المجموع : 36
يا أخت زاهرة الربى كم قبلة
يا أخت زاهرة الربى كم قبلة / من عاشق وتحية من شيق
لم أنس حين دخلت روضك غدوة / والزهر بين مزور ومشقق
فقطفت أول قبلة من وردة / ورشفت أول مبسم من زنبق
لى فيك عند المنحنى وعقيقه / ذكرى تطوف بالجنون وتستقى
غذيت ماضيها بأكثر ما مضى / من صبوتى واليوم جئت بما بقى
بأخى هوى متماسك فى أضلعى / سمح على شيع الجمال مفرق
شقت مرائره أسى وتأوهاً / أن فاته الحسن الذى لم يخلق
ما كان ضر الله أو سعف الصبا / فأطال فى أجل الشباب الريق
ذهبت بنضرته مكافحة الهوى / حتى ارعوى عن أغصن لم تورق
مازلت أتبع الجمال فلم أجد / حسناً يدوم وجدة لم تخلق
إلاك يا ضهر الشوير فأنت من / حدث الليالى والخلود بموثق
حسدت محاسنك الربى فتأوهت / غدرانها فى جفنها المغرورق
أفشامخ منها بمفرق تائه / ولأنت أجمل وردة فى مفرق
صلى لك الوادى برهبة ناسك / وضباب مبخرة وهامة مطرق
وأبو الربى صنين قام كشمعة / بيضاء تمعن فى السحاب وترتقى
يتوقد النجم السنى برأسها / فترى بوادر دمعها المترقرق
لك فى السماء نجومها فتلثمى / وعلى المهاد زهورها فتمنطقى
وعليك من وشى الحضارة مطرف / رفت عليه صنعة المتأنق
فإذا ودعت فرقة وتعفف / وإذا زهوت ولا أخال فأخلق
إيه فتى لبنان كم من وقعة / لك فيه بين مغيبه والمشرق
والأفق أكدر والخطوب حواسر / والظلم ينتخب الكرام وينتقى
نصبوا لك التمثال قسط مجاهد / من قومه وشهادة لمحقق
فخلدت فى الدنيا وأنت بأختها / مازلت بين مكذب ومصدق
إنى ذكرتك والظلام مخيم / وبراعم الأقلام لم تتفتق
أيام أطيب أن تعللنا المنى / تفريج مكروب ونهضة موثق
واليوم نحن ولا أخالك جاهلاً / أسلاب معركة ورزق موفق
أسرى ولا أطواق فى أجيادنا / ليس الحمام جميعه بمطوق
رفعوا على شرفٍ لواك
رفعوا على شرفٍ لواك / ورعتَ عيونهمُ سماك
أحبيبَ هذا النشءِ / تسقيهِ على ظمَإٍ دماك
روّيتَهُ أدبَ الكلام / يذوبُ فيه أصغراك
فمشى على سُنَنِ الهدى / مترَسِّما فيه خطاك
يا نائراً فِلذَ الحياةِ / حياةُ أكرمها فداك
حقرت ما وهب الكرام / أما وهبت لهم صباك
لولاك ما سكر البيان / بهم ولا غنّى الأراك
بينَ المحابرِ والمنابرِ / ذاب ليلُك في ضحاك
تشكو النجوم من السهاد / وليس تشكو مقلتاك
كم وردة من غرس كفك / راح يجنيها سواك
إيه فتى الأخلاق قد / نسجَ الصباح لها وحاك
جوادةُ النفحات تغمرُ / بالشّذا هذا وذاك
كشمائلِ النبعِ الكريمِ / متى نزلتَ به سقاك
تروي الظماء القاصديكَ / ولا نبلّ به ظماك
شمَمُ الأبِيّ الحرِ / والقفرُ الغَنِيّ تقاسماك
هلا رجعت بنا إلى / زمن الشباب إلى هناك
فأَرَق ما انسفحت / عليه دمعتايَ ودمعتاك
شعر كهينمة النسائم / أو كزمجرَة العراك
هلا رجعت بنا إلى / زمن الشباب إلى هناك
تلك الحليّ فاين واحدةُ / القلائد من حلاك
مجدُ التراب فمن ارادكَ / للتّرابِ فقد هجاك
إني ذكرتُكَ والظلامُ مخَيِّمٌ
إني ذكرتُكَ والظلامُ مخَيِّمٌ / وبراعمُ الاقلامِ لم تِتِفَتَّقِ
والأفقُ أكدَرُ والخطوبُ حواسِرٌ / والظلم ينتخبُ الكرام وينتقي
أيام أطيبُ ما تعِلّلنا المنى / تفريجُ مكروب ونهضةُ موثَقِ
واليوم نحن ولا إخالك جاهلا / أسلابُ معركة ورزقُ موفّق
أسرى ولا أطواق في أجيادنا / ليسَ الحمام جميعهُ بمُطَوّقِ
يا جنّة الدنيا وسيدة الربى
يا جنّة الدنيا وسيدة الربى / هذا رسول الشعر جاءك زائرا
إن شئت سق من الرياض صحائفا / وأصاب من أزهارهن محابرا
و أذاب ذرات الضياء قصائدا / عد النجوم لمعصميك أساورا
أسرفت في فتن الجمال كأنما / تخذ الجمال على ذراك منابرا
والنهر روح العاشقين ودمعهم / ملقى على قدميك يلهث خائرا
سالت جراحات الهوى في صدره / ليلا فقبلها النسيم محاذرا
لو كان يمكنها الربى لتسابقت / لأعزها تسعى إليك حواسرا
والسهل يحلم منذ كان بزورة / لبس الحلي لها ندى و أزاهرا
وتقطعت خصل الحسان ونثرت / بدل الكروم على التلال غدائرا
يتمثل الأمس البعيد لخاطرى / فأكاد أرسفه لمي و محاجرا
لبكيته لو كنت املك ادمعا / وعطفته لو كنت أعطف هاجرا
كم ضحكةٍ تشكو الشفاهُ أوارَها
كم ضحكةٍ تشكو الشفاهُ أوارَها / تبدو لعينكَ ديمَةً تتَرقرَقُ
ومُصَفّقٍ بيدَيهِ قلتُ له اتَّئِد / أو خلّ قلبكَ في الضلوع يُصَفقُ
عجباً لشاعرِ أمةِ حسناتهُ / في جيدها ويكافَأُ المتَمَلِّقُ
ولسان صدق لم يزايل غمدَهُ / إلا ومن قتلاهُ رأيٌ أحمقُ
وشمائلٌ حسدَ الضحى لمعانها / وكسا الرياض أريجها والرونقُ
نفس الكريم على الخصاصةِ والأذى / هي في الفضاء مع النسور تحلّق
بردى، نظمتَ لنا الزمانَ قصائداً
بردى، نظمتَ لنا الزمانَ قصائداً / بيضاً وحُمْراً منْ ندىً وصفاحِ
في كلِّ رابيةٍ وكلِّ حنيةٍ / عصماءُ تسطعُ بالشذا الفواحِ
وعلى الضفافِ، إذا تموجتِ الضحى / لونانِ منْ أرَجٍ ومنْ تصَداحِ
والغُصنُ، في حِضنِ الرياضِ، وسادةٌ / نمتْ على عُنُقَينِ منْ تُفَّاحِ
متلازمينِ، توجَّسا إثمَ الهوى / فتخوَّفا طرفَ الضحى اللماحِ
كمْ وقفةٍ لي في ذراكَ وجولةٍ / شعريةٍ، وهوى الشآمِ سلاحي
فدَّيتُ ليلكَ، والكواكبُ في يدي / ولثمتُ بدرك، والضياءُ وشاحي
ليلٌ حريريُّ النسيجِ، كأنهُ / شكوى الهوى وصبابةُ الملتاحِ
باكرتُها، والزهرُ يَشْرَقُ بالندى، / في فتيةٍ شُمِّ الأنوفِ صِباحِ
أهلُ الندى والبأْسِ، إنْ تنزلْ بهمْ / تنزلْ على عربٍ هناكَ فصاحِ
الشَّامُ منبتُهمْ، وكمْ منْ كوكبٍ / هادٍ، وكمْ منْ بلبلٍ صداحِ
نسلتهمُ أمضى السيوفِ، فهذهِ / لابنِ الوليدِ وتلكَ للجراحِ
وطنٌ أعارَ الخلدَ بعضَ فتونهِ / وسقى المكارمَ فَضلةَ الأقداحِ
والشمسُ، فوقَ سهولهِ ونجودهِ، / عربيةُ الإمساءِ والإصباحِ
عودوا إلى تلك القرى فلقد
عودوا إلى تلك القرى فلقد / سلختكم عن قلبها المدن
الذكريات على مقادسها / الأم والأخوات والسكن
قبل الطفولة في ترائبها / ليت الحياة لبعضها ثمن
تحت الدوالي ملعب بهج / عند الظهيرة والربى وُكن
فدت العيونُ النجل أجمعها / عينا تدفق ماؤها الهتن
تأوي الطيور إلى أظلتها / ويظل يلثم كفها الغصُن
تَرِد الصبايا بالجرار وقد / عادت على أكتافها المزن
تلك اللبؤات التي عمرت / بشبولها الأجمات والعُرُن
لبنان لبنان الحبيب خوى / لا البيت لا البستان لا العطن
خلت المرابط من سوابقها / وتثاءبت بحبالها الأُنن
الجانيان القاسيان على / (شيخ الربى) بيروت والسفن
قالوا السياسة قلت هل نبتت / إلا على لهواتها المحن
قالوا الوظائف قلت هل نحرت / إلا بها الأخلاق والفطن
قالوا المدارس قلت ثابتة / خضراء إلا أنها دمن
أين الألوف من الشباب وما / قبسوه من علم وما خزنوا
ماتوا بعلمهمُ فما طبخوا / منه ولا طحنوا ولا عجنوا
الأرض أطهر والمحارث من / عيش على أدرانه الدر
لبنان ما فعل الزمان بنا / سله أما لحروبه هدن
يغدو عليه بأوجهٍ كلحت / فمتى ينوّر وجهك الحسنِ
ويح الفقير فما تراه يلاقي
ويح الفقير فما تراه يلاقي / سُدّت عليه منافذُ الأرزاق
عصفت به وبريحه سرب الشقا / فتساقطوا كتساقط الأوراق
فإذا بصرت به عجبت لشمعة / كالزعفران تجول في الأسواق
أخذ الشقا يدها فسارت خلفه / والليل ممدود على الآفاق
وتلوح آثار النعيم بخدها / كالفجر قبل تكامل الإشراق
يا رب قالت وهي جاثية له / إن شئت حلّ من الحياة وثاقي
قد عشت عمري ما عرفت بريبة / وعبدت بعدك عفتي وخلاقي
والآن والأيام ملأى بالأذى / قد أصبحت وقرا على الأعناق
زوجي يحارب في التخوم وطفلتي / فوق الفراش تزيد في إرهاقي
من أمها تبغي الغذاء لجسمها / من أمها تبغي الدواء الواقي
وطرقت أبواب الكرام فأوصدوا / أبوابهم فرجعت بالإخفاق
سام الفتى عرضي فيالك من فتى / كاسي الغنى عار عن الأخلاق
هب أن أختك والزمان أصابها / مثلي أصابت سافل الأعراق
أفكان سرك أن ترى إحسانه / ثمن العفاف لضمة وعناق
إن الريال غنى ولكن عفتي / فوق الغنى ونفائس الأعلاق
أأصون عرضي وابنتي وحياتها / وعلاجها يحتاج للإنفاق
أنا إن أعف قتلتها فعلام / لا تحيا بماء تعففي المهراق
لا لا تموت فإنها لبريئة / حسناء ما شبت عن الأطواق
إني مفارقة ابنتي أو عفتي / فعلى كلا الحالين مرّ فراق
والذنب للأيام في حدثانها / والذنب للأخلاق غير رواقي
رباه حلمك فالمصائب جمة / وأنا بواحدة يضيق نطاقي
لو شئتُ موتا لابنتي لأخذتها / وجعلت طهري قدوة لرفاقي
لكن أردت بقاءها وأردت لي / فقري أتظمئني وأنت الساقي
ستعيش بنتي وليكن ما شأته / ستعيش لكن من لهى العشاق
ومشت لموعده بماء جفونها / القرحى وجمر فؤادها الخفاق
لو صوروا اللؤم الذميم فمثلوا / ذاك الفتى عدّوا من الحذاق
ترعى السفالة في مجاهل قلبه / وتطل إن شبعت من الآماق
ومتى يحاول حجب مكنوناته / يلبس محياه حجاب نفاق
حتى إذا اختليا انثنى بوصالها / وقد انثنت برياله البراق
قنص الفتاة بفقرها وشقائها / وبما تكابد من أسى وتلاقي
رجعت وفي يدها الريال ورأسها / لحيائها متواصل الإطراق
وكأنها خطرت لها ابنتها وما / تلقاه من ألم الطوى المقلاق
فأصابها مثل الجنون فتمتمت / بشراك إني عدت بالترياق
هو ذا الريال فإنه نعم الذي يهب / الشفاء لنا ونعم الراق
هو ذا الريال وقد تألق ماحق / دجن الهموم وقد أردن محاقي
هو ذا الريال ولم يكن لولا ابنتي / ليسومني نكراً على الإطلاق
ومضت إلى الطباخ تلجم ما بها / لفتاتها من لاعج الأشواق
قالت وأعطته الريال ألا اعطتني / بعض الغذا واردد علي الباقي
أسرع فإنك إن تأخرني تذق / من جوعها بنتي أمر مذاق
نقف الريال بإصبعيه وجسّه / وإنهال بالإرعاد والإبراق
قبحا لوجهك.... سيدي أتسبني! / عفوا وتحسبني من السراق
لا فالريال مزيف ...أمزيف؟ / صاحت وقد سقطت من الإرهاق
سقطت على قدم الشقا فبكت لها / عين العلى ومكارم الأخلاق
وبكى عفاف الآنسات عفافها / خلل السجوف بمدمع مهراق
يا طير عفتها فديتك طائرا / هلا حذرت حبائل الفساق
طلعت عليها الشمس وهي سجية / وفتاتها ضيف على الأسواق
أما الأثيم فلا تزال شباكه / منصوبة لنواعس الأحداق
يسقي الرحيق بأكؤس ولواحظ / والله يكلأ (وهو نعم الواقي)
من لي بمعبدَ وابنِ
من لي بمعبدَ وابنِ / عاشئةٍ ومالك والغريضِ
برئاسة ابن سريجَ / ملتئمين في الروض الأريض
وبشاعرِ الغيد ابن / مخزومٍ ونابغةِ القريض
في مثل ليلات الوليد / نقول للكاسات فيضي
بين الكواعب من حباب / والنواهد من بغيضِ
يخطرن تيها في غلائلهن / من حمر وبيضِ
فإذا نظرنَ فعَن مريض / وإذا بسمنَ فعن وميض
عش هكذا يوماً / وتستغني عن العمر العريض
حسناء، أي فتى رأت تصد
حسناء، أي فتى رأت تصد / قتلى الهوى فيها بلا عدد
بصرت به رث الثياب، بلا / مأوى بلا أهل بلا بلد
فتخيرته، وكان شافعه / لطف الغزال وقوة الأسد
ورأى الفتى الآمال باسمة / في وجهها، لفؤاده الكمد
والمال ملء يديه، ينفقه / متشفياً إنفاق ذي حرد
ظمآن والأهواء جارية / كالسلسبيل، مسى يرد يرد
روض من اللذات، طيبة / أثماره، خلو من الرصد
نعم أفانين، يكاد لها / يختال من غلواه في برد
ماضيه، لو يدري بحاضره / رغم الأخوة مات من حسد
سكران، والكاسات شاهدة / إن الكؤوس لها من العدد
سكران لا يصحو كسكرته / أمساً، وسكرته غداة غد
سكران، وهي تزقه قبلاً / ويزقها، وإذا تزد يزد
سكران، وهي تمص من دمه / وتريه قلب الأم للولد
سكران، حتى رأسه أبداً / لا يستقر لكثرة الميد
قالت له: نم، نم لفجر غد / ضع رأسك الواهي على كبدي
نم، لا تسلط يا حبيب على / مخمور جسمك قلة الجلد
عيناك متعبتان من سهر / ويداك راجفتان من جهد
لا، لا أنام ولا أذوق كرى، / إن النهار مضى ولم يعد
لا أنام و لا أذوق كرى، / أنا لست من يحيا لفجر غد
سلمى، أحس النار سائة / بدمي، وتجري معه في جسدي
وأحس قلبي فاغراً فمه / للحب، للذات، للرغد
إن ضاع يومي، ما أسفت على / خضر الربيع وزرقة الجلد
نم لا تكابر، كاد رأسك أن / يهوي بكأسك، غير أن يدي
يهوي !نعم يا فتنتي ومنى / نفسي، وزهرة جنة الخلد
يهوي ! .. ولم لا، والشباب ذوى / وعلى شبابي كان معتمدي
لم تبق لي من، سوى رمق / متراوح في أضلع همد
رباه مذ يومين كنت فتى / لي قوتي وشبيبتي وغدي
واليوم، أسرع للبلى، وأنا / لم أبلغ العشرين أو أكد
سلماي إنك أنت قاتلي / فجميل جسمك مدفني الأبدي
وطويل شعرك صار لي كفناً / كفن الشباب ذوى وكان ندي
سلمى اطفئي الأنوار وافتتحي / هذي الكوى لنسائم جدد
ودعي شعاع الشمس يضحك لي / فشعاعها يرد على كبدي
ودعي أريج الزهر ينعشني / وهديل طر الأيكة الغرد
أنا، إن قضيت هوى، فلا طلعت / شمس الضحى بعدي على أحد
أنا إن قتلتك كيف تحفظني / إن صح زعمك، حقظ مقتصد
أو كنت مت لليلتي جهد / يا مهجتي خفف ولا تزد
لا، أنت محييتي ومنقذتي / من عيشي المتنكر النكد
أفأنت قاتلتي ؟ كذبت أنا، / لولاك كنت أذل من وتد
لكنما العشاق، عادتهم / ذكر المنايا ذكر مفتئد
يبكون من جزع للذتهم / أن لا تكون طويلة الأمد
قلبي لقلبك خافق أبداً / ويظل يخفق غير متئد
إن كان ذاك، فهذه شفتي / من يشتعل في الحب يبترد
وتصافحا فتعانقا فهما / روحان خافقتان في جسد
نهبا أويقات الصفاء، وقد / عكفا عليهما عكف مجتهد
وترشفا كأس الغرام، وما / تركا بها من نهلة لصدي
ومشى الهوى بهما كعادته، / والبحر لا يخلو من الزبد ...
سنة مضت، فإذا خرجت إلى / ذاك الطريق بظاهر البلد
ولفت وجهك يمنة، فترى / وجهاً متى تذكره ترتعد :
هذا الفتى في الأمس، صار إلى / رجل هزيل الجسم منجرد
متلجلج الألفاظ مضطرب / متواصل الأنفاس مطرد
متجعد الخدين من سرف / متكسر الجفنين من سهد
عيناه عالقتان في نفق / كسراج كوخ نصف متقد
أو كالحباحب، باخ لامعه، / يبدو من الوجنات في خدد
تهتز أنمله، فتحسبها / ورق الخريف أصيب بالبرد
ويكاد يحمله، لما تركت / منه الصبابة، مخلب الصرد
يمشي بعلته على مهل / فكأنه يمشي على قصد
ويمج أحياناً دماً. فعلى / منديله قطع من الكبد
قطع تآبين مفجعة / مكتوبة بدم بغير يد
قطع تقول له: تموت غداً / وإذا ترق، تقول: بعد غد
والموت أرحم زائر لفتى / متزمل بالداء مغتمد
قد كان منتحراً، لو أن له / شبه القوى في جسمه الخصد
لكنه ، والداء ينهشه، / كالشلو بين مخالب الأسد
جلد على الآلام، ينجده / طلل الشباب ودارس الصيد
أين التي علقت به غصناً / حلو المجاني ناضر الملد
أين التي كانت تقول له: / ضع رأسك الواهي على كبدي؟
مات الفتى ، فأقيم في جدث / مستوحش الأرجاء منفرد
متجلل بالفقر، مؤتزر / بالنبت من متيبس وندي
وتزوره حيناً، فتؤنسه / بعض الطيور بصوتها الغرد
إن كان أحلى الحبّ أولَ قبلةٍ
إن كان أحلى الحبّ أولَ قبلةٍ / ما ضرّهُ لو مات أولَ عمرهِ
كالزهرِ مات مكَفّناً بأريجهِ / ووَسيمِ نصرتِهِ ونشوَةِ طثهرِهِ
لا تخلق الأعذارَ أنت المجرمُ
لا تخلق الأعذارَ أنت المجرمُ / إن تسكت الزلفى فقد نطق الدم
أتضيق بالقتلى رحاب قبورها / والعدل مشلول السواعد أبكم
ضاعت أمانات النفوس لدى الألى / وُلّوا على هزل الزمان وحُكّموا
سقياً ورعياً للمنايا إنها / ظفرت بمن يسقى الدماء ويُولم
لا يخدعنك منه مظهرُ هادئ / فالبحر أهدؤه المخيفُ الأقتم
يرنو إليك ولا يرى وكأنه / ينسى محطّ يديه حين يسلّم
وكأنه سلب الضحايا لونها / أفلا تراه بصفرة يتلثّم؟
يتلقّف الهمس الخفيّ بأذنه / ويكاد يخطف ما يهم به الفمُ
ويخاف بادرة اللسان تخونه / فإذا تناوله الحديث يُجمجم
يسترفد الألحاظ نظرة مشفق / ويبارك الكف التي لا ترجم
ويواصل الضحك المرير تكلّفاً / ليغلّف القلب الذي يتألم
اثنان لا يتهادنان دقيقةً / شبحُ الضحية والضميرُ المجرم
بيروت هل ذرفت عيونك دمعة / إلا ترشفها فؤادي المغرم
أن من ثراك فهل أضنّ بأدمعي / في نكبتيك ومن سمائك أُلهم
كم ليلة عذراء جاذبها الهوى / أنا والعنادل والربى والأنجم
إن راح يُنكرني الجهول عذرته / ورحمته أيُلام من لا يفهم
لهفي عليك أكلّ يوم مصرع / للحق فيك وكلّ عيد مأتم
أرضيعة الآلام، كل مصيبة / ثدي وكلّ عصير ثدْي علقم
ما أظلم الأيام.. أي غمامة / لا تنجلي ورضيعة لا تُفطم
كثرت عليك الأمهات وما درت / أرحامهنّ فكل أم ضيغم
تتداول الأحداث فيك ولاتُها / الحبّ يَبني والتباغض يهدم
رباه هل ترضى الشقاء لأمة / ما أذنبت إلا لأنها تحلم
عدلٌ قصاصك كم نبيّ جاءهم / وأراد أن يتوحدوا فتقسّموا
عاشوا على أمل فكفّنهم به / من لست تذكرهم وتعلم من همُ
مهدَ الغرام ومسرح الغزلان
مهدَ الغرام ومسرح الغزلان / حيث الهوى ضرب من الايمان
يتعانق الروحان فيه صبابة / ويعف ان يتعانق الجسدان
فإذا سمعت بعاشقين فقل هما / ملكان متصلان منفصلان
مادار ثََم سوى الحديث كأنه / راح يدير كؤوسها الملكان
سل عروة بن حزام عن غصص الهوى / تسمع جواب فتى الغرام العاني
تحنانَ ساجعة الحمائم في الضحى / وزفير أعواد الجحيم الثاني
وله حديث كالدموع اذا جرت / جلبت نظائرها من الأجفان
علَم الهوى من آل عذرة عروة / كذب الألى قالوا لها علمان
وُلد الفتى العذري عروة بعدما / دارت بوالده رحى الحدثان
فإذا بعروة في مضارب عمه / "هصر"فكان هناك زغلولان
عفراء إبنته مع ابن شقيقه / وكلاهما في العمر دون ثمان
وإذا تضمهما الحقول فإنها / ظفرت بمائستين من ريحان
يتراكضان بها فإن هما بوغتا / فيها فبالأوراق يختبئان
ولطالما وقفا على الوادي وقد / صرخا هناك ليلتقي الصديان
لم يلبسا ريش الهوى لكنما / هو ريش احلام وريش أمان
مزجا فلو خطرت لعفرا فكرة / بدرت بها من عروة الشفتان
وإذا التقى النظران تلمع أسطر / يعيا بحل رموزها الولدان
حتى اذا كبرا تولى شرح ما / لم يفهما قلبهما الخفقان
فإذا الوداد هوى وصادف تربة / بكراً فطاب مغارساً ومجان
ويح المحب اذا تملكه الهوى / نمًت به عينان فاضحتان
عبثاً يحاول ذو الهوى كتمانه / عبث الهوى يقوى على الكتمان
فدرى به "هصرٌ" وكان يسوؤه / من عروة ابن شقيقه يتمان
وأهمُّ يتميْ عروة في عينه / يتْم الغنى لو يسمع الأبوان
فشكا اليه منه حب فتاته / شفتان تختلجان تختذلان
فأجابه "هصر"وكان مخاتلاً / ستنال من تهوى فكن بأمان
نعمى على كبد الفتى سقطت كما / سقط الندى سحراً على حران
فأحس أن له جناحيْ طائر / وبدت له زهر النجوم ذواني
فجرى يرقّص عوده الشعري على / صدر المروج ومعصم الغُدران
فيصوغ هينمة النسيم قصائداً / ويرد زمزمة الغدير أغاني
ماراعه إلا مقالة عمه / إني أراك عن الغنى متواني
سر للشآم بمتجر فأطاعه / وعصى الفؤاد فظل في الأوطان
بينا الفتى في الشام يكدح للغنى / كانت حبيبته تزف لثان
فتنت محاسنها أثالة وهو من / "هصر"له نسبان ملتزمان
نسب الدماء وفوقه نسب الغنى / نسبان محبوبان محترمان
فأناله عفراء صفقة تاجر / حسِب البنات ملابساً وأواني
ماعامل في الحقل حمّل يومه / ماليس يحمل مثله الهرمان
يمشي لمنزله بنفس مغالب / مرّ الشقا بحلاوة الوجدان
يمحو بفكرته عبوسة دهره / بتبسم في آلهِ وحنان
يمشي وما هو ان دنا حتى رأى / في كوخه المحبوب سحب دخان
ورأى اشتعال النار في أحشائه / وبكا النسا وتهافت الشبان
فأحس بالجلّى فاسرع ليته / أودى ولم تسرع به القدمان
فإذا قرينته الحبيبة جثة / وبجنبها ولداه يحترقان
ماخطب هذا وهو أهول ما رأت / عين وما سمعت به أذنان
بأشد من قول الرواة لعروة / عفراء امست زوجة لفلان
خلع النحول عليه أفجع ما ا رتأى / داء وأ بلى مااكتساه عان
سقْم تشف به الضلوع كانها / قطع الزجاج بمائل الجدران
فغدا به مثلاً تناقله الى / أقصى القبائل ألسن الركبان
ماحاضر الروحاء دون مناله / وخْد السرى في الأمعز الصوان
ليحول دون فتى الهوى وفتاته / إن الهوى ضرب من الطيران
فمشى الى أرض الحبيب دليله / عينان إنساناهما غرقان
يلقي القصائد في الطريق وحشوها / أنفاس مكلوم الحشا ولهان
كالنعجة البيضاء حين مرورها / بين الصخور وشائك العيدان
تبقي على الأشواك من أصوافها / خصلاً مخضبة بأحمر قان
ودرى أثالة ان عروة في الحمى / وبما بعروة من هوى وهوان
وأثالة رجل المحامد بيته / بيت الفخار وملتقى الضيفان
فأبت مروءته عليه أن يرى / رجلاً كعروة مبعداً متداني
فمشى إليه عاتباً أتكون في / بلدي ولست لخيمتي وخواني
إني عزمت عليك أنك نازل / عندي وإلا ساءني حرماني
عذراً فإني راجع لحوادث / نزلت بنا ماكن في الحسبان
لاعذر لا لاعذر أنظرني إذن / لغد إذن فجر النهار الثاني
وتفارقا فإذا بعروة رُجمة / تهوي عليها انْقضّ صاعقتان
وأشار نحو أثالة بجفونه / سترى المروءة أننا كفؤان
هجر الديار لوقته تسعى به / قدمان هازلتان شاكيتان
هجر الديار ديار عفراء التي / طبعت حشاشته على الأحزان
حتى إذا وادي القرى رحُبت به / رحبت بشلو لُف في أكفان
جثمانه في القبر لكن روحه / أبداً مرفرفة على الوديان
رنّ النعي بأذن عفراء فهل / شاهدت غصناً من رطيب البان
لعبت به هوج العواصف فالتوى / متقصفاً وأصيب بالرجفان
هي مثله حاشا الدموع وأنةً / من صدر محتضر به جرحان
فأتت أثالة والدموع سوابح / فتلثم الفضي بالمرجاني
قالت لتعلم أن عروة كان لي / إلفاً ونحن وعروة حدثان
وعلمت أن هواه لا عن ريبة / يُخزى بها رجلي ويخفض شاني
هلا أذنت لي بأن أزور ترابه / أفما أبي وأبو الفتى أخوان
من ذا يمانع ان تفيه حقه / سيري فما هي غير بعض ثوان
حتى رأيت بقبر عروة بانة / محنية والهفتا للبان
ضموا الفتاة الى الفتى في حفرة / من فوقها غصنان ملتفان
روحان ضمهما الهوى فتعانقا / وتعاهدا فتعانق الكفنان
أنا وفد أبناء الصبابة ساجد / من ترب عذرة في أذل مكان
أستنزل الوحي الذي ظفرت به / شعراء عذرة في الزمان الفاني
فتسوغ في أذنيْ جميل رنتي / وتطيب نفس كثيّر ببياني
يا أمة غدت الذئاب تسوسها
يا أمة غدت الذئاب تسوسها / غرقت سفينتها، فأين رئيسها؟
تتمرغ الشهوات في حرماتها / وتعيث في عظماتها وتدوسها
تعساً لها من أمة… أزعيمها / جلادها وأمينها جاسوسها ؟
رُشيت مآذنها، فلم تغضب لها / غضب الكرام، وباعها ناقوسها
أبناء احمد والمسيح ألا انهضوا / أتباح حرمتها وأنتم شوسها ؟
ليست من الأشبال فتية أمة / إن ساد أحمقها وعزَّ خسيسها
أيُحَكَّمُ الغوغاء في أدبائها / ويذود عن سفهائها "بوليسها"
ومتى تؤيد بالرعاع حكومة / كانت أحطَّ من الرعاع نفوسها
وعصابة، ملأ المناخر نَتْنُها / خضعت طوائفكم لها وطقوسها
من دمع بائسكم وقوت فقيركم / تجبى ضرائب ظلمها ومكوسها
أتموت من فرط الهزال صغاركم / لتعزّ شوكتها ويسمن كيسها
لو حاق مكرهم بأجهل أمة / برمت محاكمها بهم وحبوسها
هبطوا الجحيم فردهم بوابها / إذ خاف من إبليسهم إبليسها
أشبال ذا الوطن الجريح، إلى متى؟ / أنتم سيوف بلادكم وتروسها
موتوا كراماً، أو فعيشوا أمة / تهوي على يدها العلى وتبوسها
يا غابةَ الصوتِ اللهيفِ كأنهُ
يا غابةَ الصوتِ اللهيفِ كأنهُ / تحت الظلامِ أشعّةٌ تتكلَمُ
تسعى الطيور فكُلُهُنّ حمائمٌ حمرٌ / على تلك المناهل حوّم
سكرى السماع فخافق / مترنح حول الغدير ومستقرُ يلثم
سبحان من جعلَ الغناءَ رسالةً / كالشعر أفتَنُ ما سباكَ التوأمُ
ثَمِلَت به الأزهارُ وهيَ أجنّةٌ / وتشوّقَت فانشقَ عنها البرعُمُ
قلبٌ بخيط رجائه يتعلَّق
قلبٌ بخيط رجائه يتعلَّق / قعد العياءُ به وقلَّ المشفق
ناداك والرَّمق الأخير بصدره / أمل يُودِّعُ أو شراعٌ يغرق
مُدِّي يمينك كالمسيح فربَّما / بُعِث الدَّفين وعاد حيّاً يرْزق
يا خفقة الأمل الأخير تمهَّلي / فلعلَّ من تأْسو الجراح تُوَفَّقُ
في دمع بسمتها وفي صلواتها / نُعْمَى تُطلُّ على العزاء وتشرق
أنا لا أمُنُّ، رضيت أنِّي طيرها ال / شّادي، وأنِّي جفْنُها المغْرَوْرِقُ