المجموع : 94
صريح كلامي في الوجود وإيمائي
صريح كلامي في الوجود وإيمائي / سواء وإعلاني هواء وإخفائي
هو البحر عنه لا يزول كلامنا / فعن موجه طوراً وطوراً عن الماء
وكل كلام قد أتى متكلم / به فهو منه عنه في رمز أسماء
صحت أمةٌ من بعد ما سكرت به / فكان بها نوراً أضاء بظلماء
وقامت له في حضرة أقدسية / هي الشمس عنها الكل أمثال أفياء
عليك نديمي بارتشاف كؤوسها / ففي كأسها منها بقية صهباء
وما الكأس إلا أنت والروح خمرها / تحقق تجد في السكر أنواع سراء
وفي عالم الكرم الذي قد تعرشت / عناقيده قف واغتنم فضل نعماء
وخذ منه عنقوداً هو الجسم ثم دع / كثائفه واحفظ لطائف لألاء
ولا تكسر الراووق إن الصفا به / وحلل وركب في أصول وأبناء
إلى أن ترى وجه الزجاجة مشرقاً / وذات الحميا في غلائل بيضاء
فإن هناك الدن دندن فانياً / وجاء الدواء الصرف يذهب بالداء
وأقبلت الحسناء بالراح تنجلي / على يدها يا طيبَ راحٍ وحسناء
سجدنا إليها أي فنينا بحبها / وذلك لما أن أشارت بإيماء
وحاصله أن الجميع ستائر / على وجهها الباقي فعجل بإفناء
فؤادي من الأشواق والصبوة امتلا
فؤادي من الأشواق والصبوة امتلا / وبي أعضل الأمر المشق وأشكلا
فيا من تمادت في التجنب والقلى / إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى
تقولين لولا الهجر لم يطب الحب /
عدمت اصطباري بين قربك والنوى / وقد جد في الأحشاء وجد بها ثوى
تحيرتُ إن قلت ارفقي حثني الهوى / وإن قلت هذا القلب أحرقه الجوى
تقولي بنيران الجوى شرف القلب /
رويدك يا من بالتجافي أمتَّني / وأهملتَ فيما بالوصال وعدتني
إذا قلت رفقاً إنني ذبتُ زدتني / وإن قلت ما ذنبي إليك أجبتني
وجودك ذنبٌ لا يقاس به ذنبُ /
يقولون لا تنطق بما أنت عارف
يقولون لا تنطق بما أنت عارف / به بين أهل الجهل ذاك معيب
فقلت لهم خلوا الملام فإننا / بحكم التجلي والمجال قريب
شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة / وللأرض من كأس الكارم نصيب
بأوج الهوى كم منزل قد علمتُهُ
بأوج الهوى كم منزل قد علمتُهُ /
ولوح وجودي بالكمال رقمتُهُ /
ولما جرى دمعي وصبري عمدتُهُ /
أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمتُهُ / فأصبح عندي قد أناخ وطنبا
توقيت من شؤم السوى سوء مكره /
وطائر سرِّي ساكنٌ أوجَ وكرِهِ /
ومن لفؤادي قد حلا كأس فكره /
إذا اشتد شوقي هام قلبي بذكره / وإن رمت قربا من حبيبي تقربا
له نور وجه أصبح الكون ظلَّهُ /
تبارك فينا ذو العلا ما أجله /
هو الحق كلى قد أحل محله /
فيبدو فأفنى ثم أحيى به له / ويسعدني حتى ألذ وأطربا
ألا أيها الحادي لذاك الحمى سر بي
ألا أيها الحادي لذاك الحمى سر بي / فأهل الهوى قومي وجيرانُه سربي
لقد لذ لي في مروة الحب والصفا / إلى وصلهم سعي وقد طاب لي شربي
وعندي إلى تلك الوجوه صبابة / أزيل بها ما أوهمت لبسة الترب
وياويح عشاق الملاحة في الهوى / يحيرون بين الشرق للشمس والغرب
ومحبوبهم لا زال فيهم مخالفاً / إذا جنحوا للسلم يجنح للحرب
رضيت بوصل الروح للروح غيبة / ولم أرض في وقت اللقا نفرة العزب
أرى القرب في البعد الذي يقتضي الوفا / بعهد الهوى خيرا من البعد في القرب
وألقيت جسمي في ديار بعيدة / عن الحب حيث الروح مقضية الأرب
وصعب الهوى سهلٌ إذا كثر الرجا / وأنواع أفراح به شدة الكرب
وما القلب إلا موضع الفقد واللقا / وما الجسم إلا للمواجيد كالدرب
ومن جهل المحبوب فالضرب موجع / له ومتى يعرفه يلتذ بالضرب
ألا هكذا في النار حال أولي الشقا / غداً بعد تحويل الحجاب عن الرب
ويومئذ معناه يوم قيامة / ويوم خلود بعده وهو للذرب
وحك يد الجرباء يدمى قروحها / وتلتذ منه النفس في الأنفس الجرب
دع المنكرين الجاحدين فإنهم
دع المنكرين الجاحدين فإنهم / ستائرنا اللاتي لحجب الأجانبِ
من الغيب مدت بالكثافة وهي من / تجلى اسمه الستار رب المواهب
فصان بهم كالدر في صدف السوى / وكالعين بالأجفان تحت الحواجب
ولا ملِكُ إلا وحجّابه به / تحف اشتمالا بالقنا والقاضب
وللكنز أرصادٌ وفيه طلاسم / يصان بها في الناس عن نيل طالب
صدقت هم الحساد نار قلوبهم / لقد نفحت من عودنا بالأطايب
وصان بهم عنهم لباب علومنا / إله البرايا بالقشور السوالب
وقد ذادهم عن ورد حوض نبينا / لدينا بتبديل من الوهم غالب
خيالات أفكار من الغيب سلطت / ملائكة منهم بهم في تناسب
ويخبث أو يزكو من الأرض نبعُها / على قدرها وهو اختلاف المشارب
رفعنا إلى أوج العلاء رؤسنا
رفعنا إلى أوج العلاء رؤسنا /
ورضنا على حكم الغرام نفوسنا /
وللغير لم نحتج به أن يسوسنا /
أيا ربة الألحان ديري كؤسنا / على من لهم في الحب أوفر منصب
أحبة هذا القلب جادوا لصبهم /
وقد طاب عيشي من دواهم وطبهم /
خذي يا صبا عني أحاديث قربهم /
وحيي أناساً قد شغفنا بحبهم / لهم منحة منا وودُّ مقرِّبِ
سرينا من التوفيق فوق نجائبِ
سرينا من التوفيق فوق نجائبِ / إلى أن دخلنا في ديار الحبائبِ
وقرت عيوني بالعيون التي رنت / إليَّ بأحداق كمثل القواضب
وفي زمزم الإقبال كان اغتسالنا / عشية أجنبنا بمس الأجانب
وطفنا ببيت العز في ذلة الهوى / وقمنا بفرض في المحبة واجب
وللحجر المعروف قام استلامنا / مقام عهود في حقوق لوازب
ونلنا الصفا عند الصفا يوم سعينا / إلى مروة التركيب فوق المراكب
وفي عرفات الوصل نلنا معارفاً / تجل عن الترتيب بين المراتب
ومزدلفات القرب مسجد خيفها / تجرد عن خوف به في الرغائب
وهذا منى قلبي بوادي منى دنا / وقد فزت من تحصيله بالغرائب
ألا يا لقومي من غزالة وجرة
ألا يا لقومي من غزالة وجرة /
جفتني وعني أظهرت فرط نفرة /
دخلت ولما صرت منها بحضرة /
نظرت إليها فاستحلت بنظرة / دمي ودمي غال فأرخصه الحبُّ
محجبة طرف الذي رامها عمي /
لها كل حسن في البرية ينتمي /
بذلت لها روحي وجسمي مرتمي /
وغاليت في حبي لها ورأت دمي / رخيصا فمن هذين داخلها العجبُ
نظرت إليها فاستحلت بنظرة
نظرت إليها فاستحلت بنظرة / على البعد شتمي ثم منها بدا السبُّ
وقالت ستدري ما أريد وقصدها / دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي / يجود به حبي فقالت هو الذنب
خرقت حجابي مذ نظرت تظنه / رخيصاً فمن هذين داخلها العجب
نظرت إليها فاستحلت بنظرة
نظرت إليها فاستحلت بنظرة / بعادي عنها والبعاد لي القربُ
وقد أعرضت عني وولت مبيحة / دمي ودمي غال فأرخصه الحب
وغاليت في حبي لها ورأت دمي / من العين أجراه بكائي والنحب
فقالت دم العشاق إني رأيته / رخيصا فمن هذين داخلها العجب
أيامن له الأشواق مني كثيرة
أيامن له الأشواق مني كثيرة /
ومني دموعي يوم بان غزيرة /
ويا من لقلبي في هواه سريرة /
فليتك تحلو والحياة مريرة / وليتك ترضى والأنام غضاب
خيالك في قلبي لقلبي مسامر /
وحبك للعشاق ناه وآمر /
فيا ليت غيث الوصل لي منك غامر /
وليت الذي بيني وبينك عامر / وبيني وبين العالمين خراب
لقد ذاب كلي في لقاك لك الهنا /
وبدل فقري في تجليك بالغنى /
وأنت هو الموجود حقا ولا أنا /
إذا صح منك الود يا غاية المنى / فكل الذي فوق التراب تراب
أطوف على ذاتي بكاسات خمرتي
أطوف على ذاتي بكاسات خمرتي / وأستمع الألحان في حان حضرتي
وأنفخ مزماري وأصغي لصوته / وأضرب دفي حين ترقص قينتي
وأنشق من روضي نسيم حقائقي / ويسرح طرفي في حدائق نشأتي
وعندي إلى رؤيا جمالي تشوق / كثير وما عشقي لغير حقيقتي
ويالهف أحشاءي على حسني الذي / فؤادي به صب ويا فرط لوعتي
أحن إلى ذاتي صباحاً وفي المسا / وغاية قصدي في العوالم رؤيتي
وقد وعدتني اليوم نفسي بوصلها / غداً فمتى مني تقوم قيامتي
وأرفع عن وجهي خماري مجرداً / ثيابي عن ذاتي وأهتك سترتي
أبى الحب إلا أن أكون مولهاً / بقلب على طول النوى متفتت
وشوق كثيرٌ واصطبار ممنع / وسقم وأشجان علي شديدة
وإني لأرجو من حقيقتي اللقا / وأطلب منها أن أفوز بنظرة
فلا عجب أن بحت بالسر للورى / وعربدت في هذا الوجود بسكرتي
وتهت بمحبوبي على كل ناسك / وغبت عن الأكوان بل عن هويتي
وعندي انتظار كل يوم وليلة / إلى رؤيتي بل كل وقت وساعة
وما أنا إلا من أحب وإن من / أحب أنا من غير شك وشبهة
أردت ظهوري لي وما كنت خافياً / فطورت في الأطوار من كل صورة
وقد كنت قدماً في عمى ليس فوقه / ولا تحته أيضاً هواء بوحدة
وللقلم الأعلى تنزلت من يدي / وللوح حتى للذوات الكثيرة
وقد كنت عرشي واستويت علي من / قديم زماني في الوجود برحمتي
ومنه إلى الكرسي تنزلت بل إلى / سمواتي السبع الطباق العلية
وطورت أملاكي فلي كنت عابداً / وطورت أفلا كي فدارت بقدرتي
وعدت نجوما مشرقات على الورى / أزيد ضياء في ظلام الدجنة
وطورت شمساً في طلوع نهاركم / وما الليل إلا من نتائج غيبتي
وصرت هلالاً تحسبون الشهور بي / وأجلو عليكم ضوء شمس الظهيرة
وقد صرت أياماً لكم وليالياً / ودهراً وساعات وكل دقيقة
وطورت شكل الجان في الأرض قبلكم / وجئت لهم رسلاً لإبلاغ حجتي
وقد كنت تكذيباً لرسلي منهم / فصرت لهم أوفى هلاك ونقمة
وفي كل أطوار الشياطين بينكم / ظهرت بوسواس لأصحاب شقوة
وطورت في شكل العناصر ثم في / مواليدها في الأرض تلك الثلاثة
ففي معدن طوراً وطوراً ظهرت في / نبات وحيوان لتتميم حكمتي
وكنت رياحاً من شمال ومن صبا / أهب فأروى عن حديث الأحبة
وكنت بحاراً زاخرات على المدى / تفيض فتبدي موجة بعد موجة
وطورت أرضا ثم صرت جبالها / لإرسائها فوق البحار المحيطة
وإني على ما كنت فيه ولم أزل / ولي رتبة التنزيه أرفع رتبة
وما كثرة الأطوار مني غيرت / صفاتي ولا ذاتي ولا قدر ذرة
وهل أنت في تخييل ذاتك باطناً / تغيرت عما كنت في كل مرة
فيجلو عليك الفكر ما قد أردت من / زخارف أشباح هنا مستحيلة
وذاك كهذا غير أن الخيال مع / تخيله في الغير لا في الهوية
وما هي إلا أنت لا شيء ههنا / سواك فحقق سر تلك الحقيقة
وإياك والتشبيه في كل موضع / توهمت فيه الغير وافطن للبسة
وخذ كل ما ألقى عليك منزهاً / ولا تخش عاراً إن فهمت إشارتي
وهذا الذي قد قلته كله أنا / ظهرت به لي قاصداً لنصيحتي
ولما انقضت أطوار ذاتي بمقتضى / صفاتي وأسماءي العظام الجليلة
وتم التباسي بالذي أنا مظهر / له من شخوص فصلتها إرادتي
وسويت جسم الكل بي فهو قابل / لروحي وتفصيلي استعد لجملتي
جمعت من الأشياء طينة آدم / ومنها إلى الكل الرقائق مدت
وخمرتها حتى تناسق نشؤها / وسويتها حتى لنفخي استعدت
ولما استتم الأمر واستكمل الذي / أردت من الأجمال في البشرية
ففي تلك من روحي نفخت وقد سرت / نسائم أمري في رياض الطبيعة
فقمت سميعاً باصراً متكلماً / مريداً عليماً ذا حياة وقدرة
فلم يبد مني غير ما هو كائن / لدي وبي مني على حكومتي
فكنت كماء لونه من إنائه / وكالشمس تبدي خضرة بالزجاجة
وأسجدت أملاكي بأمري لمظهري / فكان سجودي لي وآدم قبلتي
ولما أبى إبليس عن تكبراً / ولم يأت لي من بعد أمري بسجدة
عن الملا الأعلى له كنت مخرجاً / وآب بخسران وطرد ولعنة
وأسكنته في الأرض أظهر كامناً / به من شقا أصحاب قبضة يسرتي
وأظهرت في ذاك الملا فضل آدم / وأنزلته أعلى مقام بجنتي
وأخرجت حوا منه فهي له كما / هو الآن لي من حيث وصفي وصورتي
وعن بعض أشجار هناك نهيته / ولي كان مني النهي عني لحكمتي
ولما اقتضى فعلي لما كنت عنه قد / نهيت كمال الصورة الآدمية
أتيت بأقسام إلي موسوساً / وأوقعت نفسي في غرور وغفلة
وذقت كما ذاق العدو تباعدي / وما الأكل إلا الفرق والجمع توبتي
وقد لاح عصياني علي ومذ بدت / طفقت بأوراق أخصف سوءتي
ومن بعد ذا أهبطت للأرض هيكلي / وكنت بها في العالمين خليفتي
وسخرت لي كل الوجود تفضلاً / على صورتي مني وأتممت منتي
وعرفت ما بيني وبيني كلاهما / على عرفات بعد طول التشتت
فكان نكاح الأمر في الخلق ظاهراً / بنا في كلا الشخصين قبل النتيجة
وأظهرت من صلبي جميع مظاهري / بصورة ذر للعهود الوثيقة
وأشهدتهم عني ألست بربكم / فقالوا بلى طراً بنفس مطيعة
وأوهمتهم غيراً فأنكر بعضهم / وأوفي بعهدي بعضهم مع لبسة
وأول أطواري الكاومن أنني / لآدم شيئاً كنت وهو عطيتي
وطورت نوحاً جاء ينذر قومه / وكنت له التكذيب منهم ببعثتي
وألفاً سوى خمسين عاماً لبثت في / جماعتهم أبغي لهم نشر دعوتي
وهم يعبدون الغير بل يعبدونني / ولا غير لكن وهمهم هو سترتي
ولما أبو واستكبروا كافرين بي / دعوت عليهم واستجبت لدعوتي
وأرسلت طوفاناً عليهم فأغرقوا / ولم ينج إلا من معي في سفينتي
وطورت إدريساً ولي كنت رافعاً / مكاناً عليّاً في أجل مكانة
وطورت إبراهيم يدعو إليَّ بي / على قومه آتيته أي حجة
ومذ قال ذا ربي له كنت كوكباً / كذا قمراً أيضاً وشمساً بوجهة
ولا فرق إلا بالأفول ألم تكن / إذا لا أحب الآفلين مقالتي
كما قلت سموهم لقوم تعلقوا / بما قيَّد الإمكان من مطلقيتي
وجئت إلى النمرود أدعوه للهدى / فلم يمتثل حتى ثوى بالبعوضة
وأضرم لي ناراً وأرسلني بها / فعادت بأمري لي علي كجنة
وقد كنت مني طالباً أنني أرى / لحق يقيني كيف إحياء ميتة
فجاء جوابي لي بأربعة فخذ / من الطير واجعل في العلا كل قطعة
وناديهمُ يأتين سعياً وبعد ذا / فكن عالماً لا شيء إلا بقدرتي
وطورت إسماعيل لما بلغت مع / أبي السعي ذبحي قد رأيت بنومة
وناديت لما أسلما حين تلَّه / أصدّقت حتى كان بالكبش فديتي
وطورت إسحق الغيور ولم تكن / على غير تحريم الفواحش غيرتي
وطورت يعقوباً بليت بيوسف / وأسلمني حبي له كل محنة
وفرقت ما بيني زماناً وبينه / وواأسفى ناديت من طول فرقتي
وعيناي من حزن قد ابيضّتا وقد / مننت بجمع الشمل بعد التشتت
ويوسف قد طورت زاد ملاحة / بوجه سبى كل الوجوه المليحة
وبالثمن البخس اشتراني مشتر / وفي الجب ألقتني من الكيد إخوتي
وقد عشقت حسنى زليخاء والهوى / أضر بها حتى هممت وهمت
وطورت هوداً كان يشهد قومه / على أنه من شركهم ذو براءة
ولوطاً لقد طورت أيضاً وصالحاً / أتيت إلى قومي لإبلاغ دعوتي
فزاغوا وعن أمري عتوا وتكبروا / وقد عقروا لما عصوني ناقتي
وطورت موسى ضارب البحر بالعصا / وقد شق حتى قومه فيه مرّت
وآنس ناراً من جوانب طوره / فرام ليأتي الأهل منها بجذوة
فنال الهدى في شكل مقصده وقد / تجلى له من مظهر الأحدية
وقد حاز منه رؤية بسؤاله / ولكنها الأطواد بالصعق دكت
وعيسى لقد طورت يبرئ أكمهاً / وأبرص والأموات يحيي بدعوة
وأرسلت روحي طبق ما هو عادتي / إلى الأم حتى كان مظهر نفختي
وأظهرت ما قد كان في الأب مضمراً / وبينت للأقوام سر الأمومة
فضلوا وزاغوا عن مثال ضربته / لفهم علوم في الوجود دقيقة
وقالوا بأني قد غدوت له أباً / وقد خص من دون الورى ببنوتي
وأين الوجودان اللذان تباينا / وما عزُّ خلاق كذلِّ خليقة
ومن بعد هذا جئت في طور كل ما / مضى من رسول أونبيٍّ لأمة
وأصبحت في شكل النبي محمد / إلى الله أدعو الناس في أرض مكة
فآذتني الأقوام بغياً وحاولوا / بأفواههم إطفاء نور النبوة
وأظهرت دين الحق بعد خفائه / فأصبحت الكفار في سوء حالة
ونكست أصنام الضلال وفي الورى / أزلت ظلام الظلم من فرط سطوتي
وطورت أصحاباً ومن هو تابع / لهم بالهدى مثل الكرام الأئمة
ومن بعد ذا ما زلت أظهر دائماً / على أمد الأزمان في كل هيئة
وطورت أهوال القيامة والذي / يكون غداً في يوم عرض الخليقة
وإياك من قولي بأن تفهم الذي / تدين به الكفار بين البرية
فإني بريء من حلولٍ رمت به / عقول تغذت بالظنون الخبيثة
وما بانحلال واتحاد أدين في / حياتي وإن دانتهما شرُّ أمة
وكل الذي أبديته لك ناظماً / فَمِنْ فوق أطوار العقول السليمة
فإن كنت من أهل المعارف لم تلم / لأنك تلقاه بنفس تزكت
وإن كنت مطموس البصيرة جامداً / على ما ترى من صورة بعد صورة
فإنك معذور بقلة فهم ما / أقول لضعف في قواك الكليلة
فواظب على التنزيه وادأب عليه لا / تكن من أناس بالتشبه ضلت
ودع عنك تجسيماً ولا تَكُ جاهلاً / بأوصاف من أبداك في كل حالة
طريقتنا شرقية قادرية
طريقتنا شرقية قادرية / فلا نختشي قهرا وذلا ولا فوتا
وفي الشرق عبد القادر القطب شيخنا / طريقته تفضي إلى العز مثبوتا
طريقة ذل وانكسار لأجل ذا / إلى الشرق مُدَّتْ سنَّةً أرجل الموتى
دللناك يا من أنت ذمي ديننا
دللناك يا من أنت ذمي ديننا / فلا تتحير واستمع لمقالتي
نعم قد قضى ربي بكفرك عندنا / ولم يرضه لكن قضى بالإرادة
كقاض بقصد قد قضى بجناية / عليك ولا يرضى بتلك الجناية
فإن قبيح الفعل لم يرض عاقل / به والقضا حق شريف المزية
وما فعل القاضي قبيحاً وإنما / فعلت قبيحاً أنت بين البرية
فألزمك الرحمن أن ترض بالقضا / ولا ترض بالمقتضيِّ فافهم طريقتي
فإن كان خيراً ما قضى كان راضياً / وإن كان شراً ليس يرضى بشرة
قضى بضلال فيك وهو يضل من / يشاء ويهدي من يشاء لحكمة
فكن بالقضا من ربك الحق راضياً / ولا ترض بالمقضيِّ أي بالشقاوة
وقد شاء ربي أن تشاء لما يشا / فإن شئت عصياناً عصيت بجهلة
وما أنت مجبور وربك خالق / لك الإختيار المحض من غير مرية
وحيث اختيار فيك خلقة ربنا / كباقي صفات مثل حول وقوة
فإنك مختار ولا جبر هاهنا / وكلفك المولى بأنواع كلفة
وما الشرط في المخلوق يقدر أنه / يخالف حكم الخالق المتثبت
فكن راضياً بالله رباً وبالنبي / نبياً وبالدين الحنيفي ملتي
تكن مسلماً مثلي ومثل معاشري / وتلحق بنا أهل الكمال الأئمة
وإلا فدم في الكفر والشرك والردى / تؤدي الخراج الحتم من بعد جزية
حقيراً ذليلاً إن أبيت تخطفت / حشاك حداد السمر والمشرفية
وهذا جوابي أحمد الله بعده / وأهدي إلى المختار أسنى تحية
وقد قاله عبد الغني بربه / تبارك لا بالنفس تلك الفقيرة
ورضوان ربي جل عن آل أحمد / وأصحابه جمعاً وبالخير تمت
لقد بت من فرط الأسى طول ليلتي
لقد بت من فرط الأسى طول ليلتي /
أقلب قلبي في الهموم الشديدة /
أقول مدى صوتي لتفريج كربتي /
إلهي بتقديس النفوس الزكية / وتجريدها عن عالم البشرية
لعفوك أرجو عن ذنوب تضرنا /
ومن أنت يا مولى الموالي ومن أنا /
حقير ذليل كم أنادي لمن دنا /
أزل عن فؤادي ما ألاقي من العنا / فإني قليل الصبر عند البلية
وذي طلعة عن كل معنى تنزهت
وذي طلعة عن كل معنى تنزهت / لها كل شيء في الوجود يسبِّحُ
وتسبيحها عنه علت حيث أنه / من الخلق حكم ليس للحق يصلح
لها الحسن بل والقبح والكل حكمها / فتعطى لها الإيمان منها وتمنح
يصورها كل امرئ حسب حاله / وكل إناء بالذي فيه ينضح
فديتك يا من قد خفيت فلاحا
فديتك يا من قد خفيت فلاحا / وشوقي إليه لا يزال فلاحا
ولا عجب إن طرت في رؤيتي له / فمن لطفه أني وجدت جناحا
ولما بدا وجهٌ له من ورا الورى / رأيت جميع الكائنات ملاحا
تباركت من سر خفي عن السوى / أباح لنا جهراً لقاه أباحا
يقول لشيء كن وما الشيء غيره / إذا كان لكن قد سترت وباحا
وما صبغة الأشياء إلا شؤونه / بها يتجلّى للأنام كفاحا
تعاليت يا ساقي القلوب شرابه / برؤية وجه منه ساعة لاحا
لئن كانت الأكوان في الناس ظلمة / فإنك عندي قد ظهرت صباحا
وشمس سماء الذات منك لنا بدت / وروض التجلي من صفاتك فاحا
هو الكل إلا أن صولة فعله / حجاب له يسقي البرية راحا
فتسكر أرباب العقول فلا ترى / سوى ما لها منها الخيال أتاحا
وما الحسن إلا وهو للعقل تابع / يرى ما يراه قبضة وسراحا
ألا يا وحيد الذات أنت وجودنا / وما نحن إلا الحكم منك متاحا
خطوط بأقلام العقول تخيُّلاً / عن القلم الأعلى صدرن صحاحا
وما القلم الأعلى سوى عن إرادة / تجل انبعاثا إذ علت ورواحا
إرادة غيب من مقام مقدس / ببيدائه فهم المنزه ساحا
قديمة عهد والجميع حوادث / فليس لنا فيها الكلام مباحا
وجود وأشيا ما لهن وجودُ
وجود وأشيا ما لهن وجودُ / فتبدو به منه له وتعودُ
ملابس نور في هياكل ظلمة / لهن اعتراف بالهوى وحجود
على طبق ما في العلم والعلم واحد / قديم بأشيا ما لهن نفود
فحيث وجود لاح بعد خفائه / يلوح بشيء مدة ويجود
وتتبعه الأسماء مطلقة به / على حسب الأشياء وهي قيود
فسميت الأكوان باسم حدوثها / سماء وأرض صخرة وعمود
وما هو إلا الأمر وهو عوالم / سوائل فيها للعقول جمود
وروح وأرواح كشمس أشعة / بها يكرم المبدي لها ويجود
تكاتف منها النشو وهي لطيفة / لصيغة علم الغيب وهو حدود
على صورة الماء الحياة به بدت / وصورة علم بالهواء ترود
وفي صورة النار الإرادة صورة / وقدرته نحو التراب تقود
وما صور الأسماء أجمعها سوى / تفاصيل أفلاك وهن رصود
ودارت كما دارت قديماً فانتجت / حوادثها الإيقاظ وهي رقود
فكان جماداً والنبات كلاهما / حقائق معنى الغيب عنه وفود
كذا حيوان ثم إنسانه الذي / إليه من الأشياء ثم سجود
وما هي إلا الروح والجسم علمها / بخالقها والنفس منه مدود
ثلاث شؤن قدرتها صفاته / له بالتجلي أقمصٌ وبرود
تنزه عنها وهو فيها مشبه / ومنها له في النشأتين خلود
قديم هو الحق المبين الذي له / بياض وليلات الحوادث سود
وحاصل هذا كله هو أنه / وجود وأشيا ما لهن وجود
لنا طالع الغيب المقدس يا سعدُ
لنا طالع الغيب المقدس يا سعدُ / فلا نحس بل أوقاتنا كلها سعدُ
وأفلاكنا دارت على حكم ربنا / بما يقتضيه الحظ والعيشة الرغد
هي الشمس من أبراج أكوانها بدت / ولا برج في التحقيق إن هي لا تبدو
تقاديرها من حكم أسمائها التي / تجل عن الإحصا فما إنْ لها عد
وجود حقيقي مضاف له الورى / جميعاً ولا قبلٌ لشيء ولا بعد
ولم ينقسم بل قام كلٌّ بأمره / على حده إذ لا يقيده الحد
وما الشان عن شان يشاغله فلا / يخص التجلي منه غور ولا نجد
وقولي وجود حسب ما هو عارف / به كاشف عما يشير له الوجد
به الكل موجود وما الكل غير ما / يقدره في علمه ذلك الفرد
فليس لموجود بدا مع وجوده / وجود فحقق لا يضلنك الجحد
وكن ظاهراً بالوهم فالكل هالك / سوى وجهه أي ذاته إذ هو القصد
وسالم وسلم للمنازع قوله / فما قائل من عنده حيث لا عند
ولكنها الأسماء منه تقابلت / فبعض له غي وبعض له رشد