَها هاماً متى ماتُحصِها / معَ قَطْرِ ذاك اليومِ تُوفِ وتَزددَ
فَسلِ البسيطةَ أيُّ يَومَيْ سَقْيها / أشفَى إذنْ لِغَليلِها المُتَوقّد
وعلى مناكِبها إذا هي قايَستْ / لأبيكَ أو لكَ حَمْلُ شُكْرٍ أزْيد
يا وارثَ البُرْدِ المُجَرَّرِ ذَيْلُه / في ليلة المِعراجِ فوقَ الفَرقَد
ومُعوِدّاً يَدَهُ التَخَصُّرَ بالّذي / أمسى قَطيعَ مَنِ البُراقُ به حُدي
سَلَبا هُدىُ عَبَقُ النُبوةِ فيهما / من كَفّ خيرِ الأنبياء مُحَمّد
فإذا ادّرَعْتَ بذاكَ ثُمّ هَززْتَ ذا / قَطعْتَ جانحةَ الغَويّ المُلْحد
فافْخَرْ فأيُّ مُدَجَّج من عِصْمةٍ / أصَبحْتَ في حَرْبِ الزّمانِ الأنكد
أبني شَفيع القَطْرِ صِنْوِ أبي شَفي / عِ الحَشْرِ لا زلتُم عِمادَ السؤدَد
مِن أهلِ بيتِ شفاعتَينِ أُعدّتا / لليومِ واحدةٌ وأُخرَى للغَد
هذا ابنُ عَمِّكمُ الذي أضحَتْ له / فُرَجُ الأناملِ مَنْهلاً للوُرَّد
وكذا كَليمُ اللهِ ضربةُ كَفّهِ / بعَصاهُ شَقّتْ أعيُناً في الجَلْمَد
وأبوكُمُ رفَع اليَدينِ بدَعْوةٍ / فجَرى لها الوادي بسَيْلٍ مُزْبد
فَتناسبَ الغاياتُ من آياتهم / كلٌّ غدا ماءً يُصوِّبُ من يد
يا ماجِداً قَرَن الكمالَ بمَجْده / كَرَمَ التُقَى بكريمِ ذاكَ المَحْتِد
المُلك قد أضحى حمىً لك فارْعَه / والأرضُ عادَتْ جَنّةٌ بكَ فاخْلُد
طَلعتْ نجومُ الدينِ فوق الفرقدِ
طَلعتْ نجومُ الدينِ فوق الفرقدِ / بمُحمّدٍ ومحمّدٍ ومحمّدِ
بِنَبِيِّنا الهادي وسلطان الورى / ووزيره القرمِ الكريم المَحتِد
سَعْدانِ للأفلاكِ يَكتْنفانِها / والدّينُ تَكنفُهُ ثلاثةُ أسْعُد
هو قد بنى وهُما معاً قد شَيّدا / وتَمامُ كلِّ مُؤسسٍ بِمُشَيّد
بكتابِ ذا وبسيفِ ذا وبرأيِ ذا / نُظِمَتْ أمورُ الدّينِ بعد تَبَدُّد
بدلائلٍ ومنَاصِلٍ وشمائل / ورَدتْ بها الآمالُ أعذبَ مَوْرِد
حُجَجٌ ثلاثٌ للشّريعةِ أصبحَتْ / يُهْدَي إليها كُلُّ مَنْ لم يَهْتَد
فالمُعجِزاتُ لمُقْتَدٍ والباترا / تُ لمُعْتدٍ والمكرماتُ لمُجْتَد
جُمِعَتْ ثلاثةُ أسْمياءَ لدولةٍ / بُنَيتْ على كَبْتِ العِدا والحُسَّد
مَن لم يكن لهَوى الثلاثةِ مُخْلصاً / لم نُسْمِه إلا بطاغٍ مُلْحِد
وكفَى بهذا الاتّحادِ دِلالةً / تَقْضِي إذا وضَحتْ لكُلِّ مُوحِّدِ
ببقَاءِ سلطانِ الورى ووزيرهِ / ألفَيْنِ في مُلكٍ يدومُ مُمَهَّد
ودوامِ بهجةِ جَمْعِ شَمْلهما الّذي / منه الهُدى في ظِلّ عِزٍّ سَرْمَد
اللهِ صَدْرُ زمانِه من ماجدٍ / مَلِكٍ أغَرَّ من الأكارِم أصْيَد
مَولَى الورى مأوى العُلا مُفنِي العدا / مُحيِي الهدى بَحْرُ النّدىَ بدرُ الندي
سَهْلُ الخلائقِ للفضائلِ مَجْمَعٌ / يَحْوِي العلاء وللأفاضِلِ مقْصد
يُردي عِداه بسيفِ بأسٍ مُصْلَتٍ / يُفِري الطُّلى وبسيفِ كَيْدٍ مُغْمَد
فَسلِ الوِزارةَ هل رعاها مثلة / في سالف الأيام والمتجَدِّد
وهل للوزارة غير واحدة غدت / منه وقد نزلت بساحة أوحد
دانَتْ له الدّنيا فَسدّدَ رأيُه / من أمِها ما كان غيرَ مُسَدَّد
مَلِكٌ إذا بَرقَتْ أسِرّةُ وجهِه / جلَتِ الدُّجى بضيائها المُتَوقِّد
خلتِ الدّيارُ وكان قبل خُلُوِّها / مِمّنْ تفرَّد بالعُلا والسُّؤْدَد
اللهُ أيّده ومَن يُضْمِرْ تُقىً / للهِ في رَعْيِ العبادِ يُؤيَّد
ففَداهُ في الأقوامِ كلُّ مُقَصرٍ / يَسْعى إلى نَيْلِ العَلاء بمُسْعِد
كالطّيفِ حَظُّ العين فيهِ وافرٌ / لكنّه لاحَظَّ فيه لليَد
يُمسي ويُصبح جالساً في مُسْندٍ / وكأنّما هو صورةٌ في المَسْنَد
فَلَكَ الثرّيا رِفعةً وله الثَرى / واللهُ في قِسْمِ الورى لا يَعْتدي
فلْيشكُرِ السلطانُ دام جلالُه / ما قد رَعْيتَ لمُلْكهِ وليَحْمَد
خاطَرتَ بالنفسِ النّفيسةِ دُونَه / حتّى تَمَهَّد فوق كُلِّ تَمَهُّد
والأرضُ لا يَغْدو خَطيرَ ملُوكها / إلا المُخاطِرُ في المُلِمِّ المُوئد
بك تَسلَمُ الدُّنيا ويَسَعَدُ أهلُها / فاسلمْ لها يا ابنَ الأكارمِ واسْعَد
أمُبَلِّغي ما قد رَجَوْتُ ولم أسَلْ / ما لو غَدوتَ مُحكِمي لم يَزدَد
من قبلِ أن مَلأ السؤال به فَمي / أضحَى وقد مَلأ النّوالُ به يَدي
بلَّغتَني مَهما قَصدتُ وَزِدتَسني / فوق المُنى فَبلغت ما لم أقصد
وأنلتني ما قد عَهِدْتُ من اللهّا / وأفَدْتني منهُنَ ما لم أعهَد
لم يَبْقَ من نُعماكَ إلا خَصْلةٌ / هي أخلفَتْ عند القوافي مَوْعِدي
إنّي نَشْدتُ لدى ذُراكَ مقاصِدي / فوجَدْتها وقصيدتي لم تُنشَد
فلئن شَكْرتُ لتَشْكُوَنَّ لما بها / من خَجلْةِ المُتأخِّرِ المُتَبلِّد
ومدائحي تَشْأي الرياحَ إذا جَرتْ / في كُلّ نَشْزٍ للبلادِ وفَدْفَد
مِمّا إذا أصغَى الأفاضلُ نحْوه / سَبقَتْ قَوافيه لسانَ المُنْشِد
أبداً تظَلُ قصائدي مَسبوقةً / بَمقاصِدي في شَوطِ جُودِك فاقْصِد
وقصائدي الغُرُّ المُحَجّلةُ التي / أبداً تَخُبُّ بمُتْهمٍ وبمُنجد
جُهِدتْ وبَذَّتْها بَديهةُ خاطِرٍ / جاز المدى كَرماً ولمّا يجهد
كم في الأكابرِ لي لوِ اعتَرفوا لها / بالفَضْلِ حُبّاً للثّناءِ المُخْلِدِ
من مِدْحةٍ للفَخْرِ مُورِثةٍ إذا / نَفِدَ الّذي أسنَوا بها لم تَنْفَد
فِقَرٌ تَظَلُّ حُداءَ كلِّ مَطيّةٍ / لمُعرِّضٍ وغناءُ كُلِّ مُغَرِّد
هم أكرموني فانتحلتُ مديحَهم / مَن يَحتَبِلْني بالكرامةِ يَصطَد
يا أشرف الوزراء دعْوةَ جامعٍ / في الوُدِّ بينَ طريفِهِ والمُتْلد
أفدِيكَ من صَرْفِ الرَّدى يا مَنْ به / وبجُوده من صَرْفِ دَهْرِيَ أفتَدي
مِن باسطٍ يَدَهُ إليَّ بسَيْبه / يَغْدو على حَربِ الحوادثِ مُنْجِدي
إن جِئْتُ قاصِدَه حُبِيتُ وإنْ أُقِمْ / عنه لعُذْرٍ فالمواهبُ قُصَّدي
وإذا بَعُدْتُ دنَتْ إليّ هِباتُه / وصِلاتُه فكأنني لم أبْعُد
دُمْ دِيمةً لبني الرّجاء مُقميةً / يا ذا الأيادي البادياتِ العُوَّد
واقْسِمْ زمانَك بين مُلْكٍ قاهِرٍ / تَرْعَى الأنامَ به وعَيْشٍ أرغَد
فكِفايةُ اللهِ التي عُوِّدْتَها / تُفْنِي العَدُوَّ بها وإن لم تَقْصِد
أمّا الحسودُ فحيثُ يَسمَعُ مِدْحتي / يَلْقَى الرُّواةَ لها بوجْهٍ أربَد
فِلمِقوْلي في قلبِ كُل مُعانِد / تأثيرُ مصْقولِ الغِرارِ مهند
أنا سيفُك الماضي لإرغامِ العِدا / يومَ الفَخارِ فحَلِّني وتَقلد
زرعتْ مُنايَ لدى عُلاك مَطالباً / شتّى فأمِدِدْني برأيْك أحصُد
والدّهرُ أرجَفَ بارتِجاعِكَ مِنْحةً / بدأتْ فَكذِبهُ بعَودٍ أحمَد
ولقد فعلْتَ فَدُمْ كذلك مُنْعماً / أبداً تُعيدُ صنيعةً أو تَبْتَدي
وتَجدَّد العامُ الذي وافَى وقد / أبلَيْتَ ملبوسَ الزّمانِ فَجَدِّد
صُمْ ألفَ عامٍ في ظلالِ سعادةٍ / ولأَلْفِ عيدٍ بالميامِنِ عَيِّد
بِيضٌ طَوالعُ من خيامٍ سُود
بِيضٌ طَوالعُ من خيامٍ سُود / رُفِعَتْ لطَرْفِك من أقاصي البِيدِ
لو مُزِّقَتْ لرقَعْنَها بذَوائبٍ / أو قُوَضَتْ لدعَمْنَها بقُدود
خِيَمٌ تَرى إن زُرتَها بفِنائها / آثارَ جَرِّ قناً وجَرِّ بُرود
تَلقَى أُسودَ الغِيلِ بين عِراصِها / صَرْعَى لأحداقِ الظِباءِ الغِيد
سَكْرَى اللّواحظِ ما يُفِقْنَ من الصِّبا / من كُلِّ هيفاءِ المُوَشَّحِ روُد
مَكْحولةٌ بالسِحْرِ منها مُقلةٌ / كُحِلَتْ لها عَيْنايَ بالتَسهيد
خالَسْنَ تسليمَ الوَداعِ وقد هَفا / بالرَكْبِ شَجْوُ السائقِ الغِرّيد
وتَنافَسَتْ أنفاسُها وشُؤونُها / فَنَثَرْنَ دُرَّىْ أدمُعٍ وعُقود
وكأنّهُنّ نَزعْنَ من أجيادِها / تلك العقودَ ونُطْنَها بخُدود
ومُعذَّبٌ لا البُعْدُ يُسليهِ ولا / في القُرْبِ منك تَجودُ بالموعود
فإذا نأَى أمَسى أسير صَبابةٍ / وإذا دنا أضحَى قَتيل صُدود
عجَباً من الطَّيفِ المُلِمِّ بفتْيةٍ / شُعْثٍ بأطرافِ الفلاةِ هُجود
والصبْحُ أوّلَ ما تَنفّسَ طالعاً / والليّلُ مِثْلُ حُشاشةِ المَجْهود
يُدْني مَزارَك والمهامِهُ دُونَه / ليس البعيدُ على المُنى ببَعيد
يا ليلةً طَرِب الفؤادُ لِذكْرِها / إن كنتِ مُسعِدةَ المَشوقِ فَعُودي
أنا مَن عَهِدْتِ وإن لَقِيتُ حوادثاً / حالَ الزّمانُ بها عنِ المَعْهود
في كلِّ يومٍ أستَجِدُّ مَطامِعاً / يأبَيْنَ عن دارِ الهَوانِ شُرودي
والرّأسُ قد طالَ اشتِعالُ مَشيبِه / منّى وآن له أوانُ خُمود
والشِّعْرُ مثْلُ الشَّعْرِ ليس بمنكَرِ التْ / تَبْيِيضِ بعدَ تَقَدُّمِ التّسْويد
ولَوِ انجَلَتْ عنّى غَيابةُ ناظري / لرأيتُ مَوضِعَ رُشْدِيَ المَنْشود
وزَهِدْتُ في دُنيا تَشُحُّ بنَيْلِها / وإذا سَخَتْ لم تُولِ غيرَ زهيد
وقَطَعتُ في طَلَبِ النّجاةِ عَلائقي / وأرى مَضاءَ السّيفِ في التّجْريد
مالي أُنافسُ كلَّ ناقصِ مَعْشَرٍ / يَزْورُّ دونَ الفَضْلِ ثانيَ جِيد
يُزْهى بصَدْرٍ حَلَّه من مجْلسٍ / أقْصِرْ فلستَ عليه بالمَحْسود
لو كان بالفَضْلِ التّقدُّمُ يُقْتَنى / ما كان لا في أوّلِ التَّوحيد
ولقد أطَعْتُ كما عَصيْتُ عَواذِلي / فغَنيِنَ عن عَذَلي وعن تَفْنيدي
وحَللْتُ من عُقْلِ المَطّيِ مُشيحةً / وشَددْتُ فوق سِراعهنّ قُتودي
في غلْمةٍ ذرعَتْ بهم عَرْضَ الفَلا / هُوجٌ تَلُفُّ تَهائماً بنُجود
وإلى صَفىِ الدّولةِ اصسطحَبا معاً / وَفْدان وَفْدُ عُلاً ووفْدُ سُعود
العيدُ والركْبُ الذين دنَتْ بهِم / من نُورِ غُرَّته بَناتُ العيد
فأتَوْه والمَسعودُ وافِدُ مَعْشَرٍ / قَدِمَ الرَّجاءُ بهِ على مَسْعود
أمسَوا وفوداً مُعتفِينَ وأصبحوا / من سَيْبِه وهُمُ مُناخُ وُفود
واستَمطَروا سُحُبَ المواهبِ من يَدِ / بَيضاءَ صِيغَتْ للنَدى والجُود
فَلْيَهنِه عِيدانِ أمَّا بَيتُه / من كُلِّ عيدٍ قد ألمَّ سعيد
عَجميُّ عِيدٍ تابِعٌ عَربيَّهُ / من بَعْدِ شَهْرٍ كاملٍ مَعْدود
مَلِكٌ جُيوشُ النّصرِ حيث سَما له / يسْرِين تحت لوائه المَعْقود
وإذا أزار الأرضَ جُنْداً أيقنَتْ / أنّ السّماءَ تُمِدُّه بجُنود
وإذا تَجّهَم فيه سِرُّ ضمائرٍ / ألقَى إليه سَناهُ سِرَّ غُمود
أمّا الخلافةُ فَهْي تَأْوِى عِزّةً / منه إلى رُكنٍ يَتيهُ شَديد
وَرِثَ السّيادةَ كابِراً عن كابِرٍ / فَسما بِمجْدٍ طارِفٍ وتَليد
لا كالّذي قَعَدتْ به أجدادُه / لُؤْماً وأنْهَضه اتِفّاقُ جُدود
أوفَيْتَ تاجَ الحَضْرتَيْنِ بهِمّةٍ / قطَعَتْ نياطَ الحاسدِ المَكْبود
ونَظمْتَ شَمْلَ المُلْكِ بعد شَتاتَهِ / وشَبْبتَ نارَ الجُودِ غِبَّ هُمود
وقَمعْتَ أعداءَ الهُدى فتَطأْطَأَتْ / أعناقُهم من قائمٍ وحَصيد
وقَهرْتَهم بعُلُوِّ جَدِّك كلَّهم / ومن العَناءِ عَداوةُ المَجْدود
ورفَعْتَ أعلامَ العلومِ فأهْلُها / يَغْشَوْن ظِلَّ رِواقِك المَمْدود
وألَوكَ من سِرّ القلوبِ وأوجَبوا / بالاجتهادِ هَواك لا التَقْليد
ورأوْك أكبرَ هِمّةً فَتَزاحَموا / من حَولِ حَوضِ نَوالِك المَوْرود
وإذا وجَدْتُ البحرَ كان مُحرَّماً / أن يُستباحَ تَيمُّمٌ بصَعيد
ولْيَهنِكَ المتَجدّدِان تَتابَعَتْ / بُشْراهُما بالنّصْرِ والتّأييد
عِيدانِ مِن عيدٍ أظَلّ مُبَشّرٍ / سَعْدٍ ومِن عَقْدٍ عقَدْتَ جَديد
رَصّعْتَ تاجَ عُلاكَ منه بدرَّةٍ / أعْيَتْ على هِمَم المُلوكِ الصِّيد
شَرَفيّة شَهدَتٌ علي خَلَفِيّةٍ / تَنْمِى على الإحصاء والتّعديد
فتَهنَّها نِعَماً تَفيضُ على الفتى / بينَ الأماثلِ بُردةَ المَحْسود
فاللهَ أسألُ أن يَزيدَكَ رِفْعةً / مادامَ يُوجَدُ مَوضِعٌ لمَزيد
حتّى إذا امتَنع المَزيدُ تَناهِياً / ألقَى المراسِيَ في قَرارِ خُلود
بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي
بَكَر العواذِلُ أَنْ رأيْنَ خَصاصتي / يُسْرِفْنَ في عَذَلي وفي تَفْنيدي
ويُشِرْنَ بالتَّطوافِ في طَلَبِ الغِنى / ويُسِمْنَ قَطْعَ تهائمٍ ونُجود
والبحرُ لي جارٌ فلِمْ أَطْوي الفَلا / حتى أَنالَ تَيمُّماً بصَعيد
هذا وليّ الدين وابْنُ زعيمه / قصْدي له دونَ الورى وقَصيدي
فاثْنِ العِنانَ إلى رحيبِ فِنائه / من دونِ أَفنيةِ الملوكِ الصِّيد
كم طارقينَ وما طَريقُ فتىً إلى / ناديهِ يومَ نَداهُ بالمَسْدود
أَمسَوا وفوداً في ذُراه وأصبحوا / من سَيْبهِ وهمُ مُناخُ وفود
حامي الحقيقةِ قد أَوى دينُ الهدى / منه إلى رُكنٍ أَعزَّ شديد
والدولةُ الغّراءُ لائذةٌ به / في كلُ يومِ حفيظةٍ مَشْهود
يا كاسِباً شَرفَ العلاء ووارِثاً / هُنّئْتَ وَصْلَك طارفاً بتَليد
فلقد سَمْوتَ بهِمّةٍ عُلْوِيّةٍ / قطَعتْ نِياطَ الحاسِد المَكْبود
أَوسَعْت أَهل الفَضْلِ إفْضالاَ فقد / ظَفِروا بعَيشٍ من نَداك رغيد
ففَداك مَنْ بارَى عُلاك ونَقْصُه / وصْفاً لفَضْلِك ليس بالمَحْدود
ورَعاك مَنْ أَعْلَى مَحلَّك فاعتلَى / فوق النجومِ برغْمِ كلِّ حَسود
من رُكنِ مَجْدٍ شَيّدتْهُ يَدُ العُلا / بندىً وبأسٍ أَيّما تَشْييد
عَشِقَ النّدى والجُود في عَهْدِ الصِّبا / فمَلامُه في ذاك غيرُ مُفيد
وعَطاؤه شَرفٌ تَعوَّدَهُ وما / شَرفٌ سِواهُ في الفتى بحَميد
مُتناصِفُ الآدابِ يَمْشُقُ دائماً / لبياضِ قرطاسٍ سَوادَ كُبود
يَستَخْدِمُ الأسيافَ والأرماحَ وال / أَقلامَ كاستخدامِه لِعَبيد
يُمناهُ محرابٌ إليه صَلاتُها / من طاعةٍ لكَماله المَعْبود
بِيضٌ قيامٌ خلْفَ سُمْرٍ رُكَّعٍ / طعْناً ورُقشٌ بالجباهِ سُجود
لكنْ يُؤدّي السّيفُ فَرْضَ صَلاتِه / بتَمامِ أَركانٍ له وحُدود
فيقومُ في يَدِه ويَركعُ في الطُّلَى / ضَرْباً ويَسجُدُ في الصَّفا المخْدود
يا ذا الذي ما افَترَّ خُوزِستانُ عن / مِثْلٍ له يومَ النَّدى ونَديد
لي منك مولىً وابنُ مَولىً لم أَزلْ / منه أَخُصُّ بنَيْلِ كُلِّ مَزيد
ما زِلْتُ من لُبْسي لتَشْريفاتِه / مُتتابِعَ الإبلاءِ والتّجْديد
كم قِيدَ منه إليّ كلُّ مُطَهَّمٍ / نَهْدٍ كَقَصْرٍ أعتَليهِ مَشيد
من أَشقَرٍ يَبْدو كخدّ خَريدةٍ / خَجِلَتْ فما زادتْ سوى تَوْريد
أَو من كُمَيْتٍ كالكُمَيْتِ مُشارِكٍ / في لَونِه لسَمِيّهِ القِنْديد
أَوأَدْهمٍ كالليّلِ إلاّ غُرَّةً / كالصبحِ شَقّتْ جُنْحَه بعَمود
أَو أَشهبٍ كالصُّبحِ إلاَّ ناظراً / كاللّيلِ تَشْبيهاً بلا تَبْعيد
أَو أَصفرٍ في اللّونِ دينارٌ وفي / تَقْويمهِ مئةٌ بلا تعْديد
أَو آبَنوسِيِّ الجوانبِ أَبلَقٍ / في الخيلِ لا يُؤْتَى له بنَديد
كالسّيفِ في غِمْدٍ تَخرَّق يَغْتدى / لا كلّ مَسْلولٍ ولا مَغْمود
فالطَّرْفُ منه يَجولُ لاستِحسانهِ / ويحَارُ في التّصويبِ والتّصْعيد
كنتُ المخيَّر في لُهاه هكذا / من أَين قُدْتُ نَداهُ كان مَقودي
عَهْدي كذاك مضَى بجَزْلِ نَوالِه / والدّهرُ مَعْروفٌ بنَقْضِ عُهود
يَسْقي ثَراهُ كجُودِ كَفِّك يا ابنَه / غَيْثٌ عطاياهُ بلا تَصْريد
وبَقِيتَ في الدّنيا تَدومُ كذِكْرِه / فالِذّكْرُ للماضي خُلوصُ خُلود
واعذِرْ إنِ استَرسلتُ طالبَ بِغيةٍ / من حيث طالَ لمِثْلِها تَعْويدي
ولقد سَئمْتُ من المُقامِ بمَوطنٍ / مُتَطاوِلَ التَكْديرِ والتَنْكيد
ولقد حننت إلى العراق ومن به / كحنين ظمآن إليه مرود
شوقاً إلى دارِ الخلافةٍ إنّما / لَثمِي ثَراها مُنتَهى مَقْصودي
والمجلسِ الاعَلى لسلطانِ الورى / فمتى يكونُ تُرى عليه وُفودي
وكذا إلى المَولَى الوزيرِ المُرتَجى / تاجٍ عَلادينَ الإلهِ عَقيد
صَدْرٌ له الإسلام قلبٌ تَنْطوِي ال / أحشاءُ منه على التُّقَى والجود
لم يَرْمِ إلاّ رَمْيةً من رَأيهِ الدْ / دُنيا بسهْمٍ قد أصابَ سَديد
حتّى تَتابَعَتِ الفُتوحُ تَتابُعاً / من يُمْنِه ومُقامه المَحْمود
شَردَتْ جُموعُ المارِقينَ مهابةً / وأوَى إلى الأوطانِ كلُّ شَريد
أزِفَ الرّحيلُ ومِن وَداعِ أحبّتي / لم يَبْقَ إلاّ نَظْرةَ التّزويد
وعزيمتي طَيُّ الفلاةِ ومَرْكبِي / من آل أخدَر لا العتاقِ القُود
من آلِ أعوجَ ليسَ مَرْكوبي ولا / من آل أرحبَ نِسبةً والعِيد
فاخلُفْ أبَاك بقَوْدِ طِرْفٍ واغْتنِمْ / تأسيسَ مَجْدٍ تبتنيهِ جَديد
فَلَوَ انّ غيْرَك كان لم أسْتَهْدهِ / لكنْ لماءٍ قد ألِفْتُ وُرودي
وأضاءه ابنُ ذُكاءً أيضاً نُورَها / هو مِن ذُكاءَ يُعَدُّ غيرَ بَعيد
أَحكي الحَمامَ مُطَوَّقاً بنَوالِ مَن / ما خاطري لجَميلهِ بكَنود
أُثْنِي كما يَشْدو الحَمامُ مُغَرِّداً / مُتقابِلَ التّطويقِ بالتَغْريد
دُمْ للعُلا في ظِلّ أشْرفِ دَوْلَةٍ / مَوْصولةِ التأييدِ بالتَّأْييد
لِمَنِ الرّكائبُ سَيْرُهُنّ تَهادِ
لِمَنِ الرّكائبُ سَيْرُهُنّ تَهادِ / مِيلٌ مَسامِعُهنّ نحوَ الحادي
يَطلُعْنَ من شَرفِ العُذَيبِ وهُنّ من / جذْبِ الأزِمّةِ سامِياتُ هَواد
يحدو بهنَّ معَ الصّباحِ مُغَرِدٌ / طرِبٌ يُناجِي بالهوى ويُنادي
ما زال يَنْظِمُهنّ في سِلْكِ البُرى / حتّى تَوشّحَهُنّ بَطْنُ الوادي
فغَدتْ تَجوبُ البِيدَ من تحت الدُّجَى / ذُلُلاَ يَسِرْنَ مَوائَر الأعضاد
والبِيضُ في الأحداجِ فوق متُونِها / مَحْجوبةٌ كالبِيضِ في الأغماد
فإذا اختلَسْنَ بها الخُطا أسمَعْنَنا / زَجَلَ الحُلِيِّ لَهُنّ في الأجياد
فيهنّ لُبْنَي لم تُقَضِّ لُبانتي / منها وسُعْدَى ما رأَتْ إسعادي
رحلُوَا أمامَ الرّكبِ نَشْرُ عَبيرِهم / ووراءهم نفَسُ المشوقِ الصّادي
فكأنّ هذا من وراء رِكابِهم / حادٍ لها وكأنّ ذلكَ هاد
للّهِ مَوقفُ ساعةٍ يومَ النّوى / بمِنَى وأقمارُ الخُدورِ بَواد
لمّا تبِعْتُ وللمُشِيِّعِ غايةٌ / أظعانَهم وقد امتلَكْنَ فُؤادي
أَتبعْتُهم عَينْي وقلبي واقِفاً / فوق الثَّنيّةِ والمَطِيُّ غَواد
حتىّ بَعُدْنَ فعادَ عنهم ناظري / وأبَى الصّبابةُ أن يَعودَ فؤادي
أمّا وقد كلّفُتموهُ راغِماً / سَفَرَ الفراقِ فعَلِّلوهُ بِزاد
فلقد جَزِعْتُ لأنْ أقَمتُ وسِرْتُمُ / جزَعَ العليلِ لوثْبةِ العُوّاد
كيف السّبيلُ إلى التَّلاقي بعدما / ضربَ الغَيورُ عليه بالأسداد
والحيُّ قد رَكَزوا الرِّماحَ بمنزلٍ / فيه الظّباءُ ربائبُ الآساد
وعَد المُنَى بِهمُ فقلتُ لصاحبي / كم دونَ ذلك من عِداً وَعَواد
عَهْدِي بهم وهم بِوَجْرةَ جِيرةٌ / سُقِيَتْ عُهودُهمُ بصَوْبِ عِهاد
فاليومَ من نَفَسِ النّسيمِ إذا سرَى / تبْغِي شِفاءَ غلائلِ الأكباد
يا مُظهرِين لبَعْضِ ما يُخْفى لهم / بُعْدُ النّوى من خِلّةٍ ووِداد
لا تَدَّعوا شوقاً إليّ ولم يدعْ / منّي الغرامُ سوى مِثالٍ باد
إن تذْكروني تُبصروني عندَكُم / ولَوَ انَّ دُوني صَرْفَ كلِّ بِعاد
وكفَى الخيالُ مطيّةً تَسّرِي به / تغْميضةٌ من ناظرٍ لرُقاد
أمّا الخَليُّ فليس عِبْءَ جُفونِه / سَهَرِي فيَجزعَ إن أقَضَّ مِهادي
ماذا عليه أن يَبيتَ مُتيَّمٌ / مَكْحولةً أجفانُه بِسُهاد
دنِفٌ حشا نارَ الجَوى أحشاءَه / للوجْدِ مُذْ سَعِدَ النّوَى بسُعاد
جلَب المَشيبَ هُمومُه فتَرى له / أثَرَ الفؤادِ يلوحُ في الأفواد
شابَ المَفارِقُ للمُفارقِ حُرْقةً / مُذْ بَدَّل الإدناءَ بالإبْعاد
صَدعوا سَوادَيْ فَوْدِه وفُؤادِه / فانجابَ عنه ومنه كلُّ سواد
وكأنّما أحبابُه وشبابُه / رَحَلا غداتَئِذٍ على مِيعاد
يا حَبّذا عُقَبُ الزّمانِ إليهمُ / قبل المَعادِ لئن سخَتْ بمَعاد
أهُوَ التقاءُ أحِبّةٍ بحبائبٍ / أم ردُّ أرواحٍ إلى أجساد
إنّي ليُطْرِبُني الحَمامُ إليهمُ / مُتَرنِّماً في غُصْنِه المَيّاد
ويشوقُني بَرْقُ الحِمَى بوميضِه / حتّى يبُلَّ الدّمْعُ ثِنْىَ نِجادي
وكأنّ عُذّالي إذا ذكَروا الحِمَى / تأْتِي حشايَ بقادحٍ وزِناد
إنّي لأعلَمُ حين أَحلُمُ أنَّني / لاقي مُصافٍ مَرّةً ومُصاد
ولكَم ذَوِي بَغْيٍ كرَهْطِ مُهَلْهِلٍ / أنظرْتُهم كالحارِث بْنِ عُباد
وبذلْتُ جُهْدِي في ارتيادِ تَصادُقٍ / فأبَوا به إلاّ ازديادَ تعاد
وغدوْت كالشّاري بشِسْعٍ نفْسَه / لمّا خطبْتُ صلاحَهم بفَسادي
والمرءُ ليس يَظلُّ خادعَ نفْسِه / حتّى يكونَ مُصادِقاً لِمُعاد
اِلْقَ الزّمانَ بما يُناسِبُ طبْعَه / فأخو العَناءِ مُقوِّمُ المُنْآد
ومتى أردْتَ سَدادَ دَهْرٍ أعْوَجٍ / كان الطّريقَ لِفَوْتِ كلِّ مُراد
عِدْني بإسعادٍ فأمّا أينُقِي / يا صاح فهْي تَعِدْنَ بالإسْآد
كيف المُقامُ ببلدةٍ يَغْدو بها / خوْفُ الهَوانِ مُحَلِّئاً أذْوادي
ولَديَّ ناجيةٌ يدايَ زِمامُها / حتّى أُصيبَ لها حَميدَ مراد
ومُعرَّجي حتّى أُصادِفَ مطلبي / خَرْقٌ مَقيلي فيه ظِلُّ جوادي
فاحْلُلْ عنِ العيسِ المُناخةِ عُقْلَها / واشْدُدْ لهنّ مَعاقِدَ الأقْتاد
أبَني الرّجاءِ السّائرِين ليُدرِكوا / في الدّهرِ أقصَى غايةِ المُرْتاد
مِنَحُ البِحارِ تَدِقُّ عن آمالِنا / فرِدُوا فِناءَ عليٍّ بْنِ طِراد
وإلى مَنِ اليومَ المُناخُ لوافدٍ / إلاّ الرِّضا بعدَ الإمام الهادي
فاطْوِ البعيدَ إليه تَدْنُ من العُلا / وانْزِلْ بأَكرمِ منزلِ الوُفّاد
وامْلأْ يداً منه وعَيْناً إنّه / بحْرُ النَّدى كَرماً وبَدْرُ النّادي
ملِكٌ علُوُّ الجَدِّ زاد تراقِياً / ما شيّدتْهُ له عُلا الأجداد
طَلْقٌ تَخالُ الدّهرَ ضوءَ جبينِه / قمراً أظَلّ لحاضرٍ ولباد
وكأنّ أعيُننَا إذا مِلْنا بها / عن وجْههِ يَرسُفْنَ في أقياد
أخلاقُه بين الخلائِق أصبحتْ / مثلَ الدّراري في ظلامِ دآدِي
وله أيادٍ معْ إدامةِ طَيّها / هَدمتْ مفاخِرَ طَيّئٍ وإياد
من أيِّ آفاقِ البلادِ يَفوتُه / شُكْرُ امرئٍ ونَداهُ بالمِرْصاد
كَهْفُ الإمام إذا أوى منه إلى / رَأْيٍ أفاء عليه ظِلَّ سَداد
ومُجرِّدُ السّيفَيْنِ يَشهَدُ دائماً / يَومَيْ جِدالٍ دُونَه وجِلاد
يَنْفِي العِدا عنه وما ضَرب الهُدى / بجِرانِه إلاّ بضَرْبِ الهادي
عَزيَتْ عنِ العُذّالِ روضةُ جُودِه / أن يَرتَعوا ودنَتْ من القُصّاد
وقضَى له بالفضْلِ أهلُ زمانِه / بشهادةِ الأعداء والحُسّاد
وسَمعتُ أَخبارَ النّدى عَنْ كفِّه / فعرفْتُ فيها صِحّةَ الإسْناد
منْ مَعْشَرٍ بيضِ الوُجوهِ أَكارمٍ / يومَ السَّماحِ وفي الوَغَى أَنجاد
رُجُحُ الحُلومِ لدى النَّديِّ كأنَّما / عُقِد الحُبا مِنْهم على أطواد
رضَعوا لِبانَ المَجْدِ في حِجْر العُلا / فعَلَوا على الأكْفاء والأنداد
وأَظلَّهم بيتُ النّبوّةِ وابتنَوا / مُلكاً ببِيضٍ في الأكُفِّ حِداد
فلهم إذا ما زُرتَهم وَخَبرْتَهم / شَرفُ الملُوكِ وسِيرةُ الزُهّاد
قومٌ إذا سَفَروا حَسِبت وُجوهَهم / للنّاظرِين أَهِلّةَ الأعْياد
وتكادُ إن وَطِئوا المَنابرَ أَن تُرى / في الحالِ وهْي وريقةُ الأعواد
وكَفَاهُمُ شرفاً بأنَّك مِنْهمُ / يومَ افتخارِ مَعاشرِ الأمجاد
ذهبوا بِفخْرٍ في زمانِك طارفٍ / وأَتَوك من عَليائهم بتِلاد
ورِثَتْ يداك الجُودَ من عَمْرِو العلا / والجُودُ يُورَثُه بنو الأجواد
وورِثْتَ عِلْمَ الحَبْرِ ثُمَّ دهاءه / والرأيَ ثُمَّ نزاهةَ السَّجّاد
ونَظمْتَ أَشتاتَ المناقبِ جامِعاً / فأتتْك آلافٌ عنِ الاِفراد
يا مَن بأشرفَ من مدائحِ مَجْده / لم يَختضِبْ قَلَمُ امْرئٍ بمِداد
جاءتْك من غُرَرِ الكلامِ بديعةٌ / تَستوقِفُ الأسماعَ في الإنشاد
سيّارةٌ مثلُ النّجومِ طوالعاً / وقفتْ على الإتْهامِ والإنجاد
كالتِّبرِ حين يَروقُ أَفناءَ الورى / وتَزيدُ قيمتُه لدى النُّقّاد
يا مَن إذا أَبدا الجميل أَعادَه / جَدِّد عَوارِفَ بادئٍ عَوّاد
كم عَمَّني من جاهِه ونَوالِه / بصَنائعٍ جَلَّتْ عنِ التَّعْداد
كتتابُعِ الأمواج إنْ عَدَّدْتَها / أَعيا لفَرْطِ تلاحُقِ الأمداد
صُمْ أَلفَ عامٍ مثْلِ عامِك مُقبِلٍ / في ظلِّ دائمةٍ بغَيرِ نَفاد
في دولةٍ تُصْمِي العِدا وسَعادةٍ / تُنْمي على الأزمانِ والآباد
وَجْدِي بلَومِك يا عذولُ يَزيدُ
وَجْدِي بلَومِك يا عذولُ يَزيدُ / فاستَبْقِ سَهْمَك فالرَّمِيُّ بَعيدُ
بلَغ الهوى من سِرِّ قلبيَ مَوضِعاً / لا العَذْلُ يَبلُغُه ولا التَفْنيد
وتَنِمُّ بالشَّجْوِ المُكَتَّمِ عَبْرَتِي / ومنَ الدُّموعِ على الغرامِ شُهود
كيف السّبيلُ إلى مِزَارِك ليلةً / ومنَ التّهائمِ دونَ وَصْلِكِ بِيد
يَصِلُ الرّسولُ إليكِ وهْو مُساعِدٌ / ويعودُ عنكِ إليّ وهْو حَسود
وأُراقِبُ المِيعادَ منك وإنّما / من دونِ وَعْدِكِ للغَيورِ وَعيد
واهاً لطيفِكِ حين يَطْرُقُ فِتيةً / شُعْثاً تَمِيلُ بها السُّرى ونَميد
عُنِيَ الغرامُ بهم فأيقظَ شَوقَهم / بينَ الجوانحِ والعيونُ رُقود
وجَلا لَهم وجْهَ المليحةِ مَوهِناً / فهمُ إليه على الرِحّالِ سُجود
يا صاحِ إنّ الدّهرَ يأْبَى خُلْقُه / ألاّ يَشوبَ عطاءهُ تَنْكيد
فانْهَضْ إلى فُرَصِ السُّرورِ مبادِراً / فالعُمْرُ عِقْدٌ دُرُّه مَعْدود
أوَما تَرى بُدَدَ النُّجومِ وقد بَدَتْ / فوق السّماء كأنّهنّ فَريد
والبدرُ تَأْتلِقُ الكواكبُ حَوْلَهُ / في جُنْحِ داجيةٍ وهُنّ رُكود
فكأنَّها زُهْرُ الأئمّةِ وَشّحَتْ / أُفُقَ الهدَى وكأنّه مَسْعود
هادي الهُداةِ بعِلْمِه العَلَمُ الذي / فضَل الأنامَ مَقامُه المَحْمود
صدْرٌ لدينِ اللّهِ أُودِعَ سِره / فارتدَّ عنه الغَيُّ وهْو مَذود
مَلَكَ العلومَ فراحَ وهْو لأهلِها / مَلِكٌ حَماهم ظِلُّهُ المَمْدود
فإذا بدا العلماءُ وهْو بمَجْمَعٍ / يوماً تبَيَّن سَيِّدٌ ومَسود
مُتجّرِدٌ للهِ يَنصُرُ دِينَهُ / والسّيفُ أحسَنُ حَلْيِه التَّجْريد
فالدِّينُ فوق النَّسْرِ من إعْلائهِ / وعَدُوُّه في بَطْنِه مَلْحود
وهواهُ حَدٌّ في البريّةِ فاصلٌ / بين الضَّلالةِ والهُدَى مَحْدود
ففَداهُ في الأقوامِ كُلُّ مُقَصِّرٍ / يَنْميهِ لُؤْمٌ طارِفٌ وتليد
كَثُرَتْ نفائسُه وقَلّتْ نَفْسُه / كالحَدِّ زاد لنَقْصِه المَحْدود
ومُحَرِّفون عن الصّوابِ مَقالَهُ / والإفْكُ رُكْنُ سَدادِه مَهْدود
ما ضَرَّ ما قال الغُواةُ فأكثروا / واللهُ بالحقِّ المُبينِ شَهيد
أعَربْتَ للسّلطانِ عن حُجَجٍ وقد / أصبَحْتَ تُبدِيءُ قائلاً وتُعيد
جلَتِ الشُّكوكَ عن التيقُّن مِثْلما / فلَق الظّلاَمَ من الصّباحِ عَمود
أحسَنْتَ غايةَ ما يُطاقُ وإنّما / في النّاسِ مَن إحسانُه مَجْحود
فاليوَم أذعَنَتِ العُداةُ وراعَهم / عِزّاً لواءُ جَلالِك المَعْقود
بلَغُوا نهايةَ ما يُشاءُ فَردَّهُم / لك صاحبانِ النّصرُ والتّأييد
ولَربّما جَمعَ الأعادي كَيْدُهم / ويُزادُ في تَمْكينهِ المَجْدود
وكذا يُعادِي النّاسُ طُرّاً قولَ لا / ويُحِلُّها في صَدْرِه التّوحيد
فاللهَ أسألُ أن يَزيدَك رِفْعةً / إن كان فوقَك للعلاء مَزيد
وَيُتابعَ الأعيادَ نَحوك يَنْثَنِي / عِيدٌ ويُقْبِلُ بالمَيامِن عِيد
يا مَن حُسِدْتُ عليه من شَرفى به / قولُ الحسودِ على الفَتى مَردود
قَسَماً بخُوصٍ كالحنايا فوقَها / أشياخ صِدْقٍ من كِنانةَ صِيد
أَمُّوا بها البلدَ الحرامَ فكلها / ذُلُلٌ يُبارِينَ الأزِمّةَ قُود
وطَوَوْا إليه فِناءَ كلِّ قبيلة / فهم على ربِّ العبادِ وُفود
لم يَصْدُقِ الواشون فيما بَلّغُوا / كَلاّ ولم يَتغيَّرِ المَعْهود
لكنّني لمّا رَميْتُ بنَظرة / حَوْلي كما حَذِرَ الرُّماةَ طَريد
وتَفرَّق الأنصارُ واجتمَع العدا / ألْباً وهل يَكْفي الجُموعَ وحيد
وهَممْتُ منهم أن ألوذ بنَحْوةٍ / فرأيتُ أن طَريقَها مَسْدود
شِمْتُ اللّسانَ تَقيّةً ولَربّما / حَنِقَ الكَمِيُّ وسَيْفُه مَغْمود
عِفْتُ الكلامَ وقد تَكنّفَني العِدا / حذَراً كما عاف النَّشيدَ عَبيد
وغدوْتُ في إسخاطِهم لرِضاكمُ / حَدَّ المُطاقِ ولِلأُمورِ حُدود
ما كان ذلك لا وعَهْدِكَ إنّه / ما سَرَّني بالنّفْسِ دُونَكَ جُود
بلْ غَيْرةً من أن يَغيْبَ بيَ الرّدى / عن خِدْمةٍ والآخَرون شُهود
فأَعِدْ لها نظَر المُصيبِ فَرُبّما / ذمَّمْتَ بعضَ النّاسِ وهْو حميد
أفمِثْلُ وُدِّي للكرامِ وإن جنَتْ / نُوَبُ الزمّانِ تُذَمُّ منه عُهود
أم مِثْلُ خُبْرِكَ للرّجالِ يَجوزُ أن / يَخْفَى عليه كاشِحٌ ووَدود
لا تَحسَبِ المُتصادقِينَ أصادِقاً / ما كُلُّ مَصْقولِ الحديدِ حَديد
واعْلَقْ بمَنْ أولاك خالصَ وُدِّه / يوماً فما أُمُّ الصّفاءِ وَلُود
أفبَعْدَ إبْلائي وإنْ لم يُرضِكم / أيّامَ صِدْقٍ كُلُّها مَشْهود
أصبحتُ أستَكْفِي التَوعُّدَ منكمُ / والحِلْمُ أنْ يُستَنجَزَ المَوعود
وأُسامُ عُذْرَ جريمةٍ لم أجْنِها / إنّ الشّقيَّ بما جَنَى لَسعيد
أمّلْتُ ما طَرق الزّمانُ بغيرِه / اَلغَرْسُ سَعْيٌ والقِطافُ جُدود
ولأبكِيَنَّ عليه عُمْرِيَ كُلَّه / لا مثلّما حَدَّ البُكاءَ لَبيد
أحبابَنا كَثُرَ العِتابُ فأقصِروا / حتّى نعودَ إلى الرِّضا وتَعودوا
لا تُطلِقونا بالإساءةِ بعدما / لُوِيَتْ علينا للجميلِ قُيود
لا تَهْجُروا إنّي على ما نابَني / في الدّهرِ إلاّ هَجْرَكم لجَليد
وصِلُوا فقد جُبِلَتْ على حُبِّيكمُ / نَفْسي وتَبديلُ الطِّباعِ شَديد
إن كان ما زعَم الوُشاةُ فلا يَزلْ / حَظَّيَّ منكم هَجْرةٌ وصُدود
من بَعْد صحبةِ خمس عشْرة حِجّةً / أنساكُمُ إنّي إذَنْ لَكَنود
ولنا بِكُم عَهْد يَرِقُّ لذِكْرِه / قَلْبُ الفتَى ولَوَ انّهُ جُلْمود
وسَوابق الخِدَمِ التي يأْبَينَ أنْ / يتَتابَعَ الإنضاجُ والتَّرميد
يا مَنْ ثَنى العِطْف المَهابةُ دونه / حيرانَ أَمضي خُطْوة وأَعود
لم تَخْل عَيْني من خِيالِك ساعةً / فتَشابَه التّقريب والتَّبعيد
كُنْ كيف شِئْت فبي وإن لم تُدنني / ما عشْتُ حُبٌّ لا يزال يَزيد
إن أخلق الوُدُّ القديم فعِفْتَهُ / فَهُناك وُدُّ تَصطَفيهِ جَديد
أوْ لم ترِدْني في الأصاغرِ خادماً / فبَقِيتَ والقومَ الّذين ترِيد
إنّ الّذي نصَب المكارمَ للورَى
إنّ الّذي نصَب المكارمَ للورَى / غَرضاً يلوحُ من المدى المتباعِدِ
نثَر الكنانةَ عنده نثْراً فَلمْ / يُوجَدْ لديهِ سوى سديدٍ واحد
فبهِ يُكرِّرُ لا يزالُ إصابةً / لبعيدةٍ تَكريرَ بادٍ عائد
ويَحوطُه مُستَبقِياً إذ لا يَرَى / مِثْلاً له إن شاء سهْمَ مَحامِد
كُلٌّ يُدِلُّ بطارفٍ من مَجْدِه / يا مَنْ يَزينُ طَريفَه بالتّالد
أبدَى التعّجُّبَ من وُقوفِ مَقاصِدي / كُلُّ الأنام ومن مسيرِ قصائدي
شِعْرٌ يَهُبُّ هُبوبَ ريحٍ عاصفٍ / من حَوْلِ حَظٍّ ليس يَنهَضُ راكد
وندىً حُسِدْتُ له فحين أذلّني / فَرْطُ التَبذُّلِ زال كَرْبُ الحاسد
كالقَطْرِ أسلَمَه الغمامُ ولم يَقَعْ / في الأرض بعدُ فقد تَبلّد رائدي
فلئن رسَمتَ قطَعتُ عنه مَطامِعي / والقَطعُ أنجَعُ من علاجِ الفاسد
أو لا فأدْركْني بعاجلِ نُصرةٍ / مادام لي عُمْرٌ فلستُ بخالد
ظَمْآنَ أم ريّانَ أم مُتوسِّطاً / لا بُدَّ من صَدَرِ الرِعّاءِ الوارد
عَهْدٌ تغَيَّرَ من سُعادَ ومَعهدُ
عَهْدٌ تغَيَّرَ من سُعادَ ومَعهدُ / فعلام يكْثُرُ عاذِلٌ ومُفَنِّدُ
لا حُلْتُ عن عَهدِ الأحبّةِ في الهوى / وإن استحالَ الرّبْعُ عمّا أعهَد
إن كنتَ تُسعِدُني فإنّي مغرمٌ / أو كنتَ ذا شَجَنٍ فإنّي مُسعِد
أبكي الّذِين تشَعّبَت النّوى / بهمُ فغاروا في البلادِ وأنجدوا
بَعُدوا وَوَكَّل ناظِري بخيالهم / ذِكْرِى لهم فكأنّهم لم يَبْعُدوا
ما زال سَهْمُ اللَّحظِ يجْرحُهُ
ما زال سَهْمُ اللَّحظِ يجْرحُهُ / حتّى تَضاعفَ فوقه الزَّردُ
ومنَ العجائبِ والهوى عَجبٌ / جمْرٌ يَبيتُ يُذيبُهُ البَرَد
ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا
ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا / فأثارَ لي تَذكارُه فِكْرا
وحَنَنْتُ حَنّةَ واجدٍ طَرِبٍ / وذكرتُ صُحبةَ أهلِه دَهرا
فجَعلْتُ حتّى زُرْتُهُ عَجِلاَ / نِضْوِي وِشاحاً والفلا خَصرا
ولسيّدِ الوزراء قاطبةً / لمّا سَمِعْتُ على النّوى بُشرى
أقسمتُ لا قَصرَ الزّمامَ يَدِي / حتّى نَرى هَمذانَ والقَصرا
لمّا نظرتُ إليه من بُعُدٍ / كَبَّرتُ من طَربٍ له عَشرا
ونزلتُ من أقصى مدَى نَظَرِي / ليدِ المطيّةِ لاثِماً شُكرا
حَرَمٌ من الدّنيا إليه غَدَتْ / تُجْبَى محاسنُ أهلها طُرّا
بَحرٌ يموجُ إذا رآه فتىً / أقسمتُ لم يَر قبلَه بَحرا
فِرَقٌ تعودُ وتَبتدِي فِرَقٌ / كالبحرِ يُبدِي المَدَّ والجزَرا
وحكَى القِبابُ به الحَبابَ ضُحىً / يَلمعْنَ من صُغْرَى ومِن كُبرى
تَحكي رياضَ الأقحوانِ بدَتْ / ومن الشّقائقِ وُسِّطَتْ شَذرا
والقصرُ من إعظامِ ساكتِه / الطّرفُ يَقصُرُ دونه قَصرا
بُرْجٌ لشمسِ الأرضِ مُكتنَفٌ / بالأُسْدِ تَزأرُ حَولَهُ زأرا
ولذاكَ سَمَّتْ بُرجَها أَسَداً / شمسُ السّماء وحَسْبُها فَخرا
لمّا وصَلْنا سالمِينَ قضَى / كُلٌّ غداةَ وُصولِه نَذرا
وانبَثَّ يُشيعُ عينَه نظَراً / منه ويَخبُرُ أمْرَهُ خُبرا
فتَرى الورى أُمَماً كأنّهمُ / حُشِروا ليومِ حِسابِهم حَشرا
وحكَتْ خيامُ الجُنْدِ نازلةً / صدَفاً تَضُمّ بُطونُها دُرّا
وتُجيلُ طَرْفَكَ لا ترَى خَلَلاً / مِمّا يَسُدُّ القَطْرَ والقُطرا
حيث التَفتَّ ملأتَ من فَرَقٍ / عَيْناً ومن فَرَحٍ بهمْ صَدرا
ورأيتَ أنديةً وأفنيةً / فيها الصّهيلُ يُجاوِبُ الهَدرا
وتَرى على الأبوابِ مُقْربَةً / مَطْوِيّةً أقرابُها ضُمرا
مشمولةً أمْناً ومن كرمٍ / قد حَدَّدتْ آذانَها حِذرا
ومراكزَ الأرماحِ قد نشَرتْ / كَفّ الصَّبا عذَباتِها الحُمرا
وعلى جيادِ الخيلِ أغلمةٌ / غُرّ تُصَرَفُ تحتها غُرّا
من ضاربٍ كُرَةً ينُزِّقُها / في مَلْعبٍ أو رائضٍ مُهرا
أو مُردِفٍ فَهْداً ليُقنصَه / أُدْمَ الفلا أو مُمْسِكٍ صَقرا
وخلالَ أطنابِ الخيامِ تَرَى / رَشْقَ الرُّماةِ سِهامَها تَتْرى
نثَروا لأيديهمْ وأعينِهم / ما في الكنائنِ كُلِّها نَثْرا
مَجعولةً أصداغُها حَلَقاً / منها على آذانِها كِبرا
يَرمون قِرطاساً وأفئدةً / فسَوادُها ببياضِه يُغْرى
والسّوقُ تُبصِرُ من عجائبِها / في كلِّ مَرْمَى نَظرةٍ مِصرا
بلَدٌ يسيرُ وما رأى أحَدٌ / بلداً يُسارُ بهِ ولا يُسرى
حتّى إذا بِتْنا على أَمَلٍ / نَعِدُ النّفوسَ بكُلِّ ما سَرّا
ودجَا الظّلامُ فكاثَروا عَدَداً / بشَبا الرّماحِ نُجومَه الزُّهرا
وتَغنّتِ الحُرّاسُ واصطفقَتْ / عِيدانُها وتجاوبَتْ نَقرا
تَحْدو وراء الليّلِ قارعةً / لطُبولِها أو تُبصِرَ الفَجرا
والغُضْفُ مَن لَقِيَتْ تُمزَقُه / وتَعُلُّ منه النّابَ والظُّفرا
فلَوَ انّ طيفاً رام من طُنُبٍ / لهمُ دُنُوّاً لم يَجِدْ مَسرى
حتّى إذا ما الصّبحُ لاحَ وقد / نُشرَتْ لنا راياتُه نَشرا
وسَمعتَ صيحاتِ الأذانِ من ال / جنَباتِ تَنْعَرُ بالدُّجَى نَعرا
وتَخالُ أصواتَ الطّبولِ إذا / أصغَيتَ إنْ ظُهراً وإنْ عَصرا
رَعْداً يُقطَّعُ بالعَروضِ فما / تَلقَى له زَحْفاً ولا كَسرا
فنفَوا بقايا غُمضِهمْ وقَضَوا / فَرْضَ الصّلاةِ وأخلَصوا السِّرّا
وتَقاطَر الغِلمانُ راكضةً / للخيلِ تابعةً له الإثرا
المُحكِمين عقودَ أقبيةٍ / فيها يُرونَكَ أَوجُها زُهرا
كالدُّرِّ زِيدَ كمالُ بَهجتِهِ / في العَينِ أنْ قد كُلِّلَ التِّبرا
وكأنّما أضحَتْ قَلانِسُهم / من عَكْسِ ضوء خُدودِهم حُمرا
حتّى إذا أخذوا صوالجَهمْ / جَهَدوا سوابقَ خَيلهِم حُضرا
وتَنازعوا الآدابَ وامتحَنوا النْ / نُشّابَ والخَطِّيّةَ السُّمرا
فثنَى الأعِنّةَ راجعاً بهمُ / مَولَى الورَى واليومُ قد حَرّا
والسِّترةُ السوداءُ قد رُفعَتْ / في الجَوِّ فوق الغُرّةِ الزَّهرا
فسَلُوا المَظَلّةَ إنّها دُفِعَتْ / عن أيّةِ الشّمْسَيْنِ للأُخرى
حجَبَتْ تَزايُدَ نُورِ غُرَّتهِ / من رأْفةٍ عن عينِها الحَرّى
حتّى إذا ما لاحَ من بُعُدٍ / جهَرَ الورى بدُعائهمْ جَهرا
والصّدْرُ في الدّيوانِ مُستَنِدٌ / منه الأوامرُ تَشرَحُ الصَّدرا
صَدْرٌ رداءٌ تُقاهُ يَستُرُه / عن سهمِ عينِ زمانهِ سَترا
مُستودَعٌ لُبّاً لعِزّتِه / تَخِذَ الحديدَ لصَوْنِه قِشرا
والمُلْكُ مُلْكُ الأرضِ أجمعِها / كالطّوقِ منه أُلزِمَ النَّحرا
والدِّينُ قَلْبٌ في جوانحِه / مهما اتّقَى من مارقٍ شرّا
وعلومُ ما يأْتي الزّمانُ به / مكنونةٌ في طَيِّه سِرّا
كم فيه صُحْفِ ندىً ولست تَرى / للبُخلِ في أثنائها سَطرا
هذا الكمالُ على الحقيقةِ لا / ما كان يُذْكَرُ قبْلَه ذِكرا
إنّي لأذكُرُ معشراً عُهِدوا / ولربّما تَتجدَّدُ الذّكرى
أبناءَ دَهرٍ لا لَقِيتَ له / يا صاحِ بعدَ وفائهِ غَدرا
ما تَنقضِي في أمرِه فِكَرِي / بلْ لا يُساوي أمرُه الفِكرا
عَهْدِي بهم تُضحِي دُموعُهمُ / غُزْراً إذا وهَبوا لنا نَزرا
كم رجعةٍ عنهم رجَعْتُ أنا / مُتَحّسِراً وركائبي حَسْرى
أمّلْتُ منهم أن أنالَ غِنىً / والحُولُ تَحسَبُ شَفْعَها الوِترا
كُلُّ الصّدورِ سواك كنتُ أَرى / صدْراً غدا من قلبِهِ قَفرا
كُلٌّ غدا غُمْراً وصاحبُه / قد ظَل منه طالباً غَمرا
فاليومَ صرتُ إلى ذُرا مَلِكٍ / ضَيفُ الرّجاءِ بجُودهِ يُقرى
ودَعَوا لسلطانِ الأنامِ بأنْ / أَعزِزْ له يا ناصِرُ النّصرا
وغدَوا إلى الدّركاةِ وازدحَموا / فهُناك تَلقَى البَدْوَ والحَضرا
وأكابرُ الأُمَراء تُبصِرُهمْ / مُتحاشدِينَ فتُكْبِرُ الأَمرا
والبِيضُ مُصلتَةٌ تَحُفُّ بهم / وتَذودُ من يُمنَى ومن يُسرى
فَنٌّ أَجَدَّ الدّهرُ سُنّتَه / ويَحارُ مَن يتأَمّلُ الدّهرا
وبنو الرّجاء بكلِّ مُلتفَتٍ / منهم تُشاهِدُ عسكراً مَجرا
وذوو العمائمِ في مناصِبهم / والتُّركُ تَرمُقُ نَحوهَم خُزرا
مِيلاً قلانسُهم كأنّهمُ / قِطَعُ الرياضِ تَكلّلتْ زَهرا
وتَرى سِماطَيْهم وقد وقَفُوا / كالسّطْرِ حاذَى نَظْمُه السّطرا
والملْكُ مثْلُ الشّمسِ كاسِرةً / أبصارَنا من دُونِها كَسرا
ومِنَ الجيوشِ المُحدِقينَ به / لُجَجاً تَرى من حَوْلِه خُضرا
من عُظْمِ ما يَلْقَى تَضايُقُها / ما تَستبِينُ من الثّرَى شِبرا
وتَرى مُلوكَ الأرضِ خافتةً / وقَفوا أمامَ سريرِه صُغرا
والقولُ هَمْسٌ لا حَسيسَ له / والعينُ تَسرِقُ لَحْظَها سِرّا
والرُّسْلُ بعدَ الرُّسْلِ واردةٌ / كالقَطْرِ أصبحَ يَتبَعُ القَطرا
وذوو الوجوهِ البيضِ مَن جَعلوا / يومَ السّلامِ جِباهَهم غُبرا
وتَصايُحُ المُتظَلِّمينَ حكَى / لَغَطَ القطا أوسعْتَها زَجرا
رفَعُوا على قَصباتِهم قصَصاً / ويناشدون اللّهَ أن تُقْرا
يَدنونَ والجاؤوشُ مُعتَرِضٌ / حَرِدٌ يَجُرُّ سِياطَه جَرّا
وكأنّه حَنِقٌ بلا حَنَقٍ / يُغْشِي السّياطَ البَطْنَ والظَّهرا
والخيلُ جائيةٌ وذاهِبةٌ / هذى تُقادُ وهذِه تُجْرى
تحت الأُغَيلمةِ الصّغار منَ التْ / تَأْديبِ لا تَعْصِي لها أمرا
والفيلُ في ذَيلِ السّماطِ له / زَجَلٌ يُهالُ له الفتَى ذُعرا
في مَوقفِ الحُجّاب يُؤْمَرُ أو / يُنْهَي فَيُمضِي النّهْيَ والأَمرا
أُذْنانِ كالتُّرسَيْنِ تحتهما / نابانِ كالرُّمحَينِ إن كَرّا
يَعلو له فَيّالُه قَصَراً / فيظَلُّ مثْلَ مَنِ اعتلَى قَصرا
وكأنّما خُرطومُه مثَلاً / راووقُ خُرطومٍ إذا افتَرّا
وتَرنُّمُ البُوقاتِ إن رَكبَ السْ / سُلطانُ تَحسَبُها بهِ نَذرا
مَولىً فرَرْتُ إليه من زَمني / وأخو الفَخارِ إليه مَن فَرّا
فلأَصفحَنّ عنِ الّذين قَضَوْا / عُرْفاً أتَى الأقوامُ أم نُكْرا
ما لي أذمُّ ليالياً سلَفتْ / إن عَقّ ماضيها وإن بَرّا
عهْدٌ قديمٌ إن حَلا فخَلا / أو إنْ أمَرَّ لنا فقد مَرّا
شُكْرِي لهذا العَصْرِ يَشغَلُني / عن أن أعاتبَ ذلك العَصرا
بالصّاحبِ العَدْلِ احتمَى زَمنِي / فلأغفِرنَّ ذنوبَه غَفرا
مولىً إلينا الدّهرُ مُعتَذِرٌ / ببقائه وكفَى به عُذرا
جاورْتُه فبلَغْتُ كُلَّ مُنىً / ولذاك قالوا جاوِرِ البَحرا
وأتَتْه آمالِي مُحلأةً / فشفَى النّدَى أكبادَها الحَرّى
أوردْتُها عَشْراً كَرُمْنَ له / من بعدِ ما أظمأتُها عشرا
فلأشكُرَنّ جزيلَ أنعُمِه / ويفوقُ كُفْرُ النِّعمةِ الكُفرا
يا أيّها المولَى المُعيدُ إلى / وَجْهِ الزّمانِ بِعَدْلِه بشرا
مَفتوقةٌ أجفانُ حاسِده / ما إن يَخيطُ بهُدْبِها شُفْرا
وكأنّما أقلامُه طَفِقَتْ / للغَيْظِ من أضلاعِهِمْ تُبْرى
مَن ذا يُؤمِّلُ أن يُرَى نفَساً / قُدّامَ حَربِكَ مالِكاً صَبرا
ولَوَ انّ كِسرَى عاش كان يُرَى / من خَوفِ بأسِكَ لازماً كِسرا
يا مَن ذخَرْتُ ولاءه زَمناً / من أجلِ يومٍ يَحمَدُ الذُّخرا
أَوْلَيتَ فَضْلي نظرةً سَلَفَتْ / فامْنُنْ إليه بنَظرةٍ أُخرى
وملَكْتَ من دُنْيايَ أَجمعِها / فالْمَحْ بِفكْرِكَ أَمْريَ الإمرا
عَيْناً بلا نَومٍ مُغمّضَةً / وأنامِلاً مَضْمومةً صِفرا
نظَر الحسودُ إلى ظواهرِها / وأنا بباطِنِ أَمرِها أَدْرى
فإلى متى يقتادُني طَمعِي / عْبداً له وأَظُنُّني حُرّا
والشَّيبُ فاتحُ عَيْنِه عجَباً / يرنو إليّ بطَرْفِه شَزرا
فكُنِ المُفرِّغَ خاطرِي كَرماً / فالحُرُّ أَنتَ بنَصْرِه أَحرى
يا مَن جَعلْتُك مَقْصِدِي فغدا / سَهْلاً إليكَ رُكوبِيَ الوَعرا
وأَرى الغِنى طَوْعِي إذا جَعلَتْ / نُوَبُ الزّمانِ إليك لي فَقرا
جاءْتكَ من فِكَري ابنةٌ كَرُمتْ / فجلَوتُها لكَ حُرّةً بِكرا
لا يَرتضِي سيفَ اللّسانِ فتىً / ما لم يُبِنْ في مَدْحِكَ الأُثرا
يا مَن لدَيهِ لعُظْمِ مَنْصِبِه / سِيّانِ مَن لم يُطْرِ أو أَطْرى
العِيد عاد إليك فاجْتَلِهِ / ثَغْراً عنِ الإقبالِ مُفترّا
في دولةٍ غرّاءَ دائمةٍ / مادامَ صَومٌ مُعقِباً فِطرا
طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر
طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر / فأضاءَ مُعتَلَجُ الكثيبِ الأعفَرِ
قَمرٌ تَدّرعَ جُنْحَ ليلٍ سارياً / لكنْ سوى طَرْفي به لم يَشْعُر
خطَرتْ ببَطْنِ الواديَيْنِ تَزورُنا / عَجَباً ونحن ببالِها لم نَخْطُر
بيضاءُ تَبسِمُ عن أقاحي روضةٍ / جُلِيَتْ وتكْسِرُ عن لواحظِ جُؤْذَر
هجَرتْ وَوكَّل ناظري بخيالها / ذِكْري لها فكأنّها لم تَهْجُر
أَهْلاً بزائرةٍ أتتْ لو لم تكُنْ / من عندِ فكرٍ للمَزارِ مُزَوِّر
واصَلْتُها والبِيضُ لم تَقطُرْ دماً / مِن دُونِها والسُّمْرُ لم تَتَكَسّر
وأجبْتُ داعيةَ الصَّبابةِ نَحْوَها / فلَقِيتُ عاديةَ الخميسِ المُصْحِر
ولَربّما آثرتُ ما لم أَلقَه / حتّى رَكِبْتُ إليه ما لم أُوثِر
فدَعِ الملامَ فقد نَزَعْتُ عن الصِّبا / وصحَوْتُ إلاّ طَرْبةَ المُتذَكِّر
أَ أُخيَّ مارَسْتُ الرّجالَ فلم أَجِدْ / عند الشّدائدِ صاحِباً لم يَغْدِر
إنّ الصّنائعَ والأياديَ في الورَى / غَرْسُ المودّةِ والقِلَى فتدَبّر
وإذا اصطنَعْتَ حسيبَ قومٍ فارْجُه / وإذا اصطَنَعْتَ دَنِيءَ قومٍ فاحْذَر
قُلْ للجميلِ وما سَمِعْتُ بمثْلِه / مظلومَ قومٍ بينَهمْ لم يُنْصَر
ما لِي أراك وقد خُصِصْتَ منَ الورى / في حالتَيْكَ معاً بظلْمٍ مُنْكَر
فإذا طُلِبْتَ منَ امرئٍ لم يَصْطَنعْ / وإذا اصطَنَعْتَ معَ امرئٍ لم يَشْكُر
هلاّ شكَوْتَ إلى الوزيرِ وعَدْلِه / مِمّا لَقيتَ منَ العديدِ الأَكثَر
فهو الّذي يَرعاكَ غيرَ مُضيِّعٍ / وهو الذي يُوليكَ غيرَ مُكدِّر
وهو المُجيرُ لمنْ يلوذُ بظِلِّه / من كُلِّ عَدْوةِ جائرٍ مُستَكْبِر
مَلِكٌ أنامَ من الأنامِ عُيونَهم / أَمْناً وقال لِعَيْنِه لَهُمُ اسْهَري
ووزيرُ صِدْقٍ جازَ في دَرَج العُلا / غاياتِ كُّلِ مُملَّكٍ ومُؤزَّر
وافَى به العصرُ الأخيرُ وقَصّرَتْ / عن شَأْوِه وزراءُ كُلِّ الأَعصُر
فكأنّما كانوا فوارسَ حَلْبةٍ / ركَضوا فكان السّبْقُ للمُتأخِّر
لا غْروَ لم تَزَلِ الوِزارةُ قَبلَهُ / تَستَنُّ بينَ مُقَصِّرٍ أو مُقْصِر
من مُسْرفٍ في البخلِ غيرِ مُوفَّقٍ / أو مُوحِشٍ بالمَطْلِ غيرِ مُنَكَّر
أو ذاهبٍ في الهَزْلِ أبعدَ مَذْهبٍ / أو حائرٍ في الجهلِ شَرَّ تَحَيُّر
حتّى أُتيحَ وللأمورِ عواقبٌ / إقبالُ مَنْصورِ اللِواء مُظفّر
فتَحلَّتِ العلْيا بأَشرفِ حِلْيةٍ / وتَجلَّتِ الدُّنيا بأَحسنِ مَنْظَر
أنظامَ دينِ اللهِ أيّةُ رُتْبةٍ / أَدركْتَ غايتَها وإنْ لم تفخَر
هُمْ قَصّروا عنها ولم يَتواضَعُوا / وحَظِيتَ أنتَ بها ولم تَتكبَّر
وبَسطْتَ كفّك بالنّوالِ فطَبّقتْ / بالجودِ تَطبيقَ الغمامِ المُمْطِر
وكَسبْتَ حُسْنَ الذّكرِ في الدُّنيا التي / تَفْنَى ومَن يَفعَلْ كفِعْلك يُذْكَر
قد أَنقذَتْ كفّاك شِلْوَ فريسةٍ / من بعدِ ما عَلِقتْ بنابِ غَضنْفَر
فرجَعْتَ بالمُلْكِ المُطلّقِ أهلَهُ / وأقمتَ من خَدِّ العَدّوّ الأصعَر
حتّى كأنّك أَردَشِيرُ الفُرسِ إذْ / وافَى فقَصَّ طوائفَ الإسكَنْدر
لم تَدّعِ الأقوامُ دُونَك أنّهم / وصَلوا إلى الفَتْحِ المُتاحِ الأَكْبَر
وأمامَ جيشِك سار ذِكْرُك سابقاً / نحوَ العُداةِ يَفُضُّ جَمْعَ العَسكَر
والشّمسُ قبل طُلوعِها من أُفْقِها / تَجلو الدُّجنّةَ بالصَّباح المُسفِر
حضَرتْ مَيامِنُك التي شَملَتْهمُ / بسُعودِها فكفَتْ وإنْ لم تَحضُر
لم يَعْصِ أمرَك رأسُ أغلبَ أبيضٍ / إلاّ تَعّوضَ صدْرَ أعجَفَ أَسمَر
ما عاد من حَربٍ قَناك وقد سقَتْ / أطرافُها إلاّ كأيْكٍ مُثْمِر
يَنْآدُ من حَمْلِ الرّؤوسِ المُجتنَى / ويَرِفُّ من وَرْدِ النّجيعِ الأحمْر
عجَباً لأَنْ سُمِّينَ خَمْسَ أناملٍ / نشأَتْ بكفِّكَ وهْي خَمسةُ أَبحُر
يتَعرَّضُ العافِي للَثْمِ ظُهورها / حتّى يَغوصَ على نَفيسِ الجَوهر
وتكادُ أقلامٌ تمَسّ بطونَها / تَلتَفُّ بالوَرِقِ المُعادِ الأَخضَر
قُلْ للّذي فَضَلَ الأنامَ فواجبٌ / عَطْفُ الكبيرِ على الوَلِيّ الأصغَر
أنا كالسُّها خافي المكانِ فضُمَّني / يا صاح منكَ إلى ابْنِ نَعشٍ أُبْصَر
كم ذا التّطَوُّفُ في البلادِ مُضيَّعاً / حَيرانَ يَقرُبُ مَوْردى من مَصْدَري
وأخوضُ في لُجَجِ البحار معَ الظّما / فأعودُ منها ذا أديمٍ أَغْبَر
حالٌ من الحظِّ المُضاعِ تَغَيَّرُ الدْ / دُنْيا مِراراً وهْي لم تَتغَيّر
ما بينَ آمرِ دولةٍ لم يُمتثَلْ / منه ومالِكِ طاعةٍ لم يأْمُر
وقد انتَهيْتُ إلى فِنائك فاسْقني / من سَيْبِ كَفِّكَ بالذَّنوبِ الأوفر
فَمُنايَ أن تَحْيا حياةَ مُنعَّمٍ / جَذِلٍ وأن تَبْقَى بَقَاءَ معمَّر
وتَعيشُ للمُلْكِ الّذي أَحْيَيْتَهُ / وتَدومُ فيه كمُقْلةٍ في مَحْجَر
قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ
قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ / فإذا عَصاهُ فالأحِبّةُ أعذرُ
لا طالَبَ اللّهُ الأحِبّةَ إنّهم / نامُوا عن الصّبِّ الكئيب وأسهَروا
هجَروا وقدَ وصَّوا بهَجْري طيفهم / يا طيفُ حتّى أنت مِمَّنْ يَهْجُر
دونَ الخَيالِ ودونَ مَن تَشتاقُه / ليلٌ يطولُ على جفونٍ تَقْصُر
وَمُخيِّمون معَ القطيعة إن دَنوا / هَجَروا وإن راحوا إلينا هَجَّروا
طاروا إلى شُعَبٍ وهم من قَبْلها / كانوا إذا سَمِعوا الرَّحيلَ تَطَيّروا
قَصروا الزّمانَ على صُدودٍ أو نوىً / والعُمْرُ من هذا وذلكَ أَقْصَر
أرأيتَ يومَ الجِزعِ ما صنعوا بنا / والحَيُّ منهم مُنجِدٌ ومُغَوِّر
سَفَروا فلما عارضَ القومُ اتَّقوا / بمعاصمٍ وكأنّهم لم يَسفِروا
وغَدوا ومن عيني لهن منيحةٌ / تُمْرَي ومن قلبي وَطيسٌ يُسعَر
أعقيلةَ الحيِّ المُطنَّب بيتُها / حيث القَنا من دُونها تَتكَسَّر
كَالبْدرِ إلاّ أنّها لا تُجتلَى / والظّبْيِ إلاّ أنّها لا تُذعَر
أخْفَى إذا فارقتُ وجْهَكِ من ضنىً / فأدِقُّ عن دَرْكِ العيونِ وأَصغُر
وأرى بنورِكِ كلّما أدنَيْتنِي / وكذا السّها ببناتِ نَعْشٍ يُبصَر
مَن زائري واللّيلُ أدهمُ صافِنٌ / ومُودّعي والفجرُ أَشقَرُ مُحضِر
خطَرتْ إليَّ فزادَني طرَبا لها / أنْ لم تكن بالبال مِمّا يَخْطُر
وغَدت مُودِّعةً فقلبٌ يلْتظي / حتّى تَعودَ ومُقلةٌ تَستَعْبِر
فكأنّما تَركتْ بخَدِّي عِقْدَها / ليكونَ تَذكِرةً بها يُتذَكَّر
يَلْقَى الحسودُ تجلُّدي فيَسوؤهُ / أَنّي على رَيْبِ الحوادثِ أَصبِر
مالي وما لعِصابةٍ مُغتابةٍ / هل فيَّ إلاّ أن سَعيْتُ وقَصَّروا
إنّي لأُصبِحُ للفضيلةِ ساتراً / مِنّي كَمَنْ هو للنّقيصةِ يَستُر
وأرى أَمامي ما ورائي دائماً / مثْلَ الذي هو في مِراةٍ يَنظُر
لا تضطربْ عند الخطوبِ فإنّما / يَصفو إذا ما أُمِهلَ المُتكَدَّر
وإذا تَولّى مَعشَرٌ كَرمُوا فلا / تَهلِكْ أسىً حتّى يُوافيَ مَعشَر
فصحيفةُ الدّنيا الطّويلةُ لم تَزَلْ / يُطوى لها طَرَفٌ وآخَرُ يُنشَر
ما زالتِ الأيّامُ حتّى أَعقبَتْ / يوماً ذُنوبُ الدَّهرِ فيه تُغفَر
يومٌ أَغرَّ مُشهَّر في صَدرِه / أَحيا الوَرى صَدْرٌ أَغرُّ مُشَهَّر
بِوزارةٍ راحتْ وكُل يشتكي / من دَهْره وغدتْ وكلُّ يَشكُر
فكأنَّ آمالَ الخلائقِ كُلَّها / رِممٌ مُفرَّقةٌ أتاها المحْشَر
حتّى إذا غَصَّ الفضاءُ بمَوكِبٍ / من وَطْئهِ كَبِدُ الحَسودِ تَفطَّر
والأرضُ من ضيقِ المسالكِ تَشتكي / والجَوُّ في نَسْج السَّنابِك يَعثُر
وعلى النّظامِ ابنِ النّظامِ مَهابةٌ / تَنْهَى عيونَ النّاظرِينِ وتَأْمُر
مشَتِ الملوكُ الصِيّدُ حولَ رِكابهِ / رَجْلَي وكان لهم بذاكَ المَفْخَر
وتَبسّمَتْ خِلَعٌ عليه كأنّها / رَوضٌ تَقمّصها غمامٌ مُمطِرِ
ومُرصَّعاتٌ يأتلقْنَ وراءه / تَشكو السّواعدُ حَمْلَها والأظْهُر
وأمامَه جُرْدٌ يُقَدْنَ جَنائباً / مَرْحَى تَخِفُّ بها الخُطا فتَوقَّر
يَظْلَلْنَ في بحرِ النُّضارِ سَوابِحاً / والجَوُّ من عَكْسِ الأشِعّة أحمَر
وبدا الجوادُ على الجوادِ كأنّه / طَوْدٌ أظَلَّ عليه نَجْمٌ أزهر
وأتَى به واليُمْنُ منه أيمَنٌ / مُتَكِنّفاً واليُسْرُ منه أيسر
حتّى ثنَى عنه لِيَنْزلَ عِطْفَهُ / في مَوْقفٍ فيه الجِباهُ تُعفَّر
فالجوُّ طولَ اليومِ تبرٌ ماطرٌ / والتُربُ طولَ العام مِسْكٌ أذْفَر
ولَقلّتِ الأرواحُ لو نَثَروا له / لو كانتِ الأرواحُ مِمّا يُنثَر
لأغرَّ يَعتذِرُ الزّمانُ بوَجْهِه / عمّا جناهُ من الذُّنوبِ فيُعْذَر
ويُريكَ منه إذا بدا لك منظراً / ما فوقَهُ في الحُسْنِ إلاّ المَخْبَر
وعليه من سِيما أبيهِ شواهدٌ / ودلائلٌ تَبدو عليهِ وتَظْهَر
ولئن تأَخَّرَ في الوِزارةِ عَصرُه / فلكُلِّ أمرٍ غايةٌ تَتأخّر
كانتْ تنقَّلُ في الرّجال كأنّها / سارٍ يُنَوَّخُ تارةً ويُثَوَّر
حتّى انتهتْ شوقاً إليه وإنّه / ما مِن وراء نهايةٍ مُتنَظَّر
اليومَ عَزَّ حِمَى الرّعيّةِ أنْ غَدا / يَرعاهُمُ حَدِبٌ يُنيمُ ويَسْهَر
فالعدْلُ ثَغْرُ الدَّهرِ منه ضاحِكٌ / والأمنُ غصْنُ العيشِ فيه أخْضَر
وافَى فقيلَ أواحدٌ أم جَحفَلٌ / وسخا فقيل أَنمُلٌ أم أبحُر
وتَيمّنَ السّلطانُ منه بصاحبٍ / نَدْبٍ يَهُمُّ بما يَرومُ فَيظْفَر
لمّا رأى فَتْحَ الدَّواةِ بكَفّهِ / وافاه فَتْحُ القلعةِ المُتَعذّرِ
فتفاخَرَ الفَتْحانِ حتّى لم يَبِنْ / للنّاسِ أيُّهما أجَلُّ وأكبَر
للهِ أيةَ ليلةٍ في صُبحِها / تَبِعَ اللّواءَ إلى الجهادِ العَسكَر
سَمتِ الجنودُ إليهمُ حتّى إذا / طلَعوا الثّنِيّةَ بالبنُودِ وَكبّروا
ما كان إلاّ من نهارٍ ساعةً / حتّى جَرَتْ مِمّا أرَاقوا أنْهُر
مَطَروا عليهم بالسِّهامِ ولم تكُن / من قبلِ نهضِتهمْ سماءٌ تَمطُر
من كلِّ أزرقَ ذي جناحٍ طائرٍ / غَرثانَ عن حَبِّ القلوبِ يُنَقِّر
يُطعِمْنَ قَتْلاها النُّسورَ جَوازياً / إذ كُنّ طِرْنَ بما كسَتْهُ الأَنسُر
حتّى انثنَوا والبِيضُ في أيمانِهم / حُمْرٌ تُقَطِّرُ بالغُواةِ وتَقطُر
وغدا عدوُّ اللّهِ طَوْعَ أَكفِّهم / يَجْري مُقلَّدَ رِبْقةً ويُجَرَّر
مثْلَ البعيرِ تَقودُه بسِبالِه / فيَخِفُّ وهْو من الجهالةِ مُوقَر
وكأنّ لِحْيتَهُ هشيمٌ ماحِلٌ / وكأنّ أيدي القوم رِيحٌ صَرْصَر
ولَوَ انّه تَرَكَ الخبيثَ هُنَيْهةً / لتَصافنوا دمَهُ الذي هو أَقذَر
قد قَدَّروا للمسلمينَ عجائباً / واللّهُ غيَّر كلَّ ما قد قَدَّروا
كم خَوَّفوا سَنةَ القِرانِ وخَيّلُوا / أنّا سنَخْرُجُ عندَ ذاكَ ونَظْهَر
أرواحُهم خرجَتْ وهم لم يَخْرُجوا / وهَناتُهم ظهَرتْ وهم لم يَظْهَروا
تاللّهِ ما فَتَحوا البلادَ وإنّما / فتَحوا العيونَ فأَبصَروا ما أبصَروا
تلك الأكاذيبُ المُلفَّقةُ التي / غَرُّوا بها شِيَعَ الضَّلالِ وغَرّروا
بلغَتْ بهم سَلْخَ الجُلودِ كما رَأَوا / والسَّلْخُ عِندَهُمُ البَلاغُ الأكبَر
فاسأَلْ بني العّباسِ عمّا شاهَدوا / زمَنَ البَساسيريِّ هل يُتذَكَّر
لم يُكْفَ قائِمُهم إذا ما قايَسوا / ما قد كُفِي في هذه المُستَظهِر
كلاّ ولا ارتجَعَ الخِلافةَ طُغْرِلٌ / مِثْلَ ارْتجاعِ مُحمّدٍ لو فَكَّروا
بيَمينهِ آلَى يميناً سَيْفُه / ألا يُغادِرَ بالهُدَى مَن يَغْدِر
فعِداهُ إن طلَبوا القَرارَ تَعَجَّلوا / حتْفاً وإنْ طلَبوا الفِرارَ تَحَيَّروا
يُمسُونَ أمّاليلُهم فيُريهِمُ / قَتْلاً وأمّا صُبحُهم فَيُفَسّر
يا ماجداً رَوِيَتْ بسَجْلِ نَوالِه / كلُّ الورى باديهمُ والحُضَّر
يَكِفي الممالكَ أن يُديرَ بكَفّهِ / قَلماً له الفَلكُ المُدارُ مُسَخّر
يُمِلي وأيدِي القَطْرِ تَنْسَخُ جودَه / ولَما يفوتُكِ يا قِطارُ الأكثَر
فِفداءُ كفِّكَ وهْي بحرُ سماحةٍ / قومٌ إذا ورَد العُفاةُ استَحْجَروا
قَدَروا وما سَدُّوا لِحُرٍّ خَلّةً / بصنيعةِ فكأنّهم لم يَقْدِروا
وتَصدَّروا من غيرِ فضْلِ عطيّةٍ / والصّدْرُ مَنْ مِنْه العطايا تَصدُر
إن يَشْكُرِ السّلطانُ غُرَّ فَضائلٍ / وشمائلٍ لك فالرّعيّةُ أشكَر
أو كان مُلْكُ محمّد بكَ عامِراً / فافْخَرْ فديِنُ مُحمّدٍ بك أعَمَر
جاءتْكَ مِثْلَ العِقْدِ وهْو مُفَصَّلٌ / حُسْناً ومثْلَ البُردِ وهْو مُحَبَّر
أنا غَرْسُ بيتِكمُ الكريمِ بجودكم / يُسقَى وبالمِدَح الغرائبِ يُثْمِر
فإنِ ارتضَوا حُكْمِي فغيرُ بديعةٍ / من مثْلِ ذاكَ البحرِ هذا الجوهر
فاسْلَمْ لنا ما انجابَ لَيْلٌ مُظلِمٌ / عن ناظرٍ وانتابَ صُبْحٌ مُسْفِر
وبَقِيتَ بينَ بني أبيكَ كما بدا / بَدْرٌ تَحُفُّ بهِ نُجومٌ تَزْهَر
في الجِيرةِ الغادِينَ بَدْرُ
في الجِيرةِ الغادِينَ بَدْرُ / وَجْهُ الظّلامِ بهِ أَغَرُّ
بَدْرٌ يُديرُ عيونَنا / عنه إذا ما سارَ خِدْر
يُمسي ويُصبِح وهْو في / أَحدِ الهَوادجِ مُستَسِرّ
وإذا أُتيحَ له الطُّلو / عُ لناظرٍ فاللّيلُ شَعْر
عانَقْتُه يومَ الرَّحي / لِ أَضُمُّه والحيُّ سَفْر
والسّهمُ أَقربُ ما تَمُدْ / دُ إليك أَبعدُ ما يَمُرّ
أَهْوَى إليَّ مُودِّعاً / سَحَراً وفي عَينَيهِ سِحْر
خَصِرَ الحُلِيُّ تَشابَها / للصَّبِّ منه فَمٌ ونَحْر
فدَنا كأنّ الثَّغْرَ عِقْ / دٌ سُحْرةً والعِقدَ ثَغْر
حتّى رشفْتُهُما وقل / تُ كلاهما يا صاح دُرّ
ثُمّ انثنَي طَوعَ النَّوى / كالغُصْنِ يُعطَفُ وهْو نَضر
وكأنّما زمني عليْ / هِ تَفرُّقُ الأحبابِ نَذْر
إنّ الّذين همُ على / إخلافِ مَوعدِنا استمرّوا
ضَمِنوا وفاءً بالعهو / دِ وشيمةُ الأحبابِ غَدر
إن أَقسموا لَيُكَدِّرُنْ / نَ العَيشَ لي فلقد أَبرَّوا
فالعيشُ حلوٌ حيث حلْ / لوا وهْو مُر منذ مرّوا
قُلْ للفؤادِ إذا غدا / يَعِدُ السُّلُوَّ لِمَنْ تَغُرّ
لا تُعطني خَبَراً وعنْ / دي منكَ في الأيّامِ خُبر
أَوَ ليس يومَ نَوى الخلي / طِ ولم يُدافِعْ عنك حِذر
عاهدْتَ أنَّك يا فُؤا / دي في الجوانحِ تَستَقِرّ
حتّى إذا زحَف الفِرا / قُ غدَوتَ من فَرَقٍ تَفِرّ
غُرَّ امرؤٌ في النّاسِ خا / ضَ هَوى الأحبّةِ وهْو غِرّ
للّهِ مَن ساروا فسا / رَ بسَيرِهمْ للصّبِّ صَبر
بِيضٌ وسُمْرٌ ما تُزا / رُ فدونَها بِيضٌ وسُمر
اللَّحْظُ شَزْرٌ للرَّقي / بِ إذا بدَتْ والطّعْنُ شَزر
بكَروا بمثْلِ مَها الصَّري / مِ رمَى بأَعينِهنَّ ذُعر
أو كالظِّباءِ العاطيات / سَما لَها ضالٌ وسِدْر
ووفَى لها نَجْدٌ وقد / غَدِرَتْ بها للغَوْرِ غُدر
خلَفتْ لهم عينَ السّما / ءِ عيونُ أرضٍ ثَمَّ غُزر
وجَرتْ رياحُ الصّيفِ عا / صفةً تَذُرُّ ثرىً وتَذْرو
وكأنّما البُهْمَى بأف / نيةِ المَباركِ وهْي حُمر
نَفْضُ الخيولِ من المِرا / ح بها النّواصي وهْي شُقر
والدّارُ إلاّ ذاك من / عَهْدي بها للحَيِّ قَفر
والأرضُ تحت يَدِ الزّما / نِ يَخُطُّها عصَرٌ فعَصر
مِثْلُ المِحَطّةِ للحسا / بِ يَنوبُها شَفعٌ ووِتر
يُمحَى بها ألْفٌ ويُث / بَتُ في مكانِ الألْفِ صفر
كم منزلٍ منه المَفرْ / رُ وكان أمسِ بهِ المَقَرّ
والدّهرُ مثْلُ بنيهِ طَبْ / عاً ما على حالٍ يَقِرّ
فاحذَرْ مُقارنَةَ اللّئا / مِ فإنّها للشّوكِ بَذر
واعتَدْ مُغالطَةَ العيا / نِ فكُلُّ أمرِ الدّهرِ إمر
قد أصبحتْ سُوقُ الزّما / نِ وما بها للشِّعرِ سِعر
فيها نَفاقُ ذوي النَفا / قِ ورِبْحُ ذي التّمويهِ خُسر
يا صاحِ واللّيلُ البهي / مُ يَجيءُ في أُخراهُ فَجر
ما في الأنامِ سوى الإما / مِ وقَصدُه شَيءٌ يَسُرّ
فازْجُرْ إليه على الوجَا / عِيساً جَماجِمُهنَّ صُعر
أنضاءَ أسفارٍ لنا / أَفنَى عرائكَهنَّ ضُمر
وكأنّما انتطحَتْ على / أَثباجِها في القاعِ فُدر
قد صَفّها الحادي كما اصْ / طفّتْ قطاً في الجَوِّ كُدر
وكأنّما البَيداءُ دَرْ / جٌ تحتها والرَّكْبُ سَطر
والآلُ نَهْرٌ والمَطِيْ / يُ عليه للأبصارِ جِسر
من كلِّ فَتلاء الذِّرا / عِ كأنّها حَبْلٌ مُمَرّ
تَحكي وِشاحاً جائلاً / وكأنّما الآفاقُ خَصر
ويَظلُّ راكبُ مَتْنِها / والأرضُ في عَينَيْهِ شِبْر
حتّى تُناخَ بساحة / فيها لذَنْبِ الدَّهرِ غَفر
عند امرئٍ شَهِدَ الزّما / نُ بأنّهُ للدّينِ فَخر
وسَوابِقٌ أيّامُهُنْ / نَ بنُصرةِ الإسلامِ غُرّ
ومناقبٌ مشهورةٌ / ما إن يُحيطُ بهِنَّ حَصر
واللّهُ قد باهَى بِه / هل فوقَ أَمْرِ اللّهِ أَمر
فاهتِفْ به مهما بَدا / للدّهرِ عن نابَيْهِ كَشر
ولدَى أبي مَنصورٍ ال / مأمولِ للأحرارِ نَصر
ووراء رايةِ رأْيه / لك عَسكرٌ لِنَداهُ مجر
ماضي العزيمةِ ماجدٌ / للهِ في علْياهُ سِرّ
يُمناهُ يُمْنٌ للمُطي / فِ به كما يُسْراهُ يُسر
مَن شَفَّه عِشْرٌ إذا / وافَى يدَيهِ شَفاهُ عَشر
أسنَى به دَهْري العطِيْ / يةَ لي وجودُ الدَّهرِ نَزر
واستَعبدَتْ نَفْسي فضا / ئلُه وعَبدُ الفضلِ حُرّ
بهلالِ وَجْهٍ مُجْتَلا / هُ لصائمِ الآمالِ فِطر
ونَوالِ كَفٍّ كالغما / مةِ بَطنُها للجودِ وَكْر
المجدُ قلبٌ للزّما / نِ وقد حَواهُ منه صَدر
ذو غُرّةٍ وَطيءَ النُّجو / مَ وأعينُ الأعداء خُزر
هامُ الملوكِ له النِّعا / لُ ومَفْرِقُ المُلْكِ المَمَرّ
وعلى المَجرةِ ذَيلُه / من رِفعةٍ أبداً يُجَرّ
شَرفاً ويَكْبُرُ قَدْرُه / أن يَعتَريهِ منه كِبر
مَن جِدُّه للهِ جِدْ / دٌ حين يَنفَعُ أو يَضُرّ
مُتناسِبُ الحالَينِ منْ / هُ لربّهِ سِرٌّ وجَهر
دُنياهُ تَخدُمُه كما / يَهوَى وبالحُسّادِ صُغر
من حيث كان لها بذ / لكَ سابِقاً للّهِ أَمر
مَن خَلْقُه والخُلْقُ إن / لاقيتَه رَوضٌ وَزَهْر
عَذُبتْ شمائلُه فسا / عةُ قُربِه للمرء عُمر
وبفضلِه في الدّهرِ حا / سِدُه على رَغْمٍ يُقِرّ
لفَظ الّلآلئَ فاستَبا / نَ بأنّه للفَضْلِ بَحر
وتناهبتْ أَسماعُنا / كَلِماً يُحبِّرُهنَّ حَبر
يُكتَبْنَ في الأحداقِ مِن / عزٍّ فهنّ لهنَّ ظَهر
فبياضُها وَرَقٌ لها / وَسَوادُهُنَّ لَهُنَّ حِبر
طامي عُبابِ العِلمِ حتْ / تَى ليس يُدرَكُ منه قَعر
يَعلو ذُؤابةَ مِنْبَرٍ / منه لِدُرِّ القولِ نَثر
كأسٌ من السّحْرِ الحلا / لِ لشُرْبِها بالقومِ سُكر
في مَجلسٍ هو جَنّةٌ / ولذاكَ فيه تَحِلُّ خَمر
يا ماجداً أضحَى به / ذَنْبُ اللَّيالي وهْو عُذر
ولأجلِ عُذْرٍ واحدٍ / يَهَبُ الذُّنوبَ وهُنّ كُثر
تَفديكَ أقوامٌ حكَوا / صُوَرا تَضمَّنهُنَّ جُدر
يُدْنَى لخِلْفِ نَوالِهمْ / بَوُّ السّؤالِ ولا يَدِرّ
ومُعاندٍ من طول ما / اضناهُ فضلُك وهْو غَمر
ماتَتْ سرائرُه المِرا / ضُ فصَدْرُه للقلبِ قَبر
نِكْسٌ ينازِعُك العُلا / ولَرُبَّ خافيةٍ تَطِرّ
وإليك فاجْتَلِ غادةً / هيَ من بناتِ الفِكرِ بِكْر
من هاجرٍ مَدْحَ اللِّئا / مِ فَمدْحُه اللُّؤماءَ هُجر
شاكي الولاءِ لِسانُه / سَيفٌ ومَدْحُك فيه أُثر
وهَدِيُّ مَدْحي ما لَهُ / إلاّ الولاءَ المَحْضَ مَهر
لكنّ كفَك بالنّوا / ل لِمُجْدِبِ الأقوامِ قَطر
أضحَى جنابُك مَعْقِلاً / للحُرّ إن ناواهُ دَهر
ولقد تَصاحَبْنا سِني / نَ فهل لذاكَ العَهْدِ ذِكر
وذخرْتُ وُدَّك والكري / مُ وِدادهُ للدَّهرِ ذُخر
ولنا زمانٌ جائرٌ / سَهلُ المَطالبِ فيه وَعر
ولديكَ نُعْمَى إن أَرد / تَ صنيعةً ولديَّ شُكْر
وتَيسٍ عجيبِ الشَّكلِ يأكلُ بِاسْتِه
وتَيسٍ عجيبِ الشَّكلِ يأكلُ بِاسْتِه / ويَبعَرُ مِن فيهِ ويَحسَبُه شِعْرا
يُبَصْبِصُ في وجَهْي لدى الأُنس بالّذي / يُلَفُّ على الخَيشوم إن رُعْتُه زَجْرا
ويُوسِعُني مهما تَخلَّف غَيبْةً / وأُوسِعُه مهما التَقْيتُ به بِشْرا
وكم من مُلمٍّ قلَّ أو جلَّ نابني / لدَهْري فلم أعَدمْ على قَدْرِه صَبرا
فما أنتَ إلاّ سَعْدِيَ الأكبرُ الّذي
فما أنتَ إلاّ سَعْدِيَ الأكبرُ الّذي / إلى نظَرٍ منه أُراني أخَا فَقْرِ
ولم أدَّخرْ للدّهرِ غَيركَ صاحِباً / ويُرجَعُ عند الاِفتقارِ إلى الذُّخر
ذهَب التَكرُّمُ والوفاءُ من الوَرى
ذهَب التَكرُّمُ والوفاءُ من الوَرى / وتَصرَّما إلاّ من الأشعارِ
وفشَتْ خِياناتُ الثِّقاتِ وغيرهم / حتّى اتّهمْنا رُؤيةَ الأبصار
سَقْياً لدارِك هذه من جَنّةٍ
سَقْياً لدارِك هذه من جَنّةٍ / لو كنتَ لي فيها الغَداةَ جَليسا
لكنّها حَبْسٌ عليَّ لبُعْدِكمْ / يا مَن رأَى في جَنّةٍ مَحْبوسا