القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 210
أَحقائقٌ ما قد مثلن أَمامي
أَحقائقٌ ما قد مثلن أَمامي / أَم ما أَرى صور من الأوهامِ
إني أُلِمُّ بما أُشاهد يقظةً / فأشك في عيني وَفي إِلمامي
كونٌ جهلت على اِكتَناهٍ أَمرَه / وَجهلت فيه بداءتي وَختامي
صح الوجود لعالمٍ نحيا به / أَمّا الوجود فحيرة الأفهام
أَفقاعة أَنا ضمن بحر قد طمى / أَم أنني البحر الَّذي هُوَ طامي
وَلَقَد تتبَّعت الحَياة وَأَهلها / فإذا الحَياة كَثيرة الأحلام
اليَوم ليل شاب شعر قذاله / وَاللَيل بعض حوادث الأيام
وأَروم إيضاحاً لما قد أَبهمت / فَتَزيد إِبهاما على إِبهام
أَمشي وَما مشيي هناك لغاية / في وسط نور تارة وَظَلام
ذهبت عَلى أثر الشباب سعادتي / عني فقلت لها اذهَبي بِسلام
لَيست سعادة أنفس وَشَقاؤُها / إلا من اللذات والآلام
نَبغي من اللَّيل البَهيم وَضاءَةً / وَالليل منطبع على الإظلام
إِنّا بواد لَيسَ يؤمن سيله / فَلنَبتَعد عنه إلى الآكام
تتقدم الأقوام فيه وَخشيتي / أَن لا يَدوم تقدم الأقوام
وأَرى البنات محجبات في الصبا / كالزهر يخنق وَهْوَ في الأكمام
ما اللَّه عند مصوريه للورى / جسداً سوى صنمٍ من الأصنام
المَوت يهزأ بالحَياةِ
المَوت يهزأ بالحَياةِ / وَالقبر يعبث بالرفاتِ
وَالمَرء ينهشه البلى / في القبر وَهُوَ بلا شكاة
ماذا يضر المَرء من / نهش البلى بعد الممات
وَالمَرء لَيسَ يحس بع / دَ مَماته بالحادثات
وَالمَرء لَيسَ سوى ترا / بٍ جامد بعد الوفاة
أترى الجَماعة فكَّرت / أن المَصير إلى شتات
للكَون أزمان تدو / ر عليه من ماضٍ وآت
الطالِعات من النجو / م شبيهة بالغاربات
وَالنَفس لَيسَت تَطمَئِن / نُ إلى تناهي الكائنات
ما الأرض بين فضائها / إلا حصاة في فلاة
بَل ذرة عصفت بها / هوج الرياح الذاريات
لَم يشجني في كل ما / شاهدت شيء في حَياتي
كالأرض أُبصرها موا / تاً بين دجلة وَالفرات
وَالمرأة الحَسناء تَش / كو زوجها والزوج عاتي
أَقبح بِقَوم حقروا / أَزواجهم والأمهات
أَجهل بقوم قد رأوا / فضل البنين عَلى البنات
لَيسَ الفَتى برعاية / أَولى هناك من الفَتاة
ذم الحَياة فإنها / لَم تخل يوماً من أذاة
ولرب يوم فيه قد / بان العشيُّ لدى الغداة
ما أشجن الأكواخ في / جنب القصور الشاهقاتِ
إِنّا بعصر ما تقد / دم في سَبيل المكرمات
عصر الخداع فَلا يما / ز به الصديق من العداة
بَل قلما تجد امرأً / في الناس محمود الصفات
لَيسَ الحَياة سوى وغىً / قد طبقت كل الجهات
حرب تأججُ نارها / وَالقائدون من الدهاة
ما فازَ بالظفر امرؤٌ / في الحرب إلا بالثبات
متع حَياتك واِغتنم / لذاتها قبل الفوات
كَم من مضل في جما / عته يعد من الهداة
يَرجو وصالَ الحور بع / دَ المَوت قوم بالصلاة
هَيهات لَيسَ لمن به / تودي المَنيَّةُ من حَياة
إلا إذا أتت القيا / مة وَهيَ يوماً سوف تاتي
الفَيلَسوف الفَيلسوفُ
الفَيلَسوف الفَيلسوفُ / هُوَ من تربته الصروف
هُوَ من سمت فيه الحَيا / ة فَلا يَخاف وَلا يخيف
هُوَ من أَبى ان تشمخر / رَ عَلَيه للكبر الأنوف
هُوَ من إذا اقتحم الزعو / فَ فَلا تثبطه الزعوف
وإذا مضى شيء أحب / بَ فَما عَليه هو الأسيف
هُوَ من يَرى بشعاع عق / لٍ لَيسَ تحجبه السجوف
أَما الحَياة فَلا يَكا / د يفوته منها الطَفيف
يَمشي وَحيداً لا يَرا / فقه عشير أَو أَليف
يطأ الرَصيف بخفة / فَيَكاد يخفيه الرَصيف
يَسري عَلى ضوء النهى / في لَيله الرجل الحصيف
المشكلات برأَيه / منحلة فهو العَريف
وَالرأي يحسم غربه / ما لَيسَ تحسمه السيوف
وَلَقَد يَموت نبوغه / مَن لا تساعده الظروف
الكَون شيء ثابت / وَالحادِثات به تَطوف
إِنَّ الطَريف به تلي / دٌ وَالتَليد به طَريف
كَم قَد علا السهل الوَطي / ء وَقَد هَوى الجبل المنيف
وَلعلَّ ما أَنا شاهد / في لَيل إدلاجي طيوف
وَلَقَد تعسفت الحَيا / ةُ فَما أذلتني الصروف
وَعَلى خَفاياها وقف / تُ فَما أَفادنيَ الوقوف
وَلَقَد أكون مصارعاً / لخطوبها وأنا الضَعيف
أَو مدلجاً في لَيلها / وَاللَيل معتكر مخوف
أَلأجل أن يَلقى السَعا / دة واحد يَشقى ألوف
ما أَكثر الإنسان حر / صاً وَهْوَ يشبعه الرَغيف
عبء الحَياة وَلا تظن / نَ بأنه عبءٌ خَفيف
ما زلت أحمله وإن / ني ذلك الجسد النَحيف
ماذا يفيد الجسم في / حاجاته عضو مؤوف
سأَنام في حضن الطَبي / عة فَهيَ لي الأم العَطوف
متع حَياتَك قَبلَ أَن / تودي بمهجتك الحتوف
الروض لا يَبقى به / زهر إذا جاءَ الخَريف
الناس إما نعجة / تَنقاد أَو ذئب يحيف
لَهفي عَلى الجنس اللَطي / فِ يضيمه الجنس الكَثيف
متحملاً من عسفه / ما لَيسَ يحمله الوَصيف
ما أَتعَس الحسناء يم / لك أَمرها الزوج العَنيف
فَهُناك جرح مهلك / إلا اذا اِنقطع النَزيف
قَد هبَّ يقلع دوحة / من أَصلها ريح عصوف
ماذا أَفاد الباكيا / تِ من الأسى الدمع الذَريف
الخير أن تَهوى الفتا / ة فَتى له حب شَريف
وَالشر كل الشر أَن / يغتر بالذئب الخَروف
زوجان ما أَسمى مقا / مَهما العَفيفة وَالعَفيف
ما أَحسن الثوب النَظي / فِ وَراءه عرضٌ نَظيف
إني امرؤ لا أَجهرُ
إني امرؤ لا أَجهرُ / إلا بما أَنا أَشعرُ
لا أَطمئن لغير ما / أَنا سامع أَو مبصر
أَنكرت ما حمد الوَرى / وَحمدت ما قَد أَنكروا
اِرتاب في نبأ به / يفضي إليَّ المخبر
بل لا أصدق منه شي / ئاً قبلما أَتبصر
أما الخرافة فهي ما / عنه أَفر وأَنفر
لا أَقتَفي أثر الغَوا / ني غير أني انظر
عاشرنني فرأين كَي / فَ يعف مني المئزر
لا أَكبر الأشياءَ لَي / ست في العَواقِب تثمر
العقل من إكباره / تلك السَخائف أَكبر
قد آلموني بالقَذي / فة وَالشتوم وأكثروا
وَتعصّبوا حَتّى رمو / ني بالمروق وَكفروا
إن نابني شرٌّ فإن / ني منه لا أَتَذمر
أَو جاءَني خير فَلا / أَغترّ منه وأَبطر
أرد النَمير وبعد ما / أَروي غَليلي أَصدر
وَلَقَد قنعت من الطَعا / م ببلغة تتيسر
لا كالَّذين عَلى طعا / م واحِدٍ لَم يصبروا
أَو كالَّذين إذا تغي / يرت الظروف تغيروا
أَو كالَّذين إذا تَجَم / هرت الرعاع تجمهروا
أَو كالَّذين تذللوا / أَو كالَّذين تكبروا
أَو كالمنافق جاء يظ / هرُ غير ما هو يضمر
وَالشعر لست أَقوله / إلا كَما أَنا أَشعر
ما إن أقلد من مضت / قَبلي عليه الأعصر
والشعر قائله بتق / ليد الطَبيعة أَجدَر
إن الطَبيعة مورد / للشاربين ومصدر
يجد المواضيع الكَبي / رة عندها المتفكر
وَالشعر لَيسَ سوى الَّذي / هُوَ للشعور مصور
وَالشعر بالمعنى المطا / بق للحَقيقة يكبر
وَلَقَد يثير عواطفاً / من سامعيه وَيسحر
وَالشعر مرآة بها / صور الطَبيعة تظهر
لَيسَ القَريض بطوله / بل قد يَفوق الأقصر
وَلَقَد يطيل قصيدَه / فَيجيد أَشعث أَغبَر
واذا البَراعة ووزنت / يتقدم المتأخر
أحسن بشعر عَن شعو / ر النفس جاءَ يعبر
يَرعاه شعب يستقل / لُ وأمة تتحرر
ما للأديب بقطره / في الشرق قدر يذكر
أَمّا الشَقاء فحظه / منه الأتم الأوفر
وَلَقَد يصادف عزه / من بعد ما هُوَ يقبر
من بعد ما في قبره / أَوصاله تَتَبَعثَر
ماذا من التَكريم ير / جو ميت لا يشعر
بادَت شعوب لا تريدُ
بادَت شعوب لا تريدُ / وإذا أرادَت لا تَبيدُ
لا النار توقف ما أرا / دته الشعوب وَلا الحَديدُ
العز في صدق العَزي / مَةِ وَالشعوب كَما تريدُ
ما إِن يثبط عزم شع / بٍ همَّ وعدٌ أَو وَعيدُ
وَالناس إِمّا سَادة / لهمُ الإِرادةُ أَو عَبيد
وَالناس شتى في معي / شتهم شقيٌّ أَو سَعيد
وَالناس أَيقاظ تحس / سُ بما هنالك أَو رقود
وكذاك أيام الحيا / ة فإنها بيضٌ وسود
إِنا بعصرٍ لا يَجو / ز لمن يَعيش به القعود
ما أوصل المتأخري / نَ عَن المَدى المشي الوَئيد
تلكم بلا ريبٍ نوا / ميس لها خَضَعَ الوجود
سنن الحَياة وَلَيس عَن / سنن الحَياة لنا محيد
الشعر أكبر موقظ / يدعو فتنتبه الهجود
كل الفنون تجددت / وَالشعر يعوزه الجَديد
ما قامَ حتىّ أَثقلت / هُ من قوافيه القيود
قد حدَّدوه للورى / وَالشعر لَيسَ له حدود
لا يَرتَقي شعب عَلى ال / أدب القَديم له جمود
ما ضرَّ سامعَها لَو اِخ / تلفت قوافيها القَصيد
من كانَ ينظم عَن شعو / رٍ صادقٍ فهو المُجيد
لا خير في شعر لِما / قد قيل صاحبُه معيد
وَالشعر يحيا نزره / وَالشعر أكثره يبيد
وَالشعر إن صدقت معا / نيه يكون لهُ الخلود
وَلَقَد يشيع بيومه / فكأَنَّه مثلٌ شرود
ما ضرّ حقاً بيِّناً / أَن لا يَكون له شهود
يَكبو فَيَلقى حتفه / شعرٌ كقائله بَليد
شعر برودته عَلى / برد الجَليد أَتَت تزيد
وإذا الجَليد رأى شعا / عاً كافياً ذابَ الجَليد
هَذا لعمري ما أَرا / ه في القَريض ولا أَحيد
إن الرَّبيع لسيد الأزمانِ
إن الرَّبيع لسيد الأزمانِ / فيه تتم لذاذة الإنسانِ
كَم فيه من زهر يروقك لونه / كَم فيه من روح ومن ريحان
الروض يَزهو نوره في فصله / بِبَدائع الأشكال والألوان
زهر به ثغر الروابي باسم / والجو منه معطر الأردان
في مثل ذلك من زمان مبهج / تَمشي ثلاث كواعب أخدان
لَيلى وَترباها سعادُ وَزينبٌ / يمرحن فوق مناكب الكثبان
مثل الدمى بل فائقات للدمى / في منطق عذب وحسن بيان
من أرفع الأبيات منزلة وقد / جمَّعن كُل محاسن النسوان
فرجحن في الحي النساء صباحة / وَالحي يعبدهن كالأوثان
أَحببن شرح الصدر من أوصابه / فبرزن للصحراء باستئذان
متلاعبات فوق أذيال الربى / وَشعابها كتلاعب الغزلان
ينظمن في سمط الحَرير أزاهراً / فينطنها بالرأس كالتيجان
وَيَضَعنَ منها في الرقاب قَلائداً / تزري بعقد الدرِّ وَالمرجان
لَيلى تغرد أو سعاد وَزينب / تترنمان بأَطيَب الألحان
في روضة غناء يبسم زهرها / عَن أبيضٍ يققٍ وأحمرَ قاني
يَمشين في مرح عَلى أعشابها / مشى القطا الكدري للغدران
من نسوة لعب الصبا بقدودها / لعب الصبا بمعاطف الأغصان
غادرن في المَشي الخيام بعيدة / ما إِن تَرى أَشباحَها العَينان
وَلهون بالأزهار إعجاباً بها / وَجهلن ما أَخفت يد الحدثان
حَتّى التقين عَلى الأباطح بغتة / بمدججين ثلاثةٍ فرسان
فرأوا نساءً كالمها من غير ما / حامٍ بأَبعَد موضع وَمَكان
فأثارهم طمعٌ هناك فهاجَموا / مثل الذئاب تعيث في الحملان
فَعلا الصراخ وَزادهن مخافة / أن لَيسَ ثمَّة من نصير داني
راع المقام فؤادَ لَيلى فاِختفت / في ظهر زينب وَهي في رجفان
تَرنو العيون الى السماء كأَنَّها / تَرجو هبوطَ مفرِّج رباني
وَتذكرت سعد العَشير خَطيبها / نجل الرَئيس عَلى بني حردان
وإذا بنقع ثائر من جنبهم / يَدنو كَزوبعة بغير تواني
وَرأوا هنالك فارساً فإذا به / فرد أَتى يَعدو بلا أعوان
وَعلمن حين نظرن لون جواده / أن ذاكَ سعدٌ فارس الدهمان
فهدأْنَ عند وصوله في وقته / وَشكرن بعد الخوف للرحمن
لما أتاه أن لَيلى قد نحت / مع جارتيها البرَّ للسلوان
رجَّى اللقاء فسار يطلب ظاهراً / بركوبه متصيدَ الغزلان
وَرأى فوارس من بعيد قصدها / غصب النساء فشدَّ في العدوان
قالَت أغث يا سعد إنا نَحتَمي / بك من أولاء الطغمة الخوان
فازورّ من غضب وأوقف طرفه / في القرب يَزفر زفرة الغيران
طلبوا إليه أن يسير لوجهه / وَيكف مدخله بهذا الشان
فأبى وأبدى النصح أَن يتجبنوا / فِعلاً يَسوء صداه في البلدان
واستحقروه إِذ رأوه أمرداً / غرّاً وعدّوه من الصبيان
وَرَماه منهم فارس برصاصة / أشوت فكر يجول في الميدان
وَهوى إليه طاعناً في ظهره / بسنان رمح لان كالثعبان
وارتد يفتقد النساء فأطلقا / ناراً عليه وَلَيسَ كالنيران
فخلا لها لكن أَصابَت رمية / لَيلى قضَت منها لبضع ثواني
صرخت لمصرعها سعادُ وَزينبٌ / جزعاً يذيب القَلب بالأحزان
فهناك شد عليهما بعزيمة / سعد كليث خادر غضبان
فاستأنفا رمياً وكان يداهما / من خوف ما شهداه ترتجفان
فدنا ففرّا فاِستحث جواده / وَهوى هويَّ جوارح العقبان
حتّى إذا لحق الجواد تَضَرَّعَا / متوسلينِ إليه في استئمان
فأبى وَجاشَ بغيظه متذكراً / لَيلى وَمصرعها عَلى التربان
وَسطا وجدَّل واحداً بقناته / وأَطار بالصمصام رأس الثاني
نظر العروس وسيفه متصببٌ / علقاً فظل يجيش في غليانِ
لَم يَدرِ لما راءَها مصروعة / تَبدو بأَحسن منظر مزدان
أَهُناكَ جسم فارقته روحه / للموت أَم روح بلا جثمان
الخد موضوع بجانب زهرة / وَالشعر منبسط عَلى الريحان
يَحلو لِعَين المرء مدُّ يمينها / وَتَروق منها فترة الأجفان
أشجاه منظرها فأسبل عبرة / وَمشى يردد زفرة الوَلهان
حملوا عَلى ظهر المطهم جسمها / وَنحوا منازلَهم بذي سعدان
لما دنوا من حيهم وفشا الَّذي / قَد كانَ قامَت ضجة النسوان
فأقمن من أسف عليها مأتماً / فَتَّتْنَ فيه مرارة الإنسان
ولطمن وجهاً صين من مسِّ الأذى / وَشققنَ جيبَ الواجد الثكلان
وَنشرنَ شعراً للرزية صاغراً / وَخمشنَ خداً ذل للحدثان
والأم بين نوائح وَنوادب / شمطاء تزفر من أحر جنان
تحثو التراب عَلى جوانب رأسها / وَتَصيح من قلب لها حران
فَتَقول وَيلي بل وويل عشيرتي / للرزء يا لَيلى وَللخسران
لَهفي عليك فَقَد تجرعت الردى / ومن الشَبيبة أنت في ريعان
لِلَّه أَنتِ وَما ملكت من النهى / وَجمعت من حسن ومن إحسان
عجلت في الترحال يا لَيلى وَما / قبلت أمك آه من حرماني
ووددتُ أني في مَكانك للردى / غرض وأنك عنه كنت مكاني
وَحرمت عيني أن تراك بملئها / فتركتها وقفاً عَلى الهملان
أطوي الضلوع عَلى فؤاد خافق / وأعض من أسف عليك بناني
أَنتِ العَروس دنا زَمانُ زفافها / لِلَّه ذلك مِن زَفاف داني
أَسَفي عليك يَطول من مقتولة / برصاص أَهل البغي وَالعدوان
أَدرجن بعد الغسل ناعم جسمها / فيما أَطابوه من الأكفان
وَسعى العَشيرة كلهم في حملها / للقبر آخر منزل الإنسان
ما بين باك شارق بدموعه / وَممزق لثيابه وَلهان
دفَنوا العَروس بحفرة وَتَقهقَروا / متأسفين مقرَّحي الأجفان
وَتَبينوا أَحد الرؤوس فأَيقَنوا / أن ذاك رأس معدد الديران
قَد جاءَ متخذاً وَظيفته من ال / والي وَكيل جلالة السلطان
ما زالَ مذ ورد القضاء معدداً / مَع حارسين ملازم الدوران
فَجَرى القَضاء بأن يموت بخبثه / موتاً يخازيه مَدى الأزمان
كل الَّذين عَن المواطن غابوا
كل الَّذين عَن المواطن غابوا / يا أم إلا أحمداً قد آبوا
يا أم قد جاءَ البَريد ولَم يجئ / من أَحمَدٍ يا أم بعد كتاب
أَخبرته يا أم في كتبي له / أني مرضت فَلَم يوافِ جواب
يا أم إن بقاءَ أحمد غائباً / للصبر مني والعزاء غياب
يا أم في قلبي اضطراب ماله / يا أم عن قلبي الشقيِّ ذهاب
يا أم مثلي وَالزَمان أمضّني / يا أم لَيسَ عَلى البكاء يعاب
ما كانَ ظني أن أَحمد مزمع / عني رَحيلاً لَيسَ منه مآب
يا أم إني اليوم صرت بأَحمدٍ / بعد الوثوق بعهده أرتاب
قالَت لَها الأم الشَفيقة خولة / ما كل ظنّ يا سعاد صواب
أَسعاد أَنت مريضة وأَخاف أن / تزداد فيك من الأسى الأوصاب
لا تَتْهميه بالسلو فَربما / عاقته في أَسفاره أَسباب
قَد يوقف الإنسان عَن منويِّه / ما لَيسَ قبلاً يَحتَويه حساب
لي من تأخر كتبه عنا نعم / عجب إذا فكرت فيه عجاب
لكن ذلك قَد يَكون لباعث / ظني بكشف غطائه كذاب
وَلننتظر يومين بعد فربما / تأتي لنا بحديثه الأصحاب
إنَّ الحَقيقَة عند ذلك تَنجَلي / فَيَزول عنا هَذا الاستغراب
زارَت سعاداً في المَساء صَديقةٌ / للدمع فوق خدودها تسكاب
قالَت لَها ما لي أَراك كَئيبةً / أَرَبابُ ماذا تَعلَمين رباب
لِم أَنت ساكتةٌ بربك أَخبري / هَل عض أَحمدَ للحَوادِث ناب
لا تَكتمي عني مغبة أَحمَدٍ / أَلَهُ بسوءٍ يا رباب أَصابوا
ماذا سمعت تحدثي فَقَد اِلتَوت / مني لأجل بكائك الأعصاب
قالَت عزاءَك يا سعاد تجلدي / فَلَقَد تقوَّض للرجاء قباب
إن اللصوص أَتوا بليلٍ أَحمداً / واِغتاله طمع لهم غلاب
قَد جاءَ في هَذا لِزَوجي قاسم / من صاحبٍ هَذا الصباح كتاب
أَخذت سعاداً رجفة عَصبية / من هول ما سمعت وَضاع صواب
فكأنما نبأُ الفَجيعَة جذوةٌ / وَكأَنَّما إِخبارها إِلهاب
من بعد ما اِحترقت بها اِنقضَّتْ كما / ينقضُّ من كبد السماء شهاب
وَتقلَّبت فوق التراب كأنها / حملٌ تعجَّل ذبحَهُ القصّاب
سقطت وَقَد خطف الرزية لونها / فكأنها فوق التراب تراب
رفعت إليها الأم واطئَ رأسها / وغدت تسائلها وليس تجاب
ثم اِرعوَت من بعد ساعة غيبةٍ / تَبكي كأن عيونها ميزاب
وَتَقول يا أم استبد بحكمه / فيَّ القضاء فَلي عليه عتاب
يا موت إنك أَنت حلو فاِقترب / إنَّ الحَياة من المرارة صاب
يا موت غيري إن يَهبَك فإنني / أنا لا أهابك والحياة أهاب
أمنيتي قد صرت من أمنيتي / أمنيتي أنَّ الحَياة عذاب
يا أم قد أَتَت الحتوف تزورني / أَهلاً وَسهلاً أَيُّها الأحباب
يا أم منها استوهبي لي مهلة / يا أم حتى ترجع الغياب
يا أم إن هناك أحمد يَبتَغي / عوداً إِليَّ ودونه الأبواب
ما تلك أَبوابٌ فَقَد حققتها / بل إنها بين الطَريق هضاب
وكأَنَّما في كل قمة هضبة / يا أم من تلك الهضاب غراب
غربان بينٍ في الروابي وُقَّعٍ / منها يدوّي في الفلا التنعاب
وأَرى الطَريق أمام أَحمد واضحاً / لكن عليه يا سلام ذئاب
يا رب عونك فالذئاب تلوح لي / مثل اللصوص وَفي الأكف حراب
يا أحمد اثبت في مكانك باسلاً / لا يوهننّك منهم الإرهاب
كن حيث أنت وَلا تخف ستجيء من / قبل الحكومة ذادةٌ أنجاب
تأتي لخفرك بعد عشر دقائق / منهم كهولٌ لا تني وَشباب
درء الحكومة عَن رعيتها الأذى / متحتِّم وَلَها الحماية داب
وَسيقبضون عَلى اللصوص وَتَنتَحي / بهمُ السجون وإن ذاك عقاب
وَتَعود مخفوراً إِليَّ مشيعاً / فيُقرُّ هذي العين منك إِياب
يا أم قَد هَجموا عليه بجمعهم / في مرة وَالهاجمون صعاب
يا أم وهو مدافع عَن نفسه / يا أم ما إن أحمدٌ هيّاب
شرعت حراب الهاجمين تنوشه / لِلَّه أحشاءٌ هناك تصاب
قَد خرَّ من أَلم الجراح لجنبه / وَتلطخت بدمائه الأثواب
قَتَلوا حليلي أمسكوهم إنهم / فروا إلى تلك الشعاب وَغابوا
قَتَلوه وَيلي ثم وَيلي غيلة / والقاتِلون أسافلٌ أَذناب
أين الحكومة أين أين رجالها / ناموا وَنوم أولي الحراسة عاب
أخذت تسليها هنالك خولةٌ / وَسحاب همّ سعادَ لا ينجاب
حتىّ قَضَت حزناً وذلك بعدما / عبثت بناعم جسمها الأوصاب
فتبوأت جدثاً به نامَت سقى / جدثاً به نامَت سعاد سحاب
كانَت كعاباً في غضير شبابها / لو أخَّر الموتَ الزؤامَ شباب
وَلَقَد تَزول الحرب عَن أرضٍ بها
وَلَقَد تَزول الحرب عَن أرضٍ بها / شبت وَتَبقى فوقها الأشلاءُ
تَبغي المدافع هدم أَية قرية / فَلَها عَلى شط الفرات رغاء
جَرَت الدموع عَلى دماء قَد جَرَت / وَجرت عَلى تلك الدموع دماء
وَرأَيت في الصبح الشيوخ جميعهم / يدعون لَو نفع الشيوخَ دعاء
ما كنت أَعلم أَن يجيء زَمانُ
ما كنت أَعلم أَن يجيء زَمانُ / يرقى إلى السروات فيه هوانُ
ثقل المَريض وَلا أَقول ببرئه / حتىّ يَزول هنالك البحران
الحرب أَول ما تثور عجاجة / وَالنار أَول ما تشب دخان
ثارَت عَلى شرق الفرات وَغربه / حربٌ كَما شاءَ الدفاع عوان
الناس طراً في العراق تقاربوا / من بعد ما اِبتعدت بهم أضغان
كانوا خصوماً ثم حاقَت فتنةٌ / وإذا الخصوم كأَنهم إخوان
ما فازَ بالظفر امرؤٌ
ما فازَ بالظفر امرؤٌ / في الحرب إلا بالثبات
أطر الشجاعة في الرجا / ل فتلك من خير الصفات
إن المَصير إذا استكا / نت أمة لإلى الشتات
تُبنى صروح الغالبي / نَ عَلى الجماجم وَالرفات
للحَرب وَيلات بِنِس
للحَرب وَيلات بِنِس / بَتها هنالك تكبرُ
للحرب كسر في عظا / مِ رجالها لا يجبر
الحرب للمتهوسي / نَ هيَ الطَريق الأوعر
الحرب ذنب الاجتما / عِ وإنه لا يغفر
الحرب لَولا أن تمس / سَ ضرورة لا تشهر
تضني الَّذي هُوَ ظافر / وَتُذلُّ من لا يظفر
في الحرب لا تلقى من ال / فئتين من لا يخسر
جو السَلام إذا تَوَق / قدت الوغى يتعكر
لِلَّه أطراف تطا / ير أَو بطون تبقر
لِلَّه أَجساد عَلى / جنباتها تتكور
ما إن يَروق عيونَ حز / بِ السلم ذاكَ المنظر
أرهب بطياراتها / تُلقي المنون وَتمطر
أعجب بغواصاتها / تَرمي وَلَيسَت تظهر
الشَمس قد غربت فَقامَ مَقامها
الشَمس قد غربت فَقامَ مَقامها / شفقٌ بحاشية السماء رَقيقُ
لي حين يبدي اللَيل زهر نجومه / نظر إِلى الشعرى العبور سَحيق
وكأن هَذا اللَيل سجف أَسوَد / وَكأَنَّما فيه النجوم خروق
ألممت بالمستنصرية زائراً
ألممت بالمستنصرية زائراً / أطلالها وَالجامِعاتُ تزارُ
دارٌ لعمري كانَ فيها مرة / أهل وأخرى ما بها ديّار
ما إن تُبالي الدار بعد خرابها / وَقفوا عليها ساعة أَو ساروا
ساءلتها مستعلماً عَن أَهلها / فوددت لَو تتكلم الأحجار
إن الحمى من بعدهم لا لَيله / ليل وَلا سمَّاره سُمَّار
أَخذ الفَتى لما تذكر عهده / يَبكي فتقرأ دمعه الأنظار
في الروض من بعد الخَريف وَبرده / ذبلت عَلى أفنانها الأزهار
يا حقُّ قد دَفَنوك حيّاً في الثرى / يوم القضاء فعادَني اِستعبار
وأَمضنى من بعد دفنك أَنَّني / ما زرتُ قبرك وَالحَبيب يزار
ذهب الزَّمان الأغبرُ
ذهب الزَّمان الأغبرُ / وَأَتى الزَّمان الأخضرُ
جاءَ الرَبيع فأصبحت / فيه البَلابل تصفر
في جنة غناء با / كرها سحاب ممطر
وَتفتحت أَزهارها / تَحكي عيوناً تنظر
وإذا تجاوبَت البلا / بل في مَكان تسحر
حول العِراق وأُمَّة / أَخذت به تتطور
هلعت قلوب القوم في اليابانِ
هلعت قلوب القوم في اليابانِ / للبحر حين طغى وَللنيرانِ
جُزُرٌ غلين كمرجلٍ فتهدَّمت / أَعلامُها من شدَّة الغَليان
وكأن أَسباب السماء تقطعت / وكأن قلب الأرض ذو خفقان
عرت البلاد زلازلٌ فتقوَّضت / فيها بهنَّ منازلٌ وَمَغاني
سل من أَلَمَّ بها يقيس خرابها / ماذا يرى فيها من العمران
وكأَنَّما اِعتاضَت جحيماً تَلتَظي / عَن جنة ملتفة الأغصان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمرانِ / في الحادِثات كنكبة اليابان
صعقت تخر إِلى الوجوه حلولها / للصيحة الكبرى بكل مَكان
مُنيَ القُلوب وكل حي عندها / والأرض ذات العرض بالرجفان
كَم مرضعٍ ذهلت لها عَن طفلها / فرمت به عنها من الأحضان
وَكَم استجار أَبٌ عَليل بابنه / فأَشاح بالإعراض وَالخذلان
كل اِفتراقٍ لا أبا لك هينٌ / إلا افتراق الروح والجثمان
ما للأعزة في مناعة أَرضهم / هانوا وَما خلقوا بها لهوان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
نار وَطوفان وَزلزال معا / لَم تُبق من صرحٍ ومن إيوان
أكئبْ بهاتيك الطلول وَما بها / من مشهدٍ يدعو إلى الأشجان
تَبكي العيونُ عَلى عفاء ربوعها / وَمصارع الفتيات وَالفتيان
يا للشقاء وَنكبة نزلت بمن / نَزلوا بتلك الأرض من سكان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
أَخذت تصب بها الطَبيعة غيظها / وَتَثور حانقة عَلى الإنسان
ماذا أَثار الأرض حتى أَصبحت / تَرنو إلى الإنسان بالعدوان
النار شبت في البلاد فأَحرقت / فيها الَّذين نجوا من الطغيان
وَالماء أَغرق من نجوا بفرارهم / من تلكم النيران في البلدان
عصفت بهم في اللَيل عاصفة الردى / فَبَدا الحَريق بجانِب الطوفان
إن صُدَّ عَن بحر فنار قد بَدَت / أَو صد عَن نار فَلُجٌّ داني
النار تدفعهم إلى أَمواجه / وَالموج يقذفهم إلى النيران
الماء وَالنيران قَد فَتكا بهم / وَالماء وَالنيران يستبقان
النار تَشوي وَجههم بشواظها / وَالماء يغرقهم بلا تحنان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
الأرض تقصف كالمدافع تحتهم / وَالجو يلمع باللَهيب القاني
وَتَرى البروق وَقَد تتابع وَمضُها / تَبدو ضواحك في سحاب دخان
وإذا الصواعق أَرزَمَت من فوقهم / خروا لخشيتها إلى الأذقان
بل كُلَّما سمعوا هزيمَ رعودها / وَضعوا أَصابعَهم عَلى الآذان
وَإِذا أَضاءَت أَغمضوا حذر الردى / أَو خطفها الأبصار باللمعان
إنَّ الغشمشم وَالجبان كلاهما / في مثل تلك الحال يستَويان
وكأنما تلك الجَزيرَة كلها / لَيسَت عَلى وسع سوى بركان
قَد كانَ في اليابان يا لشقائها / ما لَم يكن في الظن والحسبان
أكبر بها من نكبةٍ سوداء قد / أَخنت عَلى الآباء والولدانِ
أَما الوجوه فإنها قد بدلت / ألوانهن بأَسوأ الألوان
مسودة بالنار تحسب أَنَّها / مطلية بالقار وَالقطران
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
الرجَّة الأولى وَكانَت بغتةً / أَودَت بأكثرهم ببضع ثوان
ماتوا وَماتوا ثم ماتوا ثم لم / يسلم سوى القاصي من الموتان
أَما الألى ظنوا النجاة لنفسهم / فالظن صار بهم إلى الخذلان
لا يعرفون أَأبعدوا عَن حتفهم / أَم أَنَّ ساعات الحمام دواني
لَم يطو من أَسَفي عليهم كونهم / متوارثين عبادة الأوثان
بل كلنا بشر أَبوهم مِن أَبي / عند الرجوع وَكلهم إخواني
ما تلك إلا أُمَّة شرقية / قامَت قيامتها بغير أوان
كَم كانَ فيهم من خَطيب مصقع / طلب البيان ولات حين بيان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
خطب جسام لَم يشاهد مثله / وَلَقَد مضت حقب من الأزمانِ
لَو أنهم كانوا أَمام جحافل / طَلَبوا النزال وَسارعوا لطعان
لكنهم عرفوا بأن عدوهم / لا يَنتَهي بشجاعة الشجعان
أَرأَيتُما يا أَيُّها القَمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
أَما الخسار فإنه في نفسه / لأَجلُّ من وصفٍ ومن تبيان
بل ليس يَدري غير زائر جزرهم / ما قَد أَصابَ القوم من خسران
ذاكَ الثراء الوفر من مجهودهم / لَم يغنهم شيئاً عَن الحدثان
وَهَل الحَياة اذا أَلَمَّت نكبة / ما يَشترى بالأصفر الرنّان
أَهُناك من نفس المساوم مانع / أَم حيل بين العير وَالنزوان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
يا زهرة الشرق الَّتي قد أزهرت / حيناً كأحسن كوكب نوراني
قَد كانَ وجهك فاتني لمعانه / لَهفي عَلى لَمعانه الفتان
أَي الصروف عرا يسومك ذلة / وَهَل النجوم تذل للصرفان
الشرق لَيسَ وإن تعدد رزؤه / عَن نكبة اليابان ذا سلوان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
وَلَقَد يريك الدهر في حدثانه / ما للطَبيعة فيه من سلطان
لا يسلم الإنسان من عدوانها / فالوَيل كل الوَيل للإِنسان
إِنَّ الطَبيعة لا تُسالِم أَهلها / في كل أَرض أَو بكل زَمان
تأَتي الكوارِث يتّبعن كوارثاً / فتلمُّ بالإنسان وَالحَيوان
الأرض تَحتَ المرء يَغلي جأَشها / وَينام ملء العين في اطمئنان
لَيسَ الَّذي تأَتيه عند هدوِّها / مثل الَّذي تأَتيه في الثوران
في جوفها النيران تذكو وهي لا / تنفك حول الشمس عن دوران
إِنّا من الأرض الفضاء ببقعة / لَيسَ الحَياة بها سوى حدثان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
إن الزَلازِل لا تَزال خفيَّة / أَسباب ثورتها عَن الأذهان
كثرت ظنون العقل في تَعليلها / وَالكل مفتقر إلى برهان
وَلَقَد تَكون الكَهرباء يثيرها / في الأرض طبق ظروفها القمران
الكَون نسج الكَهرباء وإنها / هي هذه الحركات في الأكوان
وَهُناك ناس جاهِلون يَرون في / أمر الزَلازل أصبع الشَيطان
وَالبَعض يزعم أن جملة أَرضه / حملت عَلى ثور له قرنان
فإذا تعمد أن يحرك قرنه / أَخذت جَميع الأرض بالرجفان
أَرأَيتما يا أَيُّها القمران / في الحادِثات كنكبة اليابان
قَد يَجعل الوصاف غي
قَد يَجعل الوصاف غي / بَ الشيء منك بمشهد
فَتَكاد تلمس ما يصو / وره لعينك باليَد
لما اِختفت شمس النهار
لما اِختفت شمس النهار / ظهرت كَما أَرجو الدراري
ثم اِنبرى يَهفو السحا / بُ مِن اليَمين إِلى اليسار
فامتدَّ يَعدو دونها / قطعاً كأَمثال المهاري
أَو كالسفين نشرن أش / رعة فهن بها جواري
تَدنو فآونة لَها / تبدي وآونة تواري
أَما النجوم فأَعين / شهلاء تَرنو في خمار
أَو خُرَّدٌ بيض الطلى / ينظرن من خلل الستار
حيّ السماء وَما بها / من طالِعات في اِزدهار
لَولا نجوم اللَيل ضل / لَ سَبيله في اللَيل ساري
تلكم كواكِب زندها / في فحمة الظلماء واري
صغرت بعينك للنزو / ح وَما هنالك من صغار
أزرى الشعاع بكل أَب / عاد الفَضاء لدى السفار
شق الأثير بقوة / وَدَنا عَلى شحط المَزار
يا كَهرباء لأنت أَص / ل الكون أَجمَع في اِعتباري
وَسعت سماء للعوا / لم من طرائقها مجاري
متحركات ما لها / حتى النهاية من قرار
أَما النهاية فَهي لا / يَدري بها في الكون داري
بيض وزرق ثم أخْ / رى لا تريك سوى احمرار
وَلَقَد يَفور النور في / نجم ضَئيل بانفجارِ
وَلَقَد نضرت إِلى المجر / رة نظرة ذات اِختبار
فإذا المجرَّة شبه نه / رٍ في وَسيع الكَون جاري
وإذا النجوم بها شمو / س قد سطعن من الأوار
وَالشمس أم الأرض تغ / ذوها بأَنوار وَنار
منها الحَياة وكل ما / يَحمي الحَياة من البوار
وَلَها توابع جمَّة / كلّ مغذٌّ في مدار
وَتَرى أَولات ذوائبٍ / يَمشين هوناً في وقار
حتى إذا ما قاربَت / أَخذت تزايد في البدار
تأَتي وَتَذهَب ثُمَّ تأ / تي بعد حينٍ لازديار
وَهُناك قسم لا يحو / ر إذا تَناهى في النفار
العلم يَهدي السالكي / نَ إلى الحَقيقَة باختصار
وَالجهل يوقفهم عَلى / جرف من الأوهام هاري
لا علم إلا كنت حي / ناً منه خواض الغمار
أَبغي الحَقيقَة وَالحَقي / قةُ ما عَلَيها من غبار
وَأَرى طَريق الظن وع / راً ذا اِرتفاع واِنحدار
لا يسلم الإنسان حي / ن يَسير فيه من عثار
بعد التطلُّع للسما / ء ونظرة لي في الدراري
لا شيء يَجلو ناظري / كالرَوض في عقب القطار
الزَهر فيه مشبه / للزُهر في الفلك المدار
خلع الرَبيع من الشَقي / قِ عليه بُرداً وَالبهار
وَتَرَنَّمَت فيه الحما / ئم وَالفواخت وَالقماري
يَشدو الهزار لورده / وَالورد يبسم للهزار
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد / مجد يشايع أَو حياة تخلدُ
ما ماتَ في أَرض الجهاد محمد / بل عاش في أَرض الجهاد محمد
فَلَقَد أَتى عملاً غداة دنا العدى / يَمضي الزَمان وَذكره يتجدد
في مَوقف ما إِن تَرى إلا دماً / في الأرض يجري أَو دخاناً يصعد
أفديك من بطل هوى عَن طرفه / وَالسَيف في يده تشدّ به اليَد
شبت من الجيشين حرب نارها / تَشوي الوجوه فَلَم يرعك المشهد
إذ كانت الأعداء تسعر نارها / وَالنار منك قَريبة لا تبعد
وَلَقَد رسوت أَمام جحفلهم كَما / في صدر مجرى السيل يَرسو الجلمد
أَما الحِمام فَكانَ يبرز نابه / وَيُطيل من نظر إليك وَيرصد
حيث القَنابِل في مَيادين الوغى / نفدت وَعَزمك وافر لا ينفد
الناس حامدة ثبات محمَّد / وَالدين يحمد وَالمواطن تحمد
صاحوا الجهاد ضحىً فَلَبّى عالماً / أنَّ الجِهاد هُوَ الطَريق الأقصد
شبت فأَقسم بالبسالة أنه / بالرَغم عَن هرم به لا يقعد
ما زالَ في ظل الهلال مجاهداً / حتى أَصابَته بمنفلقٍ يد
فَبَكى عليه سيفُه وَجوادُه / وَبَكى عليه صلاحه وَالمسجد
لاقى الردى فوق الجواد كأَنَّما / متن الجواد إلى التَلاقي موعد
لِلَّه تلك النفس وَالخلق الَّذي / يَرضى وَذاكَ الخاطر المتوقد
لي عند ذكرك يا صفا إِطراقُ
لي عند ذكرك يا صفا إِطراقُ / وَدموع حزن في التراب تراقُ
وتلهف وتأسف تبديهما / بحرارة من صدري الأعماق
فيك اللَيالي أَخلفت ميثاقها / إن اللَيالي مالها ميثاق
روَّى ضريحك عارض مترجز / يرغو فيهمى ودقه الغيداق
كانَت بك الآداب راقيةً فَما / فيها مجازَفةٌ ولا إِغراق
للشعر في الآفاق حين تَقوله / نفَسٌ كَما هبَّ الصَّبا خفاق
قبلته أذواق الرواة وإنما / في الشعر قد تتفاوت الأذواق
وَمنحت بالأدب الفَضائِلَ زينةً / فكأَنَّه في جيدها أَطواق
يا مشترى الآداب لا تسعوا فقد / نفد المتاع وسدَّت الأسواق
ما كلُّ ميتٍ يا عيوني فاذرفي / من أَجله تتحلَّب الآماق
يا كوكباً من عرش رفعته هوى / من بعد ما ضاءَت به الآفاق
أين ارتفاعك في مقامات العلى / بل اين ذلك الضوء والإشراق
اخترت من جوف الثرى متبوأً / علّ الثرى لك منزل تشتاق
إن الحَياة نعم عليك ثَقيلة / والنفي بعد العز لَيسَ يطاق
لا تلجأنَّ إلى المنية يا صفا / فالموت فيه تشتت وفراق
ملكت قوافيك القلوب بحسنها / وكذلك الآداب والأخلاق
الشعر يبكي في مصابك آسفاً / والنفس والأقلام والأوراق
فقدت بك الاتراك أَكبر حجة / للفضل كانَ على اسمه إطباق
حزنت عليك أماثل وأفاضل / وبكاك صحب منهم ورفاق
تجري عَلَى وجناتهم عبراتهم / فكأنما بين الدموع سباق
يا بدرَ فضلً تم حيناً نوره / فأصابه عند التمام محاق
هل صح أنك راقدٌ في حفرةٍ / فيها عليك من الثرى أطباق
في نوعه الإنسان يشبه دوحةً / للريح بين غصونها إخفاق
والناس تسقط عند كل مهبةٍ / منها كما تتساقط الأوراق
لَم يُبقِ مني الدهرُ بعدك ياصفا / إِلّا عيوناً دمعها رقراق
دافعت مِثلي عَن حقيقة أُمَّة / ما إِن لها لدفاعك اِستحقاق
فأردت إنهاضاً به لجماعة / كسلى لها في جهلها استغراق
قَد عشت غير مطأطئٍ في دولة / خضعت لجائر حكمها الأعناق
حاربت جيش عدائها ببسالة / في موقف شخصت به الأحداق
متيقناً أن الحكومة كلها / أسرٌ يغلّ الناس واسترقاق
تنفي الرجال لغير ما ذنب جنت / وعلى الأرامل مالها إشفاق
عبثاً تحامي يا صفا عنهم فما / للقوم فاغضض مقلتيك خلاق
والسم إن أبدى صرامة فعله / يوماً فماذا ينفع الدرياق
ما خاضَت الأحرار غمر كَريهة / إِلّا وأَنت الأوّل السباق
فثبتّ حين تذبذبوا وَتنكبوا / وَرحبت لما بالنوائب ضاقوا
ما كنت إِلّا لِلعَدالة عاشقاً / وَالعَدل مَحبوب له عشاق
لعبت بلبك من سلافة حبه / كأس كَما شاء الغَرام دهاق
وقد اضطهدت فزدت ثمة شهرة / كالعود يُكثر عَرفه الإحراق
أبديت فيه من التجمّل ما به / يبني عليك من الفخار رواق
ما كنت عن نصر البريءُ بقاعدٍ / أيام عمَّ الظلم والإرهاق
وألم خطب منه تزهق أنفس / ويمور في الأرض الدمُ المهراق
لَهفي عَلى زهرِ الرَبيع يَضوعُ
لَهفي عَلى زهرِ الرَبيع يَضوعُ / حيناً وَيسقط بعده فيضيعُ
لَهفي عَلى شفق السماء فإنه / حسنٌ وَإِن زواله لسريع
لهفي على بيض تخرّمها الردى / فالقلب من حزن لها مصدوع
بيض قَضَت في عنفوان شبابها / حيث الحَياة صبابة وَنزوع
بيض أوانس في ربيع حياتها / غمرت بها تحت التراب ربوع
الزهر كل الزهر غُيّب في الثَرى / فكأَنَّما تحت التراب رَبيع
يا صاحبي إن زرت مثواها معي / فليخفضن الطرفَ منك خشوعُ
لا ترفعنَّ الصوت ثمة بالبكا / إن القبور ومن بهن هجوع
يا سلوة النفس التي ذهبت فما / يرجى لها بعد الذهاب رجوع
ستسيل من عيني عليك دموعها / وتسيل من بعد الدموع دموع
ويسيل من بعد الدموع إذا جرت / بعد الدموع من العيون نَجيع
فكأن قبرك إذ زها بك روضة / وكأن عيني عندها ينبوع
وكأن شخصك فيهِ قلب ساكن / وعليهِ مرصوف الحجار ضلوع
أَنوار منذ دفنت جسمك ناعما / لي بالقبور صبابة وولوع
عيني السخينة لا تنام من الأسى / حتى تنام عيونه الملسوع
من يشتري مني الحياة جميعَها / بالموت إني للحياة أبيع
إن الحياة قبيحة في أعيني / والعيش فيها أنفُه مجدوع
وعليَّ بعدكِ يا نوار من الأسى / ضاق الفضاءُ وإنه لوسيع
قالوا تسلَّ بغيرها فأَجبتهم / ما حيلَتي إن كنت لا أَسطيع
أبكي وكيف ترون لا ابكي وقد / رحلت نوار وفاتني التشييع
رحلت ولم ترحل حياتي بعدها / هذا لعمرك في الغرام شنيع
الروض يبكي والنسيم على التي / ماتت فما أنا وحدي المفجوع
وجه تألق ثم زالَ كأَنَّه / برق بحاشية السماء لموع
يا لائِميّ على البكاءِ لأنني / لم أنتحر ولقد مضى أسبوع
ماذا عليكم إن بكيت ندامة / دمعي المذال وسنيَ المقروع

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025