القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ زَمرَك الأَندَلُسي الكل
المجموع : 46
أَمدامعٌ منهلَّةٌ أم لؤلؤُ
أَمدامعٌ منهلَّةٌ أم لؤلؤُ / لما استهلَّ العارض المتلألِئُ
زارَ الخيالُ بِأَيْمَنِ الزَّوْرَاءِ
زارَ الخيالُ بِأَيْمَنِ الزَّوْرَاءِ / فَجَلاَ سَناهُ غَياهبَ الظلماءِ
وسَرى مع النَسَماتِ يَسحبُ ذيلَهُ / فأَتَتُ تَنمُّ بعنبر وكباءِ
هذا وما شَيءٌ أَلَذُ من المنَى / إِلاَّ زيارتُهُ مَعَ الإِغفاءِ
بتْنَا خَيالَيْنِ الْتَحَفْنا بالضنى / والسقم ما نخشى من الرقباءِ
حتى أفاقَ الصبحُ من غمراتِهِ / وتجاذبَتُ أَيْدي النسيم ردائي
يا سائلي عن سرِّ من أَحْبَبْتُهُ / السرُّ عندي مَيِّتُ الإِحياءِ
تاللهِ لا أشكُو الصبابة والهوى / لسوى الأَحِبَّةِ إِذْ أموتُ بدائي
يا زَيْنَ قلبي لست أبرح عانياً / أرضى بسقمي في الهوى وعناني
أبكي وما غيرُ النجيعِ مدامعٌ / أُذكي ولا ضرمٌ سوى أحشائي
أَهفُو إِذَا تهفُوا البروقُ وأَنثني / لِسُرى النواسمِ من رُبى تيماءِ
باللهِ يا نفسَ الحمى رفقاً بِمَنْ / أَغْرَيْتِهِ بتنفسِ الصعداءِ
عجباً لهُ يندَى على كبدي وقَدْ / أَذْكى بقلبي جمرةَ البُرَحَاءِ
يا ساكني البطحاءِ أيُّ إِبانةٍ / لي عندكمْ يا ساكني البطحاءِ
أَتُرى النوى يوماً تخيبُ قِداحُها / ويفوزُ قِدحي منكمُ بلقاءِ
في حَيكُمُ قمرٌ فؤادي أُفْقُهُ / تفديهِ نفسي من قريبٍ نائي
لم تُنْسِني الأَيامُ يومَ وداعِهِ / والركبُ قد أوفَى على الزوراءِ
أَبكي وَبْسِمُ والمحاسنُ تُجْتَلَى / فَعَلِقْتُ بينَ تَبَسُّمِ وبُكاءِ
يا نظرةً جاذبتها أيدي النوى / حتى استهلَّتْ أدمعي بدماءِ
من لي بثانيةٍ تنادي بالأسى / قَدْكَ اتئدْ أسرفت في الغلواء
ولرُبَّ ليلٍ بالوصالِ قطعْتُهُ / أجلو دجاهُ بأوجهِ الندمَاءِ
أَنُسَيْتُ فيه القلبَ عادةَ حِلمهِ / وحَثَثْتُ فيهِ أكؤسَ السرَّاءِ
وجَرَيْتُ في طَلَقِ التصابي جامحاً / لا أنثني لمقادة النصحاءِ
أَطوي شبابي للمشيب مراحلاً / برواحلِ الإصباح والإِمساءِ
يا ليت شعري هَلْ أُرَى أطوي إلى / قبر الرسولِ صحائفَ البيداءِ
فتطيبَ في تلك الربوعِ مدائحي / ويطولَ في ذاك المَقَام ثوائي
حيثُ النبوةُ نورها متألقٌ / كالشمس تُزْهَى في سَناً وسَناءِ
حيثُ الرسالةُ في ثنية قدسها / رَفَعَتْ لهدي الخَلْقِ خيرَ لواءِ
حيثُ الضريحُ ضريحُ أكرمِ مرسلٍ / فخر الوجودِ وشافعِ الشفعاءِ
المصطفى والمرتضى والمجتبى / والمنتقى من عنصرِ العلياءِ
خيرِ البريَّةِ مجتباها ذخرها / ظلَّ الإِلهِ الوارف الأفياء
تاج الرسالة خَتمِها وقِوامِها / وعِمادِها السامي على النظراءِ
لواهُ للأفلاكِ ما لاحت بها / شهبٌ تنيرُ دياجيَ الظلماءِ
ذو المعجزاتِ الغُرِّ والآي الألى / أُكْبِرْنَ عن عَدٌ وعن إحصاءِ
وكفاكَ ردُّ الشمسِ بعد مغيبها / وكفاكَ ما قدْ جاءَ في الإِسراءِ
والبدرُ شُقَّ لَهُ وكم من آيةٍ / كأَناملِ جاءتْ بنبع الماءِ
وبليلةِ الميلاد كم من رحمةٍ / نشرَ الإِلَهُ بها ومن نعماءِ
قد بشَّرَ الرسُلُ الكرامُ ببعثِهِ / وتقدَّمَ الكُهَّانُ بالأَنباءِ
أَكرمْ بها بشرى على قدم سَرَتْ / في الكون كالأَرْواحِ في الأَعضاءِ
أمسى بها الإِسلامُ يشرقُ نورُهُ / والكفرُ أصبحَ فاحمَ الأرجاءِ
هو آيةُ اللهِ التي أنوارُها / تجلو ظلامَ الشكِّ أيَّ جلاءِ
والشمسُ لا تخفى مَزِيَّةُ فضلِها / إلاَّ على ذي المقلةِ العمياءِ
يا مُصطفى والكونُ لم تعلَقُ بِهِ / من بعدُ أيدي الخَلْقِ والإنشاءِ
يا مُظْهِر الحقِّ الجليِّ ومُطْلِعَ ال / نّورِ السَّنِيِّ الساطعِ الأَضواءِ
يا ملجأَ الخلق المشفَّعِ فيهمُ / يا رحمةَ الأمواتِ والأحياءِ
يا آسيَ المرضى ومنتجَعَ الرضى / ومُاسيَ الأيتامِ والضُعَفاءِ
أشكو إليكَ وأنت خيرُ مُؤمَّلِ / داءَ الذنوبِ وفي يديكَ دوائي
إني مددتُ يَدِي إليكَ تَضَرُّعاً / حاشا وكلاَّ أن يخيبَ رجائي
إن كنت لم أخلص إليك فإِنَّما / خلصت إليك محبتي وندائي
وبسعدِ مولايَ الإمام محمدٍ / تَعِدُ الأماني أَنْ يتاحَ لقائي
ظلُّ الإِلهِ على البلادَ وأهلِها / فخرُ الملوكِ السادة الخلفاء
غوثُ العبادِ ولَيْثُ مشتجرِ القَنَا / يومَ الطعانِ وفارجُ الغماءِ
كالدهر في سطواته وسماحه / تجري صَباه بزَعزعِ وَرُخاءِ
رقت سجاياه وراقت مجتلى / كالنهر وسط الروضةَ الغنّاءِ
كالزَّهر في إيراقهِ والبدر في / إشراقه والزُّهر في لألاءِ
يا ابن الألى إجمالهم وجمالهم / فَلَقُ الصباح وواكف الأنواءِ
أنصارُ دين الله حزبُ رسوله / والسابقون بحلبة العلياءِ
يا ابن الخلائف من بني نصر ومَنْ / حاطوا ذمَار الملة السمحاءِ
من كل من تقف الملوك ببابه / يستمطرون سحائب النعماءِ
قومٌ إذا قادوا الجيوش إلى الوغى / فالرعب رائدهم إلى الأعداءِ
والعز مجلوب بكلِّ كتيبةٍ / والنصر معقود بكلِّ لواءِ
يا وارثاً عنها مناقبها التي / تسمو مراقيها على الجوزاءِ
يا فخر أندلسٍ وعصمةَ أهلها / يجزيك عنها اللهُ خيرَ جزاءِ
كم خضت طوع صلاحها من مهمةٍ / لا تهتدي فيه القطا للماءِ
تهدي بها حادي السُّري بعزائم / تهدي نجومَ الأفق فضلَ ضياءِ
فارفع لواء الفخْر غير مُدافع / واسحَبْ ذيولَ العّزةِ القعساءِ
واهْنَأ بمبناك السعيد فإنه / كهفٌ ليوم مشورةِ وعَطاءِ
للهِ منه هالةٌ قد أصبحت / حَرَمَ العفاةِ ومصرع الأعداءِ
تنتابُها طيرُ الرجاء فتجتني / ثمرَ المنى من دوحة الآلاءِ
للهِ منه قبةٌ مرفوعة / دون السماء تفوت لحظ الرائي
راقت بدائعُ وشيها فكأنها / وشيُ الربيع بمسقط الأنداءِ
عظّمتَ ميلادَ النبيِّ محمدٍ / وشَفعتَهُ بالليلةِ الغرَّاءِ
أحييتَ ليلك ساهراً فأفدتنا / قوتَ القلوب بذلك الإِحيَاءِ
يا أَيُّها الملكُ الهُمام المجتبى / فاتت علاك مداركَ العُقَلاءِ
من لي بأن أُحصي مناقبك التي / ضاقت بهنْ مذاهبُ الفصحاءِ
وإليك مني روضةٌ مطلولةٌ / أَرِجَتْ أزاهرها بطيب ثَناءِ
فافْسَحْ لها أكْنافَ صفحك إنها / بكرٌ أتت تمشي على استحياءِ
يا من تمدُّ له الملوكُ أكفّها
يا من تمدُّ له الملوكُ أكفّها / تدعوْ الإِله له بطول بقاءِ
أضحى وليُّ العهد نجلُك صائداً / شأن الملوك العِليةِ العظمَاءِ
ورمى البزاةَ على القناة يصيده / صيد الخليفة شارِدَ الأعداءِ
من كل خافقة الجناح إذا مشت / تبدي اختيال الغادةِ العذراءِ
أهدت لنا سَبَجَ العيون وطوَّقت / أرجاءها بعقيقةٍ حمراءِ
واستاقت الياقوتَ في منقارها / ومشت على المرجان في استحياءِ
ووشت يد الأقدار في أعطافها / وشياً زَرَى بالحلّة السّيَراءِ
ملك الطيور أتى إلى ملك الورى / فاستاقَها لمؤمَّل الخلفاءِ
وقضى سماحك أن تجود ببعضها / للعبد تُعليه على الجوزاءِ
للهِ هل شرف يضاهي ذا الذي / أوليته من منةِ غَرَّاءِ
هَيْهاتَ أينَ جزاؤها من شكره / يجزيك عنا الله خير جزاءِ
أَوَلَسْتَ قد أوليتَ كلَّ خليفة / شرقاً وغرْباً أصوب الآراءِ
فلصاحب الصفراء فخر خالد / يَحظَى به من صاحب الحمراء
بيضاً وسمراً قد شرعتَ لنصره / وأعنت بالبيضاءِ والصَّفراءِ
لا زلتَ شمس خلافة أبناؤه / مثل البدور بمرقب العلياءِ
يا أيها المولى الذي أيامه
يا أيها المولى الذي أيامه / تهمي بسحب الجود من آلائِهِ
أَبْشِرْ لجيشك بالسعادة كلّها / يَغزو ونصر الله تحت لوائهِ
كتب الإله على العباد محبةً
كتب الإله على العباد محبةً / لك كان فرض كتابها موقوتا
وأنا الذي شرفته من بينهم / حتى جعلت له المحبَّةَ قوتا
ما زلت تُتحفُهُ بكلِّ ذخيرة / حتى لقد أَتحفته الياقوتا
وإلى الملوك قد اعتزى من عزةِ / فغدا له ياقوتها ممقوتا
طالعتُه دون الصباح صباحاً
طالعتُه دون الصباح صباحاً / لما جَلَتْ غُرَرَ البيان صِبَاحَا
ولقد رأيتُ وما رأيت كحسنها / وجهاً أغرَّ ومبسماً وضَّاحا
عذراء أَرضعها البيان لبانَهُ / وأطال مَغدىً عندها ومَرَاحَا
فأتت كما شاءت وشاء نجيبها / تُذكي الحجى وتُنعِّم الأرواحَا
لا بَلْ كمثلِ الروضِ باكره الحَيَا / وسقى به زهر الكمام فَفَاحَا
وطوت بساط الشوق مني بعدما / نَشَرَتُ عليَّ من القبول جَناحَا
إن الإمام محمدا
إن الإمام محمدا / أهدى الخليفة أحمَدَا
للباسِهِ ثوباً وقد / لَبِس المحامد وارتدى
وعمامة التقوى التي / من فوقها شَمسُ الهدى
يا حسنها إذ أرسلت / من كفّه غيْث الندى
وكأنَّ وشْيَ رُقومها / بالبرق طُرُزَ عَسْجَدَا
وبطرزه لونٌ السما / ء ووجهه قمر بدا
لله منه نَيِّرٌ / حَلَّ المنازل أَسعَدا
مستنصر أعلى له / فوق المنازل أسعُدا
ما للعوالم جُمّعت في قبة
ما للعوالم جُمّعت في قبة / قد شادها كرم الإمام محمد
في صفح صرح بالزجاج مموْهِ / وبجود مولاي الإمام ممهْدِ
ما إن رأيت ولا سمعت بطائرٍ / عن ثوب موشيِّ الرياش مجرَدِ
إن لم تكن تلك الطيور تغرَدْت / فلشكر هذا العيد سجع مُغرَّدِ
صُفَّتْ عليه للفواكه كُلُّ ما / قد عاهدته بدوحها المتعوّدِ
لو أبصرتُ صنهاجةٌ أوضاعَه / دانت له أملاكُها بتعبُّدِ
عوَّذتَني الصنع الجميلَ تَفَضّلاً / لا زلتَ خير مُعَوَّدٍ ومُعَوِّدِ
وبسورة الأنعام كم من آيةٍ / فيها لقارِ بالنَوال مُجَوّدِ
أَكتيبة الكتاب أُيَّدَ جمعُكم
أَكتيبة الكتاب أُيَّدَ جمعُكم / بعناية المولى الخليفة أحمد
لا تمطلوا دَيْن الغريب فإنني / منكم وإن رَغِمَتْ لذل حُسَّدَي
زيَّنتُمُ حل البيان بسحركم / أَلِيوْمِ زينة سحركم من موعدِ
فلْتَسْمحوا لي بالقصائد عاجلاً / ولتَبلغوا مما أؤمَل مقصدي
ما عذركم أنْ لم تجودوا بعدما
ما عذركم أنْ لم تجودوا بعدما / مُلْكتُمُ كَفَّ الخليفة أحمدِ
فلْتَبْعثوا لي كلَّ بكرٍ فذّةِ / تأتي بفخر حلالها وسْطَ النَّدي
واليتَ ما أوْليتَ يا بحر الندى
واليتَ ما أوْليتَ يا بحر الندى / ووحقّ جودك ما رأيت كهذِهِ
فإذا يهز لها اللسان حُسامَه / فصفاتُ فخرك قد قضت بنفاذِهِ
علّمتَ فرسان الكلام نظامَها / كتعلم التلميذ من أستاذِهِ
والبحر تمتار السحائب ماءه / فتجوده من غيثها برذاذِهِ
هبّ النسيم على الرياض مع السَحَرْ
هبّ النسيم على الرياض مع السَحَرْ / فاستيقظت في الدوح أجفان الزَهَرْ
ورمى القضيب دراهماً من نوْرِهِ / فاعتاض من طل الغمام بها دُرَرْ
نشر الأزاهر بعدما نظم الندى / يا حسن ما نظم النسيم وما نَثَرْ
قُمْ هاتها والجو أزهرُ باسمٌ / شمساً تحلُ من الزجاجة في قَمَرْ
إن شجها بالماء كفُّ مديرها / ترمي من شُهب الحباب بها شَرَرْ
ناريةً نوريةً من ضوئها / يقدح السراج لنا إذا الليل اعتكرْ
لم يُبقِ منها الدهرُ إلا صبغة / قد أرعشت في الكأس من ضعف الكِبَرْ
من عهد كسرى لم يُفضَّ ختامُها / إذ كان يدخر كنزها في ما دَخَرْ
كانت مذاب التُبْر فيما قد مضى / فأحالها ذوبَ اللجين لمن نظرْ
جدّدْ بها عرس الصبوح فإنها / بكر تحييها الكرام مع البُكرُ
وابلُلّ بها رمق الأصيل عشيةً / والشمس من وعد الغروب على خطَرْ
محمرة مصفرة قد أظهرتْ / خجلَ المريب يشوبه وَجَلُ الحَذِرْ
في كف شفَاف تجسّد نوره / من جوهرِ لألاءُ بهجته بَهَرْ
تهوى البدور كماله وتودُّ أن / لو أوتيت منه المحاسن والغررْ
قد خَطّ نونَ عذاره في خده / قلمان من آس هناك ومن شعر
وإلى عليك بها الكؤوس وربما / يسقيك من كأس الفتور إذا فَتَرْ
سُكْرُ النّدامى من يديه ولحظه / متعاقب مهما سقى وإذا نظَرْ
حيث الهديلُ مع الهدير تناغيا / فالطير تنشد في الغصون بلا وترْ
والقضبُ مالتْ للعناق كأنها / وفد الأحبة قادمين من السَفَرْ
متلاعبات في الحلي ينوب في / وجناتهنَّ الوردُ حسناً عن خَفَرْ
والنرجس المطلول يرنو نحوها / بلواحظ دمعُ الندى منها انهمَرْ
والنهر مصقول الحُسام متى تَرِدْ / درعُ الغدير مصفقاً فيها صَدَرْ
يجري على الحصباء وهي جواهرٌ / متكسِّراً من فوقها مهما عَثَرْ
هل هذه أم روضة البشرى التي / فيها لأرباب البصائر مُعتَبَرْ
لم أدرِ من شغفٍ بها وبهذه / من منهما فَتَن القلوب ومن كَسَرْ
جاءت بها الأجفان مِلْءَ ضلوعها / مِلْءَ الخواطر والمسامع والبصَرْ
ومسافرٍ في البحر مِلْء عنانه / وافى مع الفتح المبين على قَدَرْ
قادته نحوَك بالخِطام كأنه / جَمَلٌ يساقُ إلى القياد وقد نفَرْ
وأراه دينُ الله عزّةَ أهله / بك يا أعفَّ القادرين إذا قدرْ
يا فخر أندلس وعصمة أهلها / للناس سرُّ في اختصاصك قد ظهرْ
كم معضل من دائها عالجتَه / فشفيتَ منه بالبدار وبالبدِرْ
ماذا عسى يصف البليغ خليفة / واللهِ ما أيامه إِلاَّ غرَرْ
وُرَّثتَ هذا الفخرَ يا ملك الهدى / من كلِّ من آوى النَّبِيَّ ومن نَصَرْ
من شاء يعرفُ فخرهم وكمالهم / فليتلُ وحي الله فيهم والسَّيَرْ
أبناؤهم أبناء نصر بعدهم / بسيوفهم دين الإله قد انتصرْ
مولاي سعدُك والصباح تشابها / وكلاهما في الخافقين قد اشتهرْ
هذا وزير الغرب عبد آبق / لم يُلفِ غيرَك في الشدائد من وَزَرْ
كفر الذي أوليته من نعمة / واللهُ قد حتم العذابَ لمن كفرْ
إن لم يمت بالسيف مات بغيظه / وصَلّى سعيراً للتأسّف والفِكرْ
ركب الفِرارَ مطيَةً ينجو بها / فجرتْ به حتى استقر على سَقَرْ
وكذا أبوه وكان منه حِمامُهُ / قد حُمَّ وهُوَ من الحياة على غَرَرْ
بلّغتَهُ واللهُ أكبرُ شاهدٍ / ما شاء من وطن يعزّ ومن وَطرْ
حتى إذا جحد الذي أَوْلَيْته / لم تُبق منه الحادثات ولم تذَرْ
في حاله واللهِ أعظم عِبرةٍ / لله عَبدٌ في القضاء قد اعتبرْ
فاصبرْ تنلْ أمثالها في مثله / إن العواقب في الأمور لمن صبَرْ
رِدْ حيث شئت مسوَغاً وِرد المنى / فالله حسبك في الورود وفي الصَّدَرْ
لا زلتَ محروساً بعين كلاءةٍ / ما دام عين الشمس تعشي من نَظَرْ
والعودُ في كف النديم بسر ما
والعودُ في كف النديم بسر ما / تُلقي لنا منه الأنامل قد جَهَرْ
غنَى عليه الطير وهو بدوحه / والآن غنَّى فوقه ظبي أغَرْ
عود ثوى حجر القضيب رعى له / أيام كانا في الرياض مع الشَّجَرْ
لا سيما لما رأى من ثغرهِ / زهراً وأين الزهر من تلك الدُرَرْ
ويظن أن عذاره من آسه / ونظن تفاح الخدود من الثمَرْ
يسبي القلوب بلفظه وبلحظه / وَافِتْنَتي بين التكلم والنظرْ
قد قيّدته لأُنسنا أوتاره / كالظبي قُيِّد في الكناس إذا نَفَرْ
لم يُبلَ قلبي قبلَ سمع غنائه / بمعذَّر سلب العقول وما اعتذرْ
جَسَّ القلوب بجَسّه أوتارَهُ / حتى كأن قلوبنا بَيْن الوتَرْ
نمّت لنا ألحانه بجميع ما / قد أودعت فيه القلوب من الفكرْ
يا صامتا والعود تحت بنانه / يُغنيك نطق الخُبر فيه عن الخَبَرْ
أغنى غناؤك عن مدامك يا ترى / هل من لحاظك أم بنانك ذا السَّكَرْ
باحت أناملك اللدان بكل ما / كان المتيم في هواه قد سَتَرْ
ومقاتلٍ ما سَلَّ غير لحاظه / والرمحَ هزّ من القوام إذا خطرْ
دانَتْ له منا القلوب بطاعة / والسيف يملك ربه مهما قَهَرْ
نفسي الفداء لشادن مهما خطرْ
نفسي الفداء لشادن مهما خطرْ / فالقلب من سهم الجفون على خطرْ
فضح الغزالة والأقاحة والقنا / مهما تثنَى أو تبسّم أو نظرْ
عجباً لليل ذوائبِ من شعرهِ / والوجه يُسفر عنْ صباح قد سفرْ
عجباً بعِقدِ الثغر منه منظماً / والعِقد من دمعي عليه قد انتثرْ
ما رمتُ أن أجني الأَقاحَ بثغره / إلاّ وقد سلَّ السيوف من الحورْ
لم أنسَهُ ليلَ ارتقاب هلاله / والقلب من شك الظهور على غَررْ
بتنا نراقبه بأول ليلةٍ / فإِذا به قد لاح في نصف الشهرْ
طالعته في روضة كخلاله / والطيب من هذي وتلك قد اشتهرْ
وكلاهما يُبدي محاسن جمة / مِلْءَ التنسّم والمسامع والبصرْ
والكأسُ تطلع شمسها في خدِّهِ / فتكادُ تُعشي بالأشعة والنظرْ
نورية كجبينة وكلاهما / يجلو ظلامَ الليل بالوجه الأغرْ
هي نسخة للشيخ فيها نسبة / ما إن يزالا يرعشان من الكبرْ
أفرغتَ في جسم الزجاجة روحها / فرأيتُ روح الأنس فيها قد بهرْ
لا تسقِ غير الروض فضلة كأسها / فالغصن في ذيل الأزاهر قد عثرْ
ما هبَ خفاق النسيم مع السحرْ / إلا وقد شاق النفوس وقد سحرْ
ناجى القولبَ الخافقات كمثله / ووشى بما تخفي الكِمام مع الزهرْ
وروى عبد الضحاك عن زَهر الربُّى / ما أسند الزهري عنه عن مطرْ
وتحملت عنه حديث صحيحه / رُسُلُ النسيم وصدّق الخُبُرُ الخَبَرْ
يا قصر شنّيل وربعك آهلٌ / والروض منك على الجمال قد اقتصرْ
لله بحرك والصِّبا قد سرَّدْتْ / منه دروعاً تحت أعلام الشجرْ
والآس حفَّ غداره من حوله / عن كلِّ من يهوى العِذارَ قد اعتذرْ
قَبِّلْ بثغر الزهر كفَّ خليفة / يُغنيك صوبُ الجود منه عن المطرْ
وافرشْ خدود الورد تحت نعاله / واجعل بها لون المضاعف عبد خفرْ
وانظمْ غناء الطير فيه مدائحاً / وانثر من الزهر الدراهم والدررْ
المنتقى من جوهر الشرف الذي / في مدحه قد أنزلت آيُ السورْ
والمجتبى من عنصر النور الذي / في مطلع الهَدي المقدس قد ظهرْ
ذو سطوة مهما كفى ذو رحمة / مهما عفا ذو عفة مهما قدرْ
كم سائل للدهر أقسمَ قائلاً / والله ما أيامُهُ إلا غُرَرْ
مولايَ سعدك كالمهنّد في الوغى / لم يُبق من رسم الضلال ولم يَذَرْ
مولاي وجهُك والصباحُ تشابها / وكلاهما في الخافقين قد اشتهرْ
إن الملوك كواكبٌ أخفيتها / وطلعت وَحْدَك في مظاهرها قمرْ
في كل يوم من زمانك موسمٌ / في طَيّهِ للخلق أعيادٌ كُبَرْ
فاستقبل الأيام يندَى روضها / ويرف والنصر العزيز له ثمرْ
قد ذهَبتْ منها العشايا ضعف ما / قد فضَّضَتْ منها المحاسن في السحرْ
يا ابن الذين إذا تُعَدُّ خلالهم / نفِدَ الحسابُ وأعجزت منها القدرْ
إن أوردوا هِيمَ السيوف غدائراً / مصقولةٌ فلطالما حَمِدُوا الصِّدَرْ
سائلْ ببدرٍ عنهمُ بدرَ الهدى / فبهم على حزب الضلال قد انتصرْ
واسألْ مواقفهم بكل مشهّر / واقرَ المغازي في الصحيح وفي السِّيَرْ
تجد الثناء ببأسهم وبجودهم / في مصحف الوحي المنزل مُستطرْ
فبمثل هديك فلتُنِزْ شمس الضحى / وبمثل قومِكَ فليفاخر من فَخَرْ
ماذا أقول وكل وصف معجزٌ / والقول فيك مع الإطالة مختصرْ
تلك المناقب كالثواقب في العلا / من رامها بالحصْرِ أدركه الحَصَرْ
إن غاب عبدُك عن حماك فإنه / بالقلب في تلك المشاهد قد حضرْ
فاذْكُرْهُ إن الذكرَ منك سعادةٌ / وبها على كل النام قد افتخرْ
ورضاك عنه غايةٌ ما بعدها / إلا رضى الله الذي ابتدع البشرْ
فاشكر صنيع الله فيك فإنه / سبحانه ضمن المزيد لمن شكرْ
وعليك من رَوْح الإله تحيةٌ / تهفو إليك مع الأصائل والبُكَرْ
مولايَ يا ابن السابقين إلى العلا
مولايَ يا ابن السابقين إلى العلا / والرافعين لواءها المنشورا
إن لوحظوا في المعلُوَات فإنهم / طلعوا بآفاق العلاء بدورا
أو فوخروا في المكرمات فإِنّهم / نظموا بأسلاك الفخار شذورا
أبناء أنصار النّبِيّ وصحبه / في الذكر أصبح فخرهم مذكورا
والمؤثرين وربُّنا أُنى بها / في الحشر خلَّد وصفهم مسطورا
فاضتْ علينا من نداك غمائمٌ / وتفجرت من راحتيك بحورا
من كفّ شفاف الضياء تخاله / لصفاء جوهرهِ تجسَّدَ نورا
نِعمّ منوّعة تعدد وفْرها / أعجزت عنها شكريَ الموفورا
في موسمٍ للدين قد جدَّدته / وأقمتَ فينا عيده المشهورا
أضعافَ ما أهديتنا من منّةٍ / تُهدِي إليكَ ثوابَها عاشورا
وعلى الطريق بشائرٌ محمودة / ألقاك جذلاناً بها مسرورا
يا أيها المولى الذي بركاتُه
يا أيها المولى الذي بركاتُه / رفعت لواءً للنّدى منشورا
لك راحة تزجي الغمام بأنمل / فَجْرْتَ منها بالنوال بحورا
واليوم موسم قُربةٍ وعبادة / وغداً ظفرت بأجره عاشورا
راعيتَ فيها سنَةً نبوِيّةً / تَروي الثّقاتُ حديثه المشهورا
لا زلتَ عامُك كلُّه في غبطةٍ / لُقِّيتَ منها نَضْرَةً وسرورا
لولا تألق بارق التذكارِ
لولا تألق بارق التذكارِ / ما صابَ واكفُ دمعيَ المدرارِ
لكنه مهما تعرض خافقاً / قَدحَتْ يدُ الأشواق زند أواري
وعلى المشوق إذا تذكر معهداً / أن يُغْريَ الأجفانَ باستعبارِ
أمذكّري غرناطةً حلّت بها / أيدي السحابِ أَزرةَ النُوَّارَ
كيف التخلص للحديث وبيننا / عرض الفلاة وطافح الزخَارِ
هذا على أن التغربَ مركبي / وتولُّجَ الفيحِ الفساحِ شعاري
فلكم أقمت غداةَ زُمَّتْ عيسُهم / أبغي القرار ولات حين قرارِ
وطفقت أستقري المنازلَ بعدهم / يمحو البكاءُ مواقع الأثارِ
إنَّا بني الآمال تخدعنا المنى / فنخادع الآمال بالتسيار
نَتَجَشْم الأهوال في طلب العلا / ونروع سربَ النوم بالأفكارِ
لا يحرز المجدَ الخطير سوى امرئ / يمطي العزائم صهوةَ الأخطار
إمّا يفاخرْ بالعتاد ففخْرُه / بالمشرفية والقنا الخطّارِ
مستبصر مَرمى العواقب واصلٌ / في حمله الإيرادَ بالإصدارِ
فأشدُّ ما قد الجهول إلى الردى / عَمَهُ البصائر لا عمى الأبصارِ
ولربَ مُرْبَدِّ الجوانح مزبدٍ / سبح الهلالُ بلُجّهِ الزخّار
فُتقت كمائم جنحه عن أنجم / سفرت زواهرُهنَّ عن أزهارِ
مثلت على شاطي المجرة نرجساً / تصطفُّ منه على خليجِ جاري
وكأنما خمسُ الثريا راحَةٌ / ذرعَتْ مسير الليل بالأَشبارِ
أسرجْتُ من عزمي مصابيحاً بها / تهدي السراة لها من الأقطارِ
واتارع من بازي الصباح غرابُهُ / لما أطلّ فطار كلَّ مَطارِ
وغريبةٍ قطعت إليك على الونى
وغريبةٍ قطعت إليك على الونى / بيداً تبيدُ بها همومُ الساري
تُنسيه طِيَّتَه التي قد أمَّها / والركب فيها ميّت الأخبارِ
يقتادها من كل مشتمل الدجى / وكأنما عيناه جذوة نارِ
تشدو بحمد المستعين جداتُها / يتعلّلون به على الأكوارِ
إن مسَّهم لفح الهجير أبلّهم / منه نسيم ثنائك المعطارِ
خاضوا به لجج الفلا فتخلصت / منها خلوصَ البدر بعد سرارِ
سلمت بسعدك من غوائل مثلها / وكفى بسعدك حامياً لذمارِ
وأتتك يا ملك الزمان غريبةٌ / قيد النواظر نزهة الأبصارِ
موشيّة الأعطاف رائقة الحلى / رقمت بدائعها يدُ الأقدارِ
راق العيونَ أديمها فكأنه / روضٌ تفتح عن شقيق بهارِ
ما بين مبيضٍّ وأصفرَ فاقع / سال اللّجين به خلال نُضارِ
يحكي حدائق نرجس في شاهق / تنساب فيه أراقم الأنهارِ
تحدو قوائمَ كالجذوع وفوقها / جبلٌ أشمُّ بنوره متوارِ
وسمت بجيدٍ مثل جذع مائل / سهل التعطف ليّن خوّارِ
تستشرف الجدران منه ترائباً / فكأنّما هو قائم بمنارِ
تاهت بكلكلها وأتلع جيدُها / ومشى بها الإعجابُ مشيَ وقارِ
خرجوا لها الجمَّ الغفيرَ وكلُّهم / متعجَب من لطف صنع الباري
كلٌّ يقول لصحبه قوموا انظروا / كيف الجبال تقاد بالاسيار
ألقت ببابك رحلها ولطالما / ألقى الغريب به عصا التسيار
عَلِمَتُ ملوك الأرض أنك فخرها / فتسابقت لرضاك في مضمارِ
يتبؤأون به وإِنْ بعد المدى / من جاهك الأعلى أعزَّ جوارِ
فارفع لواء الفخر غير مُدافعٍ / واسحب ذيولَ العسكرِ الجرارِ
واهنأ بأعياد الفتوح مخوَّلاً / ما شِئت من نصر ومن أنصارِ
وإليكها من روض فكري نفحةً / شفَّ الثناء بها على الأزهارِ
من فصل منطقها ورائق رسمها / مستمتعُ الأسماع والأبصارِ
وتُميل من أصغى لها فكأنني / عاطيتُه منها كؤوس عُقارِ
حيَّاكِ يا دار الهوى من دارِ
حيَّاكِ يا دار الهوى من دارِ / نوءُ السَّماك بديمةٍ مدرارِ
وأعاد وجهَ رُباك طلقاً مشرقاً / متضاحكاً بمباسم النوّارِ
أَمذكُري دارَ الصبابة والهوى / حيث الشبابُ يرفُّ غصن نُضارِ
عاطيتني عنها الحديث كأنما / عاطيتني عنها كؤوسَ عُقارِ
إيهٍ وإن أذكيت نار صبابتي / وقدحتَ زندَ الشوق بالتذكارِ
يا زاجر الأظعان وهي مشوقة / أشبهتها في زفرة وأوارِ
حنَّتْ إلى نجد وليست دارَها / وصَبتْ إلى هنديّهِ والغارِ
لكنَّها شامَتْ به برق الحمى / واعتادها طيف الكرى بمزارِ
هل تُبلغُ الحاجاتِ إن حُمُلتها / إنّ الوفاء سجيةُ الأحرارِ
عرّضْ بذكري في الخيام وقلْ إذا / جئت العقيق مُبَلِّغ الأوطارِ
عارٌ بقومكِ يا ابنةَ الحيَّيْنِ أن / تلوي الديون وأنت ذات يسارِ
أمتعت ميسورَ الكلام أخا الهوى / وبخلت حتى بالخيال الساري
وأبان جاري الدمع عذرَ هيامه / لكن أضعتِ له حقوق الجارِ
هذا وقومُكِ ما علِمتُ خلالهم / أوفى الكرام بذمةِ وجوارِ
الله في نفس شُعاعٍ كلّما / هبّ النسيم تطير كل مطارِ
باللهِ يا لمياءُ ما منع الصَّبا / أَلاَّ تهبَّ بعَرفِكِ المعطارِ
يا بنتَ من تشدو الحداةُ بذكره / مُتَعَلِّلين به على الأكوارِ
ما ضر نسمة حاجر لو أنها / أهدتْ لنا خبراً من الأخبارِ
هل بانُه من بعدنا متأوّدٌ / متجاوبٌ مترنم الأطيارِ
وهل الظباء الآنسات كعهدنا / يصرعن أسْدَ الغاب وهْيَ ضوارِ
يفتكن من قاماتها ولحاظها / بالمشرفية والقنا الخطَّارِ
أشعرتُ قلبي ُبَّهُنَّ صبابةٌ / فَرَمَيْنَني من لوعتي بجمارِ
وعلى الكثيب سوانحٌ حمرُ الحلى / بيض الوجوهِ يُصَدْن بالأفكارِ
أَدْنَى الحجيجُ مزارهنَّ ثلاثةٌ / بمِنّى لَوَاَنَّ مِنىَ ديارُ قرارِ
لكنّ يوم النفر جُدنّ لنا بما / عوَّدْنَنا من جفوة ونِفارِ
يا ابن الأُلى قد أَحرزوا فضل العلا / وسَمَوْا بطيب أرومةِ ونِجارِ
وتنوب عن صوب الغمام أكفُّهم / وتنوب أوجُههم عن الأقْمارِ
من آل سعدٍ رافعي علم الهدى / والمصطَفَيْنَ لنصرة المختارِ
أصبحتَ وارثَ مجدهم وفخارهم / ومشرَفَ الأعصار والأمصارِ
وجهٌ كما حَسَر الصباحُ نِقابَهُ / ويدُ تمدُّ أناملاً ببحارِ
جدّدت دون الدين عزمة أروعٍ / جدّدت منها سُنَّة الأنصارِ
حُطْتَ البلاد ومن حوته ثغورُها / وكفى بسعدك حامياً لذمارِ
للهِ رحلتك التي نلنا بها / أجرَ الجهاد ونزهة الأبصارِ
أوردتنا فيها لجودك مورداً / مستعذبَ الإيراد والإِصدارِ
وأفضت فينا من نداك مواهباً / حسُنت مواقعُها على التكرارِ
أضحكت ثغر الثغر لما جئته / وخَصَصْتَهُ بخصائص الإيثارِ
حتى الفلاةُ تقيمُ يوم وردتها / سُنَنَ القِرى بثلاثةِ الأثوارِ
وسَرَتْ عُقاب الجو تهديك الّذي / تصطاد من وحش ومن أطيارِ
والأرض تعلمُ أنك الغوث الذي / تُضفي عليها واقيَ الأستارِ
وَلَرُبَّ ممتدِّ الأباطح موحش / عالي الربى متباعد الأقطارِ
هَمَلِ المسَارح لا يُراعُ قنيصُهُ / إلا لنَبْأةِ فارسٍ مغوارِ
سَرَحَتْ عنان الريح فهي وربما / أَلْقَتْ بساحته عصا التّسيارِ
باكرته والأفق قد خلع الدجى / مِسْحاً لِيلبَسَ حُلَّةَ الإِسفارِ
وجرى به نهر النهار كمثل ما / سكب النديم سُلافةً من قارِ
عَرَضَتْ به المستنفرات كأنَّها / خيلٌ عِرابٌ جُلْنَ في مضمارِ
أتبعتها غُرَرَ الجياد كواكباً / تنقضُّ رجماً في سماء غُبارِ
والهاديات يؤمُّها عبلُ الشَّوى / متدفّقٌ كتدفّق التيَّارِ
أَزْجَيْتَها شقراءَ رائقةَ الحلى / فرمَيْتَهُ منها بشعلةِ نارِ
أثبتْ فيه الرمح ثُمَّ تركته / خَضِبَ الجوانح بالدَّمِ الموَّارِ
حامت عليه الذابلات كأنَّها / طيرٌ أوَتْ منه إلى أوكارِ
طفقت أرانِبُهُ غداة أثرتها / تبغي الفرار ولات حين فرارِ
هل ينفع الباعُ الطويل وقد غدتْ / يوم الطراد قصيرةَ الأَعْمارِ
من كل منحفزٍ بملحمة بارق / فاتتْ خطاه مدارك الأبصارِ
وجوارح سبقتْ إليه طلابها / فكأنّما طالَبْنَهُ بالثّارِ
سودٌ وبيضٌ في الطراد تتابعت / كالليل طارده بياضُ نهارِ
ترمي بها وهي الحنايا ضمّراً / مثل السهام نُزعن عن أوتارِ
ظننتُ بأن تنجو بها كلاَّ ولو / أغريتَه بأرانب الأقمارِ
وبكل فتخاء الجناح إذا ارتمت / فكأنها نجم السماء الساري
زجِلُ الجناح مصفق كمن الردى / في مخلب منه وفي منقارِ
أجلى الطريد من الوحوش وإن رمى / طيراً أتاك به على مقدارِ
وأريتنا الكسب الذي أعداؤه / ملأت جمالاً أعين النظارِ
بيضٌ وصفرٌ خِلتُ مطرح سرحها / روضاً تفتّح عن شقيق بهارِ
من كل موشيّ الأديم مفوْفٍ / رقمت بدائعه يد الأقدارِ
خُلِطَ البياضُ بصفرة في لونه / فترى اللجين يشوب ذوب نُضارِ
أوْ أشْعلِ راق العيونَ كأنه / غَلَسً يخالط سُدفةً بنهارِ
سَرَحَتْ بمخضرْ الجوانب يانعٍ / تنسابُ فيه أراقم الأنهارِ
قد أرضعته الساريات لبانها / وحَلَلْنَ فيه أَزِرْةَ النُّوّارِ
أخذت سعودك حذرها فلحكمةِ / أَغْرَتْ جفون المزن باستعبارِ
لما أرتك الشمس صفرة حاسدٍ / لجبينك المتألق الأنوارِ
نفثت عليك السُّحُبُ نفث معوّذٍ / من عينها المتوقَّع الإضرارِ
فارفعْ لواء الفخر غيْرَ مدافعٍ / واسحب ذيول العسكر الجرارِ
واهنأ بمقدمك السعيد مُخَوَّلاً / ما شئت من عز ومن أنصارِ
قد جئتُ دارك محسناً ومؤملاً / مُتعت بالحسنى وعقبى الدارِ
وإليكَها من روض فكري نفحةً / شفّ الثناء بها على الأزهارِ
أضياءُ هَدِي أم ضياء نهارِ
أضياءُ هَدِي أم ضياء نهارِ / وشذا المحامد أم شذا الأزهارِ
قسماً بهديك في الضياء وإنه / شمس تمدُّ الشهب بالأَنوارِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025