المجموع : 66
ماسَت فأزرت بالغصون الميَّسِ
ماسَت فأزرت بالغصون الميَّسِ / وأَتَتكَ تخطرُ في غلالةِ سُندسِ
وَتبرّجت جُنحَ الظَلام كأَنَّها / شَمسٌ تجلَّت في دياجي الحِندِسِ
تَختال بين لِداتِها فتخالها / بَدراً بدا بين الجواري الكُنَّسِ
أَرِجَت بريّاها الصَبا وتضوَّعت / أَنفاسُها وَالصبحُ لم يَتنفَّسِ
وَوفت بمَوعِدها وَباتَ وشاتُها / للوجد بين عَمٍ وآخر أَخرسِ
وَالبَرقُ يخفقُ قَلبُه من غَيرةٍ / وَالنجمُ يَرمُقُنا بمقلةِ أَشوسِ
يا طيبَ لَيلَتِنا بمُنعَرَج اللِوى / وَمبيتنا فوق الكَثيب الأَوعسِ
إِذ باتَ شَملي في ضَمانِ وِصالها / وَالقربُ يُبدلُ وحشَتي بتأَنُّسِ
وَاللَيلُ يكتمُ سِرَّنا وَنجومُه / تَرنو إِلينا عن لحاظٍ نُعَّسِ
وَسَنى المجرَّة في السَماءِ كأَنَّه / نهرٌ تدفَّق في حديقَةِ نَرجسِ
باتَت تُدير عليَّ من أَلحاظها / كأساً وأخرى من لَماها الألعسِ
حتّى إِذا رقَّ النَسيمُ وأَخفقت / من أفق مجلِسنا نجومُ الأكؤسِ
قالَت وقد واليتُ هَصرَ قوامِها / ضاقَ الخناقُ من العِناق فنفِّسِ
ثمَّ اِنثَنَت حذرَ الفراق مروعةً / في هيئَة المُستَوحِش المستأنسِ
تتَنَفَّسُ الصُعَداء من وَجدٍ وَقَد / غصَّ الظَلامُ بصُبحِه المتنفِّسِ
واِستعجلَت شدَّ النِطاق وودعت / توديعَ مختلسٍ بحَيرةِ مُبلِسِ
لِلَّه غانيةٌ عَنَت لضيائِها / شَمسُ الضحى إِذ أَشرقت في الأطلسِ
سلبت نفوسَ أولي الغَرام صَبابةً / بجمالها الباهي السنيِّ الأَنفسِ
وَسأَلتُها نَفسي فَقالَت حيرةً / لا كانَ من يَنسى الأَحبَّة أَو نسي
لَم أَنسَها فأذكرَ أَنسَها / عَلِقت يَدي منه بودٍّ أَقعَسِ
هَذا الحسينُ بنُ الحسينِ أَخو العُلى / عَلِقت يدي منه بودٍّ أقعسِ
لَم يُنسِهِ بُعدُ الدِيارِ مَودَّتي / يوماً وعهدي عنده لم يبخسِ
وَسِواه يُظهرُ ودَّه بِلسانِه / وَخميرُه كصحيفةِ المتلمِّسِ
هَذا الوفيُّ الهاشميُّ المجتبى / غَوثُ الجَليس له وبدرُ المجلِسِ
طابَت أرومةُ مجده فزكت به / وَالغرسُ يُعربُ عَن زَكاء المغرسِ
إِيهٍ أَخا المَجدِ المؤثَّل وَالعُلى / لِلَّه درُّك من أَديبٍ أَكيسِ
وافت قصيدتُكَ الَّتي فعلت بنا / فعلَ المُدامة بالنُهى والأرؤسِ
أَلبستَها وشيَ الكلام فأَقبلت / مختالةً تَزهو بأَبهى مَلبَسِ
ما ضَرَّ سامعَها وقد جُليَت له / أَن لا يُجيلَ كؤوسَها أَو يَحتَسي
جدَّدتَ لي عَهدَ الصِبا بنسيبها / وربوع عهدي بالصِبا لم تدرسِ
وَإِليكها غَرّاء تَستلبُ الحجا / وَتَروضُ كلَّ جَموح طَبعٍ أَشرَسِ
نضَّدتُ عِقدَ نِظامها وبعثتُها / دُرَراً تَفوقُ على الدّراري الخُنَّسِ
وَكسوتُها من وصف ودِّك حُلَّةً / هَزَّت لها عِطف المحلّى المكتسي
تُجلى عليك وَنجمُ سعدِك مُشرِقٌ / في قِمَّة الفَلَكِ الرَفيع الأطلسِ
قُم هاتِها في جُنح لَيلٍ دامسِ
قُم هاتِها في جُنح لَيلٍ دامسِ / راحاً حكت في الراح شُعلةَ قابسِ
واِطرُد بها سَرحَ الكَرى عن ناظري / رَشأ يُغازِلُنا بِطَرفٍ ناعسِ
وأَجِل كؤوسَكَ بالمسرَّة واِجلُها / من كفِّ أَغيدَ كالقَضيبِ المائِسِ
عَذراءُ تَضحَكُ في وجوه سُقاتها / وَتَروضُ كلَّ جَموح طَبعٍ شامِسِ
زُفَّت إِلى ماءِ السَماءِ فأَصبحَت / تَهزو بكلِّ مَهاةِ خدرٍ عانسِ
ماذا على من قابَلَته بِبشرِها / أَلّا يقابلها بوجهٍ عابسِ
تَنفي الكروبَ عَن القلوب ولَم تَزَل / تُهدي الرَجاءَ إلى فؤاد اليائسِ
رَقَّت فَلَولا الكأسُ لم تُبصِر لَها / جِسماً ولَم تُلمَس براحة لامِسِ
فَكأَنَّها عِندَ المزاج لطافةً / وَهمٌ يخيِّلُه توهُّمُ هاجسِ
طابَت مغارسُها فَبُوركَ في يَدَي / جانٍ جَنى تلك الكُروم وغارسِ
قِف إِن وَقَفتَ بحانِها حيناً وَدَع / عنك الوقوفَ بكلِّ رَبعٍ دارسِ
قُل لِلمَليحَةِ في القباءِ الأَطلسِ
قُل لِلمَليحَةِ في القباءِ الأَطلسِ / أَفسدتِ عَقلَ أَخي التُقى المتقدِّسِ
أَو ما كَفاكِ لِباسُ حُسنك والبَها / حتّى برزتِ لنا بأَبهى ملبَسِ
أَخجلتِ ولدانَ الجنانِ وحورها / وَخطرتِ من أَثوابها في سُندُسِ
إِن كانَ لا يُرضيكِ إلّا فِتنَتي / فَرِضاكِ فَرضٌ يا حياةَ الأنفسِ
هَذا مُحبُّكِ ناصباً أَحشاءَه / غَرَضاً لأسهم مقلتيكِ فَقَرطسي
وافاكَ نَشوانُ المَعاطفِ ناشي
وافاكَ نَشوانُ المَعاطفِ ناشي / في الحُسنِ مسكيُّ الأَديم نَجاشي
وَسَرى إِليكَ مع الهَوى متأَنِّساً / من غير ما فَرَقٍ ولا اِستيحاشِ
وأَتاكَ في جُنح الظَلام تحرُّجاً / من أَن يسايرَ ظلَّه وَيُماشي
والأفقُ قد نَظَم النجومَ قَلائداً / وَكَسا الدُجى بُرداً رَقيقَ حواشِ
في لَيلَةٍ بسَنى الوصال مُنيرةٌ / حَسدَ الصَباحُ لها الظَلامَ الغاشي
قَصُرت ورقَّ أَديمُها حتّى لَقَد / أَربَت نَواشيها على الأَغباشِ
أَسررتُ زورَتَه وَلَولا نَشره / ما كانَ سرٌّ للنَسائِم فاشِ
حتّى إِذا طابَ اللِقاءُ وَسكَّنت / أَنفاسُهُ نَفسي وَروعةَ جاشي
وَسَّدتُه زَندي وأَفرشَ زندَه / خدّي وَبتنا في أَلذِّ مَعاشِ
لَولا خفوقُ جَوانحي لفرشتُها / لمبيته وطويتَ عنه فِراشي
وَغَدا يُعاتِبُني عِتاباً زانَه / دَلٌّ بلا هَجرٍ ولا إِفحاشِ
وَرشفتُ من فيه البَرود سُلافةً / أَروت بنَشوتها غَليلَ عطاشي
وَبَدا الصَباحُ فقام ينقضُ ذَيلَه / أَسَفاً وَيُجهشُ أَيَّما إِجهاشِ
ودَّعتُه وَالدَمعُ من جَفني وَمِن / جَفنَيه يَمزجُ وابلاً برشاشِ
ما كانَ أَشرقَ ضَوءَها من لَيلةٍ / حضر الحَبيبُ بها وَغابَ الواشي
أَمّا الصَبوحُ فإِنَّه فَرضُ
أَمّا الصَبوحُ فإِنَّه فَرضُ / فإلامَ يكحلُ جَفنَك الغمضُ
هَذا الصَباحُ بدت بشائِرُهُ / وَلخيله في ليله رَكضُ
وَاللَيلُ قد شابَت ذوائبَهُ / وَعِذارُه بالفجر مُبيَضُّ
فاِنهض إِلى حَمراءَ صافيةٍ / قد كادَ يشربُ بعضَها البَعضُ
يَسقيكَها من كفِّهِ رشأٌ / لَدنُ القَوام مهفهفٌ بضُّ
سيّان خمرتُه وَريقتُه / كلتاهما عنبيَّةٌ مَحضُ
تُدمي اللواحظُ خدَّه نَظَراً / فاللَحظُ وَجناته عضُّ
مَن ضمَّهُ فَتحَ السُرورُ له / باباً وَكانَ لعيشِه الخَفضُ
باهَت وقد أَبدى محاسِنَه / بدرَ السَماءِ بحُسنِه الأَرضُ
يَسعى بها كالشَمسِ مشرقةً / للعين عَن إِشراقِها غضُّ
وَالكأسُ إِذ تَهوي بها يدُهُ / نجمٌ بجُنح اللَيل مُنقَضُّ
باتَ النَدامى لا حراكَ بهم / إِلّا كَما يتحرَّك النبضُ
في رَوضةٍ يُهدي لناشِقها / أَرجَ الحبائِب زَهرُها الغَضُّ
ختم الحَيا أَزهارَها فَغَدا / بيد النَسيم لخَتمها فَضُّ
فاِشرَب على حافاتِها طرباً / واِنهض لها إِن أَمكَن النَهضُ
لا تُنكِرَن لَهوي على كِبَري / فعليَّ من عَصرِ الصِبا قَرضُ
أَغرى العذولُ بلومه شَغفي / فَكأَنَّما إِبرامُهُ نَقضُ
خالفتُه وَالرأَيُ مختلفٌ / شأني الودادُ وَشأنُه البغضُ
مَهلاً فَلَيسَ على الفَتى دَنَسٌ / في الحُبِّ ما لَم يَدنس العِرضُ
يا دارَ ميَّة باللِّوى فالأجرعِ
يا دارَ ميَّة باللِّوى فالأجرعِ / حَيّاكِ منهلُّ الحَيا من أَدمعي
وَسرى نَسيمُ الرَوض يسحبُ ذيله / بمصيفِ أنسٍ في حماكِ ومَربَعِ
لَو لَم تَبيتي من أَنيسكِ بلقعاً / ما بتُّ أَندبُ كلَّ دارٍ بلقعِ
لَم أَنسَ عهدَك والأَحبَّة جيرةٌ / وَالعَيشُ صفوٌ في ثَراكِ المُمرعِ
أَيّامَ لا أصغي لِلَومة لائمٍ / سَمعاً وإِن ثُغر الصَبابة أَسمعِ
حيث الرُبى تَسري بريّاها الصبا / وَالرَوضُ زاهي النَور عذبُ المَشرعِ
تَحنو عليَّ عواطِفاً أَفنانُه / عندَ المبيت به حنوّ المُرضِعِ
والوُرقُ في عَذبِ الغُصون سواجعٌ / تشدُو بمرأىً من سُعادَ وَمَسمَعِ
كَم بتُّ فيه صَريعَ كأس مُدامةٍ / حِلفَ البَطالة لا أفيقُ ولا أَعي
أَصبو بِقَلبٍ لا يزال مُوَزَّعاً / في الحُبِّ بين معمَّمٍ ومقنَّعِ
مُستَهتِراً طوعَ الصَبابة في هَوى / قمَري جمالٍ مُسفِرٍ ومُبرقَعِ
ما ساءَني أن كنتُ أَوَّل مُغرمٍ / بجمال ربِّ رداً وَربَّة بُرقعِ
يَقتادُني زهوُ الشَباب وعِفَّتي / فيه عَفافَ الناسكِ المتورَّعِ
لِلَّه أَيّامي بمنعَرج اللِوى / حيث الهَوى طَوعي ومن أَهوى مَعي
لَم أَنسَه وَالبينُ ينعِقُ بينَنا / متصاعدَ الزَفرات وهو مُودِّعي
إِن شبَّ في قَلبي الغَضا بفراقِه / فَلَقَد ثَوى بالمُنحَنى من أَضلُعي
أَتجشَّم السُلوان عنه تكلُّفاً / وَالطَبعُ يغلبُ شيمةَ المتطبِّعِ
لِلَّه دَرُّ معاشرٍ آلفتُهم
لِلَّه دَرُّ معاشرٍ آلفتُهم / فحويتُ خَصلَ المجد في إِيلافهم
ذَهَبوا فأَخلَفَت اللَيالي عنهم / قَوماً يَرَون الجودَ في إِخلافِهم
عش عائلاً فالدهر أَنشد قائلاً / ذَهبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم
أَترَكتَني دِنفاً ورحتَ مُعافى
أَترَكتَني دِنفاً ورحتَ مُعافى / مَهلاً فَدَيتُك ما كَذا مَن صافى
هَلّا ذكرتَ لَيالياً بتنا بها / نَرعى النُجومَ ونذكر الأُلافا
كيفَ اِنفرادُك بعد أَن كنّا معاً / حاشا لمثلكَ ينقضُ الأَحلافا
أَنسيتَ لا أَنسيتَ فضلَ صبابةٍ / كنّا بِها نَستَسعفُ اِستِسعافا
فاليوم رحتُ وقد قَويتَ على الهَوى / وجوانحي أَمست عليه ضِعافا
وأَلِفتَ آنسَ مضجعٍ متبوّأ / وَمضاجعي لا تعرفُ الإِيلافا
لَو كنتَ تحفظُ في الهَوى أَنصفتني / أَو كنتَ تعرفُ في الهَوى إِنصافا
أَتظلُّ تُسقى في الغَرام سُلافة / وأَظلُّ أسقى في الغَرام ذُعافا
وأَبيتُ في حرِّ الغَرام مُقاطِعاً / وَتَبيتُ في بَرد الوصال مُوافى
ما جارَ من منع الحَبيبَ وإنَّما / جارَ الَّذي أَخذَ الحَبيبَ وحافا
ناصَفتَني حملَ الهَوى وتركتني / حتّى حملتُ من الهوى أَضعافا
فليهنكَ اليومَ الوصالُ فإنَّني / باقٍ وإِن أَخلفتني إِخلافا
لَيسَ اِحمرارُ لحاظه عن علَّةٍ
لَيسَ اِحمرارُ لحاظه عن علَّةٍ / لكن دمُ القَتلى على الأَسيافِ
قالوا تشابَه طرفُه وَبنانُه / وَمن البَديع تشابُه الأَطرافِ
هدَّ الحِمام لآل عبدِ مَناف
هدَّ الحِمام لآل عبدِ مَناف / جبلاً أَنافَ عُلاه أَيَّ مَنافِ
أَودى بأَبلج من ذؤابةِ هاشمٍ / يَجلو بغرَّته دُجى الأَسدافِ
بالضَيغم الفتَّاك بَل بالصارم ال / بَتّاك بل بالجوهر الشفّافِ
من لَم يَزَل من بأسِه وَنوالِه / مُردي العداة وموردَ الأَضيافِ
من لَم يزل للواردين حياضَه / ذا ماء يُرويهم بعذبٍ صافِ
من لم يزل للقاصدين جنابه / رحبَ الفِناء موطّأَ الأَكنافِ
مَن لَم يَزَل للطالبينَ علومَه / بالكشف يُغنيهم عن الكشّافِ
من لم يزل يُملي جَليلُ جَميله / أَوصافَه العُليا على الوصّافِ
من كانَ يطربُ من سؤال عُفاتِه / طربَ النَّشاوى من كؤوسِ سُلافِ
لِلَّه أَيَّ رزيَّةٍ رُزِئت به / لا يُستقال تلافُها بتلافِ
رغمت أنوفُ السَمهريَّةِ والظُبى / لمّا أصِبنَ بمُرغمِ الآنافِ
بالموردِ السُمر العِطاش من الكُلى / يومَ النِزال ومُطعم الأَسيافِ
وَتقوَّضت عَمدُ المواهب وَالنَدى / لما رُزئن بواهبِ الآلافِ
ومطوِّقِ الأَعناق من أَفضاله / بثقالِ أَطواقٍ عليه خِفافِ
أَقُريشُ قد ذهبَ الإِلافُ فمن لكم / من بعد أَحمدَ في الورى بإلافِ
أَبني الهواشم إِنَّ طودكم هوى / وأَرى النفوسَ على هَواهُ هَوافي
ذهب الَّذي أَحيا وجدَّدَ فضلُه / لبني النبيّ مآثرَ الأَسلافِ
وَطَوى الرَدى من كان ينشرُ في الوغى / حُللَ الرَدى قسراً على الأَعطافِ
إِنّي لأُقسمُ عن يَمينٍ بَرَّةٍ / قسمَ المحقِّ وَلَستُ بالحلّافِ
ما خصَّ رزؤك يا اِبن فاطم عصبةً / لكنَّه عمَّ الوَرى بتلافِ
هذي جموعُ المكرمات بأَسرِها / فصم المنونُ وِفاقَها بِخلافِ
عادت بحارُ المجد بعدَك والعُلى / يَبَساً وآذنَ ماؤُها بجَفافِ
وَغدت نفوسُ أولي العُلى معتلَّةً / لما ذهبتَ ولم تجد من شافِ
وَبَنو الرجاء تبدَّلت أَنوارُها / بغياهِبٍ وشِهادُها بذُعافِ
وَتَضَعضَعت أَركانُ كلِّ قبيلةٍ / وتشبَّه الأَذنابُ بالأَعرافِ
والأسدُ قد فقدت لأجلك بأسَها / فغدت براثنُهنَّ كالأَظلافِ
من يُرتَجى للجودِ بعدَك والنَدى / والفضلِ والإِسعاد والإِسعافِ
هَيهات إِنَّ المكرُماتِ جميعَها / طارَت بهنَّ قوادمٌ وخَوافِ
يا دُرَّةً سمح الزَمانُ لنا بها / حيناً وأَرجعها إلى الأَصدافِ
لا كانَ رزؤك في الرَزايا إِنَّه / شَرَقُ الكرام وغصَّةُ الأَشرافِ
عَجَباً لوجهك كيف إِذ غَشَّوه لَم / يغشَ العيونَ بنوره الخَطّافِ
عجباً لنعشِك كيف لم يُوهِ الطُلى / لما غَدا يَعلو عَلى الأكتافِ
عَجَباً لمودعِك المقابرَ كيفَ لم / يودِعكَ بين جوانحٍ وَشِغافِ
عجباً لقبركَ كيف لا يَعلو على ال / قَمَرين في الإِشراق والإِشرافِ
فُجئَ الأَنامُ عِشاً بِنعشك سائِراً / فتبادَروا أَركانَه بطوافِ
وَفَروا جيوبَهمُ عليك وَبادَروا / من حسرةٍ عَضّاً على الأَطرافِ
وَمَروا من الأَجفانِ سحبَ مدامعٍ / تَبكي عليكَ بهاطلٍ وكّافِ
لا غروَ إِذ كانوا بسوحكَ في غنىً / عَن مربعٍ نَضِرٍ وعن مُصطافِ
إِن كفَّنوكَ فإِنَّ جسمَك لَم يَزل / يَختالُ في بُردي تُقىً وعَفافِ
أَو غسَّلوكَ فَلَن تَزال مُطَهّر ال / أَقوال والأَفعال والأَوصافِ
أَو حنَّطوكَ فَلا تَزال مطيَّباً / طيباً تضوعُ به قُرىً وَفَيافي
صلّى عليك اللَهُ قبل صَلاتِهم / وَحباكَ بالرِضوان والأَلطافِ
يا سيِّدَ الآباءِ سَمعاً لاِبنك ال / مُضنى فقد أَضناه طولُ تجافِ
قد كنتَ بي برّا وكنتَ مواصلاً / وَجَميلُ بِرِّك كافلٌ لي كافِ
فاليومَ ما لكَ قد أَطلتَ تجنُّبي / وَهجرتَني هجرَ الحَبيبِ الجافي
أَجَفاً وما عوَّدتني منك الجَفا / وَعَظيمُ حزني ليس عنك بخافِ
لا بل طوتكَ يَدُ البِلى ومُنِعت عن / ردِّ الجوابِ لسائلٍ ولعافِ
وَلَو اِستَطعتُ لكَ الفِداء لكُنتهُ / وَوقيتُ جسمك من ثَرى الأَجدافِ
لكنَّني باقٍ على حُسن الوَفا / حتّى أَراك به على الأَعرافِ
لا زال يُتحفُكَ الإلهُ برحمةٍ / من فضله بلطائف الإتحافِ
وَعليكَ منّي ما حَييتُ تحيَّة / تغشى ضَريحَك دائماً وتوافي
يا كَوكَباً لَم تحوِهِ الأَفلاكُ
يا كَوكَباً لَم تحوِهِ الأَفلاكُ / وَبعارِضيه مِرزَمٌ وَسِماكُ
يُحيي بطلعَتِهِ النفوسَ ولحظُه / لدماءِ أَربابِ الهوى سَفّاكُ
اِغمد شَباكَ عن القلوب وصِد بأه / دابِ الجُفون فإِنَّهنَّ شِباكُ
أَسرَ الغَرامُ لكَ النفوسَ بأَسرِها / قَسراً فما يُرجى لَهُنَّ فكاكُ
أَنّى يُرجّى مِن هواك فكاكُها / من بعد ما عَلِقَت بها الأَشراكُ
خفَقت عليكَ قُلوبُ أَربابِ الهوى / حتّى غَدَونَ وما بهنَّ حراكُ
لكَ في القَبائلِ نسبةٌ بجمالها / تَسمو الحُبوشُ وَتفخر الأَتراكُ
ما كُنتُ أَحسب للدُموع بَوارِقاً / حتّى تلألأَ ثغرك الضَحّاكُ
بشفاته ماءُ الحياة لأَنفُس / أَودى بهنَّ من الصُدود هلاكُ
ما ذقتُ موردَها ولكن هَكَذا / نقلَ الأَراكُ وحدَّث المِسواكُ
قل للأَراك أَراك تلثم مَبسِماً / ما راحَ لاثمُه سِواكَ سِواكُ
لَو أَبصر النُسّاكُ بارقَ ثغره / ضَلَّت سَبيلَ رشادِها النُسّاكُ
سيّان في نَهب النُفوس وَسفكها / حَدُّ الحسام وطرفُه البتّاكُ
ظبيُ الصَريم إِذا تلفَّت أَو رنا / وإِذا سطا فالضَيغَمُ الفتّاكُ
وأَنا الَّذي في الحُبِّ مُذ وحَّدتُه / ما شانَ توحيدي له إِشراكُ
وَعَلى التَفنُّن في محاسن وصفِهِ / ما حامَ حَولَ أَقلِّها الإِدراكُ
لَولا أَبي وأَبي الرَضيُّ المُرتَضى / لَم يثنِني عَن وصفِه اِستِدراكُ
السيِّدُ الندبُ الهمامُ أَخو العُلى / من أَذعنَت لجلاله الأملاكُ
هو شَمسُ مجدٍ أَشرقت بضيائها / ظُلَمُ الدُجى وأَنارت الأَحلاكُ
طافَت بكعبة جوده يَومَ النَدى / عُصَبُ الوفود ولاذت الهُلّاكُ
الأَلمعيُّ إِذا اِدلهمَّت طَخيَةٌ / عمياءُ فهو لِسترها هتّاكُ
وَاللوذعيُّ إذا تَسامَت رُتبةٌ / قَعساءُ فهو لنيلها دَرّاكُ
وَالهِبرزيُّ إذا تغالَت خَصلَةٌ / علياءُ فهو لرقِّها ملّاكُ
فلجيدِه دُرَرُ المدائح تُنتَقى / وَلجوده بُردُ الثَناءِ يُحاكُ
سَمعاً أَخا العَلياء مدحةَ ناظم / نَثرَت لآلئِها له الأَسلاكُ
يَدعوكَ بعدَ أَبيه في الدُنيا أَباً / فَكِلاكما للمكرُماتِ ملاكُ
يا لَيتَ شِعري كيف رأَيُك بعدَما / حال الزَمانُ ودارَت الأَفلاكُ
هَل قائِمٌ عُذري لديكَ بما مَضى / منّي وَقَلبي بالخطوب يُشاكُ
أَم آخِذٌ في العتب أَنتَ وتاركي / حَرضاً وأَنتَ الآخذُ التَرّاكُ
ما كانَ إِهمالي الجوابَ لجفوَةٍ / لا والَّذي دانَت له الأَملاكُ
لكن مخافةَ أَن يَقولَ وَيَفتري / عنّي المحالَ الكاذِبُ الأفّاكُ
وإِليكَها منّي عَروساً لم يكن / لِسوى ودادِك عندها إِملاكُ
لا زلتَ مقصودَ الجَناب مُمَجَّداً / ما لاحَ بَرقٌ واِستهلَّ سِماكُ
بين العُذيب وبين بُرقةِ ضاحكِ
بين العُذيب وبين بُرقةِ ضاحكِ / غَرّاءُ تبسمُ عن شتيتٍ ضاحكِ
في حيِّها للعاشقينَ مصارِعٌ / من هالكٍ فيها ومن مُتَهالِكِ
تَسطو مَعاطِفُها وَسودُ لحاظِها / بمثقَّفٍ لَدنٍ وأَبيضَ باتِكِ
لا تَستَطِب يَوماً مواردَ حُبِّها / ما هنَّ للعشّاق غير مهالِكِ
فتكت بأَلباب الرجال ولم تَصُل / بسوى فواتن للقلوب فواتِكِ
يُرديكَ ناظرُها وَيُغضي فاِعجبَن / من فاسقٍ يَحكي تعفُّفَ ناسِكِ
هجرت وما اِتَّسعت مسالكُ هجرها / إِلّا وَضاقَت في الغَرام مَسالكي
وَلَقَد أَبيتُ على القَتاد مسهَّداً / وَتَبيتُ وَسنى في مِهادِ أَرائِكِ
لا تَستَعِر جلداً على هجرانِها / إِن كنتَ في دَعوى الغَرام مُشاركي
واِترك حديث المُعرضين عن الهَوى / يا صاحبي إِن كنت لستَ بتاركي
وإِذا دَعاكَ لبيع نفسِكَ سائِمٌ / في حبِّها يَوماً فبِعه وَبارِكِ
إِنَّ الَّتي فتنتكَ لَيلةَ أَشرقت / إِشراق شَمسٍ في دُجنَّة حالِكِ
لا تَصطَفي خِلّا سوى كلِّ امرئٍ / صبٍّ لأَستار التنسُّك هاتكِ
فاِخلع ثيابَ النُسك فيها واِسترح / مِن إِفكِ لاح في الصَبابة آفِكِ
أَو لا فَدَع دَعوى المحبَّة واِجتَنِب / نَهجَ الغَرام فَلَستَ فيه بِسالِكِ
وإِذا بَدا منها المحيّا فاِستعذ / من سافر لدم الأَحبَّة سافِكِ
كَم مِن مُحبٍّ قَد قَضى في حبِّها / وَجداً عليه فَكان أَهونَ هالِكِ
ملكت نفوسَ أُولي الغَرام بأَسرها / هلّا اِتَّقيتِ اللَه يا اِبنةَ مالِكِ
حسبي وُلوعاً في هَواكِ ولوعةً / إِن تَطلبي قَتلي ظِفرتِ بذلكِ
هَذا الحِجازُ وَذاك ضاله
هَذا الحِجازُ وَذاك ضاله / قَد قُلِّصت عنه ظِلالُه
ماذا بكاءُ المستها / م برقمتيه وما سؤاله
إن كانَ أَطمعه الحمى / فاليوم تؤيسُه رمالُه
قَد بانَ عنه جَمالُه / وتحمَّلت منه جِماله
أَينَ المعاهد والعهو / د وأَين من مال اِعتدالُه
لَهفي على الرشأ الَّذي / قد أَفلتت منّي حباله
يَصفو وَيكدر حبُّهُ / فالحبُّ أَكدرُه ملالُه
ما إن حلا لي وعدُه / إلّا ومرَّره مطاله
منع الكرى عَن ناظري / كيلا يُلمَّ بنا خيالُه
لَو أَنَّ ما بي من هوا / هُ بيذبلٍ ذابت قِلالُه
يا ويحَ قَلب قد تفر / رغَ في هواه به اِشتغاله
حمَّلته ما لم يُطق / واليوم قد قلَّ اِحتمالُه
وَلكلِّ خَطبٍ حيلةٌ / والبينُ قل لي ما اِحتيالُه
ماذا عَسى يُجدي مَقا / لي إن شكوت بما أَناله
قد طالَ عَتبي للزَما / نِ فَهَل تَرى خفَّت ثقاله
نعم اِلتجأت بمن أَذل / ل الدهرَ إرهاباً جلالُه
فاليَوم لا أَخشى الزَما / نَ وملجئي يُخشى صِيالُه
مَولىً به نلتُ المنى / وَقَضى لي الآمالَ مالُه
وسِعَ الورى إِفضالُه / فَغَدا يعمُّهمُ نوالُه
إِن رامَ نالَ وإن يقُل / فالقَولُ يتبعُه فِعالُه
ليثٌ بهولُكَ صولُه / غَيثٌ يَروقُ لك اِنهلالُه
طابَت مغارسُهُ وأَو / رق عودُه وزكت خِلالُه
يا أَيُّها المولى الَّذي / قد أَكملَ العَليا كمالُه
وَبه زَها روضُ العُلى / وَالمَجدُ قد صحَّ اِعتلالُه
إِنّي بعفوِكَ واثِقٌ / وَالعَفوُ أَكرمُه مُذالُه
فأَقِل عِثاري إِن عثر / ت ولا تقل ظهرَ اِختلالُه
فلأَنتَ أَكرمُ من رجو / تُ وَخيرُ من كرُمت خِصالُه
كَم نائِلٍ أَوليتَني / هِ وَساغَ لي عَذباً زُلالُه
بوّأتَني المَجدَ المؤَث / ثَل عندَما مُدّت ظِلالُه
حتّى غدوتَ وأَنتَ بَد / رُ سمائه وأَنا هلالُه
فاِسلم ودُم متبوِّئاً / مَجداً سَما عِزّاً منالُه
وافتك تنهجُ للخطاب سَبيلا
وافتك تنهجُ للخطاب سَبيلا / وَتجرُّ ذَيلاً لِلعِتاب طَويلا
غرّاءُ تهزأ بالنجومِ لوامِعاً / وَالزَهر غضّاً وَالنَسيمِ بَليلا
قد سمتُها التَقبيلَ فيك ولم أَقُل / لَولا المشيب لسمتُها تَقبيلا
حمَّلتُها جُمَلَ العِتاب وإنَّما / فصَّلتُ دُرَّ مَقالها تَفصيلا
ما فاخرَت قَولاً بحسنِ نظامِها / إِلّا وَجاءَت وهي أَحسنُ قيلا
أَجريتُ طِرفَ العتب في مضمارها / فأَتاك يشؤو السابقات ذَميلا
ما لِليالي قد وَقَفنَ مبرِّزاً / وَفللنَ عضباً من وفاكَ صَقيلا
فصرمتَني ونبذتَ حبل مودَّتي / واِعتضتَ عَن ودّي العُداة بَديلا
وصدفتَ عن سُبل الوَفاء مجنِّباً / وَسلكتَ من طُرق الجَفاء سَبيلا
فحملتُ منك على مُزاولة النَوى / عِبئاً عليَّ مَع الزَمان ثَقيلا
مَهلاً فَما أَعرضتَ عنّي واثِقاً / إِلّا بِمن لم يُغنِ عنكَ فَتيلا
فاِنظر لنفسكَ ما أَتيتَ فلَن أَرى / لك لو عَلِمتَ بما أَتيتَ قَبيلا
اللَه في حُرُمات ودٍّ أَصبحت / هَمَلاً وأَصبحَ هديُها تَضليلا
كَم شامتٍ قد كانَ يأمُل أَن يَرى / ربعَ الوداد وقد رآه مَحيلا
فاِرجع بودِّك عَن قَريبٍ طالِباً / عذراً على رغم العدوِّ جَميلا
حتّى أُجادِلَ فيكَ كلَّ مكذّب / وأقيمَ منكَ على الوَفاءِ دَليلا
حاشا لمثلك والمودَّة ذِمَّةٌ / أَمسى بها العَهدُ القَديم كَفيلا
إِنّي أؤمِّل أَن أُزيل بكَ الجَوى / وأبلُّ من حرِّ الفؤادِ غَليلا
وأَعودُ أَنشدُ في هواك ندامة / يا لَيتَني لم أَتَّخذكَ خَليلا
يا أَيُّها المولى الَّذي
يا أَيُّها المولى الَّذي / هُوَ في معارِفه علَم
لِلَّه تحفتُك الَّتي / من لَيسَ يقبلُها ظَلم
فكأَنَّها في فضلها / نارٌ تَلوحُ على عَلم
أَبياتُها بمدادِها / تَحكي الكواكبَ في الظُلَم
لَم يحوِ طِرسٌ مثلَها / كلّا ولا رَقمَ القَلم
منّي السَلامُ عليكَ ما / غنّى الحمامُ بذي سَلَم
ومورَّدِ الوَجَنات أَغيدَ خالُه
ومورَّدِ الوَجَنات أَغيدَ خالُه / قد كادَ يفتنُ بالوَسامةِ عمَّهُ
إن خصَّ قَلبي بالغَرام فربُّه / بالحسن من فَرط الملاحَة عمَّه
كحل العيونَ وكانَ في أَجفانه / عضبٌ حَكى نابَ الشُجاعِ وسمَّهُ
وَبَكى بِطَرفٍ ذي اِحورارٍ زانَه / كحَلٌ فَقُلتُ سَقى الحسامَ وسمَّهُ
لِلَّه روضٌ باتَ نرجسُه به
لِلَّه روضٌ باتَ نرجسُه به / ساهي العيونِ ملاحظاً نمَّامَهُ
وَالوَردُ روميُّ المَلابسِ والحُلى / أَو ما تَراه مزرِّراً أَكمامَهُ
يا بارِقاً صَدَع الدُجى لمعانُهُ
يا بارِقاً صَدَع الدُجى لمعانُهُ / وَسَرى يهلُّ على الحِمى هتّانُهُ
باللَه إن يمَّمت منزلَنا الَّذي / بانَت وَما بانَ الهوى سُكّانهُ
بلِّغ تحيَّتيَ العَفيفَ أَخا العُلى / أَصفى الأَخلّاءِ المعظَّم شانُهُ
واِشرح له شَوقي إليه وصِف له / وَجدي الَّذي يَقضي به وجدانُهُ
واِحذر عليه أَن تبثَّ جميعَ ما / قاسيتُه كيلا يَذوبَ جَنانُهُ
وأَجبه عمّا قد حَواه كتابُه / من عِقد نظمٍ فصِّلت عِقيانُهُ
لا يحسَبَن أَنّي سَلوتُ جنابَه / هَيهات عزَّ أَخا الأَسى سلوانُهُ
لَم أَنس أنساً كان لي بِلقائِه / طابَت معاهدُه وطاب زمانُهُ
أَيّامَ روضُ العيش يشرق نَورُه / وَتميسُ من طربٍ به أَغصانهُ
يا أَيُّها الشَهمُ الَّذي أَثنى على / فتكاته يومَ الطِعان سنانُهُ
أَهديتَ من غررِ المَعاني مُعجزاً / بهرَ العقولَ بديعُه وبيانُهُ
لِلَّه درُّك ناطقاً يَقضي على / حُرِّ الكَلام بما يَشاءُ لسانُهُ
ومحبِّراً وشيَ القَريض إذا اِمتطى / متنَ البراعَة للبَيانِ بَنانُهُ
ومبرّزاً إِن رام سَبقاً أَقصَرت / عن أَن تحاولَ شأوَه أَقرانُهُ
قَسَماً بأَيمان الفتوَّة والوَفا / وَقَديم عَهدٍ أسِّست أَركانُهُ
إِنَّ الوداد كما عهِدت وإنَّما / هَذا الزَمانُ تلوَّنت أَلوانُهُ
والعذرُ في تركي دعاءَك مسرعاً / عذرٌ وحقِّك واضحٌ برهانُهُ
لكن عَسى قد آن إِبّانُ اللِقا / والشيء يُقبِلُ إِن أَتى إِبّانُهُ
فيلين من دَهري بذلك ما قسا / وَيَعودَ بعد إِساءَةٍ إِحسانُهُ
تُبدي السلوَّ وأَنتَ مُرتهَنُ
تُبدي السلوَّ وأَنتَ مُرتهَنُ / وَخفيُّ سرِّك في الهَوى علنُ
هَذي شهودُ الحبِّ ناطقة / لا الروحُ تُكذبُها ولا البَدنُ
إِن رمتَ تكتمُ ما تكابدُه / بعدَ النَوى فلرأيكَ الغَبَنُ
ما زالَ يُجهدُك الغَرامُ أَسىً / حتّى جَفا أَجفانَكَ الوسنُ
في كُلِّ حين للفؤادِ شجىً / يُوهي العزاءَ وَللهَوى شجنُ
أَنّى لِقَلبكَ أَن يُقالَ صحا / وَثَنى جُموحَ ضَلالِهِ الرَسَنُ
قَد كانَ أَولاكَ النصوحُ هُدىً / لَو أَنَّه في النُصح مؤتَمَنُ
لكن تَعامى عن نصيحتِه / منك الفؤادُ وَصُمَّت الأذنُ
وغدوتَ تخطرُ في بُلهنيَةٍ / من صفوِ عيشكَ والهَوى فِتَنُ
يُصيبكَ كُلُّ مهفهفٍ نَضِرٍ / من قَدِّه يَتَعلَّمُ الغُصنُ
فتنَ القلوبَ بحسن طلعتِه / فَكأَنَّهُ في حُسنه وثنُ
وأَراكَ من باهي محاسِنِه / مِنحاً ولكن دونَها مِحَنُ
أَمّا الغَرامُ فقد مُنيتَ به / فَعلامَ يرهنُ عزمَك الوَهنُ
قَد طالَ مُكثُكَ حيث لا وَطَرٌ / يَصفو به عَيشٌ ولا وَطَنُ
وأَضرَّ قَلبكَ طولُ مُغتَرَبٍ / لا مَسكَنٌ يَدنو ولا سَكَنُ
فإلامَ تَرضى لا رَضيتَ بأَن / يُنمى إِليك العجزُ والجُبُنُ
أَحلا لِنفسِكَ أَن يُقالَ لَها / هَذا عليٌّ حَطَّه الزَمَنُ
حصل الجَهولُ على مآربه / وَمَضى بغير طِلابِه القَمنُ
حتّى مَتى قولٌ ولا عَمَلٌ / وإلى مَتى قصدٌ ولا سَنَنٌ
ما شانَ شأنَك قطُّ منتقِصٌ / أَنتَ العليُّ وذكركَ الحَسَنُ
فاِقطَع برحلكَ حيث لا عَتَبٌ / واِربأ بعرضِكَ حيث لا دَرَنُ
واِفخر بسَبقكَ لا بِسَبق أَبٍ / فخراً فأَنتَ السابق الأرِنُ
إِن يبلَ ثوبُك فالنُهى جنَنٌ / أَو تودَ خَيلُك فالعُلى حُصُرُ
لا تَبتَئِس لملمَّة عرضَت / لا فرحة تَبقى ولا حَزَنُ
لَولا اِزديارُكِ في الكَرى وَهنا
لَولا اِزديارُكِ في الكَرى وَهنا / كانَ السهادُ لطرفِه أَهنا
أَلَطيفُ كانَ أَرقَّ منك له / لَولا الصَباحُ لزارَه مَثنى
إِن تمنعي يَقظى زيارتَه / فَلَقَد أَبحتِ وصالَه وَسنى
يا ظبيةً بالسَفح راتعةً / تَشتو الغضا وتربَّعُ الحزَنا
إن ينأَ حيُّك فالهَوى أمَمٌ / أَو تَقصَ دارُك فالحَشى مَغنى
ما كُنتُ أَحسبُ قبل فُرقتنا / أن سوفَ تغلقُ مُهجَتي رَهنا
وَلَقَد سأَلتُ عَريفَ ركبِهمُ / عنها فقال ترحَّلت مَعنا
لِلَّه مسكنُها على إِضمٍ / لَو دامَ لي وَلهاً به السُكنى
إِذ كانَ رَوضُ صَبابَتي نَضِراً / غضّاً وغصنُ شَبيبَتي لُدنا
أَيّامَ تُسعدني بزورتِها / سُعدى وَكُلُّ لُبانتي لُبنى
لَم أَنسَها وَالبينُ يُزعجها / تُبدي العزاءَ وتكتم الحُزنا
حتّى إِذا جدَّ الرَحيلُ بها / بلَّت سجالُ دموعِها الرُدنا
واهاً لَها من غادةٍ سكنت / منّي الحشى إِذ حاولت ظَعنا
قد بعتُها روحي بلا ثَمَنٍ / لا أَشتَكي في صفقتي غَبنا
غَرّاء يَحكي الصبحُ غرَّتها / لكنَّ صبحَ جبينها أَسنى
تَربو على أَترابها حَفَراً / وَتَفوقُ غرَّ لِداتها حُسنا
نشرت ذوائبَها عَلى قَمَرٍ / وَثَنَت على حِقفِ النَقا غُصنا
لِلَّه أَيُّ محاسنٍ جُليت / لَو كانَ يَشفعُ حسنَها حُسنى
وَمؤنِّبٍ فيها يُزخرفُ لي / نُصحاً وَلَيسَ لنُصحه مَعنى
ما ضرَّه همّي ولا وَصَبي / قَلبي الكَئيبُ وجسمي المُضنى
هَيهات يُسلي العذلُ لي كَلَفاً / ويطرِّقُ التأنيبُ لي أذنا