القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : التِّهامي الكل
المجموع : 28
طَيفٌ أَلَمَّ فَزادَ في آلامي
طَيفٌ أَلَمَّ فَزادَ في آلامي / أَلمٌ وَلَم أَعهَدُهُ ذا إِلمامِ
لَمّا تَجَنَّبَ رُؤيَتي مُستَيقِظاً / جاءَت بِهِ الأَضغاث في الأَحلامِ
وَأَتَت بِهِ في حَندَسٍ مُتَنَكِّراً / كَالبَدرِ مُستَتِراً بِثَوبِ جَهامِ
فَطَفِقت الحَظُ لؤلؤاً مِن ثَغرِهِ / وَأَضمُّ غُصناً تَحتَ بدر تَمامِ
في لَيلَةٍ ما أَن أَقوم بِشُكرِها / لَمّا خَلوتُ بِه مِنَ اللُوامِ
حَتّى إِذا برق الصَباحُ لِناظِرٍ / فارَقته كُرهاً عَلى إِرغامي
وَأَقامَ مُعتَكِفاً عَلى هِجرانِهِ / فَهَجَرتُ صَبري حينَ عَزَّ غَرامي
نادَيته وَمَدامِعي مُنهلَّة / كَالغَيثِ مُنهَمِراً بودَقِ رهامِ
يا مسقمي من طَرفِهِ بِسِقامِهِ / رِفقاً بِقَلبي قَد أَطَلتَ هُيامي
لا تَجمَعَن عتباً وَطول قَطيعَةٍ / يَوماً فَتَركَب مقطع الآثامِ
يا مَن يَرى حِلُّ الوِصال مُحَرَّماً / وَيَرى حَرام الوَصلِ غير حَرامِ
إِن دامَ هَجرك لي وَعَزَّ تَصَبُّري / رَغماً وَطال تَشَوُّقي وَسِقامي
وَغَدا لَك الدَهر الخَؤونُ مُساعِداً / في هَجرتي وهجرت طَيف مَنامي
فَإِلى أَبي نَصرٍ أَبُثُّ ظُلامتي / وَأَكونُ منه في حِمىً وَذِمامِ
مَن لا أَرى إِقبال دَهرٍ مُقبِلٍ / حَتّى أَراهُ وَلا كَريمَ كِرامِ
وَإِذا برَت يُمناهُ أَسمَرَ ناصِلاً / يَوماً زَرى بِفَصاحَةِ الأَقلامِ
قَلَمٌ إِذا ناجاهُ وَهوَ ضَميره / نطقت فَصاحَته بدمع هامي
بَقضي بآجال وَفَيضِ مَواهِبٍ / وَتُطيعُهُ الأَقدارُ في الأَحكامِ
لَم يَبقَ من يُرجى لِدَفعِ ملمةٍ / وَيجير من ظلم أَو اِستِهضامِ
إِلّا أَبو النَصر الَّذي أَنعامه / مُتواتِرٌ يَهمي كَصوب غَمامِ
حَتّى إِذا عَلِمَ الزَمانُ بِأَنَّني / من لائِذيه حادَ عَن إِقدامي
وَأَتى إِليَّ بِذُلِّه مُتَنَصِّلاً / مِن بعد عِزَّتِهِ وَعادَ غُلامي
نادَيته يا دهر قَدكَ فَقَد وَهى / صَبري وَفارَقَني بَنو الأَعمامِ
وَرَحَلتُ عَن بَلَدٍ يَعز علَيهِمُ / مِنّي مُفارَقَتي وَبُعد مَرامي
نَحوَ امرىءٍ ما زالَ مُرتَقى العُلى / حَتّى سما وَعَلا عَلى بُهرامِ
وَلَكَ الذِمام بِأَنَّني لك آخِذٌ / منهُ أَماناً فاِنصَرَفَ بِسَلامِ
أَلا تروعك نَبوَة من عَزمِهِ / حَتّى تَقَلَّدَ ظالِماً آثامي
ثُمَّ اِنبرأت إِلَيكَ أَدَّرعُ الفَلا / متنسّشماً لنَداكَ وَهوَ أَمامي
أَطوي الفَيافي وَهيَ غير مهولَةٍ / عِندي بِقَطع سَباسِبٍ وَأَكامِ
بأمونَةٍ حَرفٍ سَمَت بِمَناسِمٍ / فيها من الرَمضاء كالأَوشامِ
وَمكان سوطي في المسير إِرادَتي / في سيرها وَاللَيلُ بحر ظَلامِ
سيري على إِسمِ اللَهِ نَحوَ مُجَلببٍ / دونَ الوَرى بالعِزِّ والإِعظامِ
فتسفّ بي كالطَير حَنَّ لِوَكرِهِ / وَتَزيف في رقل لَها وبُغامِ
أَلقى الهَجير بِصَفحَتي مُستَقبِلاً / لا أَرعَوي عنهُ بِرَدِّ لِثامي
وَمُقارِني هجر الكرى وَمُساعدي / في سَفرَتي عَزمي وَحَدُّ حُسامي
حَتّى حَلَلتُ بِبابِ ربعكَ آمِناً / وَالسَعدُ من خَلفي وَمِن قُدّامي
لَمّا دَعوت المدح فيكَ أَجابَني / منه بِقَولٍ بَيِّنِ الإِفهامِ
لَم يَبقَ ذو كرم لِدفع مُلِمَّةٍ / إِلّا أَبو نصر الخِضَمِّ الطامي
ملك يَداه المكرماتُ بِأَسرِها / فَغَدا يُذَلِّلُها بِغَير لِجامِ
نادى المَكارِمَ وَالحِجا فَأَتَت لَهُ / مُنقادة طوعاً بِغَيرِ لِجامِ
ذو هِمَّةِ في المكرمات عَليِّها / ذو عزمةٍ أَمضى من الصِمصامِ
ضُربت لَهُ فَوق السِماكِ مَنابِراً / مَحفوفَةٍ بِمَضارِبِ وَخيامِ
وَإِذا بَدا ذكر له في سادَةٍ / قاموا لهيبَتِهِ عَلى الأَقدامِ
لو كانَ يَعبُدُ مُفضلٍ بِفَضيلَةٍ / جَلَّت لَكان بِذاكَ غير مُلامِ
لَمّا رأى مَولاهُ نَجدَةَ رأيه / في كُلِّ عَبدٍ ناصِحٍ وَكِتامي
رَدَّ الأُمورَ إِلَيهِ في إِبرامِها / فَكَفاهُ مَعنى الحَلِّ وَالإِبرامِ
يا سائِلي عنه لتخبرُ فَضلَهُ / اِصغِ لِتَسمَعَ مَنطِقي وَكَلامي
اللَه يَصنَع ما يَشاء بِقُدرَةٍ / جَلَّت دَقائِقها عَنِ الأَوهامِ
جَعَل البَريَّة كُلَّها في واحِدٍ / فَغَدا لَهُ فَضلٌ مبينٌ نامي
بِفَصاحة وَسَماحَة وَبَشاشَةٍ / وَشَجاعَةٍ تُزري عَلى الضِرغامِ
وَبَلاغَةٍ لَو قِستَ سَحباناً بِها / أَلفيته ذا مَنطِقٍ تِمتامِ
مِن حاتِمٍ جوداً إِذا ذكر النَدى / مِن سَيفِ ذي يَزَنٍ مِنَ الأَقوامِ
مِن قُسَّهم نظماً ومن فُصحائِهِم / نَثراً وَمِن لُقمانَ في الأَحكامِ
مِن يوسِفٍ في عِفَّةٍ وَصَباحَةٍ / مَن مِثلُهُ عَلماً لفَصل خِصامِ
هاتيك أَسماءٌ خلت وَفِعالها / مِنّا كَأَشباحٍ بِلا أَجسامِ
خُذ ما تَرى وَدَعِ السَماح فَرُبَّما / زادَ السَماع عَلى ذَوي الأَفهامِ
هوَ أَوَّلُ آخِرٌ في فَضلِهِ / هوَ باطِنٌ هوَ ظاهِرُ الإِنعامِ
هوَ مفرَدٌ في بَذلِهِ وَنواله / هوَ معتِقُ الأَسرى من الإِعدامِ
هَذا أَبو نصر الَّذي ورث العُلى / عَن سادَةٍ نُجُبٍ بِغَير كَلامِ
يُعطي التِلادَ لِسائِليه تَكَرُّماً / وَطَريفه يَحبو عَلى الإِتمامِ
وَإِذا انتَضى قلماً لِدَفعِ كَريهَةٍ / خَضَعت لَهُ الأَشبال في الآجامِ
تَغدو الصَوارِم وَهيَ طوع مُراده / تَقضي أَوامره بِغَيرِ سَلامِ
وَكَذا قَضى لِلمشرفية أَنَّها / أَبَداً تطيع أَوامِر الأَقلامِ
واِعلم بِأَنّي لَم أَعره شهادَةً / مُتَغالِياً وزراً وَلا مُتَحامي
لَكِن مناقبه تفرَّق جِمعُها / بَينَ الوَرى فجمعتُها بِنِظامِ
قَلَمٌ إِذا اِفتَتَحت يَداهُ لِنائِل / فاضَت عَلى الآفاقِ بِالأَقسامِ
إِنّي قَصَدتُك مِن بلاد قَد نأت / وَبعدت عَن أَهلي وَعَن آطامي
وَيَقودني حسنُ الرَجاء بِأَنَّني / قَد نلت ما أَهوى مِنَ الأَيّامِ
فاِصرِف إِليَّ تَصَرُّفاً أُحظى بِهِ / وَأَكون مَعدوداً مِنَ الخُدّامِ
فَإِذا رَأَيتَ كِفايَتي وَأَمانَتي / وَصيانَتي عرضي وَحُسن قِيامي
فيما نُدِبتُ لَهُ وَحسن سِياسَتي / كنتَ المُخَيَّرُ أَنتَ في اِستِخدامي
أَولا فجد لي بِاليَسير فَإِنَّني / أَرضى بِما تولي مِنَ الإِكرامِ
وَعلمتُ أَنَّ الأَرض يَصغر قدرها / وَجَميعُ ما تَحوي مِنَ الأَنعامِ
إِنَّ قستها كرماً وَضِعفاً ضِعفُها / ما قَلَّ ما تَحوي مِنَ الأَنعامِ
جُد لي بِما يبلى أَجد لَكَ بِالَّذي / يَبقى لجدَّته عَلى الأَعوامِ
واسلم وَعش ما لاح نجم في العُلى / وَدعا الحمام بأيكِهِ لِحَمامِ
نَفسي الفِداء لِلَحظِها من رامِ
نَفسي الفِداء لِلَحظِها من رامِ / وَلطَرفِها من أَنصُلٍ وَسِهامِ
وَلِثَغرِها من ضَوءِ بَرقٍ لامِعٍ / لَو أَتبعته لَنا بِصَوب غَمامِ
قالوا تأسَّ بِجَفنِها في سُقمِهِ / شَتّان بَينَ سِقامه وَسِقامي
سقم الجُفونِ وَإِن تَزايَد صِحَّة / أَبَداً وَسُقمي كل يَوم نامي
جُرحَ العُيون النُجل جرح كاتِم / لِدمائهِ أَشوى الجِراح الدامي
لَو لَم يَكُن هَذا الهَوى سِحراً لما / صادَ الليوثَ الغُلبَ بِالآرامِ
تَبَّعتهم يَومَ الرَحيل بِمُهجَتي / تبع الفَلاء الخَيل بَعدَ فِطامِ
وَأَقَمت بَعدَ وَلِلزَّمان عَجائِب / منها ترحُّل مُهجَتي وَمُقامي
رَحَلوا بمثل البَدر إِلّا أَنَّهُ / عند المَحاقِ يَكون بدر تَمامِ
وَجَلونَ من خَلَلِ البَراقِعِ أَوجُهاً / كالوَردِ بَينَ أَكنَّة الأَكمامِ
كل الأُمور إِذا تَقادَم ناقِص / أَبَداً وَوِدّي كل يَوم نامي
وَأَرى خَيال العامِريَّة أَنَّهُ / وآفٍ إِذا غَدَرَت بِعَقد ذِمامِ
وَآفى إِليَّ الشَوق يَحدو غيره / حَتّى تَلاهُ وَأَهله بِالشامِ
فَلَثَمنَني فَجَعَلتُ ثَمَّ تَحرُّجاً / بَيني وَبَينَ اللَثمِ ثَنيَ لِثامي
وَهَجَرتُ رَشفَ رِضابهنَّ لأَنَّهُ / خَمرٌ وَلَستُ بِراشف لِمُدامِ
وَهَبُوهُ غَيرَ الخَمرِ لَستُ بِذائِقٍ / مَع تَركِهِ الشُبَهات شبه حَرامِ
عَفُّ الظَواهِرِ وَالضَمائِر لَم أَزَل / مُتَنَزِّهاً في يَقظتي وَمَنامي
نهوى الظِباء وَلا نَصيد تَقيَّة / نَدَع الظِباء لِقانِصٍ أَو رامِ
دَع عَنكَ ذكر العامِريَّة إِنَّهُ / وَأَبيك مَغناطيس كل غَرامِ
أَما فَضائلها عَلى أَترابِها / فَكَفضلِ حَيدَرَةٍ عَلى الحُكّامِ
خَيرُ القُضاةِ عَلى القَضاء اِختاره / بَعدَ اختيار منه خَير إِمامِ
فَقَضى بِحُكمِ الجور في أَموالِهِ / وَقَضى بِحُكم اللَهِ في الأَيتامِ
أَلفَ اِمتِثال العَدلَ في أَحكامِهِ / حَتّى بِتَقسيم الطُلى وَالهامِ
تَتَيَقَّنُ الأَموال حينَ تَحُلُّ في / كفَّيه أَن لَيسَت بِدارِ مُقامِ
وَإِذا أَتى مال خَزائنه بَدا / بوداعه الخَزّان قَبلَ سَلامِ
خرق يعد صِلاته كَصَلاته / فَرضاً يؤديه أَداء تَمامِ
طَلقَ الجَبين مَع اليَمين مُوقَّر / في الحالَتَينِ النَقض وَالإِبرامِ
وَمُهَذَّب الأَقوالِ وَالأَفعال / وَالأَخوالِ وَالآباء وَالأَعمامِ
وَمَعين ماء الجودِ يَشرَبُ وَفده / فيهِ وَيَصدُر وَهوَ بَحر طامي
وَتَرى بوجه أَبي الحُسَين بشاشة / مثل الفِرندِ بِصَفح كل حُسامِ
وَيَلوحُ منه عَلى أَسرَّة وَجهِهِ / نور الهُدى وَسَكينَة الإِسلامِ
بَحر الفَصاحَةِ وَالسَماحَةِ وَالنُهى / وَالبأس وَالآلاء وَالأَنعامِ
يَخفي النَوال إِذا أَتاهُ تَظَرُّفاً / حَتّى كَأَنَّ الجود فعل أَثامِ
تَدنو سِهام الوَصفِ دونَ عُلائِهِ / أَوَهل يصيب الشَمس سَهم الرامي
أَعدى نَدى كفَّيه صور وَأَهلها / وَالبَدرُ يَقلِبُ طبع كُلِّ ظَلامِ
وَلَو أَنَّ صوراً جنة ما اِستكثرَت / وَأَبيك مِن غِلمانِهِ لِغُلامِ
يَعفو فَيَفعل حلمه بِعَدوِّهِ / ما تَفعَل الأَسياف بِالأَجسامِ
وَالحلم في بَعض المَواطن نقمة / تَسطو بِها أَبَداً عَلى الأَقوامِ
وَاللَيثُ أَعبَس ما بَدا وَجهاً إِذا / أَبصَرته في صورَة البسّامِ
وَإِذا تنمَّر مُغضِباً فاِنظر إِلى / جَيش عَلى ظهر الحِصانِ لهامِ
جَيش لَهُ ظهر الحِصان مُعَسكر / ذو يَمَنَتينِ وساقه وَأَمامِ
وَكأَنَّما جَمَع الأَعادي جَوهَر / وَسِنانِهِ في الجَمعِ سِلك نِظامِ
لَبِق الأَنامِلِ بِالرِماحِ وَطالَما / أَغنى عَن الأَرماحِ بِالأَقلامِ
ما قَطَّ قَطُّ إِلى العدى قَلماً له / إِلّا وَنابَ بِهِ عَن الصِمصامِ
قَلم يُقلم ظُفرَ كُلِّ ملمَّةٍ / وَيكفُّ كَفَّ نَوائِب الأَيّامِ
وَتَرى بِحافَتِهِ المَنايا وَالمُنى / وَمقاتِل الأَعداءِ وَالإِعدامِ
من آل حيدرة الَّذينَ شعارهم / فيض النَدى الهامي وَضرب الهامِ
قَهَروا بِحار الأَرض أَجمَع بِالنَدى / وَجِبالِها بِرجاحَةِ الأَحلامِ
يَتَسنَّمون مِنَ المَعالي مُرتَقىً / عَنه تَزِل مَواطىءَ الأَقدامِ
يَتَتابَعونَ إِلى العُلاء تَتابُعاً / كَتَتابُعِ الأَقدامِ في الإِقدامِ
يَقعونَ من هَذا الزَمان وَأَهله / كَمواقِعِ الأَعيادِ في الأَيّامِ
أَلفَيتَ مِنهُم في طَرابُلُسٍ نَدىً / ترك الكِرام لَديَّ غَيرَ كِرامِ
القَومَ جِسم أَنتَ روحهم وَهُم / في الناس كالأَرواحِ بِالأَجسامِ
لا زِلتَ في نِعَمٍ يُخلَّد ملكها / كَرمُ الإِلَهِ القادِرِ العَلّامِ
ذُكِرَ الحِمى فَبَكى لسجع حَمامِهِ
ذُكِرَ الحِمى فَبَكى لسجع حَمامِهِ / وَغَدا غَريماً لِلنَّوى بِغَرامِهِ
يا مَنزِلاً ما كنت أَحسَبُ أَنَّني / أَحيا إِذا ما بِنتُ عَن آرامِهِ
مِنّي السَلام عَلى رباك تَحِيَّة / إِن كنت تَقنَع من جَوٍ بِسَلامِهِ
وَإِذا السَحابُ عَداكَ صوب غَمامِهِ / فَسَقاكَ دَمع العين صَوب سجامِهِ
مَغنىً غَنيتُ لضدى شُموسِ فِنائِهِ / وَنَعمتُ وَصلاً من بِدورِ خيامِهِ
مِن كُلِّ مَعلول اللِحاظ أَعَلَّني / وَجَداً وَعَلَّلَني بِكأسِ مُدامِهِ
لَم أَنسَهُ إِذ زارَني مُتَلِّثماً / كالغُصنِ في حَركاتِهِ وَقَوامِهِ
عانَقتُ غُصن البانِ تَحتَ وِشاحِهِ / وَلثمتُ بدر التَمِّ تَحتَ لِثامِهِ
وَجَعَلتُ أَرعي العَينَ روض جَمالِهِ / مُتَمَتِّعاً وَالسَمع دُرّ كَلامِهِ
هَذا وَدون إِزارِهِ لي عِفَّة / صَدَّت بِحَمدِ اللَهِ عَن آثامِهِ
نِعمٌ شكرت بِها الأَمير لأَنَّهُ / خلع العَفاف عَليَّ في إِنعامِهِ
لَبِسَ العَفافَةَ قَبلَ لُبسِ نِطاقِهِ / واِعتاد بَذلَ الجودِ قَبلَ فِطامِهِ
وَرأى بِعَيني رأيه ما خلفه / ذُهناً كَرأي العين من قُدّامِهِ
مَلأ القُلوبَ مَهابَة وَمَحَبَّة / منه فَباتَ النَجم دون مَرامِهِ
وَأَنالَ من بَذلِ النَدى في يَومِهِ / ما لَم يَنَلهُ حاتِم في عامِهِ
وَسَخا فَأَدرَكَ قاعِداً مِن مَجدِهِ / ما لَم يَنَله سِواهُ عند قِيامِهِ
ما باتَ يَنقُضه فَلَيسَ بِمُبرَمٍ / أَبَداً وَلا نقض عَلى إِبرامِهِ
طلق المُحَيّا للعفاة وَإِنَّما / يَلقى العبوس به عَلى لُوّامِهِ
تَتَقاصَرُ الأَفهام دونَ صِفاتِهِ / وَيُغضُّ عَنه الطَرفَ من إِعظامِهِ
يَقظان في كَسبِ العَلاء وَإِن يَنَم / فَكأَنَّهُ يَقظان عِندَ مَنامِهِ
وَإِذا بَدا بِالأَمرِ أَتعَبَ نَفسَهُ / وَرأى الهَوى يَهواهُ في إِتمامِهِ
يَلقى الوزارة وَهيَ دونَ مَحَلِّهِ / وَيَرى المخدّم وَهوَ من خُدّامِهِ
تَنبو الصَفائِح عَن صَحائِف كُتبِهِ / وَتقلّم الأَقلام من أَقلامِهِ
وَيَذُمُّ صَفوَ حَياتِهِ من لَم يَبِت / مِستَعصياً بِوَلائِهِ وَذِمامِهِ
كالغَيث في إِسجامه وَاللَيث في / إِقدامه وَالسَيف في إِخذامِهِ
عِزٌّ طَويل الباع لَم يضك خامِلاً / في جاهِليَّته وَلا إِسلامِهِ
إِن شاءَ عَدَّ العِزَّ من أَخوالِهِ / أَو شاء عدَّ العزَّ من أَعمامِهِ
قَوم إِذا ما المَجد أَصبَحَ قَسمَة / فَلَهُم أَعالي رأسه وَسَنامِهِ
مِن كُلِّ مَن يَسمو بأَرثِ سَريره / وَالتاج عَن كسراه أَو بُهرامِهِ
يَكبو زِناد الذَم عَن أَعراضِهِ / وَيُضيءُ طرز المَدح عَن أَكمامِهِ
نسب كمثل الصُبح عَمَّ ضِياؤُهُ / وَتَمَزَّقَت عَنه جُيوب ظَلامِهِ
خلط الشَجاعَة بِالنَدى فَالرِزق / وَالآجالُ بَينَ بَنانِهِ وَحُسامِهِ
فَضلٌ لَو أَنَّ الدَهرَ قَدَّمَ عَصرَهُ / لأَبانَ نَقصُ زياده وَهِشامِهِ
فاِسلم عَلى رَغم الحَسودِ وَلا تَزَل / لِلدَّهرِ رُكناً دائِماً بِدَوامِهِ
حَتّى يُسِرُّ بك الوَلي وَيَغتَدي / أَنف الحَسودِ به حَليف رُغامِهِ
قَسَماً بِوَصلِكَ إِنَّ بُعدَ مَرامِهِ
قَسَماً بِوَصلِكَ إِنَّ بُعدَ مَرامِهِ / أَغرى فُؤاد مُتَيَّمٍ بِغَرامِهِ
وَيَلومه فيكِ العَذول وَفي الهَوى / شُغل له عَن عذلِهِ وَمَلامِهِ
وَلربَّما هَجَرَ الصَبا واِقتاده / سِحرُ العُيونِ إِلى الصبا بِزمامِهِ
وَبِنَفسي الرَشأ الَّذي لحظاته / في القَلب أَسرَعَ من غرار حُسامِهِ
هَل يَشفين كَبِدي بِبَرد عِناقه / أَو يُظفِرنَ كَفّي بِحَلِّ لِثامِهِ
قَد كُنتُ آمل عَطفَهُ لَو لَم يَجِر / صَرف الفِراقِ عَليَّ في أَحكامِهِ
وَلَقَد مَلأتُ يَديَّ من عَفِّ الصِبا / وَعَفَفتُ عَن حُرُماتِِ وَآثامِهِ
نهنه فُؤادك عَن ملابَسَةِ الصِبا / وَأَرغَب بِنَفسك عَن تَحَمُّلِ ذامِهِ
أَو لَيسَ في قرب الوَزير جَميعُ ما / أَلهاكَ عَن يَوم الوِصالِ وَعامِهِ
قُل لِلوَزير ابن الفُراتِ وَلَم تَزَل / تَتَوَكَّفُ الآمال ضَوبَ غَمامِهِ
إِن صَدَّني عَنكَ الزَمان فَإِنَّهُ / صَدَّ امرىءٍ يَلقاكَ في أَحلامِهِ
إِن أَنأَ عنك فَرُبَّ ناءٍ حَسَّنت / عُقباه لِلمُشتاقِ قرب حِمامِهِ
أَو عذت بِالصَبرِ الجَميل فَإِنَّهُ / صَبر الجُفونِ عَن الكرى وَلِمامِهِ
فَبِأَيِّ وَجهٍ أَشنتكي الزَمَنَ الَّذي / أَيّام قربك كنَّ من أَيّامِهِ
وَجمال وجهك في النَديِّ فَإِنَّهُ / وَجهٌ حَكاه البَدرُ عند تَمامِهِ
وَوَحَقَّ وُدِّك فَهوَ أَبعَد غايَةٍ / يَجري إِلَيها البِرُّ في أَقسامِهِ
ما حالَ قَلبي عَن هَواك وَلا جَرى / حسن التَصَبُّرِ مِنك في أَوهامِهِ
إِنّي وَإِن عادَ الزَمان إِلى الَّذي / أَهواهُ بَعدَ جِماحِهِ وَعَرامِهِ
لا أَشكُر المَعروف إِلّا منك أَو / ما قَرَّبت كَفّاك بَعدَ مَرامِهِ
أَو حَيثُ ما يَجِبُ الثَناء بِغَير ما / أَولى الوَزير القرب مِن إِنعامِهِ
كَم قَد تَمَلَّكَني الزَمان فَعادَ لي / مُستَخدِماً إِذ صرت من خُدّامِهِ
وَإِلى الوَزير رَفعَتُ فيهِ ظُلامَة / عنوانها من عَبدِهِ وَغُلامِهِ
يا من إِذا بَدأ الجَميل جَرى إِلى / أَقصى مَدى الغاياتِ في اِستتمامِهِ
أَرغَب بِعَبدِك أَن يُدنس لفظهِ / بِشكاة صرف زَمانه وَخِصامِهِ
وَأَجره مِن أَيّامِهِ وَأَقلَهُ من / إِجرامه وَأَنِرهُ في إِظلامِهِ
يا من يُباري الغُرَّ من أَخواله / كرماً وَيَحكي الصيدَ مِن أَعمامِهِ
كَالبَدرِ عِندَ تَمامِهِ وَالغَيث / في إِرهامِهِ وَاللَيث في إِقدامِهِ
ما المُرهفات البيض من أَسيافه / كالمُؤهفات السود مِن أَقلامِهِ
وَيَقول عند سَماع رائق لَفظِهِ / لا فَرق بَينَ لِسانِهِ وَحُسامِهِ
يا ابنَ الفُراتِ وَما الفُراتُ بِجَدوَلٍ / مِن بَحرك المورود فيض جَمامِهِ
اسمَع مَديحَ فَتىً لِبَرِّكَ شاكِرٍ / متبدِّهٍ في نَثرِهِ وَنِظامِهِ
واِسلمَ عَلى قُرب الحَوادِث ما دَعَت / وَتَجاوَبَت في الأَيكِ ورق حَمامِهِ
لمن الرُسوم بعرصة البَردان
لمن الرُسوم بعرصة البَردان / أَقوت غُداةَ تَرَحُّلِ الأَظعانِ
هَل دارُ علوةَ إِن سأَلتَ مُجيبَةٌ / أَو هَل يُجيبك غَيرَ ذاتِ لِسانِ
دِمَن عَفَينَ فَأَصبَحت غُربانها / يردين بَينَ مَنازِلِ الضِيفانِ
وَلَقَد يُقيم الضَيف فيها مُكرماً / ما شاءَ بَينَ غَلائقِ وَجِفانِ
طرقتك علوة بِالعِراق وَأَهلها / ما بَينَ تَثليث إِلى نُجرانِ
أَنّي اِهتَدَت لك بَينَ شَعث قَد رَمَت / بِهِم البلاد نَوائِب الحَدَثانِ
متوسِّدينَ ذِراع كل مَطيَّةٍ / عَجفاء مثل حنيَّةِ الشُريانِ
طرقت وَفي جَفني وَجَفن مُهَنَّدي / وَهناً غِراراً رقدة وَيَماني
في بَدَّن مِثلَ البُدور لَتمِّمها / يَسلُبُننا بِنَواظِر الغُزلانِ
يَنضاع مِنهُنَّ العَبير كَأَنَّما / يَحمِلنَ فأر المِسك في الأَردانِ
وَبَسمنَ عَن بَردٍ هَمَمتُ بِرَشفه / لَولا الحَياءُ وَخشية الرَحمَنِ
يُرخِصنَ في النَومِ الوِصال وَطالَما / أَغلَينَ صَفقته عَلى اليَقظانِ
ثُمَّ اِنتَبَهَت وَما رَأَيتُ يَمانِياً / إِلّا سُهَيلاً دائِم الخَفَقانِ
فَدَعَوتُ أَصحابي فَقامَ أَخفَّهم / نَوماً يَميلُ تَمايل السَكرانِ
ثُمَّ اِستَوَيت عَلى غلالة بازِلٍ / طاوٍ كَقَوسِ النابِلِ المرنانِ
تَكبو بِأَعناق الرِكابِ وكلها / ملقٍ لِفَرطِ كَلالِهِ بِجِرانِ
وَلَقَد شَجاكَ الظاعِنونَ وَلَم تَزَل / يَشجو فؤادك باكِر الإِظعانِ
رَحَلوا غداة البَينِ كل شِملَّةٍ / عَيرانَةٍ وَشَمردَلٍ عَيرانِ
رَعَت الحَميم فآض فَوقَ ظُهورُها / مِن نيهِنَّ كهبّة الرُكبانِ
عاجلننا بفراقهنَّ فُجاءَةَ / قَبلَ الصَباحِ وَناعب الغُربانِ
وَسفحن لِلبين المَدامِع فاِلتَقى / دُرّانِ درُّ مَدامِعٍ وَجُمانِ
الآن تَسأل دارِهِم عَن أَهلِها / أَو هَل تُجيبك غَيرَ ذاتِ لِسانِ
لَم يَبقُ فيها غير شُعث جُثَّم / قَد قُلِّدَت قِطعاً مِنَ الأَرسانِ
وَلَقَد عَهَدتُ بِهِنَّ مأوى خائِف / وَأَمان مَحروبٍ وَجَنَّة جاني
يا عَلو إِن جار الزَمان بِحُكمِهِ / فينا وَكل اثنين يَفتَرِقانِ
فاِستَبدِلي بي إِن رَغِبتِ مشيّعاً / لَبِقاً بِضَربِ جَماجِمِ الأَقرانِ
لا تَجعَلي مثلاً كَراعي ثُلَّة / يَبتاع عَيراً ناهِقاً بِحِصانِ
أَو كامرىءٍ يَوماً أَراقَ سِقاءَه / لِبَريق آلٍ كاذِبِ اللَمَعانِ
يَلحظه ماء ثم يُخلِف ظَنَّهُ / وَكَذا السَراب خَديعة الظَمآنِ
ما كانَ ضَرَّك لَو مَنَنتِ بِمَوعِدٍ / وَشَفعتِ هَذا الحُسنَ بالإِحسانِ
وَكتمت حُبَّك وَهوَ نارٌ مِثلما / كتم الزِناد ثَواقِبَ النِيرانِ
إِنّي إِذا نبذ المُحِبُّ عِنانَهُ / بِيَدِ الحَبيبِ قبضت ثني عِناني
تَبّاً لِقَلبٍ لَيسَ فيهِ مَوضِعٌ / إِلّا لِحُبِّ فُلانَةٍ وَفُلانِ
وَإِذا الفَتى أَلفَ الهَوان فَنَبِّني / ما الفَرقُ بَينَ الكَلبِ وَالإِنسانِ
مَوتُ الذَليل كَعَيشِهِ وَيَد الفَتى / شَلّاء أَو مَقطوعَة سِيّانِ
فَلَئِن سَلمت لأَقضينَّ لبانَتي / بذميل كل شملَّةٍ مِذعانِ
أَرمي الفِجاجِ بِها لأَلقيَ رحلها / في حَيث تُلقى أَرحلُ الفِتيانِ
وَلَئِن سَلِمتُ وَساعدتني عنسل / وَجناء قَد نَحلت من السَريانِ
لأصادفنَّ العَيشَ بَعدَ رويَّةٍ / تَحبو وَمسألة لِغَير أَوانِ
عِندَ الأَميرِ غَريب بن مُحَمَّدٍ / ملك المُلوكِ وَفارِسُ الفِرسانِ
مَلِكٌ يَطوفُ المعتفون بِبابِهِ / كَطوافهم بِالبَيت ذي الأَركانِ
طلق يَلوح عَلى أَسِرَّةِ وَجهِهِ / نور الهُدى وَسَكينَة الإِيمانِ
وَيُبَشِر العافين بشر حَبيبه / بِالنُجح قَبلَ تَصافُحٍ وَتَداني
ينبيك عنه وَلَو تنكَّر بشره / مثل الفرند بصفح كل يَماني
أَلقى الإِلَه عَلَيه مِنهُ مَحَبَّةً / فَتَراهُ مَحبوباً بِكُلِّ جَنانِ
مُتَواضِعاً لِلَّهِ جَلَّ وَلَو يَشا / صَقَعَ المُلوك لَهُ عَلى الأَذقانِ
ملك يهين النَفسَ في يَوم الوغى / وَهوانها في الحَربِ غَيرَ هَوانِ
فَيَمينه لِلمشرفيَّةِ وَالنَدى / وَجَبينه لِلبيض وَالتُيجانِ
ما إِن حَسِبتُ الخَيلَ تألَف ضَيغماً / حَتّى تَبَدّى فَوقَ ظَهرِ حِصانِ
وَإِذا اِنتَضى قَلَماً رأَيت بكتبه / نار العداة وَجَنَّةِ الأُخوانِ
قَلَماً إِذا كانَ الكَلامُ صَريره / نابت نَواطره عَن الآذانِ
عَجَباً لَهُ إِذ يَستَقر بِكَفِّهِ / وَبحارها تَجري بِكُلِّ بَنانِ
سَهمٌ إِذا ما راشه بِبَنانِهِ / وَرَمى أَصابَ مُقاتِل الأَقرانِ
صِلٌّ بخلقته المَنايا وَالمُنى / كالسُّمِّ وَالدَرياق في الثُعبانِ
أَعدته كفكَ بِالبَلاغَةِ وَالنُهى / وَالجودِ وَالآدابِ وَالتِبيانِ
يُنبيك عَمّا في القُلوبِ كَأَنَّما / جُعِلَ المداد سواد كل جِنانِ
قَلَماً إِذا رَشَحته كفَّكَ كاتِباً / أَزرى بِمَنطِقِهِ عَلى سحبان
بَيني وَبَينَكَ لِلفخار قَرابة / في العِلمِ لا الأَباءِ وَالبُلدانِ
رُضَعاء علم واحِد وَرضاعة / الآداب قَبلَ رِضاعَة الأَلبانِ
فاِمنُن بِمالِك أَو بِجاهِكَ أَو هُما / مال الكَريمِ وَجاهُهُ مِثلانِ
فالبَدرُ يَحمد في الضِياءِ وَإِنَّما / قالوا تكسَّب مِن مُنيرٍ ثاني
جُبِلَ الأَنامُ عَلى الخِلافِ وَلا أَرى / في جودِهِ رَجُلَينِ يَختَلِفانِ
يَهتَزُّ لِلمَعروف وَهوَ سَجيَّة / لِلأَكرَمين كَهِزَّة النَشوانِ
لِلَّهِ دَرُّ يَد الخُطوبِ فَإِنَّها / صَدأ اللِئامِ وَصَيقل الفِتيانِ
جَرَّدنَ منك أَبا سنان صارِماً / في كُلِّ ناحيَةٍ لَهُ حدانِ
كَاللَيثِ إِلّا أَنَّ جارك آمن / وَاللَيثُ لَيسَ بآمنِ الجيرانِ
فاِسلم وَإِن رغِمَ الحَسود مُخَلِداً / أَبَداً لِيَومي تائِل وَطِعانِ
يا رَب جَيش قَد كَفَفتِ بِمِثلِهِ / وَالخَيل تعثر في النَجيع الآني
بِشَوازِبٍ فيهِ كَأَنَّ فروجها / أَبواب خاليَةٍ من السُكّانِ
وَمُعرِّضٍ دونَ الكَتيبَة نَفسه / لِلمَوتِ بَينَ مثقَّفٍ وَسِنانِ
أَوجرته نَجلاء تَنضح بِالدما / نَضحاً كَجَيب الثاكِلِ المَرِنانِ
وَعِصابة مال الكرى بِرؤوسِهِم / مَيل الصَبا بِذَوائِبِ الأَغصانِ
سَفع الهَجيرُ جِباهَهم وَخُدودهم / فَكَأَنَّما يَطلين بِالقُطرانِ
مِن كُلِّ أَشعَثٍ ضَمَّ في أَقطارِهِ / لَيل عَلَيهِ بِحاصِب شَفّانِ
يَعوي لِتَنَبحه الكِلاب كَما عَوى / ذيب بِأَعلى قُلَّة الصَمّانِ
نادته نارِك وَهيَ غَيرَ فَصيحَةٍ / وَهناً بِخَفق ذَوائِبِ النِيرانِ
فَهَوى بصحبته لَدَيكَ وَأَدرَكوا / مِنكَ المُنى وَعَطا يَديكَ أَمانِ
وَغَدوا عَبيدك بِالجَميل وَإِنَّما / يُستعيدُ الأَحرارُ بِالإِحسانِ
كَم معشر أَوليتهم فَمَلكتهم / نعماً بِها شادوا بِكُلِّ مَكانِ
شَكَروا وَجَلّوا بِالثَناءِ وَحَمَّلوا / فَوقَ الَّذينَ مَلكَت بِالأَيمانِ
أَنسَيتَنا كعب بِن مامَةَ وَالفَتى / مَعَن بن زائِدَةٍ أَخا شَيبانِ
وَتركت حاتِم تابِعاً لك مثلما / تَبع الثُريّا كَوكَبَ الدَبرانِ
يَشري الثَناءِ بِما غَلا وَلَو أَنَّهُ / في مَنزل مِن دونِهِ القَمَرانِ
متيقناً أَنَّ الثَناءَ مخلد / بآقٍ وَأَنَّ المال شَيءٌ فاني
أَو هَل يباريك السَحاب وَجوده / ماء وجود يَديك بالعِقبانِ
بَل كَيفَ تجدب بلدة تَجري بِها / وَيَداكَ في أَرجائِها بَحرانِ
وَالدَهر عَينٌ أَنتَ إِنسانٌ لَها / لا خَيرَ في عَينٍ بلا إِنسانِ
ظَنّي بِكَ الحُسنى فَإِن أَوليتها / فليشكرنَّكَ ما بَقيت لِساني
حَيَيتُما من دمنتي طَلينِ
حَيَيتُما من دمنتي طَلينِ / عطلين موحشتين مقفرتينِ
عفّى عراصهما عَلى طول البلى / نوء الرَشا وَبَوارح الفرعَينِ
وَمَحاهما مِن آلِ محوة وَالصَبا / أَذيال غاديتين رائِحتينِ
وَكأَنَّما أَبقين من رسميهما / طِرسَين مِن أَثوابِ ذي القرنَينِ
يا مَن رأى ظعن الخَليط كَأَنَّها / نَخل الرُبا أَو دوم ذي الحَدَقَينِ
يقطنَ بِالأَحداجِ بطن مقضب / قَلَتِ الرُبا وَمَشارِق الجَبَلَينِ
مِن كُلِّ أَلباب الرِجالِ كَأَنَّما / صِفر الحَشا سَحّارَة العَينَينِ
تَصطادُ أَلباب الرِجالِ كَأَنَّما / تَرمي بِبَعض عَزائِمِ المَلَكَينِ
وَكأَنَّ مبسمها وَلؤلؤ عقدها / دُرَّين مؤتَلِفَين مُنتَظِمَينِ
وَإِذا مَشَت قطف الخُطى فَكَأَنَّها / ملكُ الخَورَنَقِ ماسَ في بُردَينِ
تَزهو عَلى القَمَرِ المُنير بِوَجهِها / وَتَتيهُ من حُسنِ عَلى الثقلينِ
فَبِنَرجَسِ العَينَينِ سِحر إِن رَنَت / أَو أَسفَرَت فَشَقائق الخَدَّيَنِ
وَلَها سِلاحٌ لا يَضُرُّ دُنوّه / وَالبُعدُ منه جالِبٌ لِلحَينِ
لَحَظاتٌ طرفٍ كالسُيوفِ جُفونُها / أَجفانُها وَفَصيلتا نَهدَينِ
وَلَها قوام ما رأَيت مِثاله / تَهتَزُّ فيهِ كاِهتِزار رُدَيني
رَيّانَة الخِلخالِ ظامئة الحَشا / هُركولة خُرعوبة الساقَينِ
رَيّا العِظام نَديَّة أَعطافها / رَخصُ البَنانِ دَقيقة الخَصرَينِ
قَد كانَ لي عَيش بِهِنَّ فَخانَهُ / صرف النَوى وَتَقَلُّبِ العَصَرَيِ
أَيام لَم يَرُعِ المُحِّبينَ النَوى / عَنّا وَلضم يَنعق غراب البَينِ
قالَت بُريهَة إِذ شجتها رِحلَتي / وَرَنَت بِناظرتين باكِيَتَين
فَكأَنَّ أَدمُعَها وَلَفظ عِتابِها / دَرَّين مفترقين مُنتَثِرَينِ
أَنّى تُريدُ تَرَحُّلاً عَن أَرضِنا / نَفديك بالأَبَوَينِ وَالأَخَوَينِ
فَأَجبتها صَبراً فَإِنّي ناهِض / عَنكِ الغُداةَ صَبيحَةِ الإِثنَينِ
وَلأقتُلَنَّ العُدمَ قتلةَ ثائِرٍ / بِالجودِ من نَفحاتِ كَفِّ حُسَينِ
الماجِدِ ابنِ أَبي هِشام ذي النَدى / مَحض الفَخارِ مُهَذَّبِ الجَدَّينِ
وَرِث المَعالي عَن أَبيهِ وَجَدِّهِ / فَنَشا بِمَجدٍ معلم الطَرفَينِ
بَيت السَماحِ جَماهِريٌّ مجده / تَعلو بِهِ يَمَنٌ عَلى النَجمَينِ
يُغضي لَهيبته الزَمان إِذا اِنتَضى / عَضَبُ المَنابِرِ باتِر الحَدَّينِ
مُتَقَلدٌ من رأيِهِ وَحُسامِهِ / سيفين قَد نيطا إِلى كَتِفَينِ
نِعَمٌ تُباحُ لِراغِبٍ أَو راهِبٍ / جَمُّ المَواهِبِ باسِطِ الكَفَّينِ
حازَ الفخار بِجِدِّهِ وَبِجَدِّهِ / فَهوَ المفضَّلُ كامِل الشَرفَينِ
يا أَيُّها المولى الأَجَلُّ ومن لَهُ / هِمَمٌ تَجاوَزَ مطلع القَمَرَينِ
ما أَنتَ فاعِلٌ الغُداةَ بِشاعِرٍ / رَثِّ الثِيابِ مشعَّثِ القَدَمَينِ
قَد طافَ في طَلَبِ العُلى وادي القُرى / وَالعز من عَدَنٍ إِلى السِرينِ
وَإِلى عُمانَ وَفارِس ثُمَّ اِنتَحى / بِالرَيّش نَحوَ جَزيرَة البَحرَينِ
وَأَقامَ في شيرازَ سَبعَةَ أَشهُرِ / وَأَناب مِن كُلِّ بِخُفِّ حُنَينِ
وَأَنا عَلى الأَيّامِ أَعتَبُ عاتِبٍ / وَبذاك يَقضي بينهنَّ وَبَيني
لا زلت في رُتَبِ المَعالي ساحِباً / ذَيلَ المَكارِمِ مُسبَل الكُمَّينِ
ما نَوَّر الأَصباحَ جِلبابَ الدُجى / وَتَجاوبا طيران في غُصنَينِ
قالوا قُتلت بِصارِمٍ من طَرفِهِ
قالوا قُتلت بِصارِمٍ من طَرفِهِ / فيما زَعمت وَما نَراهُ بَقاني
فَأَجَبتُ خير البيض ما سَبَقَ الدِما / فَمَضى وَلَم يَتَخَضَّب القُربانِ
أَحياهُ بَعدَ اللَهِ إِذ حَيَّاهُ
أَحياهُ بَعدَ اللَهِ إِذ حَيَّاهُ / طَيف يُسرّي الهَمّ عَنهُ سُراهُ
أَهدى السَلام عَلى تَنائي أَرضِهِ / يا حَبَّذا المُهدى ومن أَهداهُ
أَهداهُ أَحوَرَ مِن ظباء تِهامَةٍ / كالظَبّي الحاظ الظباء ظُباهُ
كَلَّت ملاحظُ مُقلتيه وَإِنَّما / لحظ العُيونِ أَكلُّه أَمضاهُ
يُعدي وَلا يزراه سقم جُفونِهِ / وَالسَيف لَيسَ يَضرُّهُ حَدَّاهُ
ما العَيش غير جواره في رَوضَةٍ / يَنضافُ رَيّاها إِلى رَيّاهُ
يَثني النَسيم الأُقحوانُ بِمِثلِهِ / فيها كَما تَتَلاثَم الأَفواهُ
نَفسي الفِداء لَهُ عَلى هِجرانِهِ / أَبَداً وَمَن لي أَن أَكون فِداهُ
أَستودع اللَهَ الحِجازَ وَأَهله / وَسَقاهم سَيلَ الحَيا وَسَقاهُ
أَهوى الحِجاز وَطلحه وَسيالِهِ / وَأَراكه وَبشامه وَعضاهُ
فَسَقى الإِلَهَ سهولَهُ وَحزونه / وَمروجَهُ ووهادَهُ وَرُباهُ
غَيثاً يُطبِّق بِالفلاة فَيَستَوي / بِالرَوضِ منظر أَرضِهِ وَسَماهُ
جوداً كجوديد ابن عمران الَّذي / بَهَرَ الأَنامَ سَناؤُهُ وَسِناهُ
يَحكي الشَريف أَبا عليِّ جودِهِ / يَتَوَسَّم الوَسميُّ في سيماهُ
كَيَمين عَبّاسٍ أَبي الحسن الَّذي / بَهَرَ الأَنامَ سَناؤُهُ وَسِناهُ
ضَحِكَ الزَمانُ وَكانَ عَبّاساً لَنا / بِنَوالِ عَبّاسٍ وَطيب ثَناهُ
ملك يُقِرُّ بِفَضلِهِ وَبِبَذلِهِ / وَبِعَدلِهِ أَصحابَهُ وَعِداهُ
جبل الأَنامِ عَلى الخِلافِ وَلا أَرى / رَجُلَينِ يَختَلِفانِ في عَلياهُ
قَد صاغَهُ الرَحمَنُ مِن كَرَمٍ فَلَو / لمسته راحة باخِلٍ أَعداهُ
اليمن في يُمناهُ كَيفَ تَصَرَّفَت / أَحواله وَاليُسر في يُسراهُ
ساسَ الأَقاليمَ العِظام بِكَفِّهِ / قلم يَفُلُّ شَبا الخُطوبِ شَباهُ
يَجلو جَبيناً لِلعُفاةِ تَرَقرَقَت / وَتَدَفَّقَت للبشر فيهِ مياهُ
وَيُبَشِّر العافين بِشر جَبينه / بِالنُجح قَبلَ يَنالهم جَداوه
وَلِجودِهِ مِن نَفسِهِ داعٍ إِذا / ناداهُ حَيَّ عَلى النَدى لَبّاهُ
يَدري الجَوادَ إِذا استَوى في مَتنِهِ / أَنَّ الفَقير إِلى الحِزام سِواهُ
فَكَأَنَّهُ لِثَباتِهِ في طَرفِهِ / عضو تَمَكَّن في سواء قُراهُ
لا يَقتَني العليا إِلّا بِالظُبى / قدماً إِذا ونيَت صُدور قَناهُ
فالبيض السنة نَواطِق مالها / إِلّا الجَماجِمُ وَالرِقابُ شِفاهُ
ماضي العَزيمِ لَو اِستَنابَ عَزيمَةً / عَن كُلِّ حَدِّ مُهَنَّدٍ أَغناهُ
يا مَن يُفَنِّدُهُ عَلى إِعطائِهِ / لَومُ السَحائِبِ أَن تَشُحَّ سَقاهُ
أَتَلومَهُ في الجودِ وَهوَ رَضاعة / قِدماً ومن بعد الرَضاعِ غَذاهُ
فَإِذا نَهاهُ عاذِلٌ عَن جودِهِ / لَم يُثنِهِ وَكأَنَّهُ أَغراهُ
لا يُستَطاع لِفَضلِهِ وَصفٌ وَلَو / أَنَّ العِبادَ بأَسرِهم أَفواهُ
فَقَد اِغتَدى في كُلِّ شَيء كامِلاً / فَوَقاه مِن عَينِ الكَمالِ اللَهُ
إِقدام حَيدَرَةٍ وَبأس مُحَمَّدٍ / فيهِ وَلا يعدوهما أَبواهُ
نَسَباً تَرى عنوانه في وَجهِهِ / فَلَو أَنَّ أُميّا يَراهُ قَراهُ
أَشبهتَ في العَلياء جَدَّكَ أَحمَداً / إِنَّ الأَكارِمَ في العُلى أَشباهُ
قُسِمَ النَدى فَجَرى الأَنام بِأَسرِهِم / مِنهُ اسمه وَحويتُمُ مَعناهُ
فَمَنِ ادَّعى بَعدَ النَبيِّ وَآلِهِ / مَعنى الفَضائِلِ كُذِّبَت دَعواهُ
لَو يَنسِل المَعروف كنتَ إِبناً لَهُ / أَو كانَ مَولوداً لَكُنتَ أَباهُ
أَنتَ الرَبيع وَكَيف يَحيا مَوضِع / غير الرَبيع بِهِ فَما أَحياهُ
مَن كانَ نَحو ابنِ الإِمامَةِ سَيره / فالنُجح وَالتَوفيق مُكتَنِفاهُ
سَيف لَهُ في وَجهِ شفرة وَجهِهِ / وَجه إِذا كُلُّ الوجوهِ لَجاهُ
ما قالَ لا مُذ كانَ إِلّا قوله / عِندَ الشَهادَةِ لا إِلَه سِواهُ
وَقَد اِعتَزمت عَلى الرَحيلِ فَإِن رأى / إِمضاءُ أَمرِ وَليِّهِ أَمضاهُ
وَلَقَد علمت بِأَنَّ مَوتي عِندَهُ / هَزَلاً يَفوق العَيش عند سِواهُ
لِكِنَّهُ هَجَمَ الشِتاء وَعِندَهُ / مِمَّن تَكون تِهامَة مَثواهُ
يا أَيُّها الملك الَّذي لَم أَغتَرِب / عَن أَرضِ قَومي خُطوَةَ لَولاهُ
أَيَجوز أَن أَشكو إِضاقَة عيشة / وَالمال عندك واهِن وَالجاهُ
مُتَصَرِّف أَنّى يَشاءُ بِرأيِهِ / وَيَمينه لا في يَمين سِواهُ
وَكَذاكَ ظفر اللَيث في يَد غَيرِهِ / يَنبو وَيفري الهام في يُمناهُ
قَلَم بِخِلقَتِهِ المَنايا وَالمُنى / كالصِلِّ فيهِ سُمّه وَشفاهُ
قَطُّ العِدى في قَطِّهِ وَمِدادِهِ / تَنفيس مُدَّة كل مَن والاهُ
يا مَن يَلومُ المُعصِراتُ عَلى النَدى / وَالمزن أَكرَم أَن يَضنَّ نَباهُ
ملك إِذا قسناهُ أَو قُسنا بِهِ / قالَت بَدائِع فَضلِهِ حاشاهُ
ينميه من زيدانٍ يشبه مَعشَرٌ / لَهُمُ من الشَرَفِ الرَفيع ذراهُ
مِن كُلِّ وَضّاحٍ إِذا أَفنى النَدى / من كَفِّهِ المال اِقتَنى بقناهُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025