المجموع : 112
إِنّ الّتي حَكتِ الضّحى
إِنّ الّتي حَكتِ الضّحى / والصُّبحُ في أسْرِ الدّياجِي
ما كنتُ يومَ تعرّضتْ / لِي من حِبالتها بناجِ
أدْوَتْ فؤادِي من صَبا / بتها وضنّتْ بالعلاجِ
ولقد أقولُ لها وضل / لَ عن النّصيحةِ مَنْ يُداجِي
يا حُلْوةً كم دون حُلْ / وكِ للمتيَّمِ من أُجاجِ
وإذا ضَنِنْتِ فقد أسَأْ / تِ وفي يديكِ بلوغُ حاجِي
خلِّ المَدامِعَ في المنازلِ تسفحُ
خلِّ المَدامِعَ في المنازلِ تسفحُ / والقلبُ من ذكر الأحبّةِ يفرحُ
ما كانَ عِندي أنّ غُزلان النَّقا / لسوادِ طَرْفِي يومَ رامةَ تسنحُ
لمّا مَرَرْنَ بنا خطفن قلوبَنا / وقلوبُهنّ مقيمةٌ لا تبرحُ
والدّار من بعد الشّواغفِ إنّما / هيَ للجَوى والحزِن مغنىً مَطرحُ
للَّهِ زَوْرٌ زارَنا وقتَ الكرى / واللّيل جَوْنُ أديمِهِ لا يوضِحُ
وَالعيسُ مِن بعدِ الكلالِ مُناخةٌ / والرّكبُ فيما بينهنَّ مُطرَّحُ
فيما طَرقتَ وَلَيلنا مُستحلِكٌ / لَو ما طرقتَ وصبحُنا متوضَّحُ
بينا يؤلّفنا أغمٌّ مُظلمٌ / حَتّى يُفرّقنا مضيءٌ أجْلحُ
يا صاحِبيَّ على الزّمانِ تأمّلا / ما جرّه هذا الزّمانُ الأقبحُ
في كلِّ يومٍ لي خليطٌ يَنتَئِي / عنِّي ودارٌ بالمسرّةِ تنزحُ
وهمومُ صدرٍ كلّما دافعتُها / آلتْ طِوالَ الدّهرِ لا تتزحزحُ
لا أَستطيعُ لها الشكايةَ خِيفةً / والهمُّ لا يُشكى لقلبك أَجْرحُ
وإذا طلبتُ لِيَ الإخاءَ فليس لِي / مِن بَينهمْ إلّا السَّؤُولُ الأرسخُ
من كلِّ مشتهر العيوبِ وعندهُ / أَنّ العيونَ لعيبهِ لا تَلمحُ
ومجاورٍ ما كنتُ يوماً راضياً / بِجِوارهِ وَمشاورٍ لا ينصحُ
وَمعاشرٍ نَبذوا الجميلَ فما لهمْ / إِلّا بِأَوديةِ القبائحِ مَسرَحُ
وَمِنَ البَليّةِ أنّنِي حوشيتُما / أُمسِي كما يهوى العدوُّ وأُصبِحُ
في كربةٍ لا تنجلي وَشَديدةٍ / لا تنقَضِي ودُجُنَّةٍ لا تُصبِحُ
جَمْرِي تناقَلُهُ الأكفُّ ولم تجدْ / لَفْحاً له وجِمارُ غيرِيَ تلفحُ
وإذا عزمتُ على النّجاءِ فليس ما / أَنجو بِهِ إلّا الطِّلاحُ الرُّزَّحُ
قُل للّذي يَعدو بِهِ في مَهْمَهٍ / طِرْفٌ تخيّره الفوراسُ أقرحُ
بَلِّغْ بلغتَ عَميدَنا وزعيمَنا / ومشرّفاً دُنياً لنا لا يَمْصَحُ
إنّي ببُعدِك في بهيمٍ مُظلمٍ / لمّا عدانِي مَن به أستصبحُ
إنْ طاب لِي طعمُ الحياةِ أمرَّهُ / شوقٌ إليك كما علمتَ مبرِّحُ
ولقد علمتُ زمانَ تبغِي كارهاً / قربي ببعدك أنّنِي لا أربحُ
وأنا الّذي من بعدِ نأْيكَ مُبْعَدٌ / عن كلِّ ما فيه الإرادةُ منزَحُ
في أسْرِ أيدٍ بالأذى مفتوحةٍ / لكنّها عند النّدى لا تُفتحُ
ومُهوِّنٌ عندي الشدائدَ أنّها / تدنو الأنام وأنتَ عنها الأنزحُ
وإذا عَدَتْكَ سهامُ دهرٍ ترتمِي / فدعِ السِّهامَ لجِلدِ غيرك تجرحُ
ما ضرّنا وقلوبُنا مُلتفّةٌ / دَوٌّ تعرّض بيننا أو صَحْصَحُ
فَالأَبعَدونَ مع المودّة حُضَّرٌ / وَالأقربونَ بِلا المودّةِ نُزَّحُ
وَلَقدْ فضحتَ مَعاشراً لم يبلغوا / شأْواً بلغتَ وفضلُ مثلك يفضحُ
وَتَركتنا مِن بَعدِ حقٍّ كان فِي / كفّيكَ نَغبُقُ بالمُحال ونصْبَحُ
وإذا بنو عبد الرّحيم تبوّؤوا / شِعْباً فإنّي بينهمْ لا أبرحُ
المُسرِعون إلى الصّريخ فإِنْ قضَوْا / وَطَرَ الوَغى فهُمُ الجبالُ الرُّجحُ
لا أَستَطيعُ فِراقهمْ ولربّما / فارقتُ مَن بفراقهمْ لا أسمحُ
وأنا الجواد فإنْ سئلتُ تحوّلاً / عن قربكمْ فأنا البخيلُ الشّحْشَحُ
قومٌ وقَوْنِي الشَّرَّ وهو مُصمِّمٌ / وكفَوْنِيَ الضَّرَّاءَ وهي تُصَرِّحُ
إنْ ناكروا الأمرَ الذّميم تباعدوا / أو باكروا المَغْنَى الكريم ترَوَّحوا
وإذا دَعوتَهُمُ لنصرك من ردىً / جاءتْ إليك بهمْ جِيادٌ قُرَّحُ
مِثْلَ الدَّبا لَفّتْهُ فينا زَعزَعٌ / والسّيلُ ضاق به علينا الأبطحُ
والبيضُ في قللِ الكُماةِ غمودُها / والسّمرُ من ماءِ الترّائبِ تُنضحُ
فعليك منّي غائباً عن مُقلتِي / فدموعُها حتّى تراهُ تسفَحُ
تسليمةٌ لا تنقضِي وتحيّةٌ / يمضِي المدى وقليبُها لا ينزحُ
وصفحتُ عن ذنبِ الزّمانِ وإنّنِي / عَن ذَنبِه بِفراقِنا لا أصفحُ
إن عاقب الشّيب السّوادَ بمَفْرقي
إن عاقب الشّيب السّوادَ بمَفْرقي / فاللّيل يتلوه الصّباحُ الواضحُ
مَنْ أخْطَأَتْهُ وقد رمتْ قوسُ الرّدى / تبيضُّ منه مفارقٌ ومسائحُ
لو كان للّيلِ البهيمِ فضيلةٌ / لم تُدْنَ منه مقابِسٌ ومصابحُ
البيضُ لِلْعينينِ وجهٌ ضاحكُ / والسّودُ للعينين وجهٌ كالحُ
وأَشدُّ من جَذَعِ الجِيادِ إذا جرتْ / جَرْياً وأصبرُهُنَّ نَهْدٌ قارحُ
والبُزْلُ تغتالُ الطّريقَ سليمةً / وعلى الطّريقِ من البِكارِ طلائحُ
يا قَلبُ قُل لي أينَ صادَفك الهَوى
يا قَلبُ قُل لي أينَ صادَفك الهَوى / أَم كَيفَ عَنّ لكَ الغزالُ السّانِحُ
كيفَ اِطّباكَ إِلى الهوى غَمْرٌ بِهِ / سُكرُ الصِّبا جَذَعاً وأنتَ القارحُ
إِنَّ الّذين عَلى مِنىً عُلِّقْتَهُمْ / راحوا وَكَم أَردَى المقيم الرّائحُ
ما ضرّهمْ طَرَحوا الحدوجَ وإنّما / أحداجُهمْ مُهَجٌ لنا وجوانِحُ
وتكلّفوا ذَبْحَ الهَدِيِّ وإنّما / ألْحاظُهُنّ لنا هناكَ ذوابحُ
بيني وبين عواذلِي
بيني وبين عواذلِي / في الحبِّ أطرافُ الرماحِ
أنَا خارجيٌّ في الهوى / لا حُكمَ إلّا للمِلاحِ
تِلكَ الدّيارُ برامَتين همودُ
تِلكَ الدّيارُ برامَتين همودُ / دَرَسَتْ ولم تدْرسُ لهنّ عُهودُ
حَيثُ اِلتَوى ذاكَ اللّوى ثمَّ اِستَوى / وَاِلتفَّ مِن شَملِ الأراكِ بَدِيدُ
أَوَ ما رأيتَ وُقوفَنا بمُحَجَّرٍ / والدّمعُ مِنْ جَفْنِي عليه يجودُ
مُترنّحينَ منَ الغرامِ كأنّنا / قُضُبٌ تميلُ مع الصِّبا وتميدُ
والرّكبُ إمّا سادِرٌ مُتَهالكٌ / أو راكبٌ ثَبجَ السُّلوِّ جَليدُ
وعلى أهاضيب المُشقَّرِ غادةٌ / للرّيمِ منها طَرفُهُ والجيدُ
صَدّتْ ولم تُرِدِ الصُّدودَ وربّما / جاء العناءُ ولم يُرِدْه مريدُ
ولقد طَرقتَ وما طَرقتَ صبابةً / عيني ونحن إلى الرّحالِ هُجودُ
في ظلِّ خوصٍ كالقسيِّ طلائحٍ / أخَذَتْ عَوارِيَهُنَّ منها البيدُ
أَنّى اِهتَديتَ وَكيفَ زُرتَ وَبَينَنا / دون الزّيارةِ مُرْبخٌ وزَرودُ
ومفاوزٌ مِنْ دونهنّ مفاوزٌ / وتهائِمٌ مِنْ فوقهنّ نُجودُ
وغرائرٍ أنكرنَ شيبَ ذوائبي / والبيضُ مِنَّي عندهنّ السُّودُ
أنكرنَ داءً ليس فيه حيلةٌ / وَذَممْنَ مفْضىً ليس عنه مَحيدُ
يُهْوى الشّبابُ وَإِنْ تَقادم عهدُه / ويُمَلُّ هذا الشّيبُ وهو جديدُ
لا تَبْعُدَنْ عهدَ الشَّبابِ ومِنْ جوىً / أَدعو لَهُ بِالقربِ وَهوَ بعيدُ
أَيّامَ أُرمَى بِاللّحاظِ وأرتمِي / وأصادُ في شَرَكِ الهوى وأصيدُ
قد قلتُ للرّكب السِّراعِ يحثُّهمْ / مترنِّمٌ بحُدائه غِرَّيدُ
في سَبْسَبٍ خافي المعالمِ والصُّوى / فكأنّما موجودُهُ مفقودُ
مَنْ مبلغٌ فخرَ الملوكِ رسالةً / أَعيَتْ عليَّ يقولُها المجهودُ
أتَرى ليالِيَّ اللواتي طِبنَ لي / في ظلّكَ الوافي عليَّ تعودُ
وَمَتى أَزور ربيعَ أرضِك زَوْرَةً / وعليَّ من نَسْجِ الرّبيعِ بُرودُ
وأنا الّذي من بعد نَأْيِكَ نازحٌ / عن كلِّ ما فيه الهوى مطرودُ
أُضحِي أَرى ما غيرُهُ عندي الرِّضا / وأُريدُ كُرهاً ما سواه أُريدُ
للَّهِ حِلْمُك والرِّواقُ يُرى بهِ / للسائلين من الوفود وفودُ
والقول يُرزَقُهُ الشّجاعُ ويمتري / منه ويُحرَمُ نُطقَه الرِّعديدُ
في مَوقفٍ ينتاب تامورَ الفتى / للرّعبِ إقرارٌ بهِ وجُحودُ
وعلى الأسرّةِ من ضيائك بارقٌ / أو كوكبٌ جَهَر النّجومَ فَريدُ
وكأنَّ وجهَك قُدَّ من شَمسِ الضُّحى / أم مِنْ سَنا قمر الدّجى مقدودُ
لاذوا بمن ثَمَرُ المروءَة يانعٌ / منه وأُمُّ المَكْرُماتِ وَلودُ
والمنهلُ العِدُّ النميرُ وحيثما / يُدنى المَذود ويُمنحُ المحدودُ
يا فخرَ مُلكِ بني بويه ومَنْ له / ظِلٌّ على هذا الورى مَمْدودُ
وَالمُعتلي قِمم العَلاء بهمّةٍ / قامَتْ وهمّاتُ الرّجالِ قُعودُ
وَالمُنشئ الغُرِّ الغرائبِ في النّدى / حتّى تُعلّم منه كيف الجودُ
هيَ دولةٌ مازلتَ تَرْأبُ شعبَها / وتذُبُّ عنها كالئاً وتذودُ
تُنمى إِذا اِنتَسَبتْ إِليك وما لها / إِلّاكَ آباءٌ لها وجُدودُ
وَرَدَدْتها بالأَمسِ ثلَّةَ قَفْرةٍ / شَطَّتْ فأحْرزَها علينا السّيدُ
أَوْقَدتها بعدَ الخبوِّ فما لها / أَبَدَ الزّمانِ تطامنٌ وخمودُ
مَنْ ذا الّذي يَرنو إِلَيها طالباً / ولها ببابك عُدّةٌ وعديدُ
لَولا دِفاعُك ما اِستَقَرّ بمَفْرَقي / ذاك المتوَّجِ تاجُهُ المعقودُ
ولَزال هذا الملكُ بعد مماتِهِ / وَلمالَ عنهُ دعِامُه المعمودُ
كَم ذا صَليتَ وِقايةً لِنَعيمِهِ / يَوماً يَذوبُ بحَرِّهِ الجلمودُ
في ظهرِ مُستَلبِ الفُتورِ كأنّه / هَيْقٌ بأجواز الفلاةِ شَرُودُ
وكأنّه ينسابُ في خَلَلِ القنا / يومَ الكريهةِ أرْقمٌ مَزؤودُ
في غِلمةٍ سلكوا طريقَك في الوغى / والبيضُ منهمْ رُكّعٌ وسجودُ
مُتَسرّعينَ إِلى القِراعِ كأنّهمْ / وعليهمُ زُبَرُ الحديد حَديدُ
يُرْدُون مَنْ شاؤوا بِغَيرِ منيّةٍ / فَهُمُ وَإِنْ غَلَبوا الأسودَ أُسودُ
لا يَأخُذونَ المالَ إِلّا بِالقَنا / تَحمرّ مِنه ترائبٌ ووريدُ
أَو مِنْ ظُبا لم تَعْرَ يومَ كريهةٍ / إِلّا وَهاماتُ الكُماةِ غُمودُ
لا تَحقرنَّ منَ العدوِّ صغيرةً / وَاِرْدُد مكيدَةَ مَنْ تراه يكيدُ
وَإِذا اِسْتَرَبْتَ بِمنْ خَبَرْتَ فلا تَنَمْ / فَالدّاءُ يُعدِي والقليلُ يزيدُ
إِنَّ الحَسودَ هوَ العدوُّ وإنّما / سَتَروا قَبائِحَهُ فَقيل حسودُ
وَالضِّغنُ تَطْمُرُهُ الأناةُ فتعترِي / حِزَقاً إليه ضغائنٌ وحقودُ
وَالعودُ إِنْ طَرَحَ التقادُم قادحاً / فيهِ وَلم تدلكه ظلَّ العودُ
لَولا الصّلاحُ بِأنْ يُعاقَبَ مجرمٌ / ما كان وَعدٌ مُطمِعٌ وَوَعيدُ
ضَمِنَتْ لك الأقدارُ كلّ محبّةٍ / وَأحَلَّكَ الرّحمَن حيثُ تريدُ
وَنَعِمْتَ بِالنّيروزِ نعمةَ ناشدٍ / أضحى وَحشوُ يمينِهِ المنشودُ
وَعَرَتْكَ فيه جلالةٌ وإدالةٌ / وأتَتْكَ منه مَيامنٌ وسُعودُ
حَتّى يَقولَ المستزيدُ لكَ العُلا / ما فَوقَ هَذا في العَلاءِ مَزيدُ
هبّتْ تلومُ على النّدى هندُ
هبّتْ تلومُ على النّدى هندُ / يا هندُ خيرٌ من غِنىً حَمْدُ
الحمدُ يبقى لي وإنْ تَلِفَتْ / نفسِي وفاتَ الأهلُ والوُلْدُ
وَالمالُ تَأكلُهُ النّوائبُ وال / أحداثُ حتّى ما لَهُ رَدُّ
وَيَبيت يحرسُهُ وإن دفعتْ / عنه الكرامُ الطِّفْلُ والعبْدُ
وَالحمدُ لا يَستطيع يأخذهُ / مِنْ راحتيَّ النّاكلُ الوَغْدَ
وإذا سريتُ سرى معِي وَضِحاً / وهْناً وجُنْحُ اللّيلِ مُسْودُّ
يا هِندُ إنّ الدّارَ زائلةٌ / والقربُ يأتي بعده بُعدُ
عُمْرِي يروح وما أهَبْتُ بهِ / ذاك الحِمامُ به ولا يَغْدُو
ما كنتُ بالمنقادِ في يَدِه / لو كان في أيدِي الرّدى بُدُّ
وَالمَرءُ غايةُ لِبْسِهِ كَفَنٌ / يَبلى وآخِرُ بَيتِهِ اللَّحْدُ
كَم مَعشَرٍ هُجرتْ ديارُهُمُ / بأساً وعرّج عنهُمُ القصدُ
مُتَجاوِرينَ بدارِ مَضْيَعَةٍ / لا حرَّ عندهُمُ ولا بَرْدُ
ما فارَقوا إلّا بِرغمِهُمُ / في النّاسِ مَنْ عَشِقوا ومَنْ وَدّوا
وَإِذا دعا وجْداً يُدِلُّ بهِ / عند المنيّةِ خانَهُ الوُجْدُ
والخُلْدُ مُنْيَتُهُ وليس له / مُكْثٌ على الدّنيا ولا خُلْدُ
يا هندُ ليس يُجير من حَذَرٍ / خوفَ الرّدى غَوْرٌ ولا نَجْدُ
كلُّ النفوسِ وإنْ غفلنَ هوىً / بين الحمامِ وبينها وعْدُ
والنّدْبُ فسلٌ في الزّمان إذا / أهوى له والواهنُ الجَلْدُ
لو فات تشعيثُ الزّمان فتىً / فات الأصمَّ اليابسَ الجَلْدُ
ونَجَتْ وعولُ هضابِ كاظمةٍ / منه وما شَقِيَتْ به الرُّبْدُ
وَتودُّ هندٌ وهْيَ مُشفقةٌ / أنّى خَلَدْتُ وفاتَها الوُدُّ
وتردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ / أنّى وليس يُطيعها الردُّ
وَتَقول لا عَبِثَ البِعادُ بنا / وَتضلّ عَمّن خانهُ البُعْدُ
وَتَؤودُها البأساءُ إنْ نزلتْ / داري وعرّس عندِيَ الجَهْدُ
وَتُريدُ لي ما ليسَ في يَدِها / أمداً على الأيّامِ يمتدُّ
وتُعيذُنِي ما ليسَ يَنفعها / من راحةٍ ما بَعْدها كَدُّ
تَسَلين إنْ زلّتْ بنا وبِكم / قدمٌ وطُوِّل بيننا العهدُ
كَم جاءَ مثلَكِ وهْيَ ذاهبةٌ / من حادثٍ بعضُ الّذي يبدو
إنّ الرّدى لابدّ أُورَدُهُ / مستوخماً يوبى له الوِرْدُ
يَلِجُ البيوتَ وليس يدفعهُ / هَزْلٌ يرادُ به ولا جِدُّ
لا تَخدِشِي خدّاً عليَّ فما / ردّ الفتى أنْ يُخدَش الخدُّ
وتعلَّمي إنْ كنتِ عالمةً / أنّ الحِمامَ على الورى يعدو
ما إنْ جنى وِرْدٌ عليكِ ردىً / حتّى يُعطَّ لذلكَ البُرْدُ
لا تَحفلي بِالشامِتين فما / أنا في المنيّةِ دونهمْ وَحْدُ
لَم يُدرِكوا بَعدِي الطِلابَ ولا / سدّوا بمثْلِي الخَرْقَ إنّ سدّوا
وَلَقد كَفيتُهُمْ وما شَعروا / كيْدَ العِدا وَلِكَيدِهمْ وقْدُ
وعَلَتْ بهمْ لمّا جَذَبتُهُمُ / بيَدَيَّ قَسْراً تلكُمُ الوَهْدُ
نَزعوا الخمولَ بما كَسوتُهُمُ / من مَأْثُراتٍ حشوُها المجدُ
وَتَناهَبوا الأوْساقَ مِنْ شَرَفٍ / لا صاعَ فيهِ لَهُمْ ولا مُدُّ
وَأَنَا الّذي وَسْطَ الخميسِ إذا / نادَيتُ شُدّوا بِالقَنا شَدّوا
وعَلَيَّ مِن خِلَعِ القَنا حَلَقٌ / لَم يدنها نَسجٌ ولا سَرْدُ
في حيثُ ينجيكَ الطّعانُ وَلا / يُنجِي الأقبُّ القارحُ النَّهْدُ
مَنْ لِي بعارِي المَنْكِبَين منَ ال / دُنيا له عن خَتْلها شدُّ
يَنجو قَذاها غيرَ مُتّئدٍ / مِثْلَ الوَسيقةِ لَزَّها الطَّرْدُ
وَيَصُدُّ عَن تَزويقِ زينتها / حَيث اِستثيرَ فأعوَزَ الصَّدُّ
وَجناءَ مِنها الصّبرُ عن مَلَقٍ / تُنبِي بهِ أسبابُها النُّكْدُ
يا مُرَّةً وَيظنّ ذائقُها / أبَدَ الزّمانِ بأنّها شَهْدُ
ما دامَ غيُّك وهوَ منك هوىً / فَيدوم فيك وَيذهب الرُّشدُ
كَم ذا عقدتِ على الوفاءِ وما / ينفَكُّ يضعفُ ذلك العَقْدُ
وذنوبُ صَرْفِكِ إنْ عُدِدْنَ لنا / فَنِيَ الزّمانُ وَما اِنقَضى العَدُّ
أَمّا دِيارُ السّاكِنين إِلى / نَجواكِ فهْيَ الدُرَّسُ المُلْدُ
لا جِرْسَ فيه غير أنْ صَدَحَتْ / قُمْرِيّةٌ أو قَعْقَعَ الرَّعْدُ
وَبَكى عَلى مَنْ حلّها وَمضى / مُسْحَنْكِكُ القُطرينِ مُرْبَدُّ
زَجِلاً كأنّ صَلِيلَ هَيْدَبِهِ / زَأَرتْ وَقَد ريعَتْ بِه الأُسْدُ
أين الّذينَ عَلى القِنانِ لهمْ / شَرَفٌ عَزيزٌ بَحرُهُ عِدُّ
مُدّوا النعيمَ فحين تَمَّ لهمْ / سُلبوه وَاِنقطَعَ الّذي مُدّوا
من كلِّ أَبّاءِ الدنيّةِ لمْ / يُفْلَلْ له في مطلبٍ حَدُّ
كاللّيثِ أبرز شخصَه خَمَرٌ / والسّيفِ أعلَنَ مَتْنهُ غِمْدُ
ذَعَنَتْ لعزّتهمْ وهَيبتهمْ / الشّيبُ في الأحياء والمُرْدُ
ويسودُ طفلُهُمُ تميمتُهُ / لم تنفصمْ وقرارُهُ المَهْدُ
ردّوا الخطوبَ قعُدْنَ ناكصةً / لكنّهمْ للموتِ ما ردّوا
وكأنّهمْ من بعدما سكنوا الْ / أجداثِ ما هَزَلوا وما جدّوا
ما نافعٌ جدِّي إلى أمَدٍ / جدّ الفَتى وَقدِ اِلتَوى الجَدُّ
فَلَئِنْ فُقِدْتُ فإنّ لِي كَلِماً / حَتماً خَوالِدَ ما لَها فَقْدُ
تفرِي البلادَ وما يُحَسُّ بها / عَنَقٌ على دوٍّ ولا وَخْدُ
من كلِّ قافيةٍ مُرَقِّصَةٍ / يشدو بها الغِرّيدُ إنْ يشدُو
وإذا تضوّع نشرُ نَفْحَتِها / قال العَرَارُ تضوّع الرَّنْدُ
طَلَعتْ كَشمسِ ضحىً على أُفُقٍ / بيضاءَ لا يسطيعها الجَحْدُ
وَكَأنَّما أَغراضُها شرَرٌ / في وهنِ ليلٍ شبّها زَنْدُ
سَيّارةٌ جَمحُ الكلام لها / سَمْحٌ وحُرُّ فصيحها عَبدُ
يُنثْنِي عليها الحاسدون على / إحسانها وخصومُها اللدُّ
فَلَوَ اِنَّ جوهرَ لَفظها جسدٌ / لأضافَهُ في سِلْكِهِ العِقْدُ
لا تَطلُبي مِنِّيَ الشّباب فما
لا تَطلُبي مِنِّيَ الشّباب فما / عندي شبابٌ والشّيبُ قد وفَدا
أَينَ شَبابي وَقد أنَفْتُ على ال / ستّينَ ستّاً وجُزتُها عدَدا
فمنْ بغى عندِيَ البشاشة واللّه / وَ وبعض النّشاطِ ما وجدا
فقد مضى من يدِي وفارقنِي / ما لا أراهُ براجعِ أبدا
قَرّت عيونُ بني النبيِّ محمّد
قَرّت عيونُ بني النبيِّ محمّد / بالقادر الماضِي العزيمة أحمدِ
بموفّقٍ شَهدتْ له آباؤهُ / أنْ سوف يشتمل الخلافة في غدِ
جاءَتْه لم يُتْعِبْ بها في صدرِه / همّاً وَلا أوْمَا إليها باليدِ
سَبَقتْ مُخِيلَتُها إليه وأكرَم ال / نعماءِ طالعةٌ أمامَ الموعِدِ
ولقد علمتُ بأنّها لا تنتضِي / إلّا شَبا ماضِي الغِرارِ مهنَّدِ
لمّا مشتْ فيه الظّنونُ وأوسعتْ / طَمَعاً يروح مع العدوِّ ويغتدِي
وَتَنازَعوا طُرُقاً إليها وعْرَةً / جاءته في سَنَنِ الطّريقِ الأقصدِ
عَلِقتْ بأوفى ساعدٍ في نصرها / وأذبَّ عن مصباحها المتوقّدِ
قَرْمٍ يضيفُ صرامةَ المنصورِ في / قَمعِ العدوِّ إلى خشوعِ المهتدي
كالنّارِ عاليةِ الشّعاعِ وربّما / أخفَتْ تضرّمَها بطونُ الرِّمْددِ
يقظٌ يغضُّ جفونَه وهمومهُ / من كلِّ أطراف البلادِ بمرصدِ
فخراً بنِي العبّاسِ إنّ قديمكمْ / يأبى على الأيّامِ غيرَ تجدّدِ
شرفٌ يميلُ بيَذْبُلٍ ويَلَمْلَمٍ / وعُلاً تعرّس في جوار الفرقدِ
وهْيَ الخلافةُ موطنٌ لم يفتقِدْ / أطوادَه وشرارةٌ لم تخمُدِ
إنْ نلتَها ولَكَمْ لمجدك عندها / قدمٌ وكم في نيلها لك من يدِ
قَد وازَنوك فكنتَ أضربَ فيهمُ / عِرْقاً وأبعدَ غايةً في مَحتِدِ
وَدَعوك للأمرِ الجَليلِ فَلم تَكنْ / نَزْر الفَخارِ ولا قليلَ السُّؤدُدِ
يا اِبنَ الّذين إذا اِحتَبَوْا في مفخرٍ / عصفوا بكلِّ سيادةٍ لمسوّدِ
الطاعنُوا ثُغَرِ الرّجال وعندهمْ / أنّ المسلّمَ بالفِرارِ هو الرّدِي
وإذا دُعوا لِمُلِمّةٍ فكأنّما / فُجرتْ لها دُفَعُ الغمام المُزْبدِ
يفديك مِنْ يغشى بهاؤك طرفَه / من كلِّ رعْديدِ الجَنانِ معرِّدِ
متطاولٍ فإذا عرضتَ لِلَحْظِهِ / لصقتْ أسرّةُ وجههِ بالجلمدِ
للَّهِ دَرُّك وَالعجاجُ محلّقٌ / والخيلُ تعثرُ بالقنا المتقصّدِ
واليوم تَغدُرُ بالمطالِع شمسُه / فيطالعُ الدّنيا بوجهٍ أسْودِ
ما إِنْ تَرى إلّا جَريحاً ينثنِي / ضَرِجَ القميصِ على طريحٍ مُقصَدِ
والبِيضُ تعلمُ أنّها ما جُرّدَتْ / بِيديك إلّا من حُشاشَةِ معتدِ
وأنا الّذي ينُمى إليك ولاؤهُ / أبداً كما يُنمى إليكمْ مولدي
ما حاجَتي إلّا بَقاؤكَ سالِماً / تُعلِي مقاماتِي وتُدنِي مشهدِي
وَإِذا دَنوتُ إلى الرِّواقِ مسلِّماً / أقذيتَ بِي فيه نواظرَ حُسّدِي
وكسوتَ مرتبتي هناك فضيلةً / تَبقى على عَقِبِي بقاءَ المُسْنَدِ
في ساعةٍ مَلأى بكلِّ تحيّةٍ / تنجابُ عن أفواهِ قومٍ سُجّدِ
ومواقفٍ عمَرَ الجلالُ فِناءَها / فالحسنُ فيها بالمهابةِ مُرتَدِ
لا يستطيع الطّرفُ يأخذُ لحظَها / إلّا مخالسةً كلحظِ الأرمدِ
وَأَحقُّ مَن لبسَ الكرامةَ مخلصٌ / ما شابَ صفوَ ودادِه بتودّدِ
أُثني عَليك وبيننا متمنّعٌ / صعبُ المرامِ على الرّجالِ القُصّدِ
وَلئِنْ تحجّبَ نورُ وجهك بُرهةً / عنِّي فهاتيك المناقبُ شُهّدِي
خذها تَقَلَّبُ بين لفظٍ لم يَطُفْ / نُطقُ الرّواةِ به ومعنىً أوحدِ
غرّاء تستلب القَبولَ كأنّما / جاءَتْ تبشّرُ صادياً بالمورِدِ
وَاِسلَمْ أميرَ المؤمنين مزَوَّداً / نعماءَ موفور الحياةِ مخَلّدِ
تفنى القرونُ وطودُ ملكك راسخٌ / في خير منزلةٍ وأشرفِ مقعدِ
يا طَيفُ أَلّا زُرتَنا بِسَوادِ
يا طَيفُ أَلّا زُرتَنا بِسَوادِ / لَمّا تَصرّعنا حِيالَ الوادي
ما كان ضرّك والوُشاة بمعزِلٍ / عنّا جميعاً لو طرقتَ وِسادِي
والرّيُّ فيك وقد صَدَدْتَ فقل لنا / مَنّاً عَلَينا كيفَ ينقعُ صادِ
وَمن أَجلِ أنّكَ تَسْتَبينُ على الكرى / أهوى الرُّقادَ ولاتَ حين رُقادِ
والحبُّ داءٌ في القلوبِ سَقامُهُ / خافٍ على الرُّقباءِ والعُوّادِ
يا زورةً مِن باخلٍ بلقائِهِ / عَجِلَتْ عطيّتُهُ على الميعادِ
تَرك البياضَ لآمنٍ وَأَتى بهِ / فَرَقَ الوِشايةِ في ثيابِ حدادِ
وَلَقد طَرقتُ الخِدْرَ فيه عقائلٌ / ما قِلْنَ إلّا في ضَمير فؤادِي
لَمّا وَرَدتُ خِيامَهنّ سَقَيننِي / مِن كُلِّ مَعسولِ الرُّضاب بُرادِ
وَمُخضّبِ الأطرافِ صَدّ بِوجههِ / لَمّا رَأى شَيبِي مكانَ سوادي
وَالغانِياتُ لذِي الشّباب حبائبٌ / وإذا المشيبُ دنا فهنّ أعادِ
شَعَرٌ تبدّل لونُهُ فتبدّلتْ / فيه القلوبُ شناءَةً بودادِ
لَم تَجنِهِ إلّا الهمومُ بِمَفْرقي / ويُخالُ جاءَ بهِ معَ الميلادِ
وَلَقَد تكلّفنِي الوشاةُ وأَفرجوا / عن جامحٍ متصاممٍ متمادِ
يَلحى العذولُ وتلكَ منهُ سَفاهةٌ / وَفُؤادُه في الحبِّ غيرُ فؤادِي
حَتّى كَأنَّ لَهُ صَلاحِي في الهَوى / دون الخلائقِ أو عليه فسادِي
مَن مبلغٌ ملكَ الملوكِ رسالةً / مِنْ رائحٍ بثنائِه أو غادِ
كم زارني وأنا البعيدُ عن النّدى / مِنْ سَيْبِ كفّكِ مِن لُهاً وأيادِ
عَفواً كما اِنخَرقتْ شآبيبُ الحَيا / مِن غير إبراقٍ ولا إرعادِ
نِعَمٌ غلبنَ على المزيدِ فما ترى / طمعاً يجاوزهنّ للمزدادِ
لمّا كَثُرنَ عليَّ منك تبرّعاً / وتفخّراً كثّرنَ مِن حُسَّادِي
كنتُ المشمِّرَ قبلها ولَبِستُها / فَمشيت فيها ساحباً أبرادِي
مُتأطّراً أَشَراً كزعزعةِ الصّبا / أفنانَ فرعِ الأيكةِ الميّادِ
وَلأنتَ يا ملك الوَرى في معشرٍ / طالوا مدى الأنجادِ والأمجادِ
فاتوا الأنامَ وحلّقوا في شاهقٍ / عالٍ على الأعلامِ والأطوادِ
لا يتركون ذُرى الأسرّة عزّةً / إِلّا إِذا رَكبوا ظهورَ جيادِ
قَومٌ إِذا اِشتَجَر القنا ورأيتهُ / كالغابِ كانوا فيه كالآسادِ
وإذا مضتْ عَرَضاً أحاديثُ الوغى / قَلِقَتْ سيوفُهمُ من الأغمادِ
الضارِبينَ القرنَ وهو مصمِّمٌ / بصوارمٍ بيضِ المتونِ حِدادِ
وَالحاطِمينَ غَداة كلِّ كريهةٍ / في الدّارعينَ صدورَ كلِّ صِعادِ
وَالراسِخينَ وَهَضْبُ يَذْبُلَ طائشٌ / والمُقفِرين مكامن الأحقادِ
وَتَراهُمُ كَرَماً خلالَ نَعيمهمْ / مُتَنصّتين إلى غياثِ منادِ
سَعدَتْ بِطالِعكمْ وَبارك ربّكمْ / فيما حوى واديكُمُ من وادِ
فَفناؤهُ مَجْنى المَكارمِ واللُّها / وَمجاثمُ الطُلّابِ والرّوّادِ
للّهِ درُّك نَصْبَ عورةِ حادِثٍ / حَدِباً ترامِي دونها وتُرادِي
وَالخَيلُ دامِيةُ الجلودِ كأنّما / لُطِخَتْ على أجسادها بجِسادِ
في ظهرِ رَوْعاءِ الفؤادِ كأنّها / نجمٌ تهوّر أو شرارُ زِنادِ
وَالقَومُ أعناقٌ بغيرِ كواهلٍ / حُصِدَتْ وأجسامٌ بغير هوادِ
أَمّا القلوبُ فهنَّ فيك أصادِقٌ / وَلِمَن سِواك مُصادقٌ ومُعادِ
ألَّفْتَهُنَّ على النّدى فَتألّفتْ / بدَداً على الإثناءِ والإِحمادِ
وأنَا الّذي واليتُ فيك مدائحاً / كالشّمسِ طالعةً بغير بلادِ
يَتَرنّم الخالِي بهنّ وربّما / وَنَتِ الرِّكابُ فكنَّ حَدْوَ الحادِي
يا لَيتَهنّ عُرِضنَ عندك مِن يدِي / وسُمِعنَ حين سُمِعنَ مِن إنشادِي
فَاِمننْ بِتقريبٍ إليك أفُز بهِ / يا مالكَ التّقريبِ والإِبعادِ
فالحظّ عندك عصمتِي ووثيقتِي / والرّأيُ منك ذخيرتِي وعَتادِي
وأحقُّ بالإدْناءِ من حُجُراتكمْ / كَلِفٌ يوالِي فيكُمُ ويعادِي
أنتمْ ملاذِي في الخطوبِ وأنتُمُ / إنْ زلّ بالمكروه منه عِمادِي
أوسعتُمُ لمّا نزلتُ بكمْ يدِي / وأطبْتُمُ لمّا أضفتمْ زادِي
وأريتمونِي بالمكارِم أنَّنِي / لم أدرِ كيف خلائقُ الأجوادِ
سَبَلٌ من الآباءِ لمّا غُيّبوا / في الأرض عنه أقامَ في الأولادِ
فاِسلَمْ لَنا ملكَ الملوكِ وَلَم تَزلْ / تبقى على الدّنيا بغير نَفَادِ
وَاِسعَدْ بِنيروزٍ أَتاك مُبشِّراً / ببلوغِ كلِّ محبّةٍ ومُرادِ
يَمضِي وَيَأتيكَ الزّمان بمثلهِ / أبداً يلفّ مراوحاً بمغادِ
لا رابَنا فيك الزّمانُ ولم تزلْ / يفديك مِنّا كلَّ يومٍ فادِ
في عزِّ مُلكٍ كالثّريّا مُرتقىً / شَثِنِ المرائِرِ ثابتِ الأوتادِ
بِاللَّهِ يا أيّامَ يثربَ عودي
بِاللَّهِ يا أيّامَ يثربَ عودي / عودِي لبلِّ حُشاشةِ المعمودِ
ما كان أَنضرَ بينهنّ محاسنِي / في أعينٍ رُمُقٍ وأخضرَ عودِي
أيّام لم تحنِ النّوائبُ صَعْدَتِي / بمرورهنّ ولا لَوَين عمودي
كلّا وَلا عَبِثتْ بُيَيْضاتُ الرّدى / في مفرقي أو عارِضيَّ بسودِ
يا بُعدَ ما بيني وبين حبائبي / والشّيبُ في فَوْدَيَّ غيرُ بعيدِ
ولقد علمتُ وقد نُزعت شبيبتي / أنْ لا نصيبٌ في الظّباءِ الغِيدِ
قد كان لي سهمٌ سديدٌ في الدُّمى / لكنّه بالشّيب غيرُ سديدِ
قل للّتي ضنّتْ عليَّ بنظرةٍ / ذاتِ اللّمى واللّؤلؤِ المنضودِ
لِمْ تأسفين على المحبِّ بقُبلَةٍ / فكأنّ ثغراً منك غيرُ بَرودِ
خلّي القُطوبَ منَ الأسرّةِ وَاِكتَفِي / عن عقدهنّ بفرعك المعقودِ
أنتِ الطليقةُ في هواهُ فَاِعلمِي / وَتَحكّمي في الموثقِ المصفودِ
قد كنتُ جَلْداً في الهوى لكنّني / يَومَ الفراقِ عليهِ غيرُ جَليدِ
كَم في الهوادجِ من قضيبٍ مائسٍ / أو مُرتوٍ ماءَ الصِّبا أُمْلودِ
ما إِنْ دَرى ماذا إليهِ يَقودني / من حُبّهِ ويعودني من عيدِي
ما لِي وقد لفَّ الصَّباح خيامهمْ / غيرُ الزَّفير وأنّةِ المورودِ
ومماطِلٍ إنْ جاء يوماً وعدُه / غلطاً ومكراً ضنّ بالموعودِ
في جيده من حسنِه حَلْيٌ له / والحَلْيُ خيرٌ منه حسنُ الجيدِ
لي فُرقتان ففرقةٌ بيد النّوى / أو فرقةٌ لتجنّبٍ وصُدودِ
قلْ للذِي ساق الظّعائنَ ربّما / سوّقتَ قلبِي بين تلك البيدِ
ورميتَ في قلبِي وفي عينِي معاً / بالنّارِ ذاك وتلك بالتّسهيدِ
وإذا دموعِي يومَ سِلنَ شهدن بال / وجدِ المبرّح لم يُفدْكَ جُحودِي
ما ضرّ من يسرِي سُراه ووجهُه / خلفَ البدور على ليالٍ سودِ
في ليلةٍ بُرْدُ السّماء موشّحٌ / بنجومها والنجمُ كالعنقودِ
في كُلّ يومٍ تَستجدّ قطيعة / وجديدُ لؤمِ المرءِ غيرُ جديدِ
يا صاحبي فُزْ بالرّشادِ وخلِّنِي / فلقد رضيتُ أكون غيرَ رشيدِ
هَب لِي الملامَ عَلى الغَرام فإنّنِي / ملآن من عذلٍ ومن تفنيدِ
قمْ سلِّ قلبِي كيف شئتَ ولا ترُمْ / منه السُلوَّ عن النّساءِ الرُّودِ
لا تسألنِّي أنْ أعيشَ بلا هوىً / فيهنّ واِسأَلْ طارفِي وتليدِي
قَد كُنتَ جاري في شبيبة أَعصُرِي / فَكنِ المُجاور في الزّمان المودِي
وَاِمزُجْ صَفاءً قَد عَداك برَنْقِه / وَاِخلُطْ زَماناً ناعماً بشديدِ
ما إِنْ رَأيتُ وَلَم أَكن مسُتثنياً / في هَذهِ الأيّامِ من محمودِ
وَإِذا اِلتفَتّ إلى الذين ذخرتُهمْ / لشديدتي لم ألفِ غيرَ حسودِ
أَنا بَينَ خالٍ مِن جَميلٍ قلبُه / وَمِن القَبيحِ وَبَينَ كلّ حقودِ
وإذا صُددتُ عن المواردِ جمّةً / فمتى يكون وقد ظمئتُ ورودِي
لا بُلّغت عِيسِي مداها إن نحَتْ / غيرَ الكرامِ وقُيّدت بقيودِ
إن لم أثِرها كالقطا نحو العُلا / يطوين بالإرفادِ كلَّ صعيدِ
وتلفّ أيديها على طول الوَجا / لفّ الإزارِ تهائماً بنجودِ
لا تستفيق من الدُّؤوب وإنّما / يضربن بيداً في الفَلاةِ ببيدِ
فعرِيتُ في يوم الفخارِ على الورى / من فخر آبائي وفخر جدودي
قومٌ إِذا سَمِعوا بداعيةِ الوغى / طلعوا النّجادَ على الجيادِ القُودِ
لا يَعبأون إِذا الرّماحُ تشاجرتْ / يوماً بما نسجتْ يدا داوودِ
وَدِفاعُهمْ وَقِراعُهمْ أدراعهمْ / يومَ الوغى من طعنِ كلّ وريدِ
سادوا أَكابرَ قَومِ كلّ عشيرةٍ / من قبل قطعِ تمائم المَولودِ
فَإِذا سَرحتَ الطّرف بينَ بيوتهم / لَم تَلق غيرَ مُغبَّطٍ محسودٍ
وَأَنا الّذي أَطلقتُ أسْرَ سماحةٍ / في النّاسِ أو أنشرت مَيْتَ الجودِ
ما الفَرقُ إِنْ لَم أعطِ مالِيَ مُعدماً / ما بين إعدامِي وبين وجودِي
فَلَو اِنّ حاتِمَ طيّءٍ وقبيلَه / وَفَدوا عليَّ تعلّموا من جودِي
ما لِلرّجال إذا هُمُ حذورا سوى / حرمِي الأمينِ وظلِّيَ الممدودِ
لَم أتلُ قطّ مسرّةً بمضرّةٍ / فيهمْ ولا وعْداً لهمْ بوعيدِ
نَقضُ الجِبال الشُمِّ لا يُعيي وَقَد / أَعيا عَلى الأيّامِ نقضُ عهودِي
وَإِذا عَقدتُ فليسَ يَطمعُ طامعٌ / في أَن يحلَّ بِراحَتيهِ عقودِي
وَالحادِثاتُ إِذا طَرَقن فَلم أَكن / عَنهُنَّ نوّاماً ولا بهجودِ
إِنْ أُضحِ عَضباً فالقاً قِمَم العدى / فلربّ عضبٍ عِيق عن تجريدِ
لَيسَ الأسودُ وَإِن مُنِعنَ فرائساً / وَرَبضن في الغاباتِ غيرَ أسودِ
وَإِذا قعدتُ فسوف تبصرُ أعينٌ / منِّي قيامِي في خلال قعودِي
أنا مُلجَمٌ بالحزمِ عن قولي الّذي / لو قلته لأشَبْتُ كلَّ وليدِ
حتّى مَتى أَنا في ثيابِ إضامةٍ / أقرِي المناجِي زفرةَ المجهودِ
أُلوى عن الأوطانِ لا تدنو لها / كفّايَ لَيَّ الأرقم المطرودِ
وَأُذادُ عن وِرْدِي وَبي صدأٌ وكمْ / ظمآنِ قومٍ كان غيرَ مَذودِ
أبغِي الرّذاذ من الجَهام وتارةً / أرجو وأمرِي دَرَّ كلِّ جَدودِ
والخيلُ تعثر بالجماجم والطُّلى / مخضلّةً عن يابس الجُلمودِ
للّهِ دَرّكُمُ بنِي موسى وقد / صُدِمَ الحديدُ لدى وغىً بحديدِ
ما إِن تَرى إلّا صَريعاً هافياً / كَرَع الحمامَ وليس بالملحودِ
وَمُجدَّلاً بالقاعِ طارِ بِصفوه / نَسْرٌ وبقَّى شِلْوَه للسِّيدِ
هَذا وَكَم جيشٍ أَتاهُمْ ساحِباً / فوق الإِكامِ ذيولَ كلِّ بُرودِ
غَصّانَ مِن خَيلٍ بهِ وَفَوارسٍ / ملآنَ من عُدَدٍ له وعديدِ
رُدّوا رُؤوساً كنَّ فيه مَنيعةً / بالضّربِ بين مُشجَّجٍ وحصيدِ
وَمَتى اِستَرَبْتَ بنَجْدتِي في خُطّةٍ / فمِنَ الطّعانِ أو الضرّاب شهودِ
خُذها فَما تَسطيع تَدفعُ إنّها / في الغايةِ القصوى من التّجويدِ
ما لاكَها مِن شاعِرٍ حَنكٌ ولا / أَفضى إِلَيها ذهنُ كلِّ مُجيدِ
غَرّاءَ لَو تُليتْ على ظُلَمِ الدّجى / شابتْ لها لَمِمُ الرّجالِ السُّودِ
يُنسيكَ نَظمٌ حيكَ بينَ كَلامها / نَظْمَ الثّغورِ ونَظْمَ كلِّ فريدِ
لَيسَ الّذي اِعتسفَ القريضَ بشاعرٍ / وإذا أصاب فليس بالمحمودِ
وَإِذا اِلتَوى الكَلِمُ الفصيحُ على اِمرئٍ / يوماً فأحرارُ الكلامِ عبيدي
وإذا أردتَ تَعاف ما سَطَر الورى / فَاِسمَعْ قصيدي تارةً ونشيدي
قُمْ فَاِثنِ لِي فوقَ الوهادِ وسادِي
قُمْ فَاِثنِ لِي فوقَ الوهادِ وسادِي / فالآن طاب بفِيّ طعمُ رقادي
قَد شرّدتْ نَصَبي وأيْنِي راحتِي / وَاِستَبدَلَتْ عَينِي الكرى بسُهادِ
وَإِذا رعيتَ لِيَ الإخاءَ فهنِّني / ببلوغِ أوطاري ونيلِ مُرادِي
للّهِ يومٌ ملتُ فيه على المُنى / وثنَى الزّمانُ إلى السرورِ قيادِي
وحذرتُ دهرِي من أمورٍ جمّةٍ / فأناخَ فيه الأمنُ وسْطَ فؤادِي
نفَحتْ أميرَ المؤمنين عطيّةٌ / غرّاءُ من وافي العطاءِ جوادِ
جَبلٌ منَ الأجبالِ إلّا أَنّهُ / عِندَ الوَرى ولدٌ من الأولادِ
وَالسَيفُ أَنتَ وَلم يكُن مَن سَلّه / فينا لِيَتركهُ بِغيرِ نِجادِ
وَالغابُ أَهيَبُ ما يكونُ إِذا ثوَتْ / أَشبالُه فيه مع الآسادِ
وَالطّعنُ في الأرماحِ يُعوِزُ في الوغى / لَولا الأسنّةُ في رؤوسِ صِعادِ
وَالنّصلُ لولا حدُّه وغِرارُه / ما كنتَ حاملَه ليومِ جِلادِ
قالوا أَتى وَلَدٌ فَقلت صَدَقتُمُ / لَكِنّه عَضُدٌ منَ الأعضادِ
إِنْ كانَ في مَهدٍ رَضيعاً نُومةً / فغداً يكون على ذُرا الأعوادِ
وَتَراهُ إِمّا فوقَ صَهْوةِ منبرٍ / يَعِظُ الورى أو في قَطاةِ جوادِ
ما ضرَّه من قبلِ سلٍّ غِمْده / أنّ السّيوف تُسَلُّ من أغمادِ
والبدرُ يطويه السِّرارُ وتارةً / هو بارزٌ وسْطَ الكواكبِ بادِ
حَيَّا الإلهُ صباحَ يومٍ زارنا / فيه وحَيَّا ليلةَ الميلادِ
ريّان من ظفرٍ ونيلِ إرادة / ملآنُ بالإسعافِ والإسعادِ
فَلَنِعمَ عهداً عهدُه وأوانُهُ / سقّاه ربّي صوبَ كلِّ عِهادِ
لو أنصف القومُ الألى لم ينصفوا / جعلوا به عيداً من الأعيادِ
يا خيرَ مَن حنَّتْ إِليه سريرتِي / طرّاً ومَن حنّتْ إليه جِيادي
وابنَ الّذي طال الخلائقَ كلَّهمْ / فضلاً وإن كانوا على الأطوادِ
ما إن رأيتَ ولا ترى شِبهاً له / أبداً من الزُّهاد والعبّادِ
روَّى بصائرَه تُقىً ويمينُه / جلّتْ عن الشّهواتِ وهْيَ صوادِ
فكأنَّه لخشوعه ولباسُه / حُللُ الخلائفِ مرتدٍ بِنجادِ
ذخروا النُّضارَ لهمْ ولم تكُ ذاخراً / إلّا ثَوابَ لُهاً وشكرَ أيادِ
أنَا ذلك المحضُ الّذي جرّبتُمُ / أبداً أوالِي فيكُمُ وأعادِي
وإذا بلغتكُمُ عقرتُ ركائبي / ونقضتُ من حذَرِ النَّوى أقتادِي
ما إنْ أبالي بعد قُربي منكُمُ / أنْ كان مِن كلِّ الأنام بِعادي
وإذا نصحتُ لكمْ فما ألْوي على / ما شفّني أو فتّ في أعضادي
إِنّي لَراضٍ بالسِّفالِ وَأنتُمُ الْ / معُلون لي ولقد علتْ أجدادِي
أَبوابُكمْ كرماً وجوداً فائضاً / عَطَنُ الوفودِ وغايةُ القُصّادِ
ما إِنْ يُرى إلّا عَلَيها وحدَها / وفدُ الورى وتزاحمُ الوُرّادِ
حوشيتُ َأن أُعنى بِغيرِ دِيارِكمْ / أو أنْ أجرَّ بغيرها أبرادِي
وَإِذا رَشادي كانَ بَينكُمُ فما / أَبغي إِذا خُيّرت غيرَ رشادِي
وَكأنَّني ضَوَّعتُ نَشرَ لَطيمةٍ / لمّا سننتُ مديحكمْ في النّادِي
ما كانَ لَولا أنّكمْ قُدّمتُمُ / مَنٌّ لمخلوقٍ على أكتادِي
أنا في جواركُمُ بأنعمِ عيشةٍ / وَأجلِّ منزلةٍ وأخصبِ نادِ
راضٍ بأنْ نفسي فَدَتك وما حَوَتْ / كفّايَ لي مِن طارفٍ وتِلادِ
وَإذا الزَّمانُ نبا بنا عن مطلبٍ / وَغطا بياض طماعنا بسوادِ
قُمنا فَنِلنا ما نَشاءُ منَ العُلا / بِالقائِمِ الماضي الشَّبا والآدِي
شائِي الكرامِ بفضلهِ في نفسهِ / طوراً وبالآباء والأجدادِ
ما كانَ إلّا في السّماء وَما اِرتَقى / قُلَلَ المعالي في بطون وِهادِ
لا تَعتَمِدْ إلّا عَليَّ لخدمةٍ / إنّي وَجَدّك خيرُ كلِّ عمادِ
وَمَتى اِنتَقدتَ فَلَن تَرى لِي مُشبها / في خدمةٍ يا أخبرَ النُّقَّادِ
وَإِذا أَردتَ عَظيمةً فَاِهتفْ بِمنْ / ما دبّ فيه على العظيم تمادِ
عَجِلٍ إلى داعي الصّريخ كأنّه / متوقّعٌ أَبداً نداءَ منادِ
أنَا منكُمُ نسباً وودّاً صادقاً / أبداً أُراوِح حِفظَه وأُغادِي
أَجدى على القُربى إِليَّ تقرّبي / وأحبُّ من نسبي إليَّ وِدادِي
يا أَيُّها المتحكّمونَ على الوَرى / بالعدلِ في الإصدارِ وَالإيرادِ
حَسبي الّذي أُوتيتُه من حبِّكمْ / وولائكمْ ذخراً ليومِ مَعادِي
إِنْ كُنتمُ قلّلْتُمُ لِيَ بَينكمْ / شِبْهاً فَقَد كثَّرتمُ حُسَّادِي
للَّهِ دَرّك في مُقامٍ ضيّقٍ / حَرِّ الرّدى مُتلهِّبِ الإيقادِ
وَكَأنّما الأقدامُ فيه تَقَلْقُلا / وَطِئَتْ عَلى الرَّمضاء شوكَ قَتادِ
وَالسّيفُ يَرتعُ في يَديك منَ العِدى / بِالضّربِ بينَ ترائبٍ وهوادِ
وَالرُّمحُ يَهتِك كلَّ ثُغرةِ باسلٍ / طعناً ويشرب من دمِ الأكبادِ
وَإِذا أَسال من الكَميّ نَجيعَه / غِبَّ الطّعانِ أسالَ كالفِرصادِ
والخيلُ يستلبُ الطّعانُ جلودَها / فكأنّها خُلقتْ بلا أجلادِ
حتّى وَفَتْ لك نَجدةٌ ألبستَها / في النّاكثين الوعد بالإيعادِ
وَقضَتْ لدين اللّه كفُّك حقَّه / وبلغتَ للإسلامِ كلَّ مُرادِ
فَاِسمَعْ مَديحاً لم تَشِنْهُ مَينَةٌ / تسرِي قوافيه بكلِّ بلادِ
قَطّاعَ كُلِّ ثنيّةٍ وتنوفةٍ / طلّاعَ كلِّ عَليّةٍ ونِجادِ
زينَتْ بهِ الأغراضُ فهْوَ كأنّهُ / وَشْيُ الجسومِ وحِليةُ الأجسادِ
رِفْدِي عليه حسنُ رأيك إِنّني / راضٍ به من سائر الأرفادِ
لا عَيبَ فيهِ غيرَ أنْ لَم يَستمعْ / من منطقي ويزفّه إِنشادي
منّا الوصالُ ومنكُمُ الهجرُ
منّا الوصالُ ومنكُمُ الهجرُ / وعلى إساءَتكمْ بنا الشّكرُ
ولكلّ من أسدى الجميلَ سوى / مسدي الجَميل إليكُمُ أجرُ
يا طَلعَةً للحُسنِ يَظلِمها / مَنْ قال يوماً إنّها البدرُ
إن كان جرماً ما ظننتِ بنا / فالجرم يمحو وِزْرَه العذرُ
حنّت إليكمْ كلُّ غاديةٍ / وبكى عليكمْ بعدِيَ القَطْرُ
وثراكُمُ لا زال مُلتمعاً / في حافَتَيْهِ النَّوْرُ والزّهرُ
وَإِذا اِبتَغى وطناً يقيم بهِ / سحُّ الحَيا فرُباكُمُ الخُضْرُ
وكأنّ قلبِي يوم بينِكُمُ / شطرٌ أقام وعندكمْ شطرُ
ولقد وقفتُ على وداعكُمُ / وجوانحِي من صبرها صِفْرُ
وبهنّ مِن تلذيع بينكُم / جمرٌ بودّي أنّه الجمرُ
وإذا مددتُ يداً إلى جَلَدي / فمحلّقٌ عنِّي به نَسْرُ
يا صاحِبيَّ وَما عَذَرتُكما / أنْ تنجوا عمّن به الأسرُ
وصحوتُها عن صاحبٍ ثمِلٍ / لم تنزُ فِي أوصاله الخمرُ
سكرانَ من عُجْبٍ يمرّ بهِ / ولربّ سكرٍ دونه السُّكرُ
وَصممتُما عنهُ وليسَ بهِ / ممّا يَخاف عليكما وِقْرُ
ألا وقد فسح الزّمانُ لنا / أَعطانَه وَاِستُغزِرَ الدَّرُّ
وَكأنّما الحولُ المجرَّمُ مِنْ / غَفلاتِنا عن مرَّه شهرُ
وإذا الأزمّةُ في أناملنا / والنَّهْيُ للأقوامِ والأمرُ
للّهِ أُمٌّ غَلّستْ بفتىً / حتّى شَككنا أنّه الفجرُ
قامَتْ تمطّى عنه عالمةً / أنّ الذي جاءتْ به الفخرُ
وَتَشاهَدَتْ مِن قبلِ مَولدهِ / بذكائهِ الأعراق والنّجرُ
فَأَتى كَما شاءَ الصديق لَه / لا مَرْقَعٌ فيه ولا جَبْرُ
وَتَخالُ كِبْراً في شَمائلهِ / مِن عزّةٍ ولغيره الكِبرُ
وَتراهُ في يومِ الهياجِ إذا / وَضَحَ الحِمامُ وصرّح الذُّعرُ
يَهوي إلى قنصِ النّفوس كما / يهوي إلى فُرصاته الصَّقْرُ
وَبِكفّه في كلِّ معركةٍ / تَرد الدّماء البِيضُ والسُّمرُ
كَم ذا أُطيلُ القولَ في زمنٍ / سِيّانِ فيه الخيرُ والشّرُّ
أَشراره في نجوةٍ أبداً / مِن شرّه والمُبتَلَى الحُرُّ
قَومٌ يرَون الفقر بينهُمُ / أن تُعدمَ الأموالُ والوَفْرُ
ويعدُّ غيرُهُم فقيرَهمُ / مَن لا جميلَ له ولا ذِكرُ
وكأنّما المعروف بينهمُ / من حشمةٍ منه هو النُّكْرُ
كَيفَ الفلاحُ وبيننا خَلَفٌ / لا نائِلٌ منهمْ ولا بِشْرُ
نبذوا الجميلَ وراء أظهرهمْ / فرباعهمْ من فعله قَفْرُ
وإذا عددتَ خيارهمْ فهمُ / مَن لا اِنتِفاعَ بِهمْ ولا ضَرُّ
في كلِّ يومٍ منهمُ تِرَةٌ / لو كان في أمثالهمْ وِتْرُ
وَلَربّ فعلٍ دقّ صاحبُهُ / حتّى أتاك وجُرمُه هَدْرُ
إِن كانَ غيّبك الترابُ الأحمرُ
إِن كانَ غيّبك الترابُ الأحمرُ / وحَلَلْتَ مَرْتاً لا يزورك زُوَّرُ
فلقد جَزِعتُ على فراقك بعدما / ظنّوا بأنّي عنك جهلاً أصبِرُ
فالنّارُ في جَنْبَيَّ يوقدها الأسى / والماءُ من عينيَّ حُزناً يقطرُ
كم في التّرابِ لنا محيّاً مشرقٌ / بيد المواحِي أو جبينٌ أزهرُ
ومرفّعٌ فوق الرّجال جلالةً / ومتوّجٌ ومطوّقٌ ومسوّرُ
أَعيَتْ على طلبِ الرّدى نُجُبُ السُّرى / وخُطا المَهارى والجيادُ الضُّمَّرُ
وَمَضى الأنامُ تكنّهمْ آجالهمْ / فمغصّصٌ ومنغّصٌ ومُحَسّرُ
ومُخالَسٌ ما كان يُحذر هُلْكُه / ومتارَكٌ ومُقدّمٌ ومؤخّرُ
وكأنّهمْ بيد الحِمامِ يلفُّهمْ / عَصْفٌ تصفِّقُهُ خَريقٌ صَرْصَرُ
وَمواطنٌ لِترنّمٍ وتنعّمٍ / ومواطنٌ فيها الزّوافر تزفِرُ
لو كان في خُلدٍ لحيٍّ مَطمعٌ / فيها وروّادِ المنيّةِ مَزْجَرُ
لنجا المنونَ مغامرٌ في حومةٍ / وخطا المنيّةَ في العرين القَسْوَرُ
ولَسَدّ طُرْق الموتِ عن أبوابه / كِسرى وحاد عن المنيّةِ قيصرُ
وَلكانَ مَن ولدتْ نِزَارٌ في حمىً / منه ودفّاعُ العظيمةِ حِميَرُ
ولما مضى طوعَ الرّدى متكبّرٌ / سكن القلاعَ ولا مضى متجبّرُ
ولما خلا عن أهله ووفودِه / وضيوفِه فينا مكانٌ مُقفِرُ
فَاُنظُرْ بِعينك هل ترى فيما مضى / عنّا وصار إلى التّرابِ مخبّرُ
ولقد فقدتُ معاشراً ومعاشراً / ويسرّني أنْ لم يكن لِيَ معشَرُ
وَاِشتَطّ روّادُ الحمامِ عليَّ في / أهلي وقومي فاِنتقَوْا وتخيَّروا
فمجدّلٌ وسْطَ الأسنّةِ بالقنا / ما كان يوماً للّباسِ يُعَصفِرُ
وَمُعَصفرٌ أَثوابهُ طعن القَنا / ما كان يوماً للّباس يُعَصفرُ
وَمُقطّرٌ لولا القضاءُ تقطّرتْ / فينا النجومُ ولم يكن يتقطّرُ
ومُعفّرٌ دخل السّنانُ فؤادَه / ما كان يألفه الترابُ الأحمرُ
والذّاهبون من الّذين ترحّلوا / ممَّنْ أقام ولم يفتنِي أكثرُ
خذ بالبنانِ من الحياة فإنّما / هو عارضٌ متكشّفٌ مُتحسّرُ
وَدعِ الكثيرَ فإنَّما لِهمومِه / جمع النُّضارِ إلى النُّضارِ مُبَدَّرُ
وكأنّما ظلُّ الحياةِ على الفتى / ظلٌّ أتاهُ في الهجير مُهجّرُ
ما لِلفَتى في الدّهرِ يومٌ أبيضٌ / ووراءَه بالرّغم موتٌ أحمرُ
ولِمنْ تراهُ ساكناً في قصره / مُتنعّماً هذِي الحفائرُ تُحفرُ
وعلى أبي الفتح الّذي قنص الرّدى / ماءُ الأسى من مقلتي يتحدّرُ
قد كان لِي منه أنيسٌ مُبهِجٌ / فالآن لِي منه وَعوظٌ مُذكِرُ
إن لم يكن من عُنصري وأرومتِي / فلحُرمةِ الآدابِ فينا عنصرُ
أو لم تكن للعُربِ فيك ولادَةٌ / فالمعربون كلامهمْ بك بُصِّرُوا
ما ضَرّ شَيئاً مَن نَمَتْه أعاجمٌ / وَلَديهِ آدابُ الأعاربِ تُسطَرُ
وَلَكَمْ لَنا عُربُ الأصولِ تراهُمُ / عُمْياً عَنِ الإِعرابِ لم يَستَبصِروا
وَلَقد حذرتُ من التفرّق بيننا / شُحّاً عَليك فَجاءني ما أحذرُ
وَذخرتُ منكَ على الزّمانِ نفيسةً / لَو كانَ يَبقى لِلفَتى ما يذخرُ
وَنَفضتُ بعدك راحتي من معشرٍ / لو سابقوك إلى الفضيلةِ قصّرُوا
فَمَتى حَزِنتُ عُذِرتُ فيك على الأسى / وإذا سلوتُ فإِنّني لا أُعذَرُ
وَالغَدرُ سُلوانُ الفَتى لِحَميمِه / بعد الحِمامِ وليس مِثلِي يغدُرُ
وَلَقد رَأيتك مطفئاً من لوعتِي / والحزن يُملي منه ما أنا أسطُرُ
فَاِفخَرْ بها ميتاً فكم لمعاشرٍ / من بعد أن قبروا بقبر مَفخرُ
كَلِماً يُعِرْن الشِّيبَ أرديةَ الصِّبا / فكأنّهمْ طرباً بها لم يكْبَرُوا
وَتراهُ طلّاعاً لكلِّ ثنيّةٍ / يسري بأفواه الورى ويُسيَّرُ
يَصفو بِلا كدرٍ يشين صفاءَه / والشّعر يصفو تارةً ويُكدَّرُ
وكأنّه في ليلِ أقوالٍ مضتْ / قمرٌ بدا وسْطَ الدُّجُنَّةِ أنورُ
فَإِليهِ مِنّا كلُّ طَرفٍ ناظرٌ / وعليه مِنّا كلُّ جِيدٍ أَصْوَرُ
وَسَقاكَ ربّك ماءَ كلّ سحابةٍ / تهمي إذا وَنَت الغيوم وَتمطُرُ
وإذا طَوَتْ عنك العُداةُ كَنَهْوَراً / وافى ترابَك بالعشيّ كنَهْوَرُ
وكأنّه والبرقُ ملتمعٌ به / بُرْدٌ على أيدي الرّياحِ مُحبَّرُ
وَمَتى ذهبتَ بزلّةٍ فإلى الّذي / يمحو جرائر مَن يشاء ويغفِرُ
إمّا بقيتَ فهلكُ غيرك هّينٌ
إمّا بقيتَ فهلكُ غيرك هّينٌ / وإذا نجوتَ فجرمُ دهرك يغفرُ
وإذا المَحاذر تِهنَ عنك فما لنا / ولنا الأمان عليك شيءٌ يُحذرُ
ما نَحن إلّا لِلرّدى وإلى الرّدى / فمقدَّمٌ لحِمامه ومؤخَّرُ
وعلى المنيّةِ طُرقنا ومسيرُنا / والرّجلُ تهفو والأخامص تعثرُ
ذاق الرّدى متكِرّمٌ ومبخّلٌ / وأتى الحِمامَ معجّلٌ ومعمّرُ
كم شذّبتْ منّا السّنون وكم طوى / منّا الخضارمَ ذا التّراب الأغبرُ
لا تربةٌ إلّا وَفيها للبِلى / خدٌّ أسِيلٌ أو جبينٌ أزهرُ
مَن عاشَ إِمّا مات أو كانت له / في كلّ يومٍ عَبرةٌ تتحدّرُ
وَهوَ الزّمان فضاحكٌ مستغرِبٌ / ممّا اِستَفادَ وناشجٌ مستعبِرُ
وَقُصورنا قَصران هذا مُخرَبٌ / متعطّلُ حزناً وهذا يُعمرُ
وَعُيوننا عَينان هذي دمعُها / متحلّقٌ ودموع أخرى تقطرُ
إِنّ المصيبة في الأحبّةِ للفتى / لو كان يعلم نعمةٌ لا تُشكرُ
فَدعِ التذكّر للذين تطارحوا / بيدِ المنون فهالكٌ لا يُذكرُ
وإِذا جرى قَدَرٌ بشيءٍ فاِرضَه / فالمُعتبون لَساخِطو ما يُقدَرُ
باهِ الرّجالَ بفضل حلمك فيهمُ / وَاِفخَرْ بِه فَبِمثل ذلك يفخَرُ
وَإِذا ألمَّ بك الزّمان فلا تَلُمْ / خُلْساتِه فَلما خطاهُ أكثرُ
ولطالما عزّيت غيرَك في ردىً / بالصّبر والمُعزى بصبرٍ يصبرُ
ما إِنْ رمتنا بالجنادل شدّةٌ / إلّا وَأَنتَ لها الأشدُّ الأصبرُ
تفدِي الإناثُ ذكورَهنَّ من الورى / ويقِي الكبيرَ من الحمامِ الأصغَرُ
ولْيُسْلَ عنها إنّها درجتْ ولل / تقوى الإزارُ وللعفافِ المِئزَرُ
كسرٌ له جَبرٌ بأمثالٍ له / ووقاك ربُّكَ كسرةً لا تُجبرُ
لا تُوعدَنِّي الشرَّ تُرهبنِي
لا تُوعدَنِّي الشرَّ تُرهبنِي / فلربّما لم ينجنِي حَذرُهْ
فوقوعُ مكروهٍ أعالجُه / خيرٌ من المكروه أنتظرُهْ
وإذا صفا يومٌ ظفرتُ به / فلمن يعيش إلى غدٍ كدرُهْ
فلربّ مغتبطٍ بليلتِه / شنّ الهمومَ بقلبهِ سحرُهْ
والعيشُ ما تقضِي به وَطَراً / فكميّتٍ مَن فاتَه وَطَرُهْ
وإذا قصرن به مطالبُهُ / عن راحتيه فلم يطلْ عُمُرُهْ
والدّهرُ إمّا شمسُه بضحىً / تُرديك أو في ليلةٍ قمرُهْ
وإذا أنامكَ غير متَّئدٍ / في القبر أشبه طولَه قِصَرُهْ
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا
لَو لَم يُعاجله النّوى لَتحيّرا / وقَصارُه وقد انتأوْا أن يُقصِرا
أَفَكلّما راعَ الخليطُ تصوّبتْ / عبراتُ عينٍ لم تقلَّ فتكثُرا
قَد أوقدتْ حُرَقُ الفراق صبابةٍ / لَم تَستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى
شَعَفٌ يُكتّمه الحياءُ ولوعةٌ / خفيتْ وحُقّ لمثلها أن يظهرا
وأبي الركائبِ لم يكن ما عُلنه / صبراً ولكن كانَ ذاك تصبّرا
لَبَّيْنَ داعيةَ النّوى فأريننا / بين القِبابِ البيض موتاً أحمرا
وَبعدن بِالبينِ المشتّت ساعةً / فكأنّهنّ بعدن عنّا أشهُرا
عاجوا على ثَمدِ البِطاحِ وحُبّهمْ / أجرى العيونَ غداة بانوا أبحُرا
وَتَنكّبوا وَعْرَ الطّريق وخلّفوا / ما في الجَوانحِ من هَواهمْ أوعرا
أمّا السّلوُّ فإنّه لا يهتدِي / قصد القلوب وقد حُشِينَ تذكّرا
قد رُمتُ ذاك فلم أجده وحقُّ مَنْ / فقدَ السّبيلَ إلى الهُدى أن يُعذَرا
أهلاً بطيفِ خيالِ مانعة الحِبَا / يَقْظى ومُفضلةٍ علينا في الكرَى
ما كان أنعمنا بها من زَورَةٍ / لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدَرا
جزعتْ لوخْطاتِ المشيب وإنّما / بلغَ الشّبابُ مدى الكمال فنوّرا
وَالشيب إِنْ فكّرتَ فيه مَورِدٌ / لا بدّ يوردَهُ الفتى إن عُمِّرا
يَبيضُّ بَعدَ سَواده الشّعرُ الّذي / لو لم يزره الشّيبُ واراه الثّرى
زَمنَ الشبيبةِ لا عدَتْك تحيّةٌ / وسقاك مُنهمِرُ الحَيا ما اِستُغزِرا
فَلَطالَما أَضحى رِدائي ساحباً / في ظلّك الوافي وعودِيَ أخضرا
أَيّامَ يَرمُقنِي الغَزالُ إِذا رنا / شَعَفاً ويطرُقني الخيالُ إذا سرى
وَمرنّحٍ في الكُورِ يُحسَبُ أنّه اِصْ / طبح العُقار وإنّما اِغتبق السُّرى
بَطلٌ صَفاهُ للخداع مَزلّةٌ / فَإِذا مَشى فيه الزّماعُ تَغَشمَرا
إمّا سألتَ به فلا تسألْ بِهِ / ناياً يناغِي في البَطالة مِزْمَرا
وَاِسأَلْ بِهِ الجُرْدَ العِتاقَ مغيرةً / يخبطن هاماً أو يَطأن سَنَوَّرا
يَحمِلنَ كلَّ مُدجَّجٍ يَقرِي الظُّبا / عَلَقاً وأنفاسَ السّوافي عِثيَرا
قَوْمِي الّذين وَقَد دَجَتْ سُبُلُ الهدى / تركوا طريقَ الدّين فينا مُقمِرا
غَلبوا على الشّرَفِ التّليد وجاوزا / ذاك التّليدَ تَطرُّفاً وتخيُّرا
كم فيهمُ من قسْوَرٍ مُتخمّطٍ / يُردِي إذا شاء الهِزَبْرَ القَسْوَرا
متنمّرٍ والحربُ إن هتفت به / أدّته بسّامَ المُحيّا مُسفِرا
وملوَّمٍ في بذلهِ ولطالما / أضحى جديراً في العُلا أن يُشكرا
ومُرَفَّعٍ فوق الرّجال تخالُه / يوم الخطابة قد تسنّم مِنبرا
جَمعوا الجَميلَ إلى الجمالِ وإنّما / خَتَموا إِلى المرأى المُمدَّحِ مَخبَرا
سائلْ بهمْ بَدْراً وأُحداً والّتي / ردّتْ جبينَ بني الضّلال مُعفَّرا
للَّه دَرُّ فَوارسٍ في خيبرٍ / حملوا عن الإسلام يوماً منكرا
عَصَفوا بِسُلطانِ اليهودِ وأَوْلجوا / تلكَ الجَوانح لوعةً وَتحسُّرا
وَاِستَلحموا أَبطالهمْ وَاِستَخرَجوا ال / أَزلامَ من أيديهمُ والمَيسِرا
وَبِمرحبٍ أَلوى فتىً ذو جمرةٍ / لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُعتَرى
إِنْ حزّ حزّ مُطبّقاً أو قال قا / لَ مصدَّقاً أو رام رام مطهَّرا
فَثَناهُ مُصفرَّ البَنان كأنّما / لطخ الحِمامُ عليه صِبْغاً أصفرا
تهفو العُقابُ بشِلوِهِ ولقد هَفَتْ / زمناً به شُمُّ الذّوائبِ والذُّرا
أمّا الرّسولُ فقد أبان ولاءَه / لو كان ينفع جائراً أن ينذرا
أمضى مقالاً لم يقله معرِّضاً / وأشاد ذكراً لم يشده مُغَرِّرا
وَثَنى إليهِ رِقابهمْ وأقامهُ / عَلَماً على باب النّجاة مشهَّرا
ولَقد شَفى يومُ الغديرِ مَعاشراً / ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأدوى معشرا
قَلِقَتْ بهمْ أحقادهمْ فَمُرجّعٌ / نَفَساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا
يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيَّةٌ / أشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا
عُجْ بالغَرىِّ فإنّ فيه ثاوياً / جبلاً تطأطأ فاِطمأنّ به الثّرى
وَاِقرا السّلامَ عليه من كَلِفٍ به / كُشفتْ له حجبُ الصّباح فأبصرا
فَلو اِستَطعتُ جعلتُ دار إقامتِي / تلكَ القبور الزُّهرَ حتّى أُقبرا
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ
لَكَ ما تَراماه لِحاظُ النَّاظرِ / وإليك مرجع كلّ مدحٍ سائرِ
وَأراكَ أَفضل مَن تَعاور فضلَه / إخفاءُ مخفٍ أو إشادةُ ذاكرِ
هَذي الخِلافةُ مُذْ مَلأت سَريرها / في بُردة الزَّمن الأنيق النَّاضرِ
سكنتْ إليك وأكثبَتْ لكفيئها / وهي القصيَّة عن رجاء الخاطرِ
غادرتمُ مُستامَها في غيركمْ / نَهْباً حصيدَ أسنّةٍ وبواترِ
وَإِذا اِنتَمى شَرفٌ إلى أعقابهِ / أغناك أوّل سُودَدٍ عن آخرِ
ضَمِنتْ همومُك كلَّ خطبٍ موئدٍ / وأقام عدلُك كلَّ رأيٍ جائرِ
وَنَأى بِمَجدكَ عَن تقبُّلِ ماجدٍ / كرمٌ يبرّح بالغمام الماطرِ
وَمواطنٌ لكَ لا تَقلّ مُزَنِّداً / صَهَواتِ جُرْدٍ أو ظهور منابرِ
خَبُثَ الزّمانُ فَمُذ غَمرتَ فِناءَه / أضحى سلوكَ مناقبٍ ومآثرِ
فَاِفخرْ أَمير المُؤمنين فما أرى / بعديل عزّك في الورى من فاخرِ
وتهنَّ بالشّهر الجديد فقد أتى / في خير آونةٍ بأسعد طائرِ
تنتابك الأيّامُ غيرَ مُذمّمٍ / يَلقى اِمتنانَك واردٌ عن صادرِ
وَأَنا الّذي يرضيكَ باطنُ غَيبهِ / وكفاك في الأقوامِ حسنُ الظاهرِ
أَفضى إلى خَلَدِي وِدادُك مِثلما / أفضى الرّقادُ إلى جفون السّاهرِ
ما لي يُتيّمني لقاؤك وهْو لِي / شَطَطٌ وغيري فيه كلُّ القادرِ
وَلَربّما أَلغى حقوقك واصلٌ / وأتاك يشرح في رعاية هاجرِ
وَأَحقّ ما أَرجوه منك زيارةٌ / أُدعى لها في النّاس أيمنَ زائرِ
أَرَبٌ متى قضَّيبَه ببلوغه / كثّرتَ شَجْوَ مُكاثري ومفاخري
هَل لي عَلى تلكَ المَمالكِ وقفةٌ / في ذلك الشّرف المنيف الباهرِ
أم هل لساني يوم ذاك مترجمٌ / عَن بَعضِ ما اِشتَمَلَتْ عليهِ ضَمائري
وَتيقُّني أنْ ليس جِدّي نافعي / إنْ لم يكن جَدّي هنالك ناصري
وَإِذا التحيّة لِلخَليفة أعرضتْ / فهناك أُمُّ القول أبخلُ عاقرِ
فَاِمنُنْ بِإذنٍ في الوصول فإنّني / أُلفى بفَرْطِ الشّوق أوّلَ حاضرِ
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري
هَل أَنتَ مِن وَصَبِ الصّبابة ناصري / أو أنت في نَصَب الكآبة عاذري
هيهات ما رأف الصّحيحُ بمُبْتَلٍ / يوماً ولا وقف الحثيثُ لعاثرِ
يا قاتل اللَّهُ الغَواني في الهَوى / باعَدْنَنِي لمّا سكنّ ضمائري
ما زِلن بي حتّى اِلتفتّ إلى الصِّبا / مِن بعدِ إِعراض العَزوف النّافرِ
فَعَرفتُ حينَ صَبوتُ كيف مواردي / لَكِنَّني لم أَدرِ كَيفَ مَصادري
ما لِي وَلِلبيضِ الكَواعبِ هِجْنَ لِي / بِلوى الثّوِيّة ذُكرةً من ذاكرِ
شيّبنَنِي وَذَمَمن شَيبَ مَفارقي / خُذها إليكَ قضيّةً من جائرِ
لا مَرحباً بِالشّيب أَظلم باطني / لَمّا تجلّلنِي وأشرق ظاهري
شَعَرٌ أَبى لِي في الحسان إصاخةً / يوم العتاب إلى قبول معاذري
مثلُ الشَّجاةِ مُلِظَّةً في مَبْلَعٍ / أو كالقَذاة مقيمةً في النّاظرِ
لا ذنبَ لي قبل المشيب وإنّني / لمؤاخذٌ من بعده بجرائرِ
يا سائق الأظعانِ يومَ سُوَيقَةٍ / رفقاً بقلبٍ في الظّعائن سائرِ
جسدٌ أقام على اللّوى ففؤادُهُ / بعد التفرّق في مخالب طائرِ
ما كان ضرّك لو وقفتَ على الأُلى / في الحبّ بين مجاهرٍ ومساترِ
وَمتيّمٍ جَحد الهَوى فَوَشى بهِ / يومَ الوداع لسانُ دمعٍ قاطرِ
وعلى الرّكائب يومَ وَجْرَةَ غائبٌ / لا نفعَ لي من بعده بالحاضرِ
أشهى إليَّ من المنى غِبَّ المُنى / وأعزّ من سمعي عليَّ وناظري
عاصي الوشاة وَزارَني متستِّراً / باللّيل بعد هجوع طرف السّاهرِ
عَجلانَ يَستلبُ الحَديثَ كأنّه / جانٍ يخالس غفلةً من ثائرِ
يا راكباً ظهر المطيّةِ مُوجِفاً / في الصّبحِ بين هواجرٍ وظهائرِ
أبلغْ بني خَلَفٍ بأنّ مودّتي / أُنُفٌ لهمْ وذرائعي وأواصري
أَنتُمْ وَإن لم تُدننا رَحِمٌ بما / أَخلَصتُموه أَقاربي وَمَعاشري
وَأَصاحبي دونَ الرّجالِ إِذا اِلتَوى / خطبٌ يُبرّئُ غائباً من حاضرِ
لا تَحسبوا منّي التغيّرَ بعدكمْ / فأوائلي في حبّكمْ كأواخري
هَل تَذكُرونَ فَإنّني لم أنسَه / ذاك التّداني في الزّمان العابرِ
إذ نحن في أرض التّصابي جيرةٌ / في ظلّ أيامٍ هناك نضائرِ
كم فيكُمُ من طالعٍ شَرَفَ العُلا / أو قامعٍ شَرَفَ العدا أو قاهرِ
ومُرَفّعون تخالهمْ لجميلهمْ / بين الرّجال على ظهور منابرِ
طالوا إلى نيل العُلا وثيابهمْ / تُلوى بمثل متالعِ وقَراقِرِ
يا أيّها الأستاذ طُلتَ تفضّلاً / قولاً فخذ عنه جواب الشاكرِ
قولاً كما رقّ النسيم على ثرىً / عَطرِ النبات عقيب غيثٍ ماطرِ
وافى كما طرق الرّقادُ تعلّقَتْ / بعد الكلال به جفون السّاهرِ
ما خِلتُهُ إلّا عَطيّةَ مانعٍ / نَقَعَ الجوانحَ أو زيارةَ هاجِرِ
وكأنّه بعد المشيب مبشّرِي / بإيابِ آونةِ الشّبابِ الناضِرِ
وظللتَ تنعتُ لي جميلَ مآثرٍ / لولا ثناؤك لم يكنّ مآثري
فمدائحي مشفوعةٌ بمدائحي / ومفاخري مجموعة بمفاخري
لا ترهبَنْ منّي الملالَةَ في الهوى / وَاِرهَبْ مَلالَةَ من لقيتَ وحاذرِ
وَاِعلَمْ بأنّي لا أحول عن الّذي / لكَ في الجوانح من محلٍّ عامرِ
وَبَلوتُ بعدك للرّجال خلائقاً / عُوجاً تُبرِّح بالبصير الخابرِ
لا مرتَعٌ فيها ولا مستمتَعٌ / كسراب قاعٍ أو زجاجة كاسرِ
يَتكالَبونَ عَلى القَبائح بَينهمْ / كَلَبَ الذّئابِ رأين عَقْرَ العاقِرِ
لَم يَبتنوا شَرَقاً ولا بَحثوا على / كَسبِ المَحامِد منهمُ بأظافرِ
وَكأنّ جارَهُمُ مقيمٌ بينهمْ / في منزلٍ قَفْرٍ ورسمٍ داثرِ
فَدعِ التشكّي للفراقِ فَقَد مَضى / وَخذِ الوِصال مجاهراً لمجاهرِ
إِنّي أَغارُ عَلى زَمانٍ بيننا / يمضي بغير تجاورٍ وتحاورِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ
يا خيرَ بادٍ في الأنامِ وحاضرِ / وأحقَّ مُولٍ في الزّمان لشاكرِ
وأشقَّ من وطأ الكواكب مُرتقىً / وأعزَّ من ليث العرينِ الخادرِ
قد جاءني التّشريفُ منك كأنّه / قِطعُ الرّياض عقيبَ غيثٍ ماطرِ
وكأنّه بُرْدُ الشّبابِ نضارةً / أو بِشْرُ آونةِ الرّبيع الزّاهرِ
أثوابُ عزٍّ لم يكنّ للابسٍ / إلّا رِياشَ مفاخرٍ ومآثرِ
يُجرَرْنَ فوق ذُرا المجرّةِ عزّةً / ويُطَرْنَ فوق النَّسْرِ ذاك الطّائرِ
وَلَقد سننتَ شَريعةً لِلجودِ في / غير الهديّةِ أنّه للحاضرِ
لَم تَرض ما شَرع الكِرامُ وكم لنا / من ناقصٍ عن غايةٍ أو قاصرِ
حتّى جعلتَ لحاضرٍ أو ناظرٍ / كلَّ الّذي رَمَقَتْه عينُ النّاظرِ
شاطَرتَنِي تلك النّفائسَ قاسماً / بيني وبينك كلَّ عِلْقِ فاخرِ
فَكأنّنا مُتساهمان بضاعةً / حُطّتْ إلينا من ظهور أباعرِ
أرسلتَها مثلاً شروداً في النّدى / يسري بها لك كلُّ بيتٍ سائرِ
جاءَتْ كَما اِقتَرح التكرّمُ ما مشى / فيها اللّسان ولا سَرَتْ في خاطرِ
هَيهات مِنكَ الأوّلون وإنْ هُمُ / صاروا من المعروف خيرَ مصايرِ
سبقوا وجُزتَ مداهُمُ متمهّلاً / سَبْقَ الكريمة للهجين العاثرِ
فمتى أضفناهمْ إليك فإنّما / قسنا الثّماد إلى الخِضَمّ الزَّاخرِ
فَاِفخَرْ وتِهْ فخرَ الملوك على الورى / وعلى الطّوالع في المحيط الدَّائرِ
فلقد فَضَلْتَ جميعهمْ بفضائلٍ / وفواضلٍ ومكارمٍ ومكائرِ
ومحاسنٍ نَظَمَ الزّمانُ لمَفرقَي / ملكِ الملوك بها سُموطَ جواهرِ
وَاِسلَمْ وَإِن لفّتْ صروفُ زَمانِنا / هذا الأنامَ معاشراً بمعاشرِ
في ظلِّ مَلْكٍ ضلَّ عن أيدي الرّدى / وَاِزورَّ عَن سَنَنِ الحمامِ الزَّائرِ