المجموع : 67
الشكرُ يجدر أن يُمثَّل عيدا
الشكرُ يجدر أن يُمثَّل عيدا / فرحاً بأحلام الجدودِ جديدا
وبكلِّ إرثٍ لا يُجِّررُ ذيلهُ / زَهواً ولكن يستقل مزيدا
يُحصىِ لنا النِّعم الجسام وإن تكن / منا ويفرض حَقَّها التمجيدا
حُرِّيةُ الإنسانِ في إيمانه / وُشعورِه لا يائساً رعديدا
يمشى على الخوفِ الأثيمِ مُظفراً / والعوزِ يهتفُ للحياةِ سَعيدا
كل الصعابِ حيالهُ ما جاوزت / شوكاً لزهرٍ يَستعُّز نَضيدا
يا أمنَّا الأرض العزيزةَ طاولي / كُلَّ الكواكب وامرِحي تعييدا
لن يسقطَ الإنسانُ من عليائِه / فالسَّيرُ كان على الجبالِ وئيدا
يكفيكِ في هذى الربوعِ سُمُّوهُ / كبدايةٍ حتى يسير مديدا
وطنٌ تضمَّخَ بالمبادئ والمنى / والنبلِ حتى قد يُعدَّ فريدا
وتُطل منه التضحياتُ شواهداً / تُومي فتعلنُ رائداً وشهيدا
العيدُ ليسَ له خصيصاً وحدهُ / ولو أنَّ في الدنيا وَغىً وعبيداً
ما كان عن نقدِ النظامِ مُبَّرأ / لكنه مَثلٌ سما وأجيدا
مَثلُ الحكومةِ من صميمِ الشعب لم / تَعرف سِوَاهُ مُسوداً معدودا
وطنٌ حبتهُ يدُ العناية كلَّ ما / يَهوى فآثرَ أن يفىِ ويَجودا
ببنيهِ بر وبالشعوبِ جميعها / لو مكنَّتهُ ولو جزتَهُ جحودا
أهلاً بيومِ الشكرِ يغمرنُا رضىً / حتى الفقيرُ أَعزَّ فيه العيدا
رَّقت بشاشته كأنَّ بيومه / رَقَصَ الربيعُ مُمازحاً غرّيدا
ساوى الفقيرُ به الغنىَّ طلاقةً / والغيمُ رقرقَ في الدموعِ قصيدا
هي فرحةٌ عمَّت ومظهرُ نعمةٍ / شَملت فلم نرَ سيداً ومسودا
لم يُحصِ أنفاساً عليه مُسلَّطٌ / يوماً ولا هو سامه تحديدا
فُرصُ الحياةِ أمامهَ موفورةٌ / وتكافأت كالنورِ فاضَ وَحيدا
أهلاً بيومِ الشكر من نعمائِه / نَهبُ الحياةَ ولاءنا المعدودا
نَهبُ الحياةَ عواطفاً ومساعياً / حتى يُحس جميعنا التعييدا
ونُبادلُ الأنخابَ بين موائدٍ / حملت لعرفانِ الجميلِ شُهودا
وصلاتُنا البرُّ العميمُ وحُّظنا / حُّظ الجميع نَزيدُهُ تجديدا
أهلاً به للناس مظهرَ رحمةٍ / ووفاءَ أفئدةٍ أبينَ جُمودا
أهلاً به عُنوان كلِّ كريمةٍ / تذرُ المناحَةَ في الوجود نشيدا
يا أيها الموتى ويا من خُلدوا
يا أيها الموتى ويا من خُلدوا / في الموت حين الحُّى رهنُ تبابهِ
لم يبلغ الغدرُ المشينُ منالهُ / منكم ولكن نالَ من أربابه
هي قصَّةُ الوحشِ الضرير وما دَرَى / بطشَ الزَّمانِ بِظفرهِ وبنابه
دوَّى وزمجرَ وهو غيرُ محاذرٍ / يقظٍ فهيأ كهفهُ لخرابه
يُحيى الضحايا الذكرياتِ وإنها / لأجل من ذكرٍ ومن أنصابِه
لأجل من معنىً نُمجِّدُ يومَه / وأَعُّز من حُبٍّ لدى أحبابِه
اليومَ قدَّسهُ الألى رزئوا به / من قَبلُ واحتشدوا لدى محرابه
وَرَنت له أممٌ بدمعةِ حائرٍ / وِجلٍ تُحسُّ مصابها بمصابِه
فالغدرُ ما برحَ المسيطرَ ضارباً / بالعدلِ لا يُعنى بغيرِ طلابِهِ
مُتبختراً متشدقاً بجميعِ ما / جَعل السلامِ خُرافَةً للنابهِ
فليحذر الأحرارُ وليتكاتفوا / فالعدلُ غيرَ الظلم رغمَ خضابه
والناسُ مهما خُودعوا لن يرضخوا / للعسفِ والجبروت يومَ حِسابِه
لمن النجومُ رقصنَ فوقَ خميلةٍ
لمن النجومُ رقصنَ فوقَ خميلةٍ / قُبلاً وأحلاماً تَرف طويلا
وخفقنَ ألواناً حملنَ عواطفاً / وأضأنَ أنغاماً تردُ جميلا
لمن التهَّللُ في الغصون نواعساً / سَكرىَ فأيقظها النسيمُ بليلا
لمن الثلوجُ وقد نُثرنَ جواهراً / بِيدِ الألوهةِ تستحث بخيلا
ساوت فما تركت عزيزاً مُفرداً / وَحَبت فلم تَذرَ الفقيرَ ذليلا
لِمن الحمائمُ قد طلعن عرائساً / سَفرت وأرسلت النشيدَ هَديلا
كانت يُحجِّبها الصقيعُ فردَّهَا / للناسِ تعييدٌ يَعُّز مثيلا
ورأت حُبور الناسِ دفأ مُنعشاً / من بَعدِ ما كان الجليدُ ثقيلا
لمن الطفولةُ في تحُّررِ بهجةٍ / لم تَرضَ عنها في السرورِ بديلا
غُصَّت حوانيتُ الهدايا حولها / بجميع ما فد جاوزَ التخييلا
وكأنّما اللعُّبُ استقلت مثلها / بالعيدِ واحتفلت به تمثيلا
لمن المعابدُ والمسارحُ اشرقت / أَمماً تقدّسُ رائعاً وجميلا
لمن الأناشيدُ الحبيبةُ رَدَّدت / لحنَ السلامِ مُسلسلاً ونبيلا
لمن الهوىَ والفُّن حينَ تألقَّا / طُهراً وحين تباريا تقبيلا
لمن التَّهلُّلُ والجميعُ كأنَّهم / أطفالُ لم يستمرئوا التحويلا
دُنيا السماحةِ والتحُّررِ والنَّدى / شَعَّت وما خَذلت بها تأميلا
وَكَسا منازِلنا نعيماً سابِغا / رُوحٌ باشهى الصفوِ كانَ كفيلا
لمن المظاهرُ والحقائقُ هذهِ / عَجباً كأنَّ البؤسَ رُدَّ قَتيلا
وَكَأنمَّا الظلمُ الرهيبُ قد انتفى / والعدلُ أصبحَ كالجمالِ ظليلا
هي بعضُ وجدانِ الوجودِ يَزفه / حُبَّاً لمن هو أطلعَ الإنجيلا
من لا تزالُ على السماءِ عظاتُه / هذى الشموسُ تُواكبُ التنزيلا
من روُحه روحُ الإِله وِسُّرهُ / سرُّ الحياةِ على الأبُودِ نزيلا
من عَلَّمَ الإنسانَ قيمةً نفسه / لو شاءَ حَظَّاً في الحياةِ جليلا
بُوركتَ ميلادَ المسيحِ وبُوركت / مُثلٌ رُفعتَ لنا وجئتَ مُنيلا
من عاشَ يُكرِمها فما ضاقت به / دُنيا ولا وَجدَ السلامَ ضئيلا
ألقاكَ في وطني الحبيب الأوَّلِ
ألقاكَ في وطني الحبيب الأوَّلِ / ولئن تكن قُربى ولم تتَّرحَل
لستَ الغريبَ ولستُ عنه مُغربَّاً / فَبكلِّ دارٍ فيه ألمحُ منزلي
فَتلقَّ من قلبيِ الوفيِّ تحيةً / هيَ من أشعَّةِ مصرَ لم تتبدل
ولو أن فيها من دُموع مشاعري / نَغماً يذوبُ إلى الحبيبِ الأوّلِ
ولو ان فيها من حنينِ عُروبتي / لحناً أَعمَّ ومن هواىَ ومأمليِ
حُيِّيت عيسى أينَ كنت فإنَّما / تَلقى غِراسَ السابقِ المتفضل
في كلِّ قُطرٍ للعروبةِ نَشوةٌ / بلقاءِ أكثم أو لقاءِ الأخطلِ
وبكلِّ ركن للحميِّةِ والهدى / للمسلمين تَحل أطيبَ مَنزل
يا من فَتنت الجيلَ غيرَ مدافعٍ / بجنانه وحديثه المتهلل
يا من بذلتَ من الفؤادِ مُضحِّياً / في دفعِ مَظلمةٍ ورفعِ مُؤملِ
يا من له غُررُ المواقفِ عّدُّها / لا يُستباحُ لو انتهت لِلمجتلى
يا صاحبَ الأدبِ الرفيع تَفننُّاً / وَمُجلجلَ الصوتِ النبيلِ الأكملِ
أنظر حيالكَ لا تجد إلاّ مُنى / رُسُلاً من الشعبِ الجريح الُمغفلِ
ولأنتَ أحصفُ بل وأكيسُ سامعاً / أو قائلاً أو عاملاً من مقولى
هذى تحَّيةُ وامقٍ بك واثقٍ / متطِّلع لبزوغِ عَهدِ أجمل
حتى يُقبِّلَ تُربَ مصر مُرحبِّاً / بكَ مرةً أخرى بشعرٍ أَمثل
وَيزفَّ ملحمةَ الخلودِ تألقت / بروائعِ الماضي إلى المستقبل
أَسمعتَ أجراسَ الكنائس خُشعَّاً
أَسمعتَ أجراسَ الكنائس خُشعَّاً / ورأيتَ نور الحبِّ كيف تضوعا
اليومُ عيدٌ للبريَّةِ شاملٌ / كالنورِ هزَّ رياضَها والبلقعا
ما كانَ عن تقديره مُتخلفٌ / فهو الأبُ الحاني يُلبىّ من دعا
عيدُ السلام على البسيطةِ كلهَّا / ولو أنَّ فيها من جِراحٍ موُجِعا
عيدٌ به يُجنى الحصادُ مُكرراً / من غَرسِ من بَذرَ السلامَ فأبدعا
إن كانَ خُضِّبَ بالدماءِ فَربُّهُ / كان الشهيد لأجله فترفَعَّا
والسلمُ مثلُ الحِّق ليس مقدساً / إن لم يُصن ويَسد وَيَبقَ مُمنعَّا
يا عيدُ أهلاً بالبشيرِ وبالهدى / وجدا بيومكَ للتحررِ مطلعا
لم نَشقَ بالظُّلامِ إلاَّ ساقنا / لسناكَ من ترك الظلومُ مضعضعا
من كانَ مذودهُ الحقيرُ ولادةً / للنبلش من وهبَ الصليب وودعا
نلتف حولكَ في الرموزِ سواطعاً / مُثلاً تلمسَّها الجمالُ فوقعا
عيدَ الفداءِ هل الفداءُ سوى غنىً / أعيا النفوسَ تأملاً وتوسُّعا
عيد الفقيرِ هل الخصاصة نعمةٌ / فلقد جعلتَ الفقرَ أنساً ممرعَا
عيدَ الأخوة في المظاهر والنُّهىَ / مضت القرون ولا تزالُ الَمفزعا
عيدَ الُمكافحِ في الحياةِ بلاونىً / اليومُ ينعمَ بالسكينةِ مُولعا
عيدَ الحزَانى إن روحك ملجأٌ / لهمو ولو ذرفوا لرزءٍ مَدمعا
عيدَ الأسيرِ وقد يكون بأسرِهِ / شعبٌ تَمثَّل بالمسيحِ فأزمعا
عيدَ الطهارة فالأثيمُ بدمعهِ / غَسلَ الذنوب لديكَ حين تَضَّرعا
عيدَ الأمومةِ في أعزَّ جلالها / عيد الطفولة بهجة وتلعلعا
عيدَ الرجاءَ بحاضر وبمقبل / للحالم الواني ومُلهمَ من سعى
لكَ ايُّها العيدُ الحبيبُ تحيَّةً / جمعت قلوباً ليتها تبقى معا
بوركتَ يا شعبَ الكنانة ثائرا
بوركتَ يا شعبَ الكنانة ثائرا / حُراً ويا وطنَ البطولةِ قاهرَا
أُزجىِ إليك تحَّيتي من خاطرٍ / دامٍ ومن قلبٍ يذوبُ شواعرا
يأبى النفاقَ ولا يبوحُ بغير ما / جَعلَ الحياةَ نفائساً وذخائرا
ليسَ الصديقُ هو المقَّربُ وحدهُ / ولربَّ مهجورٍ يُظن الهاجرا
إبدأ بنفسكَ مُصلحاً وُمقوما / فتكونَ أقدرَ حين تَلقى الفاجِرا
إن كان غيبني العتاةُ فَمهجتني / لكَ أينَ كنتَ مُكافحاً ومُناصِرا
آبى مساومةَ الطُّغاةِ وإن أذُق / شَرَّ الأذاةِ مُوالياً لكَ ذاكِرا
من عَّلمَ الأسدَ العجوزَ وقد مضت / أيامَّه ألاّ يكونَ مُحاذرا
ليسَ المغامِرُ والموفقُ واحداً / فَمنَ التدهور ما يكونُ مُغامراً
إن كان يُعوزنُا السلاحُ فربَّما / خلقَ الإباءُ بنا السلاحَ الباترا
وَحشٌ للاستعمارِ يُمعنُ شَرُّهُ / باسمِ الحضارةِ والتَّقدمِ ساخرا
وكأنما حسبَ العقولَ نفايةً / للناسِ أو بعضَ الهواجسِ دائرا
هل يُصلحُ المذياعُ من آثامِه / حين الرصاصُ يصيحُ أرعنَ كافرا
حينَ الفظائعث قد خَطبن بألسنٍ / للنارِ واعتلت الجراحُ منابرا
حينَ الأساطيرُ التي يُدلى بها / سَبت بصائر للورى وسرائرا
حينَ الخرائبُ صارخاتُ حول / مثلَ اليتامَى لا تمثِّلُ عامِرا
حين التحُّكمُ في الحقوقِ ونهبها / مِثلُ الوعودِ الضائعاتِ طَوائرا
إن كان حسنُ الظنِّ ذنباً أولاً / فيه فكيف يُعُّد ذنباً آخرا
هو غايةُ الإجرامِ للوطنِ الذي / عانى وعانى من أذاهُ خسائرا
لن يمنحَ الوطنُ المفدَّى صفحهُ / لفتىً يُخادع أو يُخادع صابرا
ويرى بالاستعمار بعضَ خلاصه / هل كان الاستعمارُ إلاّ جائرا
يفتُّن في سفك الدماء وإنها / لأَعز ما خلقَ الإباءَ الثائرا
يا ليتني كنتُ الفداءَ وإن أكن / أعطى أعزَّ نهاى فكراً سائراً
وابيتُ من شيخوختي اسقامها / فوهبتُ صدقَ هواى لحنا شاعرا
ما كان من شيمِ الأسودِ تسفُّلٌ / فهو ابنُ آوى كيفَ قالَ مُكابرا
قَرنٌ من التغرير علَّم نشأنا / أن يَحذروه مفاوضاً ومُشاورا
الغادرُ السَّفاحُ نافارينُ لم / تبرح تُحِّدثُ عنه عَهداً غادرا
منه تَلقنت الدسائسُ فنهَّا / وقَتلنَ للفن الوضيعِ ضمائرا
حذاً بنى وطني فذاك عدوكم / مهما تقلبَ في المظاهرِ ماكرا
لا تمنحوه سوى القطيعه وحدَها / فمن القطيعةِ ما يكونُ الزاجرا
أو ما يكون به الخلاصُ ليومكم / وغدٍ نؤَملُ فيه بعثاً باهرا
حذراً بنى وطني وكونوا وحدةً / فعالةض لا ضجةً وحناجرا
ليست سلاَمتكم مجالاً هيناً / إن السلامةَ قد تكونُ مخاطرا
لا تأسفوا مهما حزنتم للألى / ذهبوا الضحايا في القناة حرائر
حملَ الأديمُ من النجيعِ وَصيَّةً / تبقىَ لأحقابٍ تدومُ ذواكرا
ويظل يسألنا المزيدَ تطهُّراً / من رجسِ ماضينا ويُرشد حائرا
خلوا التغنِّى بالجدودِ وفضلهم / مهما تلألأ روعةً ومفاخرا
فهو الغنى بذاته عن ذكرهِ / إلاَّ ليلهمَ عافياً أو ساهرا
وخذوا بأسبابٍ لمتعةِ حاضرٍ / إنَّ الحقيقةَ ما تمثَّلَ حاضرا
كونوا من الشهداءِ في إعجازكم / بثباتكم لا تجعلوهُ العابرا
لا عُذرَ بعدَ اليومِ عند تهاونٍ / إنَّ التفوقَ لا يُطيقُ معاذرا
أديتَ واجبكَ المقدَّسَ كاملاً
أديتَ واجبكَ المقدَّسَ كاملاً / وتركتَ للأجيالِ ذكركَ شاغلا
مهلاً أبا الأحرار مهلاً إن تكن / أعمارُ مثلك كالشموسِ مراحلا
إنَّا بنى الأرضِ الذين شقاؤهم / باقٍ نودِّعُ فيكَ ظلاًّ راحلا
كنا نَفئُ إليكَ في آلامنا / ونرى رجاحَتكَ الملاذَ الكاملا
والآنَ واحتنا الفسيحةُ أصبحت / حُلماً وعانقت الفناءَ الهائلا
كَم كان خصمك خاذلاً ليقينه / وأبيتَ أن تلفىَ لخصمك خاذلا
ولكم أغثتَ من الكوارث جاحداً / وفككت مغلولاً فراحَ مُخاتلا
ولكم رددتَ من السهامِ مكافحاً / ولكم غَضضتَ عن العداءِ مُجاملا
وعُرفتَ في الحالينِ أكرمَ كَيسٍ / نسىَ الإساءةَ بل أقالَ الجاهلا
قد بحَّ صوتُك هادياً ومنادياً / أمماً بنكبتها تُطيعُ الهازلا
وإذا تيقَّظَ أى شعبٍ ببنها / ألفيته الأسرَ المسئَ الغافلا
يا ليتها في الرُّزءِ تدفن عجزَها / شمماً وتدفنُ ذلةً وسلاسلا
صورٌ تزاحمَ رسمها في عبرتَيِ / لما أتيتك راثياً ومُسائلا
يا ضيعةَ الإنسانِ في استعلائه / وكأنما بالمجدِ أصبحَ زائلا
ولقد بَحثتُ فما غَنمتُ حقيقةً / ودفنتُ آمالي وعشتُ الثَّاكلا
وسَخرتُ من علمي ومن أدبي معاً / وأبيتُ أن أُدعى الحكيمَ العاقلا
وظللتُ يقذفني الخضم بموجهِ / من بعدِ ما أبصرتُ فيك الساحلا
ولو ان إنشادى الدماءُ لشاعرٍ / حملَ الجراح ولم يزل مُتفائلا
أبداً يصارعُ عقلهُ وجدَنهُ / ويَرىَ الوجودَ مآسياً ومهازلا
ويرى مماتَ النابهينَ جريمةً / مهما تُسَّوغَ والقضاءَ القاتلا
أرقد صديقي في خلودك وَحدهُ / إن لم نَجد نحنُ الخلودَ الشاملا
أرقد فحسبك ما حَملت من الأذَى / وداع الممات يُميتُ داءكَ عاجلا
فلقد خلقتَ بما صنعتَ مآثراً / ملءَ البيانِ خوالداً وحوافلا
لو يعرف الطِّبُ الصَّناعُ وسيلةً / لأعَادَ صوتك بالمواعظِ حافلا
أو يَعلمُ الجراحُ أىَّ يتيمةٍ / قُطعت لدامَ من الفجيعةِ ذاهلا
عانى وعالجَ والمماتُ مرفرف يقظ / يُخيِّبُ آسياً أو حائلا
لبنانُ لم يبرح بذكرك شامخاً / ويظل معتزاً بفكركَ طائلا
جَبلٌ من الفكرِ الأصيلِ جيوشه / زحفت بمثلكَ كالغزاةِ جحافلا
إن تنسكَ الدنيا ولن تنسى فقد / أحيالكَ الأرزَ الوضئَ مشاعلا
أهلَ الهدى صُونوا تُراثا للهدَى / فخماً وذودوا عن عُلاَها الباطلا
عاشت لكم ذُخراً ومجداً صائلا / فابنوا لها ذُخراً ومجداً صائلا
وإذا مضى علمٌ فأحيوا ذكرهُ / علماً تناسخَ نورهُ متواصِلا
سيعيشُ في همٍّ ويشقى دائماً
سيعيشُ في همٍّ ويشقى دائماً / من عاشَ مشغولاً بهمِّ النَّاسِ
فعلامَ يا نفسي افتتانُك بالورى / وهمو القساةُ على الأبرِّ الآسى
العشبُ يَلثمُ أرضَه بِوفائه / وهمو الجناةُ على هوىً ومواسى
فأجابت النفسُ التي لم ترتدع / يوماً وإن يرشَد حليفُ الكاسِ
أنا بعضُ هذا النَّاسِ كيفَ أعافهم / وجميعُ إحساسٍ بهم إحساسي
شعراءَ مصر ولا أقول جميعكم
شعراءَ مصر ولا أقول جميعكم / ما بالكم صرتم نكايةَ أهلكم
هل أذنبت مصر الرؤوم فخيركم / في صمتهِ والذلَ مَيسمُ جُلِّكم
يا ناصرينَ الظلمَ دون تَوَّرعٍ / متقلبين على تنوع شكلكم
لم تدَّعونَ الفن في أفعالكم / والفن قد خنقته وصمةُ فِعلكم
عَّم الفسادُ وأنتمو أعوانُهُ / فإليهِ مرجعُ حَوِلكم أو طوِلكم
قاطعتموني واستبحتم سقوَتي / وكأنني ما كنت منَشدَ قَولكم
بل لم أزل أشدو بتغريدٍ لكم / أنيَّ تنَّزهَ عن حقارة ذُلكم
فيمَ التشُّدق بالسموِّ بشعرِكم / وهو التبيعُ لمن هوى من قَبلكم
لا تحسبوا الكتَّابَ أحقرَ منكمو / فَمثالهم مُستلهمٌ من مِثلكم
الحوت حينَ تسبحونَ لعرضِهِ / قلبَ السفينةَ عابثاً من حولكم
يا للدعارِة والهوانِ فَعرضُكم / أَمسىَ الرهينَ لِجبنكم ولجهلكم
وإذا شُتمتُ فَشتمىِ في غُربَتي / شرفٌ أتية به آيةُ فضلكم
وطني رأيُتك في الربيعِ فعطرُهُ
وطني رأيُتك في الربيعِ فعطرُهُ / حولي شذاكَ برعشةٍ كتلهُّفي
ورأيتُ أيام الشبابِ بلا بلاً / غنت ونوراً شاقَ غيرَ مزيفِ
ورأيتُ أيامَ اغترابي كلهَّا / نبضَ العليلِ وخفقَ قلبِ الموجفِ
تتباطأ الأعوامُ وهي سريعةٌ / كخواطري ومريرةٌ كترشفُّى
أبداً أحن إليكَ غير مؤمل / حظاً سوى هذا الحنينِ المتلفِ
والمجدُ أن ألقاك حُراً رافلاً / بِعلاَكَ لا أرجوكَ يوماً مُنصفي
لا يرتَجى الأحرارُ يوماً مغنماً / غير العذابِ وغير كيدِ المرجفِ
في الروعِ لا ينسى الورى إيذاءهم / لكنَّهم ينسون عند المقصف
أهلاً بعطركَ لا أبالي بعده / أعرفتَ ما ضحيتُ أم لم تعرفِ
هو رجعُ أشواقي إليكَ تُعيده / شعراً على النسمات جدَّ مؤلفِ
قالوا جننتَ نعم جُننتث وقد غدا / ذاك الدخيل مضيعيِ ومعنفِّي
لا تنهروني إن ضحكتُ وقد بكى / حولي الربيعُ لغربتيِ وتَعففي
لاتنهروني إن بكيتُ وموطني / نهبٌ لكلِّ مُعربدٍ مُتفلسفِ
لا تنهروني إن شُغلتُ بحبه / رغمَ الجناةِ على دون تأسُّفِ
لا تنهروني إن حلمتُ بكل ما / عانيتُ فيه كأنهُ حظ الوفي
لا تنهروني عند نجواىَ فكم / أهفو لأوصافٍ له لم تُوصفِ
لا تنهروني حين خلتم أنَّنى / أغني بما حولي يَهشُّ وأكتفى
لا تنهروني إن يَلجَّ بي الهوىَ / فطغى كطغيانِ العذول الملحفِ
لا تنهروني إن تبلبل خاطري / فالكونُ من حولي قرينُ تشوفي
لا تنهروني قد رضيتُ تهدمي / وكأنني آثارُ قاعٍ صفصفِ
لا تنهروني وأسألوا عن لوعتي / أمِّي الطبيعةَ في أسىً وتلطُّفِ
لا تنهروني رُبَّ صخرٍ جاثمٍ / يرنو إلىَّ يود لو هو مُسعفيِ
أتوسوسين لنا بسرٍّ قد خبأتِ مدى الشتاء
أتوسوسين لنا بسرٍّ قد خبأتِ مدى الشتاء /
هذى البراعم إذ تُفتَّحُ لا يُخالطها الرياء /
تروى لنا الأزهارُ والأوراقُ من نفح الحياة /
سراً ومن قُبلِ الجمالِ أحب ما تهوى الشفاه /
النحل تفهمها فكيف الناسُ هل معنى الوجود /
لغزٌ يفوت العقلَ إذ يعلو ويُخطئه الصُّعود /
أنا من فهمتكِ بل عشقتكِ إذ أنا شئٌ صغير /
أنا بعضُ هذا النحلِ في شغفى وفي حلمي القرير /
ست من السنوات جاوز عمرهَا
ست من السنوات جاوز عمرهَا / عُمرى بل الأبدَ السحيقَ ورائى
هيهاتَ أغفرُ ما جنتهُ فلمؤها / رَممٌ من الآمالِ والأرزاء
خُلطت كأشلاء الحروبِ وليتها / دُفنت ولم تضحك على أشلائي
وإذا بُعثنَ فما أرى إلاَّ الأذى / فيها وما يُشجى من الأصداءِ
فكأنّما الآمالُ لا بعثُ لها / وكأنما الأرزاءُ دُمنَ إزائي
قالوا يحف بكَ النعيمُ ألا ترى / بعضَ الحنينِ هو الجحودُ لنائي
إن كان فالقلبُ الموزعُ شاردٌ / مثلَ النعامة في رؤى الصحراء
يجرى إلى الماضي فينقله الهوى / فوق النجومِ إلى أحبّ سماءِ
يقتاتُ من إشعاعها وخيالها / ويعودُ بين مجاعةٍ وظَماءِ
لو أستطيع خَنقتها بانأملي / فعلى يَدِى سكبت عزيزَ دِمائي
ست من السنوات كم من لوعةٍ / فيها وكم من رعشةٍ لوفائي
ودمي يسيلُ على بيوت مشاعري / لهفاً وُذكِى النارَ طىَّ رجائي
ما اخترتها طوعاً ولكن غضبةً / للحقِّ والأَحرار والشُّهداءِ
وأظل أعتنقُ الشقاءَ عقيدتي / ما دمتُ ألهمُ أمَّتى بشقائي
مثلي على الحالين جدُّ مُغرَّبٍ / كالنورِ حين تراه عينُ الرائي
لا موطنٌ لي غيرُ موطنِ مُهجتي / فإذا أبوا لم يبقَ غيرُ إبائي
هيهاتَ أرَضى العيشَ بين أذَّلةٍ / خَصُّوا مودَّتهم بكلِّ مُرائي
سأَظَل أرقُبُ صابراً تحريرهم / من هذه الحشراتِ والأدواءِ
وأظل انتحهم بروحٍ حُرةٍ / لم تُخترم بمنافعٍ عرجاءِ
فإذا حييتُ وقدرتني أمتي / وتحررت لبيَّتها بولائي
وإذ مضيتُ إلى الفناء وهبتها / في الغربتينَ هواىَ دون فناء
ما كان هذا اليومُ عيداً يُشتهى / والنفيُ يَلطمُ همَّتي وفدائي
أو كانت الأعمارُ غيرَ مآثرٍ / أو كانت الأيامُ غيرَ بناءِ
شمسُ الربيعِ تبرَّجي وتناسي
شمسُ الربيعِ تبرَّجي وتناسي / إنِّي المعَّذبُ بينَ كلِّ الناسِ
هذى خيوطُكِ في دُعابةِ ساخرٍ / ما مسَّهُ حرقى ولا وسواسي
صادت خيالي صيدَها لعواطفي / ورمت بها وبمهجتي للياسِ
إن ترقصي حولي سناءً عاطراً / بمنىَ الربيعِ الطاهرِ الأنفاس
هَلاَّ ادركرت حُشاشةً محرومةً / أنداءَ مصرَ بسمن فوقَ الآسِ
حباتُهُ كانت عقودَ جواهرٍ / نُثرت وكنَّا الُّزهرَ من جُلاسي
هَلا ادكرتِ ما قسوتِ طفولتي / وشبيبتي حين اشتعلت براسي
هلا ادكرتِ صبابتي وخيالها / في النيلِ بين تثاؤبٍ ونُعاسِ
هلا ادكرت ليالياً طلعت بها / كل النجومِ تحوطُني وتُواسي
هلا ادكرتِ وقد دهشتِ لوحشتي / ما يَفقدُ المهجورُ من إيناسِ
هلا ادكرتِ مباهجاً عاهُدتها / ألاَّ أغيبَ فغبتُ دونَ مواسي
هلا ادكرتِ أزاهراً قد نافست / كل الشموسِ لشاعرٍ حساسِ
هلا ادكرتِ مراتعاً ومناحلاً / ملكت علىَّ جوارحي وحواسي
هلا ادكرت منازلاً بادلتها / حُبَّى وخالطَ جوهَا إحساسي
هلا ادكرت الرمل رفَّ بغيده / والبحرُ لي دَن وقرصكِ كاسي
هلا ادكرتِ تعفُّفي عن حاكمس / وتزلفُّي شرفاً لربِّ الناسِ
هلاُّ ادّكرتِ جميعَ ما ضحيَّتهُ / لأعزَّ مصرَ فضاعَ في الأرماسِ
هَلاُّ ادّكرتِ تهافتي لجلالها / فرُجمتُ من أيديِ العقوقِ القاسي
أولا فكوني كيفَ شئتِ أسَّنةً / وصواعقاً وتخَّطري وتناسي
أمسائل القدر العتيّ محيّرا
أمسائل القدر العتيّ محيّرا / عن أصله ومجاله ومآله
اليوم يغنيك الممات كما مضى / من قبل بالخيام بعد سؤاله
فترى الطلاسم مفصحات مثلما / يتحدث الإشعاع خلف طلاله
وترى الجداول مترعات تنتهي / لبحاره وتعيد كل نواله
وترى الخمائل راقصات للردى / رقص المحب إذا احتفى بوصاله
سر في ركاب المحسنين مخلدا / بالعذب والمأنوس من سلساله
ما كنت تعشق في الحياة ككائن / واليوم تعشق ذائبا بخياله
والناس منهم من يحب لذاته / فهي الجواهر نمقت بخصاله
اشعارهم أرواحهم وخيالهم / في كل بيت عارم بخلاله
وسواهم المستوعبون جمالهم / مرآة دنيا الفن رجع جماله
ما كان معدنهم ممثل شعرهم / فصميمه مرآة غير مثاله
يكفيك ما أسديت من أنس لنا / دون التساؤل عن حدود كماله
وعن الكروم وكيف كان رحيقه / ومدى الأصالة فيه واستقلاله
يكفيك ترديد النداء وحولنا / هذي الموائد للوجود وآله
هشت أطايبها وكم صدف الورى / عنها وكل نائح بخباله
ولو أنهم عقلوا لطافوا حولها / ولهللوا للأنس قبل زواله
ولشاركوها في الحبور بصحبة / وترنموا معها بشعر الواله
ما هذه الدنيا سوى أحلامنا / والحلم مثل أب خفا بعياله
إذهب إلى دنيا الخيال ودع لنا / ما افتنّ شعرك شامخا بجلاله
ودع الجمال مرددا أنفاسه / عبق الربيع يشيع في أذياله
واترك تراثك حيرة وتساؤلا / جيلا فجيلا شاخصا لمحاله
الشاعر القرويّ في تكريمنا
الشاعر القرويّ في تكريمنا / اشمى وأكرم من مقام زعيمنا
علقت به آمالنا وتشبّثت / أحلامنا فاعتدّ رمز صميمنا
أمم العروبة ذاته فصفاته / سير البطولة من عريق كريمنا
هو رائد الآتي ونفحة أمسنا / والثار العاتي على تسليمنا
ما اعتزّت الفصحى بشعر صاغهُ / إلا اعتزاز سمائنا وأديمنا
أو تاهت الأخلاق من أندائه / إلا كتيه النور من تكريمنا
أو بشّت الأديان عند عظاته / غلا لروح مسيحنا وكليمنا
أو هزت الألباب ثورة فنه / إلا وأرضخه إلى تعليمنا
العبقرية بضعة من شخصه / والبضعة الأسمى مدار حلومنا
ما كان ذاك الشعر شعر فصاحة / عزّت فحسب ففيه كل نجومنا
وبه الطبية في جميع فصولها / وبه أحب عبيرنا ونسيمنا
وبه تشبّ لنا هموم جمة / وبه الشفاء لياسنا وهمومنا
من لم يحز ديوانه فكأنه / حرم الجنان ففيه كل نعيمنا
كم متعة لي لا تحد جديدة / وتزيد جدتها يبعث قديمنا
أمم العروبة لو قدرت مكانه / قدست مجد حكيمنا ومديمنا
من غير التاريخ من إيحائه / وأثار نخوتنا برغم رميمنا
الأمة الحكماء قبل جنودها / الخالقو الجنات رغم جحيمنا
ما قيمة الأجناد لا يزجيهم / شرف ولا لهف لغير تخومنا
ولرب شاعر أمة مهضومة / كرشيد عاش ضمين حق عديمنا
هيهات أعدل ثروة بتراثه / وأنا الفقير دون حظ عليمنا
فيم اعتذار النابهين إذا نسوا / للشعر حق إمامنا وحميمنا
نمنا ونام الحاكمون بأمرهم / والغاصبون سعوا إلى تنويمنا
حتى غدونا جاهلين رجالنا / الماهدين ونحتفي يخصيمنا
لا بدع إن جلى تذبذب راينا / وغدا الشعار لنا صياح سقيمنا
واليوم إذ طلع الصباح وإن يكن / فيه الضباب معكرا لشميمنا
ولو أن الوان الجهالة لم تزل / شرعا تقدّس بل ودين بهيمنا
نحني الرؤوس له وإن تك قلة / عزّت ولكنا هداة عميمنا
ونود تكتحل العيون بنوره / أبدا وإن يك مائلا بفهومنا
سيجيء عهد نحتفي شرفا به / كالشمس والجوزاء غب غيومنا
ويسابق الأقوام بعضا بعضهم / ليترجموا الآيات في تقويمنا
شعر كهذا الشعر ذخر للورى / جمعا وإن يحسب تراث زعيمنا
باق نعم أنا في ولائي الباقي
باق نعم أنا في ولائي الباقي / أحيا بوحي جنانيَ الخلاق
ستسير أشعاري مسير عقيدتي / وتدوس فوق صغائر ونفاق
ما عابني طعن الحقير وربما / جازيته بالجم من إشفاقي
من ذا يحد تأملي وتفنني / ويغضّ من ألقي ومن إشراقي
فنّي لفنّي كيف كان ومجده / مجد السمو إلى أعز طباق
سيعيش في الآباد لحن حقائق / أزلية ويرف في الأحداق
أنا ذلك البحر الخضم وإن أكن / بوداعتي كالجدول الرقراق
وسع الجنادل والحياة عوالما / وأبت عوالمه حدود نطاق
وأبيت رق الناس حتى إن نموا / في الرق حين استمرؤوا استرقاقي
هيهات لا أرضى سوى حرّيتي / ثمن الحياة فمن يشد وثاقي
لا مارد يوما ولا متجبر / بمذللي بل لن ينال لحاقي
ليس اعتدادي عن غرور إن يكن / طبعي الغرور وليس عن إملاق
بل عن تفجر رائد إيمانه / لا ينتهي ويزيد بالإنفاق
أبدا يدافع عن مبادئه كما / أبدا يدافع كل حيّ باق
كانت بدايتها ختام زعيم
كانت بدايتها ختام زعيم / ونهاية الإجلال والتكريم
من كان رمز كفاحنا وفخارنا / أمسى أثيما بل وايّ أثيم
قالوا تخلّص من مديحك أمسه / هيهات لست وإن هوى بلئيم
ماضيه ماضي أمتي فأمانتي / وكرامتي ذكراه بالتعظيم
والآن أذرف مدمعي لرثائه / حيّا فما ألقاه غير رميم
وأعاف ذكر زنيمة غالى بها / فهوى من العلياء أيّ زنيم
يا ابن الخصاصة حين تحسب عزة
يا ابن الخصاصة حين تحسب عزة / وابن الكفاح على المدى قهارا
في ظلمة الكوخ الحقير تشربت / روح لك النورا النبيل مرارا
فنشأت كالراعي الشفيق على الورى / تستلهم الآلام والأكدارا
وكدحت طفلا في الحقول وبعدها / في الليل تكدح دارسا صبارا
فإذا نبوغك في الطفولة ساطع / مثل الضحى نورا أغر ونارا
وإذا شبابك في فصاحة مدره / بهر الكبار وملك الإكبارا
وبعثت مندوبا لندوة أمة / قدرت نبوغا فيك لا يتوارى
دافعت فيها عن كرامة من هووا / في الرق واعتنقوا الأذى والعارا
ناديت لن تبقى الغداة حكومة / فخرا وزدت جلاله أعمارا
هيهات غير الحق يخلق قوة / هيهات مهما يخلب الأنظارا
لنطلق الأسرى وهم أخواننا / في الرق قد وجدوا الحياة يوارا
وبلغت أعلى منصب قد زدته / فخرا وزدت جلاله أعمارا
لولا التعصب في الجنوب أثاره / زعماؤه في حمقهم إعصارا
وأبوا سوى الحرب الأثيمة وحدها / ردّا وغير جموحهم أنصارا
فجعلت تحرير العبيد سياسة / وتخذت توحيد البلاد منارا
حتى إذا انتصرت جيوشك لم تعد / إلا زعيم بلادك الغفارا
وأخذت تبني من جديد حظّها / كالغيث يطلع في الربى النوارا
ويدا الرجاء من الرماد كأنه / بعث أعاد خلائقا وديارا
فإذا القضاء مهيئ لك مصرعا / واها له والنصر صار معارا
كلا وكلا ما قتلت لميتة / بل للخلود مكرّرا وجهارا
عمّدت بالدم أيها الفادي لنا / مثلا على الأدهار سوف تجارى
ما أن مظلوم وضحى ماجد / إلا وكنت له لظى وشرارا
ورآك في أحلامه ويقينه / أبدا فهمّ يصارع الجبّار
أهتزّ قربك كالزمان قصيدة
أهتزّ قربك كالزمان قصيدة / يا ليت قلبك كان يدرك ما بيا
وتنضدين قصيدتي كمشاعري / في حين تنتفض الحروف أغانيا
تجري أناملك الرشيقة فوقها / جري النسائم منعشات باليا
يا نبع إلهامي المنوّر دائما / ماذا سكبت بها غنى ومعانيا
في كل لفظ فوق ما حملته / ووهبته فصفا وجاوز روحيا
أتلو سطوري بعدما دبجتها / نبضات قلبي المرقصات خياليا
الباسمات وكنّ قبل بواكيا / والآسيات وكن قبل دواميا
والعاطرات من الجنان وما أرى / إلاك ينفحها العبير الغاليا
والشاعرات وكن أمس جوامدا / والمعجزات المخلدات الفانيا
والراويات من الرحيق عواطفا / نشوى وأحلاما تجدد ماضيا
هذي قصيدتي التي أنكرتها / من قبل عادت لي أحبّ رجائيا
عيدان عيد تحرّر وتفاؤل
عيدان عيد تحرّر وتفاؤل / جم وعيد كرامة لبلادي
بهما أتيه وإن نسيت وأهملت / صحفي وأسعد رغم طول بعادي
شأن المحب إذا جفاه حبيبه / جعل الحنين له عطور وداد
أوّاه من لهفي كأنّ خواطري / حرب عليّ ولسن من أولادي
فارقنني شوقا لمصر وفتنني / من بعدهنّ على البعاد أنادي
من مبلغ وطني الحبيب عواطفي / شتّى تزيد وفاتها تعدادي
كالنبت أغفل فاستثير تطلّعا / ونما ولم يقتله غبن أعادي
ومن النفوس رويّة من مائها / والجدب حول جذورها متمادي
ومن النفوس فقيرةٌ لا تغتني / أبدا وإن رويت فهنّ صوادي
ظمئي إلى وطني ظماء معذّب / فداه لا مستثمر متمادي
فارقته لما حرمت وفاءه / ومنعت من إرشاده برشادي
وجعلت منبري المعلى غربتي / مثل المنارة فوق كل سواد
في حين غصّ بماكرين تذبذوا / عمرا وما زالوا من الأسياد
حسبي ترعرعهم لأوثر غربتي / وشموخهم لأعيش في الأصفاد
ما كنت من يرضى الإهانة صاغرا / ونهايّ ي مجد وقلبي زادي
سأعيش في استقلال روحي نافيا / نفسي إذا ما خانني أندادي
وأفوت للتاريخ ذكري هاديا / إن فات هذا الجيل حق جهادي
بوركت جمهورية لم تمتهن / ما بين إقطاع وبين فساد
عنوانها الشورى ولب لبابها / صون الحقوق وعزّة الأفراد
أغلى تراثك وحدة وعدالة / بهما نمت وسمت أعز بلاد
فلتحفلي بهما وبعد فعيدي / ما شئت أو فدعي حلى الأعياد