المجموع : 61
أَبا حَسَنٍ أَحْسَنْتَ بَدْءًا وعَوْدَةً
أَبا حَسَنٍ أَحْسَنْتَ بَدْءًا وعَوْدَةً / وحَسَّنْتَ فعلاً جِيئةً وذَهَابا
وما أَنا إلاَّ خادِمٌ لَكَ رِقُّهُ / وإِنْ كنت حُرَّ الوالِدَيْنِ لُبابا
وقد غَيَّبَتْنِي عَنْ عُلاكَ عوارِضٌ / رَمَتْنِي بسهمٍ للخطوبِ أَصابا
وغيرُ عجيبٍ أَن أُوافِيكَ مجرماً / أَتيتُ وأَرْجُو في ذَرَاكَ مَتَابَا
فأَسْأَلُ رَدَّ العَفْوِ منك تَفَضُّلاً / فَحَسْبِيَ كَوْنِي غِبْتُ عنكَ عِقابا
على الطائرِ الميمونِ والكَوْكَبِ السَّعْدِ
على الطائرِ الميمونِ والكَوْكَبِ السَّعْدِ / تبلَّجَ بَدْرُ الفضلِ من فَلَكِ المَجْدِ
يُقِرُّ لِغُلْيَلْمِ المليكِ بن غُلْيَلْمِ
يُقِرُّ لِغُلْيَلْمِ المليكِ بن غُلْيَلْمِ / سليمانُ في مُلْكٍ وداودُ في حُكْمِ
وتخدُمُهُ الأَفلاكُ بالسَّعْدِ في العِدَى / فيسطو بسيف البرق أَو حَرْبَةِ النَّجْمِ
فَأَيُّ هلالٍ ليس كالقوس راشِقاً / بِأَيِّ شهابٍ يَنْفُذُ كالسَّهْمِ
وما النصرُ إلاَّ جُنْدُهُ حيثُ ما مضى / على جَبَهَاتِ البَرِّ أَو صَفْحَةِ اليَمِّ
له مُقْرَباتٌ يقصُرُ الظَّنُّ دُونَها / إِلى مُنْشآتٍ تستطيلُ على الوَهْمِ
كِلاَ عَسْكَرِيْهِ كالسحائِبِ لم تَزَلْ / حواصِبُ في حَرْبٍ صَوَائِبَ في سَلْمِ
يقود إِلى أَعدائِهِ كُلَّ سابِحٍ / فمن عُرُبٍ دُهْمٍ ومن سُفُنٍ دُهْمِ
يسيرُ بأَمثالِ اللُّيوثِ ولم يكُنْ / بها قَرَمٌ إِلاَّ إِلى مَلِكٍ قَرْمِ
تَزَلْزَلُ أَقطارُ الديارِ لِصَوْتِها / فتسلُبُها حُسْنَ العمارةِ في الهَدْمِ
وتَهْتَمُّ في أَخْذِ الثغورِ فَيَغْتَدِي / مُمَنَّعُها مِثْلَ الثغورِ على الْهَتْمِ
وتَعْنُو له الأَملاكُ حتى كأَنَّها / صغارُ الدَّرارِي قابَلَتْ قَمَرَ التِّمِ
وما المُلْكُ إِلاَّ للَّذي قالَتِ الْعِدَى / هُوَ الغَيْثُ إِذْ يَهْمِي هو الليثُ إِذ يحمي
فكم من مريضِ القلبِ صحَّحَ عَزْمَهُ / ونفسِ مَرُوعٍ قد أَعادَ إِلى الجسمِ
ففازَ بنورِ الرَّبِّ يدعو إِلى الهُدَى / ويُحْيي لنا المَوْتَى ويُبْرِي من السُّقْمِ
وزادَ على الفِعْلِ المسيحيِّ بالذي / يُعَلِّمُهُ حَدُّ الحُسامِ من الْحَسْمِ
وقد كانَ دَهراً لا يخُصُّ مصاحِباً / أَتاهُ بما قد خَصَّهُ الربُّ من عِلْمِ
فيّا ملِكَ الدنيا وسائِسَ أَهْلِها / سياسَةَ مَنْ لَمْ يملِكِ المُلْكَ بِالرَّغْمِ
وهذا يفيدُ السيفَ في الحَرْبِ عَزْمَةً / ويحرِصُ في تبليغِهِ رُتْبَةَ الفَهْمِ
ولكنْ بآباءٍ يقر لِمُلْكِهِمْ / وتشهَدُ ساداتُ الملوكِ على عِلمِ
ويعني لهم في الشرقِ والغربِ هَيْبَةً / وقد أَمِنُوا جَوْرَ الظَّلامِ أَوِ الظُّلْمِ
وبدَّلْتَهُمْ أَمْناً من الخوفِ شاملاً / وعدلاً من العَدْوَا وغُنْماً مِنَ الغُرْمِ
وجمَّلْتَ تاجَ المُلْكِ منك بِعِزَّةٍ / يخِرُّ لها تاجُ الزمانِ على الرَّغْمِ
وأَرقصْتَ أَعطافَ السَّرِيرِ مَسَرَّةً / غداةَ هَفَا تحتَ السِّياسَةِ والحِلمِ
وقلّدتَ أَجيادَ القصورِ جواهراً / من الفضلِ والإِفضالِ مُحْكَمَةَ النَّظْمِ
فَمَنْ للدَّراري أَن تعودَ مباسِماً / تُشَرِّفُها من رَبِّ بَسْطِكَ باللَّثْمِ
ويسجدُ إِذ يبدو مُحَيَّاكَ يَقْظَةً / كما سَجَدَتْ قِدْماً ليوسُفَ في الحُلْمِ
فتُطْلِعُ منها كوكبَ السَّعْدِ في النَّدَى / وتُرْسِلُ منها في الوَغَى كَوْكَبَ الرَّجْمِ
وتستخدِمُ الأَقدارَ فيما ترومُه / فتجري إِلى ما قد رسَمْتَ على الرَّسْمِ
أَظُنُّ خُطوبَ الدَّهْرِ وَلَّتْكَ حُكْمَهَا / وآلَتْ يميناً لا خُروجَ عنِ الحكمِ
مُصَرِّفُها بالعَدْلِ تصريفِ ماهرٍ / بَصيرٍ بأَعقابِ الأُمورِ أَخِي فَهْمِ
إِذا أَشْرَقَتْ آراؤُهُ في مُلِمَّةٍ / تَبَسَّمَ بَعْدَ البِشْرِ في وَجْهِهَا الجَهْمِ
وتَكْشِفُها خَيْلٌ عِتاقٌ كَأَنَّها / وقد عَصَمَتْهَا الذَّابلاَتُ مِنَ العُصْمِ
عَدَتْ وَهْيَ أَدْرَى بالقتالِ مِنَ العِدَى / فَلَمْ تَتَّشِحْ بالحُزْمِ إِلاَّ على الحَزْمِ
وَدُهْمِ أَسَاطيلٍ تُحَاكِي مُتُونُها / أَراقِمَ مِمَّا قد نَفَثْنَ مِنَ السُّمِّ
إِذا صَبَّحَتْ ثَغْرًا غدا النَّصْرُ مُقْسِماً / بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ نَيْلِهِ أَوْفَرَ القِسْمِ
كذا فَلْيَكُنْ عَزْمُ المُلوكِ وَقَلَّمَا / تَرَى مَلِكاً يَأْتِي بِمَا لَكَ مِنْ عَزْمِ
مَدَحْتُكَ إيقانًا بأَنَّكَ مُلْبِسِي / مِنَ الفَخْرِ ما أَنْجُو بِهِ مِنْ يَدِ الذَّمِّ
فأَصْبَحَ صَرْفُ الدَّهْرِ في طَوْعِ خادِمِي / وقَدْ كانَ يُبْدِي لي مُخَالَفَةَ الخَصْمِ
دِيارَهُمُ قد أَطْمَسَتْكِ الطِّوامِسُ
دِيارَهُمُ قد أَطْمَسَتْكِ الطِّوامِسُ / فَرَسْمُكَ مَمْحُوٌّ وربعُكِ دارِسُ
لكِ اللُّه ما بالُ الظّباءِ نوافراً / بربعِكِ قَدْ أَضْحَتْ وهُنَّ كَوَانِسُ
وغصنُكِ ذَاوٍ والثَّرَى ولطالَما / أَتيناكِ قِدْماً وَهْوَ رَيَّانُ مائسُ
أَلبسَتْ دِيارَ المالِكِيَّةِ هَذِهِ / أَوِ الطَّرْفُ من دُونِ الثَّرى لَكِ حارسُ
لَجَأْتُ إِلى عُتْبَاكَ فاسْتَبْقِ مَنْ لَجَا
لَجَأْتُ إِلى عُتْبَاكَ فاسْتَبْقِ مَنْ لَجَا / ولا تَفْتَحَنْ بابًا إِلى العَتْبِ مُرْتَجا
فإِنَّكَ لو أَنصفَت في الوُدِّ صاحبًا / جَعَلْتَ له فيما تَوَهَّمْتَ مَخْرَجَا
أُعيذُكَ أَن يقتادَكَ الظَّنُّ طَوْعَهُ / قَيَثْنِيكَ عن سُبْلِ الوفاءِ مُعَرِّجا
فقد خاطَبَتْنِي مقلتَاكَ بباطلٍ / طويتَ عليه باطنًا مُتَأَجِّجَا
أَتُوبُ من الذنبِ الذي سُؤْتَنِي له / وإِن كنتُ منه لم أَزَلْ مُتَحَرِّجا
ولو كانَ ما خَيَّلْتَ ما كَانَ بدْعَةً / هُوَ الرَّبْعُ جادَتْهُ السّحابُ فأَبْهَجا
سواك يُمِيلُ المرءُ عنه فؤادَهُ / ويُسْلِكُهُ غَيْرَ المَوَدَّةِ منهجا
أَدَرْتَ على قَلْبِي هَوَاكَ سُلافَةً / فَحَيَّاهُ روضٌ من ثَنَاكَ تَأَرَّجا
وقُمْتَ بِهِ وإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ / حَفِيفًا على ظَهْرِ المُرُوءَةِ والحِجا
فما بالُ بحرِ الوُدِّ جاشَ تَغَيُّراً / وَعَهْدِي به يَشْجُو الأَعادِي إِذا سَجَا
وما رَاعَني إِلاَّ انبساطٌ طَوَيْتَه / مَلاَلاً كما تَطْوِي الأَنامِلُ مَدْرَجَا
ظمِئتُ وقد يَظْمَا البعيدُ مناهِلاً / وصادَفْتُ ذاكَ العَذْبَ منك تَمَرَّجا
ولاحَ هجيرُ الهَجْرِ مِنِّيَ بَهْجَةً / عَدِمْتُ لها ظِلاًّ ببابكَ سَجْسَجَا
أَتَثْنِي وِدادِي الحفيظَةُ مُرَّةٌ / لِظَنِّ دَجَا في وجهِ عُذْرٍ تَبَلَّجَا
غدا صائِغًا فيكُمْ حُلِيَّ قصائدٍ / فَطَوَّقَ أَجيادًا بِهِنَّ وَتَوَّجَا
أَقِلْ ذا ضُلوعٍ أَضْرَمَ الوجدُ نارَها / وإِنْ كانَ في بحر المُصافاةِ لَجَّجَا
فقد راحَ مسلوبَ العَزَاءِ كأَنَّه / ووُقِّيتَ مما يَضْرِبُ اللَّوْمَ أَهْوَجَا
دَعَتْهُ المثانِي وادَّعَتْهُ المَثَالِثُ
دَعَتْهُ المثانِي وادَّعَتْهُ المَثَالِثُ / فها هو للنَّدْمَانِ والكأْسِ ثالِثُ
وقارَفَ قَبْلَ الموتِ والبَعْثِ قَرْقَفاً / يعاجلُه منها مُميتٌ وباعِثُ
وكانَ الهوى أَبْقَى عليه صُبَابَةً / من اللُّبِّ وافاها من الكأْسِ وارثُ
فقال إِلي أُمِّ الخبائثِ إِنها / بها أَبداً تصفو النفوسُ الخَبائثُ
وأَحيي بِرُوحِ الرّاحِ جِسْمَ زُجَاجةٍ / على يدِهِ منها قديمٌ وحادثُ
وكم قالَ للصَّهْبَاءِ إِنِّيَ حالِفٌ / فقالَتْ له الصهباءُ إِنَّكَ حانِثُ
وما العيشُ إِلاَّ للذي هو ماكِثٌ / على غَيِّهِ أَو للذي هُوَ ناكثُ
فيا راحِلاً بَلِّغْ أَخِلاَّيَ باللِّوَى / وإِنْ رَجَعُوا أَنِّي على العهدِ لابثُ
هناكَ ولا نَعْمَانَ قُضْبٌ موائسٌ / وثَمَّ ولا يَبْرِينَ كُثْبٌ عَثَاعِثُ
لِمَنْ كِلَلٌ مُدَّتْ حَوامِ حوامِلٌ / قمادَتْ بها الدَّأْمَاءُ أَوْ فَالدَّمائِثُ
رَبيعَةُ فَتْكٍ لمْ تَلِدْنِي مُكَدَّمٌ / عُتَيْبَةُ حَرْبِ لم يَلِدْنِيَ حارِثُ
لِيَ النَّافِثاتُ السِّحْرَ في عُقَد النُّهي / فما هِيَ إِلاَّ العاقِداتُ النَّوَافِثُ
قَوَافِيَّ إِنْ جَدَّتْ بِهِنًّ مَزَلَّةٌ / فقد جُدِّدِتْ أَيضاً بِهِنَّ رَثَائثُ
فمنها أَحاديثُ عن الفاضِلِ اعتَلَتْ / ومنها عَلَى مَنْ شَكَّ فيه حوادثُ
حسامٌ يَفُلُّ الخَطْبَ والخطبُ مُعْضِلٌ / وطَوْدٌ يُقِلُّ العِبْءَ والعِبْءُ كارِثُ
يُرِمُّ له في القولِ لاغٍ ولاغِطٌ / ويَرْمِي لَهُ في الصَّوْلِ فارٍ وفارثُ
مضاءُ وإِمضاءٌ وتلك سَجِيَّةٌ / فلا العِطْفُ معطوفٌ ولا الرَّأْيُ رَائثُ
فديناهُ من سامٍ وحامٍ وقلَّ ذا / ولو أَننا سامٍ وحامٍ ويافِثُ
ثَبُوتٌ على طُرْقِ المكارِمِ وَطْؤُهُ / على أَنَّ طُرْقَ المكرُماتِ أَوَاعثُ
جَرَى ساكِنَ الأَنفاسِ والنِّكْسُ قاعدٌ / يَمُدُّ إِليه لَحْظَهُ وَهْوَ لاهِثُ
وكَفَّ اختيالُ الجَهْلِ والجهلُ رافِلٌ / على لاحِبِ الإِذعان قَسْراً ورافِثُ
منَ القومِ تَنْمِيهِمْ أَصولٌ ثوابتٌ / عليها فروعٌ باسِقاتٌ أَثائِثُ
يجالِدُ فيهِمْ أَو يجادِلُ مِنْهُمُ / فَتًى باحِثٌ عن حَتْفِهِ أَو مُبَاحِثُ
على الدَّهْرِ جاروا فالخطوبُ عوائِذٌ / ومنه أَجارُوا والخطوبُ عَوَائثُ
فما لَهُمُ إِنْ فاخَروا العَارُ عارِضٌ / ولا بِهِمُ إِنْ طاوَلُوا العابُ عابِثُ
عصائِبُ لم يَفْرَقْ لها الخَطْبَ لائِذٌ / مَفَارِقُ لم يَعْصِبْ بها الذَّمَّ لائثُ
إِماءُ القُدورِ الرَّاسياتِ لَدَيْهِمُ / بنارِ القِرى في كُلِّ يوم طَوَامِثُ
وَأَنْتَ وَرِثْتَ الأَكرمينَ عُلاهُمُ / وعالَتْ على قومٍ سِواكَ المَوَارثُ
وَلِي فيكَ ما اسْتَنْبَطْتُهُ بقَرَائِحِي / ورُبَّ نَبَاتٍ ضُمِّنَتْهُ نبائثُ
قوافِيَّ لَوْ أَنَّ البَعِيثَ أَتَى بها / لَجَرَّ جريراً للَبعيثِ البَوَاعِثُ
وكم جَمَل أَعْيَي المُزَارِعَ طِبُّهُ / يُبَلِّطُ بالرِّجْلَيْنِ ما هُوَ حارِثُ
قِفا فاسأَلا مِنِّي زفيراً وأَدْمُعا
قِفا فاسأَلا مِنِّي زفيراً وأَدْمُعا / أَكانا لهم إِلاَّ مَصِيفاً ومَرْبَعَا
ولا تطلبا إِن هُمْ دَنَوْا أَوْ هُمُ نَأَوْا / بأَخبارِهِمْ إِلاَّ جُفوناً وأَضْلُعا
هُمُ عَمَروا قَلْبِي وطَرْفِي وغادَرُوا / منازِلَهُمْ فيما تَظُنَّان بَلْقَعا
وما البينُ من شكوى المحبِّينَ في الهوى / ولكنْ دَعَا من ضلَّ في الحب فادَّعى
فيا عاشقاً أوْلَى به غَيْرُ عاشِقٍ / أَقَمْتَ وسارُوا كيف لمْ تَرْفَعَا معا
يقول أَناسٌ بَطْنُ لَعْلَعَ هاجَهُ / أَكُلُّ مكانٍ عندَهُمْ بَطْنُ لعلعا
نَعَمْ أَنا أَهْوَى بَعْدَهُمْ كُلَّ موضعٍ / فذكرِي لهُمْ لم يُخْلِ في الأَرضِ مَوْضِعا
رعَى الله من لم يَرْعَ لي حْرْمَةَ الهوى / فَيَتْرُكَني أَشْدُو رَعَى اللُّه مَنْ رَعَى
غزالٌ وَشَى عنه تَضَوُّعُ نَشْرِهِ / ومن ذا يصُدُّ المِسْكَ أَن يَتَضَوَّعا
ترعرعَ في بُرْدَيْهِ غُصْنُ أَراكَةٍ / ذَوَي الغُصْنُ مِنِّي والتوى مذ تَرَعْرَعَا
خَدَعْتُ النَّوَى عنه غَدَاةَ فراقِهِ / إِلى أَن أَمالَتْ منه لِيتاً وأَخْدَعا
وقضّيتُ بالتَّقبيلِ فَرْضَ وَدَاعِهِ / فقالَ الهوى لا بُدَّ أَنْ تَتَطَوَّعا
فكم شَعْشَعَتْ خَدَّاهُ لي من مُدامةٍ / أَدَرْت عليها البابِلِيَّ المُشَعْشَعَا
أَأَقْلَعَ عن عَيْنِي وعندِي صبابَةٌ / نهاها النُّهَي أَنْ تستقِلَّ فتُقْلِعا
وقد مَلَكَتْ مِنِّي الثلاثِينَ عن يدٍ / محاسِنَ بدرٍ تَمَّ عَشْراً وأَربعا
ولى في البديعِ الحُسْنِ كلُّ بديعةٍ / ولولا البديعُ الحسنِ ما كنتُ مُبْدِعا
كلانا له الإِحسانُ أَمَّا جَمالُه / فَمَرْأَى وأَمَّا الشعرُ فيه فمَسْمَعا
ولولا صفاتُ المالِكِ العُلَى / تَنَوَّعْتُ في أَوصافِهِ ما تَنَوَّعا
أَفاضَ أَبو الفَيَّاضِ فيَّ نوالَهُ / ووسَّعْتُ مولىً في نَدَاهُ فَوَسَّعا
دَعا خاطري بالمكرُماتِ وإِنما / دعا خاطري بالمكرمات فأَسمعا
وقابلَ منِّي بارعاً في مقالِةِ / بمَنْ لَمْ يَزَلْ في فِعْلِهِ مُتَبَرِّعا
ركِبتُ إِليه زاخِرَ الموجِ طامِياً / وعاصِفَةَ الهَبَّابِ نَكْبَاءَ زَعْزَعا
وظامِئَةً تحتَ الشراعِ وإِن أَبَى / لها ممتطيها أَن تفارِقَ مَشْرَعا
تشقِّق شَيْبَ الماءِ أَبيضَ ناصِعاً / بمثلِ الشَّبابِ الغَضِّ أَسْوَدَ أَسْفَعا
وصُغْتُ له تاجَ المديحِ ولم أَكُنْ / لأَترُكَه حتى يكونَ مُرَصَّعا
فإِنْ قُلْتُ زرنا أَكرمَ النَاسِ راعنا / بفتكته حتى نقولَ وأَشْجَعا
سَمَاحٌ يُرَوِّي الإِلْفَ لا مُتَهَجِّماً / وباْسٌ يُردُّ الأَلْفَ لا مُتَدرِّعا
تَصَدَّى لصَخْرِ المَنْجَنِيقِ بعزمةٍ / زجاجِيَّةٍ لا غَرْوَ أَنْ تَتَصَدَّعا
وجَمَّع مَنْ فرَّقْت بالسَّعْدِ جَمْعَهُ / وما جَمَّع المغرورُ إِلا ليُجْمَعا
فلم يُبْقِ في عينَيْهِ نحوَكَ مَطْمَحاً / ولم تُبْقِ في جَنْبَيْهِ عندَكَ مَطْمَعَا
رأَى لك عزماً محتويا نَعَى له / أَباهُ فَوَلَّى مُدْبِراً عندما نَعَى
ونَهْضَةَ مَنْ راعَ الأَعادِيَ ناشِئاً / بفتكاته مِنْ قبلِ أَن يَتَرَعْرَعَا
مُصِيبٍ سِهامَ الظَّنِّ في كُلِّ مَنْزِعٍ / إِصابَةَ مَنْ لم يُبْقِ في القَوْسِ مَنْزِعا
فكم وَقَفَ العافِي فقالَ له هَلاَ / وكم عَثَرَ الجانِي فقالَ له لَعَا
سَجِيَّةُ ميمونِ النَّقيبةِ ماجدٍ / أَعادَ وأَبْدَى في المعالِي فأَبْدَعا
خَدَمْتُ بأَشعارِي محاسِنَ مَجْدِهِ / وأَخْدَمَنِي الدَّهْرَ الأَبِيَّ المُمَنَّعا
وأَصْفَى مياهَ الفِكْرِ مِنِّي فصفَّقَتْ / وأَرْوَى نباتَ الشُّكْرِ منِّي فأَمْرَعا
وقابَلَني بالأَهْلِ والمالِ عِنْدَما / تركتُ إِليهِ الأَهْلَ والمالَ أَجمعا
وخصَّص مني بالصّنيعةِ أَهْلَها / على شيمةٍ لم يأْتِها مُتَصَنِّعا
وما زلتُ زَوَّارَ الملوكِ الملوكِ مُبَجَّلاً / لديها عزيزاً عندها مُتَرَفِّعا
يَمُجُّ لها شُهْدَ المدائِحِ مَنْطِقِي / وتَنْفُثُ في أَعدائِها السُّمَّ مُنْقَعا
بكُلِّ بديعِ الطُّرَّتَيْنِ مُرَصَّعاً / بدُرِّ الكلامِ المُنْتَقَى ومُصَرَّعا
تشابَهَ أُولاهُ وأُخْراهُ بهجةً / فَوَشَّحَ في اللَّفظِ الرّقيقِ ووَشَّعا
فإِن راقَ أَسماعَ المصيخِينَ مطلعاً / فقد راقَ أسماعَ المُصِيخِينَ مَقْطَعَا
كما فاح عَرْفُ الوردِ في الزَّهْرِ قادماً / وفي الماءِ من بَعْدِ القُدومِ مُوَدِّعا
غِناءُ حَمَامٍ في معاطِفِ بانِ
غِناءُ حَمَامٍ في معاطِفِ بانِ / إِلى مَذْهَبِ الحُبِّ القديمِ ثَنَانِي
تَغنَّى فأَعطافُ الغصونِ رَوَاقِصٌ / وأَحداقُ أَزهارِ الرِّياضِ رواني
فَذَكَّرَنِي شَرْخَ الشَّبابِ فمَدْمعِي / سَفوحٌ وقَلْبِي دائِمُ الخَفَقَانِ
ولمَّا دعَا داعِي النَّوى حَمِّلُوا غَدًا / رفعتُ بصَوْتِي لاتَ حينَ أَوانِ
وقلتُ لحادِيهِمْ ودَمْعِي كَاَنَّهُ / على صَفْحَتَيْ خَدِّي نَثيرُ جُمَانِ
أَمِلْ أَيُّها الحادِي عِنانَ مَطِيِّهمْ / فقد مَيَّلوا نحوَ الغرامِ عِناني
وقُلْ قد سقاهُ البَيْنُ كَأْساً مَريرةً / فَقَدْ والذي يُدْنِي المَزَارَ سَقَانِي
وسَلْ ظَبْيةَ الخِدْرِ المُمَنَّعِ عَلَّها / تَطَلَّعُ من أَحْدَاجِها فَتَرانِي
فوا حزَنا حتَّى متى أَنا ذاكِرٌ / لِفَرْطِ غَرَامِي مَنْ نَأَى وَجَفَاني
أَلا ليت شِعري هل شجا من أُحِبُّهُ / من البينِ ما قد شَفَّنِي وشجاني
وهل ذاكِرِي من لا تزالُ لذكرِهِ / عَلوقٌ بقلبي دائماً ولِساني
ومن عجَب أَنْ عِشْتُ بَعْدَ فِراقِهِ / وما كنتُ جَلْدَ القَلْبِ لِلْحَدَثانِ
يُمَثِّلُهُ فَرْطُ الغرامِ لناظِرِي / وإِنْ نَزَحَتْ دارٌ بكُلِّ مكانِ
قِفِي يا أُمَيْمَ اليومَ أَشْكُو لكِ الذي / بُلِيتُ به من دونِ أَهْلِ زماني
تَحَمَّلَتِ الأَيامُ فَيَّ فآهُ مِنْ / تَسَهُّدِ طَرْفي واخْتِفَاقِ جَنَاني
فما وَجْدُُ ذِي أَسْرٍ بأَرْضٍ قَصِيَّةٍ / يُبَدَّلُها من أَرْبُعِ ومَغَانِ
تُصَعِّدُ أَنْفاساً حِراراً وتنثَنِي / فتُرْسِلُ دَمْعاً دائِمَ الهَمَلانِ
ولا حائماتٍ طالَ بالماءِ عَهْدُها / إِلى خَصِرٍ عَذْبِ البَرُودِ رَوَاني
أَقامَتْ عليه ليلةً بَعْدَ ليلةٍ / مُحَلاَّةً والطَّيْرُ منه دَوَاني
بأَعْظَمَ مني فَرْطَ وَجْدٍ وعِلَّةٍ / لَمَا شَفَّنِي من طارِقِ الحَدَثانِ
لَبَدَّلَ خَوْفِي الحافِظُ بْنُ مُحَمَّدٍ / بِرَغْمِ الأَعادِي مُسْرِعاً بِأَمانِ
تغطيْتُ عن دَهْرِي بِظِلِّ جَنَاحِهِ / فَعَيْنِي تَرَى دَهْرِي ولَيْسَ يرَاني
إِمامٌ براهُ اللُّه من طِينَةِ العُلاَ / فَنَافَسَنِي في مَدْحِهِ الثَّقَلانِ
له قَلَمٌ أَمْضَى من السَّيْفِ مَضْرِبًا / به لَمْ يَعِشْ في العِزِّ غَيْرَ مُهانِ
هوَ الرُّمْحُ إِلا أَنَّه مُتَقَسَّمٌ / ليومِ نَدًى يُرْجى ويَوْمِ طِعانِ
فسَلْ عَنْهُ أَنَّى شِئْتَ شرْقًا ومَغْرِبًا / فلا رَجُلانِ الآنَ يَخْتلِفانِ
أَبُثُكَ أَني في يَدِ الحب مُوثَقٌ
أَبُثُكَ أَني في يَدِ الحب مُوثَقٌ / فهل مُنْقِذٌ من ضاربٍ أَو مُطاعِنِ
وقد أَظهَرَتْ سِرِّي محاسِنُ أَغْيَدٍ / يديرُ على لحظِ الشَّجَى لَحْظَ كاهِنِ
وما جالَ جيشُ الحُبِّ إِلا استباحَنِي / فؤادي ولو أَصْبَحْتُ من آل مازِنِ
ومن أَعجَبِ الأَشياءِ أَحورُ فاتنٌ / ثناهُ الهوى مُغْرًى بأَحْوَرَ فاتِنِ
غَريرٌ إذا يَهْوَى غريرًا وشادِنٌ / من الإِنس مَتْبولُ الفؤادِ بشادنِ
أُدِيرَ عليه للهوى ما أَدارَهُ / وقِيدَ كما ينقاد طَوْعَ المُحاسِنِ
ولو كانَ للعُشَّاقِ في الحُبِّ مُنْصِفٌ / لَما مَلَكَتْهُ فيه راحَةُ غابِنِ
وأَبغضت فيكِ النَّخْلَ والنَّخلُ يانعٌ
وأَبغضت فيكِ النَّخْلَ والنَّخلُ يانعٌ / ويُعْجِبُنِي من أَجلِكِ السِّدْرُ والضَّالُ
أُحِبّ لِجَرَّاكِ السماوَةَ والغَضَا / ولو أَنَّ صِنْفَيْهِ وُشاةٌ وعُذَّالُ
أَقول رياضٌ إِذْ تُرَصِّعُها زَهْرا
أَقول رياضٌ إِذْ تُرَصِّعُها زَهْرا / أَقول سَمَاءٌ إِذ تُلْمِّعُها زُهْرا
أَقولُ سيوفٌ إِذ تُجَرِّدُها بُتْرَا / أَقولُ شُفوفٌ إِذ تُرَدِّدُها بُتْرَا
معانٍ بإِمعانٍ هيَ النَّدُّ والنَّدَى / حريقٌ رحيقٌ سائِلِ الجَمْرَ والخَمْرَا
تَعَلَّقَ حظِّي بالحضيضِ فخَلِّه / وإِخلادَهُ يا مُلْحِقَ الشعرِ بالشِّعْرَى
وعندِيَ فكرٌ قَدِّم الكافَ تُلْفِهِ / بِهِ فَهْوَ فِكْرٌ ما عَدِمْتُ به كُفْرا
تَغيَّرَ مثلَ الدَّهْرِ فاسْمَع حكايَةً / أَتيتُ بها نَظْماً وإِن عُرفَتْ نثرا
أَقولُ له زَيْدٌ فيَسْمَعُ خالِداً / ويكتُبُه بكراً ويقْرَأَهُ غَمْرا
وأَما الطُّيوُر المُرْسَلاَتُ فإِنَّها / طوائِرُ مِدْحاتٍ أَبَتْ تَأْلَفُ الوَكْرا
نَصَبْتُ لها لو سَاعَدَتْ شَرَكَ النُّهى / وأَوسَعْتُها من حَبِّ شُغْلِي بها بِذْرَا
وقلتُ عَسَى البَبْغَاءُ يأْتي بِبُغْيَةٍ / أَو النَّسْرُ يُولِي مثلَ تَصْحِيفهِ بُسْرا
فَما كان إلا بلبلٌ لبلابِلِي / أَتَى أَوْ حُبَارَى كنتُ من قَبْلِها الحَبْرَا
فَلا خَيْرَ لليَعْقُوبِ منَّا فإِنَّهُ / عِقابٌ ولا الكُرْكِيِّ من حيثُ ماكَرَّا
وَلا رُزِقَتْ مِنِّي خلاصاً وكيفَ لا / غَلِطْتُ فسامِحْنِي أَلم تُولِها الحَصْرا
وكنتُ سُلَيْماناً لفَهْمِ لُغاتِها / ومذ سَلَبُوني خاتَمِي سَلَبُوا الأَمْرا
فَدَعْ ذا وَعدِّ الأَمرَ عنه ونُصَّ لِي / أَحادِيثَ أُخْرَى لا بَرِحْتَ لنا ذُخرا
فماذا ترى في ناكحٍ بِنْتَ غيرِهِ / بلا غَيْرَةٍ منهُ ولم يَدْفَعِ المَهْرا
وكنتُ أَرَى يوماً ويَوْمَيْنِ مُدَّةً / وقد زاد حتى كادَ أَنْ يَبْلُغَ الشَّهْرا
فإِنْ قُلْتَ لِي لا بُدَّ منهُ فعاجِلٌ / وإِلا فمَنْ هذا الذي يَضْمَنُ العُمْرا
وقد مَرّ لي في ذا النهارِ عجيبَةٌ / لو اعتْمَدَتْ كِسْرَى لما أَمِنَ الكَسْرَا
شَكَتْ لِيَ نَفِسي العُسْرَ ثم تأَلَّمَتْ / فقلتُ لبعضِ الأَصدقاءِ ادْفَعِ العُسْرا
وجئني بها عَشْراً ثقالاً فقالَ ها / وقَبَّل من كَفِّي لأَقْبَلَها العَشْرَا
فيا حُسْنَها صُفْراً ويا قُبْحَ مَوْضِع / عَدَا بَعْدَها منها ولم أَعْتَرِفْ صِفْرا
وكنتُ كَمَنْ عَيْنَاهُ تَرْقُبُ فَجْرَهُ / فلما تَبَدَّى الفَجْرُ أَوْسَعَنَا الفَجْرا
بثَثْتُكَ سِرِّي والحديثُ كما حَكَوْا / شُجونٌ فيا صَدْرَ الكمالِ احْفَظِ السِّرَّا
وصُحبةِ قومٍ لو يُقاس أجلُّهُمْ
وصُحبةِ قومٍ لو يُقاس أجلُّهُمْ / الى الكَلْبِ كان الكلبُ أعلى وأرأسا
شكا الدهرُ منهم علةً جوفَ بطنِه / فصيّرها في طيّ أعراضِهم فُسا
عصَتْ وعسَتْ أعوادُهم حين ساقَنا / إليهم وكم قالوا لنا إذْ عسا عسى
صدَرْنا وقد نادى السّماحُ بنا رِدُوا
صدَرْنا وقد نادى السّماحُ بنا رِدُوا / فعُدْنا الى مغناكَ والعَوْدُ أحمَدُ
وجاذَبَنا للأهلِ شوقٌ يُقيمُنا / وشوقٌ لمُغْنينا عن الأهلِ يُقعِدُ
وما فاحَ فينا غيرُ ذكراكَ روضةٌ / ولا ساحَ فينا غيرُ نُغماكَ مورِدُ
وكم خدعَتْنا من ملوك يسُرُّها / لو انّكَ ترضى أنها لك أعبُدُ
حمدنا وأثنينا وملء صدورِنا / سوى ما به يُثْنى عليهم ويُحمَدُ
وقد علمَتْ تلك القصائدُ أننا / بما نبتني فيها لعَلياكَ نقصِدُ
ولما عَسا غصنُ الزمانِ عطَفْتَهُ / بكفّيْكَ فهْو الناضرُ المتأوّدُ
محَوْتَ ذُنوبَ الأمسِ من هَفواتِه / بما قام في إثباتِه اليومُ والغدُ
وقد تُنشَرُ الأرزاقُ من حيث تنطوي / وتنصلِحُ الأحوالُ من حيث تفسُدُ
ليَهْنِ يدَ الخَطْبِ التي طرّقَتْ لنا / إليك سبيلاً أنها عندنا يَدُ
وأنّ نجوماً سيْرتْنا بطالعٍ / إليك منيراتُ المطالع أسْعدُ
سقى الله عهداً منك مرتفِعَ الذُرى / إذِ العهدُ ممّنْ لا نسمّيه معهَدُ
وإذ بيتُك المشهودُ في كل ساعةٍ / لكثرة زوّارِ النّدى فيه مشهَدُ
ولما ضرَبْنا للأماني ونيلها / أوَناً شرَطْنا فيه أنك موعِدُ
فمنّا ثناءٌ قد أتاكَ مكرّرٌ / ومنك عطاءٌ قد أتانا مردَّدُ
فيا أيها البحرُ الذي من هِباتِه / أُعدِّدُ فيما أنتَقي وأعَدّدُ
أجِرْني من البحر الذي أنا صارمٌ / أجرِّدُ من مالي به حيثُ أغمَدُ
طوانى بسُحْبِ الموجِ تحت سمائه / على أنني يا أيها الشمسُ فرقدُ
وحاول إطفائي وإني لَجمرةٌ / تكادُ تُباري ماؤه تتوقّدُ
وما زلت أعطي البرق والرّعد مثله / فأُبرق غيظاً بالزفير وأرعدُ
الى أن أذابَتْني حرارةُ قرّةٍ / بأيسرَ منها ذائبُ النارِ يجمُدُ
وصرتُ كحِرباءِ الظهيرةِ كلّما / تراءَتْ لعيني غرّةُ الشمس أسجُدُ
وقُيّدْتُ في أرضٍ كأن رسومَها / يمشّي عليها الدهرُ وهْو مقيّدُ
أقمتُ بها في الضيقِ ستّةَ أشهر / وذاك أقلّ الحمْل واليومَ مولِدُ
فيا ياسراً نلنا به الفضل ياسراً / لنا ووجدنا منه ما ليس يوجَدُ
دعوتَ بصوت الجودِ حيَّ على النّدى / لأنك تروي عن بلالٍ وتُسنِدُ
سيُنشئني ضرْعٌ لفضلك حافلٌ / ويكنفُني منه المكانُ الممهّدُ
ويمطِرُني نُعمى لساني ومَعطِفي / بها نبتُه لدنُ المهزّةِ أغيَدُ
وإن كانتِ الحسّادُ فيك كثيرةً / فلا قلّ عندي ما به فيك أحسَدُ
لقد طوّقَتْني في رياضِكَ أنعُمٌ / هتفْتُ بها مثلَ الحمام أغرِّدُ
وأسكرَني بالمَطْلِ غيرُك مدةً / وما يُعرفُ السكرانُ حتى يعربدُ
وإني وعندي نشوةٌ منك بالغِنى / لأرفَعُ صوتي بالغناءِ وأُنشِدُ
وأتلو حروفَ الحمدِ لله كلَّها / وأُسْقِطُ حرفاً قبل إياكَ نعبُدُ
وأنت امرؤٌ ما زالَ عن دارِ مُلكِه / وسيرتُه عندي تَغورُ وتُنجِدُ
مَهيبٌ إذا ابيضّتْ أساريرُ وجههِ / رأيتَ وجوهَ الخَطْبِ كيف تسوَّدُ
مصمّمُ جيشٍ والصّوارمُ تنثَني / ورابِطُ جأشٍ والفرائصُ تُرعَدُ
وبادِهُ صارفِ الدهر بالعَزمةِ التي / خواطرُه عن حلِّها تتبلّدُ
وباعثُها خضراءَ كالبحرِ موجُها / دِلاصٌ وعسّالٌ وعضبٌ وأجرَدُ
يروعُ بها شوسَ الأسنّةِ أروعٌ / ويصطادُ عِقبان الأعنّة أصيَدُ
وناثرُ هاماتِ الكُماةِ بصارمٍ / على صفحِه دُرُّ الفِرنْدِ المنضّدِ
وناظمُها في مَتْنِ لدن كأنّه / بها شطَنٌ فوقَ الذِّراعِ معقّدُ
مصوِّرُ وجهٍ في قَذالِ عدوّه / له ناظرٌ من سائِلِ النّدمِ أرمَدُ
وفاتحُ ثغرٍ منه في غير وجهِه / ولكنّ ذاك الثغرَ أهتَمُ أدرَدُ
ومُعلي دُعاة الدين في رأسِ هضبةٍ / يُجيبُهمُ أدنى عليها وأبعَدُ
وما المُلْكُ إلا ما تناولَهُ أبو الس / عودِ بيُمنى ياسرٍ ومحمّدُ
أميرانِ كلٌّ منهما ينهض اسمُهُ / بأضعافِ ما في مُلكِه يتقلّدُ
وبدرانِ كلٌّ منهما في كماله / وإنْ ظهَرا في الدعوة اثنَيْنِ أوحَدُ
سليلا كريمٍ لو حوى الغيثَ كفُّه / لسالَ لُجَينٌ منه وانهلّ عسْجَدُ
وما مات مَنْ أخبارُه مستفيضةٌ / تسطَّرُ عن أبنائه وتُخلّدُ
ألا إنما كسْبُ المكارمِ عادةٌ / وكلُّ امرئٍ يجري على ما يُعوّدُ
وكل حديثٍ كان أو هو كائنٌ / شمائلُه تُنبيكَ عنه وتشهدُ
وقد تنطِقُ الأفعالُ والفمُ صامتٌ / ويأتيك بالأخبارِ من لا تُزوّدُ
وأصدَقُ مدحٍ ما تردِّدُه العِدى / وتشهدُ فيه أنه ليس يُجْحَدُ
وما الشعْرُ إلا سلكُ منتِثرِ العُلا / ينظَّمُ فيه دُرُّها المُتبدّدُ
ولو لم يكن قيدَ المآثِر أوشكَتْ / تُنفَّرُ عن أسماعِنا وتُشرَّدُ
ولولا ضياءُ اللبّ ما كان والجاً / مضايقَ منها مستنيرُ وأربَدُ
فولّدَ منه الجاهليّ بذهنِه / معانيَ عُقْماً فيها الموَلَّدُ
أبا بكْرٌ العبدِيّ عاداكَ ذو الفَتْكِ
أبا بكْرٌ العبدِيّ عاداكَ ذو الفَتْكِ / فحِفظاً لأستارِ القريضِ من الهَتْكِ
أطافَ بك الذّئْبُ المُخالسُ فاحتَرِسْ / سُروبَ النُهى من أخذِ مُستوجَبِ التّرْكِ
وما أكتَمَ البرّاض عنكَ وفِعلَهُ / وعندكَ أخبارُ اللطيمَةِ والمسْكِ
فإنْ تُغمدِ البيضَ الصّفائحَ دونَه / فقد جرّد السودُ الصحائفَ للسّفْكِ
وكم بيتِ شعرٍ كان عنقاءَ مُغربٍ / فصارَ عصى الأعْمى لمعقولِه البعكي
تُبكّي له الأقلامُ نقلاً مصحّفاً / تموتُ معانيه عليه من الضحكِ
فكُنْ صاحبيّ الحُكم في سرِقاتِه / فما الخبرُ المَحكيّ في ذاك بالمَحْكِ
ولا عجباً من أول الصّكّ غُرّةٌ / بها لمَعاتٌ أذكَرَتْ آخِرَ الصّكّ
فناهيكَ من سَهْلِ الطبيعةِ والقَفا / على حالتَيْهِ جامِدِ الطّبْعِ والفَكّ
ثَنى ذِكْرَه كالخالديَّين خالداً / قريضٌ سَرى كالسِّرِّ في ظُلمةِ الشّكّ
فلا تغتَرِرْ منه بدُرٍّ نظَمْتُهُ / فما ليَدَيْهِ منه شيءٌ سوى السِّلْكِ
قوافٍ كأمثالِ الرّياحينِ لم تزَلْ / تيسّرُ أسبابَ الخلاعةِ والنُسْكِ
لها صدرُ نهرٍ شقّ جيبَ أزاهرٍ / وغرّة أفْقٍ قلّصَتْ طُرَرَ الحُبْكِ
أوشّحُ منها عِطْفَ كلِّ متوّج / بما رقّ من نَسجٍ وما راقَ من حَبْكِ
وكانت عليها بهجةٌ يوسُفيّةٌ / تقطّعُ أكبادَ العِدا عِوَضَ المَتْكِ
فشنّ عليها غارةً أصبحَتْ لها / مهنّدةُ الأقلامِ تُشحَذُ للبَتْكِ
وحرّفَ فيها ما ادّعاهُ فساقَني / بجُرح على جُرْح لغاية ما يُنْكي
فوا أسَفي للبيضِ تَدْمى وجوهُها / بأسيافِ ألفاظٍ مسوّدةٍ حُلْك
أقامَتْ قلوبُ الشِّعْرِ تخفُقُ دونَها / وهذي قوافيه على ضحكِ تَبكي
قدَحْتُ لها بالفِكر نارَ قريحَتي / وكنتُ كما قد كُنتُ أبدعُ في السّبْكِ
وكم رامَني والرّحْبُ بيني وبينَه / فقلتُ له لا زِلتَ في المنزلِ الضّنْكِ
دعي لعُقاب الجوّ شأوَ مطارِها / ولا تُستغَرّي يا نعامَةُ بالرّبْكِ
أقامَ بمصْرٍ ما أقامَ وأقبَلتْ / إليكُم به أيدي الطّماعةِ في المِلْكِ
تولّى وما أدري على الفلَكِ اسْتوى / مسخّرةً تَجري به أمْ على الفُلْكِ
وعهدي به رطْبَ العِجانِ فهل نجا / سليماً على ما في السّنام من الدّعْكِ
فإنْ قال إنّ الشوقَ طارَ بقلبِه / فكيفَ ولم ينْحَلّ من شرَكِ الشِّرْكِ
وما عنده إلا ادّعاءٌ تبهرجَتْ / سبائكُهُ من غيرِ نقدٍ ولا حكِّ
فسلْهُ عن الشِّعْرِ الذي هو علمُه / كما قال لا تأخُذ عليّ بما أحكي
تجدْ من بناتِ الشعرِ كلَّ عقيلةٍ / سَباها فيا ويحَ الأعاريبِ في التُرْكِ
أتاكُم بها بعدَ البَكارةِ ثيّباً / فلا يأمَنوها في النّشورِ وفي الفرْكِ
وألبَسَها شرَّ الملابسِ مُنشِداً / بفكٍّ عن التحريفِ ليسَ بمنفكِّ
يقول أولو الأفهام عند استماعه / رمتْكَ يدُ البوّابِ تأفَكُ بالفَكّ
وكنا نظنّ الكعْكَ حرفةَ ساقطٍ / ولم نعتقِدَ أن الرّئاسةَ في الكعْكِ
فيا ملِكَ الآدابِ قارِعْهُ دونَها / بصوتِكَ إن شئتَ الدّوامَ على المُلْكِ
ولا تعتقِدْ أنّ التجارة عندَهُ / سوى ذاكَ لا في بقّمٍ راح أو لُكِّ
لهنّ ربوعٌ بالعقيقِ دواثرُ
لهنّ ربوعٌ بالعقيقِ دواثرُ / خلتْ وقلوبُ العاشقين عوامرُ
منازلُ لا عهدُ الشبابِ يعودُ لي / بهنّ ولا بعدَ الفراقِ الجاذرُ
لقد فقدَتْ عيني المنامَ لفقدِهم / فهل أنا يوماً للأحبّة ناظرُ
أبيتُ أراعي النجم حتى كأنني / رقيبٌ عليه أو جليسٌ مسامرُ
وفي الكِلّةِ الورديّةِ اللونِ ساحرٌ / وما آفةُ العشّاقِ إلا السواحرُ
نَفورٌ يصيدُ القلبَ وقت نفارِه / فوا عجبا من صائدٍ وهْو نافرُ
له منظرٌ لم تبلُغِ العينُ وصفَه / جمالاً غدَتْ وَقْفاً عليه المناظرُ
لقد كسّرَتْ أُسْدَ العرين لحاظُه / كذا كل مكسور اللواحظِ كاسرُ
جفا وحَمى عينيّ طيفَ خيالِه / وقد كان طيفٌ في الكرى منه زائر
لقد طال ليلي بعد فُرقتِه أما / لليل فراقِ الحَبِّ يا قومُ آخرُ
الى ضمّرٍ راحت بنا أريحيّةٌ / يُبيدُ الفيافي سيرُها المُتواتِرُ
شققتُ بها ثوبَ الظلامِ مخاطراً / ولن يبلُغَ الحاجات إلا المخاطرُ
وأصبحتُ أحدوها على عجلٍ الى / أجلِّ امرئٍ تُحدى إليه الضوامِرُ
الى الحافظ الحبر الإمام الذي غدا / يُراوحُنا إنعامه ويُباكر
الى ذي سماحٍ لو يعدَّدُ فضله / الى أن يكون الرّمْلُ ممّن يكاثِرُ
تقيٌّ نقيٌّ طاهرُ الذيل أروعٌ / على وجهه نورُ الديانة ظاهرُ
الى السوءِ والفحشاءِ غيرُ مبادرٍ / ولكن الى نيلِ الثوابِ مُبادرُ
أوائلُ هذا البيت تُعرَفُ بالتقى / وبالدين من دون الورى والأواخرُ
يجودُ ويبدي للعُفاةِ تبسُّماً / كذا البرقُ يأتي والسحابُ المواطرُ
هو البحر يعطي للذي يستميحُه / جواهرَ تأتي إثرهنّ جواهرُ
هو الصبحُ إلا أن ذاك تُزيلُه الد / ياجي وهذا في دُجى الليل زاهرُ
هو السيف لكن فيه من كل وجهةٍ / لأهل الردى حدّ مدى الدهر باترُ
لقد أصبحتْ آراؤه وكأنها / نجومٌ لدى الخطبِ البهيم زواهرُ
لقد عُذْتُ من هذا الزمان وشرّه / بمن هو ناهٍ فيه نهياً وآمرُ
بأروعَ أما مجدُه فهو عنده / مقيمٌ وأما مالُه فمسافرُ
مبيدَ العِدى بحرَ النّدى علَمَ الهدى / أكفُّك تهمي أم هوامَ هوامِرُ
أتى العامُ كي نحظى بقُربك ضاحكاً / وطائرُهُ الميمونُ بالسعدِ طائرُ
فعِشْ مثلَه ألفاً عزيزاً مكرماً / وأعداؤكَ السّودُ الوجوهِ صواغرُ
ألمّ به طيفُ الخيال مسلِّما
ألمّ به طيفُ الخيال مسلِّما / فأذكَرَهُ من لوعةٍ ما تقدّما
ألمّ به والصبحُ قد لاحَ جيشُه / وهمّتْ جيوشُ الليلأن تتصرّما
فأرّقه بعدَ المنامِ مزارُه / وطيرٌ بأعلى غُصنِ بانٍ ترنّما
رعى الله ركب المستقلّين سحرة / بعيسِهمُ قصداً الى أبرَقِ الحِمى
فما باتَ للأحباب ضامنُ لوعةٍ / لفقدهمُ إلا امرؤٌ بات مُغرَما
وفي الكِلّةِ الحمراءِ ظبيُ صريعةٍ / سقاني غداةَ البينِ بالبينِ علقَما
ضمنت فلم أذكر هواه وأنطق ال / جوى دمع عيني بالهوى فتكلما
وداويّةٍ داومتها بعرامِسٍ / إذا سِرْنَ يُنسِينَ الجديلَ وشَدْقَما
تذرّعْتُ في الليلِ الظلامَ وفي الضُحى / غباراً أثارَتْهُ المناسِمُ أقْتَما
وقلتُ لغيثٍ طبّقَ الأرضُ ماؤهُ / فأزّر بالنورِ الرّوابي وعمّما
يد الصّالحِ المنظورِ أعظمُ نائلاً / وأجزلُ إعطاءً وأوفرُ مَغنَما
مليكٌ أضاءَ الليلَ من نورِ وجهِه / وأفعالِه الحسنى وقد كان مُظلِما
سجيّتُه بذلُ النّوالِ فلن ترى / بأرضٍ ثوى فيها من الناس مُعْدِما
يُريك إذا سالَمْتَه البدرَ طالعاً / تماماً وإن حاربْتَه الليثَ مُقْدِما
أجِدّكَ ما تنفكّ تعطى لسائر ال / مُعادين بُوسى والموالين أنعُما
فكم معركٍ فيه تبدّيت سافراً / فغادرتَ بالسّيفِ العدوّ ملثّما
ردَدْتَ الضُحى ليلاً من النُقْعِ مظلماً / وأطلعْتَ فيه بالأسنّة أنجُما
وظلْتَ لنظم الهام فيه منثِّراً / وبتَّ لنثرِ الطّعنِ فيه منظّما
سلبْتَ العِدى أثوابَها ونُفوسَها / وألبسْتَها ثوباً صفيقاً من الدِّما
علوْتَ محلاً أصبح النجمُ دونَه / وأدنيتَ ما تحوي يداك تكرّما
كذلك نورُ الشمسِ من كل موضعٍ / من الأرض يدنو وهْي في كبدِ السّما
بعزمِك طار العدل شرقاً ومغرباً / وأنجدَ في أعلى البلاد وأتهَما
فتحتَ اللّها لما تبرعت باللُهى / فأعربَ بالشكرِ الذي كان أعجما
وشيّدْتَ بالإسكندرية بِنيةً / بها أصبحَ الثغرُ المباركُ مُعلَما
حبوْتَ بها فخرَ الأئمّة فاغتدى / بجمعِهما شملُ المعالي مُلأما
بتدريسه فيها الدروسَ أساسُ ما / يقيمونه الكفارُ أضحى مهدّما
به وبها لم يترُكِ الله كافراً / الى أن غدا فضلاً من الله مُسلِما
ألا أيُّهذا الحافظُ العلَمُ الذي / سما سابقاً نحو العلى فتقدّما
هل البدرُ إلا أنت ليلةَ تِمّه / هلِ البحرُ إلا أنت ساعةَ أن طَما
بك استبشرَ الشهرُ الأصمّ تشوقاً / للُقياكَ حتى كاد أن يتكلّما
سأحمِلُ من فكري إليك قصائداً / تُريكَ من الألفاظِ درّاً منظّما
تزيدُ على مرِّ الجديدَن جدّةً / وتنشرُ وشْياً للعيون مُنَمْنَما
فلا زِلتَ في عزِّ عليٍّ ورفعةٍ / فما العيشُ إلا أن تعيشَ وتسلَما
دعِ العذلَ إني أكره العذلَ والغَدْرا
دعِ العذلَ إني أكره العذلَ والغَدْرا / وإن خان من أهوى أقمتُ له العُذرا
ولم أرضَ أيضاً ما حييتُ جنايةً / فمثلي لا يرضى الجناية والغدرا
بَراني هوى ظبيٍ غريرٍ مهفهفٍ / كبدرِ الدُجى بل وجهُه يُخجِل البدرا
نذرتُ إذا ما زار في النوم مضجعي / خيالٌ له صوماً ولا أخلِفُ النّذرا
تأمّلْ ترى في طرفِه السّحرَ كامناً / وذُقْ ريقَه تلق المعتّقة الخمرا
إذا جاد لي يوماً بخمرةِ ثغرِه / على ظمأٍ أحسَسْتُ في كبدي جمرا
ذلِلْتُ به من بعدِ عزٍّ ومنعة / وأوسعتُه وصلاً فأوسعني هَجرا
إذا جئتُه أستنجزُ الوعدَ في الهوى / يرفّعُ عِرنيناً ويُسمعُني هُجرا
بوجنته روضٌ أنقٌ مدبّجٌ / يفتّحُ في عين الذي ينظرُ الزّهرا
بدا لي وكأس الخمرِ في يده بدت / فأبصرتُ بدراً يحملُ الأنجُم الزّهرا
وقد كنتُ في ليلٍ من الصدّ مظلمٍ / فلما بدا أبصرتُ في وجهه الفجرا
حوى الحسنَ والظّرفَ البديعَ كما حوى ال / إمامُ الفقيهُ الحافظُ الأمجدُ الفخرا
هو العالمُ العلاّمةُ العلَم الذي / له همّةٌ علياءُ جاوزتِ النّسْرا
له راحةٌ فيها لراجيه راحةٌ / إذا ما رآها معسِرٌ صاحَبَ اليُسرا
وأحسنُ ما فيه إذا جئت طالباً / ندى راحتَيه يُكثرُ الرّحْبَ والبِشرا
لقد طيّب الرحمن أخلاقه لنا / كما منه فينا طيّب الذِّكر والنّشرا
إذا ما رأيتَ الوافدينَ ببابه / فقُل لهمُ يهنيكمُ لكمُ البُشرى
ترى مالَه نهباً ترى عِرضَه حِمًى / وسؤدُدَه جمّاً ونائلَه غَمرا
حمى الفضلَ والمجدَ المؤثّلَ والحِجى / ولم أرَ زيداً قد حواها ولا عَمرا
وليس بمُفشٍ سرّ خِلٍّ وصاحبٍ / حفاظاً له حاشاهُ أن يفشيَ السّرا
على الخيرِ موقوفٌ برغمٍ عدوّه / ولم يره قطّ امرؤٌ يقصد الشّرا
وجوهُ أعاديه من الغيظِ أصبحتْ / على رغمِهم من فرطِ غيظهم صُفرا
جوادٌ بما تحوي يداه تبرّعاً / وراحتُه من جودِه لم تزلْ صِفْرا
عهدناهُ ذا فضلٍ ومجدٍ وهمّةٍ / عليماً علياً عالماً صادقاً بَرّا
فمَن مثلُه بين الورى أين مثله / يُميرُ البرايا كلما قحَطوا بُرّا
عليمٌ بأخبارِ الرسولِ وصحْبِه / وجدوى يديهِ تُخجِلُ الغيثَ والبحرا
بجَودِ يَديهِ زيّن الله للعلى / وللمجدِ والإفضالِ والسؤدُدِ النّحرا
أسيّدَنا خُذها إليك عروسةً / مجانسةَ الأبيات أخرجْتُها بِكرا
ولم أتكلّفْ مثلَ غيري صُنْعَها / ولم آتِ فيما قلتُ مفتخراً نُكرا
فدُم وارْقَ واسلَمْ وابقَ واعلُ وطُلْ وسُدْ / وعشْ ألفَ عامٍ هكذا بعدَها عَشْرا
فلا زلتَ دون العالمين بأسرِهم / تبدِّلُ يُسراً من رأيتَ به عُشْرا
ولا عدمَتْ أيامُنا منكَ سيّداً
ولا عدمَتْ أيامُنا منكَ سيّداً / يُوالي جميلاً أو يروقُ جَمالا
فإنْ كُدِّرَتْ يوماً موارِدُ نعمةٍ / علينا رَوينا من نَداهُ زُلالا
أخالد إنّ الحمدَ يُبقي لأهلِه
أخالد إنّ الحمدَ يُبقي لأهلِه / كمالاً ولا تبقى الكنوزُ على الكَدِّ
فأطعِمْ وكلْ من عارةٍ مُستردَّةٍ / ولا تُبقِها إنّ العواريّ للرّدِّ
أذِكْرُك أم روضُ الدِّنانِ المُروَّقُ
أذِكْرُك أم روضُ الدِّنانِ المُروَّقُ /
وإلا فما بالي أطيشُ كأنما / عَداني لمّا أن ذكرتُك أولَقُ
وما وجَدَتْ وجدي حمائمُ لم يدَعْ / لها الزّهْرُ شملاً والزمانُ مفرِّقُ
وإني لأهوى الليلَ لا لرقادِه / ولكن لعلّ الطيفَ في النومِ يطرُقُ
وأرْعى دَراريه لعلميَ أنها / الى حُسْنِ مرآكَ البديع تُحدِّقُ
ولو لم يحدِّقْ نحوه لم يكن لها / ضياءً إذا جنّ الدُجى يتألّقُ