المجموع : 62
صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ
صِلَةُ الْخَيَالِ عَلَى الْبِعَادِ لِقَاءُ / لَوْ كانَ يَمْلِكُ عَيْنِيَ الإِغْفَاءُ
يا هاجِري مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ في الْهَوَى / مَهْلاً فَهَجْرُكَ والْمَنُونُ سَواءُ
أَغْرَيْتَ لَحْظَكَ بالْفُؤادِ فَشَفَّهُ / ومِنَ الْعُيُونِ عَلَى النُّفُوسِ بَلاءُ
هِيَ نَظْرَةٌ فامْنُنْ عَلَي بِأُخْتِها / فالْخَمْرُ مِنْ أَلَمِ الْخُمارِ شِفَاءُ
أَنا مِنْكَ مَطْوِيُّ الْفُؤادِ عَلَى جَوىً / لَوْلا الْدُّمُوعُ ذَكَتْ بِهِ الْحَوْبَاءُ
لا أَنْتَ تَرْحَمُنِي ولا نَارُ الْهَوَى / تَخْبُو وَلاَ للنَّفْسِ عَنْكَ عَزاءُ
فانْظُرْ إِلَيَّ تَجِدْ خَيَالَةَ صُورَةٍ / لم يَبْقَ فيها للحياةِ ذَمَاءُ
رَقَّتْ لِيَ الْوَرْقَاءُ في عَذَباتِها / وبَكَتْ عَلَيَّ بِدَمْعِهَا الأَنْدَاءُ
وَتَحَدَّثَتْ رُسُلُ النَّسِيمِ بلَوْعَتِي / فَلِكُلِّ غُصْنٍ نَحْوَها إِصْغَاءُ
كَلَفٌ تَنَاقَلَهُ الْحَمامُ عَنِ الصَّبَا / فصَبَتْ إِلَيْهِ الْغِيدُ والشُّعَراءُ
فَبِقَلْبِ كُلِّ فَتىً غَرامٌ كامِنٌ / وبِعِطْفِ كُلِّ مَلِيحَةٍ خُيَلاءُ
فَدَعِ التَّكَهُّنَ يا طَبِيبُ فإِنَّمَا / دائِي الْهَوَى ولِكُلِّ نَفْسٍ داءُ
أَلَمُ الصَّبَابَةِ لَذَّةٌ تَحْيَا بِها / نَفْسِي وَدَائِي لَوْ عَلِمْتَ دَواءُ
وبِمُهْجَتِي رَشَئِيَّةٌ مِنْ دُونِها / أُسُدٌ لَهَا قَصَبُ الرِّمَاحِ أَبَاءُ
هَيْفَاءُ مالَ بِهَا النَّعيمُ فَخَطْوُها / دُونَ الْقَطاةِ ونُطْقُها إِيمَاءُ
تَرْنُو بِأَحْوَرَ لَوْ تَمَكَّنَ لَحْظُهُ / مِنْ صَخْرَةٍ لَارْفَضَّ مِنها الماءُ
حَكَمَ الجَمالُ لها بِمَا تَخْتَارُهُ / فَتَحَكَّمَتْ في النَّاسِ كَيفَ تَشاءُ
غَضِبَتْ عَلَيَّ وَما جَنَيتُ وَرُبَّما / حَمَلَ الْمَشُوقُ الذَّنْبَ وَهوَ بَراءُ
طافَ الوُشاةُ بِها فَكانَ لِقَوْلِهِمْ / في مِسْمَعَيْها رَنَّةٌ وحُداءُ
لَوْلا النَّمِيمَةُ لم يَقَعْ بَيْنَ امْرِئٍ / وأَخِيهِ مِنْ بَعْدِ الْوِدادِ عِداءُ
أَشَقِيقَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ وَسِيلَةٍ / تُدْنِي إِلَيكِ فَلَيْس لِي شُفَعَاءُ
جُودِي عَلَيَّ ولَوْ بِوَعْدٍ كاذِبٍ / فالْوَعْدُ فيهِ تَعِلَّةٌ ورَجَاءُ
وَثِقِي بِكِتْمَانِ الْحَدِيثِ فإِنَّمَا / شَفَتاي خَتْمٌ والْفُؤادُ وِعاءُ
لا تَرْهَبِي قَوْلَ الْوُشاةِ فإِنَّهُمْ / قَدْ أَحْسَنُوا في الْقَوْلِ حِينَ أَساءُوا
زَعَمُوكِ شَمْسَاً لا تَلُوحُ بظُلْمَةٍ / ولِقَولِهِمْ عِنْدِي يَدٌ بَيْضاءُ
فَعَلامَ تَخْشَيْنَ الزِّيارَةَ بعدَما / أَمِنَ ازْدِيارَكِ في الدُّجَى الرُّقَباءُ
هِيَ زَلَّةٌ في الرأْيِ مِنْهُمْ أَعْقَبَتْ / نَفْعَاً كَذَلِكَ تَفْعَلُ الْجُهَلاءُ
كَيْدُ الْغَبِيِّ مَساءَةٌ لِضَمِيرِهِ / وَلِمَنْ يُحَاوِلُ كَيْدَهُ إِرْضَاءُ
والناسُ أَشْبَاهٌ ولَكِنْ فَرَّقَتْ / ما بَيْنَهُمْ في الرُّتْبَةِ الآراءُ
وَالنَّفْسُ إِنْ صَلَحَتْ زَكَتْ وَإِذَا خَلَتْ / مِنْ فِطْنَةٍ لَعِبَتْ بها الأَهْوَاءُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرِّجالِ تَفَاوُتٌ / ما كانَ فيهِمْ سادَةٌ ورِعاءُ
وَلَقَدْ بَلَوْتُ النّاسَ في أَطْوارِهِمْ / ومَلِلْتُ حتَّى مَلَّني الإِبْلاءُ
فَإِذا المَوَدَّةُ خَلَّةٌ مَكْذُوبَةٌ / بَيْنَ الْبَرِيَّةِ والوَفاءُ رِياءُ
كَيْفَ الْوثُوقُ بِذِمَّةٍ مِنْ صاحِبٍ / وَبِكُلِّ قَلْبٍ نُقْطَةٌ سَوْداءُ
لَوْ كَانَ فِي الدُّنْيَا وِدَادٌ صَادِقٌ / مَا حَالَ بَيْنَ الخُلَّتَيْنِ جَفاءُ
فانْفُضْ يَدَيْكَ مِنَ الزَّمانِ وأَهْلِهِ / فالسَّعْيُ في طَلَبِ الصَّديِقِ هَبَاءُ
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً / وَأَجَلَّ مَنْ نَطَقَ امْرُؤٌ بِثَنَائِهِ
أَوْلَيْتَنِي مِنْكَ الرِّضَا وجَلَوْتَ لِي / وَجْهاً قَرَأْتُ البِشْرَ في أَثْنَائِهِ
فاسْلَمْ لِمُلْكٍ أَنْتَ بَدْرُ سَرِيرِهِ / وَعِمَادُ قُوَّتِهِ ونَصْرُ لِوائِهِ
يأَيُّها الصَّادِي إِلى نَيْلِ الْمُنَى / رِدْ بَحْرَ سُدَّتِهِ تَفُزْ بِوَلائِهِ
هُوَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذِي وَرِث الْعُلا / عَنْ نَفْسِهِ شَرَفا وعَن آبائِهِ
الْعَدْلُ مِنْ أَخْلاقِهِ والْعِلْمُ مِنْ / أَوْصافِهِ والْحِلْمُ مِنْ أَسْمَائِهِ
لا غَرْوَ أَنْ جَمَعَ المَحَامِدَ يافِعاً / وَسَمَا بِهِمَّتِهِ عَلَى نُظَرائِهِ
فالْعَينُ وَهْيَ صَغِيرَةٌ في حَجْمِها / تَسَعُ الفَضَاءَ بِأَرْضِهِ وسَمائِهِ
أَهِلالُ أَرْضٍ أَمْ هِلالُ سماءٍ
أَهِلالُ أَرْضٍ أَمْ هِلالُ سماءٍ / شَمِلَ الزَّمَانَ وأَهْلَهُ بِضِيَاءِ
بَدَرَتْ لَوامِعُ مِنْهُ شَقَّ وَمِيضُها / حُجُبَ الظَّلامِ فَمَاجَ في لأْلاَءِ
وَبَدَتْ أَسِرَّتُهُ فَكانَتْ غُرَّةً / لِلْمُلْكِ فَوْقَ أَسِرَّةِ الْجَوْزَاءِ
نُورٌ تَوَلَّدَ بَيْنَ بَدْرٍ طالِعٍ / في أَوْجِ عِزَّتِهِ وَشَمْسِ عَلاءِ
أَكْرِمْ بِطَلْعَتِهِ هِلالاً لَم يَزَلْ / يَعْنُو إِلَيْهِ هِلالُ كُلِّ لِواءِ
هُوَ مَوْلِدٌ عَمَّ الْكِنانَةَ نُورُهُ / فَتَباشَرَتْ بِالْيُمْنِ وَالسَّرّاءِ
لَبِسَتْ بِهِ الدُّنيا جَمالَ شَبابِها / وَتَبَرَّجَتْ كَالغادَةِ الحَسْناءِ
فَاهْنَأْ بِعَبدِ القادِرِ الشَّهْمِ الَّذي / وافاكَ يَرْفُلُ في سَناً وَسَناءِ
وَاسْعَدْ بِهِ وَأَخِيهِ يا ابْنَ مَحَمَّدٍ / في ظِلِّ مُلْكٍ وارِفِ الأَفْيَاءِ
وَلَسَوْفَ تَنْجُمُ أَنْجُمٌ عَلَوِيَّةٌ / تَجْلُو ظَلامَ الشَّكِّ بِالآراءِ
مِنها صُدُورُ مَحَافِلٍ وَجَحَافِلٍ / في يَومِ أَقْضِيَةٍ وَيَوْمِ لِقَاءِ
وَبَوارِقٌ تَنْهَلُّ فينَا بالنَّدَى / وصَواعِقٌ تَنْقَضُّ في الأَعداءِ
وَكَأَنَّنِي بِكَ بَيْنَهُمْ مُتَرَفِّعاً / كَالْبَدْرِ بَيْنَ كَواكِبِ الخَضْراءِ
فانْعَمْ بِعِزِّكَ يا ملِيكُ ولا تَزَلْ / تَحْوِي يَدَاكَ مَقالِدَ الْعَلْياء ِ
لا زِلْتَ مَعْمُور الفِناءِ مُهَنَّأً / في نِعْمَةٍ مَوْصُولَةٍ بِبَقاءِ
غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ
غادِ النَّدَى بِالْجِيزَةِ الفَيْحَاءِ / واحْدُ الصَّبُوحَ بِنَغْمَةِ الوَرْقَاءِ
والْمَحْ بِطَرْفِكَ ما وَحَتْهُ يَدُ الصَّبا / فَوْقَ الْغَدِيرِ تَجِدْ حُروفَ هِجاءِ
مِنْ كُلِّ حَرْفٍ فيهِ مَعْنَى صَبْوَةٍ / تَتْلُو بِهِ الوَرْقَاءُ لَحْنَ غِنَاءِ
مَيْدَانُ سَبْقٍ لِلْخَلاعَةِ أَشْرَقَتْ / فيهِ الْكُمَيْتُ بِغُرَّةٍ غَرَّاءِ
حَمْرَاءُ دارَ بها الْحَبابُ كأَنَّها / شَفَقٌ بَدَتْ فِيهِ نُجُومُ سَماءِ
هِيَ كالأَشِعَّةِ غَيْرَ أَنَّ ضِيَاءَها / مِنْ ذاتِها لا مِنْ ثُقُوبِ ضِياءِ
وإِذا رَجَعْتَ إِلى الْيَقِينِ فَإِنَّها / نارٌ تَحَلَّلَ جِسْمُها في ماءِ
تَجْرِي فَتَفْعَلُ بالْعُقُولِ كُؤُوسُها / ما تَفْعَلُ الأَلْحَاظُ بالأَحْشَاءِ
خَفِيَتْ عَلَى الأَحْقَابِ فَهِيَ ذَخِيرَةٌ / مِنْ عَهدِ آدَمَ أُودِعَتْ بِوِعاءِ
مَحَقَ الْفَنَاءُ وُجُودَها فَتَزَايَلَتْ / إِلاَّ نَسِيماً شَفَّ عَنْ حَوْباءِ
هِيَ جَمْرَةُ الفُرْسِ الَّتِي سَجَدَتْ لَهَا / أَملاكُها في سَالِفِ الآنَاءِ
فَانْهَضْ إِلَى شُرْبِ الصَّبُوحِ فَقَدْ بَدَا / شَيْبُ الصَّباحِ بِلِمَّةِ الظَّلْماءِ
وَتَرَنَّمَتْ في وَكْرِها سَحَرِيَّةٌ / تُغْنِي الْمَقَامَةَ عَنْ صَفِيرِ النَّاءِ
وَرْقاءُ تَسْجَعُ في سَماوَةِ أَيْكَةٍ / مَوْشِيَّةِ الْعَذَباتِ بِالأَنْدَاءِ
تَبْكِي الْهَدِيلَ وَما رَأَتْهُ فَيَا لَها / مِنْ ذُكْرَةٍ عَرَضَتْ بِغَيْرِ لِقاءِ
قَدْ أَشْبَهَتْنِي في الْهَوى لَكِنَّها / لَمْ تَحْكِني في لَوْعَتِي وَبُكائِي
مَالَ النَّسِيمُ بِهَا وَمَالَ بِيَ الأَسَى / شَتَّانَ بَيْنَ نَعِيمِها وَشَقائِي
أَنَا يَا حَمَامَةُ مِنْكِ أَعْلَمُ بِالْهَوى / فَدَعي الْحَنِينَ فَلَسْتِ مِنْ أَكْفائِي
إِنِّي امْرُؤٌ مَلَكَ الودادُ قِيَادَتِي / وَجَرَى عَلَى صِدْقِ الْعُهُودِ وَفائِي
لا أَسْتَرِيحُ إِلَى السُّلُوِّ وَلَوْ جَنَى / خِلِّي عَلَيَّ وَلا أَشِينُ وَلائِي
لا ذِمَّتِي رَهْنُ الْفِكَاكِ وَلا يَدِي / تُلْقِي أَزِمَّةَ عِفَّتِي وَحَبائِي
لَكِنَّنِي غَرَضٌ لأَسْهُمِ حاسِدٍ / وارِي الجَوانِحِ مِنْ لَهِيبِ عِدَائِي
مِنْ غَيْرِ ما ذَنْبٍ جَنَيْتُ وَإِنَّما / بُغْضُ الْفَضِيلَةِ شِيمَةُ الْجُهَلاءِ
تَعِست مُقارَنَةُ اللَّئِيمِ فَإِنَّها / شَرَقُ النُّفُوسِ وَمِحْنَةُ الْكُرَمَاءِ
أَنا في زَمانٍ غادِرٍ وَمَعَاشِرٍ / يَتَلَوَّنُونَ تَلَوُّنَ الْحِرْباءِ
أَعْداءُ غَيْبٍ لَيْسَ يَسْلَمُ صاحِبٌ / مِنْهُمْ وإِخْوَةُ مَحْضَرٍ وَرَخَاءِ
أَقْبِحْ بِهِمْ قَوْماً بَلَوْتُ إِخاءَهُمْ / فَبَلَوْتُ أَقْبَحَ ذِمَّةٍ وَإِخَاءِ
قَدْ أَصْبَحُوا للدَّهْرِ سُبَّةَ ناقِمٍ / فِي كُلِّ مَصْدَرِ مِحْنَةٍ وَبَلاءِ
وَأَشَدُّ مَا يَلْقَى الْفَتَى فِي دَهْرِهِ / فَقْدُ الْكِرَامِ وصُحْبَةُ اللُّؤَمَاءِ
شَقِيَ ابنُ آدَمَ في الزّمانِ بِعَقلِهِ / إِنَّ الْفَضِيلَةَ آفَةُ الْعُقَلاءِ
وَخَمِيلَةٍ بَكَرَتْ سَمَاوَةُ أَيْكِها
وَخَمِيلَةٍ بَكَرَتْ سَمَاوَةُ أَيْكِها / تَحْمِي الْهَجِيرَ عَنِ النُّفُوسِ وَتَدْرَأُ
تَسْتَنُّ فيها الرِّيحُ بَينَ مَنابِتٍ / خَضْراءَ يَغْشاها الْجَبَانُ فَيَجْرُؤُ
تَسْتَوقِفُ الأَبْصَارَ في غُدْرانِها / صُوَرٌ تَزُولُ مَعَ النَّسِيمِ وَتَطْرَأُ
يَنْسَى بها الْمَوْتُورُ ما في نَفْسِهِ / طَرَبَاً وَيَنزِلُها السَّقِيمُ فَيَبْرَأُ
فَالْوُرْقُ تَهْتِفُ وَالرَّبارِبُ تَرْتَعِي / وَالْعِينُ تَبْغَمُ وَالبَلابِلُ تَصْرَأُ
فَنَباتُها عَمّا يَعِيبُ مُنَزَّهٌ / وَهَواؤُهَا مِمّا يَشِينُ مُبَرَّأُ
شَجْرَاءُ تَسْلُكُها السَّمُومُ فَتَغْتَدِي / رَهْواً وَيَسْكُنُها الْهَجِيرُ فَيَمْرَأُ
فَتَحَ الرَّبِيعُ بِها مَدَارِسَ بَهْجَةٍ / لِلْعَينِ فِيها بَهْجَةٌ لا تَضْرَأُ
فَالرِّيحُ تكتبُ وَالْغَدِيرُ صَحِيفَةٌ / وَالسُحْبُ تَنْقُطُ وَالحَمائِمُ تَقْرَأُ
صُوَرٌ تَدُلُّ عَلَى حَكِيمٍ صانِعٍ / وَاللهُ يَخْلُقُ ما يَشَاءُ وَيَبْرَأُ
هَجَرَتْ ظَلُومُ وهَجْرُها صِلَةُ الأَسَى
هَجَرَتْ ظَلُومُ وهَجْرُها صِلَةُ الأَسَى / فَمَتَى تَجُودُ عَلَى الْمَتَيَّمِ بِاللُّقَى
جَزِعَتْ لِراعِيَةِ الْمَشِيبِ وَما دَرَتْ / أَنَّ الْمَشِيبَ لَهِيبُ نِيرانِ الْجَوَى
وَلَوَتْ بِوَعْدِكَ بَعدَ طُولِ ضَمانِهِ / وَمِنَ الْوُعُودِ خِلابَةٌ ما تُقْتَضَى
لَيْتَ الشَّبابَ لَنَا يَعُودُ بِطِيبِهِ / وَمِنَ الشِّفَاهِ طِلابُ عُمْرٍ قَدْ مَضَى
وَالشَّيْبُ أَكْمَلُ صاحِبٍ لَوْ أَنَّهُ / يَبْقَى وَلَكِنْ لا سَبِيلَ إِلى الْبَقَا
والدَّهْرُ مَدْرَجَةُ الْخُطُوب فَمَنْ يَعِشْ / يَهْرَمْ وَمَنْ يَهْرَمْ يَعِثْ فيهِ الْبِلَى
فَاذْهَبْ بِنَفْسِكَ عَنْ مُتَابَعَةِ الصِّبَا / وَارْجِعْ لِحِلْمِكَ فَالأُمُورُ إِلَى انْتِهَا
الْيَوْمَ آنَ لِسابقٍ أَنْ يَحْتَذِي / طَلْقَ الرِّهانِ وَمُغْمَدٍ أَنْ يُنْتَضَى
وَلَقَدْ عَلَوْتُ سَراةَ أَدْهَمَ لَوْ جَرَى / فَي شَأْوِهِ بَرْقٌ تَعَثَّر أَوْ كَبَا
يَطْوِي المَدَى طَيَّ السِّجِلِّ وَيَهْتَدِي / في كُلِّ مَهْمَهَةٍ يَضِلُّ بِها الْقَطَا
يَجْرِي عَلَى عَجَلٍ فَلا يَشْكُو الْوَجَى / مَدَّ النّهارِ وَلا يَمَلُّ مِنَ السُّرَى
لا الْوَخْدُ مِنْهُ وَلا الرَّسِيمُ وَلا يُرَى / يَمْشِي الْعِرَضْنَةَ أَو يَسِيرُ الْهَيْدَبَى
رَيَّانُ مِلْءَ ضُلُوعِهِ لَكِنَّهُ / يَشْكُو بِزَفْرَتِهِ لَهِيباً في الْحَشَا
ما زالَ يَنْهَجُ في الْمَسِير طَرائِقاً / تَدَعُ الْجِيَادَ مُقَيَّداتٍ بِالْوَجَى
حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى جَنابٍ أَفْيَحٍ / زَاهِي النَّبات بَعِيدِ أَعْماقِ الثَّرَى
تَسْتَنُّ فِيهِ الْعَيْنُ بَيْنَ مَنابِتٍ / طَابَتْ مَغارِسُها وَجَنَّاتٍ رِوَا
مُلْتَفِّ أَفْنَانِ الْحَدَائِقِ لَوْ سَرَتْ / فيها السَّمُومُ لَشَابَهَتْ رِيحَ الصَّبَا
فَتُرَابُهُ نَفَسُ الْعَبِيرِ وَنَبْتُهُ / سَرقُ الْحَرِيرِ وَماؤُهُ فَلَقُ الضُّحَى
فَإِذَا شَمِمْتَ وَجَدْتَ أَطْيَبَ نَفْحَةٍ / وَإِذَا الْتَفَتَّ رَأَيْتَ أَحْسَنَ مَا يُرَى
وَالقُطْنُ بَيْنَ مُلَوِّزٍ وَمُنَوِّرٍ / كَالْغادَةِ ازْدَانَتْ بِأَنْوَاعِ الْحُلَى
فَكَأَنَّ عاقِدَهُ كُراتُ زُمُرُّدٍ / وُكَأَنَّ زَاهِرَهُ كَواكِبُ في الرُوَا
دَبَّتْ بِهِ رُوحُ الْحَياةِ فَلَوْ وَهَتْ / عَنْهُ الْقُيُودُ مِنَ الْجَدَاوِل قَدْ مَشَى
فَأُصُولُهُ الدَّكْنَاءُ تَسْبَحُ في الثَّرَى / وَفُرُوعُهُ الخَضْرَاءُ تَلْعَبُ في الْهَوَا
لَم يَسْرِ فيهِ الطَّرْفُ مَذْهَبَ فِكْرةٍ / مَحْدُودَةٍ إِلَّا تَرَاجَعَ بِالمُنَى
هَذا لَعَمْرُ أَبِيكَ داعِيَةُ الرِّضَا / وَسَلامَةُ العُقْبَى وَمِفْتَاحُ الْغِنَى
فَعَلامَ أَجْهَدُ في الْمَطَالِبِ باذِلاً / نَفْسِي وَهَذا لِلْمَطالِبِ مُنْتَهَى
فَالْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَهَبَ العُلا / وَسَرَا الأَذَى عَنِّي فَأَبْصَرْتُ الْهُدَى
طَرِبَ الْفُؤادُ وكانَ غَيْرَ طَرُوبِ
طَرِبَ الْفُؤادُ وكانَ غَيْرَ طَرُوبِ / والْمَرْءُ رَهْنُ بَشاشَةٍ وَقُطُوبِ
وَرَدَ الْبَشِيرُ فَقُلْتُ مِنْ سَرَفِ الْمُنَى / أَعِدِ الْحَدِيثَ عَليَّ فَهْوَ حَسِيبي
خَبَرٌ جَلا صَدَأَ الْقُلُوبِ فَلَمْ يَدَعْ / فِيهَا مَجالَ تَحَفُّزٍ لِوَجِيبِ
ضَرَحَ الْقَذَى كَقَمِيصِ يُوسُفَ عِنْدَمَا / وَرَدَ الْبَشِيرُ بِهِ إِلَى يَعْقُوبِ
فَلْتَهْنَ مِصْرُ وَأَهْلُهَا بِسَلامَةٍ / جاءَتْ لَهَا بِالأَمْنِ بَعْدَ خُطُوبِ
بِالْمَاجِدِ الْمَنْسُوبِ بَلْ بِالأَرْوَعِ الْ / مَشْبُوبِ بَلْ بِالأَبْلَجِ الْمَعْصُوبِ
رَبِّ الْعُلاَ وَالْمَجْدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ / وَضَحَتْ بِهِ الأَيَّامُ بَعْدَ شُحُوبِ
وَرَدَ الْبِلادَ ولَيْلُها مُتَراكِبٌ / فأَضاءَهَا كَالْكَوْكَبِ الْمَشْبُوبِ
بِرَوِيَّةٍ تَجْلُو الصَّوَابَ وَعَزْمَةٍ / تَمْضِي مَضاءَ اللَّهْذَمِ الْمَذْرُوبِ
مَلِكٌ تَرَفَّعَ أَنْ تَكُونَ صِفاتُهُ / إِلَّا لَهُ أَوْ لاِبْنِهِ الْمَحْبُوبِ
ذو هَيْبَةٍ تَكْفِيهِ سَوْقَ جُنُودِهِ / وَبَدِيهَةٍ تُغْنِي عَنِ التَّجْرِيبِ
نَمَّتْ شَمائِلُهُ عَلَى أَعْراقِهِ / نَمَّ النَّسِيمِ عَلَى أَرِيجِ الطِّيبِ
أَكْنِي بِزَهْرِ الرَّوْضِ عَنْ أَخْلاقِهِ / وَبِنَشْرِهِ عَنْ فَضْلِهِ الْمَرْغُوبِ
وأَقُولُ إِنَّ الْبَرْقَ يَحْكِي بِشْرَهُ / لَوْ كَانَ بَرْقُ الْمُزْنِ غَيْرَ خَلُوبِ
فَالْخِصْبُ في الدُّنْيَا عَلامَةُ عَدْلِهِ / والْغَيْثُ فَضْلَةُ جُودِهِ الْمَسْكُوبِ
أَجْرَى نَسِيمَ الأَمْنِ بَعْدَ رُكُودِهِ / وَأَفَاضَ مَاءَ الْعَدْلِ بَعْدَ نُضُوبِ
وَأَعَادَ مِصْرَ إِلَى جَمالِ شَبابِها / مِنْ بَعْدِ مَا لَبِسَتْ خِمَارَ مَشِيبِ
فَتَنَعَّمَتْ مِنْ فَيْضِهِ في غِبْطَةٍ / وَتَمَتَّعَتْ مِنْ عَدْلِهِ بِنَصِيبِ
وَإِذَا أَرادَ اللهُ رَحْمَةَ أُمَّةٍ / بَعَثَ الشِّفَاءَ لَهَا بِخَيْرِ طَبِيبِ
فَلَقَدْ مَلَكْتَ زِمَامَها وَسَقَيْتَها / بَعْدَ الصَّدَى مِنْ رَحْمَةٍ بِذَنُوبِ
فَغَدَتْ وَمَا فِي الأَرْضِ أَحْسَنُ بُقْعَةً / مِنْهَا لِمُزْدَرِعٍ وَلا لِكَسُوبِ
يَسْتَنُّ فِيهَا النِّيلُ بَيْنَ حَدَائِقٍ / غُلْبٍ ورَفَّافِ النَّباتِ خَصِيبِ
وتَرَى السَّفِينَ يَجُولُ فَوْقَ سَراتِهِ / زَفَّ الرِّئَالِ تَمَطَّرَتْ بِسُهُوبِ
مِنْ كُلِّ راقِصَةٍ عَلَى نَقْرِ الصَّبَا / تَخْتَالُ بَيْنَ شَمائِلٍ وَجَنُوبِ
مَلَكَتْ أَزِمَّتَها الرِّيَاحُ فَسَيْرُها / ضَرْبَانِ بَيْنَ تَحَفُّزٍ وَدَبِيبِ
فَإِذا أَطَلْتَ عِنَانَها وَقَفَتْ وإِنْ / أَقْصَرْتَهُ سَارَتْ بِغَيْرِ لُغُوبِ
فَانْعَمْ بِخَيْرِ وِلايَةٍ وَلّاكَها / رَبُّ الْعِبادِ بِرَغْمِ كُلِّ رَقِيبِ
مَا آثَرُوكَ لَها بِغَيرِ رَوِيَّةٍ / بَلْ لاِعْتِصامِهِمُ بِخَيْرِ لَبِيبِ
فَاسْمَعْ مَقالَةَ صادِقٍ لَمْ يَنْتَسِبْ / لِسِوَاكَ في أَدَبٍ وَلا تَهْذِيبِ
أَوْلَيْتَهُ خَيْراً فَقَامَ بِشُكْرِهِ / وَالشُّكْرُ لِلإِحْسَانِ خَيْرُ ضَرِيبِ
فَاعْطِفْ عَلَيْهِ تَجِدْ سَلِيلَ كَرَامَةٍ / أَهْلاً لِحُسْنِ الأَهْلِ وَالتَّرْحِيبِ
يُنْبِيكَ ظاهِرُهُ بِوُدِّ ضَمِيرِهِ / وَالْوَجْهُ وَسْمَةُ مُخْلِصٍ وَمُرِيبِ
وَإِلَيْكَ مِنْ حَوْكِ اللِّسَانِ حَبِيرَةً / يُغْنِيكَ رَوْنَقُها عَنِ التَّشْبِيبِ
حَضَرِيَّةَ الأَنْسَابِ إِلَّا أَنَّها / بَدَوِيَّةٌ في الطَّبْعِ وَالتَّرْكِيبِ
وَلِعَتْ بِمَنْطِقِهَا النُّفُوسُ غَرَابَةً / وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِكُلِّ غَرِيبِ
أَرْسَلْتُها مَثَلاً بِمَدْحِكَ فِي الْوَرَى / وَالسَّهْمُ مَنْسُوبٌ لِكُلِّ مُصِيبِ
كَلِمٌ أَثَرْتُ بِها جَوَادَ بَراعَةٍ / لا يُقْتَفَى في الْحُضْرِ وَالتَّقْريبِ
تَرَكَ الْوَلِيدَ مُلَثَّماً بِغُبارِهِ / وَمَضَى فَكَفْكَفَ مِنْ عِنَانِ حَبِيبِ
فَاسْتَجْلِهَا تَلْمَحْ خِلالَكَ بَيْنَهَا / فِي وَشْيِ بُرْدٍ لِلْكَلامِ قَشِيبِ
كَزُجَاجَةِ التَّصْوِيرِ شَفَّتْ فَاجْتَلَتْ / مِنْ وَصْفِهِ ما كانَ غَيْرَ قَرِيبِ
لا زِلْتَ فِي فَلَكِ الْمَعَالِي كَوْكَباً / تُهْدِي الضِّياءَ لأَعْيُنٍ وَقُلُوبِ
قُمْ هَاتِها واللَّيْلُ مَالَ عَمُودُهُ
قُمْ هَاتِها واللَّيْلُ مَالَ عَمُودُهُ / لِلْغَرْبِ وانْتَشَرَتْ جُنُودُ الْمَغْرِبِ
وَبَدَا الْهِلالُ عَلَى الأَصِيلِ كَأَنَّهُ / نُونٌ مُفَضَّضَةٌ بِرَقٍّ مُذْهَبِ
ذَهَبَ الهَوَى بِمَخِيلَتِي وَشَبابِي
ذَهَبَ الهَوَى بِمَخِيلَتِي وَشَبابِي / وَأَقَمْتُ بَيْنَ مَلاَمَةٍ وَعِتَابِ
هِيَ نَظْرَةٌ كَانَتْ حِبالَةَ خُدْعَةٍ / مَلَكَتْ عَلَيَّ بَدِيهَتي وَصَوابِي
نَصَبَتْ حَبائِلَ هُدْبِهَا فَتَصَيَّدَتْ / قَلْبي فَراحَ فَرِيسَةَ الأَهْدابِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ طَارِقَةِ الْهَوَى / أَنَّ الْعُيُونَ مَصايِدُ الأَلْبابِ
وَمِنَ الْعَجائِبِ في الْهَوَى أَنَّ الفَتَى / يُدْعَى إِلَيْهِ بِأَهْوَنِ الأَسْبَابِ
فَارْبَحْ مَلامَكَ يَا عَذُولُ فَإِنَّنِي / راضٍ بِسُقْمِي فِي الْهَوَى وَعَذَابِي
إِنِّي إِذَا ما الْخِلُّ خَاسَ بِعَهْدِهِ
إِنِّي إِذَا ما الْخِلُّ خَاسَ بِعَهْدِهِ / بَعدَ الوِدادِ فَلَسْتُ مِنْ أَصْحَابِهِ
وإِذَا عَتَبْتُ عَلَيْهِ ثُمَّتَ لَمْ يَعُدْ / عَنْ غَيِّهِ لَمْ أَكْتَرِثْ لعِتَابِهِ
لا تَرْكَنَنَّ إِلَى الِعَدُوِّ فَإِنَّهُ
لا تَرْكَنَنَّ إِلَى الِعَدُوِّ فَإِنَّهُ / يَبْغِي سِقَاطَكَ بِالحَدِيثِ الْمُعْجِبِ
كَالنَّارِ تَخْتَدِعُ الْفَراشَ بِحُسْنِهَا / فَيَنَالُ مِنْهُ الْبُؤْسُ إِنْ لَمْ يَعْطَبِ
سَمِعَ الْخَلِيُّ تَأَوُّهِي فَتَلَفَّتَا
سَمِعَ الْخَلِيُّ تَأَوُّهِي فَتَلَفَّتَا / وأَصَابَهُ عَجَبٌ فَقَالَ مَنِ الْفَتَى
فَأَجَبْتُهُ إِنِّي امْرُؤٌ لَعِبَ الأَسَى / بِفُؤادِهِ يَوْمَ النَّوَى فَتَشَتَّتَا
انْظُرْ إِليَّ تَجِدْ خَيَالاً بَالِياً / تَحْتَ الثِّيَابِ يَكادُ أَلَّا يُنْعَتَا
قَدْ كَانَ لِي قَلْبٌ أَصَابَ سَوادَهُ / سَهْمٌ لِطَرْفٍ فَاتِرٍ فَتَفَتَّتَا
تَبِعَ الْهَوَى قَلْبِي فَهَامَ وَلَيْتَهُ / قَبْلَ التَّوَغُّلِ فِي البَلاءِ تَثَبَّتَا
أَلْقَتْهُ فِي شَرَكِ الْمَحَبَّة غَادَةٌ / هَيْهَاتَ لَيْسَ بِصاحِبي إِنْ أَفْلَتَا
كَالْوَرْدِ خَدَّاً والْبَنَفْسَجِ طُرَّةً / والْغُصْنِ قَدَّاً والْغَزَالَةِ مَلْفَتَا
نَظَرَتْ بِكَحْلاوَيْنِ أَوْدَعَتَا الْهَوَى / بِالْقَلْبِ حَتَّى هَامَ ثُمَّ تَخَلَّتَا
تاللهِ لَوْ عَلِمَ الْعَذُولُ بِمَا جَنَى / طَرْفِي عَليَّ لَساءَهُ أَنْ يَشْمَتَا
طَرْفٌ أَطَلْتُ عِنَانَهُ لِيُصِيبَ لي / بَعْضَ الْمُنَى فَأَصابَنِي لَمَّا أَتَى
يا قَلْبُ حَسْبُكَ قَدْ أَفاقَ مَعَاشِرٌ / وَأَراكَ تَدْأَبُ فِي الهَوَى فَإِلَى مَتَى
أَبَنِي الْكِنَانَةِ أَبْشِرُوا بِمُحَمّد
أَبَنِي الْكِنَانَةِ أَبْشِرُوا بِمُحَمّد / وَثِقُوا بِرَاعٍ فِي الْمَكَارِمِ أَوْحَدِ
فَهُوَ الزَّعِيمُ لَكُمْ بِكُلِّ فَضِيلَةٍ / تَبْقَى مَآثِرُهَا وَعَيْشٍ أَرْغَدِ
مَلِكٌ نَمَتْهُ أَرُومَةٌ عَلَوِيَّةٌ / مَلَكَتْ بِسُؤْدُدِهَا عِنَانَ الْفَرْقَدِ
يَقِظُ الْبَصِيرَةِ لَوْ سَرَتْ في عَيْنِهِ / سِنَةُ الرُّقَادِ فَقَلْبُهُ لَمْ يَرْقُدِ
بَدَهَاتُهُ قَيْدُ الصَّوَابِ وَعَزْمُهُ / شَرَكُ الْفَوارِسِ فِي الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ
فَإِذَا تَنَمَّرَ فَهْوَ زَيْدٌ فِي الْوَغَى / وإِذَا تَكَلَّمَ فَهْوَ قَيْسٌ فِي النَّدِي
مُتَقَسَّمٌ مَا بَيْنَ حُنْكَةِ أَشْيبٍ / صَدَقَتْ مَخِيلَتُهُ وَحِلْيَةِ أَمْرَدِ
لا يَسْتَرِيحُ إِلى الْفَرَاغِ ولا يَرَى / عَيْشاً يَلَذُّ بِهِ إِذَا لَمْ يَجْهَدِ
فَنَهَارُهُ غَيْثُ اللَّهِيفِ ولَيْلُهُ / في طَاعَةِ الرَّحْمَنِ لَيْلُ الْعُبَّدِ
لَهِجٌ بِحُبِّ الصَّالِحَاتِ فَكُلَّمَا / بَلَغَ النِّهَايَةَ مِنْ صَنِيعٍ يَبْتَدِي
خُلُقٌ تَمَيَّزَ عَنْ سِوَاهُ بِفَضْلِهِ / والْفَضْلُ فِي الأَخْلاقِ إِرْثُ الْمَحْتدِ
إِقْلِيدُ مُعْضِلَةٍ وَمَعْقِلُ عَائِذٍ / وَسَماءُ مُنْتَجِعٍ وَقِبْلَةُ مُهْتَدِ
حَسُنَتْ بِهِ الأَيَّامُ حَتَّى أَسْفَرَتْ / عَنْ وَجْهِ مَعْشُوقِ الشَّمائِلِ أَغْيَدِ
وَصَفَتْ مَوَارِدُ مِصْرَ حَتَّى أَصْبَحَتْ / بَعْدَ الْكُدُورَةِ شِرْعَةٌ لِلْوُرَّدِ
فَالْعَدْلُ يَرْعَاهَا بِرَأْفَةِ وَالِدٍ / والْبَأْسُ يَحْمِيهَا بِصَوْلَةِ أَصْيَدِ
بَلَغَتْ بِفَضْلِ مُحَمّدٍ مَا أَمَّلَتْ / مِنْ عِيشَةٍ رَغَدٍ وَجَدٍّ أَسْعَدِ
هُوَ ذَلِكَ الْمَلِكُ الَّذي أَوْصَافُهُ / فِي الشِّعْرِ حِلْيَةُ رَاجِزٍ وَمُقَصِّدِ
فَبِنُورِهِ فِي كُلِّ جُنْحٍ نَهْتَدِي / وبِهَدْيِهِ فِي كُلِّ خَطْبٍ نَقْتَدِي
سَنَّ الْمَشُورَةَ وَهيَ أَكْرَمُ خُطَّةٍ / يَجْرِي عَلَيْهَا كُلُّ رَاعٍ مُرْشِدِ
هِيَ عِصْمَةُ الدِّينِ التي أَوْحَى بِهَا / رَبُّ الْعِبَادِ إِلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدِ
فَمَنِ اسْتَعَانَ بِهَا تَأَيَّدَ مُلْكُهُ / وَمَنِ اسْتَهَانَ بِأَمْرِهَا لَمْ يرْشدِ
أَمْرَانِ مَا اجْتَمَعَا لِقَائِدِ أُمَّةٍ / إِلَّا جَنَى بِهِمَا ثِمَارَ السُّؤْدُدِ
جَمْعٌ يَكُونُ الأَمْرُ فِي مَا بَيْنَهُمْ / شُورَى وجُنْدٌ لِلْعَدُوِّ بِمَرْصَدِ
هَيْهَاتَ يَحْيَا الْمُلْكُ دُونَ مَشُورَةٍ / ويَعِزُّ رُكْنُ الْمَجْدِ مَا لَمْ يُعْمَدِ
فَالسَّيْفُ لا يَمْضِي بِدُونِ رَويَّةٍ / وَالرَّأْيُ لا يَمْضِي بِغَيرِ مُهَنَّدِ
فَاعْكُفْ عَلَى الشُّورَى تَجِدْ فِي طَيِّهَا / مِنْ بَيِّنَاتِ الحُكْمِ مَا لَمْ يُوجَدِ
لا غَرْوَ أَنْ أَبْصَرْتَ في صَفَحَاتِهَا / صُوَرَ الْحَوَادِثِ فَهْيَ مِرْآةُ الْغَدِ
فَالعَقْلُ كَالْمِنْظَارِ يُبْصِرُ مَا نَأَى / عَنْهُ قَريباً دُونَ لَمْسٍ بِالْيَدِ
وَكَفَاكَ عِلْمُكَ بِالأُمُورِ وَلَيْسَ مَنْ / سَلَكَ السَّبِيلَ كَجَائِرٍ لَمْ يَهْتَدِ
فَلأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ أَفَادَ بِعَدْلِهِ / حُرِّيَّةَ الأَخْلاقِ بَعْدَ تَعَبُّدِ
أَطْلَقْتَ كُلَّ مُقَيَّدٍ وَحَلَلْتَ كُل / لَ مُعَقَّدٍ وَجَمَعْتَ كُلَّ مُبَدَّدِ
وَتَمَتَّعَتْ بِالْعَدْلِ مِنْكَ رَعِيَّةٌ / كَانَتْ فَرِيسَةَ كُلِّ بَاغٍ مُعْتَدِ
فاسْلَمْ لِخَيْرِ وِلايَةٍ عَزَّتْ بِهَا / نَفْسُ النَّصِيحِ وذَلَّ كُلُّ مُفَنَّدِ
ضَرَحَتْ قَذَاةَ الْغَيِّ عَنْ جَفْنِ الْهُدَى / وَسَرَتْ قِنَاعَ الْيَأْسِ عَنْ أَمَلٍ نَدِ
ضَمَّتْ إِلَيْكَ زِمَامَ كُلِّ مُثَلِّثٍ / وَثَنَتْ إِلَيْكَ عِنَانَ كُلِّ مُوَحِّدِ
وَتَأَلَّفَتْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ أَنْفُسٌ / سَكَنَتْ بِعَدْلِكَ في نَعِيمٍ سَرْمَدِ
فَحَبَاكَ رَبُّكَ بِالْجَمِيلِ كَرَامَةً / لِجَزِيلِ مَا أَوْلَيْتَ أُمَّةَ أَحْمَدِ
وَتَهَنَّ بِالْمُلْكِ الَّذِي أَلْبَسْتَهُ / شَرَفاً بِمِثْلِ رِدَائِهِ لَمْ يَرْتَدِ
بَزَغَتْ بِهِ شَمْسُ الْهِدَايَةِ بَعْدَ مَا / أَفَلَتْ وَأَبْصَرَ كُلُّ طَرْفٍ أَرْمَدِ
لَمْ يَبْقَ مِنْ ذِي خَلَّةٍ إِلَّا اغْتَدَى / بِجَمِيلِ صُنْعِكَ مَصْدَرَاً لِلْوُفَّدِ
بَلَغَتْ بِكَ الآمَالُ أَبْعَدَ غَايَةٍ / قَصَرَتْ عَلَى الإِغْضَاءِ طَرْفَ الْحُسَّدِ
فَاسْعَدْ وَدُمْ واغْنَم وَجُدْ وانْعَمْ وَسُدْ / وابْدَأْ وَعُدْ وَتَهَنَّ واسْلَمْ وَازْدَدِ
لا زَالَ عَدْلُكَ فِي الأَنَامِ مُخَلَّداً / فَالْعَدْلُ فِي الأَيَّامِ خَيْرُ مُخَلَّدِ
ظَنَّ الظُّنُونَ فَبَاتَ غَيْرَ مُوَسَّدِ
ظَنَّ الظُّنُونَ فَبَاتَ غَيْرَ مُوَسَّدِ / حَيْرَانَ يَكْلأ مُسْتَنِيرَ الْفَرْقَدِ
تُلْوِي بِهِ الذُّكُراتُ حَتَّى إِنَّهُ / لَيَظَلُّ مُلْقَى بَيْنَ أَيْدِي الْعُوَّدِ
طَوْراً يَهُمُّ بِأَن يَزِلَّ بِنَفْسِهِ / سَرَفاً وتَاراتٍ يَمِيلُ عَلَى الْيَدِ
فَكَأَنَّمَا افْتَرَسَتْ بِطَائِرِ حِلْمِهِ / مَشْمُولَةٌ أَوْ سَاغَ سُمَّ الأَسْوَدِ
قالُوا غَداً يَوْمُ الرَّحِيلِ وَمَنْ لَهُمْ / خَوْفَ التَّفَرُّقِ أَنْ أَعِيشَ إِلَى غَدِ
هِيَ مُهْجَةٌ ذَهَبَ الْهَوَى بِشَغَافِهَا / مَعْمُودَةٌ إِنْ لَمْ تَمُتْ فَكَأَنْ قَدِ
يَا أَهْلَ ذا الْبَيْتِ الرَّفِيعِ مَنَارُهُ / أَدْعُوكُمُ يَا قَوْمُ دَعْوَةَ مُقْصَدِ
إِنِّي فَقَدْتُ الْيَوْمَ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ / عَقْلِي فَرُدُّوهُ عَلَيَّ لأَهْتَدِي
أَوْ فَاسْتَقِيدُونِي بِبَعْضِ قِيَانِكُمْ / حَتَّى ترُدَّ إِلَيَّ نَفْسِي أَوْ تَدِي
بَلْ يَا أَخَا السَّيْفِ الطَّوِيلِ نِجَادُهُ / إِنْ أَنْتَ لَمْ تَحْمِ النَّزِيلَ فَأَغْمِدِ
هَذِي لِحَاظُ الْغِيدِ بَيْنَ شِعَابِكُمْ / فَتَكَتْ بِنَا خَلْساً بِغَيْرِ مُهَنَّدِ
مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الصِّبَا بَدَوِيَّةٍ / رَيَّا الشَّبابِ سَلِيمَةِ الْمُتَجَرّدِ
هَيْفَاءَ إِنْ خَطَرَتْ سَبَتْ وإِذَا رَنَتْ / سَلَبَتْ فُؤَادَ الْعَابِدِ الْمُتَشَدِّدِ
يَخْفِضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ تَخَتُّلاً / لِلنَّفْسِ فِعْلَ الْقَانِتَاتِ الْعُبَّدِ
فَإِذَا أَصَبْنَ أَخَا الشَّبَابِ سَلَبْنَهُ / وَرَمَيْنَ مُهْجَتَهُ بِطَرْفٍ أَصْيَدِ
وَإِذَا لَمَحْنَ أَخَا الْمَشِيبِ قَلَيْنَهُ / وَسَتَرْنَ ضَاحِيَةَ الْمَحَاسِنِ بِالْيَدِ
فَلَئِنْ غَدَوْتُ دَرِيئَةً لعُيُونِهَا / فَلَقدْ أَفُلُّ زَعَارَةَ الْمُتَمَرِّدِ
وَلَقَدْ شَهِدْتُ الْحَرْبَ في إِبَّانِهَا / وَلَبِئْسَ رَاعِي الْحَيِّ إِنْ لَمْ أَشْهَدِ
تَتَقَصَّفُ الْمُرَّانُ فِي حَجَراتِهَا / وَيَعُودُ فِيها السَّيْفُ مِثْلَ الأَدْرَدِ
عَصَفَتْ بها رِيحُ الرَّدَى فَتَدَفَّقَتْ / بِدَمِ الْفَوَارِسِ كَالأَتِيِّ الْمزْبِدِ
مَا زِلْتُ أَطْعَنُ بَيْنَها حَتَّى انْثَنَتْ / عَنْ مِثْلِ حَاشِيَةِ الرَّدَاءِ الْمُجْسَدِ
وَلَقَدْ هَبَطْتُ الْغَيْثَ يَلْمَعُ نَوْرُهُ / فِي كُلِّ وَضَّاحِ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَجْرِي بِهِ الآرَامُ بَيْنَ مَنَاهِلٍ / طَابَتْ مَوَارِدُهَا وَظِلٍّ أَبْرَدِ
بِمُضَمَّرٍ أَرِنٍ كَأَنَّ سَرَاتَهُ / بَعْدَ الْحَمِيمِ سَبِيكَةٌ مِنْ عَسْجَدِ
خَلَصَتْ لَهُ الْيُمْنَى وَعَمَّ ثَلاثَةً / مِنْهُ الْبَيَاضُ إِلَى وَظِيفٍ أَجْرَدِ
فَكَأَنَّمَا انْتَزعَ الأَصِيلَ رِدَاءَهُ / سَلَباً وَخَاضَ مِنَ الضُّحَى فِي مَوْرِدِ
زَجِلٌ يُرَدِّدُ فِي اللَّهَاةِ صَهِيلَهُ / رَفْعاً كَزَمْزَمَةِ الْحَبِيِّ الْمُرْعِدِ
مُتَلَفِّتَاً عَنْ جَانِبَيهِ يَهُزُّهُ / مَرَحُ الصِّبَا كَالشَّارِبِ الْمُتَغَرِِّد
فإِذَا ثَنَيْتَ لَهُ الْعِنَانَ وَجَدْتَهُ / يَمْطُو كَسِيدِ الرَّدْهَةِ الْمُتَوَرِّدِ
وإِذَا أَطَعْتَ لَهُ الْعِنَانَ رَأَيْتَهُ / يَطْوِي الْمَهَامِهَ فَدْفَداً فِي فَدْفَدِ
يَكْفِيكَ مِنْهُ إِذَا أَحَسَّ بِنَبْأَةٍ / شَدُّ كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ الْمُوقَدِ
صُلْبُ السَّنابِكِ لا يَمُرُّ بِجَلْمَدٍ / فِي الشَّدِّ إِلَّا رَضَّ فِيهِ بِجَلْمَدِ
نِعْمَ الْعَتَادُ إِذَا الشِّفَاهُ تَقَلَّصَتْ / يومَ الْكَرِيهَةِ في الْعَجَاجِ الأَرْبَدِ
وَلَقَدْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ بَيْنَ غَطارِفٍ / شُمِّ الْمَعَاطِسِ كَالْغُصُونِ الْمُيَّدِ
يَتَلاعَبُونَ عَلَى الْكُؤوسِ إِذَا جَرَتْ / لَعِباً يَرُوحُ الْجِدُّ فِيهِ وَيَغْتَدِي
لا يَنْطِقُونَ بِغَيْرِ ما أَمَرَ الْهَوَى / فَكَلامُهُمْ كَالرَّوْضِ مَصْقُولٌ نَدِي
مِنْ كُلِّ وَضَّاحِ الْجَبينِ كَأَنَّهُ / قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ لَيْلٍ أَسْوَدِ
بَلْ رُبَّ غَانِيَةٍ طَرَقْتُ خِبَاءَهَا / وَالنَّجْمُ يَطْرِفُ عَنْ لَواحِظِ أَرْمَدِ
قَالَتْ وَقَدْ نَظَرَتْ إِلَيَّ فَضَحْتَنِي / فَارْجِعْ لِشَأْنِكَ فَالرِّجَالُ بِمَرْصَدِ
فَخَلَبْتُهَا بِالْقَولِ حَتَّى رُضْتُها / وَطَوَيْتُهَا طَيَّ الْحَبِيرَةِ بِالْيَدِ
مَا زِلْتُ أَمْنَعُهَا الْمَنامَ غَوايَةً / حَتَّى لَقَدْ بِتْنَا بِلَيْلِ الأَنْقَدِ
رَوْعَاءُ تَفْزَعُ مِنْ عَصَافِيرِ الضُّحَى / تَرَفاً وَتَجْزَعُ مِنْ صِيَاحِ الْهُدْهُدِ
حَتَّى إِذا نَمَّ الصَّبَا وَتَتَابَعَتْ / زِيَمُ الْكَواكِبِ كَالْمَهَا الْمُتَبَدِّدِ
قَالَتْ دَخَلْتَ وَمَا إِخَالُكَ بَارِحاً / إِلَّا وَقَدْ أَبْقَيْتَ عَارَ الْمُسْنَدِ
فَمَسَحْتُهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ فُؤَادُها / وَنَفَيْتُ رَوْعَتَهَا بِرَأْيٍ مُحْصَدِ
وَخَرَجْتُ أَخْتَرِقُ الصُّفُوفَ مِنَ الْعِدَا / مُتَلَثِّمَاً وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ فِي يَدِي
فَلَنِعْمَ ذَاكَ الْعَيْشُ لَوْ لَمْ يَنْقَضِ / وَلَنِعْمَ هَذَا الْعَيْشُ إِنْ لَمْ يَنْفَدِ
يَرْجُو الْفَتَى فِي الدَّهْرِ طُولَ حَيَاتِهِ / وَنَعِيمِهِ وَالْمَرْءُ غَيْرُ مُخَلَّدِ
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ
أَيَدَ الْمَنُونِ قَدَحْتِ أَيَّ زِنَادِ / وَأَطَرْتِ أَيَّةَ شُعْلَةٍ بِفُؤَادِي
أَوْهَنْتِ عَزْمِي وَهْوَ حَمْلَةُ فَيْلَقٍ / وَحَطَمْتِ عُودِي وَهْوَ رُمْحُ طِرَادِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ خَطْبٌ أَلَمَّ بِسَاحَتِي / فَأَنَاخَ أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي
أَقْذَى الْعُيُونَ فأَسْبَلَتْ بِمَدَامِعٍ / تَجْرِي عَلَى الْخَدَّيْنِ كَالْفِرْصَادِ
ما كُنْتُ أَحْسَبُنِي أُرَاعُ لِحَادِثٍ / حَتَّى مُنِيتُ بِهِ فَأَوْهَنَ آدِي
أَبْلَتْنِيَ الحَسَراتُ حَتَّى لَمْ يَكَدْ / جِسْمِي يَلُوحُ لأَعْيُنِ الْعُوَّادِ
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوَافِحٌ / وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَ بِوَادِي
لا لَوْعَتِي تَدَعُ الْفُؤَادَ وَلا يَدِي / تَقْوَى عَلَى رَدِّ الحَبِيبِ الْغَادِي
يا دَهْرُ فِيمَ فَجَعْتَنِي بِحَلِيلَةٍ / كَانَتْ خُلاصَةَ عُدَّتِي وَعَتَادِي
إِنْ كُنْتَ لَمْ تَرْحَمْ ضَنَايَ لِبُعْدِهَا / أَفَلا رَحِمْتَ مِنَ الأَسى أَوْلادِي
أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعَاً / قَرْحَى الْعُيُونِ رَوَاجِفَ الأَكْبَادِ
أَلْقَيْنَ دُرَّ عُقُودِهِنَّ وَصُغْنَ مِنْ / دُرِّ الدُّمُوعِ قَلائِدَ الأَجْيَادِ
يَبْكِينَ مِنْ وَلَهٍ فِرَاقَ حَفِيَّةٍ / كَانَتْ لَهُنَّ كَثِيرَةَ الإِسْعَادِ
فَخُدُودُهُنَّ مِنَ الدُّمُوعِ نَدِيَّةٌ / وَقُلُوبُهُنَّ مِنَ الْهُمُومِ صَوَادِي
أَسَلِيلَةَ الْقَمَرَيْنِ أَيُّ فَجِيعَةٍ / حَلَّتْ لِفَقْدِكِ بَيْنَ هَذَا النَّادِي
أَعزِزْ عَلَيَّ بِأَنْ أَرَاكِ رَهِينَةً / فِي جَوْفِ أَغْبَرَ قَاتِمِ الأَسْدَادِ
أَوْ أَنْ تَبِينِي عَنْ قَرَارَةِ مَنْزِلٍ / كُنْتِ الضِيَاءَ لَهُ بِكُلِّ سَوَادِ
لَوْ كَانَ هَذَا الدَّهْرُ يَقْبَلُ فِدْيَةً / بِالنَّفْسِ عَنْكِ لَكُنْتُ أَوَّلَ فَادِي
أَوْ كَانَ يَرْهَبُ صَوْلَةً مِنْ فَاتِكٍ / لَفَعَلْتُ فِعْلَ الْحَارِثِ بْنِ عُبَادِ
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ بِنَاجِعٍ / فِيها سِوَى التَّسْلِيمِ وَالإِخْلادِ
فَبِأَيِّ مَقْدِرَةٍ أَرُدُّ يَدَ الأَسَى / عَنِّي وَقَدْ مَلَكَتْ عِنَانَ رَشَادِي
أَفَأَسْتَعِينُ الصَّبْرَ وَهْوَ قَسَاوَةٌ / أَمْ أَصْحَبُ السُّلْوَانَ وَهْوَ تَعَادِي
جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ / غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ يُسَامَ أَخُو الأَسَى / رَعْيَ التَّجَلُّدِ وَهْوَ غَيْرُ جَمَادِ
هَيْهَاتَ بَعْدَكِ أَنْ تَقَرَّ جَوَانِحِي / أَسَفاً لِبُعْدِكِ أَوْ يَلِينَ مِهَادِي
وَلَهِي عَلَيكِ مُصاحِبٌ لِمَسِيرَتِي / وَالدَّمْعُ فِيكِ مُلازِمٌ لِوِسَادِي
فَإِذَا انْتَبَهْتُ فَأَنْتِ أَوَّلُ ذُكْرَتِي / وَإِذَا أَوَيْتُ فَأَنْتِ آخِرُ زَادِي
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ عِبْرَةً لِذَوِي الأَسَى / فِي يَوْمِ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَحِدَادِ
مُتَخَشِّعَاً أَمْشِي الضَّرَّاءَ كَأَنَّنِي / أَخْشَى الْفُجَاءَةَ مِنْ صِيَالِ أَعَادِي
مَا بَيْنَ حُزْنٍ بَاطنٍ أَكَلَ الْحَشَا / بِلَهِيبِ سَوْرَتِهِ وَسُقْمٍ بَادِي
وَرَدَ الْبَرِيدُ بِغَيْرِ ما أَمَّلْتُهُ / تَعِسَ الْبَرِيدُ وشَاهَ وَجْهُ الْحَادِي
فَسَقَطْتُ مَغْشِيَّاً عَلَيَّ كَأَنَّمَا / نَهَشَتْ صَمِيمَ الْقَلْبِ حَيَّةُ وَادِي
وَيْلُمِّهِ رُزءَاً أَطَارَ نَعِيُّهُ / بِالْقَلْبِ شُعْلَةَ مَارِجٍ وَقَّادِ
قَدْ أَظْلَمَتْ مِنْهُ الْعُيُونُ كَأَنَّما / كَحَل الْبُكَاءُ جُفُونَها بِقَتَادِ
عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيَّ بِقَدْرِ مَا / عَظُمَتْ لَدَيَّ شَمَاتَةُ الْحُسَّادِ
لامُوا عَلَى جَزَعِي وَلَمَّا يَعْلَمُوا / أَنَّ الْمَلامَةَ لا تَرُدُّ قِيَادِي
فَلَئِنْ لَبِيدُ قَضَى بِحَوْلٍ كَامِلٍ / فِي الْحُزْنِ فَهْوَ قَضَاءُ غَيْرِ جَوَادِ
لَبِسَ الزَّمَانَ عَلَى اخْتِلافِ صُرُوفِهِ / دُوَلاً وَفَلَّ عَرَائِكَ الآبَادِ
كَمْ بَيْنَ عَادِيٍّ تَمَلَّى عُمْرَهُ / حِقَباً وَبَيْنَ حَدِيثَةِ الْمِيلادِ
هَذَا قَضَى وَطَرَ الْحَيَاةِ وتِلْكَ لَمْ / تَبْلُغْ شَبِيبَةَ عُمْرِهَا الْمُعْتَادِ
فَعَلامَ أَتْبَعُ مَا يَقُولُ وَحُكْمُهُ / لا يَسْتَوِي لِتَبَايُنِ الأَضْدَادِ
سِرْ يَا نَسِيمُ فَبَلِّغِ الْقَبْرَ الَّذِي / بِحِمَى الإِمَامِ تَحِيَّتِي ووِدَادِي
أَخْبِرْهُ أَنِّي بَعْدَهُ في مَعْشَرٍ / يَسْتَجْلِبُونَ صَلاحَهُمْ بِفَسَادِي
طُبِعُوا على حَسَدٍ فَأَنْتَ تَرَاهُمُ / مَرْضَى الْقُلُوبِ أَصِحَّةَ الأَجْسَادِ
وَلَوَ انَّهُمْ عَلِمُوا خَبِيئَةَ ما طَوَى / لَهُمُ الرَّدَى لَمْ يَقْدَحُوا بِزِنادِ
كُلُّ امْرِئٍ يَوْماً مُلاقٍ رَبَّهُ / والنَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَلى مِيعَادِ
وَكَفَى بِعَادِيَةِ الْحَوَادِثِ مُنْذِراً / لِلْغَافِلِينَ لَوِ اكْتَفُوا بِعَوَادِي
فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ نَظْرَةَ عَاقِلٍ / لِمَصَارِعِ الآباءِ وَالأَجْدَادِ
عَصَفَ الزَمَانُ بِهِمْ فَبَدَّدَ شَمْلَهُمْ / فِي الأَرْضِ بَيْنَ تَهَائِمٍ وَنِجَادِ
دَهْرٌ كَأَنَّا مِنْ جَرَائِرِ سِلْمِهِ / فِي حَرِّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ وجِلادِ
أَفْنَى الْجَبَابِرَ مِنْ مَقَاوِلِ حِمْيَرٍ / وأُولِي الزَّعَامَةِ مِنْ ثَمُودَ وَعَادِ
وَرَمَى قُضَاعَةَ فَاسْتَبَاحَ دِيارَهَا / بِالسُّخْطِ مِنْ سابُورَ ذِي الأَجْنَادِ
وَأَصَابَ عَنْ عُرْضٍ إِيادَ فَأَصْبَحَتْ / مَنْكُوسَةَ الأَعْلامِ فِي سِنْدَادِ
فَسَلِ الْمَدَائِنَ فَهْيَ مَنْجَمُ عِبْرَةٍ / عَمَّا رَأَتْ مِنْ حَاضِرٍ أَوْ بَادِي
كَرَّتْ عَلَيْهَا الْحَادِثَاتُ فَلَمْ تَدَعْ / إِلَّا بَقَايَا أَرْسُمٍ وَعِمَادِ
وَاعْكُفْ عَلَى الْهَرَمَيْنِ واسْأَلْ عَنْهُمَا / بَلْهِيبَ فَهْوَ خَطِيبُ ذَاكَ الْوَادِي
تُنْبِئْكَ أَلْسِنَةُ الصُّمُوتِ بِمَا جَرَى / في الدَّهْرِ مِنْ عَدَمٍ ومِنْ إِيْجَادِ
أُمَمٌ خَلَتْ فَاسْتَعْجَمَتْ أَخْبَارُها / حَتَّى غَدَتْ مَجْهُولَةَ الإِسْنَادِ
فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ صَرْعَةَ يَوْمِهِ / أَوَلَيْسَ أَنَّ حَيَاتَهُ لِنَفَادِ
تَعَسَ امْرُؤٌ نَسِيَ الْمَعَادَ وَمَا دَرَى / أَنَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ بِالْمِرْصَادِ
فَاسْتَهْدِ يَا مَحْمُودُ رَبَّكَ وَالْتَمِسْ / مِنْهُ الْمَعُونَةَ فَهْوَ نِعْمَ الْهَادِي
وَاسْأَلْهُ مَغْفِرَةً لِمَنْ حَلَّ الثَّرَى / بِالأَمْسِ فَهْوَ مُجِيبُ كُل مُنَادِي
هِيَ مُهْجَةٌ وَدَّعْتُ يَوْمَ زِيَالِهَا / نَفْسِي وَعِشْتُ بِحَسْرَةٍ وَبِعَادِ
تَاللهِ ما جَفَّتْ دُمُوعي بَعْدَمَا / ذَهَبَ الرَّدَى بِكِ يَا بْنَةَ الأَمْجَادِ
لا تَحْسَبِينِي مِلْتُ عَنْكِ مَعَ الْهَوَى / هَيْهَاتَ مَا تَرْكُ الْوَفاءِ بِعَادِي
قَدْ كِدْتُ أَقْضِي حَسْرَةً لَوْ لَمْ أَكُنْ / مُتَوَقِّعَاً لُقْيَاكِ يَوْمَ مَعَادِي
فَعَلَيْكِ مِنْ قَلْبِي التَّحِيَّةُ كُلَّمَا / نَاحَتْ مُطَوَّقَةٌ عَلَى الأَعْوَادِ
أَنَا مَصْدَرُ الْكَلِمِ النَّوَادِي
أَنَا مَصْدَرُ الْكَلِمِ النَّوَادِي / بَيْنَ الْحَواضِرِ وَالْبَوادِي
أَنَا فَارِسٌ أَنَا شَاعِرٌ / فِي كُلِّ مَلْحَمَةٍ وَنَادِي
فَإِذَا رَكِبْتُ فَإِنَّنِي / زَيْدُ الْفَوارِسِ فِي الْجِلادِ
وَإِذَا نَطَقْتُ فَإِنَّنِي / قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الإِيَادِي
هَذَا وَذَلِكَ دَيْدَنِي / فِي كُلِّ مُعْضِلَةٍ نَآدِ
وَمُنَادِمٍ غَرِدِ الْحَدِيثِ كَأَنَّمَا
وَمُنَادِمٍ غَرِدِ الْحَدِيثِ كَأَنَّمَا / أَلْفَاظُهُ فِي السَّمْعِ نَغْمَةُ عُودِ
تُغْنِي الإِشَارَةُ مِنْهُ عَنْ تَصْرِيحِهِ / وَتَدُلُّ لَفْظَتُهُ عَلَى الْمَقْصُودِ
سَحَرَ الْعُقُولَ بَيَانُهُ فَكَأَنَّهُ / يَسْقِي الْجَلِيسَ سُلافَةَ الْعُنْقُودِ
عَوِّدْ فُؤَادَكَ أَنْ يَكُونَ مَجَنَّةً
عَوِّدْ فُؤَادَكَ أَنْ يَكُونَ مَجَنَّةً / لِلسِّرِّ فَهْوَ لَدَى الْمَحَافِلِ حَمْدُهُ
السِّرُّ عَبْدُكَ مَا اسْتَطَعْتَ حِفَاظَهُ / فَإِذَا أَفَضْتَ بِهِ فَإِنَّكَ عَبْدُهُ
لا عَيْشَ إِلَّا لِلنَّفَادِ
لا عَيْشَ إِلَّا لِلنَّفَادِ / فَاحْبِبْ حَيَاتَكَ أَوْ فَعَادِ
وَابْخِلْ بِنَفْسِكَ أَوْ فَجُدْ / كُلُّ الأُمُورِ إِلَى فَسَادِ
أَيْنَ الأُلَى شَقُّوا الْبُحُو / رَ وَشَيَّدُوا ذَاتَ الْعِمَادِ
مَلَكُوا التَهَائِمَ وَالنَجَا / ئِدَ وَالْحَوَاضِرَ وَالْبَوَادِي
بَلْ أَيْنَ أَصْحَابُ الْوُفُو / دِ وَأَيْنَ أَرْبَابُ الْجِلادِ
الطَّاعِمُونَ الطَّاعِنُو / نَ الْقَائِلُونَ بِكُلِّ نَادِي
الْكَاشِفُونَ الضُّرَّ وَالْ / عَافُونَ عَنْ ذَنْبِ الْعِبَادِ
بَلْ أَيْنَ صُنَّاعُ الْقَري / ضِ الْجَزْلِ وَالْكَلِمِ الْفِرَادِ
كَالشَّاعِرِ الضِّلِّيلِ أَوْ / قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الإِيَادِي
لَعِبَ الزَّمَانُ بِجَمْعِهِمْ / وَرَمَى بِهِمْ في كُلِّ وَادِي
فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا / إِلَّا بَيَاضَاً في سَوادِ
لِهَوَى الْكَوَاعِبِ ذِمَّةٌ لا تُخْفَرُ
لِهَوَى الْكَوَاعِبِ ذِمَّةٌ لا تُخْفَرُ / وَأَخُو الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ لا يَغْدِرُ
فَعَلامَ يَنْهَانِي الْعَذُولُ عَنِ الصِّبَا / أَوَلَيْسَ أَنَّ هَوَى النُّفُوسِ مُقَدَّرُ
قَدْ كَانَ لِي فِي بَعْضِ مَا صَنَعَ الْهَوَى / عُذْرٌ وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَتَبَصَّرُ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ غَافِلٌ عَمَّا جَنَتْ / يَدُهُ عَلَيَّ وَلائِمٌ لا يَعْذِرُ
لَمْ يَدْرِ مَنْ كَحَلَ الْكَرَى أَجْفَانَهُ / مَاذَا يُكَابِدُ فِي الْهَوَى مَنْ يَسْهَرُ
يَا غَافِلاً عَنِّي وَبَيْنَ جَوانِحِي / لَهَبٌ يَكَادُ لَهُ الْحَشَا يَتَفَطَّرُ
دَعْنِي أَبُثكَ بَعْضَ مَا أَنَا وَاجِدٌ / وَاحْكُمْ بِمَا تَهْوَى فَأَنْتَ مُخَيَّرُ
فَلَو اطَّلَعْتَ عَلَى تَبَارِيحِ الْجَوَى / لَعَلِمْتَ أَيُّ دَمٍ بِحُبِّكَ يُهْدَرُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ حُبِّكَ أَنَّنِي / أُغْضِي عَلى مَضَضِ الْهَوانِ وَأَصْبِرُ
أَوْرَدْتَنِي بلِحاظِ عَيْنِكَ مَوْرِداً / لِلْحُبِّ مَا لِلْقَلْبِ عَنْهُ مَصْدَرُ
هِيَ نَظْرَةٌ كَانَتْ ذَرِيعَةَ صَبْوَةٍ / وَاللَّحْظُ أَضْعَفُ مَا يَكُونُ وَأَقْدَرُ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ وَحْيِ جُفُونِهَا / أَنَّ الْعُيُونَ الْجُؤْذُرِيَّةَ تَسْحَرُ
ظَلَمُوا الأَسِنَّةَ خَاطِئِينَ وَلَيْتَهُمْ / عَلِمُوا بِمَا صَنَعَ السِّنَانُ الأَحْوَرُ
أَمُطَاعِنَ الْفُرْسَانِ فِي حَمَسِ الْوَغَى / أَقْصِرْ فَرُمْحُكَ عَنْ غَريمِكَ أَقْصَرُ
أَيْنَ الْرِّمَاحُ مِنَ الْقُدُودِ وَأَيْنَ مِنْ / لَحْظٍ تَهِيمُ بِهِ السِّنَانُ الأَخْزَرُ
هَيْهَاتَ يَثْبُتُ فِي الوَقِيعَةِ دَارِعٌ / يَسْطُو عَلَيْهِ مُخَلْخَلٌ وَمُسَوَّرُ
لِلْحُسْنِ أَسْحِلَةٌ إِذَا مَا اسْتَجْمَعَتْ / فِي حَوْمَةٍ لا يَتَّقِيهَا مغْفَرُ
فَالْلَّحْظُ عَضْبٌ صَارِمٌ وَالْهُدْبُ نَبْ / لٌ صَائِبٌ وَالْقَدُّ رُمْحٌ أَسْمَرُ
أَنَّى يَطِيشُ عَنِ الْقُلُوبِ لِغَمْزَةٍ / سَهْمٌ وَقَوْسُ الْحَاجِبَيْنِ مُوَتَّرُ
يَا لَلْحَمِيَّةِ مِنْ غَزَالٍ صَادَنِي / وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنْ يَصِيدَ الْجُؤْذَرُ
بَدْرٌ لَهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ مَنَازِلٌ / يَسْرِي بِهَا وَلِكُلِّ بَدْرٍ مَظْهَرُ
انْظُر لِطُرَّتِهِ وَغُرَّةِ وَجْهِهِ / تَلْقَ الْهِدَايَةَ فَهوَ لَيْلٌ أَقْمَرُ
نَادَيْتُ لَمَّا لاحَ تحْتَ قِنَاعِهِ / هَذَا الْمُقَنَّعُ فَاحْذَرُوا أَنْ تُسْحَرُوا
طَبَعَتْهُ فِي لَوْحِ الْفُؤَادِ مَخِيلَتي / بِزُجَاجَةِ الْعَينَينِ فَهُوَ مُصَوَّرُ
وَسَرَتْ بِجِسْمِي كَهْرَبَاءةُ حُسْنِهِ / فَمِنَ الْعُرُوقِ بِهِ سُلُوكٌ تُخْبرُ
أَنَا مِنْهُ بَيْنَ صَبَابَةٍ لا يَنْقَضي / مِيقَاتُهَا وَمَواعِدٍ لا تُثْمِرُ
جِسْمٌ بَرَتْهُ يَدُ الضَّنَى حَتَّى غَدَا / قَفَصاً بِهِ لِلْقَلْبِ طَيْرٌ يَصْفِرُ
لَوْلا التَّنَفُّسُ لاعْتَلَتْ بِيَ زَفْرَةٌ / فَيَخَالُنِي طَيَّارَةً مَنْ يُبْصِرُ
لا غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتُ تَحْتَ قِيَادِهِ / فَالْحُبُّ أَغْلَبُ لِلنُّفُوسِ وَأَقْهَرُ
يَعْنُو لِقُدْرَتِهِ الْمَلِيكُ الْمُتَّقَي / وَيَهَابُ صَوْلَتَهُ الْكَمِيُّ الْقَسْوَرُ
وَالْعِشْقُ مَكْرُمَةٌ إِذَا عَفَّ الْفَتَى / عَمَّا يَهِيمُ بِهِ الْغَوِيُّ الأَصْوَرُ
يَقْوَى بِهِ قَلْبُ الْجَبَانِ وَيَرْعَوِي / طَمَعُ الْحَريصِ وَيَخْضَعُ الْمُتَكَبِّرُ
فَتَحَلَّ بِالأَدَب النَّفِيسِ فَإِنَّهُ / حَلْيٌ يَعِزُّ بِهِ اللَّبِيبُ وَيَفْخَرُ
وَإِذا عَزَمْتَ فَكُنْ بِنَفْسِكَ وَاثِقاً / فَالْمُسْتَعِزُّ بِغَيْرِهِ لا يَظْفَرُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرءِ مِنْ بَدَهاتِهِ / فِي الْخَطْبِ هَادٍ خَانَهُ مَنْ يَنْصُرُ
وَاحْذَرْ مُقَارَنَةَ اللَّئِيمِ وَإِنْ عَلا / فَالْمَرْءُ يُفْسِدُهُ الْقَرِينُ الأَحْقَرُ
وَمِنَ الرِّجَالِ مَنَاسِبٌ مَعْرُوفَةٌ / تَزْكُو مَوَدَّتُهَا وَمِنْهُمْ مُنْكَرُ
فَانْظُرْ إِلَى عَقْلِ الفَتَى لا جِسْمِهِ / فَالْمَرْءُ يَكْبُرُ بِالْفِعَالِ وَيَصْغُرُ
فَلَرُبَّمَا هَزَمَ الْكَتِيبَةَ وَاحِدٌ / وَلَرُبَّمَا جَلَبَ الدَّنيئَةَ مَعْشَرُ
إِنَّ الْجَمَالَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّما / خَفِيَ الصَّوَابُ لأَنَّهُ لا يَظْهَرُ
فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا تَعِيشُ بِذِكْرِهِ / فَالْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ يُذْكَرُ