المجموع : 6
أعيدي إلى المضنى وإنْ بَعُد المدى
أعيدي إلى المضنى وإنْ بَعُد المدى / بُلَهْنِيَةَ العيشِ الذي كان أرغْدا
تبارك هذا الوجهُ ما أوْضَحَ السَّنى / وما أطيبَ المفْتَرَّ والمتورِّدا
فقدتكِ فقْدانَ الصبا وهل امرؤٌ / توَّلى صِباه اليومَ يرجعه غدا
فقدتكِ لكنِّي فقدتُ ثلاثةً / سواك فؤادي والأمانيَّ والهدى
وأبقيتِ لي غيرَ القنوط ثلاثةً / هواك وسقمي الحنينَ المؤَّيدا
أيا وادي الرمان لا طِبْتَ وادياً / إذا هي لم تنعم بظلِّك سرمدا
ويا وادي الرمان لا ساغ طعمُهُ / إذاً أنا لم أْمدُدْ لذاك الجنى يدا
ويا وادي الرمان واهاً وعندهم / حرامٌ على المحزون أنْ يتنهَّدا
كأنيَ لم أنزلْ دياركَ مرة / ولم ألقَ في أهليك حباً ولا ندى
ولم تَسقني كأسَ المدام حبيبةٌ / وردتُ ثناياها مع الكأسِ موردا
ولم تُوحِ لي شعراً ولا قمتُ منشداً / ولم يَرْوِ شعري عندليبُكَ منشدا
أخي وحبيبي كنتُ أرجوكَ مسعداً / يسامحك الرّحمن لم تَكُ مسعدا
ألم ترني في مصر أطلب شافياً / وراعك إشفائي على هوَّة الردى
ألم ترني في مضجعي متقلّباً / أُقَلَّبُ في الأفلاك طرفاً مُسهَّدا
ومن عجبٍ أنَّا شبيهان في الهوى / بِمنْ أنت تهوى هل أطَقتَ تجّلدا
أَغمدان ما يُبكيكَ يا كَعبةَ الهُدى
أَغمدان ما يُبكيكَ يا كَعبةَ الهُدى / وَفيم الأَسى يا هَيكل الفَضلِ وَالنَدى
عذرتُكَ لَو أَصبَحتَ وَحدَكَ مُبتلىً / أَغمدان صَبراً لَست بِالخَطب أَوحَدا
لَئن ماتَ يا غَمدان جبرٌ فَشدَّما / أَعدَّ رِجالاً للحياةِ وَجنّدا
أَتَبكي عَلى جَبر وَحَولك جنده / عَزاؤك فيمن راحَ حَولك وَاِغتَدى
لِبانيك روحٌ ما يَزال يمدُّهُم / وَظلُّك مَمدود عَلى الدَهرِ سرمدا
وَيا مَن رَأى أَركانَكَ الشمَّ في الرُبى / تَبَوّأنَ مِن جَناتِ لبنان مقعدا
حنوتَ عَلى أُمِّ اللُغات فَصُنتَها / وَكُنتُ لَها الصرحَ المَنيعَ الممرَّدا
وَكانَ لَها جبرٌ أَميناً وَحامياً / إِذا ما بَغى الباغي عَلَيها أَو اِعتَدى
وَللعلم في لُبنان شيدت مَعاهِدٌ / فَلَم تبقِ أَيدي الجَهلِ مِنهن مَعهَدا
وَأَقبحُ مِما قَد جَنَوهُ اِعتذارهم / فَقالوا يَضيعُ المالُ في رفعِها سُدى
وَقَد زَعموها تُنفِدُ المالَ كَثرةً / فَهَل ترَكوا مالاً هُناكَ فَينفدا
مَصابيحُ إِن هم أَطفَأوها فَإِنَّها / حَباحبُ شؤمٍ كَم أَضلّت مَن اِهتَدى
وَما لَهفي إِلّا عَلى ساعَةٍ بِها / صدقنا العدا لا باركَ اللَهُ في العِدا
فَكَم مِن يَدٍ بَيضاءَ للعَرب عِندَهُم / وَمن لكَ بِالحَرّ الَّذي يَحفظ اليَدا
لَئن خلّفوا لُبنان يخبط في الدُجى / فَغمدان يا لُبنان ما اِنفَكَّ فَرَقَدا
طَريقُ الرَدى مَهما يَطل يَلقه الرَدى / قَصيراً وَإِن يَوعُر يَجِدهُ ممهدا
وَمَوت الفَتى تَحني الثمانون ظَهرَه / كَمَوت الفَتى في ميعةِ العُمر أَمرَدا
حَياتك يا إِنسان شَتّى ضروبها / تَحيط بِها شَتى ضُروب مِن الرَدى
وَما قَهَرَ المَوتَ القَويَّ سِوى امرئٍ / يَخلِّفُ بَينَ الناس ذكراً مخلّدا
يخلّف طيبَ الذكر لا كَالَّذي قَضى / وَخلّف وَعداً في فَلسطين أَنكَدا
فَأَبكى بِهِ قَوماً وَأَضحك أُمة / أَبى اللَهُ إِلّا أَن تَهيمَ تَشَرُّدا
وَلَكنَّ خَيرَ الناسِ مِن كَفَّ شَرَّه / عَن الناس أَو أَغنى الحَياةَ وَأَسعَدا
كَجَبرٍ وَعبد اللَه طابَ ثَراهُما / وَلا زالَ فَوّاح الشَذى ريِّق النَدى
عَلى خَير ما نَرجوه كانَ كِلاهُما / جِهاداً وَإِسعاداً وَغَيباً وَمَشهَدا
وَهاما هياماً في هَوى مَضرية / كَما اِنقَطَعا دَهراً لَها وَتَجَرَّدا
فَكَم نَشَرا مِن ذَلِكَ الحُسن ما اِنطَوى / وَكَم آيةٍ في ذَلِكَ السحر جَدَّدا
بَلاغَتها اِفتنّت بجبرٍ وَآثرت / فَصاحتها البُستانَ ظلاً وَموردا
إِذا لُغَةٌ عَزَّت وَلَو ضيم أَهلها / فَقَد أَوشَك اِستقلالهم أَن يَوطّدا
لجبرٍ يَدٌ عِندي تَأَلَّقُ كَالضُحى / وَقَلَّ لَها شكراً رثائيكَ مُنشِدا
غَشيتك في دارٍ بِبَيروت لِلنَدى / وَلِلأَدب العالي فِناءً وَمُنتَدى
وَحفَّ ذَويكَ البشرُ مِن كُلِ جانِبٍ / وَبَينَ أَسارير الوُجوه تَرَدَّدا
وَآنستَ بي مِن فَيض نورك لَمحةً / فَأَعليتَ مِن شَأني مَعيناً وَمرشدا
لَقَد كُنتَ بي بَرّاً فيا بِرَّ والدٍ / توسّمَ خَيراً في ابنه فَتَعَهّدا
وَيا حسرتا أَضحي بِنعماكَ نائِحاً / وَكُنتُ بِها مِن قبل حينٍ مغرِّدا
عَجبتُ لَها مِن همةٍ كانَ مُنتَهى / حَياتك فيها حافِلاً مثلَ مبتدا
فَيا لُغتي تيهي بجبرٍ عَلى اللُغى / وَيا وَطَني ردِّد بآثاره الصَدى
تعلقها قلبي ولم أدْرِ ما اسْمُها
تعلقها قلبي ولم أدْرِ ما اسْمُها / وفي عيْنها ما بي وما سمعتْ باسمي
وما كان الاّ في الطريقِ لقاونا / ولحظٌ كباقي الناس يرْمي ولا يُصمي
أَما عجبٌ والأرضُ مَلأى بمثلها / هُيامي بها دونَ الحسانِ على رغمي
وما بالُها لم تحمل الوجْدَ والهوى / لغيري لهُ روحي ولمْ يعدُهُ جسمي
أراها فلم أملِكْ تَهالُك واهنٍ / بجنبيَّ مسلوبِ الجراءَ ةِ والعزم
فيخطفُ لوْني فرطُ ما أنا واجدٌ / بها وبما يُلقى هواها على وهمي
يُخيَّلُ لي أني دنوتُ فأعرضتْ / فاصرفُ وجهي مثقل الصدر بالغمَ
ظننتُ بها سوءاً ولم تجنِ بعدما / يُظنُّ به ما أشبه الظنّ بالإثمِ
ويُعربُ عن سِرِّ الضُّلوعِ شحوبُها / إذا ما تلاقينا فبئْسَ إذنْ زَعْمي
وأُقسِمُ لو حدثتها وتكشَّفتْ / سرائِرنا ما شَذَّ عن همِّها همي
هوى ألّفَتْ شتَّى القلوبِ يمينُه / وكْم قَطعَتْ يُسراهُ مِن صِلةِ الرَّحمِ
إذا كان في دنيا الهوى مثلما أرى / فأيُّ عجيبٍ في هوى العُمي والصمِّ
بني هاشم بين المَنايا وَبَينَكُم
بني هاشم بين المَنايا وَبَينَكُم / تُراثٌ وَما تَغفو المَنايا عَن الوِترِ
مَضَت بِأَبي الأَشبالِ يَستشهد الوَغى / وَراياته فيها عَلى دول الغَدرِ
وَما نكّبَت عَن شاكر بَعد فَيصَلٍ / وَغالَت عَلياً وَاللواعج في الصَدرِ
مَقامات إقيالٍ تَغيب شُموسها / وَغارات أَبطال تُرَدّ عَن النَصرِ
بَني هاشم لا أَخمَدَت جَمراتِكُم / وَلا أَغمدت أَسيافَكُم نوبُ الدَهرِ
بِأَوجهكم تَنفضُّ حالِكَة الدُجى / وَأَيمانَكُم تَرفضُّ مجفلةُ القطرِ
وَنيطت بِعَبد اللَه آمالُ أُمَّةٍ / وَفي ظلّ غازي عَودُ أَيامِها الغرِّ
أرى عدداً في الشؤم لا كثلاثةٍ
أرى عدداً في الشؤم لا كثلاثةٍ / وعشر ولكن فاقَه في المصائبِ
هو الأَلفُ لم تعرف فلسطينُ ضربةً / أشدَّ وأنكى منه يوماً لضاربِ
يهاجر ألفٌ ثم ألفٌ مهرباً / ويدخل ألفٌ سائحاً غير آيبِ
وألف جوازٍ ثم ألف وسيلةٍ / لتسهيل ما يلقونه من مصاعبِ
وفي البحر آلافٌ كأنَّ عبابَه / وأمواَجه مشحونةٌ في المراكبِ
بني وطني هل يقظةٌ بعد رقدةٍ / وهل من شعاعٍ بين تلك الغياهب
فو الله ما أدري ولليأس هبةٌ / أُنادي أميناً أم أهيب براغبِ
يقولون في بيروت أنتم بنعمةٍ
يقولون في بيروت أنتم بنعمةٍ / تبيعونهم تُرْباً فيعطونكم تبرا
شقيقتنا مهلاً متى كان نعمةً / هلاكُ أُلوف الناس في واحدٍ أثرى
وباذلُ هذا المال يعلم أنَّه / يسِّلم باليمنى إلى يده اليسرى
على أنها أوطاننا ما كنوزُهم / وأمواُلهم حتى تُساوَى بها قَدْرا
ولو كان قومي أهلَ بأسٍ ونخوةٍ / إذن أصبحتْ للطامعين بها قبرا
ولكنهم قد آثروا السهلَ مركباً / تسيِّره الأَهواءُ واجتنبوا الوعرا
وما حسرتي إلاَّ على متعفِّف / يقومُ لوجه الله بالنهضة الكبرى