المجموع : 36
إيهاً لكِ النُّعْمَى عليّ فأنْعِمي
إيهاً لكِ النُّعْمَى عليّ فأنْعِمي / وبَرِئْتِ من حَرَجِ السلامِ فسلّمي
للّهِ مَوْقِفُ عاشِقٍ ومُعَشَّقٍ / من ظالمٍ منّا ومن مَتظَلِّم
بادرتُ مَوطِىءَ نَعلِهِ حتى إذا / عَفّرْتُ خدّي في الثرى المتنسِّم
اعتَلّ من وَجَناتِهِ فأجالَ في / صحنِ العقيقِ جداولاً من عَندَم
أجرى على ذهَبِيّها عَصْبِيَّهَا / ودَنَا لسَفكِ دَمي بوَردٍ من دَم
يا ذا البَديهَةِ في المقالِ أما كَفَتْ
يا ذا البَديهَةِ في المقالِ أما كَفَتْ / بَدَهَاتُ هذا النّقضِ والإبرام
حُكْمٌ يُجَلّي غيبَ كلّ مُلِمّةٍ / كالشمس تَكشِفُ جِنحَ كلّ ظلامِ
ولذا تَراكَ عيونُنا وقلوبُنا / مثلَ الشّهابِ على سَواءِ الهام
ما أكثرَ الأسْماءَ حِينَ أعُدُّهَا / من ماجِدٍ وسَمَيْذَعٍ وهُمام
فإذا رجَعتَ إلى الحَقيقِ فإنّما / إيّاكَ تَعْني ألسُنُ الأقْوام
فاتُرك لأهلِ الشِّعرِ معنىً واحداً / ممّا تُثيرُ هَواجِسُ الأوهام
فلأنْتَ والصِّيدُ الذين نَمَيتَهُم / من كلّ رَحبِ الباعِ أبلَجَ سام
أهلُ الأصَالَةِ والنّباهةِ والفَصا / حةِ والنُّهَى والفَهْمِ والإفْهام
تمشي البلاغَةُ خلفَكم وأمامَكم / ويَطيبُ ما تَطَؤونَ بالأقدام
وتكادُ تُعشِبُ أرْضُكم بكلامِكم / لو أنّ أرضاً أعشَبَتْ بكلام
من أينَ أُنِكرُ فضْلَكم ولو انّني / كأبي عُبادَةَ أو أبي تّمام
هل من أعِقّةِ عالِجٍ يَبْرِينُ
هل من أعِقّةِ عالِجٍ يَبْرِينُ / أمْ منهما بَقَرُ الحُدوجِ العِينُ
ولِمَنْ لَيالٍ ما ذَمَمْنا عَهدَها / مُذ كُنّ إلاّ أنهُنّ شُجون
المُشرِقاتُ كأنّهُنّ كَواكِبٌ / والنّاعِماتُ كأنّهُنّ غُصُون
بِيضٌ وما ضَحِكَ الصّباحُ وإنّها / بالمِسكِ من طُرَرِ الحِسان لَجون
أدْمى لها المَرجانُ صَفحةَ خدّهِ / وبكَى عليها اللؤلؤ المَكنون
أعْدى الحَمامَ تأوُّهي من بعدها / فكأنّهُ فيما سَجَعْنَ رَنين
بانوا سِراعاً للهَوادجِ زَفْرَةٌ / ممّا رأينَ وللمَطِيّ حَنين
فكأنّما صَبَغوا الضُّحى بقِبابِهِمْ / أو عصْفَرَتْ فيها الخدودَ جُفون
ماذا على حُلَلِ الشّقِيقِ لو انّهَا / عن لابِسِيها في الخدودِ تَبين
لأعَطِّشَنّ الرّوْضَ بعدهُمُ ولا / يُرْوِيهِ لي دَمْعٌ عليه هَتُون
أأُعِيرُ لَحظَ العَينِ بهجةَ منْظَرٍ / وأخُونُهُم إنّي إذاً لَخَؤون
لا الجَوُّ جَوٌّ مُشرِقٌ ولو اكتسَى / زهراً ولا الماءُ المَعينُ مَعين
لا يَبْعَدنّ إذِ العَبيرُ له ثَرى / والبانُ أيْكٌ والشُّموسُ قَطين
أيّامَ فيهِ العَبقرِيُّ مُفَوَّفٌ / والسّابِرِيُّ مُضاعَفٌ مَوضون
والزّاعِبِيّةُ شُرَّعٌ والمَشْرَفي / يَةُ لُمَّعٌ والمُقرَباتُ صُفون
والعَهْدُ من لَمْياءَ إذ لا قومُهَا / خُزْرٌ ولا الحَرْبُ الزَّبونُ زَبون
عَهْدي بذاكَ الجَوّ وهو أسِنّةٌ / وكِناسِ ذاكَ الخِشْفِ وهو عَرين
هل يُدْنِينّي منه أجْرَدُ سابحٌ / مَرِحٌ وجائلةُ النُّسوعِ أمُون
ومُهَنّدٌ فيهِ الفِرنْدُ كأنّهُ / ذِمْرٌ لَهُ خَلفَ الغِرار كَمين
عَضْبُ المضارب مُقفِرٌ من أعينٍ / لكنّهُ من أنْفُسٍ مَسْكُون
قد كان رَشْحُ حَديدِهِ أجْلى وما / صاغَتْ مضاربَهُ الرّقاقَ قُيون
وكأنّما يَلْقَى الضريبَةَ دونَهُ / بأسُ المُعِزِّ أو اسمه المخزون
هذا معدٌّ والخلائق كلها / هذا المعز متوَّجاً والدّين
هذا ضميرُ النّشأةِ الأولى الّتي / بَدَأ الإلهُ وغَيبُها المكنون
من أجل هذا قُدّرَ المقدورُ في / أمّ الكِتابِ وكُوّنَ التكوين
وبذا تلقّى آدمٌ منْ رَبّهِ / عَفْواً وفاءَ ليُونُسَ اليَقطين
يا أرضُ كيفَ حملتِ ثِنْيَ نجادهِ / والنصرُ أعظَمُ منكِ والتّمكين
حاشا لما حُمِّلتِ تَحمِل مثلَهُ / أرضٌ ولكِنّ السماءَ تُعين
لو يَلتَقي الطّوفانُ قبلُ وَجوُدُه / لم يُنْجِ نُوحاً فُلْكُهُ المشْحون
لو أنّ هذا الدهرَ يبطُشُ بَطشَهُ / لم يَعقُبِ الحركاتِ منْهُ سُكُون
الرّوضُ ما قدْ قِيلَ في أيّامِهِ / لا أنّهُ وَردٌ ولا نِسْرين
والمسكُ ما لَثَمَ الثرى من ذكرهِ / لا أنّ كلّ قرارةٍ دارين
مَلِكٌ كما حُدِّثتَ عنه رأفَةٌ / فالخمرُ مَاءٌ والشراسَةُ لِين
شِيَمٌ لوَ انّ اليّمّ أُعطِيَ رِفْقَها / لم يَلْتَقِم ذا النُّونِ فيهِ النُّون
تاللّهِ لا ظُلَلُ الغَمام مَعاقِلٌ / تأبَى عليهِ ولا النجومُ حُصونُ
ووراء حقّ ابن الرّسولِ ضَراغِمٌ / أُسْدٌ وشهْباءُ السّلاح مَنونُ
الطّالبانِ المشْرَفِيّةُ والقَنَا / والمُدرِكانِ النّصْرُ والتّمكين
وصواهلٌ لا الهَضْبُ يومَ مَغارها / هَضْبٌ ولا البِيدُ الحُزون حُزون
حيثُ الحَمامُ وما لهُنّ قَوادِمٌ / وعلى الرُّيود وما لهُنّ وُكون
ولهنّ من ورَق اللجيَنِ تَوَجُّسٌ / ولهنّ من مُقَلِ الظّباء شُفون
فكأنّها تحتَ النُّضارِ كواكِبٌ / وكأنّها تحْتَ الحَديدِ دُجون
عُرِفَتْ بساعَةِ سَبْقِها لا أنّها / عَلِقَتْ بها يومَ الرِّهانِ عُيون
وأجَلُّ عِلمِ البرْق فيها أنّها / مَرّتْ بجانِحَتَيْهِ وهي ظُنونُ
في الغيْثِ شبِهٌ من نَداكَ كأنّما / مسَحَتْ على الأنواءِ منك يَمين
أمّا الغِنى فهو الّذي أولَيْتَنَا / فكأنّ جودَكَ بالخُلودِ رَهين
تَطَأُ الجِيادُ بِنا البُدورَ كأنّها / تحتَ السّنابكِ مَرمَرٌ مَسنون
فالفَيْءُ لا مُتَنَقِّلٌ والحوضُ لا / مُتَكَدِّرٌ والمَنُّ لا مَمنون
انْظُرْ إلى الدنْيا بإشفاقٍ فَقَدْ / أرخَصْتَ هذا العِلْقَ وهو ثَمين
لو يستطيعُ البَحْرُ لاستَعدَى على / جَدْوَى يَدَيكَ وإنّهُ لَقَمِين
أمْدِده أو فاصْفَحْ له عَنْ نَيْلِهِ / فلقد تَخَوّفَ أن يُقالَ ضَنين
وَأْذَنْ له يُغْرِقْ أُمَيّةَ مُعْلِناً / ما كلُّ مأذونٍ له مأذون
واعْذِرْ أُمَيّةَ أن تَغَصّ بريقها / فالمُهْلُ ما سُقِيَتْهُ والغِسلين
ألقَتْ بأيدي الذُّلّ مُلقى عَمرِها / بالثّوْبِ إذ فَغَرَتْ له صَفِّين
قد قادَ أمرَهُمُ وقُلّدَ ثَغرَهُمْ / منهم مَهينٌ لا يكادُ يُبين
لتُحكِّمنّكَ أو تزايلُ مِعْصَماً / كَفُّ ويشخُبُ بالدماء وتَين
أوَلم تَشُنّ بها وقائعَكَ الّتي / جفَلَتْ وراءَ الهندِ منها الصّين
هل غير أُخرى صَيلَمٌ إنّ الذي / وقّاكَ تلك بأُختِها لَضَمين
بل لو سرَيْتَ إلى الخليجِ بعَزْمَةٍ / سَرتِ الكواكبُ فيه وهي سَفين
لو لم تكُنْ حزْماً أناتُكَ لم يكنْ / للنّار في حجَرِ الزّنادِ كُمون
قد جاءَ أمْرُ اللّهِ واقترَب المَدَى / من كُلّ مُطَّلَعٍ وحانَ الحين
وَرَمَى إلى البَلَدِ الأمينِ بطَرْفِهِ / ملِكٌ على سِرّ الإلهِ أمِين
لم يَدْرِ ما رَجْمُ الظّنونِ وإنّما / دُفِعَ القضاء إليْهِ وهو يقين
كذبتْ رِجالٌ ما ادعتْ من حقّكم / ومن المَقال كأهْلِهِ مأفون
أبَني لؤيٍّ أينَ فَضْلُ قديمِكم / بل أينَ حِلْمٌ كالجِبالِ رَصين
نازَعْتُمُ حَقّ الوصيّ ودونَهُ / حَرَمٌ وحِجْرٌ مانِعٌ وحَجون
ناضَلتُموهُ على الخِلافةِ بالّتي / رُدّتْ وفيكمُ حَدُّهَا المسنونُ
حرّفتُموها عن أبي السبطَينِ عنْ / زَمَعٍ وليس من الهِجانِ هَجين
لو تَتّقُونَ اللّهَ لم يَطمَحْ لها / طَرْفٌ ولم يَشْمَخْ لها عِرْنين
لكنّكُم كنتم كأهْلِ العِجلِ لم / يُحْفَظْ لموسى فيهمُ هَرُون
لو تَسألونَ القَبرَ يومَ فَرِحْتُمُ / لأجابَ أنّ محمّداً محزون
ماذا تُريدُ من الكِتابِ نَواصِبٌ / ولهُ ظُهورٌ دونها وبُطون
هي بغْيَةٌ أضْلَلْتُموها فارْجِعوا / في آلِ ياسِينٍ ثَوَتْ ياسِين
رُدّوا عليهِم حُكمَهُم فعليهمُ / نَزَلَ البيَانُ وفيهمُ التّبيين
البيتُ بيْتُ اللّهِ وهو مُعَظَّمٌ / والنّورُ نورُ اللّهِ وهو مُبين
والسِّترُ سترُ الغيْبِ وهو مُحجَّبٌ / والسِّرُّ سرُّ الوَحي وهو مَصون
النّورُ أنتَ وكلُّ نُورٍ ظُلْمَةٌ / والفَوْقُ أنْتَ وكلُّ فَوقٍ دون
لو كان رأيُكَ شايِعاً في أُمّةٍ / عَلِموا بما سيَكونُ قبلَ يكونُ
أو كان بشُرك في شعاع الشمس لم / يُكسَفْ لها عند الشُروقِ جَبِين
أو كان سُخطُك عدوةً في السمّ لم / يَحْمِلْهُ دونَ لَهاتِهِ التَّنّين
لم تَسكُنِ الدّنيا فُواقَ بَكِيّةٍ / إلاّ وأنْتَ لخوفِها تأمين
اللّهُ يقبَلُ نُسكَنا عنّا بما / يُرْضِيكَ من هَدْيٍ وأنت معُين
فَرْضانِ من صوْمٍ وشُكرِ خليفةٍ / هذا بهذا عندنا مَقْرونُ
فارْزُق عبادَك منكَ فضْلَ شفاعةٍ / واقرُبْ بهمْ زُلْفَى فأنتَ مَكين
لك حَمدُنا لا أنّه لك مَفْخَرٌ / ما قَدْرُكَ المنثور والموزون
قد قالَ فيكَ اللّهُ ما أنا قائِلٌ / فكأنّ كُلّ قَصِيدَةٍ تَضْمين
اللّهُ يعلَمُ أنّ رأيَكَ في الوَرى / مأمونُ حَزْمٍ عندَهُ وأمين
ولأنتَ أفضَلُ من تُشيرُ بجاهِهِ / تحتَ المِظَلّةِ بالسلام يمين
مُتَهَلِّلٌ والبَدْرُ فوْقَ جَبِينهِ
مُتَهَلِّلٌ والبَدْرُ فوْقَ جَبِينهِ / يَلقاكَ بِشْرُ سَماحِهِ من دُونِهِ
والدّينُ والدّنْيا جَميعاً والنّدَى / والبأسُ طَوْعُ شمالِهِ ويمِينِهِ
كالمَشرَفيّ العَضْبِ شاعَ فِرِنْدُهُ / وجَلَتْ مضارِبَهُ أكُفُّ قُيونهِ
جَذْلانُ فالآدابُ في حَركاتِهِ / والحِلمُ في إطراقِهِ وسُكونهِ
بادي الرّضا وحَذارِ منه مُعاوِداً / غَضَباً يُريكَ الموتَ بين جُفونِه
ومُصَمِّمٌ لو يَنتحي بلِوائِهِ / رَيْبَ المَنونِ لكان رَيبَ مَنونه
لِينٌ تُساسُ بهِ الخُطوبُ وشِدّةٌ / والنّصْلُ شدّةُ بأسه في لِينه
ومُقارِبٌ فيما يرُومُ مُباعِدٌ / أعيا لبيبَ القَومِ جَمُّ فُنونهِ
يَجلو لهُ الغيبَ المستَّرَ هاجِسٌ / ثَقِفُ النّباهَةِ ظَنُّهُ كَيقينه
حُلْوُ الشمائلِ ما اكتَفَينَ بَراعَةً / بالحُسْنِ حتى زِدْنَ في تحسينِه
فإذا اشْرَأبّ إلى القَصِيدِ فدَرُّهُ / مكنونُ دُرٍّ ليس من مكنونهِ
غْيثُ العُفاةِ تَلُوذُ منه وفُودُهمْ / بأخي السّماحِ وخِلّهِ وخَدينِه
لو يستطيع هَدى الرّكابَ لقَصْدها / وأنارَ ليلَ الرَّكبِ ضوءُ جبينه
لا يَنُدبُ الآمالَ آمِلُهُ ولم / تَحْلَكْ لِنائبةٍ وجوهُ ظنونه
عَزّ النّدَى بك والرّجاءُ وأهلُهُ / وأهَنتَ وَفرَكَ فاستَعاذَ لِهُونه
لِتَدُمْ خُلوداً وليَدُمْ لكَ جَعفرٌ / في عِزّ سُؤدَدِهِ وفي تمكينهِ
لا يَبْعَدَنْ بادي الصّبابةِ مُغْرَمٌ / حَنّتْ كواكبُ ليلهِ لحَنينه
يَرعاكَ والأرضُ الأريضَةُ دونَهُ / من بِيدِهِ وسُهولِهِ وحُزونه
بَهِجٌ بتأييدِ الإلهِ ونَصرِهِ / صَبٌّ إليكَ مُوَلَّعٌ بشجونه
مَلِكٌ أعَزُّ يُلاثُ ثِنْيُ نجادِهِ / بجَديرِهِ في يَعْرُبٍ وقَمينهِ
بهِزَبْرِ هذا الناس وابنِ هِزَبرِهم / وأمينِ هذا الملك وابنِ أمينهِ
تلقاهُ بالإقدام مُدّرِعاً فمنْ / مسرودِ ماذِيٍّ ومن مَوضونِه
سائِلْ وُلاةَ النَّكثِ كيف قُفولُهُ / عنهم وكيفَ إيابُ أُسْدِ عَرينه
يَسري له لجِبٌ كأنّ زُهَاءهُ / آذِيُّ بحْرٍ يَرتَمي بسفِينِهِ
أنحَى لهمْ خَطّيَّةُ فتَهافَتَتْ / مُهَجاتُهُمْ تَستَنُّ من مَسنونه
وابتَزّ مالَهُمُ ومُلكَهُمُ وقدْ / لحظتْهُ خُزْراً كالِئاتُ عُيونهِ
يا رُبّ بِكْرٍ من ليالي حَرْبِهِ / فيهم يُعَدُّ مِثالُها من عُونه
غَزْوٌ رَمَى صُمَّ الجِبالِ بعزمِهِ / حتى ألانَ متونَها بمُتونِهِ
يا أيّها المُوفي بغُرّةِ ماجِدٍ / تَسري بِغبِّ السّعدِ غبَّ دُجونه
أوْسَعْتَ عبدَك من أيادٍ شُكرُهَا / حظّانِ من دنيا الشَّكور ودينه
في حين لم يَعدِلْ نَداكَ ندَى يدٍ / لكِنْ صَبيرُ المُزْنِ جاء لحِينه
من وَبْلِهِ وسَكْوبهِ ومُلِثّهِ / وسَفُوحِهِ ودَلوحِهِ وهَتونه
لم يَشْفِ جَهْدُ القولِ منْهُ وإنّني / رَهْنٌ بهِ وكفيلُهُ كرهِينِهِ
حُزْتَ الكمالَ ففيكَ معنىً مُشكلٌ / يَنْبو بيانُ القوْلِ عن تَبيينه
أقسَمتُ بالبيتِ العتيقِ وما حوَتْ / بَطحاؤهُ من حِجرِهِ وحَجونِه
ما ذاكَ إلاّ أنَّ كونَكَ ناشِئاً / سَببٌ لهذا الخلقِ في تكوينِهِ
الشمسُ عنْهُ كليلَةٌ أجفانُها
الشمسُ عنْهُ كليلَةٌ أجفانُها / عَبرَى يَضِيقُ بسرّها كِتمانُها
لو تستطيعُ ضِياءَهُ لَدَنَتْ لهُ / يَعْشو إلى لَمَعانِهِ لَمَعانُها
وأُريكَها تَخْبو على بُرَحائِها / لم تَخْفَ مُذْعِنَةً ولا إذعانُها
إيوانُ مَلْكٍ لو رأتْهُ فارسٌ / ذُعِرَتْ وخَرّ لسَمكِهِ إيوانها
واستعظَمَتْ ما لم يُخلِّدْ مثلَهُ / سابورُهَا قِدْماً ولا ساسانُها
سجَدَتْ إلى النيرانِ أعصُرَها ولو / بَصُرَتْ به سَجَدَتْ له نيرانُها
بل لو تُجادلُها بهِ ألبابُها / في اللّه قامَ لحُسنِهِ بُرهانُها
أوَما ترى الدّنْيا وجامعَ حُسنْهِا / صُغرى لديه وهي يعظُمُ شانها
لولا الذي فُتِنَتْ به لاستعْبَرَتْ / ثكلى تَفُضُّ ضُلوعَها أشجانها
خَضِلُ البشاشةِ مُرْتَوٍ من مائها / فكأنّهُ متَهَلِّلٌ جَذْلانُها
يَنْدى فتنْشأُ في تَنَقُّلِ فَيْئِهِ / غُرُّ السحائبِ مُسبِلاً هَطَلانها
وكأنّ قُدسَ ويذبُلاً رَفَدا ذُرَى / أعلامِهِ حتى رَسَتْ أركانُها
تَغدو القصورُ البِيضُ في جَنَباتِهِ / صُوْراً إليه يَكِلُّ عنه عِيانُها
والقُبةُ البَيضاءُ طائِرَةٌ بهِ / تَهوي بمُنخَرقِ الصَّبا أعنانُها
ضُرِبَتْ بأرْوِقَةٍ تُرَفرِفُ فوقَها / فهوى بفُتْخِ قوادم خَفقَانها
عَلياءُ مُوفِيَةٌ على عَليائِهِ / في حيْثُ أسلَمَ مُقلَةً إنسانُها
بُطْنانُها وَشيُ البُرودِ وعَصْبُها / فكأنّما قوهِيُّها ظُهرْانها
نِيطَتْ أكاليلٌ بها مَنظومَةٌ / فغَدا يُضاحِكُ دُرَّها مَرجانُها
وتَعرّضَتْ طُرَرُ السُّتورِ كأنّها / عذَباتُ أوشِحَةٍ يروقُ جُمانها
وكأنّ أفوافَ الرّياضِ نُثِرْنَ في / صَفَحَاتِها فَتَفَوّفَتْ ألوانُها
فأدِرْ جُفونَكَ واكتحِلْ بمناظِرٍ / غَشّى فِرندَ لُجَيْنِها عِقْيانها
لِترى فنونَ السحْرِ أمثِلةً وما / يُدري الجَهولَ لَعَلّها أعيانُها
مُستَشرِفاتٍ من خُدورِ أوانِسٍ / مصفوفَةٍ قد فُصّلتُ تِيجانها
مُتَقابِلاتٍ في مَراتِبِها جَنَتْ / حرْباً على البِيضِ الحِسانِ حسانها
فاخلَعْ حميداً بينها عُذْرَ الصِّبا / ولُيبْدِ سِرَّ ضمائِرٍ إعلانُها
وحَباكَها كِلفُ الضُّلوع بحسنها / رَيّانُ جانحةٍ بها مَلآنها
تُسْلي المُحِبَّ عن الحبيبِ وتجتَني / ثمرَ النفوس مُحَرَّماً سُلْوانُها
رَدّتْ على الشّعراء ما حاكَتْ لها / غُرُّ القوافي بِكرُهَا وعَوانُها
وأتَتْ تُجَرِّرُ في ذيولِ قصائدٍ / يكفيكَ عن سِحْرِ البَيان بيانها
أعْيَتْ لَبيباً وهي مَوقِعُ طَرْفِهِ / فقَضَى عليه بجهلِهِ عرفانُها
إبراهِمِيّةُ سُودَدٍ تُعزَى إلى / نَجْرِ الكِرامِ جِنانُها ومَعانُها
فكأنّهُ سيفُ بنُ ذي يَزَنٍ بها / وكأنّها صَنعاءُ أو غُمدانها
سُحِبَتْ بها أردانُه فتَضَوّعَتْ / عَبَقاً بصائِكِ مِسكِهِ أردانُها
وكأنّما لَبِسَتْ شَبيبَتَهُ وقَدْ / غادى النّدَى متهَلِّلاً رَيعانها
وكأنّما الفِرْدَوسُ دارُ قرارِهِ / وكأنّ شافعَ جودِهِ رِضْوانها
أبدَتْ لَمرآكَ الجَليلِ جَلالَةً / يعلو لمكرمةٍ بذاك مَهانها
وهَفَتْ جوانبُها ولولا ما رَسا / من عبء مجْدكَ ما استقَرّ مكانها
ولَنِعْمَ مَغنى اللهوِ تَرأمُ ظِلَّه / آرامُ وَجْرَةَ رُحْنَ أو أُدْمانها
ونخالُها صَفراء عارَضَتِ الدُّجى / وسَرَتْ فنادَمَ كوكباً نَدمانُها
قدُمتْ تُزايلُ أعصُراً كَرّتْ على / حَوبائِها لمّا انقَضَى جُثمانها
وأتتْ على عهدِ التّبابعِ مُدّةً / غَضّاً على مَرّ الزّمانِ زمانها
يَمَنِيّةُ الأرْبابِ نجرانيّةُ ال / أنسابِ حيثُ سَمَتْ بها نَجرانُها
أو كِسْرَويّةُ مَحتدٍ وأرومةٍ / شَمطاءُ يُدعَى باسمِها دِهقانُها
أو قَرقَفٍ ممّا تنشّى الرّومَ لا / نَشَواتُها ذُمّتْ ولا نَشوانُها
كان اقتناها الجاثلِيقُ يُكِنُّهَا / ويَصُونُ دُرّةَ غائصٍ صَوّانها
في مَعشرٍ من قومه عَثَرَتْ بهم / نُوَبُ الزّمانِ فغالَهم حِدثانها
كرُمَتْ ثَرىً متأرِّجاً وتوسّطتْ / أرضَ البَطارقِ مُشرِفاً أفدانها
لم يُضرِموا ناراً لهَيبتِها ولمْ / يَسطَعْ بأكنافِ الفَضاء دُجانها
فكأنّ هيكَلَها تَقَدّمَ رايَةً / وكأنّ صَفّ الدّارعينَ دِنانُها
غَنِيَتْ تطوفُ بها ولائدُهمْ كما / طافَتْ برَبّاتِ الحِجالِ قِيانها
قد أُوتِيَتْ من عِلمِهمْ فكأنّها / أحبارُ تلك الكُتبِ أو رُهبانها
جازتْهُمُ تَرْمَدُّ في غُلَوائِها / فتُخُرّموا وخَلا لها مَيدانُها
فكَلَتْكَ ناجودٌ تديرُ كؤوسَها / هِيفٌ تُجاذبُ قُضْبَها كُثبانها
من قاصراتِ الطَّرْفِ كلّ خريدةٍ / لم يأتِ دونَ وِصالها هِجرانُها
لم تَدْرِ ما حَرُّ الوَداعِ ولا شجَتْ / صَبّاً بمُنْعَرَجِ اللوى أظعانها
قد ضُرّجَتْ بدم الحياء فأقبلتْ / متظلّماً من وَردها سُوسانها
تشكو الصِّفادَ لبُهْرِها فكأنّما / رَسَفَانُ عانٍ دَلُّها رَسَفانها
سامتْهُ بعضَ الظلم وهي غريرةٌ / لا ظُلمُها يُخْشَى ولا عُدوانها
فأتَتْهُ بين قَراطِقٍ ومَناطِقٍ / يُثْنى على سِيَرائِها خَفْتانها
وإذا ارتمَتْهُ بما تَريشُ ومُكّنَتْ / فأصابَ أسْودَ قلْبِهِ إمكانُها
لم تَدْرِ ما أصْمَى المليكَ أنَزْعُها / بسديدِ ذاك الرّمْي أو حُسبانها
في أريَحِيّاتٍ كرَيْعانِ الصِّبَا / حَركاتُها وعلى النُّهى إسْكانها
ولئن تَلَقّيْتَ الشّبابَ وعَصْرَهُ / بالمُلْهِياتِ فَعَصْرُها وأوانها
ولئن أبَتْ لك خفْضَ ذاكَ ولِينَهُ / نفسٌ كهَضْبِ عَمايَتينِ جَنانها
فلقبلَما أسْلتْكَ عن بِيض الدُّمى / بِيضٌ تُكسَّرُ في الوغى أجفانها
وضرائبٌ تُنبي الحُسامَ مَضارِباً / أردَتْ شَراسَتُها فخِيفَ لِيانُها
وأُبُوّةٌ هجَرَتْ مَقاصِرَ مُلكِها / فكأنّمَا أسْيافُها أوطانُها
قَوْمٌ هُمُ أيّامُهُمْ إقدامُها / وجِلادُها وضِرابُها وطِعانُها
وإذا تَمَطّرَتِ الجِيادُ سَوابِقاً / فبهم تَكَنُّفُها وهم فُرسانها
وإذا تَحَدّوْا بَلْدَةً فبِزَأرِهِم / صَعَقاتُها وببَأسِهِمْ رَجَفانُها
آلُ الوَغى تَبدو على قَسَماتهمْ / أقْمارُهَا وتحفُّهُمْ شُهبانُها
يَصْلَونَ حرَّ جحيمها إن عرّدَتْ / أبطالُها وتَزَاورَتْ أقرانها
جُرْثومَةٌ منها الجِبالُ الشُّمُّ لم / يُغْضَضْ متالِعُها ولا ثَهلانُها
رُدّتْ إليك فأنتَ يعرُبُها الذي / تُعْزَى إليه وجعْفَرٌ قَحطانها
فافخَرْ بتيجانِ المُلوكِ ومُلكِها / فلأنتَ غيرُ مُدافَعٍ خُلصانُها
ألِفَ النّدَى دَأباً عليه كأنّهُ / رَتْكُ المَطِيِّ إليهِ أو وَخَدانها
غَفّارُ مُوبِقَةِ الجَرائم صافحٌ / وسَجِيّةٌ من ماجِدٍ غُفرانها
شيم إذا ما القول حن تبرعت / كرماً فأسجح عطفها وحنانها
إنّي وإن قصّرْتُ عن شكريه لم / يَغْمَطْ لَدَيّ صنيعَةً كُفرانها
كنتُ الوليدَ فلم يُنازِعْهُ بنو / خاقانَ مكرمةً ولا خاقانها
مِنَنٌ كباكِرَةِ الغَمامِ كفيلةٌ / بالنُّجْحِ موقوفٌ عليه ضَمانها
يا وَيْلَتَا منّي عليّ أمُخْرِسي / إحسانُها أو مُغرِقي طُوفانها
ما لي بها إلاّ احتراقُ جوانحي / يُدني إليك ودادَها حَرَّانها
دامَتْ لنا تلك العُلى متَفَيّئاً / أظْلالُهَا مُتَهَدّلاً أفنانها
واسلَمْ لغَضّ شبيبَةٍ ولدولَةٍ / عَزّتْ وعَزّ مؤيَّداً سلطانها
كُفّي فأيَسرُ من مَرَدِّ عِنَاني
كُفّي فأيَسرُ من مَرَدِّ عِنَاني / وَقْعُ الأسِنّةِ في كُلَى الفُرْسانِ
ليسَ ادّخارُ البَدْرَةِ النّجلاءِ من / شِيَمي ولا مَنعُ اللُّهَى من شاني
هلْ للفتى في العَيشِ مِن مَندوحَةٍ / إلاّ اصطِفاءُ مَوَدّةِ الإخْوانِ
وإذا الجوادُ جرَى على عاداتِهِ / فَذَرِ الجوادَ وغايَةَ المَيدانِ
لا أرهَبُ الإعدامَ بَعدَ تَيَقُّني / أنّ الغِنى شَجَنٌ منَ الأشجانِ
مَلأتْ يَدي دَلْوي إلى أوذامِها / وأعَرْتُ للعافي قُوَى أشطاني
ولقد سمعتُ اللّهَ يندُبُ خَلْقَهُ / جَهْراً إلى الإفضالِ والإحسانِ
وإذا نَجا من فتنَةٍ الدّنيا امرُؤٌ / فكأنّما يَنجو من الطُّوفَانِ
يَأبَى ليَ الغدرَ الوَفاءُ بذِمّتي / والذَّمَّ آبَاهُ كما يأبَاني
إنّي لآنَفُ أنْ يَميلَ بي الهَوَى / أوْ أن يَراني اللّهُ حَيثُ نَهاني
حِزْبُ الإمامِ منَ الوَرَى حِزْبي إذا / عُدّوا وخُلصانُ الهدَى خُلصاني
لا تَبعَدَنَّ عِصابَةٌ شيعِيّةٌ / ظَفِرُوا ببغيَتِهمْ منَ الرّحمَنِ
قوْمٌ إذا ماجَ البرِيّةُ والتَقَى / خَصْمانِ في المعَبودِ يختَصِمَانِ
تركوا سُيُوفَ الهندِ في أغمادِها / وتَقَلّدُوا سَيفاً منَ القرآنِ
عقَدوا الحُبَى بصُدورِ مجْلسهمْ كمنْ / عَرَفَ المُعِزَّ حَقيقَةَ العِرفْانِ
قد شرّفَ اللّهُ الوَرَى بزَمانِهِ / حتى الكَواكبُ والوَرَى سِيّانِ
وكَفَى بمنْ ميراثُهُ الدّنيا ومَن / خُلِقَتْ لهُ وعَبيدُهُ الثَّقَلانِ
وكَفَى بشيعَتِهِ الزّكيّةِ شِيعَةً / وكَفَى بهم في البرّ من صِنْوانِ
عُصِمتْ جَوارِحهم من العدوَى كما / وُقيَتْ جَوانحُهُمْ منَ الأضغان
قد أُيّدوا بالقُدْسِ إلاّ أنّهُمْ / قد أُونِسوا بالرَّوحِ والرَّيحانِ
للّهِ دَرُّهُمُ بحيثُ لَقيتُهُم / إنّ الكِرامَ كَريمَةُ الأوْطانِ
يَغشَوْنَ ناديَ أفْلَحٍ فكأنّما / يَغشَوْنَ رَبَّ التّاجِ من عَدنانِ
حَيَّوا جَلالَةَ قَدرِهِ فكأنّما / حَيَّوا أمينَ اللّهِ في الإيوانِ
يَرِدونَ جَمّةَ عِلْمِهِ ونَوالِهِ / فكأنّهمْ حَيثُ التَقَى البَحرانِ
حُفّتْ بِهِ شُفعاؤهمْ واستَمطَرُوا / مِنْ جانِبَيهِ سَحائبَ الغُفرانِ
ورأوْهُ من حيثُ التَقَتْ أبصارُهمْ / مُتَصَوَّراً في صورةِ البُرْهانِ
تَنْبُو عقولُ الخَلْقِ عن إدراكِهِ / وتكِلُّ عنهُ صَحائحُ الأذهانِ
تَستَكْبِرُ الأملاكُ قبلَ لِقائِهِ / وتَخِرُّ حينَ تَراهُ للأذْقانِ
أبلِغْ أميرَ المؤمنينَ على النّوَى / قَوْلاً يُريهِ نَصيحتي ومكاني
إنّ السّيوفَ بذي الفَقارِ تشَرّفَتْ / ولَقَلَّ سَيفٌ مثلُ أفلَحَ ثانِ
قد كنتُ أحسبُني تَقَصّيتُ الوَرَى / وبَلَوْتُ شِيعَةَ أهلِ كلّ زَمانِ
فإذا مُوالاةُ البَرِيّةِ كُلّها / جُمِعَتْ لهُ في السّرّ والإعلانِ
وإذا الذينَ أعُدُّهمْ شِيَعاً إذا / قِيسُوا إليهِ كعُبَّدِ الأوْثانِ
نُضِحَتْ حرارَةُ قَلبِهِ بمَوَدّةٍ / ضَرَبتْ علَيهِ سُرادِقَ الإيمانِ
وحَنا جَوانحَ صَدرِهِ مَملوءةً / عِلماً بما يأتي منَ الحِدْثان
يَتَبَرّكُ الرّوحُ الزّكيُّ بقُرْبِهِ / نُسْكاً ويُرْوي مُهجَةَ الهَيمانِ
أمُعِزَّ أنصارِ المُعزّ من الوَرَى / والمُنزِلُ النُّصّابَ دارَ هَوانِ
بكَ دانَ مُلْكُ المشرقينِ وأهلُهُ / وأنابَ بَعدَ النّكثِ والخُلعانِ
إنّا وَجَدْنا فَتْحَ مصرٍ آخِراً / لكَ ذِكرُهُ في سالِفِ الأزْمانِ
فبعزْمكَ انهَدّتْ قُوَى أركانِها / وبقُرْبكَ امتدّتْ إلى الإذْعانِ
وَطّأتَ بالغاراتِ مَركَبَ عِزّها / والجيشَ حتى ذَلّ للرُّكْبانِ
فإلَيكَ ينُسَبُ حيثُ كنتَ وإنّما / فخرُ الصُّلِيِّ لقادِحِ النّيرانِ
عَصَفتْ على الأعرابِ منكَ زَعازعٌ / سَفَكَتْ دَمَ الأقرانِ بالأقرانِ
ما قَرّ أعيُنُ آلِ قُرّةَ مُذ سُقُوا / بكَ ما سُقُوهُ منَ الحَميمِ الآني
وقَبيلَةً قَتّلْتَها وقَبيلَةً / أثكَلْتَها بالبَرْك في الأعطانِ
أخْلى البُحيرَةَ منهُمُ والبِيدَ مَا / خَسَفَ الصّعيدَ بشِدّةِ الرَّجفَانِ
فشغَلْتَ أهلَ الخَيمِ عن تَطنيبِها / وأسَمتَهُم شَرْداً معَ الظُّلمانِ
وَسَمتْ إلى الواحاتِ خَيلُكَ ضُمَّراً / حتى انتَهَتْ قُدُماً إلى أُسْوانِ
قد ظاهَرُوا لِبَدَ الدّرُوعِ عليهِمُ / وتأجّمُوا أجَماً منَ الخِرْصانِ
وغَدَوْا حَوالَيْ مُتْرَفٍ لا يَنثَني / عَلَماهُ عَن إنْسٍ وَلا عن جانِ
فكَأنّ دينَكَ يوْمَ أرْدى كُفرَهُ / أجَلٌ بَطَشتَ لهُ بعمرٍ فانِ
وكأنّ أسرابَ الجِيادِ ضُحىً وقَد / خَفّتْ إليهِ كَواسِرُ العِقبانِ
عطَفَتْ علَيهِ صدورَها وكأنّما / عَطَفَتْ على كِسرَى أنُوشروانِ
وكأنّما البَرّاضُ صَبّحَ أهلَهُ / وكأنّهنّ هَجائنُ النّعمانِ
ظَلّتْ سيوفُكَ وهيَ تأخُذُ روحَه / كالنّارِ تَلفَحُهُ بغيرِ دُخانِ
حكَمَتْ بسَعدِ المُشتري لك ساعةٌ / حكَمَتْ لهُ بالنَّحسِ من كيوانِ
فأتَى جُيوشَكَ إذْ أتَتْهُ كأنّهُ / رَكضْاً إلَيها طالبٌ لرِهانِ
فعَجِبتُ كيفَ تخالَفَ القَدَرانِ في / عُقْباهُما وتَشابَهَ الأمَلانِ
رُعْتَ الأوابِدَ في الفَدافِدِ فجأةً / بعَجارِفِ الرَّدَيانِ والوَخَدانِ
وتَعَوّذَ الشّيطانُ منكَ وكَيدُهُ / لمّا ذَعَرْتَ جزيرَةَ الشّيْطانِ
سارَتْ جِيادُكَ في الفَلا سَيرَ القَطا / يحمِلْنَ ظُلْماناً على ظُلْمانِ
ضَمّنْتَ صَهْوَةَ كلّ طِرْفٍ مثلَهُ / وحَمَلتَ سِرْحاناً على سِرْحانِ
في مَهْمَهٍ ما جابَهَ الرُّكْبانُ مُذْ / طُرِدَتْ منَ الدّنيا بَنو مَرْوانِ
لوْ سارَ فيهِ الشَّنْفَرَى فِتراً لَمَا / حَمَلَتْهُ في وَعْسائِهِ قَدَمانِ
يَجْتَبْنَ كلّ مُلَمَّعٍ بالآلِ ما / للجِنّ بالتّعريسِ فيهِ يَدانِ
خُضْنَ الظّلامَ إلَيهِ ثمّ اجْتَبْنَهُ / ومَرَقنَ من سِجفَيْهِ كالحُسبانِ
فأتَيْنَهُ من حيثُ يأمَنُ غِرّةً / مَنْ لامرىءٍ من دَهرِه بأمانِ
كَم غُلْنَ من مُستَكبِرٍ في قَوْمِه / متَمَنِّعٍ بالعِزّ والسُّلطانِ
أو في دروُعِ البأسِ من مُستَلْئِمٍ / أو في ثِيابِ الخَزّ من نَشوانِ
باتَتْ تُحَيّيهِ سُقاةُ مُدامَةٍ / فغَدَتْ تُحَيّيهِ سُقاةُ طِعانِ
يَهوي السِّنانُ إليهِ وهوَ يظنُّهُ / كأسَ الصَّبوحِ على يَدِ النَّدمانِ
ولكمْ سَلَبْتَ بها عزيزاً تاجَهُ / وتركتَ فيها من عَبيطٍ قانِ
ومُجَدَّلاً فوْقَ الثَّرَى ونَجيعُهُ / والرّوحُ من وَدَجَيهِ مُختَلطانِ
وكمِ استبَحنَ وكم أبحنكَ من حمىً / وحُقوفِ رَملٍ في مَعاطِفِ بانِ
وكَواعِبٍ مَحفُوفَةٍ بعَصائِبٍ / قد كُلِّلَتْ بالدُّرّ والمَرْجانِ
والمِسكُ يَعبَقُ في البُرُودِ كأنّها / زَهُر الرّبيعِ مُفَوَّفُ الألوانِ
لم يَبْقَ إلاّ السّدُّ تَخرِقُ رَدْمَهُ / فلقَدْ أطاعَكَ في الوَرَى العَصرانِ
وبلَغتَ قُطرَ الأرْضِ بالعزْمِ الذي / لم تُؤتَهُ الأفلاكُ في الدّوَرَانِ
وجَمَعتَ شَملَ المُتَّقينَ على الهدى / وتألّفَتْ بكَ أنفُسُ الحيوانِ
فزَكَتْ بكَ الأعمالُ حَقَّ زكاتِها / ونجَتْ بكَ الأرْواحُ في الأبدانِ
لوْ يَقِرنُ اللّهُ البِلادَ بمِثْلِها / ضاقَتْ بعَزمِكَ والصَّبيرِ الدّاني
تُندي بآلافِ الألوفِ إلى مَدىً / يَعيا على الحُسّابِ والحُسْبانِ
يا سَيفَ عِتْرَةِ هاشِمٍ وسِنانَها / وشِهابَها في حالِكِ الأدجانِ
لوْ سِرْتُ أطلبُ هل أرَى لك مشبهاً / لطَلَبتُ شيئاً ليسَ في الإمكانِ
كلُّ الدُّعاةِ إلى الهُدَى كالسّطرِ في / بَطنِ الكتابِ وأنتَ كالعنوانِ
أنتَ الحَقيقَةُ أُيّدَتْ بحَقيقَةٍ / وسِواكَ عَينُ الإفْكِ والبُهتانِ
إنّي لأستَحيي منَ العَليا إذا / قابَلْتُ ما أوْلَيتَني بعِيانِ
أعْجَلتَ في يوْمي رَجائي في غَدٍ / فكأنّني في جنّةِ الرِّضْوانِ
ولبِسْتُ ما ألبَستَني من نِعمَةٍ / فبِها شكَرْتُكَ لا بطولِ لِساني
إنّي مدَحتُك إذ مدَحتُك مُخلِصاً / حتى إذا ما ضاقَ ذَرْعُ بَياني
كادَتْ تَسيلُ معَ المَدائحِ مُهجتي / لوْلا ارتِباطُ النّفسِ بالجُثمانِ
قد رقَّ من نفسِ الصباح نسيمُ
قد رقَّ من نفسِ الصباح نسيمُ / إذهبَّ من سُكرِ المُدامِ نَدِيمُ
قُم فاسقنيها قهوةً مثمولَةً / قد لَذَّ مِنها مشرَبٌ وشميمُ
أمَّا كَأنَّ الدهرَ أرضِعَ ثَديَها / فكأنَّما كَفلَتهُ وهوَ يَتيم
نَحُلَت وأنحلَتِ الزُّجاجَ كَأنَّها / في صدرِ شارِبِها الهَوى المَكتُومُ
لا مَت على شُربِ المُدامِ عصابَةٌ / أدلي بعُذرٍ واضح وتَلُومُ
ما حقُّ مثلي أن يُحَرَّمَ شُربَها / أو تَعرِفُ الشُّعَرَاءُ ما التحريمُ
فَوَددتُ لَو أنَّ النُّجُوم أبَارِقٌ / والقَطرَ خَمرٌ والسَّحابَ كُرُومُ
حتى تكونَ مُباحةً موجودةً / تنفي الهُموم فلا يُرى مَهمُومُ
وينوبُ عن شربِ الزلالِ شرابها / كَرَماً فخيرُ الناسِ إبراهيمُ
يا فارسَ العُربِ الذي فخرَت به / أددٌ وغيضت يَعرُبٌ وتميمُ
لولاكَ لم ينتج مشايخُ يَعرُبٍ / ولقيلَ في اليمنِ الوَلُودِ عَقيمُ
فإذا مدحتُ بمدحة لسواكم / غير الأنامِ فإنني مَذمُومُ
ماذا تُؤمِّلُ أرضُ مصرٍ من فتىً
ماذا تُؤمِّلُ أرضُ مصرٍ من فتىً / يَغنى بها خريدةٍ يُجدى بها
يُمني ذوي آدابِها وشبابَهَا / أن زيدَ في شعرائِها وقحابِها
افتِك بهذا السامريّ الساحرِ
افتِك بهذا السامريّ الساحرِ / وأذِقهُ طَعمَ المشرفيّ البَاتِرِ
كم قُلتُ إذ نَزَّهتُ في وجناته / طرفي فما رَجَعت إليَّ محاجرِي
ذا ويحَكُم ماءٌ وَجَمرٌ مُحرِقٌ / فقد احترَقتُ وما تَرَوَّى ناظِرِي
خَيرُ البَريَّةِ يَعرُبٌ
خَيرُ البَريَّةِ يَعرُبٌ / وَبَنُو عَليّ خَيرُهُم
فكأنَّهُم من جَوهَرٍ / لم يَبقَ مِنهُم غَيرُهُم
أرسلتَ عُجماً ما تبين
أرسلتَ عُجماً ما تبين / فتشيعت فيها الظنون
ليسَ المديحُ لمن قصد / نَ ولا المكان به مكين
هذا يُقال لأحمدٍ / إن حصحص الحقُّ المبين
فهو الذي لم تجتمع / إلا له دُنيا ودين
حمراءُ صرفاً ألبسوها أحمرا
حمراءُ صرفاً ألبسوها أحمرا / قد أنصفوه فخلتهُ ملآنا
فحسبتهم جاروا عليَّ ولم يكن / جاروا ولكني خُلِقت جبانا
بسم الصباحُ لأعينِ الندماءِ
بسم الصباحُ لأعينِ الندماءِ / وانشقَّ جيبُ غلالةِ الظلماءِ
هذا أميرُ المؤمنينَ بمجلسٍ
هذا أميرُ المؤمنينَ بمجلسٍ / أبصرتُ فيه الوحي والتنزيلا
وإذاتمثلَ راكباً في موكبٍ / عاينتُ تحتَ ركابهِ جبريلا
عاطيتُهُ كأساً كأنَّ شُعَاعَهَا
عاطيتُهُ كأساً كأنَّ شُعَاعَهَا / شمسُ النهارِ يُضيئهُ إشراقُهَا
انظر إليهِ كأنَّهُ مُتنصّلٌ / بجفونهِ ممّا جنت أحداقُهَا
وكأنَّ صفحةَ خدّهِ وعِذارَهُ / تُفَّاحَةً حُفَّت بِهَا أوراقُهَا
حلفَ الزمانُ ليأتينَّ بمثلِه
حلفَ الزمانُ ليأتينَّ بمثلِه / حَنَثَت يمينُكَ يا زمانُ فكفِّرِ