القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ هانِئ الأَندَلُسِي الكل
المجموع : 36
الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ
الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ / والصبر حيثُ الكِلّةُ السِّيَراءُ
ما للمَهارى الناجياتِ كأنّها / حتمٌ عليها البَينُ والعُدَواءُ
ليس العجيبُ بأن يُبارِينَ الصَّبا / والعذلُ في أسماعِهِنّ حُداءُ
تدْنو منَالَ يدِ المحِبّ وفوقها / شمسُ الظهيرة خِدرُها الجوزاءُ
بانتْ مُوَدِّعةً فجيدٌ مُعْرِضٌ / يومَ الوداع ونظرةٌ شزْراءُ
وغدتْ مُمنَّعةَ القِباب كأنها / بين الحِجالِ فريدةٌ عصماء
حُجبَتْ ويُحجَبُ طيفُها فكأنما / منهم على لحظاتِها رُقباء
ما باَنةُ الوادي تَثَنّى خُوطُها / لكنّها اليَزَنيّةُ السّمْراء
لم يبْقَ طِرْفٌ أجْرَدٌ إلاّ أتى / من دونها وطِمِرّةٌ جرداء
ومُفاضَةٌ مسرودةٌ وكتيبةٌ / مَلمومَةٌ وعَجاجَةٌ شهباء
ماذا أُسائِلُ عن مغَاني أهلِها / وضميريَ المأهولُ وهي خَلاء
للّه إحدى الدّوحِ فاردةً ولا / للّهِ مَحنِيَةٌ ولا جَرْعاء
بانَتْ تَثَنّى لا الرّياحُ تَهُزُّهَا / دوني ولا أنْفاسيَ الصُّعَداء
فكأنّما كانتْ تَذكَّرُ بيْنَكم / فتميدُ في أعطافِها البُرَحاء
كلٌّ يَهيجُ هواكَ إمّا أيْكَةٌ / خَضراءُ أو أيكيّةٌ وَرقاء
فانْظُرْ أنارٌ باللّوى أم بارِقٌ / مُتَألّقٌ أم رايةٌ حَمْراء
بالغَوْرِ تَخْبو تارَةً ويَشُبُّها / تحتَ الدُّجُنّةِ مَنْدَلٌ وكِباء
ذُمَّ اللياليَ بعدَ ليلتِنا التي / سَلَفَتْ كما ذمَ الفراقَ لقاء
لبِستْ بياضَ الصّبْح حتى خلتُها / فيه نجاشيّاً عليه قَباء
حتى بدَتْ والبدرُ في سِرْبالِها / فكأنّها خَيْفَانةٌ صَدراء
ثمّ انتحى فيها الصّديعُ فأدبَرَتْ / فكأنّها وَحْشِيّةٌ عَفْراء
طُوِيتْ ليَ الأيامُ فوقَ مَكايدٍ / ما تَنْطوي لي فوقَها الأعداء
ما كانَ أحسنَ منْ أياديها التّي / تُولِيكَ إلاّ أنّها حَسْناء
ما تُحسِنُ الدنيا تُديمُ نعيمَها / فهي الصَّناعُ وكفُّها الخَرْقاء
تشأى النّجازَ عليّ وهْيَ بفتكِها / ضِرْغامَةٌ وبِلوْنِها حِرْباء
إنّ المكارِمَ كنّ سرْباً رائداً / حتى كنَسْنَ كأنّهُنّ ظِباء
وطفِقْتُ أسألُ عن أغرَّ محَجَّلٍ / فإذا الأنامُ جِبِلّةٌ دَهماء
حتى دُفعتُ إلى المعزّ خليفةً / فعلمتُ أنّ المَطلَبَ الخُلفاء
جودٌ كأنّ اليَمّ فيهِ نُفاثَةٌ / وكأنما الدّنْيا عليهِ غُثاء
ملِكٌ إذا نطقَتْ عُلاهُ بمدحِهِ / خرِسَ الوفودُ وأُفحمَ الخُطباء
هُوَ عِلّةُ الدُّنيا ومن خُلقتْ له / ولِعِلّةٍ ما كانتِ الأشياء
من صفوِ ماء الوحي وهوَ مُجاجةٌ / من حَوضه الينبوع وهو شفاء
من أيكةِ الفرْدوْس حيثُ تفتقتْ / ثَمَراتُها وتفيّأ الأفياء
من شعلة القبَس التي عُرِضتْ على / موسى وقد حارَتْ به الظَّلماء
من معدِنِ التقديس وهْوَ سُلالةٌ / من جَوهرِ الملَكوتِ وهو ضياء
من حيثُ يُقتبَسُ النهارُ لمُبصِرٍ / وتُشَقُّ عن مَكنونها الأنْباء
فتَيَقّظوا من غَفْلةٍ وتَنَبّهوا / ما بالصّباحِ عن العيونِ خفَاء
ليستْ سماءُ اللّهِ ما تَرْأونَها / لكنّ أرضاً تحتويهِ سَماء
أمّا كواكِبُها له فخَواضِعٌ / تُخفي السجودَ ويَظهرُ الإيماء
والشمسُ تَرجعُ عن سَناه جفونُها / فكأنّها مَطرُوفةٌ مَرْهَاء
هذا الشّفيعُ لأمّةٍ يأتي بها / وجُدُودُهُ لجدُودِها شُفعاء
هذا أمينُ اللّهِ بَينَ عِبادِهِ / وبلادهِ إنْ عُدَّتِ الأمناء
هذا الّذي عطفَتْ عليهِ مكّةٌ / وشِعابُها والرُّكْنُ والبَطحاء
هذا الأغَرُّ الأزْهَرُ المتألّقُ ال / متَدَفِّقُ المُتَبَلِّجُ الوَضّاء
فعَليهِ من سِيما النبيّ دَلالَةٌ / وعليهِ من نورِ الإلهِ بَهاء
وَرِثَ المُقيمَ بيثرِبٍ فالمِنبرُ ال / أعْلى له والتُّرعَةُ العَلياء
والخطبةُ الزّهراء فيها الحكمة ال / غَرّاءُ فيها الحجّةُ البَيضاء
للنّاس إجماعٌ على تفْضِيلهِ / حتى استَوَى اللُّؤماءُ والكُرَماء
واللُّكْنُ والفُصَحاء والبُعَداء وال / قُرَباءُ والخُصَماءُ والشُّهداء
ضرّابُ هامِ الرّومِ منتَقماً وفي / أعناقهمْ منْ جودِهِ أعباء
تجري أياديه التي أَولاهُمُ / فكأنّها بَينَ الدّماءِ دماء
لولا انبعاثُ السيف وهو مسلَّطٌ / في قتْلهمْ قَتَلَتْهُمُ النَّعْماء
كانتْ ملوكُ الأعجمَينِ أعزّةً / فأذلّها ذو العِزّةِ الأبّاء
لنْ تصْغُرَ العُظماءُ في سُلطانهم / إلاّ إذا دلفَتْ لها العُظَماء
جهِلَ البطارِقُ أنّه الملِكُ الذي / أوصى البَنِينَ بسِلمِهِ الآباء
حتى رأى جُهَّالُهم مِن عزْمهِ / غِبَّ الذي شهِدتْ به العُلماء
فتقاصَروا من بعد ما حكمَ الردى / ومضَى الوَعيدُ وشُبّتِ الهيجاء
والسيْلُ ليسَ يحيدُ عن مُستنّهِ / والسّهمُ لا يُدْلى به غُلَواء
لم يُشرِكوا في أنّهُ خَيرُ الوَرَى / ولِذي البَريّةِ عندهُمْ شُركاء
وإذا أقرّ المشرِكونَ بفَضْلِهِ / قَسْراً فما أدراكَ ما الحُنفاء
في اللّهِ يسري جودُهُ وجنُودُهُ / وعَديدُهُ والعزْمُ والآراءُ
أوَما ترَى دُوَلَ الملوكِ تُطيعه / فكأنّها خَوَلٌ لهُ وإماء
نَزَلَتْ ملائكةُ السماءِ بنصرِهِ / وأطاعَهُ الإصْباحُ والإمساء
والفُلْكُ والفَلَكُ المُدارُ وسعدُهُ / والغَزْوُ في الدّأماءِ والدّأماء
والدهرُ والأيّامُ في تصريفِها / والناسُ والخضراءُ والغبراء
أينَ المَفَرُّ ولا مَفَرَّ لهارِبٍ / ولكَ البسيطانِ الثّرى والماء
ولكَ الجواري المُنشَآتُ مواخِراً / تَجري بأمركَ والرّياحُ رُخَاء
والحامِلات وكلّها محمولَةٌ / والنّاتِجات وكلّها عذراء
والأعوجيّات التي إن سُوبقَتْ / سَبقَتْ وجَرْيُ المذكيات غِلاء
الطائرات السّابحات السّابقا / ت الناجيات إذا استُحِثّ نَجاء
فالبأس في حَمْس الوغى لكُماتها / والكبرياءُ لهُنّ والخُيلاء
لا يُصْدرونَ نحورَها يومَ الوغى / إلاّ كما صَبَغَ الخدودَ حياء
شمُّ العَوالي والأنوفِ تَبَسّموا / تحت القُنوس فأظلموا وأضاءوا
لبسوا الحديدَ على الحديدِ مُظاهَراً / حتى اليَلامِقُ والدروعُ سَواء
وتقنّعوا الفولاذَ حتى المقلةُ ال / نجلاءُ فيها المقلةُ الخوصاء
فكأنّما فوقَ الأكُفّ بَوراقٌ / وكأنّما فوقَ المُتونِ إضاء
من كلّ مسرودِ الدَّخارِص فوقَه / حُبُكٌ ومَصْقولٍ عليهِ هَباء
وتَعانَقوا حتى رُدَيْنيّاتُهُم / عطْشَى وبِيضُهُمُ الرقاقُ رِواء
أعْزَزْتَ دينَ اللّهِ يا ابنَ نبيّه / فاليومَ فيهِ تخمُّطٌ وإباء
فأقلُّ حظّ العُرْبِ منكَ سعادةٌ / وأقلُّ حظّ الرّومِ منكَ شقاء
فإذا بعثْتَ الجيشَ فهوَ منيّةٌ / وإذا رأيتَ الرأيَ فهوَ قَضاء
يكسو نَداكَ الروْضَ قبل أوانهِ / وتَحيدُ عنكَ اللَّزْبَةُ الّلأواء
وصِفات ذاتك منكَ يأخذها الورى / في المكرُماتِ فكلّها أسماء
قد جالتِ الأوهام فيك فدقّتِ ال / أفكارُ عنكَ فجَلّتِ الآلاء
فعنَتْ لكَ الأبصارُ وانقادتْ لك ال / أقدارُ واستحيَتْ لكَ الأنواء
وتجمّعتْ فيك القلوبُ على الرّضى / وتشيّعتْ في حُبّكَ الأهواء
أنتَ الذي فصَلَ الخطابَ وإنّما / بك حُكّمتْ في مدحِكَ الشُّعراء
وأخصُّ منزِلةً من الشُّعراء في / أمثالِها المضروبةِ الحُكمَاء
أخذوا الكلامَ كثيرَه وقليلَه / قِسمَينِ ذا داءٌ وذاكَ دواء
دانوا بأنّ مديحَهُمْ لكَ طاعةٌ / فَرْضٌ فليسَ لهم عليك جَزاء
فاسلَمْ إذا رابَ البريّةَ حادثٌ / واخْلُدْ إذا عَمّ النفوسَ فَناء
يفْديكَ شهْرُ صِيامِنا وقِيامنا / ثمّ الشُّهورُ له بذاك فِداء
فيه تنزّلَ كلُّ وَحيٍ مُنْزَلٍ / فلأهلِ بَيتِ الوحي فيه ثَناء
فتطولُ فيه أكفُّ آلِ محَمدٍ / وتُغَلُّ فيه عن النّدى الطُّلَقاء
ما زلْتَ تَقضي فَرضَه وأمامَه / ووراءَه لكَ نائلٌ وحِباء
حَسْبي بمدحك فيه ذُخْراً إنّه / للنُّسْكِ عند الناسكين كِفاء
هيهات منّا شكرُ ما تُولي ولو / شكَرَتك قبلَ الألسُنِ الأعضاء
واللهُ في علياك أصدق قائل / فكأنّ قولَ القائلين هُذاء
لا تسألنّ عن الزّمانِ فإنّهُ / في رَاحتَيْكَ يدورُ كيفَ تشاء
يا ربّ كلّ كتيبةٍ شَهْباءِ
يا ربّ كلّ كتيبةٍ شَهْباءِ / ومآبَ كلّ قصيدَةٍ غرّاءِ
يا ليْثَ كلّ عرِينةٍ يا بدرَ كل / لِ دُجُنّةٍ يا شمسَ كلِّ ضَحاء
يا تارِكَ الجبّارِ يعْثُرُ نَحرُهُ / في قِصْدَةِ اليَزَنيّةِ السّمراء
ذو الضرْبة النجلاء إثرَ الطعنة ال / سلْكاءِ والمَخلوجةِ الخرقاء
فالنّظرَةِ الخزْراءِ تحتَ اللامةِ ال / بَيْضاء تحتَ الرّايةِ الحمراء
أهْدِ السلامَ إلى الكؤوسِ فطالما / حَثّثْتَها صِرْفاً إلى النُّدَماء
فشرِبْتُها ممزوجةً بصنائعٍ / وشرِبْتُها ممْزُوجَةً بدِماء
حاشيتُ قدرَك من زيارة مجْلسٍ / ولَوَ اَنّ فيهِ كواكبَ الجَوزاء
إنا اجتمعنا في النديّ عصابةً / تثني عليكَ بألسن النعماء
أرواحُها لكَ والجسومُ وإنّما / أنفاسُها منْ فِطنةٍ وذكاء
إنّ الذي جمَعَ العلى لك كلّها / ألقى إليكَ مقالدَ الشُّعَراء
كَذبَ السلوُّ العِشقُ أيَسرُ مركبا
كَذبَ السلوُّ العِشقُ أيَسرُ مركبا / ومنيّةُ العُشّاقِ أهْوَنُ مَطلبا
مَنْ راقَبَ المِقدارَ لم يرَ معْركاً / أشِباً ويوْماً بالسَّنَوَّرِ أكْهَبا
وكتائِباً تُرْدي غواربَها القَنا / وفوارساً تَغْدى صَوالجَها الظُّبى
لا يورِدونَ الماءَ سُنْبُكَ سابحٍ / أو يَكتسي بدم الفوارِسِ طُحلُبا
لا يركُضونَ فؤادَ صَبٍّ هائمٍ / إن لم يُسَمّوه الجَوادَ السَّلْهَبا
حتى إذا ملكوا أعنّتَنا هَوىً / صرَفوا إلى البُهَم العِتاق الشُّزَّبا
رَبِذاً فخَيْفاناً فيعبُوباً فذا / شِيَةٍ أغَرّ فمُنْعَلاً فمجنَّبا
قد أطفأُوا بالدُّهْمِ منها فجْرَهمْ / فتكوّرَتْ شمسُ النهار تغضُّبا
واستأنَفوا بشِياتِها فجْراً فلو / عقَدوا نواصِيَها أعادوا الغَيْهبا
في مَعْرَكٍ جَنَبوا به عُشّاقَهم / طَوعاً وكنتُ أنا الذلولَ المُصْحَبا
لبسوا الصِّقال على الخدود مفضَّضاً / والسابريَّ على المناكب مُذهَبا
وتضوّعَ الكافورُ من أرْدانهمْ / عَبقاً فظنّوه عَجاجاً أشهبا
حتى إذا نَبَذوا الصّوارِمَ بينَهُم / قِطَعاً وسُمْرَ الزّاغبيّةِ أكعُبا
قطرتْ غلائلُهم دماً وخُدودهُم / خَجَلاً فراحوا بالجمال مخضَّبا
قد صُرّ آذانُ الجيادِ توجّساً / وكتمْنَ إعلانَ الصّهيلِ تَهَيُّبا
وغدا الذي يَلقى ندامى ليلِه / متبسّماً في الدارِعينَ مُقطِّبا
ويكلّفُ الأرْماحَ لِينَ قوامِهِ / فيذمُّ ذا يَزَنٍ ويَظلِمُ قَعْضَبا
كِسرَى شَهِنشاه الذي حُدّثتَه / هذا فأين تَظُنُّ منه المَهْرَبا
مَن لا يَبيتُ عن الأحِبّةِ راضياً / حتى يكونَ على الفوارسِ مُغضَبا
مَنْ زِيُّه أنْ لا يجيءَ مُقَنَّعاً / حتى يَقُدّ مُتَوَّجاً ومَعُصَّبا
ما زال يعْلَقُ في مَنابتِ فارِسٍ / حتى ظننتُ النَّوبَهارَ له أبا
ولئِنْ سطا بسريرِ مُلْكٍ أعْجَمٍ / فلقد أمَدّتْه لِساناً مُعْرِبا
ولئِن تَعَرَّضَ للدِّماءِ يُسيلُها / فلقد يكونُ إلى النفوسِ مُحبَّباً
قُم فاخترِطْ لي من حواشي لحظِهِ / سَيْفاً يكون كما علمتَ مجرَّبا
وأعِرْ جَناني فتْكَةً مِنْ دَلّه / كيما أكونَ بها الشجاعَ المِحْرَبا
وأمِدّني بتَعلّةٍ مِنْ رِيقِهِ / حتى أُقَبّلَ منه ثَغْراً أشْنَبا
واجعَلْ مَحَلّي أن أراه فإنّني / سأفُضّ بين يديْهِ هذا المِقنَبا
أوَلم يكن ذا الخشْفُ يألفُ وَجرَةً / فاليوْمَ يألَفُ ذا القنا المتأشِّبا
عَهْدي به والشمس دايَةُ خِدرِهِ / تُوفي عليه كلَّ يوْمٍ مَرقَبا
ما إنْ تزالُ تَخِرُّ ساجِدَةً لَه / من حينِ مَطلعِها إلى أن تغربا
فعلى القلوب القاسياتِ مُغلَّباً / وإلى النفوس الفاركاتِ محبَّبا
حتى إذا سَرَقَ القوابلُ شَنْفَه / عوّضْنَه منه صَفيحاً مِقْضَبا
لمّا رأيْنَ شُدُونَه أبرَزْنَه / من حيث يألَفُ كِلّةً لا سَبْسَبا
وَسْنانَ من وَسَنِ المَلاحةِ طرفُه / وجفونُه سكرانَ من خمر الصّبا
قد واجه الأُسْدَ الضّواريَ في الوغى / غِرّاً وقارنَ في الكِناسِ الرّبرَبا
فإذا رأى الأبطالَ نَصّ إليهمُ / جِيداً وأتْلَعَ خائِفاً مُتَرَقِّبا
فأتى به رَكضُ السّوابحِ حُوَّلاً / وأتى به خَوْضُ الكرائه قُلَّبا
قد سِرْتُ في الميدان يوْم طِرادهم / فعجِبتُ حتى كِدتُ أن لا أعجَبا
قَمَرٌ لهم قدْ قَلّدُوه صارماً / لو أنْصَفوه قلّدوه كوكَبا
صَبغوه لَوْناً بالشّقيقِ وبالرّحي / قِ وبالبنفسج والأقاحي مُشرَبا
وكأنّما طَبعوا له من لَحظِهِ / سَيفاً رَقِيقَ الشفرتينِ مُشَطَّبا
قد ماجَ حتى كاد يَسقُطُ نِصْفُه / وأُلينَ حتى كاد أن يتسَرّبا
خالَستُه نَظَراً وكانَ مُوَرَّداً / فاحمرّ حتى كاد أن يتلَهّبا
هذا طرازٌ ما العيون كتبنَه / لكنّه قبلَ العُيونِ تكتّبا
انظُرْ إليه كأنّه مُتَنَصِّلٌ / بجفونهِ ولقد يكون المُذنبا
وكأنّ صفحةَ خَدّهِ وعذارَه / تُفّاحةٌ رُمِيَتْ لتَقْتُلَ عَقربا
نُخبَتْ قَوافي الشعرِ فيك فما لها / لم تأتِ من مدحِ الملوكِ الأوجَبا
من آلِ ساسانٍ مَنارٌ للصِّبا / قد بِتُّ أسأل عنه أنفاسَ الصَّبا
أجني حديثاً كانَ ألطَفَ مَوقعاً / عندي من الراحِ الشَّمول وأعذَبا
رُدْني له حتى أردّ سَلامَه / عَبقاً برَيحانِ السلامِ مُطَيَّبا
هلاّ أنا البادي ولكن شيمتي / مَن ذا يردُّ عن الخَفاء المُغْرِبا
لمْ أُمْطَرِ الوَسمِيَّ إلاّ بعدَما / سبَقَ الولِيُّ له وقد غَمَرَ الرُّبَى
وتلَقّتِ الرُّكْبانَ سَمْعي بالذي / سَمِعَ الزّمانَ أقلَّه فتعجّبَا
ودنَتْ إليه الشمسُ حتى زُوحِمتْ / واخضَرّ منه الأفْقُ حتى أعشبا
في كلّ يوْمٍ لا تَزالُ تحيّةٌ / كرَمٌ يَخُبُّ بها رسولٌ مُجتَبى
فتكادُ تُبلِغُني إليه تَشَوُّقاً / وتكادُ تَحمِلُني إليه تَطَرُّبا
هي أيقظتْ بالي وقد رَقدَ الورى / واستنهضت شكري وقد عُقد الحُبى
إن يَكرُمِ السيْفُ الذي قلّدتني / من غيرها فلقد تَخيّرَ مَنكبِا
لستُ الخطيبَ المسهَبَ الأعلى إذا / ما لم أكنْ فيكَ الخَطيبَ المُسهبا
لو كنتَ حيثُ تَرى لساني ناطقاً / لرأيتَ شِقْشِقةً وقَرماً مُصْعَبا
إنّا وبكراً في الوغى لبنو أبٍ / وإن اختلَفْنا حينَ تَنسِبُنا أبَا
قومٌ يعمُّ سَراةَ قومي فخرُهم / ويخُصُّ أقربَ وائلٍ فالأقربا
أحلافُنا حتى كأنّ ربيعةً / من قبل يعرُبَ كان عاقدَ يَشجُبا
ذَرْني أُجدّدْ ذلك العهدَ الذي / أعيا على الأيامِ أن يَتَقَشّبا
فلَقَد عَلمتُ بأنّ سيفي منهمُ / بيديّ أمضى من لساني مضربا
المانعينَ حِماهم وحِمى النّدى / وحِمى بني قحطانَ أن يُتَنَهّبا
هم قطّعوا بأكفّهمْ أرحامَهُمْ / غَضباً لجارِ بُيوتِهم أن يغضَبا
ووفَوْا فلم يدَعوا الوفاءَ لجارهم / حتى تشتّتَ شملُهُمْ وتخرّبا
لولا الوفاءُ بعَهدهمْ لم يفتِكوا / بكُليبِ تغلِبَ بين أيدي تغلِبا
يومَ اشتكى حرَّ الغليل فقيلَ قد / جاوزتَ في وادي الأحصّ المشربا
وكفاكَ أن أطرَيتَهم ومَدَحْتَهم / جهْدَ المديح فما وجدتَ مكذِّبا
الواهبينَ حِمىً وشَولاً رُتَّعاً / وأباطِحاً حُوّاً وروضاً مُعشِبا
والخائضينَ إلى الكرائه مثلَها / والواردينَ لُمىً لُمىً وثبىً ثبى
لو شَيّدوا الخيماتِ تشييدَ العُلى / أمِنَتْ ديارُ ربيعةٍ أن تَخْرَبا
فهُمُ كواكبُ عصرِهم لكنّهم / منه بحيثُ تَرى العيونُ الكوكبا
مَن ذا الذي يُثني عليكَ بقدْر ما / تولي ولو جازَ المقالَ وأطنَبا
أم مَن يُعَمَّرُ في الزّمانِ مخلَّداً / حتى يعدّ له الحصَى والأثلبَا
مَن كان أولُ نُطقه في مَهده / أهلاً وسهلاً للعُفاة ومَرحبا
عَذلوهُ في بَذْلِ التِّلادِ وإنّما / عَذلوه أن يُدعى الغمامَ الصَّيّبا
لا تعذلوه فلَن يُحوّل عاذلٌ / ما كان طبعاً في النفوس مركَّبا
نفسٌ تَرِقُّ تأدّباً وحِجًى يضي / ءُ تلهّباً ويدٌ تذوبُ تسرُّبا
فيَزيدُها دَرُّ السّماحِ تخرّقاً / ويَزيدُها بَسْطُ البنانِ ترحُّبا
أحْبِبْ بتَيّاكَ القِبَابِ قِباباً
أحْبِبْ بتَيّاكَ القِبَابِ قِباباً / لا بالحُداةِ ولا الركابِ رِكابا
فيها قلوبُ العاشقينَ تخالُها / عَنَماً بأيْدي البِيضِ والعُنّابا
بأبي المهَا وحْشِيّةً أتْبَعْتُها / نَفَساً يُشيّعُ عِيسَها ما آبا
واللّهِ لولا أن يُسفّهني الهوى / ويقولَ بعضُ القائلينَ تصابَى
لكسْرتُ دُمْلُجَها بضيق عناقِها / ورشفتُ من فيها البَرودِ رُضابا
بِنْتُمْ فلولا أن أُغيّرَ لِمتي / عَبَثاً وألقاكمْ عليّ غِضابا
لخَضَبْت شَيباً في عِذاري كاذباً / ومَحَوْت محْوَ النِّقسِ عنه شبابا
وخلعْتُه خلْعَ العِذارِ مُذَمَّماً / واعتَضْتُ مِن جِلبابِهِ جِلبابا
وخضَبْتُ مُسْوَدَّ الحِداد عليكُمُ / لو أنّني أجِدُ البَياضَ خِضابا
وإذا أردتَ على المشيبِ وِفادَةً / فاجعلْ إليه مَطيّكَ الأحقابا
فلتأخذَنّ من الزمان حَمامَةً / ولتدفعنّ إلى الزّمانِ غُرابا
ماذا أقول لريبِ دَهْرٍ جائرٍ / جَمَعَ العُداةَ وفرّقَ الأحبابا
لم ألقَ شيئاً بعدَكم حسَناً ولا / مَلِكاً سوى هذا الأغرّ لُبابا
هذا الذي قد جَلّ عن أسمائهِ / حتى حسبناها له أَلقابا
من ليس يرضى أن يسمى جعفراً / حتى يسمى جعفر الوهابا
يَهَبُ الكتائبَ غانماتٍ والمَهَا / مُستَردَفاتٍ والجِيادَ عِرابا
فكأنّما ضرَبَ السّماءَ سُرادقِاً / بالزّابِ أو رَفعَ النّجومَ قِبابا
قد نالَ أسباباً إلى أفلاكِها / وسيَبْتَغي من بَعدِها أسْبابَا
لبِسَ الصّباحُ به صَباحاً مُسْفرِاً / وسقَتْ شَمائِلُه السّحابَ سحابَا
قد باتَ صَوْبُ المُزْن يسترِقُ النّدى / من كفّه فرأيتُ منه عُجابَا
لم أدْرِ أنّى ذاك إلاّ أنّني / قد رابَني من أمرِهِ ما رابَا
وبأيّ أُنمُله أطافَ ولم يَخَفْ / من بأسِها سَوطاً علَيهِ عَذابَا
وهوَ الغريقُ لئنْ توسّطَ موجَها / والبحرُ مُلتَجٌّ يَعُبُّ عُبابَا
ماضي العزائمِ غيرُه اغتَنَمَ اللُّهَى / في الحربِ واغتنَمَ النفّوسَ نِهابَا
فكأنّه والأعوَجيَّ إذا انتَحَى / قمَرٌ يُصرّفُ في العنانِ شِهابَا
ما كنتُ أحسَبُ أن أرَى بشراً كذا / ليثاً ولا دِرْعاً يسمّى غابَا
وَرداً إذا ألقَى على أكتادِهِ / لِبْداً وصرّ بحَدّ نابٍ نابَا
فرَشَتْ له أيدي الليوثِ خدودَها / ورَضينَ ما يأتي وكنّ غِضابا
لولا حفائظهُ وصَعْبُ مِراسِهِ / ما كانتِ العرَبُ الصّعاب صِعابا
قد طيّبَ الأفواهَ طِيبُ ثنائِهِ / فَمِنَ اجلِ ذا نجدُ الثّغورَ عِذابا
لو شَقّ عن قلبي امتحانُ ودَادهِ / لوجدتَ من قلبي عليه حجابا
قد كنتُ قبلَ نَداكَ أُزجي عارضاً / فأشيمُ منه الزِّبرجَ المُنجابا
آليتُ أصدُرُ عن بحارك بعدما / قِستُ البحار بها فكنّ سرابا
لم تُدْنِني أرضٌ إليكَ وإنّما / جِئْتُ السماءَ ففُتّحَتْ أبوابا
ورأيتُ حولي وَفْدَ كلّ قبيلةٍ / حتى توهّمتُ العراقَ الزّابا
أرضاً وَطئْتُ الدُّرَّ رَضراضاً بها / والمسكَ ترباً والرّياضَ جنابا
وسمِعْتُ فيها كلّ خُطبة فَيْصَلٍ / حتى حَسِبْتُ مُلوكَها أعْرابا
ورأيتُ أجبُلَ أرضها مُنقادةً / فحسِبْتُها مدّتْ إليكَ رِقابا
وسألتُ ما للدّهرِ فيها أشْيَباً / فإذا به من هوْل بأسكَ شابا
سَدّ الإمامُ بكَ الثغورَ وقبلَهُ / هَزَمَ النبيُّ بقوْمكَ الأحزابا
لو قلتُ إنّ المُرهَفاتِ البِيضَ لم / تُخْلَقْ لغَيركُمُ لقُلتُ صَوابا
أنتُمْ ذَوُو التيجانِ من يَمنٍ إذا / عُدّ الشّريفُ أرومةً ونِصابا
إن تمتثِلْ منها الملوكُ قصورَكمْ / فَلَطالَما كانوا لها حُجّابا
هَلْ تشكُرَنّ ربيعةُ الفَرَسِ التي / أوْلَيْتُمُوها جَيئَةً وذَهَابا
أو تحمدُ الحمراءُ من مُضَرٍ لكُمْ / مَلِكاً أغَرّ وقادةً أنجابا
أنتُمْ منَحْتُمْ كلّ سيّد معشَرٍ / بالقُرْبِ من أنسابكم أنسابا
هَبْكُمْ مَنحْتُمْ هذه البِدَرَ التي / عُلِمَتْ فكيف منحتُمُ الأنسابا
قلتم فأُصمِتَ ناطِقٌ وصَمَتُّمُ / فبلغتمُ الإطنابا والإسهابا
أقسمتُ لو فارقتُمُ أجسامَكم / لَبَقيتُمُ من بعْدها أحبابا
ولوَ اَنّ أوطانَ الدّيارِ نَبَتْ بكم / لَسَكنتُمُ الأخلاقَ والآدابا
يا شاهِداً لي أنّه بَشَرٌ ولوْ / أنبأتُهُ بخصاله لارتابا
لكَ هذه المُهَجُ التي تدعَى الوَرَى / فأمُرْ مُطاعَ الأمْرِ وادْعُ مُجابا
لو لم تكن في السلم أنطَقَ ناطقٍ / لكفاكَ سيفُك أن يُحيرَ خِطابا
ولئن خرجتَ عن الظنونِ ورجمِها / فلَقَدْ دخلْتَ الغيبَ باباً بابا
ما اللّهُ تاركَ ظُلْمِ كفّكَ للُّهى / حتى يُنَزّلَ في القِصاصِ كتابا
ليس التعَجّبُ من بحَارِكَ إنّني / قِسْتُ البحارَ بها فكُنّ سَرابا
لكنْ من القَدَرِ الّذي هو سابِقٌ / إنْ كانَ أحْصَى ما وَهَبْتَ حسابا
إني اختصرْتُ لك المديحَ لأنّه / لم يَشْفنِي فجعلْتُهُ إغبابا
والذّنْبُ في مَدْحٍ رأيتُكَ فوقهُ / أيُّ الرّجال يُقالُ فيكَ أصابا
هَبْني كذي المحراب فيك ولُوّمي / كالخصْمِ حين تَسَوّرُوا المِحرابا
فأنا المُنيبُ وفيه أعظمُ أُسْوةٍ / قد خَرّ قبلي راكعاً وأنابا
وثلاثةٌ لم تجتمِعْ في مجلِسٍ
وثلاثةٌ لم تجتمِعْ في مجلِسٍ / إلاّ لمثلِكَ والأديبُ أريبُ
الوَرْدُ في رامِشْنَةٍ مِن نَرْجِسٍ / والياسَمينُ وكُلّهُنّ غريب
فاحمرّ ذا واصفرّ ذا وابيضّ ذا / فبَدَتْ دلائلْ أمرُهُنّ عَجيب
فكأنّ هذا عاشِقٌ وكأنّ ذا / كَ مُعَشَّقٌ وكأنّ ذاكَ رقيب
هل كانَ ضَمّخَ بالعبير الريحا
هل كانَ ضَمّخَ بالعبير الريحا / مُزْنٌ يُهّزُّ البرقُ فيه صَفيحا
تُهْدي تحِيّاتِ القُلوبِ وإنّما / تُهْدي بهنّ الوجْدَ والتّبريجا
شَرِقَتْ بماء الوَرْدِ بَلّلَ جَيْبَها / فَسَرَتْ تُرَقْرِقُ دُرّه المنْضوحا
أنفاسُ طِيبٍ بِتْنَ في درْعي وقد / باتَ الخيالُ وراءهُنّ طَليحا
بل ما لهذا البرق صِلاًّ مُطْرِقاً / ولأيّ شمْلِ الشائمين أُتيحا
يُدْني الصّباحَ بخَطْوهِ فعلام لا / يُدني الخَليطَ وقد أجَدّ نُزوحا
بِتْنا يُؤرّقُنا سَناه لَمُوحا / ويشُوقُنا غَرَدُ الحمامِ صَدُوحا
أمُسَهَّدَيْ ليلِ التِّمامِ تعالَيا / حتى نَقومَ بمأتمٍ فَنَنُوحَا
وذَرا جلابيباً تُشَقّ جيوبُها / حتى أُضَرّجَها دَماً مسْفُوحا
فلقد تجَهّمَني فِرَاقُ أحِبّتي / وغدا سَنِيحُ المُلْهِياتِ بَريحا
وبَعُدْتُ شَأوَ مطالبٍ وركائبٍ / حتى امتَطَيْتُ إلى الغمام الرّيحا
حَجّتْ بنا حرمَ الإمام نجائبٌ / تَرمي إليه بنا السُّهوبَ الفِيحا
فتَمسّحَتْ لِمَمٌ بهِ شُعْثٌ وقد / جِئْنا نُقبّل ركْنَه الممسوحا
أمّا الوفودُ بكُل مُطّلَعٍ فقدْ / سَرّحْتَ عُقْلَ مَطيّهمْ تَسريحا
هل لي إلى الفرْدوْسِ من إذنٍ وقَدْ / شارَفْتُ باباً دونَها مفتوحَا
في حيث لا الشَعراء مُفحَمَةٌ ولا / شأوُ المدائح يُدْرِك الممدوحا
مَلِكٌ أناخَ على الزّمان بكَلْكَلٍ / فأذَلّ صَعْباً في القِيادِ جَموحا
يُمضي المَنايا والعطايا وادعاً / تَعِبَتْ له عَزَمَاتُه وأُريحا
نَدعوهُ مُنْتَقِماً عزيزاً قَادِراً / غفّارَ مُوبقةِ الذّنوبِ صَفوحا
أجدُ السّماحَ دخيلَ أنْسابٍ ولا / ألْقاهُ إلا منْ يديْهِ صَريحا
وهو الغَمامُ يَصُوبُ منه حياتُنا / لا كالغمام المُسْتهلّ دَلوحا
نَعَشَ الجُدودَ فلو يُصافحُ هالكاً / ما وَسّدَتهُ يدُ المَنونِ ضَريحا
قُلْ للجبابرةِ المُلوكِ تَغَنّموا / سِلْماً كفى الحربَ العَوانَ لقوحا
بعيونكم رَهَجُ الجنودِ قوافلاً / بالأمسِ تنتعلُ الدّماءَ سُفوحا
أمّتْكَ بالأسْرى وفُودُ قبائلٍ / لا يَجتدينَكَ سَيْبَكَ الممنوحا
وَصَلوا أسىً بغليلِ تَذكارٍ كما / وصَل النّشاوَى بالغَبوق صَبوحا
لو يُعْرَضُونَ على الدُّجُنّة أنكرَتْ / ذاكَ الشحوبَ النُّكْرَ والتلويحا
ولقد نَصَحْتَهُمُ على عُدْوانهم / لكنّهم لا يَقْبلونَ نَصيحَا
حتى قَرَنْتَ الشمْلَ والتفريقَ في / عَرَصَاتهمْ والنّبْتَ والتّصْويحا
ونَصَرْتَ بالجيش اللُّهام وإنّما / أعْدَدْتَهُ قبل الفُتوح فتوحا
أُفْقٌ يمورُ الأفْقُ فيه عجاجةً / بحرٌ يموج البحرُ فيه سَبوحا
لو لم يَسِرْ في رَحْبِ عَزمِك آنفاً / لم يُلْفِ مُنخَرَقَ الخُبوتِ فسيحا
يُزْجيهِ أرْوَعُ لو يُدافَعُ باسمِهِ / عُلوِيُّ أفلاكِ السّماء أُزيحا
قادَ الخضارمةَ الملوكَ فوارساً / قد كان فارسَ جمْعها المشبوحا
فكأنّما مَلَكَ القضاءَ مُقدِّراً / في كُلِّ أَوبٍ وَالحِمامَ مُتيحا
وافى بِهَيبَةِ ذي الفقارِ كَأَنَّما / وَشّحْتَهُ بِنِجادِهِ تَوْشِيحا
حتى إذا غَمَرَ البحارَ كتائباً / لو يرتشفْنَ أُجاجَها لأميحا
زخَرَتْ غواشي الموت ناراً تلتظي / فأرَتْ عَدوّكَ زندَك المقدوحا
فكأنّما فَغَرَتْ إليهِ جَهَنّمٌ / منُهنّ أو كلَحَتْ إليه كُلوحا
وأُمَيّةٌ تُحفْي السّؤالَ وما لِمَنْ / أودى به الطُّوفانُ يذكرُ نُوحا
بُهِتُوا فهم يَتَوَهّمونَكَ بارِزاً / والتّاجَ مؤتلقاً عليك لَمُوحا
تتجاوبُ الدّنْيا عليهم مأتَماً / فكأنّمَا صَبّحْتَهُمْ تصبيحا
لَبِسوا معائبَهم ورُزْءَ فقيدِهم / كاللاّبساتِ على الحِدادِ مُسوحا
أنْفِذْ قضاءَ اللّهِ في أعدائهِ / لِتُراحَ من أوتارها وتُريحا
بالسّابقين الأوّلِينَ يؤمُّهُمْ / جبريلُ يَعتَنِقُ الكُماةَ مُشِيحا
فكأنّ جَدّكَ في فوارسِ هاشِمٍ / منهم بحيثُ يرى الحسينَ ذبيحا
أعَليكَ تختلِفُ المنَابِرُ بعدَما / جَنحتْ إليكَ المَشْرِقانِ جُنوحا
أمْ فِيكَ تخْتلِجُ الخلائقُ مِرْيَةً / كلاّ وقد وَضَحَ الصّباحُ وُضوحا
أُوتِيتَ فَضْلَ خِلافَةٍ كنُبُوّةٍ / ونَجِيَّ إلهامٍ كوَحْيٍ يُوحَى
أخَليفَةَ اللّهِ الرّضَى وسبيلَهُ / ومَنَارَهُ وكِتَابَهُ المشروحا
يا خيرَ مَن حجّتْ إليهِ مَطيّةٌ / يا خيرَ من أعطى الجزيلَ مَنوحا
ماذا نقولُ جَلَلْتَ عن أفهامنِا / حتى استَوَينْا أعْجَماً وفَصيحا
نَطَقَتْ بك السَّبْعُ المثاني ألسُناً / فكَفَيْنَنَا التعريض والتّصْريحا
تَسْعَى بنورِ اللّهِ بَينَ عِبادِهِ / لتُضيءَ بُرهاناً لهم وتلوحا
وَجَدَ العِيانُ سناك تحقيقاً ولم / تُحِطِ الظّنونُ بكُنهِهِ تصريحا
أخشاكَ تُنسي الشمسَ مطلعَها كما / أنسى الملائكَ ذكرُك التسبيحا
صورت من ملكوت ربك صورةً / وأمَدَّها عِلماً فكنْتَ الرّوحا
أقسمتُ لولا أن دُعيتَ خليفةً / لَدُعِيتَ من بعدِ المسيح مسيحا
شَهِدَتْ بمفخركَ السّمواتُ العُلى / وتنزّلَ القرآنُ فيك مديحا
قُلْ للمليكِ ابنِ الملوكِ الصِّيدِ
قُلْ للمليكِ ابنِ الملوكِ الصِّيدِ / قوْلاً يسدُّ عليه عَرْضَ البيدِ
لَهفي عليكَ أما ترِقُّ على العُلى / أم بينَ جانِحتَيكَ قلبُ حديد
ما حَقُّ كفِّكَ أن تُمَدَّ لمِبضَعٍ / من بعد زَعزعةِ القَنا الأملود
ما كان ذاك جزاؤها بمجالِهَا / بينَ النَّدى والطعنةِ الأخدود
لو نابَ عنها فصدُ شيءٍ غيرِهَا / لوَقيْتُ مِعصَمَها بحبل وريدي
فارْدُدْ إليك نجيعَها المُهْراق إنْ / كان النجيعُ يُرَدُّ بعدَ جُمود
أو فاسقِنِيه فإنّني أولى به / من أن يُرَاقَ على ثَرىً وصَعيد
ولئِنْ جرى من فضَّةٍ في عسجدٍ / فبغَيرِ علم الفاصدِ الرِّعْديد
فصَدتْكَ كفّاهُ وما دَرَتَا ولو / يَدْري غَداةَ المشهد المشهود
أجْرى مباضِعَهُ على عاداتها / فجَرَتْ على نهجٍ من التّسديد
واعْتاقَهُ عن مَلكِها الجزَعُ الذي / يعتاقُ بطشةَ قِرنِكَ المِرّيد
قد قلتُ للآسي حنانَك عائِداً / فلقَد قَرَعْتَ صَفاةَ كلِّ ودود
أوَما اتَّقَيْتَ اللّه في العضْوِ الذي / يَفديه أجمعُ مُهجةِ الصِّنديد
أوَما خشيتَ من الصّوارمِ حولَه / تهتزُّ من حَنَقٍ عليك شديد
أوَلم تُهَلْ من ساعدِ الأسَدِ الذي / فيه خِضابٌ من دماءِ أُسود
ولمَا اجترأتَ على مَجَسَّة كفِّه / إلاَّ وأنتَ من الكُماة الصِّيد
وعلامَ تفْصِدُ مَن جرَى من كفِّه / في الجود مثلُ البحرِ عامَ مُدود
فبحسبه ممّا أرادوا بذلَهُ / في المجدِ نفسُ المُتعَب المجهود
قالوا دَواءً نبتغي فأجبتُهُمْ / ليسَ السَّقامُ لمثلِهِ بعَقيدِ
لِمَ لا يُداوي نفسَه من جودهِ / مَن كان يمكنُه دواءُ الجود
ما داؤهُ شيءٌ سوى السرف الذي / يُمضي وما الإسرافُ بالمحمودِ
عَشِقَ السَّماحَ وذاك سيماهُ وما / يَخفى دليلُ متَيَّمٍ معمود
إنَّ السقيمَ زمانُهُ لا جسمُهُ / إذ لا يجيءُ لمثله بنديد
قَعَدَ الزّمانُ عن المكارم والعُلى / إنَّ الزّمان السَّوءَ غيرُ رشيد
حسبي مدى الآمال يحيَى إنّهُ / أمْنُ المَرُوعِ وعصْمةُ المنجود
لقد اغتدَى والمجدُ فوق سريره / والغيثُ تحت رِواقِهِ الممدود
أوحَشتَنا في صدرِ يوْمٍ واحِدٍ / وأطَلتَ شوقَ الصافناتِ القود
وأقلُّ منه ما يُضرِّمُ لوعتي / ويحولُ بين الصَّبرِ والمجلود
لِمَ لا وقد ألبَستَني النِّعَمَ التي / لم تُبقِ لي في الناس غيرَ حسود
حمّلتَني ما لا أنُوءُ بحَمْلِهِ / إلاّ بعَوْنِ اللّهِ والتَّأييد
لولا حياتُكَ ما اغتبطتُ بعيشةٍ / ولوَ انّني عُمِّرْتُ عُمْرَ لَبيد
أهدى السلامُ لك السلامَ وإنّما / عَيشُ الوَدود سلامَةُ المَودود
أوَما ترى الأعمارَ لو قُسمتْ على / قَدْرِ الكِرام لَفُزْتَ بالتَّخليد
أنتَ الذي ما دام حيّاً لم يكُنْ / في المُلكِ من أمْتٍ ولا تأويد
ما للسِّهامِ ولا الحِمامِ ولا لِمَا / تُمضيه في العزَماتِ من مرْدود
ولقد كفيتَ فكنتَ سيفاً ليس بال / نابي ورُكْناً ليسَ بالمهدود
وإذا نظرتَ إلى الأسنّة نظرةً / ألقَتْ إليكَ الحرْبُ بالإقليد
وإذا ثنَيْتَ إلى الخلافة أصبعاً / وفّيتَ حقَّ النقض والتوكيد
وإذا تصَفَّحتَ الأمورَ تَدَبُّراً / خُيّرْتَ في التوفيق والتسديد
وإذا تشاءُ بلغت بالتقريبِ ما / لا يبْلُغُ الحكماءُ بالتبعيد
وقبضتَ أرواحَ العِدى وبسَطْتَها / ما بينَ تَلْيينٍ إلى تَشْديد
ولقد بعُدْتَ عن الصِّفاتِ وكنهِها / ولقد قربتَ فكنتَ غيرَ بعيد
فكأنّكَ المقدارُ يعرفُه الورى / من غيرِ تكييفٍ ولا تحديد
كلُّ الشهادة ممكنٌ تكذيبُها / إلاّ ببأسِكَ والعُلى والجُود
كلُّ الرجاءِ ضلالةٌ ما لم يكن / في اللّهِ أو في رأيكَ المحمود
لا حكمةٌ مأثورةٌ ما لم تكُنْ / في الوحي أو في مدحك المسرود
لم يَدَّخرْ عنك المديحَ الجَزْلَ مَن / وَفّاكَ غايتَهُ من المجهود
ولما مدحْتُكَ كي أزيدك سودداً / هل في كمالك موضعٌ لمزيد
ما لي وذلك والزّيادة عندهم / في الحدِّ نقصانٌ من المحدود
أُثني عليك شهادةً لك بالعُلى / كشهادتي للّه بالتّوحِيد
ومُكَلَّلٍ بالدُّرِّ من إفرِنْدِهِ
ومُكَلَّلٍ بالدُّرِّ من إفرِنْدِهِ / فيهِ أكالِيلٌ من الفُولاذِ
ممّا اقتنى الملِكُ الهِرَقلُ فلم يزَلْ / حتى تألَّقَ فوق رأسِ قبَاذِ
فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ
فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ / وأمدَّكُمْ فَلَقُ الصّباحِ المسْفِرِ
وجنَيْتُمُ ثَمَرَ الوقائِعِ يانِعاً / بالنصر من وَرَق الحديدِ الأخضَر
وضربتُمُ هامَ الكُماةِ ورُعْتُمُ / بِيضَ الخُدورِ بكلِّ ليثٍ مُخدِر
أبَني العَوالي السَّمْهرِيّةِ والسّيو / فِ المَشرَفيّةِ والعَديدِ الأكثر
مَنْ منكُمُ المَلِكُ المُطاعُ كأنّهُ / تحتَ السَّوابغِ تُبّعٌ في حِمْيَر
كلُّ الملوكِ من السروجِ سواقِطٌ / إلاّ المُمَلَّكَ فوق ظهرِ الأشقر
القائدَ الخيلِ العِتاقِ شَوازباً / خُزراً إلى لَحْظِ السِّنان الأخزر
شُعْثُ النَّواصي حَشرةً آذانُها / قُبَّ الأياطلِ ظامِياتِ الأنْسُر
تَنبو سنابكُهُنَّ عن عَفْر الثَّرى / فيطَأنَ في خدِّ العزيزِ الأصعر
جيشٌ تَقَدَّمَهُ اللُّيوثُ وفوقها / كالغِيلِ من قصَبِ الوشيج الأسمر
وكأنّما سَلَبَ القَشاعِمَ رِيشَها / مما يَشُقُّ من العَجاج الأكدر
وكأنّما اشتَمَلتْ قناهُ ببارقٍ / مُتألِّقٍ أو عارِضٍ مُثعَنْجِر
تمتَدُّ ألسِنَةُ الصَّواعقِ فوقَهُ / عن ظُلَّتَيْ مُزْنٍ عليه كنَهْوَر
ويقوده اللَّيْثُ الغَضَنْفَرُ مُعْلَماً / من كلِّ شثن اللِّبْدَتينِ غضَنفر
نَحَرَ القَبولَ من الدَّبورِ وسار في / جَمْعِ الهِرَقْل وعزمةِ الاسكندر
في فِتيةٍ صَدَأُ الدروع عبيرُهْم / وخَلوقُهم عَلَقُ النجيعِ الأحمر
لا يأكُلُ السِّرحانُ شِلوَ طعينهم / مما عليه من القنا المتكسِّر
أنِسوا بهجرانِ الأنيسِ كأنّهُمْ / في عبقريِّ البِيدِ جِنّةُ عَبْقَر
يَغشَوْنَ بالبِيدِ القِفارِ وإنّمَا / تَلِدُ السَّبَنْتَى في اليَباب المُقفر
قد جاوروا أجَمَ الضّواري حولهم / فإذا همُ زأروا بها لم تَزأرِ
ومَشَوْا على قِطَعِ النفوسِ كأنّما / تمشي سنابكُ خيلهم في مَرمَر
قوْمٌ يبِيتُ على الحَشايا غيرُهُمْ / ومبيتهُم فوق الجياد الضُّمَّر
وتظَلُّ تسبَحُ في الدماء قِبابُهُمْ / فكأنّهُنَّ سفائنٌ في أبحر
فحياضُهم من كلِّ مهجةِ خالعٍ / وخيامُهم من كلِّ لِبدَة قَسْوَر
من كلِّ أهرتَ كالحٍ ذي لِبْدةٍ / يَرِدونَ ماءَ الأمنِ غير مكدَّر
راحوا إلى أُمِّ الرِّئالِ عشيَّةً / وغَدَوْا إلى ظبْي الكثيبِ الأعفر
طَردوا الأوابِدَ في الفدافِد طَردَهم / للأعْوَجِيَّةِ في مجالِ العِثْيَر
رَكِبوا إليها يومَ لَهْوِ قنيصهمْ / في زِيِّهِمْ يومَ الخميس المُصْحِر
إنّا لتجمعُنا وهذا الحيَّ من / بَكْرٍ أذِمَّةُ سالِفٍ لم تُخْفَر
أحلافُنَا فكأنّنَا منْ نِسْبَةٍ / ولِداتُنا فكأنّنَا منْ عُنصُر
اللاّبِسينَ من الجِلاد الهَبْوَ ما / أغناهُمُ عن لأمَةٍ وسَنَوَّر
لي منْهُمُ سيْفٌ إذا جَرَّدْتُهُ / يوماً ضرَبْتُ به رِقابَ الأعصُر
وفتكتُ بالزَّمَنِ المُدجَّجِ فتْكَةَ ال / بَرّاضِ يومَ هجائن ابنِ المُنذر
صَعْبٌ إذا نُوَبُ الزمان استصعبتْ / مُتَنَمِّرٌ للحادثِ المُتَنَمِّر
فإذا عَفَا لم تَلْقَ غيرَ مُمَلَّكٍ / وإذا سطا لم تَلْقَ غيرَ مُعفَّر
وكفاكَ من حُبِّ السماحَةِ أنّهَا / منه بموضع مُقلةٍ من مَحْجِر
فغمامُهُ من رحمَةٍ وعِراصُهُ / من جَنّةٍ ويمينُهُ من كوثر
المُدْنَفَانِ منَ البرِيّةِ كلِّهَا
المُدْنَفَانِ منَ البرِيّةِ كلِّهَا / جسمي وطَرْفٌ بابليٌّ أحوَرُ
والمُشرِقاتُ النّيّراتُ ثلاثةٌ / الشمسُ والقمرُ المنيرُ وجعفرُ
صَدَقَ الفَناءُ وكذَبَ العُمُرُ
صَدَقَ الفَناءُ وكذَبَ العُمُرُ / وجَل العِظاتُ وبالغَ النُّذُرُ
إنَا وفي آمَالِ أنفُسِنَا / طُولٌ وفي أعمارِنَا قِصَرُ
لنرى بأعيُننَا مصارعَنا / لو كانتِ الألْبابُ تعتبِرُ
ممّا دَهانَا أنّ حاضِرَنَا / أجفانُنَا والغائِبَ الفِكَرُ
فإذا تَدَبَّرْنَا جَوارِحَنا / فأَكَلُّهُنَّ العينُ والنّظَر
لو كانَ للألباب مُمتحِنٌ / ما عُدَّ منها السمعُ والبَصَرُ
أيُّ الحيَاةِ ألذُّ عِيشتَها / من بعد علمي أنّني بَشَر
خَرِسَتْ لَعَمْرُ اللّهِ ألسُنُنَا / لمّا تَكَلّمَ فوقَنا القَدَرُ
هل يَنفعَنّي عِزُّ ذي يَمنٍ / وحُجُولُه واليُمْنُ والغُرَر
ومَقاليَ المحمولُ شاردُهُ / ولسانيَ الصَّمصامةُ الذكَر
ها إنّها كأسٌ بَشعِتُ بهَا / لا مَلجَأٌ منْها ولا وَزَر
أفنتركُ الأيّامَ تفعلُ مَا / شاءَت ولا نَسطو فَنَنْتَصِر
هَلاّ بأيْدِينَا أسِنَّتُنَا / في حين نُقْدِمُها فتَشْتَجِر
فانبِذْ وشيجاً وارمِ ذا شُطَبٍ / لا البيَضُ نافعةٌ ولا السُّمُر
دنيا تُجمِّعُنا وأنْفُسُنا / شَذَرٌ على أحكامِها مَذَر
لو لم تُرِبْنا نابُ حادثها / إنّا نَراها كيفَ تأتَمِر
ما الدَّهرُ إلاّ ما تُحاذِرُهُ / هَفَوَاتُهُ وهَناتُه الكُبَر
واللّيْثُ لبدَتُه وساعِدُهُ / ودَرِيَّتَاهُ النّابُ والظُّفُر
في كلِّ يَوْمٍ تحتَ كَلكَلِهِ / تِرَةٌ جُبارٌ أوْ دَمٌ هَدَرُ
وهوَ المَخوفُ بَناتُ سَطوَتِه / لوْ كانَ يَعفوُ حينَ يَقْتَدِرُ
أقسَمْتُ لا يبقَى صَباحُ غَدٍ / مُتَبَلِّجٌ وأحَمُّ مُعتكِرُ
تَفنى النُّجومُ الزُّهرُ طالعةً / والنَّيِّرانِ الشّمسُ والقَمَرُ
ولئِنْ تَبَدّتْ في مَطالعِهِا / مَنُظومَةً فلَسَوْفَ تَنتثرُ
ولئن سرى الفلك المدار بها / فلسوف يسلمها وينفطر
أعَقيلةَ الملِكِ المُشَيِّعِها / هذا الثَّناءُ وهِذه الزُّمَرُ
شَهِدَ الغَمامُ وإن سقاكِ حَياً / أن الغمام إليك مفتقر
كم من يدٍ لك غير واحدة / لا الدَّمعُ يكفُرُها ولا المَطَرُ
ولقد نزَلْتِ بَنيَّةً علمتْ / ما قد طَوَتْهُ فَهْيَ تَفتَخرُ
تَغدو علَيها الشّمسُ بازِغَةً / فتَحِجُّ ناسِكَةً وتَعتَمِرُ
وتكادُ تذهَلُ عن مَطالِعها / مما تراوحها وتبتكر
فقفوا تضرج ثم أنفسنا / لا الصّافناتُ الجُردُ والعَكَرُ
سَفَحَتْ دِماءُ الدّارِعينَ بها / حتى كأنّ جُفونَهم ثُغَرُ
الهاتكِينَ بها الضُّلوعَ إذا / ما رَجّعوا الذّكرَاتِ أو زَفَروا
راحوا وقد نَضجتْ جوانحُهم / فيها قُلُوبَهُمُ وما شَعروا
وحَنَوا على جَمرٍ ضُلُوعَهمُ / فكأنّما أنفاسُهُمْ شَرَرُ
ويَكادُ فُولاذُ الحَديدِ معَ ال / مُهَجاتِ والعَبَراتِ يَبتَدِرُ
فكأنّما نامَتْ سُيوفُهُمُ / واستَيقَظَتْ من بعدِ ما وُتِرُوا
فتَقطّعتْ أغمادُها قِطَعاً / وأتَتْ إلَيهِمْ وهيَ تَعتَذِرُ
لم يَخلُ مَطلَعُها ولا أفَلَتْ / وبنو أبيها الأنجُمُ الزُّهُرُ
وبنَو عليٍّ لا يُقالُ لهم / صَبراً وهم أُسدُ الوَغى الضُّبُرُ
إنّ التي أخلَتْ عَرينَهُمُ / أضحَت بحيثُ الضّيغَمُ الهَصِر
من ذَلّلَ الدنيا ووطّدَهَا / حتى تلاقَى الشّاءُ والنَّمِر
بلغتْ مراداً من فدائِهِمُ / والأمُّ في الأبناء تُعتَقَر
تأتي الليالي دونَها ولها / في العُقْر مجدٌ ليس يَنعقر
أبقَتْ حديثاً من مآثِرِهَا / يَبقى وتَنْفَد قبلَه الصُّوَر
فإذا سَمعتَ بذِكرِ سُودَدِهَا / ليلاً أتاكَ الفجرُ يَنفجر
ولقد تكون ومن بدائعِها / حِكَمٌ ومن أيّامِها سِيَر
إنّا لَنُؤتَى من تَجارِبِهَا / عِلماً بما نأتي وما نَذَر
قسمَتْ على ابنَيْها مكارمَها / إنّ التراثَ المجْدُ لا البِدَر
حتى تولّتْ غيرَ عاتِبةٍ / لم يَبقَ في الدنيا لها وَطَر
من بعدِ ما ضُرِبَتْ بها مَثَلاً / قَحطانُ واستحيَتْ لها مُضَر
وإذا صَحِبْتَ العيشَ أوّلُهُ / صَفْوٌ فَهَيْنٌ بعده كَدر
وإذا انتَهَيتَ إلى مدَى أملٍ / دَرْكاً فيومٌ واحدٌ عُمُر
ولَخَيرُ عيشٍ أنتَ لابِسُهُ / عيشٌ جنى ثمراتِهِ الكِبَر
ولكُلِّ سابِقِ حلبةٍ أمَدٌ / ولكلِّ واردِ نهلَةٍ صَدَر
وحُدودُ تعميرِ المعمَّرِ أن / يسمو صُعوداً ثمّ ينحَدِر
والسيْفُ يبلى وهو صاعقةٌ / وتُنالُ منه الهامُ والقَصَر
والمرءُ كالظلِّ المديدِ ضُحىً / والفَيْءُ يَحسِرُهُ فينحسر
ولقد حلبْتُ الدّهرَ أشطُرَهُ / فالأعذَبانِ الصّابُ والصَّبِر
غَرَضٌ تَراماني الخُطوبُ فَذا / قوسٌ وذا سَهْمٌ وذا وَتَر
فجزِعتُ حتى ليسَ بي جَزَعٌ / وحَذِرتُ حتى ليس بي حَذَر
أحْبِبْ به قَنَصاً إلى مُتَقَنِّصِ
أحْبِبْ به قَنَصاً إلى مُتَقَنِّصِ / وفريصةً تُهدى إلى مُستفرِصِ
من أين هذا الخشْفُ جاذبَ أحبُلي / فَلأفحَصَنْ عنه وإن لم يُفْحَصِ
بل طيْفُ نازحةٍ تصرّمَ عهدُهَا / إلاّ بقايا وُدِّها المستخلَص
تُدنيكَ من كِبدٍ عليك عليلَةٍ / وتَمُدُّ من جِيدٍ إليك مُنَصّص
شَعثاءُ تَسري في الكرَى بمحاجِرٍ / لم تكتحِلْ وغَدائِرٍ لم تُعْقَص
ثَقُلَتْ روادفُها وأُدمِجَ خَصُرها / فأتَتْكَ بينَ مُفَعَّمٍ ومُخَمَّص
ما أنتَ من صلَتانَ يُهدي أيْنُقاً / خوصاً بنجمٍ في الدُّجُنَّةِ أخوص
ويُميلُ قِمّتَهُ النُّعاسُ كأنّهُ / في أُخرَياتِ اللّيل ذِفرَى أوقَص
والفجرُ من تلك المُلاءةِ ساحِبٌ / والليلُ في مُنقَدِّ تلك الأقمُص
قد باتَ يَمطُلُني سَناً حتى إذا / عَجِلَ الصّباحُ به فلم يترَبَّص
ألقى مؤلَّفةَ النجوم قلائداً / من كلِّ إكليلٍ عليه مُفصَّص
مَن يذعَرُ السِّرحانَ بعد ركائبي / أو من يَصي ليل التّمام كما أصي
ذَرْني ومَيدانَ الجيادِ فإنّمَا / تُبْلى السوابقُ عندَ مَدِّ المِقبَص
لُقّيتُ نَعْماءَ الخُطوب وبُؤسَهَا / وسُبِكتُ سَبكَ الجوهرِ المتخلِّص
فإذا سَعَيْتُ إلى العُلى لم أتّئِدْ / وإذا اشترَيْتُ الحمدَ لم أسترْخصِ
شارفْتُ أعنانَ السّماءِ بِهمّتي / ووطِئتُ بَهْرامَ النجوم بأخمَصي
مَن كان قَلبي نصلُهُ لم يَهتَبِلْ / أو كان يحيَى رِدأه لم ينكِص
يا أيّها التالي كتابَ سَماحِهِ / هو ذلك القَصَصُ المُعَلىّ فاقصُص
قُلْ في نَوالٍ للزّمانِ مُبَجَّلٍ / قل في كمالٍ للوَرى مُستَنقَص
رُدّي عليه يا غمامَةُ جُودَه / أو أفْرِديهِ بالمحامِدِ واخصُصي
مُتَهَلِّلٌ والعُرْفُ ما لم تجْلُهُ / بالبِشْرِ كالإبريزِ غيرَ مُخَلَّص
لا تدَّعي دعْوى أتَتْكِ تكذُّباً / كتكذُّبي وتخرُّصاً كتخرّصي
خَطَبَتْ مآثِرَهُ المُلوكُ تعلّماً / فنَبَتْ عن المعْنى البعيدِ الأعْوَص
يا مَشرَفيُّ اسْجُدْ له من بينهِمْ / يا باطلُ ازهقْ يا حقيقةُ حَصْحِصي
عشِيَتْ به مُقَلُ الكُماةِ فلو سرَى / كُرْدوسَةٌ في ناظِرٍ لم يَشخَص
أمُخَتَّماً منهمْ بقائِمِ سيفِهِ / ومُوَشَّحاً بنِجادِهِ المتقلِّص
نَيلَ الكواكبِ رُمْتَ لا نَيل العلى / فزِدِ المكارِمَ بَسْطةً أو فانقُص
للّهِ دَرُّ فَوارِسٍ أزدِيّةٍ / أقْبَلْتَهَا غيرَ البِطانِ الحُيَّص
يَتَبَسَّمونَ إلى الوغى فشِفاهُهُمْ / هُدْلٌ إلى أقْرانِهِمْ لم تَقْلِص
ذَرْنَا من اللّيْثِ الذي زعموا فهل / جرَّبتَهُ في معركٍ أو مَقْنَص
ما هاجهُ أنْ كُنتَ لم تَنْحِتْ لهُ / ظُفُراً وما خَطبُ الفريص المُفرَص
هجَرَتْ يدايَ النصْلَ إن لم أنبعِثْ / بمُبَحِّثٍ عن شأنه ومُفحِّص
نظمَتْ معاني المجدِ فيك نفُوسَها / بأدَقَّ من مَعنى البديعِ وأعْوَص
لو كنتَ شمسَ غمامةٍ لم تنْتَقِبْ / أو كنتَ بَدْرَ دُجُنَّةٍ لم تَنقُص
إن كان جُرْماً مثلُ شكري فاغتفِرْ / أو كان ذنْباً ما أتَيْتُ فمَحِّص
تَفْديكَ لي يومَ الأسِنّةِ مُهْجَةٌ / لم تَظْمَ عندك في حشاً لم تَخمَص
أبَني عليٍّ لا كفَرْتُ أيادياً / أغليْنَني في عصرِ لؤم مُرْخِصِ
جاورتُكم فجَبرتُمُ من أعظمي / ووصلتُمُ من رِيشيَ المُتحصِّص
لا جادَ غيرَكمُ السحابُ فإنّكُمْ / كنتمْ لذيذَ العيشِ غيرَ مُنغّص
كم في سُرادقِ مُلكِكم من ماجدٍ / عَمَمٍ وفينا منْ وَليٍّ مُخلِص
قد غَصَّ بالماءِ القَراحِ وكان لوْ / يُسقَى المُثمَّلُ عندكم لم يَغصَص
وإذا استكانَ منَ النّوَى وعذابِها / فإلى لسانٍ في الثناء كمِفرَص
صُنْعٌ يؤلَّفُ من نظامِ كواكبٍ / طلعتْ لغيرِ كُثَيِّرٍ والأحوص
مُتبلِّجاتٌ قبل في أزدِيِّهَا / ما قيل في أسْدِيَةِ ابنِ الأبرص
هل ينَهيَنّي إنْ حرصْتُ عليْكُمُ / فأتَى على المقدار من لم يحرِص
من قال للشِّعرى العَبور كذا اعبُري / كرهاً وقال لأختها الأخرى اغمصي
للّهِ أيُّ شِهابِ حربٍ واقِدٌ
للّهِ أيُّ شِهابِ حربٍ واقِدٌ / صَحِبَ ابنَ ذي يزَنٍ وأدركَ تُبّعا
في كفِّ يحيَى منه أبيضُ مُرهَفٌ / عرَفَ المعزَّ حقيقةً فتشيّعا
وجرى الفِرِندُ بصَفحَتَيهِ كأنّما / ذَكرَ القتيلَ بكَربلاءَ فدمّعا
يكفيكَ ممّا شِئتَ في الهيجاء أنْ / تَلقَى العِدى فتسُلّ منه إصبعا
قد سارَ بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا
قد سارَ بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا / ومَحا مشيبي من شَبابي أحرُفا
إلاّ أكُنْ بلَغَتْ بيَ السّنُّ المَدى / فلقد بلَغْتُ من الطّريقِ المَنصَفا
فأمَا وقد لاحَ الصّباحُ بلمَّتي / وانجابَ ليلُ عَمايَتي وتكشَّفا
فلئنُ لهَوْتُ لألهُوَنَّ تصنُّعاً / ولئن صَبَوتُ لأصْبُوَنَّ تكلُّفا
ولئن ذكرْتُ الغانياتِ فخَطرةٌ / تعتادُ صَبّاً بالحِسانِ مُكلَّفا
فلقد هَزَزْتُ غُصُونَها بثِمارِهَا / وهَصَرْتُهُنّ مُهَفْهَفًا فمهفهفا
والبانُ في الكُثبانِ طَوْعُ يدي إذا / أومأتُ إيماءً إليْهِ تعطَّفَا
ولقد هزَزْتُ الكأسَ في يدِ مثلِها / وصحَوْتُ عمّا رَقّ منها أو صَفا
فردَدْتُهَا من راحَتَيْهِ مُزّةً / وشرِبْتُهَا من مُقْلَتَيْهِ قَرقَفَا
ما كان أفتَكَني لوِ اخترَطتْ يدي / من ناظِرَيْكِ على رقيبِكِ مرْهَفا
وخُدورِ مثلِكِ قد طرقتُ لقومِها / متعرِّضاً ولأرضِها متعسِّفا
بأقَبَّ لا يَدَعُ الصّهيلَ إلى القَنا / حتى يلوكَ خِطامَها المتقصِّفا
يسري فأحسبُ في عِناني قائفاً / متفرِّساً أو زاجِراً متعيِّفا
يَرمي الأنيسَ بمسمَعَيْ وحشيّةٍ / قد أوجسا من نَبأةٍ فتشوَّفا
فتقدَّمَا وتنصّبَا وتذلّقَا / وتلطّفَا وتشرّفَا وتحرّفَا
وتكنّفاني يَنفُضانِ ليَ الدّجَى / فإذا أمِنْتُ ترصَّدا فتخوّفَا
فكأنّما وقع الصّريخُ إليهِما / بحِصارِ أنطاكِيّةٍ فاستُرْجِفا
ثَغْرٌ أضاعَ حريمَهُ أربابُهُ / حتى أُهينَ عزيزهُ واستُضْعِفا
يَصِلُ الرّنينَ إلى الرّنينِ لحادثٍ / يربدُّ منه البدرُ حتى يُكسَفا
ما لي رأيتُ الدِّينَ قَلّ نَصيرُهُ / بالمَشرِقَينِ وذلَّ حتى خُوِّفَا
هم صَيّرُوا خَدَماً تَسوسُ أمورَهم / يا للزّمانِ السِّوءِ كيْف تصرّفَا
من كلِّ مُسوَد الضّميرِ قد انطوَى / للمسلمينَ على القِلى وتَلَفَّفا
عُبْدانُ عُبْدانٍ وتُبّعُ تُبّعٍ / فالفاضلُ المفضولُ والوجهُ القَفا
أسَفي على الأحرارِ قَلّ حِفاظُهم / إن كان يُغني الحُرَّ أن يتأسّفا
لا يُبْعِدَنَّ اللّهُ إلاّ مَعْشَراً / أضْحَوْا على الأصنامِ منكُم عُكَّفا
هلاّ استعانَ بأهْلِ بيتِْ مَحمّدٍ / مَن لم يَجِدْ للذُّلِّ عنكُمْ مصرفا
يا وَيلكُمْ أفما لكم من صارخٍ / إلاّ بثَغْرٍ ضاعَ أو دينٍ عَفا
فمدينَةٌ من بعد أُخرى تُستَبَى / وطريقَةٌ من بعدِ أُخرى تُقتَفى
حتى لقد رَجَفَتْ ديارُ ربيعَةٍ / وتزلزلتْ أرضُ العراق تخَوُّفَا
والشامُ قد أودى وأودى أهْلُهُ / إلاّ قليلاً والحجازُ على شَفا
فعجبتُ من أن لا تَميدَ الأرضُ من / أقطارِها وعجبْتُ أن لا تُخسَفا
أيَسُرُّ قوْماً أنّ مكّةَ غُودِرَتْ / بَمجَرِّ جيش الرّومِ قاعاً صَفْصَفا
أو أنّ مَلحودَ النبيِّ ورمْسَهُ / بمدارجِ الأقدامِ يُنسَفُ مَنسَفا
فترَبّصُوا فاللّهُ مُنْجِزُ وَعْدِهِ / قد آنَ للظّلماءِ أن تتَكشّفَا
هذا المُعِزُّ ابنُ النبيِّ المُصْطفَى / سَيذُبُّ عن حَرَمِ النبيِّ المُصْطفى
في صَدرِ هذا العامِ لا يَلوي على / أحَدٍ تلفَّتَ خَلفَهُ وتوقَّفا
وأنا الضّمينُ لَهُ بمَلْكِ قِيادِهِمْ / طَوْعاً إذا المَلكُ العنيفُ تعَجْرَفا
وبعَطفِ أنفُسِهم هُدىً وندىً فلو / صُرِفَ الجيوشُ أمِنتَ أن لا تُصرَفا
فإلى العراقِ وذَرْ لِمَنْ قدّمْتَهُ / مِصْراً فهذا مُلكُ مصرٍ قد صَفا
وأرى خفيّاتِ الأمورِ ولم تكُنْ / ببصيرَةٍ تَجْلو القَضاءَ المُسدَفا
فكأنَّني بالجيش قد ضاقتْ بهِ / أرضُ الحجازِ وبالمواسمِ دُلَّفا
وبكَ ابنَ مُستَنِّ الأباطحِ عاجلاً / قد صِرتَ غيث من اجتدى ومن اعتفى
وعنَتْ لك العُرْبُ الطِّوالُ رِماحُها / واستجفلَتْ ممّا رأتْهُ تخوُّفَا
وازدَرْتَ قبرَ أبيكَ قبرَ محمّدٍ / بملائكِ اللّهِ العُلى متكنَّفا
ورقَيْتَ مَرقاهُ وقُمْتَ مقامَهُ / في بُرْدَةٍ تُذري الدموعَ الذُّرَّفا
متقلِّداً سيفَينِ سيفَ اللّهِ مِنْ / نصرٍ وسيفَكَ ذا الفقَارِ المُرهَفا
لِيَقِرَّ تحتكَ عودُ منبرِهِ الذّي / لا يستقِرُّ تحسُّراً وتلهُّفَا
وتُعيدُ روْضَتَهُ كأوّلِ عَهدِهَا / مُتَفَوِّفاً فيها النّباتُ تفوُّفا
وكأنّني بك قد هَزِجْتَ مُلبيّاً / وهَدَجْتَ بينَ شِعابِ مكّة والصَّفا
وكأنّني بِلِواءِ نَصرِكَ خافِقاً / قد حامَ بينَ المَرْوَتَينِ ورفرَفا
والحِجْرِ مُطَّلِعاً إليكَ تشَوُّقاً / والركْنِ مُهْتَزّاً إليكَ تشَوُّفا
وسألتُ ربَّ البيتِ بابنِ نبيّهِ / وجعَلتُكَ الزُّلْفَى إليه فأُزْلَفا
وهرَبْتُ منهْ إليهِ في حُرُماتِهِ / أدعوه مبتهلا وأسأل ملحفا
وكأنني بك قد بلغت مأربي / وقضيتُ من نُسكِ المُودِّع ما كفى
وخطبتُ قبلَ القوْمِ خطبةَ فيصَلٍ / أُثني عليك فوعُد ربَّك قد وفَى
وخطبتُ بالزَّوراء أُخرَى مثلَهَا / ووقفْتُ بينَ يديكَ هذا المَوقفا
ما بالهُ قد لَجَّ في إطْراقِهِ
ما بالهُ قد لَجَّ في إطْراقِهِ / ما بالُه قد ذابَ من أشواقِهِ
ما ذاكَ إلاّ أنّ مَعشوقاً لَهُ / قد مالَ مُنحرِفاً إلى عُشّاقهِ
فَتَكاتُ طَرْفِكِ أم سيوفُ أبيكِ
فَتَكاتُ طَرْفِكِ أم سيوفُ أبيكِ / وكؤوسُ خمرٍ أم مَراشفُ فيكِ
أجِلادُ مُرْهَفَةٍ وَفَتكُ مَحاجِرٍ / ما أنتِ راحمةٌ ولا أهلوك
يا بنتَ ذا السيْفِ الطويلِ نجادُهُ / أكَذا يجوزُ الحكمُ في ناديكِ
قد كان يَدعوني خيالُكِ طارقاً / حتى دعاني بالقَنا داعيكِ
عَيناكِ أم مغناكِ مَوْعِدُنا وفي / وادي الكرى نلقاكِ أو واديكِ
منعوكِ من سِنة الكرى وسرَوْا فلوْ / عَثَروا بطيفٍ طارقٍ ظَنّوك
وَدَعَوْكِ نَشوَى ما سقوكِ مُدامةً / لمّا تمايل عِطفُكِ اتّهَموكِ
حسبوا التكحّلَ في جفونك حليْةً / تاللّهِ ما بأكفِّهِمْ كحلوك
وجَلَوْكِ لي إذ نحن غُصْنا بانَةٍ / حتى إذا احتَفَلَ الهوَى حجَبوك
ولوَى مُقبَّلَكِ اللّثامُ وما دَرَوا / أن قد لَثمْتُ به وقُبِّلَ فُوك
فضَعي اللِّثامَ فقَبل خَدّك ضُرّجَتْ / راياتُ يحيى بالّدم المسفوك
يا خيَلَهُ لا تَسخَطي عَزَماتِهِ / ولئن سَخِطْتِ فقلّما يُرضيك
إيهاً فمِن بين الأسَّنةِ والظُّبى / إنّ الملائكَةَ الكِرامَ تَليك
قد قلّدَتْكِ يدُ الأميرِ أعِنّةً / لِتَخَايَلي وشكائماً لِتَلُوكي
وحَماكِ أغمارَ المَواردِ إنّهُ / بالسّيفِ من مُهَج العِدى ساقيك
عُوجي بجِنْحِ الليل فالمِلكْ الذي / يهدي النجومَ إلى العُلى هاديك
رَبُّ المَذاكي والعَوالي شُرّعاً / لكنّهُ وَتْرٌ بغيرِ شريك
هو ذلك الليْثُ الغَضَنْفَرُ فانجُ من / بَطشٍ على مُهَجِ الليوثِ وَشيكِ
تَلقاهُ فوقَ رِحالِهِ وأقَبَّ لا / تلقاه فوقَ حشيّةٍ وأريك
تأبَى له إلاّ المكارمَ يَشجُبٌ / تَأبَى سَنامَ المجدِ غيرَ تَموك
بيْتٌ سَما بكَ والكواكبُ جُنَّحٌ / من تحتِ أبنِيَةٍ له وسُمُوك
كذَبَتْ نفوسَ الحاسدينَ ظنونُها / من آفكٍ منهم ومن مأفوك
إنّ السّماءَ لَدُونَ ما ترْقَى له / والنجمُ أقرَبُ نَهجِكَ المسلوك
عاودتَ من دارِ الخلافةِ مطلعاً / فطلعتَ شمساً غيرَ ذاتِ دُلوك
ورأى الخليفةُ منك بأسَ مُهَنَّدٍ / بيديه من رُوحِ الشُّعاعِ سبيك
وغدتْ بك الدنيا زَبَرْجَدَةً جلَتْ / عن ثغْرِ لؤلؤةٍ إليك ضَحُوك
يَدُكَ الحميدةُ قبل جودك إنّها / يَدُ مالكٍ يَقضي على مملوك
صَدَقَتْ مُفَوَّفَةَ الأيادي إنما / يوماكَ فيها طُرَّتا دُرْنُوك
الشِّعُر ما زُرّتْ عليك جُيوبُهُ / من كلِّ مَوْشيِّ البديعِ مَحوك
والفَتْكُ فَتْكٌ في صميمِ المالِ لا / ما حدّثوا عن عُرْوَةَ الصُّعْلوك
وأرى الملوكَ إذا رأيتُكَ سُوقَةً / وأرى عُفاتَكَ سُوقَةً كمُلوك
الغيثُ أوّلهم وليْسَ بمُعْدِمٍ / والبحرُ منهُم وهو غير ضريك
أجرَيتَ جودَكَ في الزُّلال لشاربٍ / وسبَكتَه في العسجدِ المسبوك
لا يَعْدَمَنّكَ أعوَجٌّي صَعَّرَتْ / عاداتُ نصرك منه خَدَّ مليك
من سابحٍ منها إذا استحضَرتَهُ / رَبِذِ اليدَين وسَلهَبٍ مَحبوك
قَيدِ الظَّليمِ مخبِّرٍ عنْ ضاحِكٍ / من بَيض أُدحيِّ الظّليم تَريك
لو تأخُذُ الحَسناءُ عنهُ خِصالهَا / ما طالَ بَثُّ مُحِبِّها المفروك
أو كان سُنبُكُهُ الدّقيقُ بكفّهَا / نَظَمَتْ قلائدَهَا بغيرِ سُلوك
لك كلُّ يوم لو تقدَّم عَصُرهُ / لم يَلْهَجِ العَدَوِيُّ باليَرموك
وقعاتُ نَصرٍ في الأعادي حدّثَتْ / عن يوم بدرٍ قَبْلها وتَبوك
هل أنتَ تارِكُ نَصْل سيفِك حِقبةً / في غِمده أم ليس بالمتروك
لو يَستطيعُ الليلُ لاستعدى على / مَسراكَ تحتَ قِناعِهِ الحُلكوك
لاقيتَ كلَّ كتيبةٍ وفَلَلتَ كل / لَ ضريبَةٍ وألَنتَ كلَّ عَرِيك
يومٌ عريضٌ في الفَخارِ طَويلُ
يومٌ عريضٌ في الفَخارِ طَويلُ / ما تَنقَضي غُرَرٌ لهُ وحُجُول
يَنجابُ منهُ الأفْقُ وهو دُجُنّةٌ / ويَسِحُّ منْهُ الدهُر وهو عليلُ
مَسَحَتْ ثُغورُ الشامِ أدمُعَها بهِ / ولقد تَبُلُّ التُّرْبَ وهي هُمُول
وجَلا ظَلامَ الدِّين والدّنْيا بهِ / مَلِكٌ لما قال الكِرامُ فَعُول
متَكَشِّفٌ عن عَزْمَةٍ عَلَوِيّةٍ / للكُفْرِ منها رنّةٌ وعَويل
فَلَوَانّ سُفْناً لم تُحمِّلْ جَيشَهُ / حَمَلَتْ عزائمَهُ صَباً وقَبول
ولَوَانّ سَيْفاً لَيسَ يَبْتِكُ حَدُّهُ / جَذَّ الرّقابَ بكَفّهِ التّنزيل
مَلِكٌ تَلَقّى عن أقاصي ثَغْرِهِ / أنباءَ ذي دُوَلٍ إليه تَدول
بُشْرَى تَحَمَّلها اللّيالي شُرَّداً / خَيرُ المَساعي الشاردُ المحمول
تأتي الوُفُودُ بها فلا تَكرارُهَا / نَصَبٌ ولا مقرونُهَا مملول
ويكادُ يَلقاهم على أفواهِهِمْ / قبلَ السَّماع الرّشْفُ والتّقبيل
يجلو البشيرُ ضياءَ بِشْرِ خَليفةٍ / ماءُ الهُدى في صَفحَتَيهِ يجول
للّهِ عَينَا مَن رَأى إخبْاتَهُ / لمّا أتاهُ بَريدُها الإجْفِيل
وسُجودَهُ حتى التقى عَفْرُ الثرى / وجَبينُهُ والنَّظْمُ والإكليل
لم يَثْنِهِ عِزُّ الخِلافَةِ والعُلى / والمجْدُ والتّعظيمُ والتبجيل
بينَ المواكبِ خاشِعاً مُتَواضِعاً / والأرضُ تَخشَعُ بالعُلى وتَميل
فتَيَمّمُوا ذاكَ الصّعيدَ فإنّهُ / بالمِسكِ من نَفَحاتِهِ معلول
سيَصِيرُ بعدَك للأئِمّةِ سُنّةً / في الشكر ليس لمثلها تحويل
من كانَ ذا إخلاصُهُ لم يُعْيِهِ / في مُشْكِلٍ رَيْثٌ ولا تعجيل
لو أبصرَتكَ الرّومُ يومئذٍ دَرَتْ / أنّ الإلهَ بما تَشاءُ كَفيل
يا ليْتَ شِعري عن مَقاوِلِهِمْ إذا / سمعتْ بذلك عنك كيفَ تقول
ودُّوا وَداداً أنّ ذلكَ لم يكُنْ / صِدْقاً وكلٌّ ثاكِلٌ مَثكول
هذا يدُلُّهُمُ على ذي عَزْمَةٍ / لا فيهِ تسليمٌ ولا تخذيل
أنْتَ الذي تَرِثُ البِلادَ لَدَيْهِمُ / فالأرضُ فالٌ والسجودُ دَليل
قُلْ للدُّمُسْتُق مُورِدِ الجمعِ الذي / ما أصْدَرَتْهُ له قَناً ونُصُول
سَلْ رَهطَ مَنويلٍ وأنْتَ غَرَرْتَهُ / في أيّ مَعركَةٍ ثَوى مَنويل
منَعَ الجنودَ من القُفول رواجعاً / تَبّاً لهُ بالمُنْدِياتِ قُفُول
لا تُكذَبَنَّ فكُلُّ ما حُدِّثْتَ مِن / خَبرٍ يَسُرُّ فإنّهُ منحول
وإذا رأيتَ الأمْرَ خالَفَ قَصْدهُ / فالرأيُ عن جِهَةِ النُّهَى مَعدول
قد فالَ رأيُكَ في الجلاد ولم تَزَلْ / آراءُ أغمارِ الرّجالِ تَفِيل
وبعثْتَ بالأسطولِ يحملُ عُدّةً / فأثابَنَا بالعُدَّةِ الأسطول
ورميْتَ في لَهَواتِ أُسْدِ الغابِ ما / قد باتَ وهْي فَريسَةٌ مأكول
أدّى إلينا ما جمعْتَ مُوَفَّراً / ثمّ انثَنى في اليَمِّ وهو جَفول
ومَضَى يَخفُّ على الجنائبِ حَمْلهُ / ولقد يُرى بالجيش وهو ثقيل
نَفّلْتَهُ من بعْدِ ما وَفّرْتَهُ / مَنٌّ لعَمرُكَ ما أتيتَ جَزيل
إيهاً كذاكَ فإنّهُ ما كان مِنْ / بِرِّ الكِرام فإنّهُ مقبول
رُمتُ الملوكَ فلم يبِنْ لك بينَهَا / شَخصٌ ولا سِيما وأنتَ ضئيل
أتقدُّماً فيهمْ وأنتَ مؤخَّرٌ / وتشبّهاً بهِمُ وأنْتَ دَخيل
ماذا يُؤمّلُ جَحْدَرٌ في باعِهِ / قِصَرٌ وفي باعِ الخلافةِ طُول
ذَمَّ الجزيرة وهي خِدْرُ ضَراغِمٍ / سامَتْهُ فيها الخَسْفَ وهو نَزيل
والأرضُ مَسبَعَةٌ تُكلّفُه القِرى / فيجودُ بالمُهَجات وهو بخيل
قد تُسْتَضافُ الأُسْد في آجامِهَا / جهلاً بهنَّ وقد يُزارُ الغِيل
حَربٌ يُدَبّرُهَا بظنٍّ كاذبٍ / هلاّ يقِينُ الحَزْم منه بَديل
والظَّنُّ تغريرٌ فكيف إذا التقَى / في الظَّنّ رأيٌ كاذبٌ وجَهول
وافَى وقد جَمَعَ القَبائِلَ كلّهَا / وكفاكَ من نَصْرِ الإلهِ قَبِيل
جَمَعَ الكتائبَ حاشِداً فثناهُمُ / لك قبلَ إنفاذِ الجيوش رَعيل
والنصرُ ليسَ يُبِينُ حقَّ بَيانِهِ / إلاّ إذا لَقِيَ الكثيرَ قليل
جاءوا وحَشْوُ الأرْضِ منهم جحفَلٌ / لجِبٌ وحَشْوُ الخافِقَينِ صهيل
ثم انْثَنَوْا لا بالرّماحِ تَقَصُّدٌ / بادٍ ولا بالمُرهفَاتِ فُلُول
نَزَلوا بأرضٍ لم يَمَسّوا تُرْبَهَا / حتى كأنَّ وقوعَهم تحليل
لم يتركوا فِيها بجَعْجاعِ الرّدَى / إلاّ النجيعَ على النجيعِ يَسيل
خاضَتْهُ أوظِفَةُ السوابقِ فانتهى / منهُنَّ ما لا ينتهي التَّحْجِيل
إنّ التي رامَ الدُّمُستُقُ حَربَها / للّهِ فِيها صارمٌ مسلول
لا أرضُها حَلَبٌ ولا ساحاتُهَا / مِصْرٌ ولا عَرَضُ الخليجِ النِّيل
ليْتَ الهِرَقْلَ بدا بها حتى انْثَنى / وعلى الدُّمُستُقِ ذِلّةٌ وخُمول
تلك التي ألقت عليهم كلكلاً / ولها بأرض الأرمنين تليل
يَرتابُ منها الموجُ وهو غطامط / ويداع منها الخطب وهو جليل
نحرت بها العرب الأعاجم إنها / رُمْحٌ أمَقُّ ولَهْذَمٌ مَصْقول
تلكَ الشّجا قد ماتَ مغصوصاً بها / من لا يكادُ يموتُ وهو قتيل
يَجِدونَها بينَ الجوانحِ والحَشا / فكأنّما هي زفرَةٌ وغَليل
وكأنّها الدّهْرُ المُنيخُ عليهِمُ / لا يُستَطاعُ لِصَرفِهِ تحوْيل
وكأنّها شمسُ الظّهيرَةِ فوقَهُمْ / يرْتَدُّ عنها الطَّرْفُ وهو كليل
ما ذاكَ إلاّ أنّ حَبْلَ قَطِينِها / بحِبالِ آلِ محمّدٍ مَوْصُول
ذَرْهُ يُجَمِّعُ ألْفَ ألف كتِيبَةٍ / فهو النَّكُولُ وجَمْعُه المفلُول
وهو الذي يُهْدي حُماةُ رجالِهِ / نَفَلاً إليك فهل لديكَ قَبُول
لو كنتَ كلّفتَ الجيوشَ مَرامَها / كلّفْتَها سَفَراً إليه يطولُ
فكفاكَ وَشكُ رَحيلِهِ عن أرْضِهِ / عن أن يكون العامَ منك رحيل
حتى إذا اقْتَبَلَ الزّمانُ أريْتَهُ / بالعَزْمِ كيفَ يصُولُ مَن سيصُول
فلْتَعْلَمِ الأعلاجُ عِلماً ثاقِباً / أنّ الصّليبَ وقد عززتَ ذليل
وليَعْبُدُوا غيرَ المسيحِ فليس في / دينِ الترَهُّبِ بعدها تأمِيل
ما ذاك ما شهِدَتْ له الأسرَى بهِ / إذ يَهْزَأُ الطّاغي بهِ الضِّلّيل
بَرِئَتْ منَ الإسلامِ تحتَ سيوفِهِ / إلاّ اعْتِدادَ الصّبرِ وهو جميل
سلكتْ سبيلَ المُلحِدينَ ولم يكُنْ / من بعد ذاكَ إلى الحياةِ سبيل
أرِضىً بمأثورِ الكلامِ وخلفَهُ / غَدْرٌ ومأثور الحديد صقيل
فالحُرُّ قد يَقْنى الحَياءَ حفيظَةً / وهو الجَنيبُ إلى الرّدى المملول
هل كان يُعرَفُ للبطارقِ قبل ذا / بأسٌ ورأيٌ في الجِلادِ أصيل
أنّى لهم هِمَمٌ ومِنْ عَجَبٍ متى / غَدَتِ اللّقاحُ الخورُ وهي فُحول
أهلُ الفِرار فليتَ شِعْري عنهمُ / هل حُدّثوا أنّ الطّباعَ تَحُول
الأكثرينَ تخمُّطاً وتكبُّراً / ما لم تُهَزّ أسِنّةٌ ونُصُول
حتى إذا ارتعصَ القَنا وتلمّظَتْ / حَرْبٌ شَرُوبٌ للنفوس أكول
رَجَعُوا فأبْدَوْا ذِلّةً وضَراعَةً / وإلى الجِبِلّةِ يرجعُ المجبول
إذ لا يزالُ لهم إليك تغلْغُلٌ / وسُرىً وَوَخْدٌ دائِمٌ وذمِيل
وإنَابَةٌ مُنْقَادَةٌ وإتَاوَةٌ / ورسالَةٌ مُعْتَادَةٌ ورسول
فإذا قَبِلْتَ فمِنّةٌ مشكورةٌ / لك ثمّ أنْتَ المُرتَجى المأمول
وإذا أبَيْتَ فعزمَةٌ مضّاءَة / لا بُدّ أنّ قضاءَها مفعول
وليَغْزُوَنّهُمُ الأحَقُّ بغزوهم / واللّه عنْهُ بما يَشاءُ وكيل
ولتُدرِكَنّ المَشْرَفِيَّةُ فيهِمُ / ما يَنْثَني عن دَركِهِ التّأميل
وليُسْمَعَنّ صَلِيلُها في هامِهِم / إن كان يُسمَعُ للسيوفِ صَليل
وليَبْلُغَنَّ جِيادُ خيلِكَ حيْثُ لم / يَبْلُغْ صَباحٌ مُسْفِرٌ وأصِيل
كم دَوّخَتْ أوطانَهُمْ فتركتَها / والمالُ نَهْبٌ والدّيارُ طُلول
والناسُ إن قِيسوا إليه فإنّهُمْ / عَرَضٌ له في جوهرٍ محمول
تَرِدُ العيونُ عليه وهي نَواظِرٌ / فإذا صَدَرْنَ فإنّهُنَّ عقول
غامَرتُهُ فعَجَزتُ عن إدراكِهِ / لكنّه بضمائري معقول
كلُّ الأئِمّةِ من جُدودِكَ فاضِلٌ / فإذا خُصِصْتَ فكُلُّهُمْ مفضول
فافخَرْ فمِن أنسابكَ الفرْدوْسُ إن / عُدّتْ ومن أحسابِكَ التنزيل
وأرى الورى لَغْواً وأنتَ حقيقةٌ / ما يَستَوي المعلومُ والمجهول
شَهِدَ البريّةُ كلُّها لكَ بالعُلى / إنّ البرِيّةَ شاهِدٌ مقبول
واللّهُ مدلولٌ عليهِ بصُنْعِهِ / فينا وأنْتَ على الدّليلِ دَليل
أتَظُنُّ راحاً في الشَّمالِ شَمُولا
أتَظُنُّ راحاً في الشَّمالِ شَمُولا / أتَظُنُّهَا سَكْرَى تَجُرُّ ذُيولا
نَشَرَتْ نَدَى أنفاسِها فكأنّمَا / نَشَرَتْ حِبالاتِ الدُّموعِ هُمولا
أوَكُلّما جَنَحَ الأصيلُ تَنَفّسَتْ / نَفَساً تُجاذِبُهُ إليَّ عَليلا
تُهْدَى صحائفُكُمْ مُنَشَّرَةً وما / تُغني مُراقَبَةُ العُيونِ فَتيلا
لا تُغمِضُوا نَظَرَ الرضا فلربَّما / ضَمّتْ عليه جَناحَها المبلولا
وكأنّ طَيْفاً ما اهتَدى فبعثْتُمُ / مِسكَ الجيوب الرَّدْعَ منه بَديلا
سأرُوعُ من ضَمّتِ حِجالُكُمُ وإن / غَدَتِ الأسِنّةُ دونَ ذلك غِيلا
أعصي رِماحَ الخطِّ دونكِ شُرّعاً / وأُطِيعُ فيكِ صَبابَةً وغَليلا
لا أعذِرُ النصْلَ المُفيتَ أباكِ أو / يَهْمي نفوساً أو يُقَدَّ فُلولا
ما للمعالِمِ والطُّلولِ أما كفى / بالعاشقينَ معالماً وطُلولا
فكأنّنَا شَمْلُ الدّموعِ تَفَرُّقاً / وكأنّنَا سِرُّ الوَداعِ نُحُولا
ولقد ذممْتُ قصيرَ ليلي في الهوى / وحَمِدتُ من مَتْنِ القناةِ طويلا
إنّي لَتُكْسِبُني المَحامِدَ هِمّةٌ / نَجَمَتْ وكلَّفَتِ النُّجومَ أُفُولا
بَكَرَتْ تَلُومُ على النّدى أزديّةٌ / تَنمي إليه خَضارماً وقُيُولا
يا هَذِهِ إنْ يَفْنَ فارطُ مَجدهِمْ / فخُذي إليكِ النَّيلَ والتنويلا
يا هذه لَولا المساعي الغُرُّ مَا / زعموا أباكِ الماجِدَ البُهلولا
إنّا لَيُنْجِدُنا السّماحُ على الّتي / تَذَرُ الغَمامَ المُستهِلَّ بَخِيلا
وتَظُنُّ في لَهَواتِنا أسيافَنَا / وتَخالُ في تاجِ المعزِّ رسولا
هذا ابنُ وَحيِ اللّهِ تأخُذُ هَدْيَها / عنهُ الملائكُ بُكْرَةً وأصِيلا
ذو النُّورِ تُولِيهِ مكارمُ هاشِمٍ / شُكرْاً كنائلِهِ الجزيلِ جزيلا
لا مثلَ يَومي منه يومُ أدِلّةٍ / تُهْدي إلى المُتَفَقِّهِينَ عُقولا
في مَوسِمِ النَّحْرِ السَّنيعِ يَرُوقُني / فأغُضُّ طَرفاً عن سَناهُ كَليلا
والجوَّ يَعثِرُ بالأسِنّةِ والظُّبَى / والأرضُ واجِفَةٌ تَمِيلُ مَميلا
والخافِقاتُ على الوشيجِ كأنّما / حاولنَ عندَ المُعصِراتِ ذُحُولا
والأُسْدُ فاغِرَةٌ تُمَطّي نِيبَها / والدّهْرُ يَنْدُبُ شِلْوَهُ المأكولا
والشمسُ حاسِرَةُ القِناعِ ووُدُّها / لو تستطيعُ لتُربِهِ تقبيلا
وعلى أميرِ المؤمنِينَ غمامَةٌ / نَشَأتْ تُظَلِّلُ تاجَهُ تَظليلا
نَهَضَتْ بثقل الدُّرِّ ضوعِفَ نسجُها / فَجَرَتْ عليه عَسجداً محلولا
أمُديرَها من حيثُ دارَ لَشَدّ مَا / زاحمتَ حولَ ركابهِ جِبريلا
ذَعَرَتْ مواكبُهُ الجبِالَ فأعلَنَتْ / هَضَبَاتُهَا التكبيرَ والتهليلا
قد ضَمّ قُطرَيها العَجاجُ فما تَرى / بينَ السِّنانِ وكعبِهِ تخليلا
رُفِعَتْ له فيها قِبابٌ لم تكُنْ / ظُعْناً بأجراعِ الحِمى وحُمولا
أيكِيّةِ الذهَبِ المرصَّعِ رَفرَفَتْ / فيها حَمامٌ ما دَعَونَ هَديلا
وتُبَاشِرُ الفلكَ الأثيرَ كأنّمَا / تَبغي بهِنَّ إلى السماء رَحيلا
تُدْني إليها النُّجْبُ كلُّ عُذافرٍ / يَهْوي إذا سارَ المَطيُّ ذَميلا
تَتَعرّفُ الصُّهْبُ المُؤثَّلَ حولَهُ / نَسَباً وتُنكِرُ شَدقماً وجَديلا
وتُجِنُّ منْهُ كلُّ وَبْرَةِ لِبْدَةٍ / لَيْثاً ويَحمِلُ كُلُّ عُضْوٍ فيلا
وتَظُنُّهُ مُتَخَمِّطاً من كِبْرِهِ / وتَخَالُهُ متنمِّراً لِيَصُولا
وكأنّما الجُرْدُ الجَنائبُ خُرَّدٌ / سَفَرَتْ تَشوقُ مُتيَّماً مَتبولا
تَبْدو عليها للمعِزِّ جَلالَهٌ / فيكونُ أكثرُ مَشْيِهَا تَبْجيلا
ويَجِلُّ عنها قَدرُهُ حتى إذا / راقَتْهُ كانَتْ نائِلاً مبذولا
من كلّ يَعْبُوب يَحيدُ فلا ترى / إلاّ قَذالاً سامِياً وتَليلا
وكَأنّ بَينَ عِنانِهِ ولَبانِهِ / رَشَأً يَريعُ إلى الكنِاسِ خَذولا
لَوْ تَشْرَئِبُّ لهُ عقيلةُ رَبْرَبٍ / ظَنّتْهُ جُؤذَرَ رَمْلِها المَكحولا
إنْ شِيمَ أقبلَ عارضاً مُتهلِّلاً / أو رِيعَ أدبَرَ خاضباً إجْفِيلا
تتبيّنُ اللّحَظاتُ فيهِ مَواقِعاً / فتظُنُّ فيهِ للقِداحِ مُجِيلا
تَتَنزّلُ الأروى على صَهَواتِهِ / ويبِيتُ في وَكْرِ العُقابِ نزيلا
يَهْوي بأُمِّ الخِشْفِ بينَ فُروجِهِ / ويُقَيِّدُ الأدمانَةَ العُطْبُولا
صَلَتانُ يَعْنُفُ بالبُرُوقِ لَوامِعاً / ولقد يكونُ لأمّهِنّ سَليلا
يَسْتَغْرِقُ الشّأوَ المُغَرِّبَ مُعْنِقاً / ويجيءُ سابِقَ حَلبةٍ مَشكولا
هذا الّذي مَلأ القُلوبَ جَلالَةً / هذا الّذي تَرَكَ العزيزَ ذَليلا
فإذا نَظَرْتَ نَظرْتَ غَيرَ مُشَبَّهٍ / إلاّ التِماحَكَ رايَةً ورَعِيلا
إنْ تَلْتَفِتْ فكَرادسِاً ومَقانِباً / أو تَسْتَمِعْ فتَغَمْغُماً وصَهِيلا
يوْمٌ تجلّى اللّهُ من مَلَكُوتِهِ / فرآكَ في المرأى الجليلِ جَليلا
جَلّيْتَ فيهِ بنَظَرةٍ فَمَنَحْتَهُ / نَظَراً برؤيةِ غيرِهِ مشغولا
وتَحَلَّتِ الدّنْيا بسِمْطَيْ دُرِّهَا / فرأيتُها شَخصاً لديكَ ضَئيلا
ولحظْتُ مَنبرَكَ المُعَلّى راجِفاً / من تحتِ عِقْدِ الرّايَتَينِ مَهُولا
مسدولَ سِترِ جَلالَةٍ أنْطَقْتَهُ / فرفعْتَ عن حِكَمِ البيانِ سُدُولا
وقَضَيْتَ حَجَّ العامِ مُؤتَنِفاً وقَدْ / وَدّعْتَ عاماً للجِهادِ مُحيلا
وشَفَعْتَ في وَفْدِ الحجيجِ كأنّما / نَفّلْتَهُمْ إخلاصَكَ المقُبولا
وصدَرْتَ تَحْبو النّاكِثينَ مَواهِباً / هَزّتْ قَؤولاً للسّماحِ فَعُولا
وهي الجرائمُ والرّغائبُ ما التَقَتْ / إلاّ لِتَصْفَحَ قادِراً وتُنِيلا
قد جُدْتَ حتى أمَّلَتْكَ أُمَيّةٌ / لو أنّ وِتْراً لم يُضِعْ تأميلا
عجَباً لِمُنْصَلِكَ المقلَّدِ كيف لم / تَسِلِ النّفوسُ عليك منه مَسيلا
لم يخْلُ جَبّارُ المُلوكِ بِذِكْرِهِ / إلاّ تَشَحَّطَ في الدماء قتيلا
وكأنّ أرواحَ العِدى شاكَلْنَهُ / فإذا دَعا لَبّى الكَمِيَّ عَجُولا
وإذا اسْتَضاءَ شِهابَهُ بطَلٌ رأى / صُوَرَ الوقائعِ فوقه تَخْييلا
وإذا تَدَبَّرَهُ تَدَبَّرَ عِلّةً / للنّيِّرَاتِ ونَيّراً مَعْلُولا
لكَ حُسْنُهُ مُتَقَلَّداً وبَهاؤهُ / مُتَنَكَّباً ومضاؤهُ مَسْلُولا
كتَبَ الفِرنْدُ عليه بعضَ صَفاتكُمْ / فعرَفْتُ فيهِ التاجَ والإكليلا
قد كاد يُنْذرُ بالوعِيدِ لِطولِ مَا / أصغى إليك ويعلمُ التأويلا
فإذا غَضِبْتَ علَتْهُ دونك رُبْدَةٌ / يَغدُو لها طَرْفُ النهارِ كَليلا
وإذا طَوَيْتَ على الرِّضَى أهدى إلى / شمس الظَّهيرَةِ عارضاً مصْقولا
سمّاهُ جَدُّكَ ذا الفَقَارِ وإنّما / سَمّاهُ مَنْ عادَيْتَ عِزرائيلا
وكأنْ بهِ لم يُبْقِ وِتْراً ضائعاً / في كربلاءَ ولا دَماً مَطلولا
أوَما سَمِعْتُمْ عن وقائِعِهِ التي / لم تُبْقِ إشراكاً ولا تبديلا
سارَتْ بها شِيَعُ القصائدِ شُرَّداً / فكَأنّما كانَتْ صَباً وقَبُولا
حتى قَطَعْنَ إلى العراقِ الشأمَ عن / عُرُضٍ وخُضنَ إلى الفُراتِ النيلا
طَلَعَتْ على بغداد بالسِّيَرِ التّي / سَيَّرتُهَا غُرَراً لكُمْ وحُجُولا
أجْلَينَ مِنْ فِكَري إذا لم يَسمعوا / لسيوفِهِنَّ المُرهَفاتِ صَليلا
ولقد هَمَمْتُ بأنْ أفُكَّ قُيودَهَا / لمّا رأيْتُ المُحسِنينَ قَليلا
حتى رأيْتُ قصائِدي منحولَةً / والقولَ في أمِّ الكِتابِ مَقُولا
وَلَئِنْ بَقيتُ لأُخْلِيَنَّ لِغُرِّهَا / مَيدانَ سَبْقي مُقْصِراً ومُطِيلا
حتى كأنّي مُلْهَمٌ وكأنّها / سُوَرٌ أُرَتِّلُ آيَهَا تَرتِيلا
ولقد ذُعِرْتُ بما رأيْتُ فغودرَتْ / تلك المهنَّدَةُ الرِّقاقُ فُلُولا
ولقد رأيتُكَ لا بلَحْظٍ عاكِفٍ / فرأيتُ من شِيَمِ النبيّ شُكولا
ولقد سمعتُكَ لا بسَمعي هيبَةً / لكنْ وجَدتُكَ جوهراً معقولا
أبَني النّبُوّةِ هل نُبادِرُ غايَةً / ونَقُولُ فيكم غيرَ ما قد قِيلا
إنّ الخبيرَ بكم أجَدَّ بخُلقكم / غيباً فجرَّدَ فيكمُ التنزيلا
آتاكُمُ القُدْسَ الذي لم يُؤتِهِ / بَشَراً وأنْفَذَ فيكمُ التّفضيلا
إنّا استَلَمنا رُكنَكُم ودَنَوْتُمُ / حتى استَلمْتُمْ عَرشَهُ المحمولا
فوَصَلتُمُ ما بيْنَنَا وأمدَّكُمْ / برهانُهُ سبباً به موصولا
ما عُذرُكُم أن لا تطيبَ فُرُوعُكُمْ / ولقد رسختُمْ في السماء أُصولا
أعطَتكُمُ شُمُّ الأنُوفِ مَقادَةً / وركبتُمُ ظَهْرَ الزّمانِ ذَلولا
خَلّدتُمُ في العبشمِيّةِ لَعْنَةً / خلقت وما خلقوا لها تعجيلا
راعتهم بكم البروق كأنما / جرَّدتُمُوهَا في السحابِ نُصُولا
في مَن يظُنّونَ الإمامةَ منهُمُ / إنْ حُصّلَتْ أنْسابُهُمْ تَحْصِيلا
مِنْ أهْلِ بَيْتٍ لم يَنالوا سَعْيَهُم / من فاضِلٍ عَدَلوا به مفضولا
لا تَعْجَلوا إنّي رأيتُ أناتَكُمْ / وَطْئاً على كَتِدِ الزمان ثَقِيلا
أمُتَوَّجَ الخُلَفاءِ حاكِمْهُم وإنْ / كان القَضاءُ بما تشاءُ كَفيلا
فالكُتْبُ لولا أنّها لكَ شُهَّدٌ / ما فُصِّلَتْ آياتُهَا تفصيلا
اللّهُ يَجْزيكَ الذي لم يَجْزِهِ / فيما هَدَيْتَ الجاهلَ الضِّلّيلا
ولقد بَرَاكَ وكنْتَ مَوثِقَهُ الذي / أخذَ الكِتابَ وعهْدَهُ المسؤولا
حتى إذا استرعاكَ أمرَ عِبادِهِ / أدْنَى إليهِ أباكَ إسماعيلا
من بينِ حُجبِ النّورِ حيثُ تَبوّأتْ / آباؤهُ ظِلَّ الجِنانِ ظَليلا
أدّى أمانَتَهُ وزِيدَ منَ الرِّضَى / قُرباً فجاوَرَهُ الإلَهُ خَليلا
ووَرثتَهُ البُرْهانَ والتِّبيانَ وال / فُرْقانَ والتّوراةَ والإنجيلا
وَعَلِمتَ من مكنونِ عِلمِ اللّهِ ما / لم يُؤتِ جبريلاً وميكائِيلا
لو كنتَ آوِنَةً نَبِيّاً مُرْسَلاً / نُشرَتْ بمبعثِكَ القُرونُ الأولى
أو كنتَ نُوحاً مُنذِراً في قومِهِ / ما زادَهم بدُعائِهِ تَضليلا
للّهِ فيكَ سريرَةٌ لوْ أُعلِنَتْ / أحيَا بذِكرِكَ قاتِلٌ مَقُتولا
لو كانَ أعطَى الخَلْقَ ما أُوتيتَهُ / لم يَخْلُقِ التّشبيهَ والتمثيلا
لولا حِجابٌ دونَ علمِك حاجِزٌ / وَجَدوا إلى عِلمِ الغُيُوبِ سَبيلا
لولاكَ لم يكُنِ التفكُّرُ واعِظاً / والعقلُ رُشْداً والقياسُ دَليلا
لو لم تكُنْ سَبَبَ النّجاةِ لأهْلِها / لم يُغْنِ إيمانُ العِبادِ فَتيلا
لو لم تُعَرِّفْنا بذاتِ نُفُوسِنا / كانَتْ لدَينا عالَماً مجهُولا
لو لم يَفِضْ لك في البرِيّةِ نائِلٌ / كانَت مُفوَّفَة الرّياضِ مَحُولا
لو لم تكن سكَنَ البلادِ تَضَعضَعتْ / ولَزُيِّلَتْ أركانُها تَزييلا
لو لم يكُنْ فيكَ اعتبارٌ للوَرَى / ضَلُّوا فلم يَكْنِ الدليل دليلا
نَبِّهْ لنا قَدْراً نَغيظُ بهِ العِدَى / فلقد تَجَهَّمَنا الزّمانُ خُمولا
لو كنْتَ قبلَ تكونُ جامعَ شَملنا / ما نِيلَ منِ حُرُماتِنا ما نِيلا
نَعْتَدُّ أيْسَرَ ما ملكتَ رِقابَنَا / وأقَلَّ ما نَرجو بكَ المَأمولا
قامَتْ تميسُ كما تَدافَعَ جَدولُ
قامَتْ تميسُ كما تَدافَعَ جَدولُ / وانْسابَ أيْمٌ في نَقاً يَتَهَيَّلُ
وأتَتْ تُزَجّي رِدْفَها بقَوامِها / فتأطَّرَ الأعلى وماجَ الأسْفَلُ
صنمٌ ترَدّى الحُسنَ منه مقَرطقٌ / ومشَى على البَرْدِيِّ منْهُ مُخلخَل
ووراءَ ما يحوي اللِّثامُ مُقَبَّلٌ / رَتِلٌ بمِسواكِ الأراك مُقبَّل
ما لي ظمِئتُ إلى جَنى رَشَفَاتِهِ / وخَلا البَشامُ ببَردهَا والإسحِل
وهي البخِيلةُ أو خَيَالٌ طارقٌ / منها أو الذكرى التي تَتَخيَّل
طَرقَتْ تَحِيدُ عن الصّباحِ تَخَفُّراً / فَوَشَى الكِباءُ بها ونَمَّ المَندَل
قُلْ للّتي أصْمَتْ فُؤادي خفِّضي / وَقْعَ السِّهامِ فقد أُصيبَ المَقتَل
وذهَبْتِ عنّي بالشَّبيبَةِ فاردُدي / ثوبي الّذي قد كنْتُ فيه أرفُل
جارَتْ كما جارَ الزّمانُ ورَيبُهُ / وكِلاهُما في صَرْفِهِ لا يَعدِل
أهْوِنْ علينَا بالخُطوبِ وصَرفِها / فالدّهرُ يُدْبِرُ بالخُطوبِ ويُقْبِل
ما لي وما للحادثاتِ تَنْوشُني / ولَدَيَّ من همّي وعَزْمي مَوئل
كَفٌّ غَداةَ النائِباتِ طويلَةٌ / وأغَرُّ يومَ السابقين مُحجَّل
سأميطُ عن وجهي اللِّثامَ وأعتزي / وأُري الحوادثَ صَفحةً لا تُجهَل
ولأسطُوَنَّ على الزّمان بمَن لهُ / قلبي الوَدودُ ومَدْحيَ المُتَنَخَّل
لولا مَعَدٌّ والخلافَةُ لم أكُنْ / أعتَدُّ من عمري بما أستَقبِل
فَرَغَ الإلهُ له بكُلِّ فضيلَةٍ / أيّامَ آياتُ الكِتابِ تُفَصَّل
والأرضُ تحمِلُ حِلمَهُ فيؤودُهَا / حتى تَكادَ بأهِلها تَتَزَلزَل
هذا الذي تُتلى مآثِرُ فَضْلِهِ / فينا كما يُتْلى الكتابُ المُنْزَل
مُوفٍ يَرُدُّ على اللّيالي حُكمَها / فكأنّهُ بالحادثاتِ مُوَكَّل
مَلِكٌ له اللُّبُّ الصّقيلُ كأنّما / عكست شعاعَ الشمس فيه سجنجَل
ذو الحَزْمِ لا يتدبّرُ الآراءَ في / أعقابِها ما الرّأيُ إلاّ الأوَّل
مٌتَقَلِّدٌ بِيضَ الشفارِ صوارماً / منها نُهاهُ ورأيُه والمُنصل
ومُقابَلٌ بينَ النبوَّةِ والهُدى / من جَوْهَرٍ في جوهرٍ يَتَنَقَّل
هل كنتَ تَحسَبُ قبل جُرأتِنا على / تقريظهِ أنّ الحُلومَ تُجَهَّل
هل كنتَ تدري قبل جودِ بَنانِهِ / أنّ الغُيومَ الغادياتِ تُبخَّل
فَلَهُ النّدى لا يدَّعِيهِ غَيرُهُ / إلاّ إذا كَذَبَ الغَمامُ المُسْبِل
وتكادُ يُمناهُ لفَرطِ بِلالِهَا / بينَ المواهبِ واللُّهى تَتَسَلْسَل
كَرَمٌ يَسُحُّ على الغَمامِ وفوقَهُ / مجْدٌ يُنيفُ على الكواكبِ من عَل
غَيْثُ البلادِ إذا اكفَهَرَّ تجهُّماً / في أوجُهِ الرُّوّادِ عامٌ مُمحِل
وبَدا من اللأواءِ أهْرَتُ أشْدَقٌ / ودَرا من الحِدثان نابٌ أعصَل
لو كنْتَ شاهِدَ كَفِّهِ في لَزْبَةٍ / لرأيْتَ صرفَ الدّهر كيف يُقَتَّل
أو كنْتَ شاهِدَ لفْظِهِ في مُشْكِلٍ / لرَأيْتَ نَظْمَ الدُّرِّ كيْفَ يُفَصَّل
إنّ التّجارِبَ لم تَزِدْهُ حَزامَةً / هل زائِدٌ في المَشْرَفيِّ الصَّيْقَل
لكنّما يَجْلُو دقيقَ فِرِنْدِهِ / حتى يَبِيتَ ونارُهُ تَتَأكَّل
وهَبِ المَداوِسَ صَنَّعَتْهُ فحَسْبُهُ / سِنْخٌ يُؤيّدُهُ وحَدٌّ مِقصَل
لو كان للشُّهْبِ الثّواقبِ موضِعٌ / من مجدهِ لم يَكتنِفْها غَيطَل
إنّ الزّمانَ على كثافَةِ زَورِهِ / لَيَكِلُّ عن أعباءِ ما يَتَحَمَّل
يأتي المُلِمُّ فلا يؤودُكَ حَمُله / ولو أنّه من عِبءِ حِلمِكَ أثقل
ولو أنّ منْهُ على يمينك أعفَراً / أو كان منْهُ على شِمالِك يذبُل
مَن كان مِثلكَ في العُلى مِن مُلتقى / أطْرافِهِ فهو المُعَمُّ المُخْوَل
من كان سيما القُدسِ فوقَ جَبينِهِ / فأنا الضّمينُ بأنّهُ لا يَجْهَلُ
ما تَسْتَبِينُ الأرضُ أنّكَ بارزٌ / إلاّ إذا رأتِ الجبِالَ تَزلزَل
يَرجو عَدُوُّكَ منك ما لا يَنْتَهي / ويَنوءُ منك بحملِ ما لا يُحمَل
ويُرَدِّدُ الصُّعَداءَ من أنفْاسِهِ / حتى تكادَ النّارُ منها تُشْعَل
فكأنما يسقيه مجَّةَ ريقه / صل ويأكل من حشاه فدعل
ذو غُلَّةٍ يَرْمي إليك بِطَرْفِهِ / ولقد رأى أنّ الحِمامَ المَنْهَل
وإذا شَكَا ظَمَأ إليكَ سَقَيْتَهُ / كأساً يُقَشَّبُ سَمُّها ويُثَمَّل
ولقد عَييتُ وما عَييتُ بمُشْكِلٍ / أسِنانُ عَزْمِك أم لِسانُك أطوَل
وأطَلْتُ تفكيري فلا واللّهِ مَا / أدري أوجْهُكَ أم فَعالُكَ أجمْل
أمّا العِيانُ فلا عِيانَ يَحُدُّهُ / لكنْ رُواؤكَ في الضّميرِ مُمَثَّل
ألقاكَ بالأمَل الّذي لا يَنثَني / وأراكَ بالقَلبِ الذي لا يَغْفَل
يجري القَضاءُ بما تشاءُ فنازِحٌ / ومُقَرَّبٌ ومُؤجَّلٌ ومُعَجَّل
لك صِدْقُ وعدِ اللّهِ في فُرقَانِهِ / لا ما يقولُ الجاهلونَ الضُّلَّل
نَصَرَ الإلهُ على يدَيكَ عِبادَهُ / واللّهُ يَنْصُرُ من يَشاء ويَخذُل
لنْ يَسْتَفِيقَ الرّومُ من سَكَراتِهم / إنّ الذي شرِبوا رَحيقٌ سَلْسل
عَرَفوا بكَ الملكَ الذي يجدُونَهُ / في كُتْبِهم ورأوا شُهودَك تَعْدِل
ونَحَتْ بني العبّاس منكَ عزيمَةٌ / قد كان يعْرِفُها المَليكُ الهِرْقِل
فَلْيَعْبُدُوا غيرَ المسيحِ فليس في / دينِ الترهُّبِ عن سُيوفك مَزحل
حَمَلوا مَنايا الخوْفِ بينَ ضُلوعِهِمْ / إنّ الحِذارَ هو الحِمامُ الأعْجَل
وهل استعارُوا غيرَ خوْفِ قلوبهم / أو حُدِّثوا أنّ الطِّباعَ تُحَوَّل
لهمُ الأماني الكاذباتُ تَغُرُّهُمْ / ولنا جُيوشُكَ والقَنا والأنصُل
حسْبُ الدُّمُستُق منك ضرْبٌ أهرَتٌ / هَدِلٌ مَشافِرُهُ وطَعْنٌ أنْجَل
ووقائِعٌ بالجِنِّ منها أولَقٌ / وكتائِبٌ بالأسْدِ منها أفْكَل
وعَجاجَةٌ شَقَّتْ سيوفُ الهِندِ من / أكمامِها فكأنّمَا هي خَيْعَل
تُسْفَى على وجْهِ الصّباحِ كأنّما / في كلّ شارِقَةٍ كثيبٌ أهْيَل
فَيُبَثُّ فوْقَ البَدْرِ منها عَنبرٌ / ويُذَرُّ فوقَ الشمس منها صَنْدَل
والأُفْقُ أُفْقُ الأرضِ منها أكهبٌ / والخَرْقُ خَرْقُ البِيدِ منها أطحَل
جيْشٌ تَخُبُّ سفينُهُ وجِيادُهُ / فتضِيقُ طامِيَةٌ وقُفٌّ مجهَل
لم يَبْقَ صُبْحٌ مُسْفِرٌ لم يَنْبَلِجْ / فيه ولم يَبْرَحْهُ لَيْلٌ أليَل
في كلِّ يومٍ من فُتُوحِكَ رائحٌ / غادٍ تَطيبُ به الصَّبا والشَّمْأل
قد كان لي في الحرْبِ أجزَلُ منطقٍ / ولَمَا أُعايِنُ من حُروبك أجزل
ولَمَا شَهِدْتَ من الوقائع إنّها / أبْقَى من الشِّعْرِ الذي يُتَمثَّل
أفغَيرَ ما عاينتُ أبْغي آيَةً / من بَعِدهَا إني إذاً لَمُضَلَّل
هل زلّتِ الأقدامُ بعد ثبوتها / أمْ زاغتِ الأبْصارُ وهي تأمَّل
تلك الجزيرةُ من ثُغوركَ بَرْزَةٌ / نُورُ النّبُوّةِ فوقَها يتَهَلَّل
أرضٌ تَفَجَّرَ كلُّ شيءٍ فوقَها / بدَمِ العِدى حتى الصّفا والجَندل
لم تَدْعُ فيه العُصْمَ إلاّ دَعْوَةً / حتى أتَتْكَ منَ الذُّرَى تتنزَّل
لم يَبقَ فيها للأعاجمِ مَلجَأٌ / يُلْجا إليه ولا جَنابٌ يُؤهَل
منَعَ المَعاقلَ أن تكونَ مَعَاقِلاً / مَوجُ الأسنّةِ حولَها يتصلصَل
نَفَّلْتَ أطرافَ السّيوفِ قَطِينَها / عَوداً لِبَدءٍ إنّ مثلكَ يَفعَل
وَرَجا البطارقُ أن تكونَ لثَغرِهم / باباً فغُودِرَ وهو عنهم مُقْفَل
ما كَرَّ جيشُكَ قافِلاً حتى خَلَتْ / تِلكَ الهِضابُ مُنِيفَةً والأجبُل
من كلّ ممنُوعٍ صياصيها يُرَى / ليْلاً بحيثُ يُرى السِّماكُ الأعزَل
ضَمِنَ الدُّمُستُقُ منكَ منعَ حريمها / هَلاّ امتِناعَ حَريمِهِ لو يَعقِل
وأرادَ نَصْرَ المشركينَ بجَحْفَلٍ / لَجِبٍ فأوّلُ ما أُصِيبَ الجَحْفل
فكتائبٌ أعجلْتَها لم تنجفِلْ / وكتائبٌ في اليَمِّ خاضَتْ تُجفِل
والموجُ من أنصارِ بأسك خلفَها / فالموجُ يُغْرِقُها وسيفُك يقتُل
كُنّا نُسمّي البحرَ بحراً كاسمِهِ / ونقولُ فيهِ للسَّفائنِ مَعقِل
فإذا به من بعض عُدَّتكَ الّتي / ما للدُّمستقِ عن رَداها مَزحل
فكأنّهُ لكَ صارمٌ أعدَدتَهُ / وكأنّهُ مذ ألفِ عامٍ يُصْقَل
ذا المجْدُ لا يُبْغَى سِواهُ وذا الذي / يبقى لآلِ محمّدٍ ويُؤثَّل
والمدحُ في ملِكٍ سِواك مُضَيَّعٌ / والقَوْلُ في أحَدٍ سِواكَ تَقَوُّل
أفغيرُ عَصركَ يُرتَجَى أم غيرُ نَيْ / لِكَ يُجْتَدى أم غيرُ كفِّك يُسأل
قد عَزَّ قبلَكَ أن يُعَدَّ لِمَعْشَرٍ / مَلِكٌ هُمامُ أو جَوادٌ مِفْضَل
لو كنْتَ أنتَ أبا البرِيّةِ كُلّهَا / ما كان في نَسْلِ العِبادِ مُبَخَّل
ولكَ الشَّفاعَةُ كأسُها وحِياضُها / ولكَ المَعِينُ تَعُلُّ منهُ وتُنْهِل
وكفاكَ أن كنْتَ الإمامَ المرتضَى / وأبوكَ إنّ عُدَّ النبيُّ المُرسَل
أمّا الزّمانُ فواحِدٌ في نَجْرِهِ / لكِنّ أقْرَبَهُ إليكَ الأفضَل
لي مُهْجَةٌ تَرفَضُّ فيك تشَيُّعاً / حتى تكادَ مع المدائح تَهْمُل
لكنّني من بعد ذاك وقَبْلِهِ / عَينُ الخَطيءِ فهل لديكَ تَقَبُّل
فلغايتي مُسْتَقْصِرٌ ولمِقوَلي / مُستعجِزٌ ولهاجسي مُستجهِل
ما حيلتي في النّفسِ إلاّ عَذلُهَا / إن كان ينفَعُ في المَكارِهِ عُذُّل
إني لمَوْقوفٌ على حَدَّينِ مِنْ / أمري فَذا مُعْيٍ وهذا مُشْكِل
أمّا ثَنائي فهو عنك مُقَصِّرٌ / والعيُّ بالفُصَحاءِ ما لا يَجْمُل
يا خَجْلَةَ الرَّكْبِ الذينَ غَدَوْا إذا / ما ضمَّ أشعاري ومجدَكَ مَحفِل
منْ كُلّ شاردَةٍ إذا سَيَّرتُهَا / وخَدَتْ بهِنَّ اليَعْمُلاتُ الذُّمَّل
هيهاتَ ما يُشفَى ضلوعي من جَوىً / ولوَ أنّ مثلي في مديحِكَ جَرْوَل
ولوَ انّ نَصْلَ السيْفِ ينطِقُ في فمي / لارتَدَّ ينْبُو عن عُلاكَ ويَنْكُل
ولوَ انّ شُكرْي عن لسان الوحي لم / يَبْلُغْ مقالي ما رأيتُكَ تَفعَل
هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ
هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ / أرجو زماناً والزمانُ حُلاحِل
وأعَزُّ مفْقُودٍ شبابٌ عائِدٌ / من بعدِ ما ولّى وإلْفٌ واصلُ
ما أحسَنَ الدّنْيا بشَمْلٍ جامِعٍ / لكنّها أُمُّ البَنينَ الثّاكِلُ
جرَتِ اللّيالي والتّنائي بينَنَا / أُمُّ الليّالي والتّنائي هابِلُ
فكأنّمَا يوْمٌ ليومٍ طاردٌ / وكأنّمَا دَهْرٌ لدَهْرٍ آكل
أعَلى الشّبابِ أم الخليطِ تَلَدُّدي / هذا يُفارِقُني وذاك يُزايِل
في كلِّ يوْمٍ أسْتَزيدُ تجارِباً / كم عالمٍ بالشيءِ وهو يُسائِلُ
ما العِيسُ ترحلُ بالقِبابِ حميدةً / لكنّهَا عَصْرُ الشبابِ الراحلُ
ما الخمْرُ إلاّ ما تُعَتِّقُهُ النّوَى / أوْ أُختُهَا ممّا تُعَتِّقُ بابل
فمزاجُ كأسِ البابِلِيّةِ أوْلَقٌ / ومِزاجُ تلك دمُ الأفاعي القاتل
ولقد مَرَرْتُ على الدّيارِ بمَنْعِجٍ / وبها الذي بي غيرَ أنّي السّائل
فَتَوافَقَ الطَّلَلانِ هذا دارسٌ / في بُرْدَتَيْ عَصْبٍ وهذا ماثل
فَمَحا مَعالمَ ذا نجيعٌ سافكٌ / ومحا مَعالِمَ ذا مُلِثٌّ وابل
يا دارُ أشبَهَتِ المها فيكِ المَهَا / والسِّرْبَ إلاّ أنّهُنَّ مَطافل
نَضَحَتْ جوانحَكِ الرّياحُ بلؤلؤ / للطَّلِّ فيه رَدْعُ مِسْكٍ جائل
وغَدَتْ بجْيبٍ فيكِ مشقوقٍ لها / نَفَسٌ تُرَدِّدُهُ ودَمْعٌ هامل
هَلاّ كعهدِكِ والأراكُ أرائِكٌ / والأثلُ بانٌ والطُّلُولُ خمائل
إذ ذلك الوادي قَناً وأسِنّةٌ / وإذِ الدّيارُ مَشاهدٌ ومحافل
وعوابسٌ وقَوانِسٌ وفَوارِسٌ / وكوانسٌ وأوانسٌ وعقائل
وإذِ العِراصُ تبيتُ يَسحَبُ لأمَةً / فيها ابنُ هَيْجاءٍ ويصفِنُ صاهل
وتَضِجُّ أيْسارٌ ويَصْدَحُ شاربٌ / وتَرِنُّ سُمّارٌ ويَهْدِرُ جامل
بُعْداً للَيْلاتٍ لنا أفِدَتْ ولا / بَعُدَتْ لَيالٍ بالغميمِ قلائل
إذ عيْشُنَا في مثْلِ دولَةِ جَعفَرٍ / والعَدْلُ فيها ضاحكٌ والنّائل
ندعوهُ سيْفاً والمنيّةُ حَدُّهُ / وسِنانَ حَرْبٍ والكتيبةُ عامل
هذا الذي لولا بقيّة عدلِهِ / ما كان في الدنيا قضاءٌ عادل
لو أشْرَبَ اللّهُ القلوبَ حَنانَهُ / أو رِفْقَهُ أحْيا القتيلَ القاتل
ولوَ انّ كلَّ مُطاعِ قومٍ مثلُه / ما غَيّرَ الدَّوْلاتِ دَهرٌ دائل
إن كان يعْلَمُ جَعْفَراً عِلمي بِهِ / بَشَرٌ فليس على البسيطَةِ جاهل
يَوْماهُ طَعْنٌ في الكريهةِ فَيصَلٌ / أبداً وحُكْمٌ في المَقامَةِ فاصل
بطَلٌ إذا ما شاءَ حَلّى رُمْحَهُ / بدَمٍ وقُرِّبَ منْهُ رُمحٌ عاطل
أعطى فأكثرَ واستَقَلَّ هِباتِهِ / فاسْتَحْيَتِ الأنواءُ وهي هوامل
فاسمُ الغمامِ لديه وهو كَنَهْوَرٌ / آلٌ وأسماءُ البحورِ جداول
لولا اتّساعُ مذاهبِ الآفاقِ مَا / وسِعَتْ له فيها لُهىً وفواضل
إن لَجّ هذا الوَدْقُ منه ولم يُفِقْ / عمّا أرى هذا الصَّبيرُ الوابل
فسينقضي طَلَبٌ ويُفقَدُ طالبٌ / وتَقِلُّ آمالٌ ويُعْدَمُ آملُ
شِيَمٌ مَخِيلَتُها السَّماحُ وقَلّما / تَهْمي سحابٌ ما لهنَّ مَخايل
هّبتْ قَبُولاً والرّياحُ رَوَاكِدٌ / وأتَتْ سماءً والغيومُ غَوافل
تَسْمو به العَينُ الطَّموحُ إلى التي / تَفنى الرِّقابُ بها ويَفْنى النائل
نَظَرَتْ إلى الأعداءِ أوّلَ نَظْرَةٍ / فَتَزَايَلَتْ منْهُ طُلىً ومَفاصل
وثَنَتْ إلى الدنيا بأُخرى مثلِها / فتقسَّمَتْ في النّاسِ وهي نَوافل
لم تَخْلُ أرضٌ من نَداهُ ولا خلا / من شكْرِ ما يولي لسانٌ قائل
وطىءَ المحُولَ فلم يُقدِّمْ خطوةً / إلاّ وأكنْافُ البِلادِ خَمائِل
ورأى العُفاةَ فلمْ يَزِدْهُمْ لحظَةً / إلاّ وكِيرانُ المَطِيِّ وذائل
تأتي له خَلفَ الخُطوبِ عزائِمٌ / تُذكَى لها خلفَ الصّباحِ مشاعل
فكأنّهُنّ على العُيونِ غَياهِبٌ / وكأنّهُنّ على النّفوسِ حبائل
المُدركاتُ عدُوَّهُ ولوَ انّهُ / قَمَرُ السّماءِ لَهُ النُّجومُ مَعاقِل
وإذا عُقابُ الجَوِّ هَدْهَدَ رِيشَها / صَعِقَتْ شواهِينٌ لها وأجادل
مَلِكٌ إذا صَدِئَتْ عليهِ دروعُهُ / فلها من الهَيجاء يومٌ صاقل
وإذا الدّماءُ جَرَتْ على أطْواقها / فمن الدِّماءِ لها طَهورٌ غاسل
مُلِئَتْ قلوبُ الإنسِ منه مهابَةً / وأطاعَهُ جِنُّ الصَّريمِ الخابل
فإذا سمِعتَ على البِعادِ زَئِيرَهُ / فاذهَبْ فقد طَرَقَ الهِزَبْرُ الباسل
لو يَدَّعِيهِ غيرُ حيٍّ ناطِقٍ / لَغَدَتْ أسودُ الغَابِ فيه تجادل
تَنْسَى له فُرسانَها قَيسٌ ولمْ / تَظلِمْ وتُعرِضُ عن كُلَيبٍ وائل
هَجَماتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُقابلٌ / وجِهاتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُخاتِل
فانهَض بأعْباءِ الخِلافَةِ كلِّهَا / إنّ المُحَمَّلَهُنَّ عَودٌ بازل
ولقد تكونُ لكَ الأسِنّةُ مَضْجَعاً / حتى كأنّكَ من حِمامِك غافل
تَغْدو على مُهَج الليوثِ مُجاهِراً / حتى كأنّكَ مِنْ بِدارٍ خاتل
تلكَ الخلافَةُ هاشمٌ أربابُهَا / والدِّينُ هاديها وأنتَ الكاهل
هل جاءها بالأمسِ منكَ على النوى / يومٌ كيومكَ للمسامع هائل
وسُرَاكَ لا تَثنيكَ حِدَّةُ مأتَمٍ / رُجُفٌ نَوادِبُهُ وخَبْلٌ خابِل
وقد التَقَتْ بِيدٌ وقطرٌ صائبٌ / ومسالكٌ دُعْجٌ وليلٌ لائل
وجَرَتْ شِعابٌ ما لهُنَّ مَذانِبٌ / وطَمَتْ بحارٌ ما لهنّ سَواحل
تَمْضي ويَتبَعُكَ الغَمامُ بوَبْلِهِ / فكأنّهُ لك حيثُ كنتَ مُساجل
سارٍ كأنّ قتيرَ دِرعِكَ فوقَهُ / كُففَاً وجُودُ يَدَيكَ منه هامل
ووراءَ سيفكَ مُصلَتاً وأمامَهُ / جيشٌ لجيش اللّه فيه منَازل
مُثْعَنْجَرٌ يَبرينُ فيهِ وعالِجٌ / والأخشَبانِ مُتالِعٌ ومُواسِل
فكأنّما الهَضَبَاتُ منه أجارعٌ / وكأنّما البُكراتُ منه أصائِل
وكأنّما هُوَ منْ سَماءٍ خارجٌ / وكأنّما هو في سَماءٍ داخِل
تلتَفُّ خُرْصانُ العَوالي فوقَهُ / فكأنّما الآفاقُ منْهُ خَمائِل
والحِيرَةُ البيضاءُ فيه صَوارِمٌ / والخطُّ من غَسّانَ فيه ذوابل
والأُسْدُ كلُّ الأُسْدِ فيه فَوارِسٌ / والأرضُ كلُّ الأرضِ فيه قَساطل
تُطْفي له شُعَلَ النُّجوم أسِنّةٌ / ويُغَيِّرُ الآفاقَ منه غَياطل
كالمُزْنِ يَدلحُ فالرُّعودُ غَماغِمٌ / في حَجرْتَيْهِ والبُروقُ منَاصل
فدَمٌ كَقَطْرٍ صائبٍ لكِنّ ذا / بجميعِهِ طَلٌّ وهَذا وابل
فيه المذاكي كلُّ أجْرَدَ صِلدِمٍ / يَدمَى نَساً منه ويَشْخُبُ فائل
مِنْ طائِراتٍ ما لهُنّ قَوادِمٌ / أو مُقْرَباتٍ ما لهنّ أياطل
فكأنّما عَشَمَتْ لهنّ مرافِقٌ / وكأنّما زَفَرَتْ لهُنَّ مَراكِل
أللاء لا يَعْرِفْنَ إلاّ غَارَةً / شَعْواءَ فهي إلى الكُماةِ صواهل
اللاحِقاتُ وراءَهَا وأمامَها / فكأنّهُنّ جَنائبٌ وشَمائل
مُقْوَرَّةٌ يكْرَعنَ في حوض الردى / وِرْدَ القَطا في البِيدِ وهي نواهل
فالنَّجْدُ في لَهَواتِها والغورُ وال / فلَقُ المُلَّمعُ والظّلامُ الحائل
والمجدُ يلقى المجْدَ بين فُرُوجِهَا / ذا راحِلٌ مَعَها وهذا قافل
حتى أنَخْتَ على الخِيامِ إناخَةً / فَغَدَتْ أعالِيهِنَّ وهي أسافل
يا رُبَّ وادٍ يومَ ذاكَ تركْتَهُ / وقطينُهُ فيه أتِيٌّ سائلُ
فاجَأتَهُ مَحْلاً وفجَّرْتَ الطُّلى / فجَرَتْ مَحانٍ تحتَه وجداول
ووطِئتَ بينَ كِناسِهِ وعرينِهِ / فأُصيبَ خادِرُهُ ورِيعَ الخاذل
غادَرْتَهُ والموتُ في عَرَصاتِهِ / حَقٌّ وتضْليلُ الأماني باطِل
تَمْكو عليه فرائصٌ وتَرائِبٌ / وتَرِنُّ فيه سواجِعٌ وثواكل
لا النّارُ أذكَتْ حَجْرَتَيْهِ وإنّما / مَزَعَتْ جيادُكَ فيه وهي جوافل
لا رأيَ إلاّ ما رأيتَ صَوابَهُ / في المُشكِلاتِ وكلُّ رأيٍ فائِل
لو كان للغَيْبِ المُستَّرِ مُدرِكٌ / في النّاسِ أدركَهُ اللّبيبُ العاقِل
والحازمُ الدّاهي يُكابِدُ نفْسَهُ / أعداءَهُ فتراهُ وهو مُجامل
ويكادُ يَخفَى عن بَناتِ ضميرِهِ / مكتومُ ما هو مُبتَغٍ ومحاول
إذهَبْ فلا يَعْدمك أبيضُ صارمٌ / تَسْطو به قِدْماً وأسمَرُ ذابل
لا عُرّيَتْ منكَ الليالي إنّهَا / بك حُلِّيَتْ والذّاهباتُ عواطِل
ما العُربُ لولا أنْتَ إلاّ أيْنُقٌ / زُمّتْ لِطِيَّتِها وحَيٌّ راحلُ
ما المُلْكُ دونَ يديكَ إلاّ عُرْوَةٌ / مفصُومَةٌ وعَمودُ سَمْكٍ مائل
فليتركوا أعلى طريقِكَ إنّهُ / لكَ مَسْلَكٌ بين الكواكبِ سابل
قد أُكِرهَ الحافي فمَرّ على الثَّرَى / رَسْفاً وطار على القَتادِ النّاعل
كلُّ الكِرامِ من البَريّةِ قائِلٌ / في المكرماتِ وأنتَ وحدَكَ فاعل
لو أنّ عَدْلكَ للأحِبّةِ لم تَبِتْ / بالعاشقينَ صَبابةٌ وبلابل
فتركْتَ أرضَ الزّابِ لا يأسَى أبٌ / لابنٍ ولا تَبْكي البُعولَ حلائلُ
ولقد شهِدتَ الحرْبَ فيها يافِعاً / إذ لا بنفسِكَ غيرُ نفسكَ صائل
والمُلْكُ يومئِذٍ لواءٌ خاِفقٌ / يَلقَى الرّياحَ وليسَ غيرُكَ حامل
فسَعَيْتَ سَعيَ أبيكَ وهو المُعتَلي / وورِثْتَ سْيفَ أبيكَ وهو القاصل
أيّامَ لم تُضْمَم إليكَ مَضارِبٌ / منه ولم تَقْلُصْ عليك حَمائل
فخضَبْتَهُ إذ لا تَكادُ تَهُزُّهُ / حتى تَنُوءَ بهِ يَدٌ وأنامِل
وافَى بنانَ الكفِّ وهي أصاغِرٌ / فسَطَتْ به الهِمّاتُ وهي جلائل
من كان يَكفُلُ شُعْبَةً من قومهِ / كرَماً فأنْتَ لكُلِّ شَعْبٍ كافل
فإذا حللت فكل واد ممرع / وإذا ظعنت فكل شِعب ماحل
وإذا بَعُدْتَ فكلُّ شيءٍ ناقِصٌ / وإذا قَرُبْتَ فكلُّ شيءٍ كامل
خَلَقَ الإلهُ الأرضَ وهي بلاقعٌ / ومكانُ مَا تَطَأونَ منها آهِل
وبرا الملوكَ فجادَ منهم جعفَرٌ / وبنو أبِيهِ وكلُّ حَيٍّ باخل
لو لم تَطِيبُوا لم يَقِلَّ عَديدُكُم / وكذاكَ أفْرادُ النُّجومِ قلائل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025