المجموع : 210
يا مصر فيك الشعر مات أميره
يا مصر فيك الشعر مات أميره / وانقض يصرخ تاجه وسريره
في الصدر منه لا عج صعب على / غير الدموع لشاعر تصويره
لا يستخف بما يعالج من أسى / إلا الذي قد مات منه ضميره
يا مصر حزنك سوف يبقى لاذعا / حتى يجيء إليك منك نظيره
قد كنت يا شوقي لمصر كوكبا / يهدي بنيها للسلامة نوره
وإذا تباطأ عن طلاب حقوقه / شعب فإنك أنت كنت تثيره
وإذا تكبل لم يعز عليك في / وقت بما لك من سنى تحريره
ما لي أراك قد انطفأت لغيرما / سبب بليل مطبق ديجوره
وإذا أراد الله أمرا لم يكن / في وسع عبد عاجز تأخيره
والمرء حين يروم نقض قضائه / لا عقله كاف ولا تدبيره
للناس من شعر تركت جمال
للناس من شعر تركت جمال / تشدو به من بعدك الأجيال
سيقام تمثال لشخصك رائع / فيكون شعرا ذلك التمثال
بالأمس كنت لعارفيك حقيقة / ملموسة واليوم أنت خيال
ولأنت مبق في زوالك عندهم / لك ذكريات ما لهن زوال
لو كانت الأوقات ذات ضمائر / لبكى الغدو عليك والاصال
بقيت من الآداب أو شال لنا / فوددت أن لا تذهب الأوشال
إن الحياة كمشكلات كلها / أما المنون فوحده الحلال
بعد المنية وهي غير بعيدة / لا مشكل يبقى ولا إشكال
لا ويل للميت الذي انفسحت له / من كل قلب روضة محال
الويل كل الويل للحي الذي / في نفسه قد ماتت الآمال
كثر الألى قد أبنوك دفنيا
كثر الألى قد أبنوك دفنيا / والباكيات عليك والباكونا
ما كنت تسمع يوم دفنك في الثرى / إلا نشيجا خانقا وأنينا
أكبر بيومك إنه يوم به / قد فجر الحزن العميق عيونا
يا راحلين لغير عود إننا / لا نستطيع فراقكم فخذونا
يا واردي حوض المنية قبلنا / ما أعذب الحوض الذي تردونا
سيروا خفافا إن أردتم أوقفوا / إنا على آثاركم آتونا
يا بيت آمالي انهدمت وإنما / قد كنت آمل أن تكون رصينا
ما كنت أعرف قدر شعرك قبلما / وفرت في تجديده التحسينا
لك في روايات نظمت فصولها / درجات فضل هن عليونا
قد كنت تقتحم الحساب مغامرا / حينا وتجنح للسلامة حينا
في قلب مصر وبالجزيرة بأس
في قلب مصر وبالجزيرة بأس / كادت به تتفطر الأنفاس
أهوى من الشعراء راس شامخ / والرأس فيه الفكر والإحساس
لا ويل من موت بعضو قد طحا / بل إنه في أن يموت الراس
في كل شبر قد توارى فاضل / يا ويح مصر كلها أرماس
ركب الأمير يجد صهوة نعشه / ودنا الرحيل ورنت الأجراس
ومشى يشيع نعشه متلهفا / من كل حزب أمة أجناس
في موكب ضخم قد اشتركت معا / فيه الملائك خشعا والناس
وضعوا أمير الشعر في ديماسه / فحنا عليه يضمه الديماس
لهفي عليه موسدا في حفرة / معزولة ما إن لها حراس
وعلى الذكاء فقد خبت نيرانه / أما الرماد فإنه أكداس
الزهر أكبر مصرع الصداح
الزهر أكبر مصرع الصداح / فبكت عليه شقائق وأقاح
في الروض للأحزان أصبح مشهدا / ما كان قبلا منه للأفراح
كم أصغت الأزهار فيه للحنه / في ليلة بيضاء ذات وشاح
طافت بكرمته الجميلة برهة / شعراء عن وجد بهم ملحاح
كانت علاقتهم به في ظلها / كعلاقة الأجساد بالأرواح
أطلعت صبحا من قريضك مسفرا / والصبح أعرفه من الأوضاح
قد كنت أول شاعر بث الهدى / للناس فيما جاء من ألواح
أما يراعك فهو معزو له / ما تم للآداب من إصلاح
يا كوكبا قد كان يمحو نوره / صدأ الدجى أحسن به من ماح
لقد انطفأت وما هنالك موجب / إلا نفاد الزيت في المصباح
من كل زهر قد جمعت قليلا
من كل زهر قد جمعت قليلا / وجعلت منه لقبره إكليلا
أجملته في باقة خلابة / من بعد ما فصلته تفصيلا
فتظن أبيضها أشعة كوكب / وتخال أحمرها دما مطلولا
كنا سيوفا للقراع ثلاثة / نحمي فكنت الثالث المفلولا
يا نفس أوري من أساك ذبالة / فأخاف ليلك أن يكون طويلا
حملوه من قصر له فخم إلى / ملحودة ما أعظم المحمولا
ولقد شجت خلف الظغائن نسوة / بملأن أجواز الفضاء عويلا
يا دافن السيف المذرب إنني / لأراك عما جئته مسؤولا
ماذا ليوم الروع عنه اعتضته / لما غمدت الصارم المصقولا
لا والذي أعطى القليل شجاعة / ما كنت خوارا ولا إجفيلا
ما الروض بعد البلبل المترنم
ما الروض بعد البلبل المترنم / للناظرين إليه بالمتبسم
فكأنما نسرينه وشقيقه / وخزامه وبهاره في مأتم
إن الحياة وغي وليس بظافر / في خوضها غير الكمي المعلم
إني لقد طاشت سهامي كلها / فرميت قوسي من يدي واسهمي
الموت ينظرني ويبسم كاشرا / عن نابه كالمارد المتهكم
وإذا نظرت إلى القبور وجدتها / كفلول جيش في العراء مخيم
واسأل ذويها لو أجابوا سائلا / واجعل مدادك يا يراعي من دمي
سلهم أهم في سلوة من عيشهم / أم إنهم في ضجرة المتبرم
أسعد بأرواح نجون من الردى / فطلعن في عرض السماء كأنجم
علمت نواميس الحياة جميعها / أما الحياة فإنها لم تعلم
قد سرت بين نواظر ودموع
قد سرت بين نواظر ودموع / تجتاز ينبوعا إلى ينبوع
كانت أحايين الفراق شديدة / وأشد منها ساعة التوديع
والشعب خلف النعش يمشي صامتا / في رعشة تنتابه وخشوع
فيدٌ على عين له ذرافة / ويد على قلب له مصدوع
أما الكلام فكان همسا كله / لا شيء فيهم كان بالمسموع
من كان منهم قد تأخر خطوة / سبقته أدمعه إلى التشييع
سيظل قلبي في الجوانح مزعجي / حتى تسيل مع الركاب دموعي
رجع الألى قد شيعوه كلهم / إلا دموع الثاكل المفجوع
لم أدر ساعة لي نعاه نعيه / ماذا أصاب القلب تحت ضلوعي
القلب يأمر يا عيوني بالبكا / من بعد كل عشية فأطيعي
أبكي بليل حف بالظلمات
أبكي بليل حف بالظلمات / مستعبرا والليل للعبرات
أبكي إذا استذكرت شعرك مجهشا / بعد الهدوء ووقفة الحركات
أبكي حياتك آسفا لذهابها / قبلي وأبكي من بقاء حياتي
قد سار قبلك حافظ فتبعته / وبقيت وحدي اليوم للنكبات
يا صاحبي قفا قليلا إنني / عما قليل فانظراني آت
إن مت تحزن في العراق أحبتي / حينا وتفرح في العراق عداتي
وأود إن راموا انتقادي ميتا / أن لا يكون من العداة قضاتي
لم يبق من جيل تقضى عهده / إلا بقايا أعظم نخرات
يا قبر شوقي إنني من أدمعي / مهد إليك قصائدا عطرات
من ذا يسد على الرياض أنيقة / عند الصباح منافذ النسمات
خرت لعزة شعرك الشعراءُ
خرت لعزة شعرك الشعراءُ / فكأنهم أرض وأنت سماء
ما كنت إلا كوكبا متوقدا / قد خر منحدرا له ضوضاء
كنا نرى ما كان ضؤوك فاعلا / فلننتظر ما تفعل الظلماء
من بعد در كنت تنظم عقده / برزت تريد لتلمع الحصباء
لفظ جميل فيه معنى رائع / هو في المعاني وحده العذراء
اليوم باق للقريض بحوضه / ماء وأخشى أن يجف الماء
ولقد خفيت على ظهورك مدة / عن أعيني ومن الظهور خفاء
جل مصابك إنه اهتزت له / أعلام مصر وماجت الدأماء
عجلت في الترحال يا شوقي وقد / بقيت هنالك لم تقل أشياء
قالوا سينبغ عبقريّ مثله / قلنا بلى لو أنجب الآباء