المجموع : 32
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ / أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي / وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها / فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا / بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ / أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت / عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ
عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها / زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ / مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها / بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما / زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها / وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ
فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً / سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ / عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ
وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ / سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ
أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها / غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ
جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ / فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ
سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ / يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ
وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ / غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ / قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ
تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ / وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ
وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى / نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ
هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ / لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ
خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ / تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ
وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً / بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ
تَأوي لَهُ قُلُصُ النَعامِ كَما أَوَت / حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لِأَعجَمَ طِمطِمِ
يَتبَعنَ قُلَّةَ رَأسِهِ وَكَأَنَّهُ / حِدجٌ عَلى نَعشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ / كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ
شَرِبَت بِماءِ الدُحرُضَينِ فَأَصبَحَت / زَوراءَ تَنفِرُ عَن حِياضِ الدَيلَمِ
وَكَأَنَّما تَنأى بِجانِبِ دَفَّها ال / وَحشِيِّ مِن هَزِجِ العَشِيِّ مُؤَوَّمِ
هِرٍ جَنيبٍ كُلَّما عَطَفَت لَهُ / غَضَبى اِتَّقاها بِاليَدَينِ وَبِالفَمِ
بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّما / بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَداً / حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ
يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ / زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ
إِن تُغدِفي دوني القِناعَ فَإِنَّني / طَبٌّ بِأَخذِ الفارِسِ المُستَلئِمِ
أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني / سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ
وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ / مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ
وَلَقَد شَرِبتُ مِنَ المُدامَةِ بَعدَما / رَكَدَ الهَواجِرُ بِالمَشوفِ المُعلَمِ
بِزُجاجَةٍ صَفراءَ ذاتِ أَسِرَّةٍ / قُرِنَت بِأَزهَرَ في الشَمالِ مُفَدَّمِ
فَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ / مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ
وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً / وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي
وَحَليلِ غانِيَةٍ تَرَكتُ مُجَدَّلاً / تَمكو فَريصَتُهُ كَشَدقِ الأَعلَمِ
سَبَقَت يَدايَ لَهُ بِعاجِلِ طَعنَةٍ / وَرَشاشِ نافِذَةٍ كَلَونِ العَندَمِ
هَلّا سَأَلتِ الخَيلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / إِن كُنتِ جاهِلَةً بِما لَم تَعلَمي
إِذ لا أَزالُ عَلى رِحالَةِ سابِحٍ / نَهدٍ تَعاوَرُهُ الكُماةُ مُكَلَّمِ
طَوراً يُجَرَّدُ لِلطِعانِ وَتارَةً / يَأوي إِلى حَصدِ القَسِيِّ عَرَمرَمِ
يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني / أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ
وَمُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزالَهُ / لا مُمعِنٍ هَرَباً وَلا مُستَسلِمِ
جادَت لَهُ كَفّي بِعاجِلِ طَعنَةٍ / بِمُثَقَّفٍ صَدقِ الكُعوبِ مُقَوَّمِ
فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ / لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ
فَتَرَكتُهُ جَزَرَ السِباعِ يَنُشنَهُ / يَقضِمنَ حُسنَ بِنانِهِ وَالمِعصَمِ
وَمِشَكِّ سابِغَةٍ هَتَكتُ فُروجَها / بِالسَيفِ عَن حامي الحَقيقَةِ مُعلِمِ
رَبِذٍ يَداهُ بِالقِداحِ إِذا شَتا / هَتّاكِ غاياتِ التِجارِ مُلَوَّمِ
لَمّا رَآني قَد نَزَلتُ أُريدُهُ / أَبدى نَواجِذَهُ لِغَيرِ تَبَسُّمِ
عَهدي بِهِ مَدَّ النَهارِ كَأَنَّما / خُضِبَ البَنانُ وَرَأسُهُ بِالعِظلِمِ
فَطَعَنتُهُ بِالرُمحِ ثُمَّ عَلَوتُهُ / بِمُهَنَّدٍ صافي الحَديدَةِ مِخذَمِ
بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ / يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ
يا شاةَ ما قَنَصٍ لِمَن حَلَّت لَهُ / حَرُمَت عَلَيَّ وَلَيتَها لَم تَحرُمِ
فَبَعَثتُ جارِيَتي فَقُلتُ لَها اِذهَبي / فَتَجَسَّسي أَخبارَها لِيَ وَاِعلَمي
قالَت رَأَيتُ مِنَ الأَعادي غِرَّةً / وَالشاةُ مُمكِنَةٌ لِمَن هُوَ مُرتَمِ
وَكَأَنَّما اِلتَفَتَت بِجيدِ جَدايَةٍ / رَشإٍ مِنَ الغِزلانِ حُرٍّ أَرثَمِ
نِبِّئتُ عَمرواً غَيرَ شاكِرِ نِعمَتي / وَالكُفرُ مَخبَثَةٌ لَنَفسِ المُنعِمِ
وَلَقَد حَفِظتُ وَصاةَ عَمّي بِالضُحى / إِذ تَقلِصُ الشَفَتانِ عَن وَضَحِ الفَمِ
في حَومَةِ الحَربِ الَّتي لا تَشتَكي / غَمَراتِها الأَبطالُ غَيرَ تَغَمغُمِ
إِذ يَتَّقونَ بِيَ الأَسِنَّةَ لَم أَخِم / عَنها وَلَكِنّي تَضايَقَ مُقدَمي
لَمّا رَأَيتُ القَومَ أَقبَلَ جَمعُهُم / يَتَذامَرونَ كَرَرتُ غَيرَ مُذَمَّمِ
يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها / أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ
ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ / وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ / وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى / وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها / قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ
وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً / مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ
ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي / لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ
وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر / لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ
الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُما / وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي
إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُما / جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ
لا تَذكُري مُهري وَما أَطعَمتُهُ
لا تَذكُري مُهري وَما أَطعَمتُهُ / فَيَكونَ جِلدِكِ مِثلَ جِلدِ الأَجرَبِ
إِنَّ الغَبوقَ لَهُ وَأَنتِ مَسوأَةٌ / فَتَأَوَّهي ما شِئتِ ثُمَّ تَحَوَّبي
كَذَبَ العَتيقُ وَماءُ شَنٍّ بارِدٍ / إِن كُنتِ سائِلَتي غَبوقاً فَاِذهَبي
إِنَّ الرِجالَ لَهُم إِلَيكِ وَسيلَةٌ / إِن يَأخُذوكِ تَكَحَّلي وَتَخَضَّبي
وَيَكونُ مَركَبَكِ القَعودُ وَرَحلُهُ / وَابنُ النَعامَةِ يَومَ ذَلِكَ مَركَبي
إِنّي أُحاذِرُ أَن تَقولَ ظَعينَتي / هَذا غُبارٌ ساطِعٌ فَتَلَبَّبِ
وَأَنا اِمرُؤٌ إِن يَأخُذوني عَنوَةً / أُقرَن إِلى شَرِّ الرِكابِ وَأُجنَبِ
أَبَني زَبيبَةَ ما لِمُهرِكُمُ
أَبَني زَبيبَةَ ما لِمُهرِكُمُ / مُتَخَدِّداً وَبُطونُكُم عُجرُ
أَلَكُم بِآلاءِ الوَشيجِ إِذا / مَرَّ الشِياهُ بِوَقعِهِ خُبرُ
إِذ لا تَزالُ لَكُم مُغَرغَرَةٌ / تَغلي وَأَعلى لَونِها صَهرُ
لَمّا غَدَوا وَغَدَت سَطيحَتُهُم / مَلأى وَبَطنُ جَوادِهِم صِفرُ
اِصبِر حُصَينُ لَئِن تَرَكتَ بِوَجهِهِ
اِصبِر حُصَينُ لَئِن تَرَكتَ بِوَجهِهِ / أَثَراً فَإِنّي لا إِخالُكَ تَصبِرُ
ما سَرَّني أَنَّ القِنانَ تَخَرَّفَت / عَمّا أَصابَت مِن حِجاجِ المَحجَرِ
إِنَّ الكَريمَ نُدوبُهُ في وَجهِهِ / وَنُدوبُ مُرَّةَ لا تُرى في المَنحَرِ
لَكِنَّ في أَكتافِهِم وَظُهورِهِم / فَبِذاكَ فَاِفخَر بِئسَ ذاكَ المَفخَرُ
ظَعَنَ الَّذينَ فَراقَهُم أَتَوَقَّعُ
ظَعَنَ الَّذينَ فَراقَهُم أَتَوَقَّعُ / وَجَرى بِبَينِهِمُ الغُرابُ الأَبقَعُ
حَرِقُ الجَناحِ كَأَنَّ لِحيَي رَأسِهِ / جَلَمانِ بِالأَخبارِ هَشَّ مولَعُ
فَزَجَرتُهُ أَلّا يُفَرِّخَ عُشُّهُ / أَبَداً وَيُصبِحَ واحِداً يَتَفَجَّعُ
إِنَّ الَّذينَ نَعَيتَ لي بِفِراقِهِم / هُم أَسهَروا لَيلي التَمامَ فَأَوجَعوا
وَمُغيرَةٍ شَعواءَ ذاتِ أَشِلَّةٍ / فيها الفَوارِسُ حاسِرٌ وَمُقَنَّعُ
فَزَجَرتُها عَن نِسوَةٍ مِن عامِرٍ / أَفخاذُهُنَّ كَأَنَّهُنَّ الخَروَعُ
وَعَرَفتُ أَنَّ مَنِيَّتي إِن تَأتِني / لا يُنجِني مِنها الفِرارُ الأَسرَعُ
فَصَبَرتُ عارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً / تَرسو إِذا نَفسُ الجَبانِ تَطَلَّعُ
سائِل عُمَيرَةَ حَيثُ حَلَّت جَمعَها
سائِل عُمَيرَةَ حَيثُ حَلَّت جَمعَها / عِندَ الحُروبِ بِأَيِّ حَيٍّ تُلحَقُ
أَبِحَيِّ قَيسٍ أَم بِعُذرَةَ بَعدَما / رُفِعَ اللِواءُ لَهَ وَبِئسَ المَلحَقُ
وَاِسأَل حُذَيفَةَ حينَ أَرَّشَ بَينَنا / حَرباً ذَوائِبُها بِمَوتٍ تَخفِقُ
فَلتَعلَمَنَّ إِذا اِلتَقَت فُرسانُنا / بِلِوى النُجَيرَةِ أَنَّ ظَنَّكَ أَحمَقُ
طالَ الثَواءُ عَلى رُسومِ المَنزِلِ
طالَ الثَواءُ عَلى رُسومِ المَنزِلِ / بَينَ اللَكيكِ وَبَينَ ذاتِ الحَرمَلِ
فَوَقَفتُ في عَرَصاتِها مُتَحَيِّراً / أَسلُ الدِيارَ كَفِعلِ مَن لَم يَذهَلِ
لَعِبَت بِها الأَنواءُ بَعدَ أَنيسِها / وَالرامِساتُ وَكُلُّ جَونٍ مُسبَلِ
أَفَمِن بُكاءِ حَمامَةً في أَيكَةٍ / ذَرَفَت دُموعَكَ فَوقَ ظَهرِ المَحمِلِ
كَالدُرِّ أَو فَضَضِ الجُمانِ تَقَطَّعَت / مِنهُ عَقائِدُ سِلكِهِ لَم يوصَلِ
لَمّا سَمِعتُ دُعاءَ مُرَّةَ إِذ دَعا / وَدُعاءَ عَبسٍ في الوَغى وَمُحَلِّلِ
نادَيتُ عَبساً فَاِستَجابوا بِالقَنا / وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ لَم يَنجَلِ
حَتّى اِستَباحوا آلَ عَوفٍ عَنوَةً / بِالمَشرَفِيِّ وَبِالوَشيجِ الذُبَّلِ
إِنّي اِمرُؤٌ مِن خَيرِ عَبسٍ مَنصِباً / شَطرِي وَأَحمي سائِري بِالمُنصُلِ
إِن يُلحَقوا أَكرُر وَإِن يُستَلحَموا / أَشدُد وَإِن يُلفَوا بِضَنكٍ أَنزِلِ
حينَ النُزولُ يَكونُ غايَةَ مِثلِنا / وَيَفِرُّ كُلَّ مُضَلَّلٍ مُستَوهِلِ
وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ / حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ
وَإِذا الكَتيبَةُ أَحجَمَت وَتَلاحَظَت / أُلفيتُ خَيراً مِن مُعَمٍّ مُخوَلِ
وَالخَيلُ تَعلَمُ وَالفَوارِسُ أَنَّني / فَرَّقتُ جَمعَهُمُ بِطَعنَةِ فَيصَلِ
إِذ لا أُبادِرُ في المَضيقِ فَوارِسي / وَلا أُوَكِّلُ بِالرَعيلِ الأَوَّلِ
وَلَقَد غَدَوتُ أَمامَ رايَةِ غالِبٍ / يَومَ الهَياجِ وَما غَدَوتُ بِأَعزَلِ
بَكَرَت تُخَوِّفني الحُتوفَ كَأَنَّني / أَصبَحتُ عَن غَرَضِ الحُتوفِ بِمَعزِلِ
فَأَجَبتُها إِنَّ المَنِيَّةَ مَنهَلٌ / لا بُدَّ أَن أُسقى بِكَأسِ المَنهَلِ
فَاِقِني حَياءَكِ لا أَبا لَكِ وَاِعلَمي / أَنّي اِمرُؤٌ سَأَموتُ إِن لَم أُقتَلِ
إِنَّ المَنِيَّةَ لَو تُمَثَّلُ مُثِّلَت / مِثلي إِذا نَزَلوا بِضَنكِ المَنزِلِ
وَالخَيلُ ساهِمَةُ الوُجوهِ كَأَنَّما / تُسقى فَوارِسُها نَقيعَ الحَنظَلِ
إِذا حُمِلتُ عَلى الكَريهَةِ لَم أَقُل / بَعدَ الكَريهَةِ لَيتَني لَم أَفعَلِ
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ / عاري الأَشاجِعِ شاحِبٍ كَالمُنصُلِ
شَعثِ المَفارِقِ مُنهَجٍ سِربالُهُ / لَم يَدَّهِن حَولاً وَلَم يَتَرَجَّلِ
لا يَكتَسي إِلّا الحَديدَ إِذا اِكتَسى / وَكَذاكَ كُلُّ مُغاوِرٍ مُستَبسِلِ
قَد طالَما لَبِسَ الحَديدَ فَإِنَّما / صَدَأُ الحَديدِ بِجِلدِهِ لَم يُغسَلِ
فَتَضاحَكَت عَجَباً وَقالَت يا فَتى / لا خَيرَ فيكَ كَأَنَّها لَم تَحفِلِ
فَعَجِبتُ مِنها حينَ زَلَّت عَينُها / عَن ماجِدٍ طَلقِ اليَدَينِ شَمَردَلِ
لا تَصرِميني يا عُبَيلَ وَراجِعي / فِيَّ البَصيرَةَ نَظرَةَ المُتَأَمِّلِ
فَلَرُبَّ أَملَحَ مِنكِ دَلّاً فَاِعلَمي / وَأَقَرَّ في الدُنيا لِعَينِ المُجتَلي
وَصَلَت حِبالي بِالَّذي أَنا أَهلُهُ / مِن وُدِّها وَأَنا رَخِيَّ المِطوَلِ
يا عَبلَ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُها / بِالنَفسِ ما كادَت لَعَمرُكِ تَنجَلي
فيها لَوامِعُ لَو شَهِدتِ زُهائَها / لَسَلَوتِ بَعدَ تَخَضُّبٍ وَتَكَحُّلِ
إِمّا تَرَيني قَد نَحَلتُ وَمَن يَكُن / غَرَضاً لِأَطرافِ الأَسِنَّةِ يَنحَلِ
فَلَرُبَّ أَبلَجَ مِثلِ بَعلِكِ بادِنٍ / ضَخمٍ عَلى ظَهرِ الجَوادِ مُهَيَّلِ
غادَرتُهُ مُتَعَفِّراً أَوصالُهُ / وَالقَومُ بَينَ مُجَرَّحٍ وَمُجَدَّلِ
فيهُم أَخو ثِقَةٍ يُضارِبُ نازِلاً / بِالمَشرَفِيِّ وَفارِسٌ لَم يَنزِلِ
وَرِماحُنا تَكِفُ النَجيعَ صُدورُها / وَسُيوفُنا تَخلي الرِقابَ فَتَختَلي
وَالهامُ تَندُرُ بِالصَعيدِ كَأَنَّما / تُلقي السُيوفُ بِها رُؤوسَ الحَنظَلِ
وَلَقَد لَقيتُ المَوتَ يَومَ لَقيتُهُ / مُتَسَربِلاً وَالسَيفُ لَم يَتَسَربَلِ
فَرَأَيتُنا ما بَينَنا مِن حاجِزٍ / إِلّا المِجَنَّ وَنَصلُ أَبيَضَ مِفصَلِ
ذَكَرٍ أَشُقُّ بِهِ الجَماجِمَ في الوَغى / وَأَقولُ لا تُقطَع يَمينُ الصَيقَلِ
وَلَرُبَّ مُشعِلَةٍ وَزَعتُ رِعالَها / بِمُقَلَّصٍ نَهدِ المَراكِلِ هَيكَلِ
سَلِسِ المُعَذَّرِ لاحِقٍ أَقرابُهُ / مُتَقَلِّبٍ عَبَثاً بِفَأسِ المِسحَلِ
نَهدِ القَطاةِ كَأَنَّها مِن صَخرَةٍ / مَلساءَ يَغشاها المَسيلُ بِمَحفَلِ
وَكَأَنَّ هادِيَهُ إِذا اِستَقبَلتَهُ / جِذعٌ أُذِلَّ وَكانَ غَيرَ مُذَلَّلِ
وَكَأَنَّ مَخرَجَ رَوحِهِ في وَجهِهِ / سَرَبانِ كانا مَولِجَينِ لِجَيأَلِ
وَكَأَنَّ مَتنَيهِ إِذا جَرَّدتَهُ / وَنَزَعتَ عَنهُ الجُلَّ مَتنا إِيِّلِ
وَلَهُ حَوافِرُ موثَقٌ تَركيبُها / صُمُّ النُسورِ كَأَنَّها مِن جَندَلِ
وَلَهُ عَسيبٌ ذو سَبيبٍ سابِغٍ / مِثلِ الرِداءِ عَلى الغَنِيِّ المُفضِلِ
سَلِسُ العِنانِ إِلى القِتالِ فَعَينُهُ / قَبلاءُ شاخِصَةٌ كَعَينِ الأَحوَلِ
وَكَأَنَّ مِشيَتَهُ إِذا نَهنَهتُهُ / بِالنَكلِ مِشيَةُ شارِبٍ مُستَعجِلِ
فَعَلَيهِ أَقتَحِمُ الهِياجَ تَقَحُّماً / فيها وَأَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
وَفَوارِسٍ لي قَد عَلِمتُهُمُ
وَفَوارِسٍ لي قَد عَلِمتُهُمُ / صُبُرٍ عَلى التَكرارِ وَالكَلمِ
يَمشونَ وَالماذِيُّ فَوقَهُمُ / يَتَوَقَّدونَ تَوَقُّدَ الفَحمِ
كَم مِن فَتىً فيهِم أَخي ثِقَةٍ / حُرٍّ أَغَرَّ كَغُرَّةِ الرَأمِ
لَيسوا كَأَقوامٍ عَلِمتُهُمُ / سودِ الوُجوهِ كَمَعدَنِ البُرمِ
عَجِلَت بَنو شَيبانَ مُدَّتَهُم / وَالبُقعُ أَستاهاً بَنو لَأمِ
كُنّا إِذا نَفَرَ المَطِيُّ بِنا / وَبَدا لَنا أَحواضُ ذي الرَضمِ
نُعدي فَنَطعَنُ في أُنوفِهِمُ / نَختارُ بَينَ القَتلِ وَالغُنمِ
إِنّا كَذَلِكَ يا سُهَيَّ إِذا / غَدَرَ الحَليفُ نَقودُ بِالخَطمِ
وَبِكُلِّ مُرهَفَةٍ لَها نَفَذٌ / بَينَ الضُلوعِ كَطُرَّةِ الفَدَمِ
يا عَبلُ أَينَ مِنَ المَنِيَةِ مَهرَبي
يا عَبلُ أَينَ مِنَ المَنِيَةِ مَهرَبي / إِن كانَ رَبّي في السَماءِ قَضاها
وَكَتيبَةٍ لَبَّستُها بِكَتيبَةٍ / شَهباءَ باسِلَةٍ يُخافُ رَداها
خَرساءَ ظاهِرَةِ الأَداةِ كَأَنَّها / نارٌ يُشَبُّ وُقودُها بِلَظاها
فيها الكُماةُ بَنو الكُماةِ كَأَنَّهُم / وَالخَيلُ تَعثُرُ في الوَغى بِقَناها
شُهُبٌ بِأَيدي القابِسينَ إِذا بَدَت / بِأَكُفِّهِم بَهَرَ الظَلامَ سَناها
صُبرٌ أَعَدّوا كُلَّ أَجرَدَ سابِحٍ / وَنَجيبَةٍ ذَبَلَت وَخَفَّ حَشاها
يَعدونَ بِالمُستَلئِمينَ عَوابِساً / قوداً تَشَكّى أَينَها وَوَجاها
يَحمِلنَ فِتياناً مَداعِسَ بِالقَنا / وُقُراً إِذا ما الحَربُ خَفَّ لِواها
مِن كُلِّ أَروَعَ ماجِدٍ ذي صَولَةٍ / مَرِسٍ إِذا لَحِقَت خُصىً بِكُلاها
وَصَحابَةٍ شُمَّ الأُنوفِ بَعَثتُهُم / لَيلاً وَقَد مالَ الكَرى بِطُلاها
وَسَرَيتُ في وَعثِ الظَلامِ أَقودُهُم / حَتّى رَأَيتُ الشَمسَ زالَ ضُحاها
وَلَقيتُ في قُبُلِ الهَجيرِ كَتيبَةً / فَطَعَنتُ أَوَّلَ فارِسٍ أَولاها
وَضَرَبتُ قَرنَي كَبشِها فَتَجَدَّلا / وَحَمَلتُ مُهري وَسطَها فَمَضاها
حَتّى رَأَيتُ الخَيلَ بَعدَ سَوادِها / حُمرَ الجُلودِ خُضِبنَ مِن جَرحاها
يَعثُرنَ في نَقعِ النَجيعِ جَوافِلاً / وَيَطَأنَ مِن حَميِ الوَغى صَرعاها
فَرَجَعتُ مَحموداً بِرَأسِ عَظيمِها / وَتَرَكتُها جَزَراً لِمَن ناواها
ما اِستَمتُ أُنثى نَفسَها في مَوطِنِ / حَتّى أُوَفّي مَهرَها مَولاها
وَلَما رَزَأتُ أَخاً حِفاظَ سِلعَةً / إِلّا لَهُ عِندي بِها مِثلاها
أَغشى فَتاةَ الحَيِّ عِندَ حَليلِها / وَإِذا غَزا في الجَيشِ لا أَغشاها
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي / حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ / لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
وَلَئِن سَأَلتَ بِذاكَ عَبلَةَ خَبَّرَت / أَن لا أُريدُ مِنَ النِساءِ سِواها
وَأُجيبُها إِمّا دَعَت لِعَظيمَةٍ / وَأُغيثُها وَأَعِفُّ عَمّا ساها
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ / بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ / مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني / أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ
خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت / أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ
وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ / قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ
وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ / قَد قَلَّدَتهُ نُجومَها الجَوزاءُ
بَسَمَت فَلاحَ ضِياءُ لُؤلُؤِ ثَغرِها / فيهِ لِداءِ العاشِقينَ شِفاءُ
سَجَدَت تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايَلَت / لِجَلالِها أَربابُنا العُظَماءُ
يا عَبلَ مِثلُ هَواكِ أَو أَضعافُهُ / عِندي إِذا وَقَعَ الإِياسُ رَجاءُ
إِن كانَ يُسعِدُني الزَمانُ فَإِنَّني / في هِمَّتي بِصُروفِهِ إِزراءُ
ما زِلتُ مُرتَقِياً إِلى العَلياءِ
ما زِلتُ مُرتَقِياً إِلى العَلياءِ / حَتّى بَلَغتُ إِلى ذُرى الجَوزاءِ
فَهُناكَ لا أَلوي عَلى مَن لامَني / خَوفَ المَماتِ وَفُرقَةِ الأَحياءِ
فَلَأُغضِبَنَّ عَواذِلي وَحَواسِدي / وَلِأَصبِرَنَّ عَلى قِلىً وَجَواءِ
وَلَأَجهَدَنَّ عَلى اللِقاءِ لِكَي أَرى / ما أَرتَجيهِ أَو يَحينَ قَضائي
وَلَأَحمِيَنَّ النَفسَ عَن شَهَواتِها / حَتّى أَرى ذا ذِمَّةٍ وَوَفاءِ
مَن كانَ يَجحَدُني فَقَد بَرَحَ الخَفا / ما كُنتُ أَكتُمُهُ عَنِ الرُقَباءِ
ما ساءَني لَوني وَإِسمُ زَبيبَةٍ / إِذ قَصَّرَت عَن هِمَّتي أَعدائي
فَلَئِن بَقيتُ لَأَصنَعَنَّ عَجائِباً / وَلَأُبكِمَنَّ بَلاغَةَ الفُصَحاءِ
وَغَداةَ صَبَّحنَ الجِفارَ عَوابِساً
وَغَداةَ صَبَّحنَ الجِفارَ عَوابِساً / يَهدي أَوائِلَهُنَّ شُعثٌ شُزَّبُ
لِمَنِ الشُموسُ عَزيزَةَ الأَحداجِ
لِمَنِ الشُموسُ عَزيزَةَ الأَحداجِ / يَطلُعنَ بَينَ الوَشيِ وَالديباجِ
مِن كُلِّ فائِقَةِ الجَمالِ كَدُميَةٍ / مِن لُؤلُؤٍ قَد صُوِّرَت في عاجِ
تَمشي وَتَرفُلُ في الثِيابِ كَأَنَّها / غُصنٌ تَرَنَّحَ في نَقاً رَجراجِ
حَفَّت بِهِنَّ مَناصِلٌ وَذَوابِلٌ / وَمَشَت بِهِنَّ ذَوامِلٌ وَنَواجي
فيهِنَّ هَيفاءُ القَوامِ كَأَنَّها / فُلكٌ مُشَرَّعَةٌ عَلى الأَمواجِ
خَطَفَ الظَلامُ كَسارِقٍ مِن شَعرِها / فَكَأَنَّما قَرَنَ الدُجى بِدَياجي
أَبصَرتُ ثُمَّ هَوَيتُ ثُمَّ كَتَمتُ ما / أَلقى وَلَم يَعلَم بِذاكَ مُناجي
فَوَصَلتُ ثُمَّ قَدَرتُ ثُمَّ عَفَفتُ مِن / شَرَفٍ تَناهى بي إِلى الإِنضاجِ
جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ حُدودَها
جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ حُدودَها / وَاِستَفرَغَت أَيّامُها مَجهودَها
وَقَضَت عَلَينا بِالمَنونِ فَعَوَّضَت / بِالكَرهِ مِن بيضِ اللَيالي سودَها
بِاللَهِ ما بالُ الأَحِبَّةِ أَعرَضَت / عَنّا وَرامَت بِالفِراقِ صُدودَها
رَضِيَت مُصاحَبَةَ البِلى وَاِستَوطَنَت / بَعدَ البُيوتِ قُبورَها وَلُحودَها
حَرِصَت عَلى طولِ البَقاءِ وَإِنَّما / مُبدي النُفوسِ أَبادَها لِيُعيدَها
عَبَثَت بِها الأَيّامُ حَتّى أَوثَقَت / أَيدي البِلى تَحتَ التُرابِ قُيودَها
فَكَأَنَّما تِلكَ الجُسومُ صَوارِمٌ / نَحَتَ الحِمامُ مِنَ اللُحودِ غُمودَها
نَسَجَت يَدُ الأَيّامِ مِن أَكفانِها / حُلَلاً وَأَلقَت بَينَهُنَّ عُقودَها
وَكَسا الرَبيعُ رُبوعَها أَنوارَهُ / لَما سَقَتها الغادِياتُ عُهودَها
وَسَرى بِها نَشرُ النَسيمِ فَعَطَّرَت / نَفَحاتُ أَرواحِ الشَمالِ صَعيدَها
هَل عيشَةٌ طابَت لَنا إِلّا وَقَد / أَبلى الزَمانُ قَديمَها وَجَديدَها
أَو مُقلَةٌ ذاقَت كَراها لَيلَةً / إِلّا وَأَعقَبَتِ الخُطوبُ هُجودَها
أَو بِنيَةٌ لِلمَجدِ شيدَ أَساسُها / إِلّا وَقَد هَدَمَ القَضاءُ وَطيدَها
شَقَّت عَلى العَليا وَفاةُ كَريمَةٍ / شَقَّت عَلَيها المَكرُماتُ بُرودَها
وَعَزيزَةٍ مَفقودَةٍ قَد هَوَّنَت / مُهَجُ النَوافِلِ بَعدَها مَفقودَها
ماتَت وَوُسِّدَتِ الفَلاةَ قَتيلَةً / يا لَهفُ نَفسي إِذ رَأَت تَوسيدَها
يا قَيسُ إِنَّ صُدورَنا وَقَدَت بِها / نارٌ بِأَضلُعِنا تَشُبُّ وَقودَها
فَاِنهَض لِأَخذِ الثَأرِ غَيرَ مُقَسِّرٍ / حَتّى تُبيدَ مِنَ العِداةِ عَديدَها
فَخرُ الرِجالِ سَلاسِلٌ وَقُيودُ
فَخرُ الرِجالِ سَلاسِلٌ وَقُيودُ / وَكَذا النِساءُ بَخانِقٌ وَعُقودُ
وَإِذا غُبارُ الخَيلِ مَدَّ رُواقَهُ / سُكري بِهِ لا ما جَنى العُنقودُ
يا دَهرُ لا تُبقِ عَلَيَّ فَقَد دَنا / ما كُنتُ أَطلُبُ قَبلَ ذا وَأُريدُ
فَالقَتلُ لي مِن بَعدِ عَبلَةَ راحَةٌ / وَالعَيشُ بَعدَ فِراقِها مَنكودُ
يا عَبلَ قَد دَنَتِ المَنِيَّةُ فَاِندُبي / إِن كانَ جَفنُكِ بِالدُموعِ يَجودُ
يا عَبلَ إِن تَبكي عَلَيَّ فَقَد بَكى / صَرفُ الزَمانِ عَلَيَّ وَهوَ حَسودُ
يا عَبلَ إِن سَفَكوا دَمي فَفَعائِلي / في كُلِّ يَومٍ ذِكرُهُنَّ جَديدُ
لَهفي عَلَيكِ إِذا بَقيتِ سَبِيَّةً / تَدعينَ عَنتَرَ وَهوَ عَنكِ بَعيدُ
وَلَقَد لَقيتُ الفُرسَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَجُيوشُها قَد ضاقَ عَنها البيدُ
وَتَموجُ مَوجَ البَحرِ إِلّا أَنَّها / لاقَت أُسوداً فَوقَهُنَّ حَديدُ
جاروا فَحَكَّمنا الصَوارِمَ بَينَنا / فَقَضَت وَأَطرافُ الرِماحِ شُهودُ
يا عَبلَ كَم مِن جَحفَلٍ فَرَّقتُهُ / وَالجَوُّ أَسوَدُ وَالجِبالُ تَميدُ
فَسَطا عَلَيَّ الدَهرُ سَطوَةَ غادِرٍ / وَالدَهرُ يَبخُلُ تارَةً وَيَجودُ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ / طَلَلٌ لِعَبلَة مُستَهِلُّ المَعهَدِ
يا مَسرَحَ الآرامِ في وادي الحِمى / هَل فيكَ ذو شَجَنٍ يَروحُ وَيَغتَدي
في أَيمَنِ العَلَمينِ دَرسُ مَعالِمٍ / أَوهى بِها جَلَدي وَبانَ تَجَلُّدي
مِن كُلِّ فاتِنَةٍ تَلَفَّتَ جيدُها / مَرَحاً كَسالِفَةِ الغَزالِ الأَغيَدِ
يا عَبلَ كَم يُشجى فُؤادي بِالنَوى / وَيَروعُني صَوتُ الغُرابِ الأَسوَدِ
كَيفَ السَلُوُّ وَما سَمِعتُ حَمائِماً / يَندُبنَ إِلّا كُنتُ أَوَّلَ مُنشِدِ
وَلَقَد حَبَستُ الدَمعَ لا بُخلاً بِهِ / يَومَ الوَداعِ عَلى رُسومِ المَعهَدِ
وَسَأَلتُ طَيرَ الدَوحِ كَم مِثلي شَجا / بِأَنينِهِ وَحَنينِهِ المُتَرَدِّدِ
نادَيتُهُ وَمَدامِعي مُنهَلَّةٌ / أَينَ الخَلِيُّ مِنَ الشَجِيِّ المُكمَدِ
لَو كُنتَ مِثلي ما لَبِثتَ مَلاوَةٌ / وَهَتَفتَ في غُصنِ النَقا المُتَأَوِّدِ
رَفَعوا القِبابَ عَلى وُجوهٍ أَشرَقَت / فيها فَغَيَّبتِ السُها في الفَرقَدِ
وَاِستَوكَفوا ماءَ العُيونِ بِأَعيُنٍ / مَكحولَةٍ بِالسِحرِ لا بِالإِثمِدِ
وَالشَمسُ بَينَ مُضَرَّجٍ وَمُبَلَّجٍ / وَالغُصنُ بَينَ مُوَشَّحٍ وَمُقَلَّدِ
يَطلُعنَ بَينَ سَوالِفٍ وَمَعاطِفٍ / وَقَلائِدٍ مِن لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ
قالوا اللِقاءَ غَداً بِمُنعَرَجِ اللِوى / وَأَطولَ شَوقِ المُستَهامِ إِلى غَدِ
وَتَخالُ أَنفاسي إِذا رَدَّدتُها / بَينَ الطُلولِ مَحَت نُقوشَ المِبرَدِ
وَتَنوفَةٍ مَجهولَةٍ قَد خُضتُها / بِسِنانِ رُمحٍ نارُهُ لَم تَخمُدِ
باكَرتُها في فِتيَةٍ عَبسِيَّةٍ / مِن كُلِّ أَروَعِ في الكَريهَةِ أَصيَدِ
وَتَرى بِها الراياتِ تَخفُقُ وَالقَنا / وَتَرى العَجاجَ كَمِثلِ بَحرٍ مُزبِدِ
فَهُناكَ تَنظُرُ آلُ عَبسٍ مَوقِفي / وَالخَيلُ تَعثَرُ بِالوَشيجِ الأَملَدِ
وَبَوارِقُ البيضِ الرِقاقِ لَوامِعٌ / في عارِضٍ مِثلِ الغَمامَ المُرعِدِ
وَذَوابِلُ السُمرُ الرِقاقِ كَأَنَّها / تَحتَ القَتامِ نُجومِ لَيلٍ أَسوَدِ
وَحَوافِرُ الخَيلِ العِناقِ عَلى الصَفا / مِثلُ الصَواعِقِ في قِفارِ الفَدفَدِ
باشَرتُ مَوكِبَها وَخُضتُ غُبارَها / أَطفَأتُ جَمرَ لَهيبِها المُتَوَقِّدِ
وَكَرَرتُ وَالأَبطالُ بَينَ تَصادُمٍ / وَتَهاجُمٍ وَتَحَزُّبٍ وَتَشَدُّدِ
وَفَوارِسُ الهَيجاءِ بَينَ مُمانِعٍ / وَمُدافِعٍ وَمُخادِعٍ وَمُعَربِدِ
وَالبيضُ تَلمَعُ وَالرِماحُ عَواسِلٌ / وَالقَومُ بَينَ مُجَدَّلٍ وَمُقَيَّدِ
وَمُوَسَّدٍ تَحتَ التُرابِ وَغَيرُهُ / فَوقَ التُرابِ يَئِنُّ غَيرَ مُوَسَّدِ
وَالجَوُّ أَقتَمُ وَالنُجومُ مُضيئَةٌ / وَالأُفقُ مُغبَرُّ العَنانِ الأَربَدِ
أَقحَمتُ مُهري تَحتَ ظِلِّ عَجاجَةٍ / بِسِنانِ رُمحٍ ذابِلٍ وَمُهَنَّدِ
وَرَغَمتُ أَنفَ الحاسِدينَ بِسَطوَتي / فَغَدَوا لَها مِن راكِعينَ وَسُجَّدِ
أَرضُ الشَرَبَّةِ تُربُها كَالعَنبَرِ
أَرضُ الشَرَبَّةِ تُربُها كَالعَنبَرِ / وَنَسيمُها يَسري بِمِسكٍ أَذفَرِ
وَقِبابُها تَحوي بُدوراً طُلَّعاً / مِن كُلِّ فاتِنَةٍ بِطَرفٍ أَحوَرِ
يا عَبلَ حُبُّكِ سالِبٌ أَلبابَنا / وَعُقولَنا فَتَعَطَّفي لا تَهجُري
يا عَبلَ لَولا أَن أَراكِ بِناظِري / ما كُنتُ أَلقى كُلَّ صَعبٍ مُنكَرِ
يا عَبلَ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُها / بِمُثَقَّفٍ صُلبِ القَوائِمِ أَسمَرِ
فَأَتَيتُها وَالشَمسُ في كَبَدِ السَما / وَالقَومُ بَينَ مُقَدِّمٍ وَمُؤَخِّرِ
ضَجّوا فَصُحتُ عَلَيهِمُ فَتَجَمَّعوا / وَدَنا إِلَيَّ خَميسُ ذاكَ العَسكَرِ
فَشَكَكتُ هَذا بِالقَنا وَعَلَوتُ ذا / مَع ذاكَ بِالذِكَرِ الحُسامِ الأَبتَرِ
وَقَصَدتُ قائِدَهُم قَطَعتُ وَريدَهُ / وَقَتَلتُ مِنهُم كُلَّ قَرمٍ أَكبَرِ
تَرَكوا اللَبوسَ مَعَ السِلاحِ هَزيمَةً / يَجرونَ في عُرضِ الفَلاةِ المُقفِرِ
وَنَشَرتُ راياتِ المَذَلَّةِ فَوقَهُم / وَقَسَمتُ سَلبَهُمُ لِكُلِّ غَضَنفَرِ
وَرَجَعتُ عَنهُم لَم يَكُن قَصدي سِوى / ذِكرٍ يَدومُ إِلى أَوانِ المَحشَرِ
مَن لَم يَعِش مُتَعَزِّزاً بِسِنانِهِ / سَيَموتُ مَوتَ الذُلِّ بَينَ المَعشَرِ
لا بُدَّ لِلعُمرِ النَفيسِ مِنَ الفَنا / فَاِصرِف زَمانَكَ في الأَعَزِّ الأَفخَرِ
زارَ الخَيالُ خَيالُ عَبلَةَ في الكَرى
زارَ الخَيالُ خَيالُ عَبلَةَ في الكَرى / لِمُتَيَّمٍ نَشوانَ مَحلولِ العُرى
فَنَهَضتُ أَشكو ما لَقيتُ لِبُعدِها / فَتَنَفَّسَت مِسكاً يُخالِطُ عَنبَرا
فَضَمَمتُها كَيما أُقَبِّلَ ثَغرَها / وَالدَمعُ مِن جَفنَيَّ قَد بَلَّ الثَرى
وَكَشَفتُ بُرقُعَها فَأَشرَقَ وَجهُها / حَتى أَعادَ اللَيلَ صُبحاً مُسفِرا
عَرَبِيَّةٌ يَهتَزُّ لينُ قَوامِها / فَيَخالُهُ العُشّاقُ رُمحاً أَسمَرا
مَحجوبَةٌ بِصَوارِمٍ وَذَوابِلٍ / سُمرٍ وَدونَ خِبائِها أُسدُ الشَرى
يا عَبلَ إِنَّ هَواكِ قَد جازَ المَدى / وَأَنا المُعَنّى فيكِ مِن دونِ الوَرى
يا عَبلَ حُبُّكِ في عِظامي مَع دَمي / لَمّا جَرَت روحي بِجِسمي قَد جَرى
وَلَقَد عَلِقتُ بِذَيلِ مَن فَخَرَت بِهِ / عَبسٌ وَسَيفُ أَبيهِ أَفنى حِميَرا
يا شَأسُ جِرني مِن غَرامٍ قاتِلٍ / أَبَداً أَزيدُ بِهِ غَراماً مُسعَرا
يا شَأسُ لَولا أَنَّ سُلطانَ الهَوى / ماضي العَزيمَةِ ما تَمَلَّكَ عَنتَرا
ضَحِكَت عُبَيلَةُ إِذ رَأَتني عارِياً
ضَحِكَت عُبَيلَةُ إِذ رَأَتني عارِياً / خَلَقَ القَميصِ وَساعِدي مَخدوشُ
لا تَضحَكي مِنّي عُبَيلَةُ وَاِعجَبي / مِنّي إِذا اِلتَفَّت عَلَيَّ جُيوشُ
وَرَأَيتِ رُمحي في القُلوبِ مُحَكَّماً / وَعَلَيهِ مِن فَيضِ الدِماءِ نُقوشُ
أَلقى صُدورَ الخَيلِ وَهيَ عَوابِسٌ / وَأَنا ضَحوكٌ نَحوَها وَبَشوشُ
إِنّي أَنا لَيثُ العَرينِ وَمَن لَهُ / قَلبُ الجَبانِ مُحَيَّرٌ مَدهوشُ
إِنّي لَأَعجَبُ كَيفَ يَنظُرُ صورَتي / يَومَ القِتالِ مُبارِزٌ وَيَعيشُ