المجموع : 39
قفا نقتبس من نور تلك الركائب
قفا نقتبس من نور تلك الركائب / فما ظعنتْ إلا بزُهر الكواكب
وإلا بأقمارٍ من الحيِّ لُحْنَ في / مشارقَ من أحداجِها ومغاربِ
سَرَت وعُباب الليل يزخرُ موجُه / ولا منشآتٍ غيرَ هُوجٍ لواغبِ
فما زلتُ أُذري أبحراً من مدامعي / على خائضاتٍ أبحراً من غياهبِ
و ما بيَ إلا عارضٌ سلبَ الكرى / بخفّةِ برقٍ آخرَ الليلِ واصبِ
أضاء بذات الأثْلِ والأثلُ دونه / وجيفُ المطايا والعتاق الشوازبِ
فيا دَيْنَ قلبي من تألُّقِ بارقٍ / سرى فاتَّقَتْه مُقلتي بسحائبِ
ويا لحماماتٍ بكينَ و إنَّما / غدوتُ قتيلَ الشوقِ وهي نوادبي
كِلُوْنا لأطراف الرماحِ فإننا / نكلنا جميعاً عن لحاظِ الحبائبِ
وإنَّا لمنْ قومٍ تهابُ نُفوسُهُمْ / عيونَ المها دونَ القَنا والقواضبِ
تمرُّ بنا الأنواءُ وهي هواطلٌ / فنرغبُ عنها بالدموع السَّواكبِ
وفاءً لدهرٍ كان مستشفعاً لنا / بسودِ الليالي عند بيضِ الكواعبِ
فكم ليلةٍ ليلاءَ خلَّيْتُ مثلَها / من الهَمِّ في غربيبها المتراكبِ
بكلِّ فتاةٍ إن رمتكَ بسهمها / فعنْ حاجبٍ تشبيهُهُ قوسُ حاجبِ
تنسمتُ من أنفاسها أَرَجَ الصَّبا / وجَنَّبْتُ عُلْويَّ الصَّبا والجنائبِ
وما جَنَّت الظّلماءُ إلا لبستُها / دثاراً على ضافي شعور الذوائبِ
وقد أذهلتني عن نجوم سمائها / نجومُ حُلِيٍّ في سماء ترائبِ
أوانَ هصرتُ الوصلَ تندى فروعُهُ / جنىً ووردتْ الأنسَ عذبَ المشاربِ
فقد أَفلتت تلك المها من حبائلي / ونكَّبَ إسعافُ المنى عَنْ مطالبي
تغيَّرتِ الأيامُ حتى تغيَّرتْ / بها أقربائي غدرةً وأجانبي
وعلَّمني صَرفُ الزمان ورَيْبُهُ / بن أقتناء الناس شر المكاسب
وكنت إذا فارقت إلفاً بكيته / بكاءَ عديٍّ صنوَهُ بالذَّنائبِ
فها أنا إن أُشْعِرتُ رحلةَ ظاعنٍ / تلقيتُه منها بفرحةِ آيبِ
فلم تحملِ الغبراءُ أنجبَ من فتىً / رمى غُبْرَ أعلامِ العلا بالنجائبِ
ولا صحبتْ كفّي على دلجِ السُرى / أبرَّ وأوفى منْ رقيق المضاربِ
ولا انتُدبتْ فوقَ البَنان يراعةٌ / لأوجبَ من تحسين ذكر ابن واجبِ
شهابٌ لو أنَّ الليل أُلبسَ نُورَهُ / نَضا مِعطفيهِ من ثياب الغياهبِ
وروضةُ علمٍ أغدَقَتْ جنَباتُها / بشؤبوبِ وَبْلٍ للبلاغة صائبِ
نَماهُ إلى العلياءِ كلُّ مُرجَّبٍ / عظيمُ رمادِ النار سبْطُ الرواجبِ
من القوم شادوا مجدهمْ بمواهبٍ / تُريك الغمامَ الوُطف أدنى المواهبِ
غطارفة شمُّ الأُنوفِ تسنَّموا / من الدولةِ الغَرّاءِ أعلى المراتبِ
وَهَينُونَ إلا أَنهم لِعَدوِّهِمْ / أَبيُّونَ أمثالَ القرومِ المصاعبِ
هُمُ أَدَّبوا الأيامَ حتى تحصَنتْ / ذنوبُ عواديها بحُسن العواقبِ
وهمْ أكملوا العلياءَ من بعد كونِها / خَداجاً وحلَّوْها بغُرِّ المناقبِ
لها من نجوم السَّعدِ أَيمَنُ طالبٍ / ومن صاحبِ الأحكامِ أفضل صاحبِ
إليكَ أبا حفصٍ رفعتُ من النُّهى / عرائسَ تُجلى في حليِّ غرائبِ
مِنَ المُحْكَماتِ الواضحاتِ لو ارْتدت / بهنَّ الدُّجى أَغنينَها عن كواكبِ
إذا غبتُ عن أرضٍ قَضَتْ لي على النَّوى / شواردُ منها أنني غيرُ غائبِ
وإن رحتُ أُمليهِنَّ ودَّ عُطاردٌ / لحسن معانيهنَّ لو كان كاتبي
مكرَّمةٌ عن أن يُذالَ مَصونُها / بغلظةِ محجوبٍ وعَبْسَة حاجبِ
ولي مهجةٌ لا تُسْتَمالُ بنائلٍ / ولا تَرتجي بالشِّعر خِلعةَ واهبِ
بعيدةُ شأوِ الهَمِّ ترغب في العلا / وكسبِ المساعي الغرِّ لا في الرغائبِ
تساوى لديها القُلُّ والكُثرُ عِدَّةً / تخالُ البحارَ الخضرَ زُرْقَ المذانبِ
وألبستها عزَّ القناعةِ إنَّهُ / رداءٌ حَمَتْهُ همّتي كلَّ سالب
إذا رُفِعَتْ نارُ القِرى ليلة الطَّوى / لها عدَلَتْ عنها لنار الحُباحِبِ
طردتُ إليكم شُرَّداً لم تزدكمُ / علوّاً على أعراقِكم والمناسبِ
ولكنَّني حلَّيْتُ أبكارَ منطقي / بما لكمُ من سؤدَدٍ ومناقبِ
ألا جزعتْ بيضُ السيوف على فتىً
ألا جزعتْ بيضُ السيوف على فتىً / أَغَرَّ إذا ما جارَ بالسَّفْرِ غَيْهَبُ
رمتْه المنايا عندما غَشِيَ الوغى / وقد جعَلَتْ نيرانُها تتلهب
وقالوا لسانُ السَّمهريِّ أصابهُ / بنجلاءَ لا حدُّ الحسامِ المذرَّب
فواعجبا للبحرِ أَردته نقطةٌ / وللقمر الوضَّاحِ أرداه كوكب
غداةَ النَّوى زُمَّتْ لبينٍ ركائبُ
غداةَ النَّوى زُمَّتْ لبينٍ ركائبُ / عليها قِبابٌ حَشْوُهَنَّ كواعبُ
طلعنَ شموساً والديارُ مشارقٌ / لهنَّ وأحداجُ القلاص مغارب
تطاول ليلي بعد إمعان سيرهم / وآلى الدُّجى أن لا تغورَ الكواكب
فلا صبحَ إلا من محيَّا خريدةٍ / ولا ليلَ إلا فوقَ صُبحٍ ذوائب
تأوَّبني منهنَّ سُهْدٌ وعَبْرَةٌ / فلا أدمعي تَرْقا ولا النومُ آيب
عذاب الثنايا عذبت قلب مغرم / براه عذاب من جوى الحب واصب
بأيِّ نعيٍّ صَبَّحَتْنا الركائب
بأيِّ نعيٍّ صَبَّحَتْنا الركائب / وفي أيِّ عِلْقٍ حاربتنا النَّوائبُ
أَحقّاً فتى الفتيانِ سُلِّمَ للردى / وأَسْلَمَهُ جيرانُه والأقاربُ
بكتْه سيوف ُ الهندِ ملءَ جفونها / وسُمْرُ العوالي والعِتاقُ الشَّوازب
وأصبحت العلياءُ غُفْلاً كأنَّها / رُسومٌ محَتْهُنَّ الصَّبا والجنائب
وما راعنا إلا الوفودُ وقد جَلَتْ / ضمائرَهُمْ تلكَ الدموعُ السَّواكب
إذا سئلوا عن آلِ داودَ أعْوَلوا / كما أعْوَلَتْ وُرْقُ الحمامِ النوادب
فمِن نبأٍ تسودُّ منه قلوبنا / ومِنْ حَدَثٍ تبيضُّ منه الذوائب
أغارت على الشُمِّ المغاويرِ منهمُ / رعالُ جيوشٍ للردى ومَقانب
فلم يُغْنِ جُردٌ في الأعنَّةِ شُهِّرَت / ولم تُجْدِ بيضٌ في الأكفِّ قواضب
ويا لَمَضاءِ المشرفيةِ دونهمْ / لو انَّ المنايا إذ سَرَيْنَ كتائب
لئن كان يُذْرَى الدمعُ حزناً ولوعةً / لقد آن أن تُذْرى الدموع السّوارب
لمُسْفِرِ صُبْحٍ دونَهُ الموتُ سافرٌ / وحاجبِ شمسٍ دونها الثكلُ حاجب
وهَضبةِ حلمٍ منْ شمارخها النُّهى / وزهرةِ مجدٍ من رُباها المناقب
تضمَّن منه القبرُ حَلْيَ شبيبةٍ / يُخَيِّلُ لي أنَّ الترابَ ترائب
فواحزنا ألا أُشاهدَ مجلساً / تُشاهِدُهُ أَخلاقُهُ والضَّرائب
و يا أسفا ألاّ أُطيقَ ابتسامةً / إذا خَطَبَتْ للهمِّ حولي غَياهب
لئن أمستِ الولدانُ شِيباً لموتِهِ / فكم شَبَّ في أَحْوَى حماهُ الأشايب
وإن صَفِرَتْ منه يدُ المجدِ والعلا / فكم مُلِئَتْ من راحتيهِ الحقائب
يقولُ أُناسٌ لو تعَزَّيْتَ بعده / فكلُّ عزاءٍ في مصابك عازِبُ
ووالله ما طرفي عليكَ بجامدٍ / وهل تجمد العينانِ والقلبُ ذائب
ولا لغليلِ البرْحِ بعدكَ ناضحٌ / ولو نشأَتْ بين الضلوعِ سحائب
رُوَيْدَ الليالي كم تَهُمُّ بضيمنا / وتطرُقُنا منها همومٌ نواصِب
نُسالمُ هذا الدهرَ وهو محاربٌ / ونطمعُ في إعتابِه وهو عاتب
تُساقُ أَبيّاتُ النفوس ذليلة / إليه وتنقادُ القُرومُ المَصاعبُ
لئن غُلِبَ الليثُ الهصورُ وشِبْلُهُ / فما لهما يوماً سوى اللهِ غالب
هو القدرُ المحتومُ إن جاءَ مُقدِماً / فلا الغابُ محروسٌ ولا الليث واثب
وكائنْ طَلَبْنا العيشَ صفواً جِمامُهُ / فلمْ تخلُ منْ رَنْقِ الخطوبِ المشارب
ومَنْ يَبْلُ أَنْفاسَ الورى ونفوسَهُمْ / يَجِدْها ديوناً تَقْتَضيها النوائب
وما تفتُرُ الأيامُ تطلبُنا بها / فيُدْرَكُ مطلوبٌ ويَظْفَرُ طالب
وما الناسُ إلا خائضو غمرةِ الردى / فطافٍ على ظهرِ التُرابِ وراسب
أبا حسَنٍ طال الحجابُ ولم يكنْ / يعوقُ رجائي عن لقائكَ حاجب
أبا حسَنٍ قد آبَ كلُّ مودِّعٍ / فمَن ضامنٌ للمجد أَنك آيب
أنبكيكَ أم نبكي أباك لغارةٍ / تُشَنُّ لقد ضاقت علينا المذاهب
تَزَلْزَلَ من طَوْدِ الكهولةِ باذخٌ / وأُخمدَ من نورِ الشبيبةِ ثاقِبُ
وصوَّح أصلُ المَعْلُواتِ وفَرْعُها / وقد يتبعُ الأصلَ الفروعُ الأطايب
بأيِّ اتِّفاقٍ والحياةُ بمائها / وأيّ اتفاقٍ بعدُ والعيشُ ناضب
نوائبُ لم يَقْنَعْنَ منكمْ بواحدٍ / وواحدُكُمْ عن مَشْهَد الكلِّ نائب
فليتَ العلا إذ جفْ منهنَّ جانبٌ / تَبَقَّى على عَهْدِ الغَضارَةِ جانب
وليتَ بحارَ الجوادِ إذ غاضَ ماؤُها / تدومُ لنا تلكَ العِهاد الصَّوائب
فيا عجباً للسّيدين طوتهُما / معاً حادثاتٌ كلُّهُنَّ عجائب
أكانا على وعدٍ من الموتِ صادقٍ / فخانهما وعدٌ من العيش كاذب
عزاءً بني داودَ إنَّ قلوبكم / صوارمُ تفري الحزنَ منها مَضارب
فمَن يصدَعِ الخطبُ الملمُّ صفاتَهُ / فعزمكُمُ المشهورُ للصَّدْعِ شاعب
وكيف بهذا الموتِ إنْ كانَ صَبْرُكُمْ / وفيه لباناتٌ لكم ومآرب
وكم مَشْرَعٍ حامتْ عليه نفوسُكُمْ / ولا ماءَ إلاّ المُرْهَفاتُ القواضب
وما زلتمُ في الرَّوْعِ معتنقي القَنا / كما اعتنقتْ يومَ الوداع الحبائب
بقيتمْ ومحذورُ الرَّدى متنصِّلٌ / ومعتذرٌ مما جَنَاهُ وتائب
ولا زالَ رَوْحُ الله يَسْري لأعْظُمٍ / تَغَايَرُ في سَقْيِ ثراهُ السحائب
وحبَّبَ يومَ السَّبتِ عنديَ أنني
وحبَّبَ يومَ السَّبتِ عنديَ أنني / يُنادِمُني فيه الذي أنا أحببتُ
ومن أعجبِ الأشياءِ أنيَ مسلمٌ / تقيٌّ ولكن خيرُ أياميَ السبت
ومُرْتَجَّةِ الأعطافِ أمّا قوامُها
ومُرْتَجَّةِ الأعطافِ أمّا قوامُها / فَلَدْنٌ وأمّا رِدْفُها فرَداحُ
ألمّتْ فباتَ الليلُ من قِصَرٍ بها / يطيرُ ولا غيرُ السرورِ جَناح
وبتُّ وقد زارَت بأنعَم ليلةٍ / يُعانقني حتى الصباحِ صباح
على عاتقي من ساعِديْها حمائلٌ / وفي خَصرها منْ ساعديَّ وشاح
لعمرُ أبيها ما نكثتُ لها عهدا
لعمرُ أبيها ما نكثتُ لها عهدا / ولا فارقتْ عيني لفرقتها السهدا
أتأمرني سُعْدى بأنْ أهْجُرَ الكرى / وأعصي على طَوْعي لأجفانها سعدى
برئْتُ إذاً منْ صحبةِ الركبِ والسُّرى / ولا عرَفَتْ إِبْلي ذميلاً ولا وَخْدا
وليلٍ طرقت الخدر فيه وللدجى / عُبابٌ تراه بالكواكبِ مُزْبِدا
أُجاذِبُ عِطْفَ المالكيَّةِ تحته / وأسحبُ من ضافي العفافِ له بُرْدا
نعِمْتُ بها والليلُ أسودُ فاحمٌ / يغازل منها الأسودَ الفاحمَ الجعدا
فلم أرَ أشهى من لَماها مُدامَةً / ولم أرَ أذكى من تنفُّسها ندَّا
تبسَّمُ عما قُلِّدتهُ فأجتلي / بمبسمها عِقْداً وَلَبَّتها عقدا
ويعبقُ ريَّاها إذا هبَّتِ الصَّبا / فيحملُ عنها نشرُها العنبرَ الوردا
سلِ الريحَ عن نجدٍ تخبّرك أنها / مُعطرةُ الأنفاس مذْ سكنتْ نجدا
وأنَّ الغَضا والسِّدر مذ جاورتهما / لطيب شذاها أَشبها الغارَ والرِّندا
وأدهمَ ما عارضتُ شُعلةَ بارقٍ / بسيفيَ إلاّ عارضَ الليلَ مسودّا
رقعتُ به الظَّلماءَ لمّا تمزَّقَتْ / سرابيلُها وانقدَّ مُطرَفها قدّا
وقد برقتْ للصبح فيها مَخْيَلَةٌ / تُقلِّصُ ظِلاًّ للحنادسِ ممتدا
قطعتُ على مَِّ الصباح خمائلاً / مؤزَّرةً بالنَّور أعطافها تنْدى
تُجيبُ صهيلَ الخيلِ فيها حمائمٌ / أُطارحُها الشوقَ المبرِّح والوجدا
ألا فاركضوها أو ذَرُوها فإنَّني / أُبَلِّغُ طِرفي في طلابِ العلا الجهدا
لأهجُرَ أرضي واصلاً دَرَجَ السُّرى / إلى أرضِ قومٍ تُنْبِتُ العزَّ والمجدا
إذا لم تبلِّغْكَ الجيادُ إلى العلا / فلا حفظَ اللهُ المطهَّمةَ الجُرْدا
ستجعلُ بين الحادثاتِ إذا دَجَتْ / وبين أُسودٍ من بني أَسَدٍ سَدّا
كفى بأبي بكرٍ لمن رامَ نُصْرَةً / على الدَّهر أوْ مَنْ ضَلَّ في خَطْبه رشدا
وحسبي به دونَ الذخائرِ عُدَّةً / إذا الصِّيدُ عُدُّوا كان أوَّلَ من عُدّا
فهمَّتهُ تَسْتَسْفِلُ النجمَ رُتْبَةً / وَعَزْمَتُهُ تستنبعُ الحجَر الصَّلْدا
إذا شْتَ أن تعيا عليكَ مطالبٌ / على كثرةِ الإيجاد فاطلبْ له نِدّا
جزيلُ النَّدى أدنى مواهِبِهِ الدُّنا / وقد كان يُعطي الخلدَ لو ملَكَ الخلدا
إذا خانتِ الأيامُ كان نقيضها / وإن غدَر الأقوامُ كان لهم ضِدّا
يبادرُ بالإحسانِ كلَّ مُؤَمَّلٍ / وتلقى بِنورِ البشرِ غُرَّتهُ الوفدا
أبى العدلُ إلاّ أن يلائمَ حُكْمَه / أبى الجورُ إلاّ أن يكون به قَصْدا
أبت كفُّهُ إلاّ السماحةَ والنَّدى / وهمَّته إلاّ المكارمَ والمجدا
وكم مِنْحَةٍ أهدى وكم مِحْنَةٍ عدا / وكم حاسدٍ أردى وكم نعمةٍ أسْدى
أغرُّ تراءَى في الدجى من طلوعِهِ / سنَا قَبَسٍ تذكو شرارتُه وَقْدا
إذا صرَّتِ الأقلامُ بين بنانِهِ / رأيتَ سِنانَ السَّمْهريِّ لها عبْدا
جعلتُ عليه من نظامي قلادةً / حَبَوْتُ بها الأحلامَ والحسبَ العِدَّا
فدونكَ يا طَوْد القضاةِ منَ النهى / ربيبةَ فكرٍ تسحرُ الخُرّد النُّهْدا
أتتكَ على بُعْدٍ لتجعلَ بينها / وبينَ الخطوبِ النازلات بنا بُعدا
وعدتُ حُلاها أن أنالَ بكَ السُّهى / وقد ضَمِنَتْ عَلياكَ أن أُنْجِزَ الوَعدا
شهدتُ بأنَّ الوردَ لو أُعطي المنى
شهدتُ بأنَّ الوردَ لو أُعطي المنى / تَمنَّى منَ الورَّادِ خدّاً مورَّدا
ولو خُيِّر الرَّيْحانُ لاختارَ صُدْغَهُ / وإنْ أصبحَ الريحانُ يحكي الزبرجدا
ولو قيل للأُفْقِ احتكِمْ قال دونَكم / هلالي وشمسي واتركا لي محمدا
رمى أدمعي نصُّ الركائبِ والوخدُ
رمى أدمعي نصُّ الركائبِ والوخدُ / فأبدتْ هَوَى مَنْ لم يكنْ سَقِماً يبدو
بعينيَّ هاتيك الحمولُ عشية / وقد عَلِقَتْ منْ دونِ آرامها الأسد
أدارهمُ الأولى لبستِ من البلى / مطارفَ لا تَبْلى وإن بَلِيَ العهد
كأن لم تكوني للأحِبَّةِ منزلاً / ولا عَبَثتْ فيك الرَّبابُ ولا هند
عفا جَسدي ممّا أَلَظَّ به الضَّنا / وأشْبَهْتِهِ مما استهلَّ بك العهد
سقاكِ إلى أن قلتُ بينكما هوىً / فلما تمادى قلتُ بينكما حقد
كفى حَزَناً أنَّ النَّوى أجنبيّة / وأنَّ سُليمى حالَ من دونها البعد
بنجدٍ أناخوا العيسَ بعد تهامةٍ / ويا بُعْدَ ما بيني وبينك يا نجد
مُصابُكَ ما كرَّ الجديدانِ سَرْمَدُ
مُصابُكَ ما كرَّ الجديدانِ سَرْمَدُ / ويَوْمُكَ لا يُنْسيهِ يَومُ ولا غَدُ
ثكلتك ثُكْلَ المَشْرَفِيِّ غُروبَهُ / وبالغَرْبِ يَسطو المشرفيُّ المهند
فرحتَ كَمَنْ راحت بنانُ يمينِهِ / عنِ اليدِ فاعتلَّتْ لِفُرْقَتِها اليد
وقد كنتَ كالعَذْبِ الزلال إذا صفا / فلم يصفُ لي مذ غبتَ في اللحدِ مَوْرِد
ولا راقني سَهْلُ البلادِ وحَزْنُها / ولو أنَّ ما يخضرُّ منها زَبَرْجَد
أُقابلُ منها كلَّ حُسْنٍ وبهجةٍ / كما قابلَ الشمسَ المنيرةَ أَرْمَدُ
وأَصرِفُ عنها آخَر الدهر أخدعاً / له نحوَ هاتيكَ الرجام تلدُّ
سلامٌ على القبرِ الذي في ضميره / حبيبٌ يُواريه الصفيحُ المنضَّد
ثوى بعد مثواهُ بمنزلِ غُربةٍ / تساوَى مَسُودٌ عندَهُ ومُسوّد
وحيداً من الخلاَّنِ إلاَّ عصابةً / رُمُوا عَنْ حنَيَّاتِ المنايا فأُقصِدوا
لقد راح عنه رهطُهُ وعشيرُهُ / وغادَرَهُ خُلْطانُهُ وهو مُفْرَدُ
مجاورُ أَقْوامٍ كأنَّ بيوتَهُمْ / قبابٌ ولكنْ بالصفائحِ تُعْمَد
أُعاوِدُ منها كلَّ يومٍ وليلةٍ / مَضاجِعَ أَمَّا النومُ فيها فَسَرْمَدُ
يجودُ عليها الغيثُ سَحَّاً ووابلاً / وهطلاً ولكنْ دمعُ عينيَ أَجْوَد
على حَسَنٍ أفني دموعيَ حَسْرَةً / وَمِنْ بعضِ ما أُفني العَزَا والتَّجُلُّدُ
سأبْكيهِ ما حجَّ الحجيجُ وما دعا / هديلاً على الأيكِ الحمامُ المغرِّد
يقولون عاثتْ في أخيكَ يدُ البلى / فوا حرَّ قلبي مِنْ أسىً يَتَجَدَّد
لئن نَفِدَتْ أيَّامُهُ إنَّ لوعتي / على قِدَمِ الأيامِ ما ليس تَنْفَد
أفكِّرُ في نَأْيِ اللقاءِ وبُعْدِهِ / وأعلمُ أنَّ الصبرَ أنأى وأَبْعُد
ويخبرني وَشْكُ الرَّدى بلحاقِهِ / فأرتاحُ لليومِ
وما زهرةُ الدنيا تفي بِذَهابِهِ / ولو قيلَ أَبْشِرْ أنت فيها مخلد
تَقَضى فأجفانُ السَّحابِ دوامعٌ / عليه وأنفاسُ الرياح تَصَعَّدُ
وللبرقِ ألهوبٌ وللرعدِ ضَجَّةٌ / تعبِّرُ فيها عن
وما كنتُ أدري أنَّ للموتِ سَطْوَةٌ / على النَّجمِ حتَّى
أضاءت به الدنيا زماناً لناظري / فقد عمَّها ليلٌ من الحزنِ سَرْمَدُ
ولم أَنْسَهُ والدهرُ طَلْقٌ جبينُهُ / وريحانُهُ
يزيدُ على حُكْمِ الكهولةِ خُلْقُهُ / وغصْنُ صباهُ الغضُّ فَيْنَانُ أَمْلَدُ
حليفُ عفافٍ والشبابُ غُرانِقٌ / وكيفَ به والصبحُ في الليل مُسْئِد
أبيٌّ إلى أنْ قادَهُ الحَيْن في الثَّرى / وكلٌّ له في راحة البين مِقْوَدُ
ولم أَنْسَهُ والسُّقْمُ يَنْهَبُ جِسْمُهُ / وآلامُهُ في كلِّ يومٍ تَزَيَّد
يجسُّ يداً منه الطبيبُ وَمَنْ له / بِدَفْعِ صُروفِ الموتِ عَنْ مهجةٍ يد
فما استصحبتْ إلاَّ الرجاءَ أقاربٌ / ولا استنجدتْ إلا المدامعَ عُوَّد
ولم أَنْسَه والموتُ جاثٍ أمامَهُ / وعامِلُهُ ذَلْقُ الغِرارِ مسدّد
قعدت لديه معولاً وسِياقُه / يقومُ بنفسي تارةً ثم يَقْعُدُ
أرى ساعدي الأقوى يُجذُّ وصارمي / يُثَلُّ وعَسّالي الأصمُّ يُقْصَّدُ
أرى زهرةَ العَليا تجفُّ وماؤها / يغيضُ وأرواح البشاشة تركد
ولم أَنْسَه والنعشُ قد صار روضةً / تَبَسَّمُ عنْ ذِكرٍ يُغيرُ ويُنجد
تهاداه أعناقُ الرجال وإنما / يسيرُ على الآماقِ حَزْمٌ وسؤدد
إلى حَضْرَةٍ تَنْدَى بِنَشْرِ ثَنائِهِ / كأنَّ نثيرَ المسكِ فيها يُبَدَّد
وكان محلَّ النجمِ أرقى مكانِهِ / فأصبحَ يعلوهُ تُرابٌ وجَلْمد
فيا أيها الخطبُ الذي قد أصابَهُ / إلا في سبيلِ اللهِ ما تَتَقَلَّد
لمثلك من رزءٍ جليلٍ تَضَرَّجَتْ / خدودٌ بأسرابِ الدموعِ تَخَدَّد
عجبتُ لمن يَلْقَى القبور بمَدْمَعٍ / بكيءٍ فتُبكيه طلولٌ ومَعْهَد
سأبكي أخي مُسْتَيْقِناً أنَّ أدْمُعي / إذا طَلُّ دمْعٍ ذابه الناس يجمد
لقد كنتُ أَسْتَسْقي الغمامَ لقبرِه / وأعهدُ منه غيرَ ما كنتُ أعهد
سَقَتْه رِهامُ المُزْنِ مَثنى ومَوْحَداً / وقلَّتْ لهُ منهنَّ مثنى وموحد
فيا شدةً أمسيتُ سيانِ بعده / أُرَدِّدُ من شوقي لما لا أُرَدِّد
كفى حَزَنَاً أنْ لا نلاقيَ مَيْتَنا / وَأَنْ ليس إلا موقفَ الحشر موعِدُ
أنوماً ووعدُ الحادثاتِ وعيدُ
أنوماً ووعدُ الحادثاتِ وعيدُ / وحادي المنايا ليس عَنْهُ مَحيدُ
وفي كلِّ يومٍ للخطوبِ وليلةٍ / وقائعُ تُفْني جَمْعَنا وتُبيد
خليليَّ هُبَّا فانْدُبا متحملاً / أجدَّ نوىً إنَّ اللقاءَ بعيد
ولا تحسبا أنَّ الفراقَ لأوبةٍ / ولا أنَّ مَنْ تحتَ الترابِ يعود
أأبصرتَ هاماً حالَ مِنْ دونِه الرَّدى / فَبَشَّرَ منهُ بالإيابِ بريد
أثالثَ عيدِ الفطر أبقيتَ للأسى / بقلبي ندوباً ما تأوَّبَ عيدُ
طوى حَسَنَاً فيكَ الجديدان بعدما / تسرْبَلَ ثوب العيش وهو جديد
ذكرتُ زماناً منه ليس بعائدٍ / فأصبحتُ أُبدي لوعةً وأُعيد
أُصَعِّدُ أنفاسي لنجمٍ رأيته / يُهالُ عليه بالأكفِّ صعيد
فوا حسرتا لم يَنتصرْ لزمانه / وقد صَبّحَتْهُ للحمامِ جنود
ألا ليتَ شِعْري مَنْ يقوم لنصرِهِ / وأُسْرَتُهُ الأدْنَوْنَ عَنْهُ قُعود
على الرغم منّا صِرْتَ رَهْنَ تهائمٍ / يغالطُ منهنَّ العيونَ نُجود
عزيزٌ علينا أنْ سكنتَ منازلاً / تَشابَهُ أحرارٌ بها وعبيد
أقمتَ بدارٍ لا أنيسَ بأرضها / وإن حلَّها بعدَ الوفود وفود
وإن الغريبَ الفذَّ مثلُكَ لا الذي / دُوَيْنَ معانيهِ صَحاصحُ بيد
وإني وقد أمسيتُ في دارِ غُرْبةٍ / فريداً لمنبتُّ العزاءِ فريد
نَفَضْتُ بألاّفي يدي وعشيرتي / وقلت إليكمْ فالمصابُ شديد
أليسَ عظيماً أنْ أثرى في جماعةٍ / وأنت بها قَيْدَ الرِّجام وحيد
قليلٌ بُكانا أَلْفَ حولٍ وإن قضى / بإكمالِ حولٍ بالبكاء لبيد
وما جَمَدَتْ عَيْنُ امرئٍ يومَ بَيْنِهِ / ولكنَّ عيناً لم تجُدْكَ جَمُود
ومن ذا الذي يَنْهَى المدامعَ بعدما / رأى الموتَ في روض الشبابِ يَرودُ
أتانا بفرعٍ للشبيبةِ مائدٍ / تكاد جبالُ الأرضِ منه تميد
وكيف بقاءُ الغصْنِ بين عواصفٍ / منَ الدَّهْرِ لا يُرْجى لهنَّ ركود
لئن جَزِعَتْ نفسي عليه فإنَّني / على غَيْرِهِ شَهْمُ الفؤادِ جَليد
وما الدمعُ في كلِّ الرزايا مذمَّمٌ / ولا الصَّبْرُ عنْ كلِّ الأنامِ حميد
رُزِئْتَ عَزائي بعد ما قارَعَ الأسى / عليه إلى أنْ مات وهو شهيد
ولو كنتُ أسْطيعُ التَّصَبُّرَ رَدَّني / لحزمي وفاءٌ طارفٌ وتليد
سقتك أخي غُرَّ السحابِ وجونها / وإن لم يَزَلْ دمعي عليك يجود
هجودكَ في تلك الصفائحِ مانعٌ / جُفونيَ أنْ يسمو لهنَّ هجود
فنومُك من تحتِ الترابِ مُسَكَّنٌ / وَنَوْميَ من فوقِ التراب شريد
وآنسةٍ زارتْ معَ الليلِ مَضْجَعي
وآنسةٍ زارتْ معَ الليلِ مَضْجَعي / فعانقتُ غُصْنَ البان منها إلى الفجرِ
أُسائِلُها أينَ الوشاحُ وقد غَدَتْ / مُعَطَّلةً منه مُعَطَّرةَ النشر
فقالتْ وأَوْمَتْ للسِّوارِ نَقَلْتُهُ / إلى مِعْصَمي لمّا تقلقلَ في خصري
ومُرْتجةِ الأعطافِ مُخْطفَةِ الحَشا
ومُرْتجةِ الأعطافِ مُخْطفَةِ الحَشا / تميلُ كما مالَ النزيفُ منَ السكر
بذلتُ لها من أَدمُعِ العينِ جوهَراً / وقِدْماً حَكاها في الصِّيانة والستر
فقالتْ وأبدتْ مِثْلَهُ إذ تبسمت / غنيتُ بهذا الدرِّ عنْ ذلك الدر
خليليَّ ما عُذْري إلى الركبِ بعدما
خليليَّ ما عُذْري إلى الركبِ بعدما / تقضَّتْ لياليهمْ ولم يَنْقَضِ العمرُ
بكيتُ فلم يقضِ البكا حقَّ مَدْمَعٍ / حياتيَ يوماً بعد فُرْقَتِهِ غَدْرُ
وما جَزَعي إلاّ لأبلجَ إن سرى / مع البدرِ وَهْنَاً قيلَ أيُّهما البدر
رعى اللهُ عبد الله حيثُ تيممتْ / ركائبُهُ أو حيثُ حلَّ به السَّفْر
أُوَدِّعُهُ والليلُ يُودِعُ أَضْلُعي / بلابلَ جَرَّتْها الصبابةُ والفكر
إلى الله أشكو نيّةً بعدَ نيّةٍ / يُكلفنا منها عوائدَهُ الدهر
ألا ليتَ شعري والحوادثُ جمّةٌ / متى يَرْعَوي عنْ جَهْلِهِ الحادثُ البكر
أفي كلِّ يومٍ لابنِ دأيةَ فَتْكَةٌ / عوانٌ بساحاتِ المنازلِ أو بِكر
لقد سعتِ الأيّامُ بيني وبينكمْ / بكفٍّ لها نظمٌ وأُخرى لها نثر
وقد كنتُ أشكو منكمُ هجرَ ساعةٍ / فمنْ لفؤادي أنْ يدومَ له الهجر
سلامٌ على أيّامكمْ ما بكى الحيا / وَسَقْياً لذاكَ العهدِ ما ابتسمَ الزهر
كأنْ لم نَبِتْ في ظلِّ أَمْنٍ يَضُمُّنا / منَ الليلةِ الليلاءِ أرديةٌ خُضْر
ولم نغتبق تلك الأحاديثَ قهوةً / وكم مجلسٍ طِيْبُ الحديثِ به خمر
ألا في ضمانِ اللهِ من كلَّ ساعةٍ / يُجَدِّدُ لي فيها لشوقي له ذكر
يُذَكِّرُنِيهِ البرقُ جذلانَ باسماً / ويُذَكِّرُني إسْفارَ غُرَّتِهِ الفجر
وما رفَّ زهرُ الروضِ إلاّ تمثَّلَتْ / لناظرِ عيني منهُ آدابُهُ الزُّهر
فيا مربعَ التوديعِ لا غروَ أنني / تحمّلتُ منه فوقَ ما يسعُ الصدر
فوالله ما للقلبِ بعدك سلوةٌ / ولا للدموعِ الحمرِ إنْ لم تَفِضْ عُذْر
خليليَّ ما حبُّ البنين ببدعةٍ
خليليَّ ما حبُّ البنين ببدعةٍ / فهل أنتما فيه مقيمانِ من عذرِ
تقسَّم قلبي بين طفلين شطرُهُ / لهذا وهذا قد تعلَّقَ بالشَّطر
صغيرين لم تَصْغُرْ حياتي عليهما / ولا كان حظِّي باليسير ولا النزر
فمن قائلٍ آثرت سرَّاً محمداً / وآخرُ إبراهيمَ تُؤْثِرُ في السرِّ
فقلتُ هما غصنان أَعْدِلُ فيهما / إذا جار ذو النجلين عَدْلَ ندى القطرِ
وما استويا سنّاً ولكن تَساوَيا / ولوعاً وحُبَّاً في الجوانحِ والصَّدر
محلُّهما في منزلِ القلبِ واحدٌ / فحيثُ أبو بكرٍ فثمَّ أبو عمرو
أُحبُّ صلاحَ الدهرِ في جانبيهما / ولولاهما ما كنتُ أَحْفَلُ بالدهر
فمن كان يبغي العمرَ مستمتعاً به / فلا أبغِ إلاّ في صلاحهما عُمري
تأرَّجَ مطلولُ الروابي فَزُرْتُها
تأرَّجَ مطلولُ الروابي فَزُرْتُها / وأمثالُ هاتيكَ الربى يَقْتَضي الزَّوْرا
وأتحفني منها الربيعُ بِوَرْدِهِ / عبيراً به الأنفاسُ إذ فَتَقَ النورا
حكتْ نفحةً ممّن هَوِيْتُ ووَجْنَةً / فأنْشُقُها طَوْرَاً وألثمها طَوْرَا
سَقَتْني بيُمْناها وفيها فلم أزل / يُجاذبني من ذاكَ أو هذهِ سُكْرُ
ترشّفتُ فاهاً إذ ترَشّفتُ كأسَها / فَلا والهوى لم أَدْرِ أيَّهما الخمر
أإخوانَنا والموتُ قد حال دونَنا
أإخوانَنا والموتُ قد حال دونَنا / وللموتِ حكمٌ نافذٌ في الخلائقِ
سبقتكمُ للموتِ والعمرُ ظِنَّةٌ / وأعلمُ أنَّ الكلَّ لا بدَّ لاحقي
بعيشكمُ أو باضطجاعيَ في الثَّرى / ألم تَكُ في صَفْوٍ من الودِّ رائق
فمن مرَّ بي فليمضِ بي مُترَحِّماً / ولا يكُ مَنْسِيّاً وفاءُ الأصادق
أَشاقكَ إذ غنَّى الحمامُ المطوَّقُ
أَشاقكَ إذ غنَّى الحمامُ المطوَّقُ / ولمحُ سناً من بارقٍ يتألَّقُ
سرى موْهِناً تزْجي الصِّبا غيمَ أُفْقِهِ / وقد أَضحَكَ الروضَ الحيا المتدفق
كما ابتسمتْ رقراقةُ الخدِّ غادةٌ / لأجفانِ صبٍّ دَمْعُها يترقرقُ
عرتني فألحاظُ الجفونِ جآذرٌ / تُطاعِنُ قلبي والجوانحُ مأزِقُ
وغادةِ إنسٍ أدلجتْ لزيارةٍ / وثوبُ الدجى بالزاهرات مُنَمَّق
تُمازحُ أَبناءَ السُّرى بضيائها / فتوهمُ بالإصباحِ منْ باتَ يطرُقُ
نعمتُ بها حتى أنارَ سنا الضُّحى / وشابَ بنورِ الصبح لليلِ مَفْرِق
فمن مبلغٌ عهدَ السرورِ تحيَّةً / يُشابُ بها ذكرُ الحبيب فتعبق
شموسٌ جلتهنَّ النجومُ الشوابكُ
شموسٌ جلتهنَّ النجومُ الشوابكُ / وقُضْبُ أراكٍ روضهنَّ الأرائكُ
أوانسُ حلاّها الشبابُ قلائداً / جواهرها ما هنَّ عنه ضواحك
تهادى ركابي في دجى الليلِ بارقٌ / يُضاهيه عَضْبٌ في يمينيَ باتك
وقد خَفَقَتْ زُهْرُ النجومِ كأنما / تُهَزُّ بأيدي الريح منها نيازك
وأسبلتِ الظلماءُ ستراً مِنَ الدجى / له منْ حسامي أو سنا البرقِ هاتك
فللهِ منْ سُعْدى ليالٍ سعيدةٌ / أرتني بياضَ الوصلِ وهي حوالكُ
وللهِ أعطافٌ لدانٌ هَصَرْتُها / ولا ثمَرٌ إلاَّ الثديُّ الفوالك
تؤنِّبني فيه العواذلُ ضلَّةً / لتسلكَ بي غيرَ الذي أنا سالك
ولا وسبيل اللهِ ما أنا آخذٌ / بعذلٍ ولا نهجَ الهوى أنا تارك
وَمَنْ حُبُّهُ للخرَّدِ العينِ صادقٌ / رأى أنَّ مَنْ أَهدى النصيحةَ يافك
أأحْقِنُ دمعي لا أُريقُ غمامةً / وفي الحَلْي ساجي الطرفِ للدم سافكُ
وأملكُ شوقي أنْ يذيبَ جوانحي / ولي من جفونِ المالكيةِ مالك
وبالقبَّة البيضاءِ خُمْصانَةُ الحشا / كظبي النَّقا ريّاً كما ارتجَّ عانك
بَرود الثَّنايا يزعمُ الروضُ أنَّهُ / لمبسمها في الأقحوانِ مُشارك
تسيرُ مطاياها وعند مسيرها / لها بينَ أحناءِ الضلوعِ مبارك
لئن فتكتْ بي مقلتاها فَرُبَّما / أكرُّ وعزمي بالحوادثِ فاتك
وما لحظاتُ الغيدِ إلاَّ صوارمٌ / ولا نزعاتُ البينِ إلاَّ معارك
سأصدمُ أحشاءَ الظلامِ بعزمةٍ / ولو فَغَرَتْ فاهاً إليَّ المهالك
وأكثرُ ما يُلقى أخو العزمِ سالكاً / إذا لم يكنْ إلاَّ المنايا مَسالك
لمغناك سحَّ المزنُ أدمعَ باكٍ
لمغناك سحَّ المزنُ أدمعَ باكٍ / ورجّعتِ الورقاءُ أنّةَ شاكِ
وشقَّ وميضُ البرقِ ثوباً منَ الدجى / كأنْ لم يكنْ يُجلى بضوء سناكِ
أظاعنةً والحزن ليس بظاعنٍ / لقد أوحش الأيامَ يومُ نواكِ
نوىً لا يشدُّ السَّفْرُ راحلةً لها / ولا يشتكيها العيسُ ليلَ سراكِ
ولكنها تطوي المحاسنَ في الثرى / فيا حُسْنَ ما يُطوى عليه ثراكِ
وتُشعرُ يأساً منك حرَّان هاتفاً / لعلَّكِ من بعد النوى وعساكِ
وتُورثُ شمسَ الدُّجْنِ أختك لوعةً / بفقدكِ والبدرَ المنيرَ أخاكِ
وتعلمنا أنَّ المصائبَ جمّةٌ / وأنَّ مدانا في المقامِ مداكِ
وأنَّ الشبابَ الغضَّ والصوْنَ والنهى / طوى الكلَّ منها الحَيْنُ يوم طواك
غدا الدهرُ من مرِّ الحوادثِ كالحاً / ولم أَدْرِ أن الدهرَ بعضُ عداكِ
عجبتُ له أنّى رماكِ بصرفِهِ / ولم يَغْشَ عينيه شعاعُ سناكِ
فعطّلَ جيداً أتلعاً كان مُطْلعاً / سميّك منصوباً بصَفح طَلاكِ
فيا دُرُّ إن أمسيتِ عُطلاً فطالما / غدا الدرُّ والياقوتُ بعض حلاكِ
ويا دُرُّ ما للبيتِ أظلم كسرُه / تراكِ تيممت الترابَ تراكِ
ويا زهرةً أذوى الحمامُ رياضَها / لقد فجعتْ كفُّ الحِمامِ رباكِ
سقاكِ الندى حتى تعودي نضيرةً / ومَن للقلوبِ الحائماتِ بذاكِ
ألا فُتَّ في عضدِ الحمام لقد رمى / عقيلةَ هذا الحيِّ يوم رماكِ
فدتك كريماتُ النساءِ وربما / رأينَ قليلاً أنْ يكنَّ فداكِ
وهل دافعٌ عنكِ الفداءُ منيّةً / أهبَّتْ صباحاً في رِياضِ صفاكِ
عزيزٌ علينا أن مضجعكِ الثرى / وما ينقضي حتى المعادِ كراكِ