القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عَنْتَرة بن شَدّاد الكل
المجموع : 32
قِف بِالمَنازِلِ إِن شَجَتكَ رُبوعُها
قِف بِالمَنازِلِ إِن شَجَتكَ رُبوعُها / فَلَعَلَّ عَينَكَ تَستَهِلُّ دُموعُها
وَاِسأَل عَنِ الأَظعانِ أَينَ سَرَت بِها / آباؤُها وَمَتى يَكونُ رُجوعُها
دارٌ لِعَبلَةَ شَطَّ عَنكَ مَزارُها / وَنَأَت فَفارَقَ مُقلَتَيكَ هُجوعُها
فَسَقَتكِ يا أَرضَ الشَرَبَّةِ مُزنَةٌ / مُنهَلَّةٌ يَروي ثَراكِ هُموعُها
وَكَسا الرَبيعُ رُباكِ مِن أَزهارِهِ / حُلَلاً إِذا ما الأَرضُ فاحَ رَبيعُها
كَم لَيلَةٍ عانَقتُ فيها غادَةً / يَحيا بِها عِندَ المَنامِ ضَجيعُها
شَمسٌ إِذا طَلَعَت سَجَدتُ جَلالَةً / لِجَمالِها وَجَلا الظَلامَ طُلوعُها
يا عَبلَ لا تَخشَي عَلَيَّ مِنَ العِدا / يَوماً إِذا اِجتَمَعَت عَلَيَّ جُموعُها
إِنَّ المَنِيَّةَ يا عُبَيلَةُ دَوحَةٌ / وَأَنا وَرُمحي أَصلُها وَفُروعُها
وَغَداً يَمُرُّ عَلى الأَعاجِمِ مِن يَدي / كَأسٌ أَمَرُّ مِنَ السُمومِ نَقيعُها
وَأُذيقُها طَعناً تَذِلُّ لِوَقعِهِ / ساداتُها وَيَشيبُ مِنهُ رَضيعُها
وَإِذا جُيوشُ الكِسرَوِيِّ تَبادَرَت / نَحوي وَأَبدَت ما تُكِنُّ ضُلوعُها
قاتَلتُها حَتّى تَمَلَّ وَيَشتَكي / كُرَبَ الغُبارِ رَفيعُها وَوَضيعُها
فَيَكونُ لِلأُسدِ الضَواري لَحمُها / وَلِمَن صَحِبنا خَيلُها وَدُروعُها
يا عَبلَ لَو أَنَّ المَنِيَّةَ صُوِّرَت / لَغَدا إِلَيَّ سُجودُها وَرُكوعُها
وَسَطَت بِسَيفي في النُفوسِ مُبيدَةً / مَن لا يُجيبُ مَقالَها وَيُطيعُها
ريحَ الحِجازِ بِحَقِّ مَن أَنشاكِ
ريحَ الحِجازِ بِحَقِّ مَن أَنشاكِ / رُدّي السَلامَ وَحَيِّ مَن حَيّاكِ
هُبّي عَسى وَجدي يَخِفُّ وَتَنطَفي / نيرانُ أَشواقي بِبَردِ هَواكِ
يا ريحُ لَولا أَنَّ فيكِ بَقِيَّةً / مِن طيبِ عَبلَةَ مُتُّ قَبلَ لِقاكِ
كَيفَ السُلُوُّ وَما سَمِعتُ حَمائِماً / يَندُبنَ إِلّا كُنتُ أَوَّلَ باكي
بَعُدَ المَزارُ فَعادَ طَيفُ خَيالَها / عَنّي قِفارَ مَهامِهِ الأَعناكِ
يا عَبلَ ما أَخشى الحِمامِ وَإِنَّما / أَخشى عَلى عَينَيكِ وَقتَ بُكاكِ
يا عَبلَ لا يَحزُنكِ بُعدي وَاِبشِري / بِسَلامَتي وَاِستَبشِري بِفَكاكي
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / إِن كانَ بَعضُ عِداكِ قَد أَغراكِ
يُخبِركِ مَن حَضَرَ الشَآمَ بِأَنَّني / أَصفَيتُ وُدّاً مَن أَرادَ هَلاكي
ذَلَّ الأُلى اِحتالوا عَلَيَّ وَأَصبَحوا / يَتَشَفَّعونَ بِسَيفِيَ الفَتّاكِ
فَعَفَوتُ عَن أَموالِهِم وَحَريمِهِم / وَحَمَيتُ رَبعَ القَومِ مِثلِ حِماكِ
وَلَقَد حَمَلتُ عَلى الأَعاجِمِ حِملَةً / ضَجَّت لَها الأَملاكُ في الأَفلاكِ
فَنَثَرتُهُم لَمّا أَتَوني في الفَلا / بِسِنانِ رُمحٍ لِلدِما سَفّاكِ
تَمشي النَعامُ بِهِ خَلاءً حَولَهُ
تَمشي النَعامُ بِهِ خَلاءً حَولَهُ / مَشيَ النَصارى حَولَ بَيتِ الهَيكَلِ
اِحذَر مَحَلَّ السَوءِ لا تَحلُل بِهِ / وَإِذا نَبا بِكَ مَنزِلٌ فَتَحَوَّلِ
تَكفي خَصاصَةَ بَيتِنا أَرماحُنا / شالَت نَعامَةُ أَيِّنا لَم يَفعَلِ
عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ
عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ / ريحُ الصَبا وَتَقَلُّبُ الأَحوالِ
وَعَفا مَغانِيَها وَأَخلَقَ رَسمَها / تَردادُ وَكفِ العارِضِ الهَطّالِ
فَلَئِن صَرَمتِ الحَبلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَسَمِعتِ فِيَّ مَقالَةَ العُذّالِ
فَسَلي لِكَيما تُخبَري بِفَعائِلي / عِندَ الوَغى وَمَواقِفِ الأَهوالِ
وَالخَيلُ تَعثُرُ بِالقَنا في جاحِمٍ / تَهفو بِهِ وَيَجُلنَ كُلَّ مَجالِ
وَأَنا المُجَرَّبُ في المَواقِفِ كُلِّها / مِن آلِ عَبسٍ مَنصِبي وَفَعالي
مِنهُم أَبي شَدّادُ أَكرَمُ والِدٍ / وَالأُمُّ مِن حَلمٍ فَهُم أَخوالي
وَأَنا المَنِيَّةُ حينَ تَشتَجِرُ القَنا / وَالطَعنُ مِنّي سابِقُ الآجالِ
وَلَرُبَّ قِرنٍ قَد تَرَكتُ مُجَدَّلاً / وَلَبانُهُ كَنَواضِحِ الجِريالِ
تَنتابُهُ طُلسُ السِباعِ مُغادَراً / في قَفرَةٍ مُتَمَزِّقِ الأَوصالِ
وَلَرُبَّ خَيلٍ قَد وَزَعتُ رَعيلَها / بِأَقَبَّ لا ضِغنٍ وَلا مِجفالِ
وَمُسَربَلٍ حَلَقَ الحَديدِ مُدَجَّجٍ / كَاللَيثِ بَينَ عَرينَةِ الأَشبالِ
غادَرتُهُ لِلجَنبِ غَيرَ مُوَسَّدٍ / مُتَثَنِّيَ الأَوصالِ عِندَ مَجالِ
وَلَرُبَّ شَربٍ قَد صَبَحتُ مَدامَةً / لَيسوا بِأَنكاسٍ وَلا أَوغالِ
وَكَواعِبٍ مِثلِ الدُمى أَصبَيتُها / يَنظُرنَ في خَفرٍ وَحُسنِ دَلالِ
فَسَلي بَني عَكٍّ وَخَثعَمَ تُخبَري / وَسَلي المُلوكَ وَطَيِّئَ الأَجبالِ
وَسَلي عَشائِرَ ضَبَّةٍ إِذ أَسلَمَت / بَكرٌ حَلائِلَها وَرَهطَ عِقالِ
وَبَني صَباحٍ قَد تَرَكنا مِنهُمُ / جَزَراً بِذاتِ الرِمثِ فَوقَ أُثالِ
زَيداً وَسوداً وَالمُقَطَّعَ أَقصَدَت / أَرماحُنا وَمُجاشِعَ بنَ هِلالِ
رُعناهُمُ بِالخَيلِ تَردي بِالقَنا / وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ فَصّالِ
مَن مِثلُ قَومي حينَ يَختَلِفُ القَنا / وَإِذا تَزِلُّ قَوائِمُ الأَبطالِ
يَحمِلنَ كُلَّ عَزيزِ نَفسٍ باسِلٍ / صَدقِ اللِقاءِ مُجَرَّبِ الأَهوالِ
فَفِدىً لِقَومي عِندَ كُلِّ عَظيمَةٍ / نَفسي وَراحِلَتي وَسائِرُ مالي
قَومي صَمامِ لِمَن أَرادوا ضَيمَهُم / وَالقاهِرونَ لِكُلِّ أَغلَبَ صالي
وَالمُطعِمونَ وَما عَلَيهِم نِعمَةٌ / وَالأَكرَمونَ أَباً وَمَحتِدَ خالِ
نَحنُ الحَصى عَدَداً وَنَحسَبُ قَومَنا / وَرِجالَنا في الحَربِ غَيرِ رِجالِ
مِنّا المُعينُ عَلى النَدى بِفَعالِهِ / وَالبَذلِ في اللَزَباتِ بِالأَموالِ
إِنّا إِذا حَمِسَ الوَغى نُروي القَنا / وَنَعِفُّ عِندَ تَقاسُمِ الأَنفالِ
نَأتي الصَريخَ عَلى جِيادٍ ضُمَّرٍ / خُمصِ البُطونِ كَأَنَّهُنَّ سَعالي
مِن كُلِّ شَوهاءِ اليَدَينِ طِمِرَّةٍ / وَمُقَلَّصٍ عَبلِ الشَوى ذَيّالِ
لا تَأسِيَنَّ عَلى خَليطٍ زايَلوا / بَعدَ الأُلى قُتِلوا بِذي أَغيالِ
كانوا يَشُبّونَ الحُروبَ إِذا خَبَت / قِدماً بِكُلِّ مُهَنَّدٍ فَصّالِ
وَبِكُلِّ مَحبوكِ السَراةِ مُقَلِّصٍ / تَنمو مَناسِبُهُ لِذي العُقّالِ
وَمُعاوِدِ التَكرارِ طالَ مُضِيُّهُ / طَعناً بِكُلِّ مُثَقَّفٍ عَسّالِ
مِن كُلِّ أَروَعَ لِلكُماةِ مُنازِلٍ / ناجٍ مِنَ الغَمَراتِ كَالرِئبالِ
يُعطي المَئينَ إِلى المَئينَ مُرَزَّأً / حَمّالُ مُفظِعَةٍ مِنَ الأَثقالِ
وَإِذا الأُمورُ تَحَوَّلَت أَلفَيتَهُم / عِصَمَ الهَوالِكِ ساعَةَ الزِلزالِ
وَهُمُ الحُماةُ إِذا النِساءُ تَحَسَّرَت / يَومَ الحِفاظِ وَكانَ يَومُ نَزالِ
يُقصونَ ذا الأَنفِ الحَمِيِّ وَفيهِمُ / حِلمٌ وَلَيسَ حَرامُهُم بِحَلالِ
المُطعِمونَ إِذا السُنونُ تَتابَعَت / مَحلاً وَضَنَّ سَحابُها بِسِجالِ
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ / وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِماً / وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ / خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها / وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ
وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ / أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ / حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ / مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إِن كُنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي / فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ
أَو أَنكَرَت فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي / فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي
وَبِذابِلي وَمُهَنَّدي نِلتُ العُلا / لا بِالقَرابَةِ وَالعَديدِ الأَجزَلِ
وَرَمَيتُ مُهري في العَجاجِ فَخاضَهُ / وَالنارُ تَقدَحُ مِن شِفارِ الأَنصُلِ
خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلاً حَتّى إِذا / شَهِدَ الوَقيعَةَ عادَ غَيرَ مُحَجَّلِ
وَلَقَد نَكَبتُ بَني حُريقَةَ نَكبَةً / لَمّا طَعَنتُ صَميمَ قَلبِ الأَخيَلِ
وَقَتَلتُ فارِسَهُم رَبيعَةَ عَنوَةً / وَالهَيذُبانَ وَجابِرَ بنَ مُهَلهَلِ
وَاِبنَي رَبيعَةَ وَالحَريشَ وَمالِكاً / وَالزِبرِقانُ غَدا طَريحَ الجَندَلِ
وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّها / ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ
الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ / وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُلِ
وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ / بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ
يا نازِلينَ عَلى الحِمى وَدِيارِهِ / هَلّا رَأَيتُم في الدِيارِ تَقَلقُلي
قَد طالَ عِزَّكُم وَذُلّي في الهَوى / وَمِنَ العَجائِبِ عِزَّكُم وَتَذَلَّلي
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ / بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ / وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
دَع ما مَضى لَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ
دَع ما مَضى لَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ / وَعَلى الحَقيقَةِ إِن عَزَمتَ فَعَوِّلِ
إِن كُنتَ أَنتَ قَطَعتَ بَرّاً مُقفَراً / وَسَلَكتَهُ تَحتَ الدُجى في جَحفَلِ
فَأَنا سَرَيتُ مَعَ الثُرَيّا مُفرَداً / لا مُؤنِسٌ لي غَيرَ حَدِّ المُنصُلِ
وَالبَدرُ مِن فَوقِ السَحابِ يَسوقُهُ / فَيَسيرُ سَيرَ الراكِبِ المُستَعجِلِ
وَالنَسرُ نَحوَ الغَربِ يَرمي نَفسَهُ / فَيَكادُ يَعثُرُ بِالسِماكِ الأَعزَلِ
وَالغولُ بَينَ يَدَيَّ يَخفى تارَةً / وَيَعودُ يَظهَرُ مِثلَ ضَوءِ المَشعَلِ
بِنَواظِرٍ زُرقٍ وَوَجهٍ أَسوَدٍ / وَأَظافِرٍ يُشبِهنَ حَدَّ المِنجَلِ
وَالجِنُّ تَفرَقُ حَولَ غاباتِ الفَلا / بِهَماهِمٍ وَدَمادِمٍ لَم تَغفَلِ
وَإِذا رَأَت سَيفي تَضِجُّ مَخافَةً / كَضَجيجِ نوقِ الحَيِّ حَولَ المَنزِلِ
تِلكَ اللَيالي لَو يَمُرُّ حَديثُها / بِوَليدِ قَومٍ شابَ قَبلَ المَحمِلِ
فَاكفُف وَدَع عَنكَ الإِطالَةَ وَاِقتَصِر / وَإِذا اِستَطَعتَ اليَومَ شَيئاً فَاِفعَلِ
يا صاحِبي لا تَبكِ رَبعاً قَد خَلا
يا صاحِبي لا تَبكِ رَبعاً قَد خَلا / وَدَعِ المَنازِلَ تَشتَكي طولَ البِلى
وَاِشكو إِلى حَدِّ الحُسامِ فَإِنَّهُ / أَمضى إِذا حَقَّ اللِقاءُ وَأَفضَلا
مِن أَينَ تَدري الدارُ أَنَّكَ عاشِقٌ / أَو عِندَها خَبَرٌ بِأَنَّكَ مُبتَلى
وَاللَهِ ما يُمضي رَسولاً صادِقاً / إِلّا السِنانُ إِذا الخَليلُ تَبَدَّلا
وَلَقَد عَرَكتُ الدَهرَ حَتّى إِنَّهُ / لَو لَم يَذُق مِنّي المَرارَةَ ما حَلا
وَكَذا سِباعُ البَرِّ لَولا شَرُّها / دارَت بِها في الغابِ غِربانُ الفَلا
فَتَحَمَّلا يا صاحِبَيَّ رِسالَتي / إِن كُنتُما عَن أَرضِ عَبسٍ تَعدِلا
قولا لِقَيسٍ وَالرَبيعِ بِأَنَّني / خَطُّ المَشيبِ عَلى شَبابي ما عَلا
بَل لَو صَدَمتُ بِهِمَّتي جَبَلي حَرى / قَسَماً وَحَقِّ أَبي قُبَيسَ تَزَلزَلا
لَو لَم تَكُن يا قَيسُ غَرَّكَ جاهِلٌ / ما سُقتَ نَحوَ دِيارِ عَنتَرَ جَحفَلا
وَاللَهِ لَو شاهَدتَهُ وَرَأَيتَهُ / ما كانَ آخِرُهُ يُلاقي الأَوَّلا
يا قَيسُ أَنتَ تَعُدُّ نَفسَكَ سَيِّداً / وَأَبوكَ أَعرِفُهُ أَجَلَّ وَأَفضَلا
فَاِتبَع مَكارِمَهُ وَلا تُذري بِهِ / إِن كُنتَ مِمَّن عَقلُهُ قَد أُكمِلا
فَاِحذَر فَزارَةَ قَبلَ تَطلُبُ ثَأرَها / وَتُريكَ يَوماً نارُهُ لا تُصطَلى
فَدِما بَني بَدرٍ عَلَيكَ قَديمَةٌ / وَبَني فَزارَةَ قَصدُها أَن تَغفَلا
وَاللَهِ ما خَلَّيتُ في أَوطانِهِم / إِلّا النَوائِحَ صارِخاتٍ في الفَلا
وَتَظَلُّ عَبلَةُ في الخُدورِ تَجُرُّها
وَتَظَلُّ عَبلَةُ في الخُدورِ تَجُرُّها / وَأَظَلُّ في حَلَقِ الحَديدِ المُبهَمِ
يا عَبلَ لَو أَبصَرتِني لَرَأَيتِني / في الحَربِ أُقدِمُ كَالهِزَبرِ الضَيغَمِ
وَصِغارُها مِثلُ الدَبى وَكِبارُها / مِثلُ الضَفادِعِ في غَديرٍ مُقحَمِ
يَدعونَ عَنتَرَ وَالدُروعُ كَأَنَّها / حَدَقُ الضَفادِعِ في غَديرٍ أَدهَمِ
تَسعى حَلائِلُنا إِلى جُثمانِهِ / بِجَنى الأَراكِ تَفيئَةً وَالشَبرُمِ
فَأَرى مَغانِمَ لَو أَشاءُ حَوَيتُها / فَيَصُدُّني عَنها كَثيرُ تَحَشُّمي
هاجَ الغَرامُ فَدُر بِكَأسِ مُدامِ
هاجَ الغَرامُ فَدُر بِكَأسِ مُدامِ / حَتّى تَغيبَ الشَمسُ تَحتَ ظَلامِ
وَدَعِ العَواذِلَ يُطنِبوا في عَذلِهِم / فَأَنا صَديقُ اللَومِ وَاللُوّامِ
يَدنو الحَبيبُ وَإِن تَناءَت دارُهُ / عَنّي بِطَيفٍ زارَ بِالأَحلامِ
فَكَأَنَّ مَن قَد غابَ جاءَ مُواصِلي / وَكَأَنَّني أومي لَهُ بِسَلامِ
وَلَقَد لَقيتُ شَدائِداً وَأَوابِداً / حَتّى اِرتَقَيتُ إِلى أَعَزَّ مَقامِ
وَقَهَرتُ أَبطالَ الوَغى حَتّى غَدَوا / جَرحى وَقَتلى مِن ضِرابِ حُسامي
ما راعَني إِلّا الفِراقُ وَجَورُهُ / فَأَطَعتُهُ وَالدَهرُ طَوعُ زِمامي
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي راحاتُهُ
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي راحاتُهُ / قامَت مَقامَ الغَيثِ في أَزمانِهِ
يا قِبلَةَ القُصّادِ يا تاجَ العُلا / يا بَدرَ هَذا العَصرِ في كيوانِهِ
يا مُخجِلاً نَوءَ السَماءِ بِجودِهِ / يا مُنقِذَ المَحزونِ مِن أَحزانِهِ
يا ساكِنينَ دِيارَ عَبسٍ إِنَّني / لاقَيتُ مِن كِسرى وَمِن إِحسانِهِ
ما لَيسَ يوصَفُ أَو يُقَدَّرُ أَو يَفي / أَوصافَهُ أَحَدٌ بِوَصفِ لِسانِهِ
مَلِكٌ حَوى رُتَبَ المَعالي كُلَّها / بِسُمُوِّ مَجدٍ حَلَّ في إيوانِهِ
مَولىً بِهِ شَرُفَ الزَمانُ وَأَهلُهُ / وَالدَهرُ نالَ الفَخرَ مِن تيجانِهِ
وَإِذا سَطا خافَ الأَنامَ جَميعُهُم / مِن بَأسِهِ وَاللَيثُ عِندَ عِيانِهِ
المُظهِرُ الإِنصافَ في أَيّامِهِ / بِخِصالِهِ وَالعَدلَ في بُلدانِهِ
أَمسَيتُ في رَبعٍ خَصيبٍ عِندَهُ / مُتَنَزِّهاً فيهِ وَفي بُستانِهِ
وَنَظَرتُ بِركَتَهُ تَفيضُ وَماؤُها / يَحكي مَواهِبَهُ وَجودَ بَنانِهِ
في مَربَعٍ جَمَعَ الرَبيعَ بِرَبعِهِ / مِن كُلِّ فَنٍّ لاحَ في أَفنانِهِ
وَطُيورُهُ مِن كُلِّ نَوعٍ أَنشَدَت / جَهراً بِأَنَّ الدَهرَ طَوعُ عِنانِهِ
مَلِكٌ إِذا ما جالَ في يَومِ اللِقا / وَقَفَ العَدُوُّ مُحَيَّراً في شانِهِ
وَالنَصرُ مِن جُلَسائِهِ دونَ الوَرى / وَالسَعدُ وَالإِقبالُ مِن أَعوانِهِ
فَلَأَشكُرَنَّ صَنيعَهُ بَينَ المَلا / وَأُطاعِنُ الفُرسانَ في مَيدانِهِ
يا دارُ أَينَ تَرَحَّلَ السُكّانُ
يا دارُ أَينَ تَرَحَّلَ السُكّانُ / وَغَدَت بِهِم مِن بَعدِنا الأَظعانُ
بِالأَمسِ كانَ بِكِ الظِباءُ أَوانِساً / وَاليَومَ في عَرَصاتِكِ الغِربانُ
يا دارَ عَبلَةَ أَينَ خَيَّمَ قَومُها / لَمّا سَرَت بِهِمُ المَطيُّ وَبانوا
ناحَت خَميلاتُ الأَراكِ وَقَد بَكى / مِن وَحشَةٍ نَزَلَت عَلَيهِ البانُ
يا دارُ أَرواحُ المَنازِلِ أَهلُها / فَإِذا نَأَوا تَبكيهِمُ الأَبدانُ
يا صاحِبي سَل رَبعَ عَبلَةَ وَاِجتَهِد / إِن كانَ لِلرَبعِ المُحيلِ لِسانُ
يا عَبلَ ما دامَ الوِصالُ لَيالِياً / حَتّى دَهانا بَعدَهُ الهِجرانُ
لَيتَ المَنازِلَ أَخبَرَت مُستَخبِراً / أَينَ اِستَقَرَّ بِأَهلِها الأَوطانُ
يا طائِراً قَد باتَ يَندُبُ إِلفَهُ / وَيَنوحُ وَهوَ مُوَلَّهٌ حَيرانُ
لَو كُنتَ مِثلي ما لَبِستَ مُلَوَّناً / حُسناً وَلا مالَت بِكَ الأَغصانُ
أَينَ الخَلِيُّ القَلبِ مِمَّن قَلبُهُ / مِن حَرِّ نيرانِ الجَوى مَلآنُ
عِرني جَناحَكَ وَاِستَعِر دَمعي الَّذي / أَفنى وَلا يَفنى لَهُ جَرَيانُ
حَتّى أَطيرَ مُسائِلاً عَن عَبلَةٍ / إِن كانَ يُمكِنُ مِثلِيَ الطَيَرانُ
قِف بِالدِيارِ وَصِح إِلى بَيداها
قِف بِالدِيارِ وَصِح إِلى بَيداها / فَعَسى الدِيارُ تُجيبُ مَن ناداها
دارٌ يَفوحُ المِسكُ مِن عَرَصاتِها / وَالعودُ وَالنَدُّ الذَكِيُّ جَناها
دارٌ لِعَبلَةَ شَطَّ عَنكَ مَزارُها / وَنَأَت لَعَمري ما أَراكَ تَراها
ما بالُ عَينِكَ لا تَمُلُّ مِنَ البُكا / رَمَدٌ بِعَينِكَ أَم جَفاكَ كَراها
يا صاحِبي قِف بِالمَطايا ساعَةً / في دارِ عَبلَةَ سائِلاً مَغناها
أَم كَيفَ تَسأَلُ دِمنَةً عادِيَّةً / سَفَتِ الجُنوبِ دِمانَها وَثَراها
يا عَبلَ قَد هامَ الفُؤادُ بِذِكرِكُم / وَأَرى دُيوني ما يَحُلُّ قَضاها
يا عَبلَ إِن تَبكي عَلَيَّ بِحُرقَةٍ / فَلَطالَما بَكَتِ الرِجالُ نِساها
يا عَبلَ إِنّي في الكَريهَةِ ضَيغَمٌ / شَرِسٌ إِذا ما الطَعنُ شَقَّ جِباها
وَدَنَت كِباشٌ مِن كِباشٍ تَصطَلي / نارَ الكَريهَةِ أَو تَخوضُ لَظاها
وَدَنا الشُجاعُ مِنَ الشُجاعِ وَأُشرِعَت / سُمرُ الرِماحِ عَلى اِختِلافِ قَناها
فَهُناكَ أَطعَنُ في الوَغى فُرسانَها / طَعناً يَشُقُّ قُلوبَها وَكُلاها
وَسَلي الفَوارِسَ يُخبِروكِ بِهِمَّتي / وَمَواقِفي في الحَربِ حينَ أَطاها
وَأَزيدُها مِن نارِ حَربي شُعلَةً / وَأُثيرُها حَتّى تَدورَ رَحاها
وَأَكُرُّ فيهِم في لَهيبِ شُعاعِها / وَأَكونُ أَوَّلَ واقِدٍ بِصَلاها
وَأَكونُ أَوَّلَ ضارِبٍ بِمُهَنَّدٍ / يَفري الجَماجِمَ لا يُريدُ سِواها
وَأَكونُ أَوَّلَ فارِسٍ يَغشى الوَغى / فَأَقودُ أَوَّلَ فارِسٍ يَغشاها
وَالخَيلُ تَعلَمُ وَالفَوارِسُ أَنَّني / شَيخُ الحُروبِ وَكَهلُها وَفَتاها
يا عَبلَ كَم مِن فارِسٍ خَلَّيتَهُ / في وَسطِ رابِيَةٍ يَعُدُّ حَصاها
يا عَبلَ كَم مِن حُرَّةٍ خَلَّيتُها / تَبكي وَتَنعى بَعلَها وَأَخاها
يا عَبلَ كَم مِن مُهرَةٍ غادَرتُها / مِن بَعدِ صاحِبِها تَجُرُّ خُطاها
يا عَبلَ لَو أَنّي لَقيتُ كَتيبَةً / سَبعينَ أَلفاً ما رَهِبتُ لِقاها
وَأَنا المَنِيَّةُ وَاِبنُ كُلِّ مَنِيَّةٍ / وَسَوادُ جِلدي ثَوبُها وَرِداها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025