المجموع : 92
رَضينا وما تَرضى السّيوفُ القواضِبُ
رَضينا وما تَرضى السّيوفُ القواضِبُ / نُجاذِبُها عن هامِكم وتُجاذِبُ
فإيّاكم أنْ تكشِفوا عن رؤوسكم / ألا إنّ مَغناطيسَهنَّ الذّوائِبُ
تقول مُلوكُ الأرضِ قولُكَ ذا لمن / فقلتُ وهل غيرُ الملوكِ ضرائِبُ
الآنَ بكَتْ بغْدادُ حين تشبّثَتْ / بنا البيدُ وانضمّت علينا الرّواجِبُ
نَصونُ ثَرى الأقْدامِ عن وتَراتِها / فتسرِقُهُ ريحُ الصَّبا وتُسالِبُ
وَهَبْنا منعْناه الصَّبا بركوبنا / أنَمنَعُ منها ما تَدوسُ الرّكائِبُ
فَما فعلتْ بيضٌ بها مَشرفيّةٌ / تَملسنَ منها أكلفُ اللونِ شاحِبُ
غُلامٌ إذا أعْطى المنيّةَ نفْسَهُ / فقَدْ فَنِيَتْ لأسبابِ المنيّةِ هائِبُ
أقولُ لسَعْدٍ والرِّكابُ مُناخُهُ / أأَنْتَ لأسبابِ المنيَّةِ هائِبُ
وهل خلَقَ اللهُ السرورَ فقال لا / فقلتُ أثِرْها أنْتَ لي اليومَ صاحِبُ
وخلِّ فضولَ الطّيلسانِ فإنّهُ / لباسُكَ هذا للعُلا لا يُناسِبُ
عَمائِمُ طُلاّبِ المَعالي صَوارمٌ / وأثوابُ طُلاّبِ المَعالي ثعالِبُ
ولي عندَ أعْناقِ الملوكِ مَآرِبٌ / تقول سُيوفي هُنّ لي والكَواثِبُ
فإن أنا لم أحربهم بنِصالِها / فما ولدتني من تميم الأجارِبُ
لقد طالما ما طَلُتُها وجفوتُها / وطالبتُ بالأشْعارِ ما لا تُطالِبُ
أآمُل مأمولاً بغيرِ صُدورِها / فواخَجْلتي إنّي إلى المجْدِ تائِبُ
رحمتُ بني البَرْشاءِ حين صَحِبْتُهم / من الجهْلِ إنّ الجهْلَ بئسَ المُصاحِبُ
وعلّمتُهم خُلْقِي فلم يتعلّموا / وقلتُ قبولُ المكرُماتِ معائِبُ
فصونوا يدي عن شَلِّها بِعطائِكم / فما أنا في أخْذِ الرغائبِ راغِبُ
خُلِقْتُ أرى أخْذَ الرغائبِ سُبّةً / فَمِنْ نِعَمِ الأيامِ عندي مَصائِبُ
ولا تَجْبَهوا بالرّدِ سائلَ حاجةٍ / ولو أنّها أحْسابُكم والمناقِبُ
فقد كِدتُ أُعْطي الحاسدينَ مُناهُمُ / مَخافةَ أنْ يَلقى المَطالِبَ خائِبُ
وكونوا على الأسْيافِ مِثلي إذا انثَنَتْ / سَواعدُها مَغْلولَةً والمضارِبُ
فَلو كانَ بأسي في الثّعالِبِ أصبحتْ / جماجمُها للمُرْهَفاتِ تُضارِبُ
ولا تَجْهَلوا نُعْمى تميمٍ عليكم / غَداةَ أتَتْنا تغْلِبُ والكَتائِبُ
على كلِّ طيارِ العِنانِ كأنّهُ / لراكبهِ من طولِ هاديهِ راكِبُ
تُطالِبُنا أكفالُها وصُدورُها / بِما نَهَبَتْ منْها الرّماحُ النّواهِبُ
تَوَدُّ من الأحقادِ أنّ شُعورَها / سِهامٌ فترمينا بِها وتُحارِبُ
وولَّوا عليها يَقْدَمونَ رِماحَهُمْ / وتقدَمُها أعناقُهُمْ والمَناكِبُ
خَلَقْنا بأطرافِ القَنا لظُهورِهم / عُيوناً لها وقعُ السّيوفِ حَواجِبُ
وأنتُم وقوفٌ تنظرونَ إلى الطُّلى / تُحَلُّ وغِربانُ الرؤوسِ نواعِبُ
ومن رأينا فيكم دُروعٌ حَصينَةٌ / ولو شاءَ بَزَّ السّابِريَّة سالِبُ
أبَوا أنْ يُطيعوا السّمهريةَ عِزّةً / فصُبّتْ عليهم كاللّجينِ القَواضِبُ
وعادتْ إليْنا عسْجَداً من دِمائِهِمْ / ألا هكذا فليكسبِ المجدَ كاسِبُ
بيومِ العُظالى والسّيوفُ صَواعِقٌ / تَخُرُّ عليهم والقِسِيُّ حواصِبُ
لقُوا نَبْلَها مُردَ العَوارِضِ وانثنوا / لأوجُههِم منها لحىً وشَوارِبُ
لأيّةِ حالٍ يخْتَلِسْنَ نفوسَهُمْ / وهُنّ عليها بالحَنينِ نَوادِبُ
طِلابُ المَعالي للمَنونِ صَديقُ
طِلابُ المَعالي للمَنونِ صَديقُ / وطولُ اللّيالي للنّفوسِ عَشيقُ
ولوْلا مُعادِي حِبِّهِ في صديقِهِ / لما كانَ فينا فائقٌ ومَفوقُ
تَسربلْ ثِيابَ الموتِ أو حُلَلَ الغِنى / تَعشْ ماجداً أو تعتلِقكَ عُلوقُ
فشرخُ الشّبابِ التُّرّهاتُ قِسيُّهُ / وحَظُّكَ من أفْواقِهنّ مُروقُ
وما طالعاتُ الشيبِ إلا أسنّةٌ / لهنّ بهاماتِ الرِّجالِ بَريقُ
وما الفقْرُ إلاّ للمذلّةِ صاحِبٌ / وما النّاسُ إلا للغَني صَديقُ
وتَقْبُحُ منهم أوْجهٌ في عُقولِنا / وتَحسُنُ في أبصارِنا وتَروقُ
لذاكَ مقَتُّ الحبَّ إلاّ أقَلَّهُ / فلَوْلا العُلا قلت المحبَّةُ مُوقُ
وما كلُّ ريحٍ في زَمانِكَ زَفْرَةٌ / ولا كلُّ برقٍ في فؤادِكَ فُوقُ
وأصغرُ عيبٍ في زمانِكَ أنّهُ / بهِ العِلْمُ جهلٌ والعَفافُ فُسوقُ
وكيفَ يُسَرُّ المرءُ فيهِ بمَطْلَبٍ / وما فيه شيءٌ بالسُّرورِ حَقيقُ
جعلنا سيوفَ الهندِ مأوى نفوسنا / وقلنا لها رحبُ البلادِ مَضيقُ
ولمّا تَنكّبنا العِراقَ بَدا لَنا / بعَرْعَر وجهٌ للسّماوَةِ روقُ
وخافتْ سُرانا فانثنينا لقلبِها / نمسحه حتّى استكانَ خُفوقُ
ولوْلاكَ سيفَ الدولةِ انقلبتْ بنا / هُمومٌ لها عندَ الزّمانِ حُقوقُ
تُغيرُ على أحْداثِهِ وصُروفهِ / فتَسبي بُنيّات الرّدَى وتَسوقُ
وما جلَّ خطبٌ لم يُصبكَ ذُبابُهُ / ألا كلُّ خطبٍ لم يُصِبْكَ دَقيقُ
فداؤكَ صَرفُ الدهرِ من حَدَثانِهِ / فَما الدهرُ إلاّ من يديكَ طَليقُ
أيَعرفُ ملكُ الرومِ وقعةَ مَرْعَشٍ / وكفُّ أخيهِ في الحديدِ وثيقُ
ويُنكِرُ يوماً بالأحَيْدِبِ كذّبتْ / بهِ البَيْضُ حَدَّ البيْضِ وهو صَدوقُ
به شرَقَتْ من خشيَةِ الموتِ بالخُصى / صُدورٌ وفارت بالقُلوبِ حُلوقُ
ولمّا زجرتَ الأعوَجيّةَ أو مضَتْ / على الأرضِ من أعْلى السّحابِ بُروقُ
فحطّتْ عليهم بغْتَةً كلَّ فارسٍ / بَروْدِ الحَواشي والطِّعانُ حَريقُ
إذا اعترضَ المُرّانُ دونَ عدوّه / تَخَطّى وأطْرافُ الرماحِ طَريقُ
فما كانَ إلاّ لحظَةً من مُسارِقٍ / إلى أنْ تركتَ الخامِعاتِ تفوقُ
وفرّتْ كِلابٌ قبلَ أنْ تُشْهَرَ الظُبا / ولم يبقَ منها في الحَناجِرِ ريقُ
لَعَمْري لَئِنْ قيسٌ تولّتْ وأدْبَرَتْ / لَما عَقْدُ قيسٍ في الحروبِ وَثيقُ
دَعوا بعدها لبسَ العَمائِمِ إنّما / رؤوسُكُم بالمرهَفاتِ تَليقُ
ولا تَلبَسوا خزَّ العِراقِ وقَزَّهُ / فكلٌّ يلبسُ المُخزياتِ لَبيقُ
وأعوزَ جِرْمٍ يقطِفُ القيدُ خَطوَهُ / شَريقٌ بأسرابِ الدموعِ خَنيقُ
وأفلتَ نَقْفورٌ يُرَقِّعُ جِلْدَه / وفيهِ لآثارِ السِّلاحِ خُروقُ
يَجُرّ العَوالي والسِّهامَ بجِسْمِهِ / كمحتطبٍ للحِملِ ليسَ يُطيقُ
وقد ظنّ لمّا استَعْجَلَ الفَرَّ أنّهُ / على نفسهِ عندَ الفرارِ شَفيقُ
ولو كانَ يَهْوى مَجدَها لأراقَها / وللطّعنِ في حَبِ القُلوبِ شَهيقُ
إذا لم تكن هذي الحياةُ عزيزةً / فماذا إلى طولِ الحياةِ يشوقُ
ألا إنّ خوفَ الموتِ مرّرَ طعْمَهُ / وخوفُ الفَتى سيفٌ عليه ذَلوقُ
وإنّكَ لو تَسْتَشْعِر العيشَ في الرّدَى / تحلّيْتَ طعمَ الموتِ حينَ تَذوقُ
أحَقاً بني ثَوبان أنّ جُيوشَكُم / تكادُ بها الأرضُ الفضاءُ تَضيقُ
سَيَفْرُسُها عمّا قليلٌ ضَراغِمٌ / دماءُ الأعادي عِنْدَهُنّ رَحيقُ
فلا تُوعدونا بالسيوفِ جَهالةً / فيضنَى مُحبٌّ أوْ يموتَ مَشوقُ
فإنّ المَباتيرَ التي في أكُفّكُمْ / تَحِنُّ إليْها أنْفُسٌ وتَتوقُ
ولا غروَ حتى تُسفِرَ الشّمسُ حيّةً / ويُصْبِحَ وجهُ الجوِّ وهو طَليقُ
إذا نظرتْ أرضَ الخليجِ بأعْيُنٍ / منَ النَّورِ قامتْ للصّوارِمِ سوقُ
وما هي إلا شِدّةٌ تسبقُ الدُجى / إلَيها ولو أنّ النّهارَ مَحيقُ
فإنْ عاقَ عنها سرعةَ الخيلِ عائِقٌ / فقتلاكُمُ ملءَ الفِجاجِ تَعوقُ
بلادٌ تساوتْ شمْسُها ووِهادُها / فكُلُّ حَضيْضٍ بالجَماجِمِ نيقُ
خليليَّ قد لجّ الزّمانُ ولجّ بي / مُرادٌ بأحداثِ الزّمانِ تَعوقُ
فَقولا لأنْواعِ المصائِبِ أقْصِري / تعَلّمْتُ ما يكْفي الفَتَى ويَفوقُ
فإنْ كنتِ بِرِّي تطْلُبينَ فإنّهُ / من البِرِّ في بعْضِ الأمورِ عُقوقُ
وأيّ فَتىً غنيتُما وسَقيتُما / فتى فيه نفثُ السِّحْرِ ليس يحيقُ
فَتىً تطْرَبُ الألحانُ من فرحٍ بِهِ / وتسكَرُ منه الخَمرُ وهو مُفيقُ
إذا ما هززْتَ الصارمَ ابنَ نُباتَةٍ / فصَمِّمْ بهِ أنّ الحُسامَ عنيقُ
فلو شئْتُ علمتُ المكارمَ شيمتي / ولكنني بالمَكرُماتِ رَفيقُ
أخافُ عليها أنْ تجودَ بنفسها / إذا ما أتاها في الزّمانِ مَضيقُ
أَسؤالُ هذا الدّهرِ ما أنا قانِعُ
أَسؤالُ هذا الدّهرِ ما أنا قانِعُ / سألتكمُ باللهِ كيفَ المَطامِعُ
فعندي فُؤادٌ لا يرى الأخذَ مغنَماً / ويجبُنُ أنْ تُسْدى إليهِ الصّنائِعُ
على أنّهُ يَفْري الحسامَ بقلبِهِ / وطَيْعَنُ صدرَ الرّمحِ والرُّمحُ شارِعُ
بوُدِّ اللّيالي لا بودّيَ أنّني / أهِشُّ إلى معروفِها وأُسارِعُ
فإنْ ألْقَ ميّافارقينَ وربُّها / يطاعنُ منّي حاسِراً وهو دارِعُ
تنوبُ له خيْلٌ ولا أدّعي لها / وتغزُو ولا أغْزو إلَيْها الفَجائِعُ
فخُطّةَ ضيمٍ أبَيْتُ وليلَةً / سريتُ فكانَ المجدُ ما أنا صانِعُ
هتكتُ دُجاها والنّجومُ كأنّها / عيونُ لها ثوبُ السّماءِ بَراقِعُ
ضَعي عنكِ أثْوابَ الحياءِ فإنّنا / كِرامُ الهوى أسْرارُنا والمضاجِعُ
فإنّ خسارَ الجهلِ والعَقْلُ رابِحٌ / يحققُ عندي أنّكنّ صَوانِعُ
ألا فاخْشَ ما يُرْجى وجدُّكَ هابِطٌ / ولا تخْشَ ما يُخشى وجدُّك رافِعُ
فلا نافعٌ إلاّ مع النّحسِ ضائِرٌ / ولا ضائِرٌ إلاّ معَ السّعدِ نافعُ
تَطاوَلَ لَيْلي بالجبال تَزورُني / جِبال هُمومٍ تَرتَمي وتُماصِعُ
أضُمُّ على قلبي يديَّ مخافةً / إذا لاحَ لي بَرقٌ من الشّرقِ لامِعُ
وما ينْفَعُ القلبَ الذي بانَ إلفُهُ / إذا طارَ شَوْقاً أنْ تُضَمَّ الأضالِعُ
لرأس زماني مُنْصُلي وليَ الصّدى / وللناسِ منهُ ريُّهُ والمَشارِعُ
ولو كنتُ ممنْ يزحَمُ الجمعَ ورده / تضلعتُ والمتبوعُ لا شكّ تابِعُ
وكيفَ بنفسي أنْ على الوِردِ أُكرِهَتْ / أطاعت وإلاّ خليتْ وهي ناقِعُ
ولو لم يكن في النّاسِ من يَعْشَقُ النّدى / بغيرِ سُؤالٍ نازَعَتْها النّوازِعُ
فعاشَ لها ابْنُ المغربيِّ فإنّهُ / نَداهُ إلى حَمْدِ الرجالِ ذرائِعُ
أخي وخليلي والحبيبُ وجُنّتي / وسيفي ورمحي والفؤادُ المشايِعُ
أكلُّ ظُباهُ للمنونِ مناصبٌ / وأدْنى نَداهُ للسَّحابِ طبائِعُ
فتى تأنس الدنيا بهِ وهو موحشٌ / وتدنو إلى أهْوائِهِ وهو شاسِعُ
يجرِّبُ تجريبَ الغَبيِّ وعنده / ظُنونٌ على جيشِ الغُيوبِ طَلائِعُ
كَذا من يَحوطُ الحزمَ من جَنَباتِهِ / ويصرعُ من أفْكارِهِ ما يُصارِعُ
تُحدِّثُهُ الأبْصارُ عن خطَراتِها / فإنْ قالَ قوْلاً حدّثَتْهُ المَسامِعُ
من القومِ جَرّاحُ اللّسانَ إذا التَقَتْ / عُرى القولِ والتفتْ عليْهِ المَجامِعُ
يناضلُهُم عن دينِهِ وهو جاهِدٌ / ويَسبقُهُمْ في عِلمِهِ وهو وادِعُ
ويطعَنُهمْ من لفْظِهِ بأسنّةٍ / حداد النّواحي أرْهَفَتْها الوَقائِعُ
فلوْ لمْ يكُنْ شَرْعُ الشّرائِعِ قبلَهُ / إذاً أُخِذَتْ ممّا يقولُ الشّرائِعُ
كَذا أنتَ إلاّ أنْ يُقصِّر قولُنا / ولا شكّ في تقصيرِهِ وهو بارِعُ
ويومَ تسمّى الثّغرُ باسمكَ أصْبَحَتْ / رَكايا بلادُ الرّومِ وهيَ صَوامِعُ
قد انقلبتْ تبْغي النَّجاءَ بأهلِها / وما القلبُ لو حاولتَها لكَ مانِعُ
عشيةَ حباتُ القلوبِ مَلاقِطٌ / وطيرُ العَوالي فوقَهنّ أواقِعُ
وكلُّ كَميٍّ للطِّعانِ بصدرهِ / طريقٌ تخطّاهُ الأسنة واسِعُ
أعذني بسيفِ الدولةِ اليومَ أن أُرى / أُخادعُ أعدائي بهِ وأُصانِعُ
أقولُ لهُمْ إنّ السحابَ مطبِّقٌ / غَداةَ بِلادي والسَّحابُ صَواقِعُ
وإنّ يدي مبسوطةٌ من نَوالِهِ / تَجُرُّ العَطايا والعَطايا جَوامِعُ
فإنْ قلتُ لا أسطيعُ رجعَ جوابِهِ / فمثلي لا يُقْصى ومثلكَ شافِعُ
وعندكَ إنْ أبْدى الخِصامُ شَواتَهُ / أوِ ادّرَعَتْ بالدارِعينَ الرَّضائِعُ
لسانٌ لهُ حدُّ السيوفِ مقاطِعُ / وكفٌ لها صُمُّ الرماحِ أصابِعُ
ألَيْسَتْ من الأيْدي إذا هتفَ القَنا / بآياتِهِ لبَّته منكَ الأشاجِعُ
تكِلُّ الظُّبا عنهنّ وهيَ حَدائِدٌ / وتَمضي بهِنّ المُرهَفاتُ القَواطِعُ
تَؤمُّ مصاليتَ السّيوفِ كأنّما / لهُنّ مصاليتُ السّيوفِ قَبائِعُ
فإنْ أبَتِ الأقْدارُ إلاّ عِيادَتي / بعادَتِها فاصْدَعْ بما أنْتَ صادِعُ
فإنّا نحُلُّ الأرضَ وهي مَرابِعٌ / ونَرحلُ عنها والبِلادُ مطالِعُ
إذا طاوعَتْنا لم نُعاص وإنْ عصَتْ / فلا طاوعَتْنا والمَطايا طوائِعُ
وكيفَ وليسَ الأرضُ إلاّ ثنيّةً / تقولُ لها الأطْماعُ ها هوَ طالِعُ
فقد رفَعَتْ أبْصارَها كل بلدةٍ / من الشوقِ حتّى أوْجَعَتْها الأخادِعُ
وما هُنّ كالأحشاءِ شوقاً فما لها / تحنّ إلى أشخاصِنا وتُنازِعُ
ولو صافَحتْنا ما رأتْنا لكلّةٍ / من اللّحظِ أو مما تَجولُ المدامِعُ
إذا ما ضربْنا بالمَناسم حَسَّها / فقلْ للمَعالي أيُّ سيفيكَ قاطِعُ
من البيضِ ما لا ينفعُ المرءُ حملهُ / وإنْ باعَهُ يوماً ففيهِ منافِعُ
وما أسَفي إلاّ عليْكَ فخصَّني / بكتبكَ إنّي بالقَراطيسِ قانِعُ
ولا تُعْطِ مداحاً على الشّعْرِ طائِلاً / ولو نُظِمَتْ فيه النّجومُ الطّوالِعُ
فأسبَغُ ما تَكْسوهُ أنّك ناظِرٌ / وأجزلُ ما تُعطيهِ أنّك سامِعُ
سَريتُ على ظهرِ الأقَبِّ مُشَمِّراً
سَريتُ على ظهرِ الأقَبِّ مُشَمِّراً / أقودُ بهِ الظلماءَ وهي حَرونُ
كأنّ الدُجى منّي تخافُ وتتقي / فكلُّ هواديهِ عليَّ عُيونُ
ولمّا استقلّتْ للرَّواحِ حُمولُهُم
ولمّا استقلّتْ للرَّواحِ حُمولُهُم / فلم يبقَ إلاّ شامتٌ وغَيورُ
وقفنا فمِنْ باكٍ يكفكفُ دمعَهُ / وملتزمٍ قلباً يكادُ يَطيرُ
ويومٍ تَرامى بالسِّهامِ لحاظُهُ
ويومٍ تَرامى بالسِّهامِ لحاظُهُ / فما شئتَ من مقتولةٍ وقتيلِ
مسكنا به منّا القلوبَ صَبابةً / على حرِّ وجدٍ في الصدودِ دخيلِ
غدرنَ بنا يومَ التّفرّقِ فاغْتدى / يطالبُ كلٌّ قلبَه بكفيلِ
ولستُ وفي الأيامِ للحبِ سلوةٌ / إذا ملَّ يوماً صاحبي بملُولِ
أُكاتِمُ قَلبي رأيَ عيني وإنّهُ / ليكتُمُ منّي سرَّ كلِّ خليلِ
بقيتَ ولا كانَ الزمانُ ولا بقى
بقيتَ ولا كانَ الزمانُ ولا بقى / فنائِلُهُ بَدْءٌ ونَيْلُكَ مُنتَهى
قد أفنيتَ آمالي بجودِكَ والمُنى / وجودتني حتى غنيتُ عن الغِنى
وصيرتَني من بعدِ ما كنتُ واقفاً / أقولُ لدهري كلّما جاءَ ههنا
فودَّ نزارٌ لو يَسُرُّ ربيعةً / بأنّكَ أضجرتَ الأفاقِرَ باللُّها
وأنكَ لا تنفكُ تحت عَجاجَةٍ / تُقطَّعُ فيها المشرفيةَ بالطُلى
ثَنَتْها من الصخرِ السنابكُ فاغتدتْ / تَردُّ عن الفرسانِ عاديةَ الظُبى
إذا يئستْ عُقبانُها من خَصيلة / رفعتَ إليها الدارعينَ على القَنا
سيوفُكَ أمضى في النّفوسِ من الرّدى / وخوفُكَ أمضى من سيوفِكَ في العِدَى
وليلُكَ صُبْحٌ ما يَحولُ من الظُبى / وصُبحكَ ليلٌ ما يضيءُ من الثّرى
وأنتَ الذي لوْلاهُ ما عُرِفَ النّدى / ولا كانتِ الدُنْيا ولا خُلِقَ الوَرى
فتىً يتجافى لذةَ النومِ جفنُه / كأنّ لذيذَ النومِ في جَفنهِ قَذَى
أطرفُكَ شاكٍ أمْ سهادُكَ عاشِقٌ / يَغار على عينيكَ من سِنَةِ الكَرَى
ومن سهَرت في المكرُماتِ جُفونُهُ / رعَى طرْفُهُ في جوِّها أنجُمَ العُلا
وليس ينامُ القلبُ والجفْنُ ساهرٌ / ولا تغمُدُ العينانِ والقلبُ منتضى
ألا إنّ عينَ المرءِ عُنوانُ قَلبهِ / تُخبِّرُ عنْ أسْرارِهِ شاءَ أمْ أبى
رأيتُ كريماً يأكلُ الناسُ زادَهُ / إذا سَئِموا أزوادَهُ سَئِمَ الطّوَى
يَرى ما تَرى أبصارُهُمْ وهو مُطْرِقٌ / وما لا تَرى أبصارُهُم عينُه تَرى
فقلتُ سحابٌ أسْتَظِلُّ بظِلّه / ولا امترى غيرَ المودةِ والهَوى
فلم أرَ عيشاً قبلَهُ متزهِّداً / ولا صادِياً قبلي يَفِرُّ منَ الحَيا
لرأيكَ سيفَ الدولةِ الهمُ دونَه ال / عزيمةُ والوعدُ الذي دونَهُ النّدى
فلا زلتَ تُبلى جِدّةَ الدّهْرِ باقياً / وتلبس أثْوابَ الحياةِ بِلا مَدَى
سِوى حِرَّتي ما هيجتها الحَمائِمُ
سِوى حِرَّتي ما هيجتها الحَمائِمُ / وغيرَ دُموعي حاوَلتْها المَعالِمُ
أبَتْ غَرماتي أنْ تَنامَ مَطالبي / عن المجدِ يوماً أوْ تَنامَ العَزائِمُ
وهيهاتَ جازَ النّجمُ أدْنى مَرامِها / وخافَ شباها حربُها والمُسالِمُ
أسائِلُ هذا الدّهْرَ مِمَّ حُقودُهُ / عليَّ وفيما خطْبُهُ لي ظالِمُ
أأصْحَبُ فيه الذُّلَ والعَضْبُ صارمٌ / وأركبُ فيه الخَسفَ والطِرْفُ سالِمُ
ومَنْ حكّمَ النّهدَ الطِّمرَّ وسيفَهُ / وهمتهُ في دهرِه فهو حاكِمُ
عَجِبتُ ومن أنى عجبتُ تَعجّبي / أمِنْ نُوبِ الأيامِ يَعجَبُ حازِمُ
حَمَتْ جنبَه الأفكارُ عن كلِّ مرقدٍ / فليس ينامُ الليلَ والخَلقُ نائِمُ
وما زلتُ أقري وارِدَ الهمِّ مَصدراً / إذا سارَ منه راحلٌ حلَّ قادِمُ
إلى أنْ تركتُ الهمَّ خَزيانَ نادماً / يُحاذِرُ منّي ما تَرومُ المَراوِمُ
ومُستصرخٍ أعوانَه وهو قاعدٌ / إليّ ولم أشعُر بهِ وهو قائِمُ
يعض عليّ الكفَّ لا يَستطيعني / وما ضرّني أنْ ينشِقَ التّربَ راغِمُ
ويسألُ عنّي وهو بي جِدُّ عارفٍ / وهل يُنكرَنّ العارضُ المُتراكِمُ
ترفّعتُ في علياءَ يَقصُرُ دونَها / كِرامُ المساعي والظنونُ الرّواجِمُ
إذا صِحتُ فيها بالبَعيدِ تكاثرتْ / عليّ تُلبيكَ الأسودُ الضّراغِمُ
هُمُ القومُ لا يُستصرخون لحادثٍ / من الدّهرِ إلاّ والسّيوفُ عَمائِمُ
شَرابُهُمُ في الحربِ ما تَمطُرُ القَنا / وأكلُهُمُ ما تجتنيهِ الصّوارِمُ
رأى الموتُ منهمُ روحَهُ وجنانه / عَشيةَ طارتْ في الأكفِّ القَوائِمُ
وخافَ الدُجى من سيرهم فكأنّما / كواكبِهُ منهم عليهِ تَمائِمُ
أناخُوا ذُرى الأطوادِ فهي مخارمٌ / وشَقوا ظهورَ الأرضِ فهي أقادِمُ
وطارتْ بروقٌ في الشّكائِمِ تحتَهم / فكيفَ بها لو لم تَعُقها الشّكائِمُ
مآتِمُهُمْ للبأسِ والكأسِ والنّدى / وأعراسُهُمْ للدّارِعينَ مآتِمُ
أولئكَ قومي والأكفُّ الغَواشِمُ / وهاتيكَ خَيلي والوجوهُ السّواهِمُ
رَجَمتُ بهم أهل الجبالِ فما دَرَوا / أخَيلٌ رَمتْهُمْ بالعِدى أم سَلالِمُ
ولابُدّ من يومٍ على الشرقِ هائِلٍ / تصادمُ بيضَ الهندِ فيهِ الجَماجِمُ
هَوت هممي إن لم أزُرْ أرضَ بابلٍ / بيومٍ تزورُ الأسْدَ فيه القَشاعِمُ
لقد خوّفَتني بالهَلاكِ عصابَةٌ / أُسائِلُ عنها ما تقولُ اللهاذِمُ
فتَنكرُ سمرُ الخطِّ إلاّ ظُهورَهُمْ / وتعرفها يومَ اللّقاءِ الهزائِمُ
وهلْ هو إلا الموتُ يا جلبَ العَصا / أُنافِسُ في مكروههِ وأُزاحِمُ
وأنتم كمخِّ الساقِ عذبٌ مَذاقُهُ / ولا صبْرَ عنه إذْ تُرَدُّ المَظالِمُ
أرَى الدّهْرَ يُعطي حظَّهُ كلَّ عاجزٍ / ويَحرِمُ من تزكو لديهِ المكارِمُ
فإنْ تَطُلِ الأيامُ اغضبْ بغارَةٍ / تخرُّ بها بَعدَ الأنوفِ الحَلاقِمُ
تُصاحِبُني البيداءُ في كلِّ مذهبِ
تُصاحِبُني البيداءُ في كلِّ مذهبِ / متى كانتِ البيداءُ تَطلُبُ مَطلَبي
قَرَيتُ الفَيافي روحَ كلِّ نَجيبةٍ / إلى أنْ تخوّفْتُ القِرى أنْ يكونَ بي
يُقطِّع أنفاسَ الرّياحِ تغلغُلي / ويُخمِدُ نيرانَ الهجيرِ تَلهُّبي
وأطلُبُ شيئاً ليس يُطلَبُ مِثلُهُ / وعند رجالٍ أنّ بالشِّعرِ مكسبي
وأُسرجُ أطرافَ الرِّماحِ فأمتطي / إلى مِثلِ هَمّي مثلَ ذلك مَركبي
أكلُّ مكانٍ في الزّمانِ من القَنا / ركوبي على أطرافِها وتقَلُّبي
رَمتني رجالٌ بالوعيدِ فليتَها / على البغضِ فيما بيننا لم تُحَبَّبِ
تفاءلتُ لمّا خوّفوني سُيوفَهم / بمسح يميني فوقَ رأسي ومَنكِبي
فمَن مبلغٌ أفناءَ خِندِفَ أنّني / ذهبتُ من الأخْلاقِ في غيرِ مَذهبي
وأنّي منحتُ الناسَ محضَ مودّتي / فَما منحوني غيرَ أهلٍ ومَرحَبِ
وجرّبتُ عَمراً منهُمُ فذَمَمتُهُ / ولو قلتُ عَمروٌ كلُّهم لم أُكَذَّبِ
وقالوا نَقِمنا منكَ أنّكَ مُعجَبٌ / فيا للعُلا هل فيهمُ غيرُ مُعْجَبِ
يَرى كلُّ مَغلوبٍ من النّاسِ أنّهُ / أحَقُّ بصفوِ العيشِ من كلِّ أغلَبِ
وكلُّ دنيٍ ظاهرِ النّقصِ منهم / يَرى أنه فوقَ الهُمامِ المُحجَّبِ
إلى كم تَشكّاني المَطيُّ وكم تُرى / أواصلُ ادلاجي بها وتأوُّبي
لعلّ صُروفَ الدّهرِ تَرثي من القَذى / لمكتحلاتٍ بالحَنادسِ لُغَّبِ
لبِسنَ الدُجى في فارسٍ وخلعنَه / على شَيْزَرٍ والنّجمُ لم يتغيّبِ
أطالتْ لها الظَّلماءُ أمْ قَصُرَ المَدى / مللناكَ يا ليلَ الثنيةِ فاذهبِ
فلو كان وجهُ الحارثِ الجونُ حاسِراً / تجلّيت حتى ينجَلي كلُّ غَيْهَبِ
فلمْ نسرِ إلاّ في ضياءِ جبينِهِ / ولم نرعَ إلاّ في حمىً منه مُخْصِبِ
حمى بين أحشاءِ الفُراتِ وجاسمٍ / طِعانَ فتىً بالسّمهريةِ هَبْهَبِ
يُمهد أكنافُ السوابقِ بعدَما / لعِبنَ به بين الظُّبا كلَّ ملعَبِ
عوابسُ إلا حين تُبصِرُ وجهَهُ / أوانِسُ إلاّ أن يقولَ له ثِبي
وما كنَّ قبل الرومِ يَشهدنَ مازِقاً / فيخطُرْنَ إلاّ في دمٍ متصبِّبِ
عشيّةَ طارتْ للوعيدِ دماؤُهم / فطارَ القَنا فيهم ولم يتخضّبِ
تفرَّقَ أملاكُ الطوائِفِ عن أبي / فِراسٍ وباعوا قُربَهُ بالتّجنُّبِ
مع الرُّمحِ رمحٌ يهتِك الدِّرع قبلَه / ويمضي بما يَعيا به كلُّ مِضْرَبِ
فتىً يصحَبُ الهَمَّ البعيدَ إلى المُنى / وحيداً وأدنى صحبِهِ ألفُ مِقْنَبِ
رعى الدّهرَ حتى ما تمرُّ غَريبةٌ / يُكرِّرُ فيها نَظرةَ المُتعجِّبِ
كفَتْهُ تجاريبَ الأورِ ظُنونُهُ / ولم يكفِ صرف الدّهرِ كلَّ مجرِّبِ
كَوَيتَ عيونَ الحاسدينَ بلحظها / فقد عَمِيَتْ والحربُ لم تتجَلْبَبِ
سِنانُكَ فليَسبِقْ لسانَكَ فيهمُ / متى تخلبِ الأعداءَ بالرفقِ تُخلَبِ
وإنْ قعدتْ كيما تلينَ لها فقمْ / وإنْ لبِستْ ثوبَ الرِّضا لكَ فاغضَبِ
فإنّ اجتنابَ الشّرّ سوف يُعيدُها / إلى شِيمَةٍ أخلاقُها لم تُؤَدَّبِ
ألستَ إذا ما الحربُ فرّ حماتُها / ولم يبقَ غيرُ الفارسِ المتلبّبِ
سبقتَ إليه السّيفَ ثم ضربتَهُ / وقلتَ لنصلِ السّيفِ إنْ شئتَ فاضرِبِ
وما يتمارى الدّهرُ أنّكَ ربُّهُ / فقل لبنيهِ ليس دهرُكم أبي
كأنْ لم يقل يوماً لصرفِكَ صرفُهُ / أجِزْني ولا قالت مكارمُه هَبِ
لَعَمري لقد نالَ الغِنى من رجاكُم / وأسمعَ من ناداكم يالَ تَغْلِبِ
أألفَلَكُ الدوّارُ قال وقد رأى / ثنائي عليكم كلَّ بيتِ مُهَذَّبِ
أظُنّ معاني شِعرِهِ من كواكبي / وأحلِفُ أني لا أفوهُ بكَوكَبِ
أقِلني أقِلني مَطلباً كنتُ رابحاً / وقد بعتُه شوقاً إليكَ بمَهْرَبِ
فلستُ وقد صانعتُ عنكَ عواذلي / بأوّلِ صَبٍّ بالملامِ معذَّبِ
عذَرتُ صروفَ الدّهرِ حين حرمتَني / وغيرُكَ مأْمولي فلمْ أتَعَتّبِ
وروّيتُ قلبي من هَواكَ فما ارتَوى / إذا أنتَ لم تَسْكَرْ من الخَمْرِ فاشْرَبِ
وأقسمتُ لا أرجو سِواكَ مؤَمَّلاً / وأخلصتُ عنَ المجدِ توبةَ مذنِبِ
أتَخشى بنو حمدانَ مَيلي عليهِمُ
أتَخشى بنو حمدانَ مَيلي عليهِمُ / وقد صَفِرَتْ أحلامُهُم يومَ غُرَّبِ
وما كلُّ من يَجْني عليَّ يَخافُني / فيا خوفُ لا تذهب بهم كلَّ مَذْهَبِ
وإنّي لأعفو عن ذُنوبٍ كثيرةٍ / لو اخْترتُ ما طالتْ بها يدُ مُذْنِبِ
تجنتْ بنو حمدانَ كلَّ جِنايةٍ / عليّ فلم أغضَبْ ولم أتعَتَّبِ
وكادت من التأنيبِ تطْلِقُ خبْوَتي / متى كانَ عِرضي قبلَها لمؤنِّبِ
وصارَ التّلاقي والمزارُ يريبُها / فداويتُ وجدي بالقِلى والتّجَنُّبِ
وأطمعَها مسُّ الزّمانِ وعضُّهُ / وصبري على أحداثِه والتقَلُّبِ
هم فتكوا والدّهرُ ينشِبُ ظُفرَهُ / فلا غلَبَتْ شَيبانُ غيرَ مُغلَّبِ
تعجَّبَ من إيماضِنا بالمَناسِمِ
تعجَّبَ من إيماضِنا بالمَناسِمِ / ورُبَّ ابتسامٍ عن عِضاضِ الأباهِمِ
عشيّةَ شَنّ البينُ الحيّ غارةً / تكدَّسَ من عذالنا واللوائمِ
فجئنا حَيارى نحسَبُ الضربَ شاقَهُ / وقد عصفَتْ أيمانُنا بالقوائِمِ
ولجلجَ عَمروٌ نظرةً لَجْلَجَتْ بها / لواحظُهُ فيض الدموعِ السّواجِمِ
فقلتُ له لا تبْكِ للبينِ إنّنا / خُلِقنا له خَلقَ القَنا للمهازِمِ
لقيتُ من الأيّامِ كلَّ غَريبةٍ / تُشككُ حَولاً راحتي بالبراجِمِ
ولا مِثلَ ليلٍ بالعِراقِ سَهرتُهُ / أفتشُ عن أهلِ الحِمى كلَّ ناسِمِ
تمرُّ الصَبا لم تسْبِ تُربةَ أرضهمْ / فتلفَحُني من وهجِها بسَمائمِ
يُخيَّلُ لي أنّ النجومَ أسنّةٌ / يُنَهْنِهُ عنها البرقُ سلَّ صَوارِمِ
وأنّ الكَرى سهمٌ إلى كلِّ مُقلَةٍ / تَرقرَقَ فيها والرّدى طيفُ حالِمِ
كأنّ الدُّجى مالت عليهِ كَتيبَةٌ / فنبّه من أهوالِهِ كلَّ نائِمِ
إلى أنْ سَرى نشرُ الحبيبِ فصافحتْ / بهِ الصُّبحَ أنفاسُ الرياحِ الهواجِمِ
إليكَ صَحِبنا اليومَ ترعدُ شمسُه / وحيرةَ ليلٍ أسودِ النجمِ فاحِمِ
ودَهْراً سمتْ حيتانُهُ في سمائِهِ / وأنجُمُهُ في بحرِهِ المتلاطِمِ
أبى صدُّهُ أنْ يستَجِفَّ عتابُنا / وما الظلمُ فيهِ غيرُ شكوى المَظالِمِ
وطعناً منحناه النّحورَ وحاجةً / أنِفنا لها أنْ تُقْتَضى بالخَصائِمِ
وثَبنا لها وثبَ السّيوفِ وشمّرَتْ / بِنا أريحاتُ العُلا والمَكارِمِ
إلى أنْ تَحامتنا الفَلاةُ فحاولتْ / من العيشِ إلحاقَ الذُرى بالمَناسِمِ
فإنْ تكن البيداُ لاكتْ رِكابَنا / فقد لفظتْ منّا شجىً في الحَلاقِمِ
تكون بها أنفاسُنا وحديثُنا / مدائِحَ حمدانَ المليكِ القُماقِمِ
ويعجِبُها ألاّ تُفَتِّرَ ذِكْرَهُ / فقد جسَدَتْ أفواهُنا للخَياشِمِ
فتىً لم يرقْ ماءَ الشّبيبةِ شَعْرُهُ / على الخَدِّ حتى رامَ شمَّ المَراوِمِ
فكابَرَ فيها خَمسَ عشرةَ حِجّةً / إلى المجدِ دفاعاً صدورَ العَظائمِ
أَخو الحربِ يَثنى حدَّها وهو صارمٌ / ويسلَمُ منها والقَنا غير سالِمِ
إذا راحَ فيها مُعْلَماً بقَناتِهِ / فلا معلَمٌ إلاّ بماءِ الحَيازِمِ
يجودُ بما من أجلِهِ يُؤثِرُ النّدى / إذا القومُ شَحّوا بالنفوسِ الكرائِمِ
فتىً لا يَرى أنّ الهمومَ مصائِبٌ / وأنّ سرورَ العيشِ ضربةُ لازِمِ
يُؤَمِّلُ في أموالِهِ كلُّ آمِلٍ / ويُرحمُ من أسْيافِهِ كلُّ راحِمِ
إذا السّيفُ لم يستنزلِ الهامَ لمعُهُ / فما هو من آرائِهِ والعَزائمِ
رجاكَ كريمٌ لا يَخيبُ رَجاؤهُ / وشامكَ طرْفٌ للنّدى غيرُ شائمِ
وبادر من برديكَ صوبَ غَمامةٍ / يَدومُ ومُنْهَلُّ الحَيا غيرُ دائِمِ
فلم أدرِ أنّ المَنعَ قَبلكَ مُغْرَمٌ / وأنّ عطاءَ المالِ إحدى المَغانِمِ
يَبيعُ الفَتى أطماعَهُ بوفائِهِ / وقد باتَ مجهوداً زهيدَ المَطاعِمِ
أرى الدّهْرَ يُعطى بعضَ ما هو آخِذٌ / مغانمهُ مسلوبةٌ بالمَغارِمِ
ألا أنّ أملاكَ البلادِ فرائِسٌ / لوثبةِ مفتولِ الذّراعِ ضبارِمِ
هُمامٌ إذا خاضَ القَنا ظنّ أنّهُ / من الطّعْنِ في درعٍ من الموتِ عاصمِ
فقم يا بن قوّامٍ على جَمراتِها / إذا ما المَنايا أقعدتْ كلَّ قائمِ
فقد كشَفَتْ أرضُ العِراقِ قِناعَها / وحَنّ إليكَ الشّامُ تَحنانَ رائِمِ
وقد علِمَ الأعداءُ أنّ سُيوفَهم / تُسَلُّ على أعناقِهم والمَعاصِمِ
هُمُ جرّدُوها والوجوهُ دَويّةٌ / فما بدّلوا أغمادَها بالجَماجِمِ
وأضيقُ من آثارِ طعنِكَ فيهُمُ / يُعلِّمُهُم كيفَ انتهازُ الهَزائمِ
ليهنِكَ جَدٌّ يفلِقُ الصّخْرَ حَدُّهُ / ويهتِكُ صدرَ الجحفَلِ المُتلاحِمِ
وإنكَ لا تَلقى النّدى غيرَ باسمٍ / إليهِ ولا صرفَ الرّدى غيرَ حازِمِ
وإنّ محلاً رُحْتَ فيهِ ومنزِلاً / تَصيدُ ظُباهُ للأسودِ الضّراغِمِ
حماهُ طِرادُ الخيلِ يغضِبُها الظُّبا / إذا أُفرِدَتْ فرسانُها بالأمائمِ
وكلُّ غُلامٍ يحسَبُ الموتَ مَغْنَماً / يَخافُ عليهِ الفوتَ إنْ لم يُزاحِمِ
سَقى اللهُ أيامَ الصّبابةِ والخَبْلِ
سَقى اللهُ أيامَ الصّبابةِ والخَبْلِ / ودَهْراً رُمِينا فيهِ بالحَدَقِ النُّجْلِ
وصحبة فتيانٍ كأنّ وجوهَهمْ / وأخلاقَهم صُبحٌ تنفّسَ عن وَبْلِ
فَزعتُ إلى يأسي فلم أسلُ عنهُمُ / إذا اليأسُ لم يسلُ المحبَّ فما يُسلي
وحَيّا تحياتِ الوَداعِ ووَقْفَةً / وجدتُ بها ما لم يَجدْ أحَدٌ قَبْلي
تلافيتُ فيها قَسْوةَ الهجرِ بالبُكا / وداويتُ فيها عِزّةَ الحُبِّ بالذلِّ
عَشيّةَ استعدِي على البيْنِ مُسعِداً / تكاثِرُ في أرشاشِها عَدَدَ الرّمْلِ
فيا بينُ حُلْ بيني وبينَ عَواذِلي / إذا لم تَحُلْ بينَ المطيّةِ والرّحْلِ
ويا دمْعُ لا تهتِكْ عليّ سَرائِري / فلو شئتُ يومَ البينِ كذّبتُ ما تُمْلي
آتَحرِمُنا يا رَبُّ بالحِلمِ والنُّهى / وتَرزُقُ قوماً بالسّفاهَةِ والجَهْلِ
فلا تَبْتَلينا بالحَياةِ فإنّنا / خُلِقنا رِجالَ الجِدِّ في زَمَنِ الهزْلِ
نفرُّ إلى حَرِّ الغَرامِ من القِلى / ونَهْرُبُ من روحِ الفَراغِ إلى الشُّغْلِ
ورَكبٍ على الأكْوارِ عللتُ والدُّجى / تروّحُ أردافَ النّجومِ على رِجْلِ
لتَعلَقَ في الدُّنيا علائِقَ حاجةٍ / مكابرةً أوْ بالتّرفّقِ والخَتْلِ
ألا من لعيشٍ لا يَعودُ إذا مضى / ودهرٍ مَلولٍ لا يَدومُ على وصْلِ
يَجودُ ليَثْني ناظِري نحوَ جُودِه / أكلُّ عطاءٍ يمنَحُ النّاسُ من أجْلي
فَيا دَهْرُ قد حاولتُ عندكَ مَطمَعاً / فحَقُّكَ أنْ تُعْطي وتُسْرِفُ في البذْلِ
ظَفِرْتُ ولولا صاعدٌ ما رأيتني / أمُدُّ إلى الآمالِ كَفاً بلا نَصْلِ
لَما طالتِ البيْداءُ حينَ قصَدتُهُ / هَوىً لمسيري أو ضِراراً على إبلي
كسوتُ لُغامَ العيس لَمعَ سَرابِها / فَماجَ كَموجِ البَحْرِ يُزبِدُ أو يَغْلي
تنكَّبُنا هَوجُ الرّياحِ كأنّها / تُحاذِرُ أنْفاسَ المُخزَّمَةِ البُزْلِ
بَناتُ قِسيّ للحُداةِ وراءَها / تَرنُّمُ أوْتار القِسيّ على النّبْلِ
تَراها على طولِ الفَلاةِ كأنّها / تَدِبُّ دَبيبَ الكاسِيات من النّمْلِ
وإنّ نجومَ الليلِ تَمرُقُ في الدُّجى / وتحسِبُها تَنصاعُ فيهِ على مهْلِ
تخطّتْ أكفَّ الباخِلينَ فعرّسَتْ / بأروعَ معشوقِ الشّمائِلِ والفِعلِ
يُفرِّقُ ما بينَ المَكارِمِ والغِنى / ويجمَعُ ما بينَ الشّجاعةِ والعَقْلِ
هو الماءُ للظمآنِ والنّارُ للقِرى / وحدّ الظُّبى في الحرْبِ والغيثُ في المحْلِ
حَباني ولم أستحبهِ متطولاً / يَرى جودَهُ بعد السّؤالِ من البخْلِ
وأنّى اهتدتْ جَدوى يديكَ لخلّة / سترتُ أذاها عن عدُوِّي والخِلِّ
سَرَتْ كانقضاضِ النّجمِ في غلَسِ الدُجى / إلى مضجعي حتى وصلتُ بها حَبلي
سأشْكُرُ ما أوْلَيتني من صَنيعةٍ / ومِثلُ الذي أوليتَ يَشكُرُهُ مِثْلي
ويكفُرُكَ النّعْماء قومٌ غرستَهُمْ / فلم يُثْمِروا غيرَ الضّغينَةِ والغِلِّ
عِيالٌ على الأعْداءِ والجدبِ جامحٌ / وخيلٌ تُغادي بالقَنازِ من النَقْلِ
حَمَلْتَ جناياتِ المكارمِ فيهمُ / على ظهرِ عودٍ لا يُتَعْتَعُ بالحَمْلِ
ولم تكُ لمّا أحدَثَ الدّهْرُ نكبَةً / بمفترسٍ للحادِثاتِ ولا أكْلِ
كشَفْتَ لها ثَغْراً نَقيّاً وساعِداً / حَمياً وعَيناً لا تَنامُ على ذَحْلِ
كأنّ حُزُونَ العيشِ عندكَ سَهلةٌ / وشتّانَ ما بينَ الحَزونَةِ والسَّهْلِ
وما وجدَ الأعْداءُ عهدَكَ خائِناً / وعقدَكَ إلاّ وهو يُعْقَدُ بالحَلِّ
تركتَ لهمْ صَحنَ الرِّهانِ ونَقْعَهُ / وفُزْتَ بغاياتِ السّوابقِ والخَصْلِ
كما تركَ الظّبيُّ المُنَفَّرُ ظِلَّهُ / لقانِصِه لو كانَ يَقنعُ بالظِّلِّ
ولو شِئْتَ لما أثقبَ الكيدُ نارَهم / سَدَدْتَ فروجَ النّارِ بالحَطَبِ الجَزْلِ
لبلّتْ أنابيبَ الرِّماحِ فَوارسٌ / يَفِرونَ من ذُلِّ الحياة إلى القَتْلِ
خِفافٌ إلى الهَيْجاءِ خرسٌ عن الخَنا / وأسيافُهم في الهامِ تنطِقُ بالفصْلِ
ولكن ثَنيتَ الجهلَ بالحِلمِ فانثَنى / ومثلكَ من قادَ الجموحَ على رِسلِ
تتبّعْ بنيّات الضّغائِنِ بالأذى / فقد أفسَدَ الأعداءَ أخذُكَ بالفَضْلِ
من الحِلْمِ في بعضِ الأمورِ مَهانةٌ / إذا كانَ لا يَنهى عدوكَ عن جَهْلِ
وكنتَ حُساماً غيّرَ الدّهْرُ لونَهُ / فحادَثْتَهُ من جُودِ كَفِّكَ بالصّقْلِ
ووَفْدٌ كدَفّاعِ السَّحابةِ زارَني / بلا عِدَةٍ من راحتَيْكَ ولا مَطْلُ
حظيتَ به عندَ المَكارِمِ والعُلا / وغيرَُ يَحْظى بالمَلامَةِ والعَذْلِ
أمَا رائِعٌ ينتابُني فيروعُ
أمَا رائِعٌ ينتابُني فيروعُ / من الدّهْرِ إلا ما تقولُ ولوعُ
يقولُ ألا تبغي الغِنى بمذلةٍ / وما الفقْرُ إلا ذلَةٌ وخُشوعُ
رأتْ أمَلاً بيضُ الصّوارِمِ دونَه / سُجودٌ على هاماتِنا وركوعُ
فإنّ لَنا في حادثِ الدّهرِ همّةً / ستترُكه شتّى ونحْنُ جَميعُ
ولوْلا اتقاءُ الضيمِ كانت خطوبُه / تُطيعُ هَوانا مرةً ونُطيعُ
إذاً لعشِقْنا في الزّمانِ سيوفَنا / ولكنّهُ في العاشقينَ خُضوعُ
لعَمْري لقد كانَ الحُسامُ ابنُ تَغلِبٍ / فتىً مَحْلهُ للمُعْتَفينَ رَبيعُ
وكنتُ أظُنُّ البينَ لو جَدَّ جدُّهُ / لما بقيتْ لي مقلةٌ ودموعُ
فلمّا استقلتْ للفِراقِ جِمالُهم / تبسمتُ إلاّ ما تُجِنُّ ضُلوعُ
ملكتُ دموعي والجُفونُ حوافلُ / ونبهتُ صَبري والغَرامُ ضَجيعُ
تركْنا لشدادِ بنِ نعمةَ زادَهُ / عشيةَ يُقري ضيفَهُ ويَجوعُ
مخافةَ ضيفٍ بعدَنا أنْ يلومَهُ / فيقطَعَ حَدَّ السيفِ وهو قَطوعُ
دَعوتُ علياً للمكارمِ لم تُذَدْ / وللمجدِ لم يمنَعْ حِماهُ مَنيعُ
فأيُّ فتىً نبهتُه فأجابَني / بلبيكَ والمستيقظونَ هُجوعُ
يَغضونَ عن حالي الجَفونَ وكلُّهم / بصيرٌ بحالي لو يشاءُ سَميعُ
وللهِ في ابنِ المرزبان خبيئةٌ / ستذعَر أملاكَ الوَرى وتَروعُ
فتىً ما لهُ في غيرِ مدحِكَ مَطمَعٌ / وكلُّ كريمٍ في المديحِ طَموعُ
عدو كَراهُ ليلُهُ كنهارِهِ / إلى المجْدِ محلولُ العِذارِ خَليعُ
يعِفُّ عن الماءِ الزلالِ تنزُّهاً / وفيه صَدى من غُلّةٍ ونُزوعُ
لَحا اللهُ نَيلاً في التماسِ مَنالِهِ / لسانٌ إلى عِرضِ الكَريمِ سَريعُ
إذا كانَ ما يكفي الفَتى ما يكُفُّهُ / فأنفعُ شيءٍ في الحياةِ قُنوعُ
معينٌ على البلوى أخاه بنفسه / إذا عنَّ مورودٌ وعنّ شروعُ
فدَتْكَ ملوكٌ منعُها وحجابُها / سيوفٌ على أموالِها ودُروعُ
هُمُ حَفظوها للنفوسِ ذَخيرةً / فما حفظوها والنفوسُ تَضيعُ
كأنْ لم تَرعنا الرائعاتُ ولم تَطر / بآبائِنا في الهالكينَ صُروعُ
أُصولُ فناءٍ بِنَّ نحنُ فُروعُها / ونحنُ أصُولٌ والبنونَ فُروعُ
فلا كنتُ من دهرٍ مؤمَّلُ أهلِهِ / يقولُ لمهدي الحمدِ كيفَ يَبيعُ
ليحوِ رفيعُ القومِ رفدَكَ كلَّهُ / ولا ضيرَ أن يَحوي نَداكَ وَضيعُ
كفيتُكَ في الدُنْيا ملامةَ صاحبٍ / يُسِرُّ يداً أسدَيتَها فتَشيعُ
يذَمِّمُهُ من لا يَزيدُكَ حَمدُهُ / ومن كتَم النَّعْماءَ فهو مُذيعُ
وإنّ اعتِقادي أنْ أتيتُكَ مِدْحَةً / تقابلُ ما أولَيْتَني لَبَديعُ
جنيتُ بتقصيري عليكَ جِنايَةً / وأنتَ لمنْ يَجن عليكَ شَفيعُ
فأقسمتُ لا أرجو الحَيا وهو ضاحِكٌ / ولا أتَوقّى الخَطْبَ وهوَ فَظيعُ
أآمُلُ مأمُولاً سِواكَ لخَلَّةٍ / وما النّاسُ إلاّ آخِذٌ ومَنوعُ
ويَذعَرُني خطبٌ رَجاؤكَ دونَهُ / فأجزعَ منهُ إنّني لجَزوعُ
رأتْني صُروفُ الدّهْرِ نحوكَ راجِعاً / فهنَّ على أعقابِهنّ رُجوعُ
فلا بَلَغَ الباغي عليكَ مُرادَهُ / ولا رفَعَ الرّاقي إليكَ طُلوعُ
ولا زلتَ تَغزو من همومِكَ في ظُباً / تَلوحُ وهاماتُ الرِّجالِ وُقوعُ
سَوادُ الدُّجى طِرفي وأنجُمُهُ صَحبي
سَوادُ الدُّجى طِرفي وأنجُمُهُ صَحبي / فهَلْ ركِبَ الظّلماءَ أشرفُ من رَكْبي
وإنّ طِلابي للعُلا وهي شيمَتي / عَجيبٌ ونَهبُ الهَمِّ لي وهو من نَهْبي
وفي النّفْسِ ثِقلٌ ليسَ تحمِلُهُ القُوى / وعَتْبٌ يبيتُ الدّهْرُ منه على نحْبِ
وقد زعَمَ الأقْوامُ أنّيَ مُعجَبٌ / تَواضُعُ قدري ما يَرونَ من العُجْبِ
فلولا ارتِفاعي يا شَريفُ عن الخَنا / رَغَتْ كلماتي فيكمْ رَغوةَ السُقْبِ
عَرَفْتُ صُروفَ الدّهْرِ حتى جهلتُها / وضاربتُها حتى فَنِيتُ من الضّرْبِ
فقد تركتْ سيفي أكَلَّ مَضارِباً / وأثلمَ حَدّاً من لساني في السِّبِّ
وعنَّفني في مركبِ الموتِ معشرٌ / وقالوا أيهوى الجَدبَ من هو في الخِصْبِ
وإني لأدري أن في العجزِ راحة / وأعلمُ أن السّهْلَ أوطا من الصعبِ
ولَو طَلَبَ الناسُ المكارمَ كلُّهم / لكانَ الغِنى كالفَقْرِ والعَبدُ كالرّبِّ
ولكنّ أشخاصَ المَعالي خَفيّةٌ / على كلِّ عينٍ ليسَ تنظرُ باللبِّ
لقد زادني حربُ الزّمانِ تَجارِباً / فلا عشتُ في يومٍ يَمُرُّ بلا حَرْبِ
ومن يكُ يَعتادُ الكروبَ فؤادُهُ / فإنكَ يا قلبي خُلِقْتَ من الكَرْبِ
أتَرضَى بأكْدارِ الموارِدِ مَشْرَباً / وقد كنتَ لا ترتاحُ للبارِدِ العَذْبِ
وتغري بلا ذَنبٍ عليَّ جَوانِحي / وقد كنتَ لا تجزي المسيءَ على الذّنْبِ
فإنْ كنتَ قلبي فابغِضِ الحُبَّ طائِعاً / ودَعني من بُعدِ الأحبّةِ والقُرْبِ
وإنْ كنتَ تأْبى ذاكَ فاعلمْ بأنّهُ / أبى المجدُ إلاّ أنْ أكونَ بلا قَلْبِ
أمَا لو تَخَيّرتُ الهَوى لمنحتُهُ / كمالَ عليَّ أو سلوتُ عن الحبِّ
فلولاهُ لم تلقَ المُنى في مَطالِبي / ولم تَلقَني بالسّهْلِ منها وبالرّحْبِ
ومَنْ كَعلي للفوارسِ تدّعي / وللبيضِ شامَتها القوائِمُ للوَثْبِ
يرى الشّمسَ أُماً والكواكبَ إخوةً / ويَنظُرُ من بدرِ السّماءِ إلى تِربِ
غَنيتُ عن الآمالِ حينَ رأيتُهُ / وأصبحَ من بين الوَرى كلّهم حَسْبي
فلم أطلُبِ المعرورَ من غيرِ كفِّه / وهلْ تُطلَبُ الأمطارُ إلاّ من السُّحْبِ
نمتكَ عرانينُ الوَرى وتَنازَعَتْ / نِطافَكَ أصْلابُ الجبابرةِ الغُلْبِ
فلا دَيْرُزُشْتٌ خانَ مَجْدُكَ مجْدَهُ / ولا فارسٌ شانَتْكَ في سالفِ الحُقْبِ
ورثتَ كتاباً عن يَلانَ وعنهُما / ورِثتَ بني سَاسانَ حِزباً إلى حِزْبِ
لأَلينُ من قلبِ الغَمامِ على الثّرى / وأقسى على صرفِ الزّمانِ من الهَضْبِ
هم قبلَ عادٍ في البلادِ وجُرْهُمٍ / أقاموا قَناةَ المجدِ كعباً على كعْبِ
تُقادُ مَذاكِيهمْ بغيرِ أعنّةٍ / وتركب في يومِ الهِياجِ بلا ركْبِ
رأى الفلكُ الدوارُ تربةَ بابِكٍ / أحقَّ وأوْلى منه بالأنجُمِ الشُّهْبِ
يَدِبُّ ويسْري نشرُكم في نسيمِها / ويَعبَقُ منكم في المياهِ وفي التُّرْبِ
وما بشروقِ الشّمسِ منها تشرفتْ / بكم شرُفَتْ شَرقُ البلادِ على الغَرْبِ
رأيتُكَ تَجني نارَ كلِّ قَبيلةٍ / فلا نارُ إلاّ ما تُنيرُ وما تجني
وتَفخَرُ بالعُجْمِ الكِرامِ عليهمُ / ولولاكَ كانَ العُجْمُ أدْنى من العُرْبِ
وكم لكَ من مالٍ وهبتَ وغارةٍ / نهبتَ وأعداءٍ أبَتَّ على عتْبِ
بكفٍ على عِلاتِها مُستَهِلّةٍ / وعُودٍ على عجمِ الخُطوبِ له صُلْبِ
وحَربٍ تثَنّى بالعَجاجِ وتلتَوي / بيضِ المَواضي والمُطَهّمَةِ القُبِّ
طِرادٌ مَصاليتُ الظُّبا من جفونِها / تُجَرُّ إليهِ والأسنّةُ في سَحْبِ
رأتْكَ فماتَتْ في الأكفِّ مخافةً / وللموتُ أدْنى أنْ تَموتَ من الرّعْبِ
فَما وطِئَتْ فيها السيوفُ على طُلى / ولا هجَمَتْ منهُ الرِّياحُ على شِرْبِ
وخطبٍ لِزلاتِ الزمانِ أقَلْتَهُ / ولو شِئْتَ خلّيْتَ الزّمانَ بلا خَطْبِ
صِحابُكَ فيما تَقتَنيه كَثيرةٌ / وتأْنَفُ أنْ تَلقى عدوكَ في صَحْبِ
يَوَدُّ ذُبابُ السّيفِ لو كانَ قائِماً / بكفكَ والأقلامُ تَغْبِطُ للكُتْبِ
سأحجبُ نَفسي عن مطامِعَ جمةٍ / لديكَ وما بيني وبينكَ من حُجْبِ
ولو شئتَ لمّا راثَ عندكَ مطلبي / هززتُكَ فيه هِزّةَ الصّارِمِ العَضْبِ
تركتُكَ لم أعصبْ بنانَك إنّني / رأيتُ ذَواتِ الدُرِّ تغني عنِ العَصْبِ
وكنتُ متى حاولتُ رفْدَكَ حُزتُهُ / بغيرِ خداعٍ من يديكَ ولا غَصْبِ
وما الجدُّ إلاّ أنْ أراكَ مُشَمّراً / كأنّكَ من بَذلِ المكارِمِ في لَعْبِ
تقلّدُ سِمْطَيْ لُؤلؤٍ من قَلائِدي / وأسرحُ من نُعْماكَ في بلدِ رَحْبِ
كَسا الروضُ آثارَ الدِّيارِ النّواحِلِ
كَسا الروضُ آثارَ الدِّيارِ النّواحِلِ / وجادَ علَيْها كلُّ طَلٍّ ووابِلِ
ولا زالَ فيضُ الدّمْعِ من كلِّ عاشقٍ / حبيساً على أطلالِها والمَنازِلِ
تَصِحُّ إذا فارَ الهجيرُ بِها الصَّبا / وتَمرضُ فيها بالضُحى والأصائِلِ
فإني لَيَثْنيني عَواطِفُ حبِّها / على مثلِ صدرِ السّمْهَريّ المَغاوِلِ
وما زالَ داعي الشّوقِ حتى أجَبْتَهُ / بمطروفةٍ تُدْمي نَواصي الأنامِلِ
وهبّتْ بمجرى نَفحَةٌ جاسِميّةٌ / تذكرُ منسي الهَوى كلَّ ذاهِلِ
خَليلي قد هاجَ الغَرامُ وجَدَّدَتْ / ليَ السوق أنفاسُ الرّياحِ العَلائِلِ
ونُفْرَةُ جُرحِ الحُبِّ بعدَ اندمالِهِ / عليَّ وعطفاتُ الهُمومِ الأوائِلِ
وخَبرتُما أنّ الحياةَ حبيبةٌ / على البُرْءِ منها والسقامِ المُطاوِلِ
فما لي وقد ودَّعْتُ أهلَ قُباقُبٍ / أرى كلَّ عيشٍ بَعدَهم غيرَ طائِلِ
نظرتُ إلى الأظْعانِ نظرةَ مُقصِدِ / يُنازعُ سَهْماً نَصلُهُ في المَقاتِلِ
سَبَقْتُ بها وفْدَ الدّموعِ وربّما / سَبَقتُ إلى اللّذّاتِ عَذْلَ العَواذِلِ
ألا هلْ أرى قَوسَ الفِراقِ حَنيّةً / وقد مرقتْ منها صدورُ الرّواحِلِ
وهل أُبصِرُ الأعلامَ من مَرجِ دابِقٍ / بعينِ خَليٍّ مطمئِنِ البَلابِلِ
أنِفْتُ لسعدٍ من مضاجعةِ المُنى / وقلتُ له شمِّر فضولَ الذّلاذِلِ
ولا تكُ كالمظْلومِ يَخذلُ عَزمهُ / ويَجعَلُ فيهِ الدّهْرُ أولَ خاذِلِ
فإنّا على خُبْثِ الزّمانِ وغدرهِ / لنشرعُ في أحداثِهِ والزّلازِلِ
رمتْ خلفَها نجْداً ومرت بجوْشَنٍ / تُراجِمُ صَيّاح الحَصى بالجَنادِلِ
وخولتِ الفرسانَ عنها قلائِصٌ / بقيةُ أذوادِ القِرى والمَعاقِلِ
كأنّ أكفَّ الرّكْبِ حولَ رِقابِها / تهزُّ أنابيبَ الرِّماح الذّوابِلِ
أُنيخَتْ بأبوابِ الوزيرِ محمدٍ / فلم تَرعَ إلاّ في سَماحٍ ونائِلِ
ونبئتُ أنّ الملكَ شُدَّتْ مُتونُهُ / بأروَعَ ميمونِ النّقيّةِ كامِلِ
فتىً يستكينُ المجدُ في حركاتِهِ / ويُخْلَقُ من أخْلاقِهِ والشّمائِلِ
بعيدُ المدى حتى تَفَجّرَ غارةً / تُغيّر ألوانَ الظّبا والعَوامِلِ
لَعَمْري لقد أهدَى النصيحةَ مرةً / لأهل عُمانٍ خيرُ حافٍ وناعِلِ
وناشدَهُم باللهِ حتى تقطّعتْ / عُرى القولِ وانحلّتْ عُقودُ الوسائِلِ
فلمّا رآهُم لا تَثوبُ حلُومُهم / رماهُم بأمثالِ القِسيّ العَواطِلِ
فركّبَ أغضانَ المنيّة فيهمُ / رِواءَ الأعالي ظامئاتِ الأسافِلِ
أرقتمْ صُباباتِ الكَرى من جُفونِكم / وعرّضْتُمُ أعضاءَكم للأفاكِلِ
فلا يأمنُ الأعداءُ كيدَكَ بعدَما / سلكتَ فلم تتركْ مَقالاً لِقائِلِ
سَرَيتَ لهم ليلاً تَحولُ نجومُهُ / وهمُّكَ في إعجازِهِ غيرُ حائِلِ
كأنّكَ إذْ جرّدْتَ رأيكَ فيهم / طَلَعْتَ عليهم في القَنا والقَنابِلِ
دَنا الحقُّ حتّى نالَه كلُّ طالِبٍ / وكانَ بعيداً من يَدِ المتَناوِلِ
وأصبحَ شَملُ الناسِ بعدَ تبدُّدٍ / يُنظَّمُ في سلكِ من الحكم عادِلِ
تبسّمْتَ فيهم عن وَميضِ غَمامةٍ / نقلِّم أظْفارَ السنينَ المواحِلِ
وعمّا قَليلٍ يصرعُ الغَيُّ مفسداً / يُراصِدُ مَنْ يَنْتاشُهُ بالغَوائِلِ
أتَهْوي الدّواهي حولَهُ وهو سالِمٌ / لقد نامَ عنها الدهرُ نومةَ غافِلِ
ولكنّما زانَ الوِزارَةَ ماجِدٌ / تَقَبَّلَ أخلاق الغُيوثِ الهَواطِلِ
تَرى فعلَه يحدو طليعةَ قولِهِ / وكم فيهمُ من قائِلٍ غير فاعِلِ
هَلمّوا فإنّ الحقَّ عادَ لأهلِهِ / ألا وكَفَى بالشّكِّ جَهْلاً لِعاقِلِ
فإنّ بني العَباسِ هامةُ فارسٍ / علوا تُربَها قَبلَ الهِضابِ الأطاوِلِ
كِرامٌ على أوراقِهم ونُضارِهم / لِئامٌ على أعراضِهم والطّوائِلِ
تحرّقُ أيديهم إذا ما تسربَلوا / بُرودَ العَوالي وارتَدّوا بالمَناصِلِ
وألسنةُ الأقلامِ تَنطِقُ عنْهُمُ / إذا سكتوا في كلِّ حقٍّ وباطِلِ
رأيتُ سُيوفاً لا تقومُ صُدورُها / فهلْ لكَ في سيفٍ طويلِ الحَمائِلِ
يَسركَ أنْ ولّيتَهُ غيرَ مِفصَلِ / ويُرضيكَ إنْ جربتَه في المَفاصِلِ
فإنّي لأرجو من عطائِكَ دولةً / تؤملني فيها شُعوبُ القَبائِلِ
نُفارقُ بغداداً فَلا نتأسَّفُ
نُفارقُ بغداداً فَلا نتأسَّفُ / بأيّ مُقيمٍ بَعدَنا تتشرَّفُ
رحَلنا وأكبادُ المَعالي قريحةٌ / علينا وأجفانُ المكارمِ تَذرفُ
ولاحَتْ لِصَحبي بالغُميمِ غَمامةٌ / من النّقعِ تَدنو تارةً وتَخلَّفُ
فقلتُ لهم أمّا هُذَيمٌ إليكم / وأمّا جِبالُ الجاسميّةِ تزْحَفُ
تَمادوا وأنتم في ظُهورِ جِيادِكُم / فإني بأولادِ الخَبائثِ أعْرَفُ
رميتُ بنفسي في صُدورِ رِماحِهِم / فكدتُ بأطرافِ الأسنّةِ أُخْطَفُ
تَداولُني أسيافُهم وهي رُعَّفُ / وتَنهبُني أرماحُهم وهي وُكَّفُ
إذا ما تَساقينا المنيةَ في القَنا / أقولُ لرُمحي غالَ صدرَك مُرهَفُ
أتَطلُبُ منّي قلبَ كلِّ مُدَجَّجٍ / وقد كنتَ من قلبِ المُدجّجِ تأنَفُ
وناشدَني فيهم سُويدُ بنُ مالكٍ / فقلتُ صَهٍ ما عَرّقَتْ فيكَ خِنْدِفُ
فإني خَشيتُ الضيمَ خشيتَك الرّدى / ولو كنتَ ضَيماً خيفتي تَتخوَّفُ
كررتُ وبيضُ الهندِ في البَيْضِ تَنثَني / وسمرُ العَوالي في الدروعِ تَقَصَّفُ
وتُنصِفُنا من كلِّ حيٍّ سُيوفُنا / ولكنّها من دهرِنا ليس تُنصِفُ
ولو كان شخصاً يستبينُ لناظرٍ / لأسلفتَه الضيمَ الذي تتسلَّفُ
تركتُ بني حمدانَ والدهرُ عَبدُهُم / وجئتُ عبيدَ الأزدِ لا أتوقَّفُ
أكررُ طَرفي في جَهامِ غَمامهم / وأصرفُه عن بارِقٍ ليس يَخلُفُ
دَعي عنكَ ذمّ الدّهرِ فيَّ وفيهِمُ / فَعيني بعيني يا بنةَ القومِ تُطرَفُ
وقالوا بِحارُ الأرضِ يُنزَفُ ماؤها / وبحرُ نَداهُم في الوَرى ليس يَنزِفُ
وليس الفتى من راحَ في الجودِ مُسرفاً / ولم يعرِفِ الشيءَ الذي فيهِ يُسرِفُ
سريعاً إلى ما ليس يَلزَمُ مجدَه / ومن خلفهِحقٌّ يَصيحُ ويَهتِفُ
طلَبتُ دنانيرَ الرِّجالِ فخلتُها / لأفكارِهم عرفانها ليس تُعرَفُ
وحاولتُها من صخرةٍ فأخذْتُها / كأنّ الغِنى من يابسِ الصّخْرِ يُقطَفُ
فقَدتُكَ دَهراً كنتُ أفزَعُ فقدَهُ
فقَدتُكَ دَهراً كنتُ أفزَعُ فقدَهُ / يُكلّفُني من كلِّ صَعبٍ أشَدَّهُ
أطعتُكَ في جِسْمٍ يُعرِّضُ جَنبَهُ / لكلِّ مَهزٍ يَسلُبُ السيفَ حَدَّهُ
وإنْ كانَ عبداً ليس يُغضبُ ربَّهُ / فإنّكَ مولى ليسَ يَرحَمُ عَبْدَهُ
ألا يا نَديمي من تميمِ بنِ خِندِفٍ / من الناسِ من لا يكتُم الدمعُ وجدَهُ
يَعزُّ على من لمتُهُ لو علمتُهُ / تَبدُّدُ دُرٍّ طالما صانَ عِقدَهُ
أدِرْ لي كؤوساً من دُموعي وغَنني / على حَرِّ صدرٍ كنتُ أحقِرُ بَردَهُ
وبدرُ تمامٍ بِتُّ ألثُمُ رِجلَهُ / وأُكْبِرُهُ عن أنْ أُقَبِّلَ خَدَّهُ
تَعَشَّقْتُ فيه كلَّ شيءٍ يَودهُ / من الجورِ حتى بتُّ أعشَقُ صدَّهُ
تَخطى إليَّ الليلُ يدفَعُ صَدرهُ / مِراراً وأحياناً يمزِقُ بُرْدَهُ
عَجِبْتُ لهُ يُخفي سُراه ووَجْهُهُ / به تُشرِقُ الدُنيا وبالشّمسِ بَعْدَهُ
ولابدّ لي من جَهلَةٍ في وِصالِهِ / فَمن لي بخلٍّ أُودِعُ الحِلْمَ عِنْدَهُ
وما النّاسُ إلاّ باخِلٌ بتُراثِهِ / وأبخَلُ منه منْ تطلّبتَ عَهْدَهُ
منحتكَ ودّي يا عليُّ بنَ تغلِبٍ / وإنْ أنتَ لم تَحْفَظْ لإلفِكَ وُدَّهُ
فكمْ من خليلٍ ما تمنيتُ قُربَهُ / فجربتُهُ حتى تمنيتُ بُعْدَهُ
تُطالبُني نفسي بكلِّ عظيمة / أرُدُّ بها صدرَ الزّمانِ وزَنْدَهُ
وما للفتى في حادثِ الدّهْرِ حيلة / إذا نَحسُهُ في الشيءِ قابلَ سَعْدَهُ
أرى هِمَمَ المرءِ اكتئاباً وحسرةً / عليه إذا لم يُسْعِدِ اللهُ جدَّهُ
ويَصدُقُني في كلِّ ظنٍ أظُنُّهُ / فُؤادٌ إذا أمطيتُهُ الهمَّ كَدَّهُ
وغَضبانَ من عزمٍ وسيفٍ كلاهُما / أخو ثقةٍ لو مَسّ ثَهلانَ هَدَّهُ
ألا مَن عَذيري من زمانٍ مُغَفَّلٍ / ثعالبُهُ بالجَدِّ تَقهَرَ أُسْدَهُ
أأشرَبُ فيه الصّابَ صرفاً وأهلُهُ / دِماؤهُم عندي تُعادِلُ شُهْدَهُ
وقد زعموا أنّي حنِقْتُ عليهِمُ / وما حَنَقي إلاّ على الدّهْرِ وحْدَهُ
فدتْ صاعداً يومَ الوَغى كل صَعْدَةٍ / وكلُّ سِنانٍ يجعَلُ القَلبَ وكدَهُ
فلستُ أخافُ الدّهرَ بعد تشَبُّثي / بأثوابِهِ فليبلغ الدّهْرُ جَهْدَهُ
رميتُ به في نحرِهِ وكأنّهُ / حُسامٌ غداةَ الرّوعِ فارق غِمْدَهُ
وحكّمني حتى لو أني سألته / شَبابي وقد ولّى به الشيبُ رَدَّهُ
فمَنْ حاتِمٌ في الجودِ لو أنّ حاتِماً / رآه غَدا في النّاسِ يَطلُبُ رِفدَهُ
وذاكَ جوادٌ يَسبِقُ الوعدُ فعلَهُ / وهذا جوادٌ يسبِقُ الفِعْلُ وعدَهُ
ولولا قصورُ الشعرِ عن كنهِ وصفِه / لكنتُ أظنُّ الشعرَ يَعشَقُ مَجْدَهُ
أطاعَتُه في مدحهِ مستعيدَة / وغضباتُهُ في غيرهِ مُسْتَعدَّهُ
فَيا مَنْ إذا أفردْتُهُ من جُنودِهِ / رأيتُ المَعالي والمَحامِدَ جُنْدَهُ
لهجت بهذا الغيثِ حتى فَضحتَهُ / وبنيتَ في فعلِ المكارمِ زُهْدَهُ
فإنْ كنتَ قد أنضجتَ بالغيظِ صَدرَهُ / فكم سيداً أتعبتَ بالهزلِ جَدَّهُ
ومسترضعٍ في الحربِ شُدَّ قِماطُهُ / فحُلَّ ولما يَنقضِ الرُّعبُ شَدَّهُ
يَظنُّ الذي يَجري من الدّمِ دَرَّهُ / ويحسَبُ أكنافَ السّوابقِ مَهْدَهُ
ضربتَ بنصلِ السيفِ قِمةَ رأسِه / وصيرتَ في شتّى من الطيرِ لَحْدَهُ
وأشجعُ منه قد تَفرّجَ قلبُهُ / لخوفكَ حتى رمتَ بالرمحِ سَدَّهُ
أَنل هِمَمي يا ابن المهلَّبِ غايةً / أبذّ بها قبَّ الرّهانِ وجُرْدَهُ
ودعْ عنكَ ما طنّ الذّبابُ بمثلِه / من الشِّعرِ واقصِدْ مالكَ الشّعرِ قَصْدَهُ
متى يمتَدِحْ حُسناً وحاشاهُ مَدحُهُ / فما الحُسْنُ مذموماً وقد جازَ حَمْدَهُ
ألا مَن لقلبٍ بالحياةِ يُعَذَّبُ
ألا مَن لقلبٍ بالحياةِ يُعَذَّبُ / وجسم بأسيافِ السّقام يُضَرَّبُ
وخطبٍ على خطبٍ لقِيتُ لو أنّهُ / أصابَ شَماماً كانَ في التُّربِ يُحْسَبُ
لِيَنْدَمَ من باعَ المذلّةَ عِرضَهُ / فَما العيشُ عندي بالمذلّةِ طَيِّبُ
إلى كم تُرى في العِزِّ أدأبُ جاهِداً / لدَهري ودَهري في امتهانيَ يَدْأَبُ
ولمّا أقُدْ يوماً أغَرَّ مُحَجَّلاً / تَجِدُّ به الخَيلُ العِتاقُ وتلعبُ
فَيا لهفَ نفسي بعدَ ذلكَ لهفةً / على قمرِ بينَ الجوانحِ يُحْجَبُ
يلومونَ في دمعٍ تصبّبَ أثْرَهُ / وقَلّ له منّي دَمٌ يتَصبّبُ
سَقى اللهُ وصلاً لم تُدنّسْهُ هَجْرَةٌ / ولم يَبتذِلها في حِماهُ المؤنَّبُ
ويومَ وقفنا للتّفرقِ وَقفةً / غَدا السِّحرُ من ألحاظِنا يتعجّبُ
أرَيْنا ظَنونَ الحيّ بَردَ قُلوبنا / وأحشاؤنا من حَرِّها تتلهَّبُ
غَداةَ اختلطنا بالشّوامتِ منهم / ولم ندرِ مَنْ مِنّا إلى الحُبِّ أقْرَبُ
أذَلكَ أمْ يومٌ تركنا عَذولَهُ / يُعَنِّفُ فينا عَذلَهُ ويؤنِّبُ
توافت به أنفاسُنا ودموعُنا / فلم يدرِ منّا من يلومُ ويعْتِبُ
ومُستركبٍ جيشَ الظنونِ لفقدِهِ / له أينَما يمّمتُ أفعى وعَقْرَبُ
شددتُ قوى حِلمي بجهلٍ جَهلتُه / عليه وبعضُ الشّرِّ للخيرِ أجلَبُ
خليليّ لي من عَزمتي دونَ إخوتي / أخٌ هو أحفى بي ودون أبي أبُ
تعلمتُ حتى لم أدَعْ متَعلّماً / وجربتُ حتى لم أجدْ ما يُجْرَّبُ
وأدّبني دهرٌ تكُرُّ صُروفُهُ / عليّ وصَرفُ الدّهرِ نِعمَ المؤدِّبُ
ونحنُ بنو الدُنْيا نروحُ بِهامِها / وتغْدو على هاماتِنا تتقلّبُ
تُقَسِّمُ فينا قِسْمَةً عَجْرَفِيّةً / وكلٌّ إليها بالمطامع أشْعَبُ
فجُهّالُنا فيها على الخيلِ تركبُ / وألبابُنا فيها تُجَرُّ وتُسْحَبُ
تعرضتُ للأحزانِ حتى ألفتُها / وحتى كأنّ الحزنَ شيءٌ مُحَبَّبُ
كأنّ اللّيالي لم تفوضْ أمورَها / إليّ وفيها عن سِوايَ تَنكَّبُ
وإني لأخْشى أنْ أموتَ ولا أرى / ببالَ أوداجَ الأعاجمِ تُشْخَبُ
أشُنُّ عليهم غارةً تَرِدُ الرّدى / وتَسرجُ أمرَ اللهِ فيهم وتَركَبُ
ويضمَنُ لي دَهري بلوغَ مطالِبي / متى كانَ لي يا دهْرُ عندكَ مَطْلَبُ
بأيِّ رفيعٍ من حظوظكِ أرتَضي / وفي أيِّ جَمٍّ من عَطائِكِ أرغَبُ
تعجبتُ من أشياءَ فيكَ تَريبني / وأعجبُ منها أنّني فيكَ أعجبُ
ألِكْني إلى آل المهلّبِ إنهم / لأَرفَعُ من زهرِ النّجومِ وأثقَبُ
إذا سَلبوا الأموالَ مَنْ شَنّ غارةً / أغارَ عليها المُجتدونَ ليسلبُوا
فلازالتِ الأملاكُ تطلُب رِفدَهم / فتُدنى وتُعطى فوقَ ما تتطلَّبُ
ولا برِحَتْ حمرُ المَنايا وسودُها / إلى بأسِهم يومَ الوَغى تتحزَّبُ
فما استمطروا للجودِ ألاّ تدفقوا / ولا استصرخوا للطعن ألا تلببوا
إليكَ أمينَ اللهِ في الأرضِ شمّرَتْ / عزيمةُ صُبحٍ بالدُّجى تتَجَلْبَبُ
يَرى حَظَّهُ مُتأخّراً وهو أوّلُ / وآمالَهُ مَغلوبةً وهو أغْلَبُ
وأنتَ شَبابٌ للذي شابَ مُقْبِلٌ / إليه وجَدٌّ للذي خابَ مُنْجِبُ
تقودُ أبياتِ الأمورِ كأنّها / إليكَ أسارَى في الأزمَة تُجنبُ
وتفتحُ أقفالَ الغُيوبِ بصارمٍ / من الرأيِ يخشى الغيبُ منه ويَرْهَبُ
وتطعنُ في صدرِ الكتائبِ مُعْلِماً / كأنّكَ في صدرِ الدّواوينِ تكتُبُ
كفى وزراءَ الملكِ في الناسِ مَفخَراً / بأنّكَ منهم حينَ تُعزى وتُنسَبُ
كَما قد كَفى الأبطالَ بأساً ونجدَة / بأنْ قيلَ منهم في الهياجِ المُهَلَّبُ
ويوماكَ يومٌ للعُفاةِ مذَلَّلٌ / ويومٌ على الأعداءِ منكَ عَصَبْصَبُ
إذا حوّمَتْ فوقَ الرماحِ نُسورُهُ / أطارَ إليها الضّربُ ما تترقّبُ
فداؤُكَ أهلي والجهادُ منابرٌ / وأبطالُها بالمَشرفيّةِ تُخْطَبُ
وقد شمرتْ عن ساقِها الحربُ ذيلَها / وقرَّ لها الحامي وكَلَّ المُؤنِّبُ
أذُمُّ زياداً في رَكاكَةِ رأيِهِ / وفي قولِهِ أيُّ الرجالِ المُهَذّبُ
وهل يحسن التهذيب منك خلائِقاً / أرق من الماءِ الزلالِ وأعذَبُ
تكلم والنّعمانُ شَمْسُ سمائِهِ / وكلُّ مليكٍ عندَ نعمانَ كَوكَبُ
ولو أبصرتْ عيناهُ شَخْصَكَ مَرّةً / لأبصرَ منه شَمْسَهُ وهي غَيْهَبُ
إذا ذُكِرَتْ أيامُكَ الغُرُّ أظْلَمَتْ / تَميمٌ وقيسٌ والرّبابُ وتَغْلِبُ
وخاسَ لها عدنانُ في الأرضِ قاعداً / وقام لها فوقَ السمواتِ يَعْرُبُ
أتيتكَ والأملاكُ تَطلُبُ فَخْرَها / بمدحي ومدحي نحوَ فخرِكَ يَهْرُبُ
لقد صرّحوا بالمالِ لي وهو هاكَ ذا / وقد عَرضوا بالقولِ لي وهو مَرْحَبُ
ولستُ أرى كسبَ الدراهِمِ نافِعي / إذا لم لكنْ لي في المكارِمِ مكْسَبُ
ولي همّةٌ لا تطلُبُ المالَ للغني / ولكنّها منك المودّةَ تطلُبُ
فمُرْني بأمرٍ يترُكُ الجوَّ شاحباً / وسمرُ العَوالي بالدِّماءِ تَخَضَّبُ
فلو خالفَ المقدادُ أمركَ لم يكنْ / له أبَدَ الأيامِ في النّاسِ مذهَبُ
وكن لي في المأمولِ منكَ مُجَرِّباً / لتعلمَ ما آتي وما أتجنَّبُ
فإنْ كانَ قولي دونَ قدركَ قَدرُهُ / فما أنا فيه بامتداحِكَ مُذْنِبُ
إذا كانتِ الأشياءُ دونَكَ كلُّها / فغَيْرُ مَلومٍ أنْ يقَصّرَ مُسْهَبُ
أأعْذِرُ قومي والرِّماحُ تَلومُ
أأعْذِرُ قومي والرِّماحُ تَلومُ / وذلكَ خَطبٌ في الزّمانِ عَظيمُ
أسعدَ بن زيدٍ أنّ سعدَ نُباتَة / جَرى غيرَ مسبوقٍ وأنتَ تَميمُ
لطابَ ورودُ الموتِ دونَ ملامكم / ولَلْموتُ خيرٌ أن يُلامَ حَميمُ
دعوتُ بني ساسانَ غيرَ مُدافِعٍ / إلى نهبِ مالي والكريمُ كَريمُ
وما ذاكَ من حُبٍّ لهمْ غيرَ أنّني / أريهم على البغضاءِ كيفَ أُقيمُ
ألا رُبَّ يومٍ قد ثَنَيتُ جِيادَهُم / إلى الحيِّ فيها للطّعانِ وُسومُ
بجوِّ نِطاعٍ إذْ نُقَسِّمُ فيهمُ / وهَوْذَةُ مثلُ الكلبِ ليس يُديمُ
عشيةَ كِسْرى لو يرومُ مَرامَهُ / غَدا في وثاقِ القَدِّ وهو ذَميمُ
فأيُّ زَمانٍ مَرّ تَهوى رجوعَه / إليكَ وأيُّ العيشِ ليس تَلومُ
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً / وليس علينا للهمومِ غَريمُ
وهل أنا إن أعطاني الدّهْرُ منيتي / لليلي وليلُ اليعمّلاتِ سَؤومُ
جعلتُ بياضَ السيفِ للبيضِ ضَرّةً / وإنْ كنتُ من وجدٍ بهنّ أهيمُ
أجولُ بآفاقِ البلادِ كأنّني / بما أضمرتْهُ الحادثاتُ زَعيمُ
لئِنْ أنا لم أبعثْ على الشّرْقِ غارةً / أنامُ على أهْوالِها وأنِيمُ
إذا انتسبتْ بي أسْقَطَ الحَملَ ذكرُها / بلا خوفِها أني إذاً للَئيمُ
بقومٍ يرونَ الضّيمَ أعظمَ خطّة / ويستنحفونَ الخطبَ وهو جَسيمُ
أكفُّهمُ للمجتدينَ غيومٌ / وأسيافُهُم للدّارعينَ خُصومُ
وكيفَ أخافُ الحادثاتِ ودونَها / رواحمُ لا يُلفى لهنّ رَحيمُ
يدايَ وسيفي والأغرّ وذابِلٌ / ورأى لوَصّالِ الأمورِ صَرومُ
يُذكّرني ضنْكُ المنازِلِ منزلاً / بهِ الليلُ فجرٌ والرِّياحُ نسيمُ
سأجعلُ أطرافَ الأسنّةِ فوقَهُ / على مُهجِ النُّزّالِ فيه تَحومُ
تؤمِّلُ بالأشعارِ أنْ تَتَموّلا
تؤمِّلُ بالأشعارِ أنْ تَتَموّلا / وما العيشُ إلاّ أن تكونَ مؤَمَّلا
ألا رُبَّ هَمٍّ يحطِمُ القلبَ ثِقلُه / عَقَدْتُ له بُردَيَّ حتى تَحلّلا
ومَلْكٍ عَبوسٍ لا يُرامُ خِطابُه / طلعتُ عليهِ طلعةً فتَهَلّلا
وقولٍ بحباتِ القلوبِ حبستُه / وإنْ طافَ آفاقَ البلادِ وجَوّلا
وعشرينَ قضيتُ الصِّبا بمرورها / كأنّي بها قضيتُ حولاً مؤجَّلا
فإنْ لم يكن ما فاتَ منها بِراجِعٍ / فليتَ الذي يحدو الركائبَ أمْهَلا
دعِ الجهلَ في لُومِ الأصادِقِ إنّني / رأيتُ جمالَ المرءِ أنْ يتَجمّلا
لَئِنْ أنا لمْ أُعطِ الصبابةَ حكمَها / لقد كانَ قَلبي للصّبابَةِ مَنْزِلا
رأيتُ اللّيالي لا يُبَلِّغْنَ مُنيةً / ولا يَرتَجعْنَ الشيءَ إلا تَغَفُّلا
وبَصرني هذا الزّمانُ بأهلِهِ / فما أقطَعُ الأيّامَ فيهم تأمُّلا
لقلَّ غَناءُ القولِ إنّكَ حالِمٌ / إذا أنتَ لم تَعدِلْ بقلبكَ مَعْدِلا
بني الأُزْدِ ظَنّاً بالزّمانِ فإنّه / يُقَطِّعُ من أسْبابِهِ ما تَوَصّلا
ورُدّوا وجوهَ السّائلينَ بمائِها / تُرَدُّ إليكم أوجُهُ الشُكْرِ سَلسَلا
أجوداً بأحسابٍ وبُخْلاً بثَروَةٍ / فكيفَ ألومُ الدّهْرَ أنْ يَتَبَذّلا
فأقْسَمتُ لا تنفكُّ منّي قَصيدةٌ / يَسُلُّ بها السّاري على الليلِ مُنْصُلا
إلى ملكٍ من تَغلِبَ ابنةِ وائِلٍ / يَرى شُهْدةَ المالِ المجمّعِ حَنْظَلا
أغَرَّ إلى كفيهِ يَنتَسِبُ النّدى / وصرفُ الرّدى لو نافسَ الدّهْرَ فُضِّلا
فِداؤُكَ سيفَ الملكِ كلُّ مُملَّكٍ / إذا قيلَ كثرْ من حسودِكَ قَلّلا
يسائِلُ منه في المكارِمِ باقِلاً / وفي البُخْلِ حتى يَنسُبَ البخلُ دَغْفَلا
فإنّكَ ما ازدادَ الزمانُ تصعُّباً / على الناسِ إلا ازددتَ فيه تَسَهُّلا
بني الحربِ حَشّوها دُروعاً حَصينةً / وجُرْداً وأبطالاً وبيضاً وذُبَّلا
وصبراً جَميلاً للرماحِ إذا غَدَتْ / ترومُ لها بينَ الجوانِحِ موئِلا
خُذوا الموتَ لا يأخذكُمُ الموتُ عَنوةً / ألا إنّما وَقعُ الحديدِ تَصَلْصُلا
ولا تحقِروا أعداءَكُم في كتائِبٍ / تُسيّرُا الأوتادُ سيراً مُعَجَّلا
فما السيفُ لولا نيلُهُ وضِرابُهُ / وما الليثُ لولا أنّهُ رامَ مَقْتَلا
ولا تَقْبَلوا عن أرضِ يونانَ هُدنَةً / فإنّ قَرارَ الدِّينِ لنْ يتَزَلْزَلا
ألا إنّما صُلْحُ الرجالِ خُصومةٌ / إذا أبَتِ الأحقادُ أنْ تتَزَيَّلا
فكمْ من ظَلامٍ قد نصرتَ بمثلهِ / إليْهِم من الجوِّ العَناجيجِ والمَلا
ويومٍ عليهمْ لا يُنادى وليدُه / ركبتَ بهِ الفتحَ الأغرَّ المُحَجَّلا
ومَلومَةٍ ظنّ الدِّمُسْتُقُ أنه / يريكَ بها الموتَ الزّؤامَ ممثّلا
فكان كمَنْ أهدى إلى النارِ أُكلَها / وكنْتَ كمَنْ راضَ الشّموسَ وذَلّلا
تَركتَهُم للقتلِ والخَوفِ عُرْضَةً / فما يطعمونَ النومَ إلاّ كَلاولا
يَوَدُّ الشّديدُ الرابطُ الجأشِ منهمُ / من الخوفِ لو كان الصريعَ المُجَدَّلا
إذا ماتَ منهم بالدِّماءِ مُرَملٌ / أماتَ عليها بالدّموعِ مُرَمَّلا
يَسدونَ أفواهَ الشِّعابِ عليهِمُ / وأيُّ صَفاةٍ منكَ تمنعُ معوَلا
تَرحلتَ عن شطِ الخليجِ بجَحْفَلٍ / وخلّفتَ فيه من حِذارِكَ جَحْفَلا
فليتَ قبوراً بالمدينةِ بُشِّرَتْ / بيومٍ تركتَ الكفرَ فيه مُكَبَّلا
وقومٍ أناخَ الغدرُ فيهم قعودَه / سَريتَ لهم ليلاً من الشّرِّ ألْيَلا
وضربةِ سيفٍ قد أثرتَ نجيعَها / كأنّ بها في صفحةِ الماءِ جَنْدَلا
وقبٍ يبارينَ الرياحَ بمركزٍ / رميتَ بها عن قوسِ هَمِّكَ مَعقِلا
تَمرُّ كأنّ البرقَ شَقَّ غُبارَها / وقد تَركتْ في أملسِ الصَخْرِ قَسطَلا
سبقتَ إلى غاياتِ كلِّ فضيلةٍ / وخَلّيْتَ مَنْ يرجو لحاقكَ مُبْسَلا
إذا الخيلُ طاشتْ بالفوارسِ وقَّرتْ / على اسمك َ حتى يمنحَ الحِلْمَ يَذْبُلا
خلائِقُ تُدْني الحرَّ منكَ تكرّماً / وتَمنعُهُ بالجاهِ أنْ يتَمَوّلا
أرى شعراءَ الناسِ فيَّ ثلاثةً / حسوداً ومدّاحاً ونُكساً مُجَهَّلا
أخذتُ بأطرافِ الكلامِ عليهمُ / فما يُحسِنونَ القولَ إلاّ تنحُّلا
فمَن لي بسَيفِ الدولةِ اليومَ ناصراً / فيمنعُ من ذا القولِ أن يتَبَذّلا
فربَّ شَرودٍ قد بعثتُ فلم نَجِدْ / على أحدٍ إلاّ عليهِ مُعَوَّلا
أعني على هذا الزّمانِ وأهلِهِ / وإن كنتُ فيهِ حازمَ الرّأيِ حُوَّلا
وهبْ لي جسيماً من مكارمِكَ التي / تمثلنَ لي في عدةِ الرملِ أجْبُلا
ففي كلِّ يومٍ يُحدثُ الدّهرُ صامتاً / وما كلُّ يومٍ يُحدثُ الدّهرُ مقْوَلا