المجموع : 306
خُذوا من ذمامي عُدةً للعواقب
خُذوا من ذمامي عُدةً للعواقب / فيا قربَ ما بيني وبينَ المطالبِ
لَواني زماني بالمرام وربما / تَقاضيتُه بالمرهفات القواضِبِ
على حين ما ذدتُ الصِّبا عن صبابةٍ / ذيادَ المَطايا عن عِذابِ المشاربِ
وأعرضت عن وصل الخريدة والهوى / يُطاوعُني طوعَ الذَّلول لراكبِ
ورضْتُ بأَخلاقِ المشيب شبيبةً / مُعاصيةً لا تسكتينُ لجاذبِ
عقائلُ عزمٍ لا تُباحُ لضارعٍ / وأسرارُ حزمٍ لا تذاعُ لِلاعِبِ
وللهِ مقذوفٌ بكل تَنوفَةٍ / رأي العزَّ أَحلى من وصال الكواعب
أغرَّ الأعادي أَنني بتُّ مُقتراً / وربَّ خلوٍّ كان عَوناً لواثبِ
رويدكُم إِني من المجد موسِرٌ / وأنْ صَفِرَتْ عما أفدتم حقائبي
هل المالُ إلا خادمٌ شهوةَ الفتى / وهل شهوةٌ إلا لجلب المعاطبِ
فلا تطلبنْ منه سوى سدِّ خَلَّةِ / فإنْ زاد شيئاً فليكن للمواهبِ
مَرِهْتُ بإدْماني سُرى كل حادثٍ / ولا كحلَ إلا من غبار المَواكبِ
فلا تصطلوها إِنها دارِمِيَّةٌ / مواقدها هامُ الملوكِ الأغالبِ
سأَضرمُها حمراءَ ينزو شرارُها / على جنبات القاع نَزْوَ الجنادبِ
بكل تميميٍّ كأن قميصهُ / يلاثُ بغُصنِ البانَةِ المُتعاقبِ
يحارب مسروراً بما هو مُدْركٌ / فتحسَبُه للبشر غيرَ محاربِ
تمدُّ برقراق الدماءِ جراحُها / أَتيّا ولمَّا يأَتِ سيلُ المذانبِ
إذا كذبَ البرقُ اللموعُ لشائمٍ / فبرقُ ظُباها صادقٌ غيرُ كاذبِ
نجيعُ كسح الغيث يهمي على الثرى / وثائرُ نَقْعٍ كارتكام السَّحائبِ
فوارسُ باتوا مجمعينَ فأَصْبَحوا / وآثار عقدِ الرأي عقدُ السَّبائبِ
إذا شرعوا الأَرماح للطعن خلتَهم / بُدوراً تجاري في طِلاب كواكبِ
أسوداً إذا شبَّ الخميسُ ضِرامهُ / أسالوا نفوس الأسد فوقَ الثعالبِ
فطال اعتراكُ القوم حتى تصادموا / على سننٍ من طائح الهام لاحِبِ
فلزَّهم طولُ الطِّراد وحرُّهُ / إلى وطءِ أعجازِ البيوت العوازبِ
فازخور الطَّعنِ بين غَطارف ال / كماةِ ولا بين الإِماءِ الحواطبِ
وآمن من لم يركب السيف عنُقهُ / غداة استبان البأس صعب المراكبِ
وركبٍ كأَنَّ العيس أَيَّانَ ثوروا / تساوقُ أَعناق الصَّبا والجنائبِ
خفافٌ على أَكوارِها فكأنَّهم / من الوبَر المأنوس عند الغوارب
إذا أضمرتم ليلةٌ أظهرتهمُ / صبيحتُها بين المُنى والمآربِ
وبي ظمأٌ لم أَرضَ ناقعَ حَرِّهِ / سواكَ في الكأس فضلٌ لشاربِ
وفتيان صدق من تميم تنَاثلوا
وفتيان صدق من تميم تنَاثلوا / دروعهمُ والليل ضافي الوشائعِ
وقِيذينَ من عرقِ السري وقلوبهم / شدادٌ على مرِّ الخطوب الصَوادع
يقودون جُرْداً مضمراتٍ كأنها / كواسرُ عقبانِ الشُريفِ الأباقعِ
تجارى إلى شعواء إلا السيف عندها / بصادٍ ولا ظامي الرجال بناقِع
ضمنتُ لهم مُلك العراق فأوسعوا / ضِرابَ الطُّلى بالمرهفات القواطعِ
وكنتُ إذا ما ساورتني كريهةٌ / برزتُ لها في جحفلٍ من مجاشعِ
فلم أستكن من صرف دهرٍ لحادثٍ / ولا ارتعتُ من وقع الخطوب لرائع
قدعك ما اسْطَعْتِ الغداةَ فإِنها / صبابةُ مجدٍ لا هوىَ بالبراقِعِ
سَلي غانيات الحيِّ عن مُتخَمِّطٍ / إذا السجف ميطت عن ظباء الأجارع
وكم زوْرة قابلتُّها بتجنُّبٍ / ومبذولِ وصلٍ رعتُه بالقطائعِ
وسَكرى من الوجد الدخيل أبحتها / عَفافَ تقيٍّ لا عفاف مُخادعِ
إذا المرءُ لم يعتدَّ إلا لصَبْوةٍ / أتاهُ الردى ما بين ناءٍ وقاطعِ
وإنْ هو لم يجهدْ إلى العزِّ نفسه / تحمَّل أَوْقَ الذلِّ في زيِّ وادعِ
أبي اللهُ إلا وثْبةً مُضريَّةً / تُبيحُ المواضي من دماءِ الأخادعِ
تعمُّ الفضا من أدْكن البُرْد قاتمٍ / وتكسو الثَّرى من أحمر اللون ناصع
فلا تاجَ إلا وهو في رُسْغ سابحٍ / ولا رأس إلا وهو في كفِّ قاطعِ
إذا ما حَموا أرواحهم بدروعِهم / أبحْنا حِماها بالرماح الشَّوارعِ
وإنْ ناجَزونا بالطِّعان سفاهةً / أبحْنا حِماها بالرماح الشَّوارعِ
وإنْ ناجَزونا بالطَّعان سفاهةً / أعدناهم بالرق بعض البضائع
إِلامَ أذودُ النفس عما تَرومهُ / ذيادَ المطايا عن عِذابِ المشارعِ
فإنْ أنا لم أَخبطْ لها الوعرَ عاسفاً / بإكراهها بين السُّرى والوقائعِ
فهمي من فرط الكآبة قاتلي / وعزمي من حرِّ البسالة باخعي
بدا لأصحابي غمامٌ كما بدتْ / أعيَلامُ رضْوى للمُجدِّ المتابِع
تعرَّضَ نجدياً كأنَّ وميضَهُ / سيوفٌ جلاها صاقلٌ غِبَّ طابعِ
كأنَّ العِشارَ المُثْقلات أجاءَها / مخاضٌ فجاءت بين موفٍ وواضع
فما زعزعتهُ الريحُ حتى تصادمت / على الأكم أعناقُ السيولِ الدوافع
فآضتْ له البيداءُ يَمّاً وبُدِّلتْ / يرابيعُ ذاك المُنحنى بالضفَّادعِ
فلا موضعٌ إلا مُخيضُ ركابهِ / ولا واضعٌ إلا فُويْقَ المناقِعِ
فقال خبيرُ القوم عامٌ بغبطةٍ / نديُّ الثرى والجوِّ غضُّ المراتعِ
فقلتُ لأنْدى منه لو تعلمونَهُ / أناملُ نوشَرْوان تهمي لقانعِ
سحائبُ تَمْريها العُفاةُ فيَغتدي / على القوم منها هامعٌ إِثرَ هامعٍ
صدوقُ الحيا للشَّائمينَ الْتماعهُ / إذا كذبتْ غرُّ البروق اللَّوامعِ
يُضيءُ بها الَّلأواء أَبْلَجُ دأبُهُ / بناءُ المعالي واصطناع المصانعِ
فتى الحيِّ أما دارهُ فَلِلاجيءٍ / شريدٍ وأمَّا زادهُ فَلجائعِ
سليمُ دواعي الصدر مستهطل الندى / قشيبُ رداءِ الحلم عَفُّ المسامعِ
ينالُ خطيرَ المجد في زيِّ خاملٍ / ويعلو العُلى في حِلْيةِ المُتواضعِ
يَخيلُ بمْراقٍ من البشرِ كلما / ألاحَ أَضاءَتْ مظلماتُ المطامعِ
ويحتقرُ الوفْرَ الجزيلَ وأنَّهُ / لبَاذِلهُ والعامُ يَبْسُ المَراتعِ
إذا احتبت الغلب الرقاب وجاذبت / رادءَ العُلى والمجد أيدي المجامعِ
أُقِرَّ لهُ بالسبقِ غيرَ مُنازعٍ / وأُلْقِي عنانُ الفخرِ غير مُنازعِ
كأَنَّ على أخلاقه من بَنانهِ / ندىً حملتهُ من بساطِ الأشاجعِ
يُغيرُ عليه الحلمُ غير مُخذَّل / ويمضي به الإِقِدامُ غيرَ مُراجعِ
ويهتزُّ للمعروف عندَ انْتدائه / تأَوُّدَ غُصنِ البانَة المُتتابعِ
له حليةُ الشَّهم الزميعِ مع العدى / وفي الله كاسٍ ثوبَ خَشْيان خاشع
ودودٌ لو أنَّ الهجرَ زادٌ لساغبٍ / لألْفيتهُ مُستهتراً بالمجاوعِ
طوى شرف الدين السًّرى لمحلقٍ / من المجدِ مردٍ بالسُّرى والنزائع
فغادر طُلاب المعالي رذيَّةً / لإِدراكهِ ما بني مُعْيٍ وظالعِ
هنيئاً لك النَّجْلُ الكريم فإنُه / ضياءُ شهابٍ نوَّر الأفْقَ ساطعِ
عبدتَ وحاولت المزيدَ من التُّقى / فجئتَ بعبدٍ مُسلمِ الدين طائعِ
فأما التي أنْ نلْتها كنت رافِعاً / لها وسَناها منك ليسَ برافعِ
فتهنئتي للناسِ فيها لأنَّهم / بك اعتصموا من مُردياتِ المصارع
وجيش كأعناق السيولِ غُثاؤهُ
وجيش كأعناق السيولِ غُثاؤهُ / إذا مدّ ملفوظ الظبي والجماجم
بعيدُ المدى لا صدرُ غور بمضمرٍ / سُطاةُ ولا قلبُ الظَّلامِ بكاتمِ
إذا نصلت من صبغها لِمَّةُ الدُّجى / أعادَ عليها صيغَ أَغْبر قاتمِ
به كل هفافِ القميصِ مُقارعٍ / على كل محبوكٍ السِّراةِ ضبُارمِ
أطلَّ على سِيفِ الفرات غدُيَّةً / وجِرْيتُها تحكي بطونَ الأراقمِ
فغادرها حمراءَ يقذفُ ماؤها / غطارفَ شُوشاً في مكانِ العلاجمِ
أرادَ ابتداري بالرَّدى فأجارني / أغرُّ طويلُ الباع من آلِ هاشمِ
وراءكِ أقوالَ الوشاة الفواجر
وراءكِ أقوالَ الوشاة الفواجر / ودونك أحوال الغرام المخامرِ
فلولا ولوعٌ منك بالصَّدِّ ما سعوا / ولولا الهوى لم انْتدبْ للمعاذرِ
تَزاورَ نَومي أن هَجرتِ وطالما / صفا صفوَ جفنٍ إذ وصلت وناظر
لقد أنجمتْ تلك العهودُ كأَنَّها / جوافلُ طيرٍ نُفِّرتْ بالخوادرِ
فلا الطيفُ للطرفِ القريح بسانحٍ / ولا الحِبُّ للقلب المعنَّى بزائرِ
سليمٌ من الأشواق شِيبْ بكاذبِ / وأمْنٌ من الإِلمام ريْعَ بهاجرِ
وباكٍ إذا ما أجْدبَ العامُ عنده / سقى التُرابَ من أجفانه بالمواطرِ
أصختِ ولو أرعيت وجدي مسْمعاً / لَرُدَّ على أعقابه كلُّ فاجرِ
وحمَّلتني ذنب الكذوب ولم تزلْ / يدُ الخطب تُدمي ناقلاً غير عاثرِ
عصيتُ أمير العذلِ فيكِ وطالما / تداول سمعي مجلباً بالزَّواجرِ
إذا عددت أنواع صدك واغتدت / أوائلها مشفوعة بالأواخر
محاها هوىً ما يستفيق كما انمحى / بحلم جَلا الدين عُظْمُ الجرائر
إذا ما أتاه مُجرمٌ وهو قادرٌ / توهَّمتهُ من عفوه غيرَ قادرِ
عفا اللهُ عنها هل يُلمُّ خَيالُها
عفا اللهُ عنها هل يُلمُّ خَيالُها / فيُقْضى على رغم وصالُها
وما مُلتقى الطيفِ المُلمِّ بناقعٍ / غَليلاً ولكن مُنيةٌ وضَلالُها
تذكَّرتُها والحيُّ للحيِّ جِيرَةٌ / يهونُ تلاقيها ويدنو مَنالُها
وقومي وقومُ العامريَّةِ عُصبةٌ / كذاتِ البنانِ ما يُرامُ انْفصالُها
رفاق ندىً لا يُستقلُّ نوالُها / وأحلافُ رُوعٍ لا يفلُّ نزالُها
وفي أَلسُنِ الواشين صحتٌ عن الخنا / إذا أَرشقتْ بالقولِ طاشت نبالُها
فبتُّ كأني شاربٌ قَرْقَفيَّةً / من الراح لم يفْلِلْ شباها زُلالها
أبي حبُّها إِلا غَرامي وأَصبحَتْ / تقطَّعُ إلا من فراقِي حبالُها
كأنَّ خوافي ناهضٍ متمطَّرٍ / غدتْ بفؤادي يومَ زُمَّتْ حبالُها
عدمتُ اصْطباري والنوى مطمئنةٌ / فكيف احتمالي حين جدَّ احْتمالها
ومما شجاني أنَّ حبي سالمٌ / من الفحشِ والدنيا كثيرٌ وبالُها
إذا رفثَ العشَّاقُ ساهرتُ عفَّةً / سواءٌ عليها حِرْمُها وحلالُها
تجنبُ بي عن مَحرم اللهِ خشيةٌ / وتكبرُ عندي رخصةٌ واخْتلالُها
ومن رامَ ما أبغيه فالحربُ عنده / فتاةٌ وتحطيمُ العوالي بعالُها
ستسفرُ لي تلكَ الدُّمى مستذمةً / إذا هلكت تحتَ العجاج رجالُها
لدنْ غدوةً لا أَمنعُ السيف حقهُ / من الهام أو يُبدي شعاري مقالُها
بفتانِ صدقٍ من ذؤابة دارمٍ / مواضٍ إذا أعيا الكماةَ اقتتالُها
عثرنَ جيادي بالوشيج وربما / أعيدتْ وتيجانُ الملوك نِعالُها
وغيً ضاق عنها القاع طرداً وكثرةً / فشاركتِ البيداءَ فيها جبالها
أذَلتُ مديحي والحوادثُ جمَّةٌ / بأعراضِ لؤمٍ من أَذاها نوالُها
ودونَ مديحي كلُّ دهياءَ لو رمتْ / دعائمَ رَضْوى لاسْتمرَّ انهيالُها
فإن تجهلوني فالقنا ومجاشعٌ / وعزمي وحزمي والعلى واحتلالُها
وإنْ صدئَتْ أعراضُهم فصوارمي / بماءِ طُلاهم سوف يصدا صقالُها
وإنَّ مُقامي في فناءِ ابن خالدٍ / لأولُ حربٍ عاثَ فيهم صِيالُها
هو المرءُ يُعطي مُغنياً عن سؤاله / إذا شابَ بيضَ الأُعطياتِ سؤالها
منيعُ الحمى لو ساور الموتُ جارهُ / لردَّ المنايا الحمرَ تنبو نصالُها
مرائر عَهدٍ لا يُرامُ انتقاضُها / وعجلى عطايا لا يُخافُ مطالُها
وأبلجُ سامي الطَّرف لا تستفزُّه ال / دَّنايا ولو زان الدَّنايا جمالُها
تطيشُ الرَّزايا وهو ثبْتُ كأنما / جرت بِشَرَوْرى نسمة واعتلالها
إذا عُدِّدَ الأجوادُ فهو كريمُها / وإن ذُكر الأطوادُ فهو بجالُها
شِملَّتُها أن كان للخير مطلبٌ / وفي معرض الشيء الخبيث ثقالُها
وما مقبلٌ من قُنَّة الطَّود زاخرٌ / له صخباتُ الأسْد عَنَّ مَصالُها
تَظَلُّ له عُصْمُ اليَفاع غَريقةً / ويتبعُها ضبُّ الفلا وغَزالُها
إذا مرَّ بالوِعساءِ وهو مزمجرٌ / تَدهدى له كثبانُها ورمالُها
ترى شجرَ الغُلان فيه كأنَّها / سفائنُ يمٍّ أسلمتها رجالُها
كأنَّ بياضاً راغياً في عُبابه / لغامُ المطايا أثقلتها رحالُها
أفادته غِبِّ المحْل وطفاءُ جوْنةٌ / أقامت نُعاماها وغابت شمالُها
سَرت لبني الآمالِ من بعدِ هجعةٍ / إلى الصبح سحّاً ودْقُها وانْهمالُها
بأغزرَ من يمناهُ جوداً إذا همى / على معتفيه رفدها ونوالها
ترومُ العِدى ما نلْته من مفاخرٍ / وقد خاب باغي غايةٍ لا ينالها
لكَ القومُ تهمي النَّوال أكفُّهم / إذا السنَّةُ الشهباء أودت إفالها
أناملكم آباءُ جودٍ ورحمةٍ / إذا ما انتديتم والعفاةُ عيالها
لِنَهْنِ هلال العيدِ كونُك سالماً / فإنَّك في أفق المعالي هلالها
أيا شرف الدين ارعني سمع عارفٍ / بقولي إذا الأقوال ضاق مجالها
شكرتُك للنُّعمى التي ملأت يدي / وشكرُ أيادي المنعمين عِقالها
وأجممتُ عن جلِّ الرجال مدائحي / وفيك غدا فكريُّها وارتجالها
ألا رَجلٌ أُلقي إليه عظيمةً / وهيهات أعيتْ عقدةٌ وانحلالها
فيغضب لي حتى أدير رحى وغىً / يكون ديار الناكثين ثفالُها
لمن جيرة دون اللوى والشقائق
لمن جيرة دون اللوى والشقائق / يعطُّون بالاغذاذ ثوب السمالِق
عجال السرى لا يستقل معرَّسٌ / بهم غير أرجاء الطلاح الأيانق
كأن فتيت المسك ذرَّ سحيقُه / مع الصبح في أكوارهم والنمارق
إذا رحلوا عن منزل غادروا به / مهاجاً لمشتاق وطيباً لناشق
وفوق الحوايا كل غيداء دونها / حميَّةُ غيرانٍ ولوعة عاشق
سحبن فضول الريْط صوناً كأنما / خفاف المطايا من شعور المفارق
وأعرضن عن رجز الحداة تحرجاً / عن النظم في ذكرى مشوقٍ وشائق
توهمت حلمي بعدهن سفاهةً / وخفَّتْ أناتي خفة المتنازق
وعهدي بنا والدار قربٌ لشاحطٍ / ووصل لمهجورٍ وودٌّ لوامقِ
ومرتبع الحي الجميع من الحمى / رياض العوالي في رياض المبارق
مجامع أيسارٍ وموقف سُمَّرٍ / ومطعن فرسانٍ وشارات راشق
ومبرك أنضاءٍ ومُلقى سوابغِ / ومسحب أرماحٍ ومنْضى سوابق
فلما دعا داعي النوى واستخفَّنا / تجاوبُ غربانِ الفراق النواعق
ظللت أداري دمع عينٍ قريحةٍ / أبى الوجد إلا أن تجود بدافق
كأن اهابي مُشْعَرٌ خيبريةً / غداة سرى ظعن الخليط المفارق
تنفست حتى قال صبحي ضَريمةٌ / من النار هاجتها رياح المشارق
أهجراً وما أضمرت غدراً ولا سرى / مشيبي في ليل الشباب الغُرانق
أذن فوصال الغانيات نفيضة / أمحَّتْ فما فيها اعتصامٌ لواثق
ذرا الدمع يجري مستهلاً فما الهوى / بدانٍ ولا وعدُ الحسان بصادق
وإن وراء الحب حباً وصالهُ / مجال المذاكي في دماء الموارق
منعت القِرى إن لم أقُدها عوابساً / تثير عجاج المأزق المتضايق
خوارج من ليل الغبار كأنها / نجوم رجومٍ أو سهام مراشق
تجانف عن ورد الفلاة ظميئةً / فلا ورد إلا من دماء الفيالق
يعيد عليها الكرَّ كل مجاهرٍ / بأخذ العُلى والمجد غير مسارق
رجال نَبتْ أغمادهم بسيوفهم / فعاجوا على أغمادها في العواتق
يزينون ما أبقى الطعان من القنا / له برؤوس الصيد لا بالبيارق
أروع بهم صبحاً ظهيرة يومهِ / تعصب تاجٍ واحتلال سُرادق
دعوت تميماً والرجال بعيدةٌ / وقد ضقت ذرعاً بالخطوب الطوارق
فقام بنصري من قريش ممجَّدٌ / شديدُ مضاء البأس سهل الخلائق
فتىً قُدَّ قَدَّ المشرفي فصفحهُ / لصفحٍ وحدًّا شفرتيه لعاتق
يشام ندى كفيه من بشر وجهه / كما شيم منهلُّ الحيا بالبوارق
فيا أيها العافي أثرها غنيًّةً / بذكر المنى عن زجر حادٍ وسائق
إلى أيمن الزوراء شرقي دجلةٍ / ربيع المقاوي في السنين العوارق
فما ابن طراد بالنَّؤوم عن القِرى / ولا مرتج أبوابه دون طارق
أجار على الأيام حتى ذمامه / لا مرتج أن يصول بعائق
وما مندلٌ فاهت به بعد هجعةٍ / جمار غضىَ شبت بأتلع شاهق
من القُطُر الأحوى يكاد أريجه / يذيع لدى الداريِّ دون المحارق
أُتيح له نشر الخُزامى ونفحه / من الغيد ما بين الطلى والبنائق
تداعته أرواح الصِّبا فبعثته / لشربٍ حِلالٍ بالحمى والأبارق
فمادت بمن لم تسر الخمر نشوة / من الطيب في عرنينه والمناشق
بأطيب من عرض الرضا حين تنش / ر المدائح غُراً بين نادٍ ومازق
بهاليل غُرَّان المجالي عوارمٌ / على الأمر طعَّانون تحت البوارق
مطاعيم في المشتى مطاعين في الوغى / طوالُ العوالى والطلى والشقاشق
إذا صرح الموت الزؤام تذامروا / على الروع واجتاحوا حماة الحقائق
بنودهم خفَّاقةٌ وقلوبُهم / إذا شهدوا الهيجاء غيرُ خوافق
خليليَّ من عُليا تميم بن خندفٍ
خليليَّ من عُليا تميم بن خندفٍ / نداء أبيٍّ للهضيمة عارفِ
خُذا برقاب العيس عن عقر منزلٍ / بغيضٍ إلى النُزَّال شين المواقف
عن الحي لا الجار المقيم بآمنٍ / لديهم ولا الجاني عليهم بخائف
بيوتٌ قصيرات العماد كأنها / وجارُ ضباع أجحرتْ للمخاوف
إذا نزل الناس اليفاع تزاوروا / إلى سترات الغائط المتقاذف
جفائهم أردانهم ينسرونها / إذا طعموا نسر البزاة الخواطف
أذى كصدور السمهرية مرهف / وذل كعيدان الأراك الضعائف
ظواهر أمثال الصَّباح ودونها / بواطن سودٌ كالدجى المتكاثف
عداكم غمام أخصب أهله / وجادكم صوبُ اللدان الرواعف
لقد علمت زوراء دجلة أنني
لقد علمت زوراء دجلة أنني / وقورٌ إذا خفَّتْ حلوم العشائر
وأني قتولٌ بالأناة إذا نبتْ / صدور العوالي والسيوف البواتر
وأني غفورٌ للسفيه وآخذُ النَّبي / هِ ومنَّاع النزيل المجاورِ
أعير الجهولَ الغِرَّ لينة راحم / وأضرب في رأس الكميِّ المغامر
وأصدف عن هزل المقال ترفُّعاً / بمجديَ عن مؤذٍ لجديِّ ضائر
وكم من سفيه الرأي والقول أجلبت / فواحشُه اجلاب هوجاءَ داعرِ
يقول لي الفحشاء كما أجيبه / فيغدو بقولي في عِداد النَّظائر
كررت عليه الحلمَ حتى تبدلت / جرائمه من خلجةٍ بالمعاذر
وحاجة مصدورٍ سهرت لنُجحها / وقد نام عنها ربُّها غير ساهر
قطعت لها ليْليْ سُرىً ورويَّةً / فجاءت وما نَمَّ الصباحُ بجاشِر
إذا شطَّ مأمولٌ أروم دراكه / ركبت متون العزم قبل الأباعر
وإني لمشتاقٌ إلى ذي حفيظةٍ / شديد مضاءِ البأس مُرِّ البوادر
متى سمته بالقول نصراً جرت به / مقاولُ أغمادٍ فصاحُ المجازر
إذا أغمد البيض الصوارم في الطلى / وحطَّم مَّران الوغى في الحناجر
تخيَّر مني جالب الشر في العِدا / تَخيُّرَ معزٍ لا تخير زاجر
فيفتك فيمن رام ظُلمي بأول / ويسأل عما جَرَّ حربي بآخر
يكون نصيري عند إدراكي العُلى / ولن تُدرك العلياءُ إلا بناصر
شأوت بني الزوراء مجداً فأبغضوا / وهل يُضمر المقهور حباً لقاهر
وأنكر جِدي هزلهم فتنافروا / نفارُ المواشي عن مقام القساور
وكيف يقيم الليل والشمس برزةٌ / ويدنو حمامُ الأيك من وكر كاسر
ولو عقلوا كان الفخارُ بهمَّتي / على المدن أحرى بالنُّهى والبصائر
ولكن أضاعوني وفي الله حافظٌ / وليس تغطي الشمس راحةُ ساتر
فلو لحظوا عن أعين الحق همَّتي / رأوا ملك الآمال في زيِّ شاعرِ
أبى السيف إلا فتكةً دارميةً / تروي صداه من دماء المساعر
وخيلاً تَعادى بالكماة كأنها / نسور الموامي أو ذئابُ القراقر
يخف بها غِمر إلى كل ناكثٍ / ويجذبها ضغن إلى كل غادر
تمارحُ تحت الدارعين مراحَها / على كلأٍ من منبت الحَزْن ناضر
إذا قيل هذا الروع أغنى نشاطها / بقرع العوالي عن جلاد المخاصر
عليهن منا كل لافظ جُنَّةٍ / ترفَّع أن يلقى الردى غير حاسر
أخي ضَمَدِ ضاق الفؤاد بهمهِ / فأوسع ضرباً هاتكاً للمغافر
هجرنا إلى آمالنا كل مطعمٍ / فلم ترَ إلا ضامراً فوق ضامر
بيوم وغىً تعمي العجاجةُ شمسه / وتُطلعُ زهر الذابلات الشَّواجر
جبهناهم فيه بطعنٍ كأنه / خروقُ العَزالي واستنانُ المواطر
وسُقناهم تحت العجاج كأنما / نخبُّ بغزلان الصَّريم النوافر
فلو لا ادِّكارٌ من أناة ابن خالدٍ / لما كفَّ عن ضرب الطُّلى غرب باتر
فتى سنَّ نهج الحلم من غير ذلةً / لكل حديد في الخصام مساور
وأسبل ماء الجود حتى تزاورتْ / عيون بني الَّلأواءِ عن شيم ماطر
مطاعٌ بلا فتك ولم تشهر الظُّبى / لحب الردى بل لامتثال الأوامرِ
تَوَهَّمُ ريَّا عرضه نشر روضةٍ / أصاب الحيا من صيِّباتِ البواكر
إذا ما سعى للمال قومٌ فسعيه / بناءُ المعالي واكتساب المفاخر
حمي إذا خيف الردى بات جاره / على عِظم الأعداء غير محاذر
وذي فرق ضاقت به الأرض خيفة / كما ضاق أُحبولُ الملا باليعافر
تدافع لا الحصن المنيع بآمنٍ / عليه ولا الليل البهيم بساتر
إذا قال هذا معقل قذفت به / نواجِيه قذف الراشقات العوابر
يودُّ لو أنَّ الأمر في عربيةٍ / فتحميه أطناب البيوت الدواسر
رمى بالحريم الطاهريِّ رحاله / إلى سالمٍ من شائب العيب طاهر
فباشر أمناً لا أداءُ عُهودهِ / بزورٍ ولا أيمانهُ بفواجر
تميل بعطفيه القوافي كم مشى / دبيب الحميَّا في عظام المُعاقر
إذا فجر المُداح في مدح غيره / فمادحُه في مدحه غير فاجر
تتيه به الدنيا فخاراً وينثني / بما ناله من مجد غير فاخر
عليمٌ بإصلاح الورى /
تحيل رقى ألفاظه الضغن خلَّة / ويغدو بها لموتور سلماً لواتر
تُناخ مطايا مُعتفيه بماجدٍ / رفيع عمادِ البيت جَمِّ المآثر
إذا انتجعوه جاد صوب يمينه / بمغدودقٍ يُنسى انهمال الهوامر
لهم منه رفْداً وجهه ونواله / فلم يُرَ إِلا باذلاً غِبَّ باشِر
هناك قدوم الصَّوم والعيد إذ هما / شريكاكَ في تقواهما والبشائر
أمنتُ صروف الحادثات وعصمتي / بردءٍ شديدٍ من يديك مُظاهري
وأخرست ضوضاء الخطوب وربما / رمتني لو لم تحمني بالفواقر
أيادي الفتى في الناس ذخرٌ وأنها / بودِّ الفصيح الحرِّ خيرُ الذخائر
وما أنا للنعماء منك بجاحدٍ / ولا لأياديك الجسام بكافر
وحاشاك يومأً أن تُرى غير مُنعم / وحاشاي حيناً أن أرى غير شاكر
أقم يا حسامي في صوانك واهجم
أقم يا حسامي في صوانك واهجم / شربت دماً لم أُروِّك بالدَّمِ
ألا أنَّ وجدي بالمعالي مبرحٌ / وأبرح من وجدي بها وجد مخذمي
طويتُ لها خمساً وعشرين حجَّة / وواحدةً طيَّ الرداء المسهَّم
أذود الصبا عن مطمحٍ غير ماجدٍ / وأنهى الهوى عن موقف غير مكرم
يقولون جانبت النسيب وإنما / نسيبي ذكِرْى غارةٍ وتقحُّم
وفي غزل العليْاء لو تعلمونه / شفاءُ غرامٍ وادكارُ متيَّم
وكم مغرمٍ بالمجد عزَّ سُلوُّهُ / فأعرض إلى قول لُوَّم
إذا قيل هذا مفخر ظل مائساً / كما اضطرب المجهود من أم ملدم
سأبعثها شعواءً أمَّا لمغنمٍ / يحقق آمالي وأمَّا لمغرم
تميميَّةً لا صبرها عن تقاعُسٍ / مُذلٍّ لا أقدامُها عن تهجم
تُجد رسومَ المالكيَن ودارمٍ / وسُفيانَ والصَّيْفيِّ منها وأكثم
بحورُ نوالٍ لم تغضْ دون وارد / وأطواد ملكٍ لم تُنل بالتَّسنم
سهرت وما حب الحسان بمسهري / وهل منجدٌ فيما يروم كمتهم
لبرق كلمع الهندوانيِّ دونه / سحيقةُ حيٍّ أنجموا بالتهضُّمِ
ترامت بهم أيدي النَّوى وتزاوروا / إلى عازبٍ عن أرضهم متوخم
وعهدي بهم والدهر ملقٍ قياده / إلى كل مشبوح الذراع غَشمْشم
لبوسُهُم من سابريٍّ مُعسجدٍ / وأرضهم من لاحقيٍّ مسوَّم
غنيِّين من أرماحهم ووجوههم / نهاراً وليلاً عن شموسٍ وأنجُمِ
فبت كما بات السليم بقفرةٍ / سرت في أعاليه مُجاجة أرقم
تزاحم أشجاني إذا ما ذكرتهم / زحام المقاوي عند باب ابن مسلم
فتىً ليس بالنوام عن طارق الدجى / ولا عن قراع الدارعين بمحجم
يسيل دماءَ الكُوم وهي منيفةٌ / ويضرب في رأس الكميِّ المكمَّم
نفى واضح التشريق عن شمس أرضه / دخانُ قدورٍ أو عجاجةُ مِصْدم
حِمامٌ لأعداءٍ وأمْنٌ لخائف / ورأيٌ لمعتاصٍ وعفوٌ لمجرم
وأبلج من عُليا عُقْيل يَسرُه / حميد المساعي والنَّدى والتكرُّم
عفيف إزار الليل لا يستفزُّه / ظلامٌ ولا تغتاله ذات معصم
وما نشوة من قرقف صرْ خديَّةٍ / تدفَّقُ من ضنْك الجِران مُفدَّم
إذا سكبت في الكأس خلت شعاعها / على غسق الظلماء جذوة مُضرِم
لها حَبَبٌ يرفض عنها كأنَّه / عيونُ جرادٍ أو زواهرُ أنجم
أُتيحت لمشعوف الفؤاد مُدلَّهٍ / رمته الغواني عن قسيِّ التَّصرُّم
فعادت بأشجان وهاجت صبابةً / له وتمشَّت في مُشاشٍ وأعظُم
بأحسن من هز القوافي لعطفه / إذا رُجِّعت بالأفواه المُترنمِ
يطيف به من قيس جوثَة فتيةٌ / جريئون في يوميْ ندىً وتقدم
يحيون بسَّاماً كأن رداءهُ / يلاثُ برُكْنيْ يذبلٍ ويلملم
ومجْر كمُنهال الشَّقيق وعالجٍ / مُضرٍّ بأكْناف البلاد عرمرم
خلا فَرَقاً من بأسه كل مربضٍ / وأقفر من إِرهابه كل مجثم
يخال إذا ما الخرق ضاق بخيْله / بنا قرْمدٍ أو جنب رعْنٍ ململم
كأن بأعلى بيضه من عجاجه / رداء خُداريٍّ من الليل مُظلم
فلا أفْقَ إلا من مُثارِ عجاجة / ولا أرض إِلا من سَراة مطَّهمِ
تلته سباع الطير والوحش فاغتدى / بطِرفٍ ومغوار وسِيدٍ وقشعم
غلا حرُّه حتى كأن استجاره / سنا لهبٍ أو عرفجٍ متضرم
وأجلب حتى لو رمى الأرض صاعق / لمَا نمَّ من ألفاظه والتغمغم
طعان كقرع النِّيب غيرُ مباعدٍ / وضرب كَولْغ الذِّيب غير ملعثم
شللتهم شل الطرائد في الضحى / وسقتهم سوق المطي المُخزَّم
إذا رمت غزو الجيش ذلت رقابه / إلى اسمك من قبل ارتحالٍ ومقدم
فلو يستقل الرمحُ منك بسطوةٍ / إلى القوم عن سُرىً وتجشم
لك الحسب الوضاح يهدي ضياؤه / رقاب المطايا في دجى كل معتم
تألق من شُم العرانين أحرزوا / رهان المجاري في مدى كل معظم
غطاريف صيدٌ ما استكانوا لحادث / ولا أذعنوا للجائر المتعشرم
بها ليل أمَّا بأسُهم فلفاتكٍ / كميٍّ وأما جودهم فلمعدم
نوازلُ بالثغر المَخوفِ أعزةٌ / على الناس طعَّانون في كل ملحم
تقابل في ناديهم كل ماجدٍ / مشارٍ إليه بالسلام معظَّم
سريع صواب القول لا عن تفكُّرٍ / رزين حصاةِ الحلم لا عن تحلُّم
إذا خمدت نار القِرى فوقودهم / على الهضب عيدان الوشيج المحطم
ومُستنبحٍ يسترفد البرق ضوءه / لفرع يَفاعِ أو تجشم مخْرم
تُرنحهُ ريحُ الجنوب كأنه / خليَّةُ فُلكٍ عند لُجَّةِ خِضْرِم
أضفتم فلا جُوُّ الظَّلام ببادرٍ / لديه ولا بأسُ الشتاء بمؤلم
حشايا رحال من دمقس وثيرةٌ / وغرُّ جفانٍ من نضيدٍ مهشَّم
أبوك كسوب المجد من كل معرك / ومبتاع ذكر الحمد في كل موسم
ومستنزلُ العز المنيع بسيفه / وقد كلَّ عنه ناظرُ المتوسم
مُعفرُ تيجانِ الملوك ببأسه / وآخذُ مُعتاص العُلى بالتَّعشرُم
وقائدها قُبَّ البطون جَوارياً / إلى الطعن لا يعرفن غير التقدم
عليها رجال من سَراة مُسيَّب / يهزون أطراف الوشيج المقوَّم
إذا نضبت غُدْرُ الفلاة لواردٍ / أمِدَّ بسيلٍ من دَم الهام مفْعم
فتىً كان أغنى من سحاب مُنولٍ / وأنضر من وشي الربيع المُنمنم
مضى وكأن المجد بعد ذهابه / قنان الذري لولاكَ لم تُتسنم
ألا إنما قرواش موتٌ وعيشةٌ / ترفَّع عن تشبيه غيثٍ وضيغم
يغولُ العِدى أن ساوروا سطواته / بِبُوسي ويُحيي المُعْتفين بأنعُم
أظنُّ غِنىً يا تاج دولة هاشمٍ / وأنت أمامي للسُّرى ومُيممي
فخذها حصاناً لم تُزَنَّ بريبة أنْ / تحلٍ ولم تخطب لنكسٍ مذمِّم
يشجع من قلب الجبان نشيدها / ويفصح من لفظ العيي المُجمجم
ألفْتكَ سراءً على الأين في العُلى
ألفْتكَ سراءً على الأين في العُلى / وصول الدجى فيما تحاول بالفجر
إذا جمح المطلوب رُضْت جماحه / برأسٍ وثير اللمس مخشوشن الخبر
تقوم بنصري والسيوف كليلة / وتُمطر أرضي والسماء بلا قطْر
وترعى مقالي سمع يقظان عالمٍ / بما أودع الرحمن عندي من سر
فهل نَمَّ واشٍ أو تخرص كاشح / فبُدل لي عذبُ المودة بالمرِّ
ولي فيك ما لم أحْبُهُ لمنوِّلٍ / وإن جادَ لي بالوفر وبالدَّثر
قوافٍِ كعرف المسك غيرُ خفيَّةٍ / إذا كتمت نمَّ النسيم على النشْر
تُعيدُ جبان الحي عند نشيدها / شجاعاً وتغني الشاربين عن الخمر
سوالمُ من عيب الكلام إذا بدت / أقرَّ لها القِتلُ المعاند بالفخْر
مخلَّدة عمر الزمان مُقيمةٌ / نمر كلانا وهي تبقى على الدهر
أيذهبُ إدراري شَعاعاً وعصمتي / بحبل سديد الحضرتين أبي نصْر
ولي أن ألَمَّ الخطب سيف ومقول / قَتولانِ للأعداء في الأمن والذُّعر
يروح بشطر منه من راح جاحداً / ويغدو زكي الدين منه على شطْر
ويمضي بباقيه ابن كَوْزان لا سَقى / مواطنهُ إلا ربابٌ من القطر
وأُغضي على شوك القتاد مسامحاً / ليسلم لي عيش ببغداد في ضُرِّ
إذا ساورتني عن مرامي ضرورةٌ / عطفتُ على مدح المباخل بالشعر
إذْن فردائي نيطَ مني بعاجزٍ / وزرَّت أثيوابي على ضرعٍ غَمْر
إذا هو لم يحفل باتْباع مُلْجأٍ / له فحماه غير فخرٍ ولا أجْر
وما راعني إلا عميدٌ مُعظَّمٌ / مشيرٌ على السلطان بالمنع والحظْر
وهبة كما قد قيل ضاق توصلاً / بإطلاق نزْرٍ يسترقُّ به شكري
ألنت له قولاً ولو شئت رُعتهُ / بتعريف قدري واعتنائك في أمري
ألستَ الذي أوغلت في حق اسْود ال / كلابي حتى فاز بالغُنْم والوفر
إذا شئت كان الصمت عندك كافياً / وإن لم تشأ لم يغن قولي ولا ذكري
لئن منع الإدرار بعد إباحةٍ / ولم يخش من نظمي الفصيح ولا نثري
ولج ابن كوزانٍ وإن لَجاجَهُ / ردىً ذاهب بالعرض منه وبالعمر
ولم يتلافَ الأمر في أُخرياته / عميد مطاع القول في النهي والأمر
ورحت على ما خصني الله من عُلاَ / أجَرِّر أثواباً من الهون والفقر
فلم يضق الجو الفسيحُ بسارحٍ / ولا سُدَّت البيد القواء على سفر
أرادت جواراً بالعراق فلم تُطقْ
أرادت جواراً بالعراق فلم تُطقْ / هواناً فراحت تستفزُّ المواميا
كأن نَعاماَ صيح في أُخرياته / جوافلها لما مررنَ هوافيا
تجيش صدور الأرحبيات غضبةً / فما يدَّرِعْنَ الليل إلا رواغيا
وما كدن يعرفن النفار عن الدُّنى / ركابي لو لا ما رأت من إِبائيا
تقيَّلنَ أخلاق ابن عزمٍ مشمِّرٍ / على الهول لا يخشى الخطوب العواديا
يكفكف غرب القول عن ذي سفاهة / ويوسع حسن الاطِّراح الأعاديا
لئن جحدت بغداد حقي من العُلى / فما النجر مغموراً ولا الصبح خافيا
تركتُ بني آدابها غيرَ حافلٍ / رذايا سُرىً يستشبحون مكانيا
إذا طار بي قولٌ إلى ما أريدُه / كَبَتْ بهم أُقوالهم من ورائيا
تمطُّر فَتْخاء الجناحين غادرت / على النِّيق زغْباً لا تطيق التَّهافيا
وما نظمي الأشعار إلا تعلَّةً / تُريني أقصى ما أحاولُ دانيا
تضيقُ بأفكار المعالي جوانحي / فأودعُ وجدي والغرامَ القوافيا
وسربٍ كغزلان الصَّريم نوافر / عن الفحش يستشرفن نحوي عواطيا
إذا ما اعتجرن الليل كتمان زورةٍ / إليَّ غداً جرس من الحَلْي واشيا
تعفي فضول الريط سحباً على الخط / ويُخفي فشيب العبقريِّ الناجيا
تضوعُ الصِّبا من غير فضٍّ لطيمةٍ / إذا مِسْنَ ما بين البيوت تهادِيا
شموس وجوه في البراقع طلقةٍ / تقلُّ من الوحْف الأثيث لياليا
سَنَحْنَ وللكأس العقاري هدْرةٌ / تعيدُ حليم الحي صبوان لاهيا
فأعرضت كي لا أسترقَّ لصبوةٍ / وأغضيتُ كيما لا أغير المعاليا
تذامر قومي بالكُلاب فصافحتْ / سيوفهمُ هامَ العِدا والنَّواصيا
وذادوا عطاش النيب خمساً فأوردوا / صوارمهم ماء من الهام قانيا
وما جنحت سادات بكر بن وائل / إلى السلم حتى أقبلوها المذاكيا
وعندي يومٌ لو أبث حديثهُ / نقاد السنين الغُبْر عُدنَ ضواريا
قطوب إذا ما البيض ضاحكن شمسه / أعادَ ظُباها بالدماء بواكيا
إذا دعثرته الخيلُ سدَّ فُروجَه / عجاجٌ يعيد الصبح بالركض داجياً
يود ذوو التيجان لو أصبحوا به / نواصف شعثاً أو عذارى غوانيا
قذفت به في لهوة الموت مُهجةً / ترى كل شيءٍ ما خلا العمر فانيا
وأجحمتُ نار الحرب في جنباته / فأضحت به هام الكُماة صواليا
فأمَّا تريني استجم صوارمي / وأُحس في نزر الزهيد التقاضيا
وأرشف رشَّاح الأداوي ظماءةً / فأرجع موهون الأباء صاديا
أعالج مجهوداً من العيش مُدْنفاً / بعيد الأسى أعيا الطبيب المُداويا
إذا ناهز الأفراق وصَبٍ به / تقهقر من لَيِّ المواعيدِ ناويا
فبرد الصبا عندي قشيبٌ وهمَّتي / فتاةٌ وأيامُ الزمان أمانيا
وما المرزمات يعتسفن تنوفةً / بواغمَ من حر الفِراق صَواديا
يكاد الصدى يهفو بهنَّ محلقاً / إلى كل وردٍ لو أمِيَّ المثانيا
براهن إدمان الرسيم من السُّرى / فجئن كأعواد القِسيِّ حوانيا
تمنيَّن جيراناً وروْضاً ومورداً / وأيُّ نعيمٍ لو بلغنَ الأمانيا
عشيَّة ما أنساعُهنَّ جواذَباً / لهن ولا أقرانُهنَّ ثوانيا
إذا ضاقت الأهب الفسيحة بالجوى / نشقن نسيماً أو تسمعن حاديا
بأوجدَ منه بالعُلى غير أنه / إذا ما وَنَتْ لم يلْفِه السير وانيا
ولا مطرق بالرمل يخفي اغبراره / رواءَ كعقِد الخيزرانة خافيا
يلعِّنُ مرهوباً كأن اعتْصابه / حباب مخيضٍ لاطم الوطب راغيا
يؤلِّل عُصْلاً لابُناهُنَّ هَيْنةً / ضِعافاً ولا أطرافهن نوابيا
تجنَّبه الرقش القواتلُ خيفةً / ويطويه مُعْتلُّ النسيم تفاديا
إذا اعتس سرَّاب الهوامِ لقوته / تودع خمْصاناً وأَصبحَ طاويا
بأنْفذَ من أقلامه في عدُوهِ / إذا رقشت فوق الطُّروس الدواهيا
بواسط أيدٍ لا تزال جريئة / تُحاربُ أحداثاً وتُولي أياديا
تعرف الهرقْليات حتى كأنما / تناوش من لمس النُّضارِ الأفاعيا
خزائنهم أيدي العُفاةِ لأنهم / رأوها على مرِّ الزمان بواقيا
أقول لركبٍ كالقداح تعاقروا
أقول لركبٍ كالقداح تعاقروا / كؤوس السرى والليل مرخي الذلاذل
خفافٍ على أكوار خوصٍ كأنها / أهلَّةُ جوٍّ أو قسيِّ مَعابلِ
تكاد مطايا العزم تخطو إلى العُلى / بهم قبل عصف الناجيات الذوامل
إذا نشقوا من ناسم العز نفْحةً / أمالوا إليها من صدور الرواحل
جنابَ بهاء الدين أَمُّوا فإنه / ظهيرٌ لمخذولٍ ونجْحٌ لآمل
فتىً غير ممنوع الغنى عن عُفاتِه / ولا لكريم العِرْض منه بباذل
جريءُ على حرب الخطوب فؤادهُ / إذا ما رمت أحداثهُ بالزلازل
عصامٌ لملهوفٍ وحلمٌ لجاهلٍ / وعنُفٌ لأعداءٍ وجودٌ لسائلِ
إذا صالَ أرْدى قرنه وحسامهُ / ويُزري نَداهُ بالحيا والحوافل
وما خزريٌ لهْذمٌ هجمَتْ به / صناعُ يدٍ في رأس أغيْدَ ذابل
طريرٌ كناب الأفعوان مؤُلَّلٌ / أُمرَّ وأمْهَتْهُ أكفُّ الصياقل
يؤمُّ به طعن النحور حين تنتضى / إلى رفد معدام وحرب منازل
إذا ما غزوتم مُعْلمين فراوحوا
إذا ما غزوتم مُعْلمين فراوحوا / بني دارمٍ بين الظُّبى والمخائل
ففي الحي بسَّامون لا عن بشاشةٍ / يردُّون ظمآن القنا غير ناهل
مخاويف من حرِّ القراع وحربهم / نفاقُ أبيٍّ أو خداعُ مُصاولِ
تمادى وعيدٌ واستريبت بسالةٌ / وربَّ قضاءٍ طاب من كفِّ ماطلِ
فمشَّوا بأعراف الجيادِ أكُفَّكم / إلى غارةٍ تشفي نجيَّ البلابلِ
ولا توردوها آجنَ القاع إنما / مواردها ماءُ الطُّلى والأكاحل
فقد هَمَّ سيفي أن يخف بجفنه / إلى الهام لولا حبسه بالحمائل
أنا المرءُ لا قولُ الأعادي بمزعجٍ / أناتي ولا الليثُ الهصور بآكلي
جريٌّ على حرب الملوك مشمرٌ / إذا زلَّ قولٌ بالألدِّ المُجادل
لساني وسيفي مغمدان فإن أُهَجْ / أسلتُ الشعاب من دمٍ ودلائل
تكاثر حُسادي وفضلي ناصري / فكيف إذا ما راح سيفي كافلي
يودون لو يهفو بي القولُ هفوةً / وتلك طريقٌ ظلَّلتْ كل فاضل
إذا وهموا في نقل ما يدرسونه / شآهم فصيحٌ قائلٌ قبل ناقلِ
هلموا بها قبَّ البطون كأنها / أهلَّةُ جو أو قسيُّ معابلِ
سراعاً كأعواد السهام تقاذفت / خوارج من أيدي العليم المُناضل
لهن على خدِّ الفلاة من السُّرى / لدامٌ كأيدي الفاقدات الثَّواكل
رثَمْنَ الحصى حتى كأن رضاضه / جني البُسْر شظَّتْه أكفُّ الأواكل
يُخلْن سفيناً والتَّنائفُ لُجَّةً / إذا اضطرب الآل اضطراب العواسل
ترامى بشعْثِ مُحرِمين كأنهم / على شُعبِ الأكوار شُهْم الأجادل
مداليجُ لا الليلُ البهيم بحاجزٍ / عليهم ولا الوعر العسوفُ بحائل
جعادُ لمامٍ لم تُنلْ بمرجِّلٍ / وغُبرُ برودٍ لم تمرَّسْ بغاسِل
لأبتدرن الحي عز حَريمه / بجيش كرمل الأنعم المتهايل
صخوب التناجي يرهب الموت بأسه / إذا قُرعت خرصانُه بالمناصلِ
ظلوم يعيد الصبح ليلاً بجوْره / ويلفظُ هاماً في مكان الجَنادل
يكاد دلاص السَّرد يجري لحره / على القاع لولا برد نقض الطَّوائل
كأن ابن خطَّاب تجول بطرْسه / عراكُ المذاكي واطِّرادُ الجحافل
شَحافاهُ يومٌ دارميٌّ ولم يكن / لغير حُشاشاتِ الملوك بآكل
ورامُ ذمامي معشرٌ فأبحتُهُ / لأبْلجَ من آل النبي حُلاحِلِ
لغمر الندى لا يخمد القُرُّ نارهُ / ولكنه حتفُ الصفايا لنازل
زهيد الكرى جم الروي كأنه / يخفَّان ذو أجرٍ كريم المأكل
فتىً يشفع الوفر الجزيل بعُذره / ويعصي إلى المعروف قولَ العواذل
ويحتقر الهول المخوفِ وإنه / لراكبهُ والليل مرخي الذلاذل
ويهتز من غير اغتباقِ مُدامةٍ / وخمر المعالي غير خمر النَّياطل
ينام عن الفحش الخدوع بنجوةٍ / إذا ما استفز الليل قلب المُغازل
ويدلج موفور التُّقى طاهر الخطى / لحاجة من أمسى بها غير كافل
كأن أتيَّاً عن رعْنِ أيْهمٍ / تمطُّره إِثر العدو المُباسل
فما يأخذ الآرابَ غير مسارعٍ / ولا يضربُ الأعداءَ غير مُعاجل
تظنُّ به من حقَّه العزم لوثةٌ / إذا شدَّ في حرب الألدِّ المُنازل
وقد تُولعُ العُقْبى / ولا كولوع الضَّيم بالمُتثاقل
وما عزَّ غرب السيف إلا لكونه / قليلُ التأني ماضياً في المقاتل
سما بابن عدنانٍ عطاءٌ ونجدةٌ / فحتفٌ لأعداءٍ وجودٌ لسائل
بأروعَ هفهاف القميص يَسرُّه / ضجيجُ القوافي والتفافُ الوسائل
نمته رجالٌ من ذؤابة هاشمٍ / طوالُ العَوالي والطُّلى والمَقاولِ
مواردُ جودٍ لا تُمِرُّ لشاربٍ / وأسدٌ غوادٍ لا تَلذُّ لآكل
إذا سحبوا فضل البرود تأرج ال / صَّعيدُ وأهدى نشرهُ بالأصائل
وإن آنسوا من جو أرضٍ مخافة / طَهورِ الثَّرى لوَّاحةٍ للمناهل
بحيث اصطفى الرحمن منزل وحيه / وألقى سجلِّيْ عِلمهِ والرسائل
وأنزع من شرك الإله مُبَرَّؤٌ / بطينٌ من الأحكام جَمُّ النَّوافل
شديد مضاءِ البأس يُغني بلاؤهُ / إذا رجموهُ بالقَنا والقنابل
له عَصْفةٌ بالمشركين كأنها / زعازعُ خَرقٍ سوِّفت القَلاقل
صدوف عن الزاد الشهي فؤاده / رغيب إلى زاد التقى والفضائل
جرى إلى قول الصواب لسانه / إذا ما الفتاوى أفحمت بالمسائل
أعيدت له شمس الأصيل جلالة / وقد حال ثوب الصبح في أرض بابل
ونص حديث بالغدير دلالة / على نفي أضراب وبعد مساجل
وفي هل أتن لم يعلم الناس أوه / ثناء لواصف ومدح لقائل كذا
بني عمنا كفوا العضيهة أنها
بني عمنا كفوا العضيهة أنها / تُعيدُ بياض الصبح بالنقع أغبرا
ولا يسخرن الحلمُ منكم برفقه / فإن رواء الحلم بأساً مُعفِّرا
لنا ما أفاد المالكان من العُلى / ومكتسبُ القعقاع مجداً ومُفْخراً
ومنا الذي أحيْا الوئيد بماله / فوافق من قبلُ الكتابَ المحبرَّا
وكنا إذا ما التاث حيٌّ بغدرةٍ / ركبنا إليه كاهلَ الشر أوعَرا
وقْدُنا إليه تحت كل عجاجة / شوازِبَ يعلكن الشَّكائم ضُمَّرا
فإن تخْتلوا أعراضنا فوخيمةٌ / وإن كان مرآها من المجد أخضرا
عجبت من الحي اللقاح ومعشرٍ / يُجنون ضغناً أن أغُر وأُكبرا
ينازعنُي قولي رجالٌ وإنما / أشدُّ اكتئابي أن رأوني أشْعرا
ومن دون صبح العز ليلٌ مؤرِّقٌ / جعلتُ القوافي من تماديه سُمَّرا
أطالوا سفيهَ الاعتراض ونمَّقوا / إلى الطعن ألفاظاً هُذاءً وأسْطُرا
يزيدهم جمعُ الجراميز ضلَّةً / كما ازداد ظمئاً ورادُ الآجن الصَّرى
لئن نقلوا ما يجهلون فإنني / لفارسُ علمٍ ناقلاً ومفسِّرا
و ما العلم إلا الصبح ما فيه مرشدٌ / لأعمى ويهدي الصبح من كان مبصرا
حلفتُ بربِّ الراقصات كأنها / نقانقُ يرهبن الأنيسَ المُنَفِّرا
موارقُ من جُنح الظلام كأنما / نَشَقْنَ نضيراً بالصَّباح مُنوَّرا
تدافعن في خرق تخالُ سرابهُ / بمخترق الدهناء سحلاً مُنشَّرا
حملنَ رجالاً من بلادٍ بعيدةٍ / منيبين كي يعفوا الإلهُ ويغفرا
لقولهم عندي أشد مهانة / من الفقح منجول المنابت بالعرا
ومن لي بيومٍ دراميٍّ يُعيضهم / مكان القوافي والقوارصِ عسكرا
كأن جياد الخيل عند طعانهِ / قشاعمُ يحذبنُ العبيطَ المُنَسَّرا
سحبن رعابِيل الجِلالِ خضيبةً / كما سحب الغيدُ المُلاءَ المعصفرا
ولو بنصير الدين صُلْتُ عليهم / لعَفَّى على الآثار منهم ودمَّرا
هو المرءُ لا مُستكرَهٌ إن سألته / نوالاً ولا مستعذبٌ أن تنكَّرا
أغرُّ يضيءُ الليل والحظ وجهه / إذا جاد بالغمْر الجزيل وأسفرا
يُدوِّمُ في سَمْت الرويِّ اعتزامُه / فإن لمح الجزْلَ الصَّوابَ تمطَّرا
على لاحبٍ من جو أرضٍ صقيلةٍ / إذا ما مشى فيها اليراعُ تبخترا
كأن البنان السبط يزجي سطورهُ / أخو الحرب يقتاد العديد المجمهرا
يكونُ وما جفَّت بلائلُ خطَّه / رباباً بأكناف البلاد وعِشْيرا
فيبعثُ في حربٍ وجدب برقشهِ / غنياً عزيزاً أو قتيلاً مُعَفَّرا
إذا عصف الخطب الجريء بأرضه / رأيت شَروْرى والنسيم إذا جرى
وإن نبت البيضُ الخفاف وجدتُه / حساماً جريّاً حيثُ وجَّهتَه بَري
ومحلولكٍ لولا بريقُ حديدهِ / حسبت الدجى في غَرِّه الصبح أضمرا
تميدُ به القِيعان حتى كأنما / شربن من الوكْف السُّلاف المخمرا
تغمغم حتى خيل طيراً ومورداً / وأجلب حتى كان أسداً وعَثَّرا
مَحا جَدَدَ البيداء فرطُ اعتراكه / فعادت صعيداً بالطِّراد مُدَعْثرا
يفتُ رعان الطَّودْ من جولانه / ويُذري كثيباً بالسَّنابك أعْفَرا
ويزجي سحاباً من مُثار عجاجه / فإن رعدت فيه الأنابيب أمْطَرا
سطوت به من غير حربٍ وحلمةٍ / ولو شئت كنت الشَّمريَّ المُغرِّرا
وما مغدقٌ من صيِّب المزن هاطلٌ / إذا قيل نجديُّ المُناخ تَغوَّرا
سحوح كأن الوطْف تسكب ماءه / روايا يُرَعْبِلْنَ المزاد المشرشرا
يسفُّ فيغدو للجبال مُعمما / ويدنو فيغدو للهضاب مُؤزِّرا
له رَجفانٌ بالرياح مُقعقعٌ / كما رجفت رايات كسرى وقيصرا
تألَّق حتى خلتُ أن بريقهُ / سيوف تميمٍ تعقر النِّيب للقِرى
وجاد فلا المحلُ الموات بهامدٍ / عليه ولا العام الشديد بأغبرا
بأنقعَ من نُعْمى الوزير وربما / غدتْ كفُّه بالجود أهمى وأغزرا
من القوم لا يُعطون إلا تبرعاً / ولا يفعلون الخير إلا مُكررا
إذا كتبوا أدَّوا فِصاحاً صحيحةً / وإن ركبوا رَدوا وشيجاً مُكسَّرا
لهم كل أُملودٍ من الرأي مُشرعٍ / قويمٍ إذا ما السمهريُّ تأطَّرا
هُمُ زند مجدٍ أنت نارُ اقتداحه / وأفخرُ ما كان الزنادُ إذا وَرَى
أظلماً ورمحي ناصري وحُسامي
أظلماً ورمحي ناصري وحُسامي / وذلاًّ وعزمي قائدي وزمامي
ولي بأس مشبوح الذراعين مغضب / يصاول عن أشباله ويُحامي
كذبت لقد استسهل الوعر في العلى / وأكرمُ نفسي أن يهونَ مَقامي
هجرت الثغور اللامعات وشاقني / بريقُ المواضي تحت كل قتامِ
وساروني كأسُ النديم فم يُهج / سوى لوعةٍ بالعز ذاتِ ضِرام
سجيَّةُ طلاع الثنايا مشمِّرٍ / على الهول خوَّاضِ لكل ظلام
ولما التقينا بالكثيب وأُسبلتْ / غزارُ دموعٍ للفراقِ هُوامِ
ولاذتْ بخداع الصبا عامريَّةٌ / ترومُ اغتراراً من شباب غُلامِ
تفاوضني نظم الهوى ودموعُها / على الخد منها غيرُ ذاتِ نظامِ
وأعدى الدجى نوم الوشاة وقد مضى / هزيعٌ فألقى كَلْكلاً باكِام
وفاح النقا من ردعها فكأنما / أصابَ من الدَّاريِّ فضَّ خِتامِ
بكيت فقالت خامر الحب قلبه / فقلتُ بغير الغانيات غَرامي
منعت القرى أن لم أُقدها عوابساً / تشبُّ على الأعداء نارَ حِمامِ
طوارح أيدٍ في الرؤوس كأنما / يبارينَ هبَّات الظُّبى بلطامِ
تجانف عن رعي الجميم وتختلي / شكيرَ رؤوس طُوحت ولمِامِ
إذا ظمئت أغنى الدلاصُ بلمعه / فكل كميٍّ مُنْقعٌ لأُوامِ
عليهن فتيانٌ نماهُمْ مجاشعٌ / وكانَ إلى العلياء أكرمَ نامِ
تُهزُّ بأيديهم رماحٌ كأنما / سقوها من الأيمان صرفَ مُدامِ
إذا شرعوها للطعان حسبتها / كواكَب تهديها بدور تمام
بريق سيوف في سحاب عجاجة / وقطرُ دماءٍ في رعودِ كلامِ
فأدرك مجداً أو تَجلَّى عجاجتي / من الطَّرد عن ثاوٍ بغير رجامِ
وكم صَوْن جسم بعد موت أذلَّه / كما ذلَّ بالتَّصْبير جسمُ هِشام
فإن تنكري حلمي وبأسي مصاحبي / وضرب الخفاف البيض دون خصامي
فسيفي وحلمي سائسان كلاهما / إذا اسُتنْجدا في موقفٍ ومقامٍ
فللخامل الغاوي تجاوز آنفٍ / وللملك الطَّاغي صِيالُ حسامِ
ألا غنياني بالصهيل فإنه / سَماعي ورقْراق الدماء مُدامي
وحطَّا على الرمضاء رحلي فإنها / مَقيلي وخفَّاقُ البنود خيامي
ولا تذكرا لي خفض عيش فإنما / بلوغُ المعالي صحَّتي وقِوامي
وفي العز يلفى عيش كل مُغامرٍ / على المجد لا في مَشْربٍ وطعام
عداني أن أرضى المذلَّة صارمٌ / جَريٌّ على الأعناق غيرُ كَهام
وطِرف نُضاريٌّ إذا ما امتطيتُه / فأقربُ شيءٍ منه بُعْدُ مَرامِ
حبيكُ القَرا رحْبُ اللِّبان مُؤ / مَّنُ العِثارِ إذا يجري صليبُ حَوامِ
مجيبُ إشارات الضَّمير سلاسُهُ / فيغنيك عن سوطٍ لها ولجامِ
ودينٌ وإسلامٌ شددتُ عُراها / بصدرٍ رحيبٍ صدره وقَوامٍ
هو المرءُ لا عرضٌ له بمحلِّلٍ / مباحٍ ولا معروفُهُ بحرامِ
قطارٌ ونارٌ لا حين تَبْلو خِلالَهُ / يسرك في يومَيْ ندىً وخصامِ
مكارمُهُ في المُعتفي غيرُ فذَّةٍ / وضربتهُ في القِرْن غيرُ تُؤامِ
ركوبٌ لأثباج الحتوفِ كأنما / يجولُ بها في غاربٍ وسَنامِ
إذا ما احْتبى يومَ السَّلام كأنما / يحدثنا عن يذْبلٍ وشَمامِ
كأن رباطَ الخيل خولَ قِبابهِ / عَذارى خُدروٍ في مُلاءِ شآم
يُغيرُ بها مُلس المتون جسيمةُ / ويُرجعها بالكرِّ غيرَ جِسام
إذا طرقَ اليوم العصيب ولثَّم ال / غبارُ مُحيَّا شمسِه بلثام
وخام الزميع الشهم من سورة الردى / وقلَّ نصيرٌ ذو يدٍ ومُحام
فرأي الوزير الصدر يُغني عن القنا / بشلِّ طَريدٍ أو بفلّ لُهام
ضعي لامتداحي ما استطعت من العذر
ضعي لامتداحي ما استطعت من العذر / سأغسل عني بالعُلى دَرنَ الشعرِ
توهمته عاراً على ذي حفيظةٍ / أطال وعيد القوم بالجحفل المَجْرِ
صدقت ولكن لا نتال كريمةٌ / من العيش إلا تحت هُونٍ من الضر
صبحت زماني مغضياً عن ذنوبه / إلى حين إمكان الحسام من الوتْر
ولاحظت من جور الخطوب مثقفاً / قناتي وإن خيَّلتهُ طالب الكسر
فكنت كمثل المسك فاح بسحقه / وإن بددتْ أجزاءه صكَّةُ الفِهْر
بني دارمٍ أن يم تُغيروا فبدلوا / عمائمكم يوم الكريهةِ بالخُمْرِ
فإن القرى والمدن حيزْت لأعبدٍ / لا سلمتْ أفحوصةٌ لفتىً حُرِّ
ربطتم بأطناب البيوت جيادكم / وخيلُ العِدى في كل ملحمة تجري
إذا ما شببتم نار حرب وقودها / صدور المواضي البيض والأسل السمر
ضمنت لكم أن ترجعوها حميدةً / تواجف غِب الروع بالنَّعم الحمر
أنا المرء لا أرمي المنى عن ضراعةٍ / ولا أستفيد الأمْن إلا من الذُّعْر
لا أطرقُ الحي اللئام بمدحهِ / ولو عرقتني شدةُ الازم الغُبْر
تغانيت عن مال البخيل لأنني / رأيت الغنى بالذل ضرباً من الفقر
خصاصة عيش دونها سورة الردى / وعزُّ اقتناعِ فوق مُلْك بني النضر
صبرت وطول الصبر عزٌّ وذلَّةٌ / وهذا أوان يحمدُ الصبر بالنَّصر
لاقتحمنَّ الحي عزَّ حريمهُ / بشعواء تحوي شارد المجد والفخر
بشزر طعان يفقد الرمح صدره / إذا اندق ما بين التَّريبة والصَّدر
له من عجاج الطرد سحب مسفَّةٌ / ومن علق الأبطال قَطْرٌ على قطر
كأن نجيع القوم عند مجالِه / سحاب سماءٍ هاطلٍ أو ندى بدْرِ
يقرُّ بعيني أن أراها مُغيرةً
يقرُّ بعيني أن أراها مُغيرةً / لها برؤوس المترفين عِثارُ
سوابح في بحرَيٌ دمٍ وعجاجةٍ / فمندفقٌ مُثعنجرٌ ومُثارُ
كأن على أعوادها جنَّ عبقرٍ / من الصَّول لولا منطقٌ وشِعارُ
تدافعن في غِرْبيب ليلٍ كأنما / جباهُ وجوه السَّابقات نهار
لهن إلى وطءِ القتيل تقدمٌ / ومنهن عن أخذ الأسير نِفارُ
على الحي لا راجي النَّوال لديهم / يُجادُ ولا باغي الذِّمام يُجارُ
إذا قدروا لم يحملوا عن جريمةٍ / فسيَّان حربٌ فيهم وإِسارُ
سلاحهمُ يومَ التسالم زينةٌ / وحربهمُ يوم اللقاءِ فِرار
كأن مداف الورس فوق وجوهم / إذا قيلَ هذا معْركٌ وغِمار
تصالح فِهْرٌ فيهم وزنادهُ / وأُوْمِنَ كومٌ عندهم وعِشار
فلا الضيف يقري وهو غرثان ساغب / ولا خابطُ الليل البَهيم يُنارُ
حلومٌ كعيدان الأراكِ ضعيفةٌ / وأعطافُ هزلٍ ما بهن وقارُ
تمنيت أن الحي خرَّتْ عمادُهُ / فتُنقضُ أوتار ويدركُ ثارُ
غرست الحجا والودَّ في غير حقه / ولم أدر أنَّ الحادثات ثمارُ
وهون وجدي أن تراخت منيةٌ / ولم يكتسف بدر العلاء سرارُ
فإن نحت الدهر المعاند أثْلَتي / فأنجمَ وُجْدٌ واستُعيد مُعارُ
فعند ابن سلطانٍ عطاءٌ ونجدةٌ / كفاني عِزٌّ منهما ويَسارُ
هب العذر في نطل الرغيبة أقبلت
هب العذر في نطل الرغيبة أقبلت / شواهده وضَّاحةً ودلائلهْ
فما العذر عن جارٍ يبيت بأرضكم / معطَّلةً أحشاؤه ومراجلُهْ
وشر قرىً ما شابه مطلُ قادرٍ / وأتعبُ رزقٍ ما الموفَّقُ باذلُه
تمنى مقامي والمطالعُ ضلَّةٌ
تمنى مقامي والمطالعُ ضلَّةٌ / إذا رُحتُ أجتابُ الرواق الممنَّعا
لدى كل خفاق اللواء مُتوجٍ / يُهابُ إذا ما كرَّ لحظاً فأتْبعا
بمضطرب يُخشى الردى من كسوره / ويَخشى به قلبُ الردى أن يُروعا
أناس أجموا أنفساً عن كريهةٍ / وصانوا رخيِّاً بالوهينة مُودعا
وذادوا عن الأنفاس كل رويَّةٍ / يروح لها القلب الذكي موزعا
أمجداً بال سعيٍ لقد كذبتكمُ / نفوس ثناها الذلُّ أن تترفَّعا
سلوا صهوات الخيل عني فإنني / جعلت ظهور اللاحقيَّاتِ مضْجعا
وناموا على لين الحشايا فإنني / حببت مُناخاً يبلغ المجد جعجعا
وقصُّوا على الزوراء أني ابن جرَّة / صبرت فما أبقيت في القوس منزعا
وفيت لقَيْلٍ من ذؤابة خندفٍ / إذا ما أضاع القوم حق امرئٍ رعى
هو ابن الذي جازى مناول سوطه / فأغنى وأقنى حين أعطى فأوسعا
جعلت هواه في القوافي تُغزُّلي / غراماً فلم أنعتْ طلولاً وأربُعا
وأعدى ركابي حبه فهي رُزَّمٌ / تُجنُّ كما أجننتُ قلباً مُفجَّعا
إذا ما كررت الشعر من شعفٍ به / طفقن يُعالين الحنين المرَّجعا
أغرُّ تدل السفر غرةُ وجههِ / على السَّمت حتى يرجع الوعر مهيعا
ترفع أن يعطي الندى بوسيلةٍ / فما يبذلُ المعروف إلا تبرُّعا
تقابل منه والحوادث جمَّةٌ / إذا أخرس الخطب الألد المشيَّعا
جناناً كعادي الجبال ومِقْولاً / جرياً وقلباً في الخفيَّات أصْمعا
وذا مِرَّةٍ لا تستفز أناتهُ / مجيباً إذا داعي المكارم أسمعا
إذا ذل بأس الجيش عن قتل ناكث / أتاح له من صائب الرأي مصرعا
تغيب شموس الصبح من نقع خيله / وتغدو نجوم الليل بالصبح طُلَّعا
تخال سقاط السمر والدم إن غزا / غشاءً وسيلاً من يَفاعٍ تدفَّعا
وذي رهجٍ جم الغماغم مجلبٍ / غدا غرضه من واسع الخرق أوسعا
طويل القنا تخشى النجومُ طعانه / بأمثالها ما لم تر السمر شُرَّعا
إذا استشبح الظمآن فارط خيله / يظن الغدير السابري المرَفَّعا
خلا عِدُّه عن تابع غير محربٍ / فلست ترى إلا الكميَّ المُقنَّعا
تُخيرت الأبطال والخيلُ عنده / فلم تر إلا سابقاً وسَمَيْدعا
وطالت به عند التجاوب ألسُنٌ / فأحمدت منه ذا صهيلٍ ومِصْقعا
كأن على أقطاره من وجيفهِ / غضىً نبَّهته حرجفٌ فتجعجعا
طردت رخي البال من سورة الردى / كما جفَّل المُصطاد سِرباً مذعذعا
فغاردته من عادة البذل للقرى / يقوتُ عُقاباً كاسراً وسَمعمعا
وكنت من استمطرت بيضَك والقنا / دماءَ الأعادي في الوغى هطلاً معا
وكم جل جرم فاحش فمنحته / رقيق الحواشي بالأناة موسَّعا
صفحت ولم تُرض الصفائح ضلة / ويا رُبَّ حلمٍ كان منهن أوجعا
وما الأَخضر الطامي يعب عُبابهُ / بأكرم من كفيك في الجدب منجعا
ولا أنُف من روضة ذات بهجةٍ / سقتها الصَّبا كأساً من الغيث مترعا
أقام بها الشرب الكرام عشيَّةً / وقد هجم الليلُ البهيمُ فأمتعا
إذا أمسك الغيثُ المُلثُّ بأرضه / سقوها عن الأيدي عُقاراً مشعشعا
وإن دارت الصهباءُ فيهم تجاذبوا / أحاديث مجدٍ تجعل النَّكسَ أروعا
فما الهجر مسموعاً لهم عند سكرة / وما الحلم منهم بالسرور مُضيَّعا
بأطيب من ذكرى دبيس بن مزيد / إذا ردد الساري ثناءً ورجَّعا
توالت عليه الفادحاتُ ولم يحدْ / عن الصبر حتى أدرك المجد أجمعا
وما زال يرخي للنوى من قياده / إلى أن أفاد الحي شملاً مُجمَّعا
ولم لم تكن لله فيه سريرةٌ / لما راح م نجور الرزايا ممنَّعا
ولا زال الموت الزؤام بنفسه / فكان بقاءً مونقَ العيش مُمرِعا
وقد خذل الأيام رأياً وفطنةً / كما خذل الأبطال حرباً وروعا
سرى من نواحي نَقْجوان وجنْزه / أشد من الهوجاء سيراً وأسْرعا
فحكَّ على أرض العراق سنابك ال / جياد وقد غودرن بالسَّير ظُلَّعا
وما نفضتْ عنها ثمائل رعيها / من الروض حتى كان بابلُ مرتعا
كما اندفعت ممشوقةٌ فارسيةٌ / رماها صَناعٌ للمرامي فأبْدعا
وصبَّح أبناء العراق فُجاءَةً / فظنوه حُلماً قد تراأوهُ هُجَّعا
ولو أَضعف المسرى البعيدُ جيادهُ / لأوجف بالعزم الجريِّ وأوسعا
يزيد على ضوء الصَّباح نجارهُ / ضياءً إذا النَّسَّاب أبدى وفرَّعا
من القاتلين المحْلَ بالجود والندى / إذا الغيمُ عن لُوحِ السماء تقشَّعا
شآبيب غيثٍ للفقير فإن سطوا / رأيت سِماماً في الحناجر مُنْقعا
ترى كل فضفاض الرداءُ مُسوَّدٍ / مهيبٍ طليق الوجه يُبلي إذا ادعا
صبيح الروا سهل الوداد مقاربٍ / يجيءُ ذراعاً كلما جئت إصبعا
تلاقيه طوداً في الحوادث أيهماً / وتُلفيه زولاً في الهياج سرعرعا
يجود على خصب الزمان وجدْبه / ويلقى الأعادي حاسراً ومُدرَّعا
تضوع رحاب القوم طيباً إذا انتدوا / وأعراضهُم تُربي عليها تَضوُّعا
نموْك فأكرمت المساعي ففُضِّلتْ / على ما سعى الآباءُ قدراً وموضعا
فأصبحت في الهيجاء أقتل سطوةً / وأقرى إذا ما هبّت الريحُ زعزعا
ظفرت فأوف الله شكراً فإنه / يزدك علاءً أن تزدهُ تضرُّعا
وصفحاً عن الجاني فكل خليقةٍ / تقل عن الغفْران والحلم موضعا
وما بات يرضي ربه مثلُ قادرٍ / تجاوز عن جُرمٍ جليلٍ تورُّعا
بسيري على مَرْوٍ وللعام رِهْمةٌ / تسد على السَّارين سمتاً ومطْلعا
وللقر ما بين الشناخيب سورةٌ / تغادر ربَّ المارن البسط أجْدعا
وطول اصطبارٍ في التغرب عاسفاً / أعد جديب العيش أخضر مُمْرعا
وخوضي للأهوال غير محاذرٍ / أعاصي مرادي ثمَّ ألقاكَ طَيِّعاَ
وتركي للأوطان وهي أنسةٌ / بها أبوا خيرٍ يَسُحَّانِ مدمعا
أجزني العُلى قبل الغنى لا مُقنعي / ومن كنت ملْفاهُ فلن يَتَقَنَّعا
بقيت ولا زلَّت بك النعل في العُلى / فإن زلَّ نعلٌ قال ربُّ العُلى لَعا
بحيث دُسوت المجد زيدت سكينةً
بحيث دُسوت المجد زيدت سكينةً / تعفرُ فتَّاكاً وتردِفُ مُعدِما
أغرُّ إذا أذكرته العهد هزَّهُ / كما هزت الصَّهباء زَوْلاً مُتيمَّا
يقوم مقام الغيث صوبُ يمينِه / ويُغنيه طبعُ الحلم أنْ يتحلَّما