المجموع : 15
ذروا فِي السُّرى نحو الجناب الممنَّعِ
ذروا فِي السُّرى نحو الجناب الممنَّعِ / لذيذَ الكرى واجفُو لَهُ كل مضجع
وأهدوا إِذَا جئتم إِلَى خير مرْبع / تحيةَ مضنىً هائم القلبِ موجَع
سريع إِلَى دَاعِ الصَّبابة طيِّعٍ /
يَقُومُ بِأحْكامِ الهَوى ويُقيمها / فكمْ ليلة قَدْ نازلتُه هُمُومُهَا
فسَامَرَها حَتَّى تَوَلَّتْ نجومُها / لَهُ فِكرةٌ فيمَنْ يُحبُّ نديمها
وطَرْفٌ إِلَى اللقيا كثير التَّطَلع /
وكمْ ذَاقَ فِي أحوَالِه طَعم محنة / وكمْ عاذَ مِنهُ من مواقف فِتنة
وكمْ أنَّةِ يأتي بِهَا بَعْد أَنَّةٍ / تَنِمُّ عَلَى سر لَهُ فِي أكِنَّة
وَتُخْبِرُ عَنْ قلْب لَهُ مُتقَطع /
نعَى صَبْرَهُ شَوْقٌ أقَامَ ملازِماً / وحبٌّ يحاشى أن يطيعَ اللوائما
وجفنٌ ترى أَنْ لا يرى الدهر نائماً / وعقلٌ ثَوَى فِي سكرة الحب دائما
وأقسَمَ أن لا يَسْتَفِيقَ وَلا يَعِي /
أقامَ عَلَى بُعْد المزَار مُتَيَّماً / وَأَبْكاهُ برقٌ بالحجازِ تَبَسَّما
وشوَّقه أحبابَهُ نَظَرُ الحمى / دَعُوهُ لأمْر دُونَه تَقْطر الدما
فَيَا وَيْحَ نَفْس الصب من مَا لَهُ دُعِي /
لَهُ عندَ ذكر المُنْحَنا سَفْحُ عبرة / وبين الرجا والخوف موقفُ عِبرة
فَحِيناً يُوافِيهِ النعيمُ بنَظْرة / وحيناً ترى فِي قَلبِهِ نار حسرة
يَجِيء إِلَيْهِ الموْت منْ كل مَوْضع /
سَلامٌ عَلَى صَفْو الحَيَاة وطِيبِهَا / إِذَا لَمْ تفز عيني بِلُقْيا حَبيبِها
ولم تحظَ من إِقبالِه بِنَصِيبِها / ولا استعطفتهُ عَبرتِي بِصَبِيبِها
وَلا وَقَعَتْ شَكْوَايَ مِنه بمَوْقِع /
مُوَكِّلَ طَرْفي بِالسُّهاد الْمُؤرّق / وَمُجْرِىَ دَمْعِي كَالحيا المتدفِّق
وملهبَ وَجدٍ فِي فؤادي مُحَرق / بِعينَيْك مَا يَلْقَى الفؤَادُ وَمَا لَقِي
وعِنْدَكَ مَا تَحوي وتُخْفِيهِ أَضْلُعِي /
أضرتْ بي البلوى وذو الحب مبتلى / يعالجُ دَاءً بَيْنَ جنبيه مُعْضلا
ويُثْقِلُه مِنْ وَجْده مَا تحملا / وتبعثه الشكوى فيَشْتَاقُ منزلا
بِهِ يَتَلَقَّى رَاحَةَ الْمُتَوَدع /
مقر الَّذِي دلَّ الأنام بشرْعِه / عَلَى أصل دين الله حقّاً وَفرعِه
بِهِ انضم شمل الدين من بعد صدعه / لَنَا مذْهبُ العشاق فِي قصْدِ رَبعه
نُقيمُ بِهِ رَسْمَ البُكَا والتَّضَرع /
تحلُّ بِهِ الأنوارُ مِلءَ رحَابِه / ومستودَعُ الأسرار عِند صحَابِه
هِدايةُ من يحتارُ تأميل بَابِه / وتشريف منْ يختارُ قَصْدَ جنابِه
بِتَقْبِيلِه وَجْهَ الثَّرى المتَضوع /
أقامَ لَنَا شرْعَ الهدَى وَمَنارَهُ / وَأَلْبَسَنَا ثَوْبَ التقَى وشِعارَهُ
وجَنَّبَنا جورَ العَمَى وَعِثَارَهُ / سَقَى اللهُ عَهْدَ الهاشِمِيّ ودارهُ
سَحَاباً من الرضْوَان لَيْسَ بِمقلَعِ /
بني العز للتوحيد من بعد هدِّهِ / وأَوْجَبَ ذُلَّ المُشركينَ بِجِده
عزيزٌ قضَى رَبُّ السَّماءِ بسعده / وأيَّدَهُ عِنْدَ اللقاء بِجُنْده
فأَوْرَدَهُ لِلنَّصرِ أعْذَبَ مَشرَع /
أقُولُ لِرَكْبٍ سَائِرينَ لِيثْرب / ظَفرْتُم بتَقْريب النَّبي المقَرَّب
فَبُثوا إِلَيْهِ كُلَّ شَكْوَى ومتعب / وَقُصُّوا عَلَيْهِ كُلَّ سُؤلٍ وَمَطْلَب
فَأَنْتُم بِمِرءى للرَّسُول ومَسْمع /
ستحمون فِي مغناهُ خير حماية / وتكفوْنَ مَا تخشوْنَ أيَّ كفاية
وتبدو لكمْ منْ مجده كل آيَة / فَحلوا من التعظيمِ أبْعَدَ غَايَةِ
فَحَق رَسُول الله آكَدُ مَا رُعى /
أما والذي آتاهُ مَجْداً مُؤَثَّلاً / لقد كَانَ كهفاً للعفاة ومعقلاً
يبوِّئهمْ ستراً منَ الحِلم مسْبِلا / ويمطرهم غيثاً من الجود مُسبَلا
وَينزعُ فِي إِكرامِه كُلَّ منزعِ /
تَعِبْنا بِعيش مَا هَنا فِي وروده / وضرٍّ ثَقيل الوطء فِيهِ شَديده
فَرُحْنا إِلَى رَب النَّدى وعَمِيده / ولما قَصَدْناهُ وَثِقْنا بِجُوده
وَلَمْ نَخشَ رَيْبَ الحَادث المُتوقَّع /
لَقَدْ شرَّفَ الدُّنْيا قدومُ محمد / وألْقى بِهَا أنوارَ حقٍّ مُؤَيَّدِ
تَزينُ بِهِ وُرَّاثه كلَّ مَشْهَد / فَهُمْ بَيْنَ هَاد للأنامِ ومهتدِ
وَمَنْبِتُ أَصْل فِي الهُدَى ومُفَرِّع /
سَلاَمٌ عَلَى منْ شرَّفَ اللهُ قَدْرَهُ / سَلامَ مُحِب عمَّر الدهر سِرَّه
لَهُ مطلبٌ أفنى تَمَنيه عُمرَه / وحَاجَات نفس لا تجاوز صدره
أعَدَّ لَهَا جَاه الشَّفِيعِ الْمشَفَّعِ /
تمنيت أن الشَّيبَ عاجَلَ لِمَّتي
تمنيت أن الشَّيبَ عاجَلَ لِمَّتي / وَقَرَّبَ مني فِي صبَاي مَزَارَهُ
لآخُذَ منْ عصر الشباب نشاطَهُ / وآخذَ منْ عصر المشيب وَقَارَهُ
لعمري لقدْ قاسيتُ بالفقر شدة
لعمري لقدْ قاسيتُ بالفقر شدة / وَقعتُ بِهَا فِي حَيْرة وَشَتات
فإنْ بحتُ بالشكوى هتكتُ مروءَتي / وإِنْ لن أبحْ بالصَّبْر خفْتُ مَمَاتي
فأعظِمْ بِهِ مِنْ نَازل بِمُلِمَّة / يُزيلُ حَيائي أَوْ يُزيلُ حَيَاتي
أأحبابَ قلبي والذينَ بذكرهم
أأحبابَ قلبي والذينَ بذكرهم / وتَرْدَاده طولَ الزَّمان تَعَلقي
لئنْ غابَ عنْ عيني بديع جمالكم / وجارَ عَلَى الأبدَان حُكْمُ التفرُّقِ
فما ضرنا بعدُ المسَافة بَيْنَنَا / سَرائرنا تسري إليكمُ فَنَلْتَقِي
أتيتك والآمال تسري إِلَى مدى
أتيتك والآمال تسري إِلَى مدى / بعيد أراه باصطناعك يقربُ
وَقَدْ شنع الأعداء أنَّ مطالِبي / ترُدُّ عَلَى أعقابِها وهي حُبَّبُ
وَمَا تركوا مِنْ حُجَّة أَوْ أتوْا بِهَا / عَلَى أَنَّني مَا لي بِبَحرك مَشرَبُ
وَوالله لا صدَّقتُ أنكَ تُرْتَجَى / لِدَفْع مُلِمٍّ حَادث فَتُجنَّبُ
إذَا كنت فِي نجد وطيب نسيمها
إذَا كنت فِي نجد وطيب نسيمها / تذكرت أهلي باللوى فمحيجر
وإن كنت فيهم ذبت شوقاً ولوعة / إِلَى ساكني نجدٍ وعيل تصبّري
وَقَدْ طال مَا بَيْنَ الفرقين قصتي / فمن لي بنجد بَيْنَ أهلي ومعشري
سَرَيْنا وَلَمْ يُظْهِرْ لنا الغيم بارقاً
سَرَيْنا وَلَمْ يُظْهِرْ لنا الغيم بارقاً / ولا كوكباً نُهْدَى بِهِ فَنَسِيرُ
فقال صحَابي قَدْ هلكنا فقلتُ لا / هلاكَ علينا والدليلُ بصيرُ
أفكر فِي حالي وقرب منيتي
أفكر فِي حالي وقرب منيتي / وسيري حثيثاً فِي مصيري إِلَى القبرِ
فينشئ لي فكري سحائبَ للأسى / تَسِح هُموماً دونَهَا وابلُ القَطْرَ
إِلَى الله أشكو مِن وجودي فإنني / تعبت بِهِ مذ كنت فِي مبدأ العمر
تروح وتغدو للمنايا فجائعٌ / تكدره والموت خاتمةَ الأمر
تجاوزت حدّ الأكثرينَ إِلَى العلاَ
تجاوزت حدّ الأكثرينَ إِلَى العلاَ / وسافرتُ واستبقيتُهُمْ فِي المعاوز
وخضت بحاراً لَيْسَ يُعْرَفُ قدرها / وألقيتُ نفسي فِي فسيح المفاوز
ولجَّجتُ فِي الأفكار ثُمَّ تراجع اخ / تياري إِلَى استحسان دين العجائز
يقولون لي هلا نهضت إلى العلا
يقولون لي هلا نهضت إلى العلا / فما لذَّ عيش الصابر المتقنع
و هلا شددت العيس حتى تُحِلَّهَا / بمصر إلى ظلِ الجناب المرَفَّع
ففيها من الأعيان من فيض كفه / إذا شاء روّى سَيْلُهُ كل بلقع
و فيها قضاةٌ ليس يَخْفَى عليهمُ / تعيَّنُ كون العلمِ غيرَ مُضيع
و فيها شيوخُ الدين و الفضل و الألى / يشيرُ إليهمْ بالعلا كل اصْبُع
و فيها و فيها و المهانةُ ذلةٌ / فقم واسْع و اقصدْ باب رزقك و اقرع
فقلت نعم أسعى إذا شئتُ أن أرى / ذليلا مُهانا مستخفا بموضعي
و أسعى إذا ما لذ لي طول موقفي / على باب محجوب اللقاء ممنَّع
و أسعى إذا كان النفاقُ طريقتي / أروح و أغدو في ثياب التَصنُّع
وأسعى إذَا لَمْ يبق فيَّ بقية / أراعي بِهَا حق التقَى والتورع
فكم بَيْنَ أرباب الصدور مجالس / تشب بِهَا نار الغضا بَيْنَ أضلعي
وكم بَيْنَ أرباب العلوم وأهلها / إذَا بحثوا فِي المشكلات بمجمع
مناظرة تحمي النفوسَ فتنتهي / وَقَدْ شرعوا فِيهَا إِلَى شر مشرع
إِلَى السفه المزْري بمنصب أهله / أَوْ الصمت عن حق هناكَ مُضيَّع
فإما تَوخّى مسلك الدين والنهى / وإما تَلقَّى غصةَ المتجرع
ألا أن نبت الكرم أغلى مهرَها
ألا أن نبت الكرم أغلى مهرَها / فيا خُسرَ من أضحى لذلك باذلا
تُزَوَّجُ بالعقل المكرَّم عاجلاً / وبالنار والغسلين والمهْلِ آجلاَ
ومستعبدٍ قلبَ المحب وطرفَه
ومستعبدٍ قلبَ المحب وطرفَه / بسلطان حُسْنٍ لا ينازَعُ فِي الحكمِ
متين التقى عف الضمير عن الخنا / دقيق حواشي الطرف والحسِ والفهم
يناولني مسواكه فأظنه / تحيل فِي رشفي الرضاب بلا إثم
تجادل أرباب الفضائل إذ رأوا
تجادل أرباب الفضائل إذ رأوا / بضاعتهم موكوسة الحظ فِي الثمنْ
وقالوا عرضناها فلم نلف طالباً / ولا من لَهُ فِي مثلها نظر حسنْ
وَلَمْ يبق إِلاَّ رفضها وإطراحُها / فقلت لهم لا تعجلوا السوقُ باليمنْ
وقائلة مات الكرام فمن لنا
وقائلة مات الكرام فمن لنا / إذَا عضنا الدهر الشديد بنابِه
فقلت لَهَا من كَانَ غاية قصده / سؤالاً لمخلوق فليس بنابِه
لئن مات من يرجى فمعطيهمُ الَّذِي / يرجونه باق فلوذي ببابه
لقد بَعُدَتْ ليلى وعز وصالها
لقد بَعُدَتْ ليلى وعز وصالها / كما عز بَيْنَ العالمين مثالَها
فمن لي بنوق لا تزال تمدها / قواها ولا يدنو إليّ كلالها
ولكنها جسم يذوب وصبره / يحول وأرواح يخاف زوالها
لعمري لقد كلفتها فِي مسيرها / بلوغ مدى قَدْ قلّ فِيهِ احتمالها
وتسألني رفقاً بِهَا وبضعفها / ولو خفّ من شوقي أجبت سؤالها
وللعيش آمالٌ بليلى تعلقت / أخاف المنايا قبل كوني أنا لَهَا
يقرب لي وصلها حسن لطفها / ويبعدها استغناؤها ودلالها
وأني لأرضى اليوم بعد تشوقي / إلى أن أراها أن يزور خيالها
فبادر إِلَى نجد ولُذْ بنسيمها / وبرد جناها ثُمَّ طيب ظلالها
وفاح نسيم الروض حَتَّى تعطرت / رباك بريَّاه وريقُ جمالها
وغنت لَكَ الأطيار من كل جانب / فأطرب أهل الحي منها مآلها
فلا تبخلي أن ترسلي لي نسمة / تُبِلُّ عَلَيْكَ الشوق مني بلالها
فيا حبذا برق فِي أراضي مسرة / ونفحة ريح من هناك انتقالها
عقَدَّتْ عَلَى حبي لذكرك عقدة / عسير عَلَى مر الزمان انحلالها