المجموع : 83
بصفات مجدك يشرف التمجيد
بصفات مجدك يشرف التمجيد / وبنور وجهك يشرق التوحيد
أمن الهدى أن يستضام وشمله / بالعاضد بن محمد معضود
نزلت ليالي الصوم عندك منزلاً / مازال يعمره التقى والجود
وترحلت من بعد ما زودتها / بر التهجد والأنام هجود
ولقيت عيد الفطر منك بغرة / أضحى ببهجتها يهنا العيد
شرفت بك الأيام حين ملكتها / فجميع أوقات الزمان عبيد
شوال عبدك إن رضيت وإنما / تصحيف عبد في الكتابة عيد
في كل شيء من علاك إشارة / تبدي الخلافة سرها وتعيد
فأفد أمير المؤمنين ولم تزل / لعبيدك المتفهمين تفيد
ما السر في عود المظلة إنه / عود صليب المتن وهو يميد
ما ذاك إلا أنه نظر الورى / وهم لوجهك ركع وسجود
فصغى ولكن المهابة والحيا / منعاه مما يشتهي ويريد
حسدت مظلتك النجوم لأنها / فلك على شمس الضحى ممدود
وبسطت في طلب السيادة عذرها / ومن العجائب أن يسود حسود
وتشرفت لما غدت ورتاجها / فوق الخلافة دائر مشدود
ما فاز بالتشريف إلا مقلة / مدت إليك لحاظها أو جيد
تومي بطرفك نحوهم فتراهم / كالزرع منه قائم وحصيد
دانوا بحب خليفة ما فوقه / في الأمر إلا الخالق المعبود
لما برزت غداة فطرك خاشعاً / وشعارك التكبير والتمجيد
وعليك من شيم النبي وحيدر / للناظرين أدلة وشهود
شخصت إليك نواظر الأمم التي / ملكتهم لك بيعة وعهود
حتى صعدت على ذؤابة منبر / لو كان عوداً ماس ذاك العود
بشرت بل أنذرت بالحكم التي / فيهن وعد صادق ووعيد
لينت قاسية القلوب بخطبة / أصغى إليها المجمع المشهود
لا منكر أن تستكين جوارح / لسماعها أو تقشعر جلود
والوحي ينطق عن لسانك بالذي / من دونه يتصدع الجلمود
يوم جلت فيه الإمامة عزها / ولها الملائكة الكرام جنود
أمنت خلافتك الخلاف وأبرمت / بكفيلها مرر لها وعقود
بالعادل بن الصالح انتظمت فهل / وصى سليماناً بها داود
أغنى عن التقليد نص إمامة / والنص يبطل عنده التقليد
لا شيء من حل وعقد في الورى / إلا إلى تدبيره مردود
ملك أغاث المسلمين وحاطهم / منه وجود في الزمان وجود
ورث الكفالة عن أب لم يفترق / في عصره نصر ولا تأييد
قسماً بمجد أبي شجاع إنه / قسم كما لا ينكرن شديد
لقد استقل أبو شجاع بالتي / أثقالها للحاملين تؤود
واختط من شرف المساعي غاية / ما فوقها للطالبين مزيد
وتدارك الإسلام حين تمايلت / بالخوف أطناب له وعمود
وأقر طائشة القلوب بعزمة / سكنت بها الأطواد وهي تميد
وأذل عز الناكثين بعسكر / لولا التزاحم لم تسعه البيد
قرعت أنابيب القنا فيه القنا / ضيقاً وصل من الحديد حديد
ورأيت فوق السرج منه أجل من / خفقت له في الخافقين بنود
والشمس قد لبست نقاب عجاجة / ضوء النهار بليلها مطرود
لولا ضياء جبينه ما ابيض من / ظلماء مفرقها ذوائب سود
رويت بهيبتها الصدور فاصميت / منها ضغائن أضمرت وحقود
حتى استقال من العناد معاند / وأقر بالفضل المبين جحود
بأس يهد الراسيات وصولة / تأتي وليس أمامها تهديد
شرفاً بني رزيك إن علوكم / أبداً على مر الجديد جديد
لا تفتل الأيام حبل مكيدة / إلا وفيه لأمركم تأكيد
إن الوزارة لا تليق بغيركم / مادام منكم واحد موجود
جانبتم الإسراف إلا في الندى / فلذاك حسن فعالكم محمود
والأمر ليس بنافذ إلا إذا / قامت بحد المرهفات حدود
والناس ليس بمصلح أحوالهم / مع ذاك إلا الرفق والتسديد
يهنى أمير المؤمنين قيامه / في ثأركم ووفاءه المعهود
لم يرض بالأمر الذي رضيت به / في الملك أطراف طغت وعبيد
فشقوا بيوم الصالح الهادي كما / شقيت بصالح النبي ثمود
وتمزقوا بيد الإمام فهالك / ذاق الردى ومصفد وطريد
رعت الخلافة حق أروع لم يزل / يحمي العداء عن عزها ويذود
شهد الملائكة الكرام بأنه / لبى نداء الله وهو شهيد
كافأته في أهله وجعلتهم / سبباً تفيد به الورى وتبيد
وبلوتهم فوجدتهم مامنهم / لعلاك إلا ناصح وودود
وغدا لهم بجميل رأيك فيهم / شرف أناف وعدة رعديد
فاشدد عليهم راحتيك فإنما / ينمى ولاؤك عندهم ويزيد
وبقيتم للمسلمين ومجدكم / أبداً بأفراد النجوم مشيد
عادت عليك أهلة الأعياد
عادت عليك أهلة الأعياد / ببلوغ آمال ونيل مراد
ورأت بك الأيام ما تختار من / عز إلى يوم المعاد معاد
يهني أمير المؤمنين مواسم / أوقاتهن إلى اللقاء صوادي
نظمت على جيد الزمان جواهراً / إن الجواهر حلية الأجياد
ما العيد إلا أن تراك نواظر / لولاك ما اكتحلت بطيب رقاد
وتنير تحت التاج غرتك التي / تجلو صدى المرتاب والمرتاد
وتزور مجلسك المقدس بالهنا / أمم تراوح لثمه وتغادي
وتلوح في ظل المظلة طالعاً / كالبدر أو كالكوكب الوقاد
وكأنها فلك ووجهك شمسه / لولا اعتماد رتاجها بعماد
حسدت بساط الأرض فيك وما درت / أن السماء لها من الحساد
نشر المدير بها عليك غمامة / ذهبية ليست بذات عهاد
فغدا الورى يتعجبون وقد بدا / من تحتها الجودي فوق جواد
قد قلت إذا علت المظلة فوق من / يعلو محل الأنجم الأفراد
لم تعل إلا خدمة وصيانة / وكذا السيوف تصان في الأغماد
والقلب أشرف والضلوع تحوطه / والعين يحجب نورها بسواد
لما برزت إلى المصلى لابساً / ثوب الخشوع وهيبة الآساد
جلت الخلافة عزها في موكب / يكسو ضياء الصبح ثوب حداد
ستر القتام جيادها فكأنها / مكنون سر في مصون فؤاد
متلاطم كالموج إلا أنه / متتابع الأمواج والأزباد
حتى إذا وافيت ساحة مجمع / متضايق العرصات بالأشهاد
قابلت محراب الصلاة وللهدى / قبس على قسمات وجهك باد
وقضيت نافلة السجود ولم تزل / لله أفضل قانت سجاد
وصعدت ذورة منبر أبقيت في / شرفاته شرفاً على الأعواد
ونطقت من فصل الخطاب بخطبة / عون الإله لها من الأمداد
ذرفت دموع الخلق عند سماعها / واستنجدت بمدامع الأكباد
ذكرت ناسية القلوب وإنما / نادى رشادك أهل ذاك النادي
ونحوت متبعاً لسنة من مضى / من سالف الآباء والأجداد
وعلى شريعة جدكم ووصيه / صلى وضحى أهل كل بلاد
وتخاير الوفد الحجيج ضيافة / أعددتموها للقرى والزاد
فاسلم وقل للمشرفية والقنا / ينحرن كل مخالف ومعاد
واحكم على جور الزمان بعادل / ورث الكفالة عن كفيل هادر
فاستوهب النصر العزيز بناصر / صلحت به الأيام بعد فساد
ملك يصرف كل صرف نازل / بأعنة الإصدار والإيراد
لولا عزائمه وشد رأسه / أضحت قوى الإسلام غير شداد
شمخت أنوف عداته واقتادها / صعب الإباء على يد المقتاد
لما تجاوز غاية الأمد الذي / فات الملوك وفت في الأعضاد
قالت مناقبه لحاسد مجده / هون عليك فلست من أضدادي
وانظر لنفسك من يليق بشكلها / واعرف إذا عاديت كيف تعادي
وامنع قناتك أن تميل فإنني / أخشى عليك مثقف المياد
واصدق فما تخفى طوية صادق / ممن أسر الجمر تحت رماد
فإذا وفى لك صاحب وغدرته / فاعلم بأن الله في المرصاد
وحذار من نهشات صل أرقط / ظام ومن بطشات ليث عاد
فبأسفل الهضبات شبل عرينة / وبملتقى العقدات حية واد
منعت بنو رزيك ساحة عزهم / إلا على الرواد والوراد
قوم تخيرت الورى فوجدتهم / أندى الملوك يداً وأكرم ناد
شرفت مناقب مجدهم فكأنني / أتلو بها القرآن بالإنشاد
من كان يسند عن سماع فضيلة / فعن العيان لفضلهم إسنادي
وأبو الشجاع إذا أردت مديحهم / بيت القصيد وقبلة القصاد
يا خير من نظم المديح لمجده
يا خير من نظم المديح لمجده / وتنزلت سور الكتاب بحمده
يا حجة الله التي بضيائها / هديت بصيرة حائر عن قصده
أنت الذي بلغ النهاية في العلى / عفواً ولم يبلغ بداية جهده
ورث الهداة الراشدين إمامة / أحيا معالمها بواضح رشده
إن يفتخر بنبوة ووصية / فهما تراث عن أبيه وجده
وإذا تنزل دون ذلك لم يجد / إلا ولي خليفة في عهده
ما ضركم والمصطفى لكم أب / فقدانكم لقضيبه ولبرده
مابين آلات النبي وآله / إلا كما بين الحسام وغمده
شرف غدوت أبا محمد ذروة / في تاجه وفريدة في عقده
مجد يقول إذا عددت نجومه / خل الإطالة واختصر في عده
واذكر أبا الميمون تعل بذكره / شرفاً ولا تتعد نحو معده
الحافظ المحفوظ عند مغيبه / بثلاثة ورثوا الهدى من ولده
من ظافر أو فائز أو عاضد / أضحت بنو رزيك ساعد عضده
قوم أحلهم الزمان مراتباً / أوفت على حل الزمان وعقده
الباسطون ثوابهم وعقابهم / بأتم باع في العلى وأمده
ورث الكفالة عادل في حكمه / منهم ولكن جائر في رفده
نيطت حمائلها بعاتق أروع / حمل الشدائد قبل وقت أشده
وتيقنت رتب الوزارة أنها / كانت ممهدة له من مهده
ولقد أعاض الدست بعد كفيله / أنساً كفى الأيام وحشة فقده
ملك يرد الألف إلا أنه / لا يلتقي الراجي بنبوة رده
جذلان يعتصر الندى من كفه / كرماً ويقتدح الردى من زنده
ترضي رماح الخط بسطة باعه / ومضارب الهندي قوة زنده
وتظن لامعة البوارق في الدجى / بيضاً تجردها فوارس جرده
لا تغترر ببشاشة من بشره / فالسيف يلمع والردى في حده
طارت به همم العلى وتقاصرت / همم الليالي أن تجيء بضده
مطلت عواطف حلمه بوعيده / عفواً وقارنت النجاز بوعده
ملك الجوامح فاللسان بحمده / مستخدم وكذا الفؤاد لورده
وقفت مدائحنا عليه لأنه / ما عندها إلا الذي من عنده
يا عاضداً دين الإله وقائماً / لولاه ما عرفت إقامة حده
تهنيك في العصر الشريف سلامة / عفت على خطأ الحريق وعمده
ولعت به نار الخليل فأطفئت / بسريرة ذخرت لكم من بعده
الله صان عليك مهبط وحيه / ومقر رحمته وجنة خلده
شبهت قصرك والخلائق حوله / تعنو على حر الجبين وخده
بالبيت والركن المحلق ركنه / والوافدين إلى نداك بوفده
ولو أنني وجهت شعري نحوكم / لكفيتكم حر الحريق ببرده
شعر لو أن البحر عب عبابه / وطمت على الدنيا غوارب مده
وأعانه فصل الشتاء بثلجه / ما سد في الإطفاء بعض مسده
أغليتمو بالجود قيمة شعره / ورفعتم بالجاه خامل مجده
وسددتم بالنقد خلة فقره / وسترتم كرماً معائب نقده
يا جامع الشمل المبدد
يا جامع الشمل المبدد / ومسدد الراي المسدد
يا منعماً إحسانه / في كل حال ليس يجحد
يا موضحاً نهج الهدى / بشريعة الهادي محمد
أستر على عبد إذا / ما أشرك الكفار وحد
فعل القبيح تعمداً / فاغفر لمعترف تعمد
وأعد رضاك وعد على / هفواته فالعود أحمد
وابعث له الفرج القري / ب فصبره بالهم مبعد
أبني إن ذقت الردى
أبني إن ذقت الردى / فلقد أذقت أباك فقدك
ووحق عيشك لا حلا / لأبيك مر العيش بعدك
شوقي إليك على التبا
شوقي إليك على التبا / عد والتقارب زائد
وكذا المحب وداده / في كل حال واحد
والحر من لم تنقض ال / أيام ما هو عاقد
صرف النسيب إلى اللوى وزرود
صرف النسيب إلى اللوى وزرود / ضرب من الشعراء غير مفيد
وأرقهم ديباجة من عنده / غزل يرود هوى الفتاة الرود
وإذا عمدت إلى النسيب وصفته / في غير وصف كنت غير عميد
قل لي متى لقيتك ظبية حاجر / تختال بين محاجر وعقود
ملك أوحد مجده ولو أنني / ثنيته ثنيت بالتوحيد
أثني عليه ولا أردد مجده / ونداه مجبول على الترديد
وإذا قرنت مقالتي بفعاله / فاسمع مجيداً في صفات مجيد
جزلاً يقابله جزيل مكارم / أثنى بما لم يجر في المعهود
عن كل بيت بيت مال صامت / إذ كل بيت قلب كل قصيد
قالت حماسته لمادح جوده / أحسنت لكن أين مدح الجود
طوداً تعجب حلمه ووقاره / كيف استقل جواده بالجودي
جعلت بنو أيوب راية عزمهم / معقودة بلوائه المعقود
وغدت بسؤددك العريض مقرة / يا شمس دولتهم بغير جحود
والشمس معروف لها أن تنجلي / بضيائها ظلم الليالي السود
قوى قدومك ضعف كل عزيمة / وسددت ثلماً ليس بالمسدود
وتوفق الفتح المبين وما شفى التس / ديد حتى جئت بالتشديد
كشفت مهابتك القناع وقررت / بالمرهفات قواعد التمهيد
فالفتح فتحك سقت غرة نصره / بين الظبى والعزم والتأييد
وكأنما الإسلام عقد صنته / يا سلك لؤلؤه عن التبديد
إن فقت جيشاً أنت منه فإنه / ما غير يوم العيد مثل العيد
لو صورت شيم الملوك حكاية / كنت المعبر عنه بالمقصود
كرم بذلت به الثمين وقلت لي / اعذر فإن الجود بالموجود
ولكم وهبت الألف وهو أقل ما / تعتده في النائل المعهود
خبراً سمعت به وما الخبر الذي / وقع التواتر فيه بالمردود
صدقت عنك به وما شاهدته / والغالب المعلوم كالمشهود
بل لو مدحت سواك أطلب درة / لمسحت من كفيه ضرع حديد
لا يرشحون على المديح كأنما / خلق الإله أكفهم لجمود
بخلوا بفضل الزاد عن أضيافهم / والزاد آخره طعام الدود
عميتهم ولو أنني سميتهم / لم أقض فضل مقامه المحمود
فإذا استوى عرف وعرف صورة / فالفرق في المقصود والمقصود
للمجد عندك حاجة معلومة / ما المجد عن إدراكها ببعيد
تشكو إليك من السهاد جفونها / ما في جفون ظباك من تسهيد
ضاق الصعيد على جيادك بعدما / ضمنت صعادك فتح كل صعيد
والغرب و اليمن القصية أهله / من خوفهم في قائم وحصيد
والسيف يلمع في الخواطر برقه / بالسيف من عدن وأرض زبيد
فإلى متى أيدي الكماة معوقة / عن نشر ألوية ونشر بنود
ومعاطف الخيل الخفاف إلى العدى / تشكو جفاف ألبة ولبود
أفلا رميت بها الفلاة مجرداً / عزماً تسد به عراض البيد
وخلقت مملكة يقول طريفها / للدهر أرخ في رحل تليد
وعذرت من حسد الرجال على العلى / لما ظفرت بلذة المحسود
والنيل منقذ الأديم عليكم / حاشا رضاك بسيفه المقدود
وسماح كفك لا يقوم بزخره / إلا عباب الأخضر الممدود
فاسمع لمنظوم الفرائد صاغها / فرد المحاسن مادحاً لفريد
مدح يعبر عن طنين مهند / وتقول بل يحكي طنين العود
فصل إذا فصل الخطاب عدمته / ونسبته إياك صوت نشيد
وتمل عاماً راضياً ومقابلاً / لك بالمنى وأسعد بأسعد عيد
أسفي على زمن الإمام العاضد
أسفي على زمن الإمام العاضد / أسف العقيم على فراق الواحد
زمن دفعت إلى سواه وأذعنت / جمحات رأسي في يمين القائد
جالست من وزرائه وصحبت من / أمرائه أهل الثناء الخالد
ووجدت من جود الإمام وجودهم / للضيف أوثق عاضد ومساعد
لهفي على حجرات قصرك إذ خلت / يا بني النبي من ازدحام الوافد
وعلى انفرادك من عساكرك الذي / كانوا كأمواج الخضم الراكد
قلدت مؤتمن الخلافة أمرهم / فكنى وكنى عن صلاح الفاسد
فعسى الليالي أن ترد إليكم / ما عودتكم من جميل عوائد
لم يبق نوع تقتضيه كرامة
لم يبق نوع تقتضيه كرامة / حتى أتى منها بما لم يعهد
أهدى من الخلع النضار وما ارتضى / بهما فجاء بكل نهد أجرد
ورأت عيون الناس من نفحاته / كرماً يخبر عنه من لم يولد
فأثابني عن حمده الخلع التي / خلعت بحسرتها قلوب الحسد
رقت كما رق الهوا وتجسمت / فلبست ذوب الماء لو لم يجمد
وأجل ما في الأمر عندي أنه / شرف وبر لم يكن عن موعد
مدت بها يده إلى بداءة / منه ولا طرفي مددت ولا يدي
جاءت كما اختار السماح مص / ونة الإحسان عن تسويف يوم الموعد
ملك إذا قابلت غرة وجهه / شفع الندى ببشاشة الوجه الندي
وأغب عن نادي نداه زيارتي / خجلاً فيأبى أن يغب تفقدي
أقسمت لا كشفت لمصر غمة
أقسمت لا كشفت لمصر غمة / ومديرها ابن غمامة المستوقد
حمم لو اكتحل الحسان بلونه / لم يفتقرن إلى اكتحال الإثمد
وجد السبيل إلى بلوغ مراده / لما أرادوا ضبطه بالأمجد
وكأنه معه زيادة خنصر / سيان إن وجدت وإن لم توجد
ردا أحاديث المنى وأعيدا
ردا أحاديث المنى وأعيدا / ومعاهدا حسنت ربى وعهود
داراً عهدت بها الأهلة أوجهاً / متهللات والغصون قدود
والأقحوان مباسماً معسولة ال / نغمات والورد الجني
واستخبروا رياً برامة نافراً / لما لا يريد عن الصدود صدودا
لا تعرض الأرواح عن أجسادها / حتى يعرض مقلة أو جيدا
تهفو بسالفتيه سود ذوائب / من أجلها أهوى الليالي السودا
وبملتقى العقدات من أردافه / غصن يحل عزائماً وعقودا
متأود منع الحيا أعطافه / أن لا تميل على النقا وتميدا
كالشمس إلا أنه متقلد / دراً كأفراد النجوم فريدا
قذفت نوى قذفت بنا عن أرضه / فغدا قريب الصبر عنه بعيدا
وزهدت في عيش نبت أكنافه / عني وفي حلف أضاع لبيدا
ورغبت عن عرف وعرف أوجبا / أن أهجر المقصود والمقصودا
ولبست من عزمي وحزمي نثلة / نسبت علي فأنكرت داودا
وشفعتها من منطقي بمهند / تفري مضاربه الطلى مغمودا
ماض يقد السابري كأنه / قاض يقيم على الحديد حدودا
وركبت من نسل الجديل وشذقم / قلصا أبيد بها السرى والبيدا
أجني سكون الجسم من حركاتها / وإذا القيام أفاد كان قعودا
ومتى جرت في الآل وهي رواكد / أبقت مياه الوجه فيه ركودا
هجرت وصيد الباخلين فلم تنخ / إلا بخير الأكرمين وصيدا
وسرت ونجم الليل ترفع في الدجى / من صبح غرته لهن عمودا
ملك إذا أسدت يداه صنيعة / كانت قيود ندى تفك قيودا
وإذا السؤال أمض قال سماحه / ليديه عودا للمكارم عودا
كرم يولد في السماح بدائعاً / فيها معان تقبل التوليدا
ينهل بارق بشره منا ولم / يسمعك للوعد الجميل رعودا
ويقل مع فصل الخطاب كلامه / إلا إذا كان الكلام مفيدا
تأبى له فصل المقال جلالة / أمرت بنقص مقاله ليزيدا
ماش على سنن المعالي يقتفي / في المجد آباء له وجدود
جازوا على الشعرى وجاوز حدهم / بفضائل لا تقبل التجديدا
أبقى سليم من مصال سيداً / ساد الكهول من الملوك وليدا
فبنى لبيت بني مصال جده / شزفاً فزادته النجوم مشيدا
فإذا اختبرت العزم كان عرمرماً / وإذا اعتبرت الشخص كان وحيدا
ضعف الزمان عن القيام بحقه / فقضاه مما يستحق زهيدا
ولو أنه يسعى بغاية جهده / أبقى وراء الاجتهاد مزيدا
والشمس لو نطقت لقالت قل لنا / يا عزمه أنى تريد مزيدا
لا تعجلن فإن تحت رماده / جمراًَ ذكياً لا يخاف خمودا
ووراء طحلبه نمير ينجلي / عما قليل إن أردت ورودا
ولكم أجاب مثوباً بعزيمة / هجرت نهوداً حين رام نهود
وملمة في الملك غادر ثلمها / بمضائه وقضائه مسدودا
متعقب لحن الزمان يرده / بفصيح فعل بيناً مردودا
شكر الورى لك في البحيرة سيرة / أبقت عليك من الثناء خلودا
سعدت بعدلك بعد جور طالما / أشقى طريفاً واستباح تليدا
ونسخت من جور الولادة شريعة / يتوارثون رسومها تقليدا
أيدت بالتقوى وصادق عزمة / جلبا إليك النصر والتأييدا
ومهابة السمت الملوكي الذي / يغدو بها أسد العرينة سيدا
فقدت بك الإسكندرية أنسها / فأعدت فيها أنسها المفقودا
كنا وأنت على البحيرة نازل / والثغر يشكو فترة وخمودا
جزنا بدارك لا خلت فتصورت / فيها النفوس جلالك المعبودا
فجعلت سدة بابها ورحابها / حرماً وصحبي ركعاً وسجودا
واستشعروا وجه السما متبسماً / فيها وبشر جبينك المعهودا
حتى إذا قدم الركاب يحفه / نصر يحف ميامناً وسعودا
فطلعت في جنباتها متهللاً / كالبدر لا بل للوجود وجود
عنت الوجوه بها لوجهك خدمة / وغدت تبدد لثمها تبديدا
وسريت في نادي نداك مجهزاً / حمداً يزور مقامك المحمودا
من كل نادرة تهز رواتها / منها قناة بل فتاة رودا
سيارة في الأرض بات ثناؤها / وهي المقيمة في العقال شرودا
يحدي إليك بها لفكري سابق / لا مكذباً أملاً ولا مكدودا
فاعتد يا خير الملوك بصاحب / أمسى عليك من الورى معدودا
خل يزين ولا يشين وربما / كنت الفتى هرماً وكنت لبيدا
ما عذر أفكاري وقد علقت ندى / ملكاً مجيداً أن أكون مجيدا
متهللاً بشراً ومنهلاً ندى / ألقى الكرامة عنده والجودا
أبدى الندى وأعاده ليفيدني / في المكرمات العطف والتأكيدا
يا من تظل له الكواكب حسدا
يا من تظل له الكواكب حسدا / لعلو رتبته وتمسي سجدا
حاشا اهتمامك أن أروح مؤخراً / بعد التقدم في نديك والندى
قسماً عليك أبا الضياء مؤكداً / لا تقبضن إلا على ود يدا
فوحق نعمتك التي من أجلها / أصبحت محسوداً عليك من العدا
لو قست بي من يدعي لك خدمة / ومحبة لغدوت وحدي أوحدا
وعلمت أني في يمينك صارم / ماض يسرك منتضى أو مغمدا
أفنى وأبقي فيك غر قصائد / يبقى الثناء بها عليك مخلدا
فارجع لعادتك الكريمة منعماً / أولا فقل لي ماعدا مما بدا
واسلم فقد شكر الوصي وآله / عزماً نصرت به النبي محمدا
سفر الزمان بواشح من بشره
سفر الزمان بواشح من بشره / وافتر باسم ثغره من ثغره
وأضاء حتى خلت فحمة ليله / طارت شراراً في توقد فجره
وتمايلت أعطافه فكأنما / أعطاه ساقي الراح رقة خمره
وتفاوحت أنفاسه فكأنما / فض اللطائم فيه جانب عطره
وازداد باهر حسنه فكأنما / نثر الربيع عليه باهر زهره
واختال في حلل الجمال تطاولاً / بجمال أيام السعيد وعصره
بالياسر المغني بأيسر جوده / والمقتني عز الزمان بأسره
من طالت اليمن العراق بفضله / وسمت على أرض الشآم ومصره
فأضاء بدراً في سماء فخاره / وصفاته الحسنى ثواقب زهره
أو ما ترى الأيام كيف تبجلت / عن سعيه وتعطرت من ذكره
سبق الكرام لها وأبدى عجز من / لم يحوها وأبان عاجز عذره
فكأنما اختصرت له طرق العلى / فضلاً وضل عداته في إثره
أحيا معارف كل معروف بها / ومحا معالم منكريه بكره
وأفاض منها للبرية أنعماً / نطق الزمان بشكرها وبشكره
فالمدح موقوف على إحسانه / مابين بارع نظمه أو نثره
والعيش رطب تحت وارف ظله / والورد عذب من مناهل بره
والسعد منقاد له متصرف / ما بين عالي نهيه أو أمره
والملك مبتسم الثغور مورد ال / جلباب نشوان يميل بسكره
لما غدا تاجاً لمفرق عزه ال / سامي وعقداً في ترائب نحره
متفرد دون الأنام بصونه / متكفل دون الأنام بنصره
وهو الذي شهدت بباهر فضله / شيم سمت قدراً بسامي قدره
ثبت المواقف في لقاء عداته / ماضي العزائم في مجاول فكره
متصرف في طاعة الملكين في / ما رامه من نفعه أو ضره
متناهياً في النصح مجبولاً على / إخلاصه في سره أو جهره
حفظ الإله به النظام لدسته / وقضى بسير بلاده في ستره
متقحماً فيه العجاج مضرماً / نار الهياج ببيضه وبسمره
يستنبط المعنى الخفي بلطفه / ويرى المغيب من مرايا فكره
ماكانت الدنيا تضيق بطالب / لو أن واسع صدرها من صدره
وكأن راحة كفه لعفاته / بحر تدفق من تدفق بحره
وكأنما برق السحائب لائح / من بشره وقطارها من قطره
لله إنعام السعيد فإنه / أغنى العديم وسد فاقة فقره
فالوفد ينعم في رياض نعيمه / وعدوه يشقى بشدة أسره
والطيب يطوي البيد نحو فنائه ال / سامي وينشر فائحاً من نشره
عم البرية فالمقل كأنه / فيها أخو المال الكثير لكثره
وغدا بوصل الجود فيها مغرماً / لهجاً إذا لهج البخيل بهجره
يا من يحاول وصف أيسر وصفه / أين البلاغة من تعاطي حصره
إن السعيد ابن السعيد أجل أن / يحصي مآثره البليغ بشكره
ومدائح المداح فيه نتائج / من سعيه وقلائد من دره
فليبق معمور الفناء مخلد ال / نعماء ممدوداً له في عمره
وليهن عيد الفطر رؤيته التي / إشراقها إشراق غرة فطره
ما عاد شوال ببهجة عيده / وسما الصيام بفضل ليلة قدره
ومتى أخل بواجباتك شاكر / عن قدرة هدمت مباني فخره
إن الصنائع في الكرام ودائع / تبقى وإن فني الزمان بأسره
الشعر يعلم أن قدرك أكبر
الشعر يعلم أن قدرك أكبر / مما نقول وأن فضلك أكثر
لكن مدحك خدمة مفروضة / أمر المقل بفعلها والمكثر
ومتى يقوم ببعض حقك معشر / أضحت خطاياهم بمدحك تغفر
شرفوا بخدمة ذا المقام فجهدهم / أن يحمدوه مدى الزمان ويشكروا
نظمت خواطرهم مديح خليفة / في مدحه السبع المثاني تنثر
العاضد الطهر الذي أعراقه / في الأصل من ماء الغمامة أطهر
من هاشم حيث التقت شعب العلى / وغدت ينابيع الندى تتفجر
من دوحة نبوية أغصانها / بالعز من نسل الأئمة تثمر
لم ينقشع وبل الهدى من فوقها / حتى تحدر منه جدك حيدر
إن الرعايا استبشرت بخليفة / وجه الزمان بوجهه يستبشر
نظروا إليك وأكبروك مهابة / فمسبح ومهلل ومكبر
وتسابقوا لثم التراب كأنه / من طيبه مسك يساق وعنبر
عنت الوجوه وقد طلعت فما يرى / إلا جبين في التراب معفر
حتى حللت رواق عالية الذرى / أمست ذرى الهرمين عنها تقصر
شبهتها والنيل يجري تحتها / بالخلد أجري في ذراها الكوثر
وإذا اختصرت القول في تشبيهها / فكأنها الفلك المحيط مصور
شرفت أمير المؤمنين مواسم / أضحت تؤرخ باسمكم وتسطر
قسمت كما قسم الزمان فحاضر / لم ينصرم ومقدم ومؤخر
وأجلها يوم الخليج فإنه من بينها / يوم أغر مشهر
يوم خلعت عليه ليل عجاجة / شهب الأسنة في دجاها تزهر
يوم كأن الجيش تحت قتامه / سر بأثناء الجوانح مضمر
وافاك فيه النيل وهو من الحيا / خجل يقدم رجله ويؤخر
قد جاء معتذراً إليك وتائباً / من ذنبه الماضي ومثلك يعذر
لولا تعثره بأذيال الثرى / ما كان مذروراً عليه العثير
لو لم تغبر في الندى وجهه / ما لاح قط عليه لون أغبر
ولو أنه لاقى ركابك صافياً / صرفاً لكدره العجاج الأكدر
ولقد عدمناه فنبت نيابة / عز الغني بها وأثرى المعسر
إن كان من نهر فكفك لجة / أو كان من مطر فوبلك أغزر
شتان بينكما أبحر واحد / كيد أناملها الكريمة أبحر
في كل وقت فيض جودك حاضر / فينا ونائله يغيب ويحضر
وعلى الحقيقة لا المجاز فإنه / من نعمة الله التي لا تكفر
كسر الخليج عبارة عن منة / أضحى بها كسر المنية يجبر
فتمل موسمه وعمراً خالداً / تمضي لياليه وأنت معمر
وتهل أيام الكفيل ودولة / عزت بها فهو الهناء الأكبر
هادي الدعاة كفيل دولتك التي / تهدي إذا ضل السميع المبصر
إن كنت في وجه الخلافة مقلة / فالصالح الهادي عليها محجر
أو كنت فيحرم الإمامة قبلة / فهو الشعار لأهلها والمشعر
أو كنت للإسلام شمس هداية / فطلائع منها الصباح المسفر
ملك إذا عد الملوك وفضلها / بدأ اللسان به وثنى الخنصر
شيم يروق الأذن منها مسمع / وعلى يروق العين منها منظر
أحيا بمحيي الدين سيرته التي / يطوى بها نشر الثناء وينشر
ذخر الأئمة من خلائف هاشم / ووسيلة لهم تصان وتذخر
الناصر المحيي الذي بغنائه / أضحت عظيمة كل خطب تصغر
شرفت بنو رزيك حتى أنهم / دون البرية للكواكب معشر
وتواضعوا والدهر يعلم والعلى / أن الزمان بهم يتيه ويفخر
الشائدون على كبا من دونها / كسرى وقصر عن مداها قيصر
فليسلموا للعاضد بن محمد / عضداً يذل به العدو ويقهر
يا مطلق العبرات وهي غزار
يا مطلق العبرات وهي غزار / ومقيد الزفرات وهي حرار
ما بال دمعك وهو ماء سافح / تذكى به من حر وجدك نار
لا تتخذني قدوة لك في الأسى / فلدي منه مشاعر وشعار
خفض عليك فإن زند بليتي / وار وفي صدري لظى وأوار
إن كان في يدك الخيار فإنني / ولهان لم أترك وما أختار
في كل يوم لي حنين مضلة / يودي لها بعد الحوار حوار
عاهدت دمعي أن يقر فخانني / قلب لسائلة الهموم قرار
هل عند محتقر يسير بلية / أن الصغار من الهموم كبار
قد كنت أشرق من ثماد مدامعي / أسفاً فكيف وقد طمى التيار
عم الورى يوم الخميس وخصني / خطب بأنف الدهر منه صغار
ما أوحش الدنيا غدية فارقت / قطباً رحى الدنيا عليه تدار
خربت ربوع المكرمات لراحل / عمرت به الأجداث وهي قفار
نعش الجدود العاثرات مشيع / عميت برؤية نعشه الأبصار
شخص الأنام إليه تحت جنازة / خفضت برفعة قدرها الأقدار
سار الإمام أمامها فعلمت أن / قد شيعتها الخمسة الأطهار
ومشى الملوك بها حفاة بعدما / حفت ملائكة بها أنوار
فكأنها تابوت موسى أودعت / في جانبيه سكينة ووقار
لكنه ما ضم غير بقية الإس / لام وهو الصالح المختار
أوطنته دار الوزارة ريثما / بنيت لنقلته الكريمة دار
حتى إذا شيدتها ونصبتها / علماً يحج فناؤه ويزار
وتغاير الهرمان والحرمان في / تابوته وعلى الكريم يغار
آثرت مصراً منه بالشرف الذي / حسدت قرافتها له الأمصار
وجعلتها أمناً به ومثابة / يرجو مثوبة قصدها الزوار
هذا الأثير غدا بها متعلقاً / فجرى له من عفوك الإيثار
أعلمتنا بجميل صفحك أنها / حرم وأنك صافح غفار
وأبوك أولى من غدا لضريحه / والأمر أمرك ذمة وذمار
ليقول من يرث الليالي بعدنا / يفنى الورى وتعمر الآثار
وأبوك أعظم أن يقاس بأعظم / أضحى بكاظمة لهن جوار
أين الفرزدق من علاك وغالب / بل دارم بل يعرب ونزار
قد قلت إذ نقلوه نقلة ظاعن / نزحت به دار وشط مزار
ما كان إلا السيف جدد غمده / بسواه وهو الصارم البتار
والبدر فارق برجه متبدلاً / برجاً به تتشعشع الأنوار
والغيث روى بلدة ثم انتحى / أخرى فنوء سحابه مدرار
يا مسبل الأستار دون جلاله / ماذا الذي رفعت له الأستار
مالي أرى الزوار بعد مهابة / فوضى ولا إذن ولا استئمار
أكفيل آل محمد ووليهم / من حيث عرف وليهم إنكار
غضب الإله على رجال أقدموا / جهلاً عليك وآخرين أشاروا
لا تعجبن لقدر ناقة صالح / فلكل عصر صالح وقدار
واخجلتا للبيض كيف تطاولت / سفهاً بأيدي السود وهي قصار
واحسرتا كيف انفردت لأعبد / وعبيدك السادات والأحرار
رصدوك في ضيق المجال بحيث لا / الخطّيُّ متسع ولا الخطار
ما كان أقصر باعهم عن مثلها / لو كنت متروكاً وما تختار
ولقد وفى لك من صنائعك امرؤ / بثنائه يستمتع السمار
ولقد ثبت ثبات مقتدر على / خذلانهم لو ساعد المقدار
وتعثرت أقدامهم لك هيبة / لو لم يكن لك بالذيول عثار
أوفى أبو حسن بعهدك عندما / خذلت يمين أختها ويسار
غابت حماتك واثقين ولم يغب / فكأنهم بحضوره حضار
لا تسألا إلا مضارب سيفه / فلقد تزيد وتنقص الأخبار
لقي المنية دون وجهك سافراً / عن غرة لجبينها إسفار
حتى إذا انقطع الحسام بكفه / وانفل منه مضرب وغرار
ألقى عليك وقاية لك نفسه / لما انتحتك صوارم وشفار
إن لم يذق كأس الردى فبقلبه / من خمرها أسفاً عليك خمار
هي وقفة رزق المكرم حمدها / وعلى رجال لومها والعار
أحللت دار كرامة لا تنقضي / أبداً وحل بقاتليك بوار
يا ليت عينك شاهدت أحوالهم / من بعدها ورأت إلى ما صاروا
وقع القصاص بهم وليسوا مقنعاً / برضى وأين من السماء غبار
ضاقت بهم سعة الفجاج وربما / نام العدو ولا ينام الثار
وتوهموا أن الفرار مطية / تنجي وأين من القضاء فرار
طاروا فمد أبو الشجاع لصيدهم / شرك الردى فكأنهم ما طاروا
أما وأعمار البرية مدة / تجري إلى غاياتها الأعمار
فتهن بالأجر العظيم وميتة / درجت عليها قبلك الأخيار
مات الوصي بها وحمزة عمه / وابن البتول وجعفر الطيار
تلك السعادة والشهادة والعلى / حياً وميتاً إن ذا لفخار
ولقد أقر العين بعدك أروع / لولاه لم يك للعلى استقرار
لولا جميل بلائه لتفجرت / خلج البلا وتداعت الأقطار
لما استقام لحفظ أمة أحمد / عمرت به الأوطان والأوطار
الناصر الهادي الذي حسناته / عن سيئات زماننا أعذار
ملك جناية سيفه وسنانه / في كل جبار عصاه جُبار
جمعت له فرق القلوب على الرضى / والسيف جامعهن والدينار
وهما اللذان إذا أقاما دولة / دانت وكان لأمرها استمرار
وإذا هما افترقا ولم يتناصرا / عز العدو وذلت الأنصار
ياآمراً نقضت له عقد الحبى / وغدا إليه النقض و الإمرار
ومضت أوامره المطاعة حسبما / يقضي به الإيراد والإصدار
إن الكفالة والوزارة لم يزل / يومى إليك بفضلها ويشار
كانت مسافرة إليك وتبعد ال / أخطار ما لم تركب الأخطار
حتى إذا نزلت عليك وشاهدت / ملكاً لزند الملك منه أوار
ألقت عصاها في ذراك وعريت / عنها السروج وحطت الأكوار
لله سيرتك التي أطلقتها / وقيودها التأريخ والأشعار
جلت فصلى خاطري في مدحها / وكبت ورائي قرح ومهار
والخيل لايرضيك منها مخبر / إلا إذا مالزها المضمار
ومدائحي ماقد علمت وطال ما / سبقت ولم يبلل لهن عذار
إن أخرتني عن جنابك محنة / بأقل منها تبسط الأعذار
فلدي من حسن الولاء عقيدة / يرضيك منها الجهر والإسرار
دانت لأمرك طاعة الأقدار
دانت لأمرك طاعة الأقدار / وتواضعت لك عزة الأقدار
وسما على الشعري محلك في الورى / فسمت بذكرك همة الأشعار
وملكت ناصية الزمان وأهله / فجرى بما تهوى القضاء الجاري
فاصرف وصرف من تشاء من الورى / بأعنة الإيراد والإصدار
وامدد يديك أبا الشجاع مثوبة / وعقوبة بالسيف والدينار
فهما ذريعة عزة وكرامة / وهما ذريعة ذلة وصغار
النائبان عن المنية والمنى / في قسمة الأرزاق والأعمار
والمصلحان فساد كل طوية / مرتابة بالعرف والإنكار
والقائمان إذا تطاول ناكث / بحراسة الأوطان والأوطار
والحاملان على الممالك ثقل ما / تحتاج من نقض ومن إمرار
والرافعان غداة كل كريهة / خطر الملوك على القنا الخطار
والموقدان لهم بكل ثنية / نار العلى في رأس كل منار
ولقد جمعت أبا الشجاع إليهما / خفض الجناح ورفعة المقدار
وذعرت ساهية القلوب بهيبة / سكنتها بسكينة ووقار
ووفيت هذا الدين واجب حقه / فصفت مشاربه من الأكدار
ولكل عصر دولة وسياسة / تجري الأمور بها على الإيثار
وإذا بدا لك جالساً في دسته / فحذار من ليث العرين حذار
واقصر خطاك وكف عن وجه الثرى / ما طال من ذيل وفضل إزار
واحصر مقالك إن نطقت فربما / وعظ المقل بعثرة المكثار
عندي لك الخبر اليقين يثق بما / ينهي إليك جهينة الأخبار
أصبحت منه وقد علمت فصاحتي / في كل ناد استقيل عثاري
أقسمت بالملك الذي ألفاظه / سحر العقود ونفحة الأسحار
ذخر الأئمة كافل الخلفاء من / نسل الهداة الخمسة الأطهار
لقد اعتراني الشك هل في تاجه / وجه صبيح أم صباح نهار
وجه به تقذى عيون عداته / كمداً وتجلى أعين النظار
لم أدر هل نصبت مراتب دسته / بمقر ملكك أم بدار قرار
دار غدت يا شمسها وغمامها / فلكاً ولكن ليس بالدوار
وكأنما هي جنة أغنيتها / يا بحرها عن منة الأنهار
وجعلتها دار السلام فبوركت / دار السلام وكعبة الزوار
لو لم يكن بيتاً يمينك ركنه / ما كان مستوراً بذي الأستار
أهدت لنا تنيس ما لم يفتخر / بنظيره عصر من الأعصار
وأمدها حسن اقتراحك بالذي / لم تقترحه خواطر الأفكار
فتنزهت أبصارنا في حسنها / إن الحدائق نزهة الأبصار
يستأنس الحيوان بين مروجها / فوحوشها ليست بذات نفار
طير على الأشجار إلا أنها / ليست مغردة على الأشجار
وجناة أثمار وما حصلوا بها / أبداً على شيء من الأثمار
وقفوا بها متعلقين تعلقي / بذمام عدلك من وقوف الجاري
قطع من الروض الأنيق كسوتها / فوراً ولم يك جسمها بالعار
شبهت لونيها سبائك فضة / قد زخرفت حافاتها بنضار
خدم الربيع به المصيف كرامة / لأجل مخدوم وأكرم دار
حياك حسن رياضها وبياضها / بلطائف الأنواء والأنوار
نوعان من نور ونور ألفا / بين النجوم الزهر والأزهار
فتمل دولتك التي افتخرت بها / مصر على الأعصار والأمصار
غبرت في وجه الملوك بسيرة / لم يكتحل أحد لها بغبار
وغدت علاك صحيفة عنوانها / أمنت رعية من يخاف الباري
وبنيت بعد أبيك شامخ رتبة / يغني البيان لها عن الإخبار
أعلمتنا لما طلعت ببرجها / أن البروج مطالع الأقمار
يا خابط العشواء بعد طلائع / هذا الشهاب ضرام تلك النار
يا ظامئ الآمال إنك نازل / بغدير ذاك العارض المدرار
يا خائف الضاري نصحتك فاتئد / واحذر فهذا شبل ذاك الضاري
واسلم لأيام غدا بك أهلها / من جورها في ذمة وجوار
ليست صفات علاك مما يمترى
ليست صفات علاك مما يمترى / فيها ولا مما يصاغ ويفترى
مدحتك قبل مديحنا لك همة / أغنتك شهرة فضلها أن تشهرا
وعلت فشامخ مجدها لا يرتقى / وغلت فباذخ قدرها لا يشترى
يا بدر والبدر المنير عبارة / عن نور وجهك لم يزل لك مسفرا
إن النزاهة والنباهة أقسما / لا صاحباً أحداً سواك من الورى
ولو أن ألسنة المكارم والعلى / حاولن غيرك صاحباً لتعذرا
ولقد جمعت بما فرقت من الندى / فرقاً من الأهواء كانت نفرا
وزرعت في حب القلوب محبة / يأبى لها الإخلاص أن تتكدرا
وكفتك عن جر العساكر هيبة / أضحت تجر بكل أرض عسكرا
وشفعتها بعزائم لولا التقى / أذكت على الآفاق جمراً مسعرا
ووقائع أيدتها بصنائع / ضمن المديح لذكراها أن يشترى
نابت مناب الخضر في تطوافه / مذ فارقت هذا الجناب الأخضرا
كم موقف أذكيت من شهب القنا / في ليل عثيره سنا وسنورا
ومواطن وطنت نفسها عندها / لما وردت الموت أن لا تصدرا
فتكشفت من فارس الإسلام عن / ملك تعود أن يعان وينصرا
صدقت نعتك بالمظفر عندما / حمي الوطيس بها فرحت مظفرا
حيث الأعنة والأسنة شرع / والجو قد لبس العجاج الأكدرا
وكأنك عزمك قال حين تقدمت / بك همة لم ترض أن تتأخرا
لا تكسر الأعداء حتى يشهدوا / صدر الذوابل في الصدور تكسرا
والمشرفية لا يروق بياضها / إلا إذا صبغ النجيع الأحمرا
بين الحديد على يمينك غيرة / حسد الحسام بها الأصم الأسمرا
فغدا لما نظم المثقف ناثراً / عقداً تمام جماله أن ينثرا
فافخر بهمتك التي من حقها / إن لم يزعها مجدها أن تفخرا
وأرى السعود لها عليك وفادة / تصل الهواجر والدياجر والسرى
ولو اقترحت على الزمان شبيبة / سلفت أتاك بها الزمان مبشرا
لم تحترق دار الخليج وإنما / شبت لمن يسري بها نار القرى
طلبت يفاع الأرض دون وهادها / فتوقدت في رأس شامخة الذرى
طلعت طلوع النجم نال به الهدى / سار أضل طريقه فتحيرا
ودليل ذلك أنها لم تشتعل / في الليل حتى رنقت سنة الكرى
أو هل تزور النار ساحة جنة / أجريت فيها من نداك الكوثرا
الله فيك أبا الضياء سريرة / يجري بطاعتها القضاء إذا جرى
فتمل دار شيدتها همة / يغدو العسير بأمرها متيسرا
جملتها وتجملت مصر بها / لما علت بك عزة وتكبرا
فاقت على الإطلاق كل بنية / وسمت فما استثنت سوى أم
أنشأت فيها للعيون بدائعاً / رقت فأذهل حسنها من أبصرا
فمن الرخام مسيراً ومسهماً / ومنمناً ومدرهماً ومدنرا
والعاج بين الأبنوس كأنه / أرض من الكافور تنبت عنبرا
وسقيت من ذوب النضار سقوفها / حتى لكاد نضارها أن يقطرا
قد كان منظرها بهياً رائقاً / فجعلتها بالوشي أبهى منظرا
وكذاك جيد الظبي يحسن عاطلاً / ويروقك البيت الحرام مسترا
ألبستها بيض الستور وحمرها / فأتت كزهر الروض أبيض أحمرا
فمجالس كسيت رقيماً أبيضاً / ومجالس كسيت طميماً أصفرا
لم يبق نوع صامت أو ناطق / إلا غدا فيها الجميع مصورا
فيها حدائق لم تجدها ديمة / أبداً ولانبتت على وجه الثرى
لم يبد منها الروض إلا مزهراً / والنخل والرمان إلا مثمرا
والطير مذ وقعت على أغصانها / وثمارها لم تستطع أن تنقرا
وبها من الحيوان كل مشهر / لبس الوشيج العبقري مشهرا
لا تعدم الأبصار بين مروجها / ليثاً ولا ظبياً بوجرة أعفرا
أنست نوافر وحشها بسباعها / فظباؤها لا تتقي أسد الشرى
وكأن صولتك المخوفة أمنت / أسرابها أن لا تراع وتذعرا
وبها زرافات كأن رقابها / في الطول ألوية تؤم العسكرا
نوبية المنشأ ترك من المها / روقاً ومن بزل المهاري مشفرا
جبلت على الإقعاء من إعجابها / فتخالها للتيه تمشي القهقرا
يا أيها الملك الذي اعتصمت يدي / منه بحبل غير منفصم العرى
وغدوت محسوداً على إحسانه ال / ضافي ومحسوداً عليه من الورى
حتى متى أنا في جوارك أكتري / داراً ودورك للأنام بلا كرى
فامنن بها بالقرب منك فسيحة / فالقرب منك بنوم عيني يشترى
واجمع جواهر خاطر لو لم يغص / في بحر جودك لم يقل ذا الجوهرا
فقر إذا فض الثناء ختامها / فضت على ناديك مسكاً أذفرا
تسقي العقول سلافة لم تعتصر / من بابل أبداً ولا من عكبرى
روى منابت كرمها الكرم الذي / أضحى بينبوع الندى متفجرا
شرب السماح بفارسي كؤوسها / فقضت على معروفه أن يشكرا
بدر بن رزيك الذي لا تتقى / هفواته في مجلس أن تبدرا
صافي الطوية والسريرة لم يزل / ينهى دخيل الحقد أن يتوعرا
نشرت جميل الذكر عنه طوية / أمرت عليه العدل أن يتأمرا
واستوجب الأجر الجميل بصورة / شكرت وقل لمثلها أن يشكرا
كم هاض من طاغ بها متجبر / ونهاه خوف الله أن يتجبرا
وسرى بحسن صلاته وصلاته / مستصغراً ولبره مستغفرا
وإذا تواضعت النفوس لربها / نالت بذاك تجارة لن تخسرا
فليحي ما حييت مدائح مجده / وليبق مابقي الزمان معمرا
يا سيداً في وصفه
يا سيداً في وصفه / درج المديح إلى الفخار
اسمع فديتك قصتي / متفضلاً وأقل عثاري
هي قصة نتفت سبا / ل الشعر بل سلبت شعاري
لا أستجيز حديثها / إلا بحكم الاضطرار
أوقعت نفسي جاهلاً / في دار سعد الافتخاري
وغلطت فيها غلطة / أزرت بقدري واقتداري
ضرب الظهير ببذلها / مني الفقار بذي الفقار
وظننت شرح بليتي / فيها يؤول إلى اختصار
لم أدر أني عندها / كمبخر في ألف خاري
لما ذكرت عيوبها / أكسلت بعد الانتشار
دار هممت بتركها / ولو أنها دار القرار
لكن نفضت كنانتي / فيها بحكم الإغترار
وإذا العمارة لا تلي / ق بغير أرباب اليسار
أتلفت فيها كل ما / تحوي يميني أو يساري
وكفاك شراً أنني / بعت الموطأ والبخاري
وعلى نداك معولي / فيها فقد وقفت حماري
ولربما زلق الحما / ر وكان في غرض المكاري
هنئت مفتتح الصيام السافر
هنئت مفتتح الصيام السافر / عن وجه مغفرة وأجرة وافر
شهر قسمت صيامه وقيامه / في الله بين هواجر ودياجر
وجمعت بين صلاته وصلاته / فشفعت برتقى ببر غامر
لا يفرحن بدر غدوت سمية / فالبدر دون علاك أعشى ناظر
وافى وقد محق المحاق ضياءه / فاعرته نور الجلال الباهر
أكرمت مثواه بحسن تحية / حلت على الخلق الزكي الطاهر
قابلته بجبين وجه ساهم / شوقاً إليك ولحظ طرف ساهر
سهلت إذنك مطعماً أو منعماً / فتعلم الشاكي لسان الشاكر
وأمرت كفك أن يحقق عندنا / ما قيل عن كرم الغمام الماطر
ونهيت جوادك أن يخص بفيضه / فسقى ثرى البادي وريف الحاضر
واستأثرت بالمجد همتك التي / يأبى نداها قسمة المستأثر
وأعدت بعد الشيب في أغصانها / ما انحت من ورق الشباب الناضر
وصحبتنا والنجم دونك رتبة / متواضعاً في عز ملك قاهر
قل للزمان عدمت وافر همتي / إن لم أكل لك بالصواع الوافر
أأكون جار أبي الضياء وأتقي / في ظله ظلم القضاء الجائر
هيهات ما ورقي بمغنم خابط / كلا ولا عودي بنهزة كاسر
يا حائر الآمال أخفق سعيه / تجد عندي دليل الحائر
هذا المظفر قبلة الكرم التي / نصبت لشد على وسد مفاقر
ضمنت هداية كل خابط عشوة / بمشاعل للجود فوق مشاعر
يلقى مؤمل عزه ونواله / ما شاء من خيل وبحر زاخر
أصبحت أشعر زائريه ولم أكن / لولا مكارمه بأفصح شاعر
وحذوت في الإحسان حذو مثاله / وهو الذي نصب المثال لخاطري
عمر المديح بغامر من جوده / فشكرت منه غامراً بالعامر
وجلوت صفحة مجده بمدائح / يصقلن من صدأ السماح الداثر
ملك إذا اختصم القنا في مأزق / حكمت ظباه على القنا المتشاجر
يجلو دجى النقع المثار بأنجم / يطلعن زرقاً في العجاج الثائر
يرمي العدى من سيفه وسنانه / يوم الهياج بناظم وبناثر
وتقيل ضاحية المنى في ظله / ويقيل عاثرة الرجاء العاثر
لما أقام صغى الرقاب رأيتها / تعنو له بسجود صاغ صاغر
تحوي بطون دفاتر من ذكره / مافي بطون أسرة ومنابر
متناسب يلقاك أطهر باطن / من عينه أبداً وأحسن ظاهر
ترجو نداه ولاتخاف عقابه / مادمت في كف الوفاء السائر
لاتلزم الدنيا أخاه فإنما / ترجو الولادة من عقيم عاقر
أبقت بنو رزيك منه ذخيرة الش / رف الرفيع لهم وكنز الذاخر
وبقية الحسب الصميم ووارث ال / كرم القديم وخير ناه آمر
يا ليت أعينهم رأت ماشاده / من حسن آثار لهم ومآثر
لتطيب منهم نفس ماض أول / أودى وحمل ثقله للآخر
أمام الهمام أبو العماد فلم يزل / جرار ألوية وهوب جرائر
تزهر بيومي بأسه ونواله / أبداً صدور مواكب ومحاضر
قد كان عوناً للكفيل طلائع / ومؤازر من دون كل مؤازر
مازال عند نزول كل ملمة / عنه يسد فم الزمان الفاغر
بعزيمة لولا تأخر عصرها / خلقت مضاء في الحسام الباتر
ولكم تفكر في الكماة فما رأى / غير المظفر خاطراً في الخاطر
وصلته عنك أواصر الرحم التي / وجدتك أكرم واصل لا قاصر
أيقنت أن الملك يخذل ضده / لما رأيتك ناصراً للناصر
حققت ظن أبيه حين لحظته / يا مقلة الدنيا سواد الناظر
فلو استطعت خبأته عن كل ما / يخشاه بين حناجر ومحاجر
فبقيتما وبقيت وحدي ناظماً / في جيد مجدكما عقود جواهري
سارت حشاشة مهجتي إذ ساروا
سارت حشاشة مهجتي إذ ساروا / والنوم من بعد الأحبة عار
لا تنكري ذل الأعزة في الهوى / إن المحبة ذلة وصغار
وعزيز دمعي شاهد لك أنني / لا ناكث عهداً ولا غدار
نطقت دموعي عن لسان ساكت / في ربعكم وسكوته إقرار
ملكتكم دمعي بغير معوضة / ورضيت بيعاً ليس فيه خيار
وغريرة لم ينتثر ورق الصبا / عن غصنها إلا وفيه ثمار
رحلت إلى العشرين تحسب أنه / ما بعد آحاد الصبا أعشار
قالت أرى ليل الشباب تعسعست / فيه بصبح مشيبك الأنوار
وذوائب الأغصان غير ذوابل / إلا إذا انفتحت بها الأزهار
فأجبتها إن المشيب مبيض / سود الصحائف والشبيبة قار
بعت السواد على البياض فصح لي / في العين قار والفؤاد وقار
شيئان ماداما فليس لغادة / عندي وإن كثر البياض نفار
يا هذه إن الشبيبة موكب / ولى وفي الأكباد منه غبار
إن أصح كأس الصبابة والصبا / فلدي من خمر الغرام خمار
ولرب قافية غضضت جماحها / لما طغت وطغى بها المضمار
اهدى المديح إلى التغزل صفوها / فأتت وليس لصفوها أكدار
جردتها وسللتها فأتت كما / ينسل من نسج القديم عفار
زارت فناخسرو وإن فناءها / حرم يبجل عنده الزوار
ملك يدور به الزمان كأنه / فلك عليه للزمان مدار
لو أثرت قبل الملوك بكفه / باتت بها من لثمهم آثار
بذلن لأفواه الرجال وصانها / شرفاً فلم يلمس بها الدينار
وصيانة البيت العتيق وستره / أن تبذل الأركان والأستار
ففدى لقطب الدين مالك دولة / شغلته عن أوتاره الأوتار
وعصابة من حاسدي أيامه / طاروا وما قضيت لهم أوطار
إن فقت جنساً أنت منه فأحمر ال / ياقوت نوع جنسه الأحجار
أغنى صباحك عن سنى مصباحهم / بالشمس يخفى الكوكب الغرار
يا سائلي عمن لقيت من الورى / نقدي محك للورى وعيار
ألمم بقطب الدين تعرف فضله / وعلى العيان تحيلك الأخبار
متيقظ حزماً يصيب فرأيه / أبداً على ليل الخطوب نهار
وإذا عفا عمن هفا لم يختلج / في صدره إصر ولا إصرار
جمع النزاهة من حلاه ثلاثة / جيب وذيك طاهر وإزار
واختص بالفعل السفيه ثلاثة / جود له وأسنة وشفار
في فضل منطقه وفضل فعاله / تتنزه الأسماع والأبصار
ما في مقالته ولا في فعله / حاشاهما زور ولا أوزار
خف من سكينته فتحت سكونها / موج يهيج ومزبد تيار
ومهند ما لان ملمس متنه / إلا وغر العين منه غرار
ملك القلوب برأفة ومهابة / جمع السياسة ماؤها والنار
كم منة لك لا يزال أخو الغنى / يغتاظ من حسد لها ويغار
وأرحت فكرته ولكن راحة / تعبت بها في شكرك الأفكار
وشفعتها بمكارم جاءت ولم / يعبث بهز غصونها التذكار
حكم التسرع أن تكون ثمارها / بدرية ومسيرهن بدار
جاءت سوابقها ولم يعرق لها / خد ولم يبلل لهن عذار
فقر أرق بعثتها لمعينها / كالغانيات وعونها أبكار
صانت علاك فدار منها بالعلى / سور وفي يمنى يديك سوار
لا تستمع غير الذي أنا قائل / فبقدره تتفاوت الأقدار
ما كل من وزن الكلام بشاعر / في العود ما لا يعرف النجار
كثر الدخيل على جواد مفرق / لا داحس معه ولا الخطار
إن أجدبت أفكارهم أو أخلبت / فأنا الذي قطراته أنهار
فكر خواطره كراحتك التي / من صوبها صوب الحيا يمتار
ولقد ظفرت من المديح بمعدن / يأتيك جوهره كما تختار
بفصاحة عربية وبلاغة / أدبية ينبوعها مدرار
أحرزتها من دون غيرك فاحتفظ / فلكل بز مشتر وتجار
مروا بها وأثرتها فظباؤها / قنص إلى شرك الجميل يثار
أصبحت عند سواك أدعى شاعراً / والعلم تطمس نوره الأشعار
تعب الزمان علي حتى جاء بي / فرداً وحيداً ليس لي أنظار
خلصت سلافة ما أقول من القذى / لما تولت عصرها الأعصار
حاسب ضميرك إن خلوت وقل له / غيري يباع وداده ويعار
لست القدير على الكلام المنتقى / لتسهلن لمدحك الأوعار
ولتسمعن بكيمياء فصاحة / مكنوزة قيراطها قنطار
فاسعد بعام قابلتك سعوده / والبشر ينطق عنه والإسفار