القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ظافِر الحَدّاد الكل
المجموع : 72
كأنّ الثُّرَيا تقدم الفجرَ والدُّجى
كأنّ الثُّرَيا تقدم الفجرَ والدُّجى / يضم حَواشِى سَجْفِه للمَغاربِ
مُقدَّمُ جيشِ الرّوم أَوْمَى بكفه / لتهديد جيشٍ من بنى الزنج هارب
تَوَلَّوا فَأَفْنَى الهمُّ قلبي عليهمُ
تَوَلَّوا فَأَفْنَى الهمُّ قلبي عليهمُ / وصِرْتُ بلا قلبٍ كأنىَ قَلْبُهُ
وزادَ إلى أنْ كدتُ أَفْنَى من الضَّنى / وقال الأسى للهمِّ وَيْلَك حَسْبُه
ونَّفر صبحُ الشيبِ ليلَ شَيبتي / كذا عادتي في الصُّبِح معْ من أحبه
أَلاَ هلْ إلى بَرْدِ الأَصائلِ بالحِمىَ
أَلاَ هلْ إلى بَرْدِ الأَصائلِ بالحِمىَ / على الرملِ في ظِلِّ الأَراكِ إِيابُ
ليالِيَ يُزْهِينِي لذيذُ حديثكم / وألفاظُه مهمَا استعدتُ عِذاب
ولا مرسل إلا لساني إِليكُم / ولا في سوى دمعي يُرَدّ جواب
ولا تَستثير الشوقَ مني حمامةٌ / ويُذْكِرني يومَ الفراق غراب
ودار وإخوان وأهل وجيرة / وأمن وأمر نافِذ وشباب
لقد خِلتُ فضلَ الأفضلَ اختصني به / كعادته لو لم يُزله ذهاب
بَدا شَيْبُه قبلَ ابتداءِ شَبابِه
بَدا شَيْبُه قبلَ ابتداءِ شَبابِه / وولَّى الصِّبا عنه عَقيبَ اغْترابِهِ
وما حان وقتُ الشيبِ منه وإنما / له عِلَّةٌ من وَجْدِه واكْتئابه
فدَام طبيعيُّ السوادِ بشعرِه / دوامَ مَشيبٍ تحت زُور خِضابه
ومن خامرَتْ خمر الهوى كأس لُبِّه / فإنّ نجومَ الشيبِ بعضُ حَبابه
ولما طَمَى بحرُ الغرامِ بقلبه / طَفا زَبَدٌ في فَرْقِه من عُبابه
حَذِرتُ الهوى مذْ كنتُ حتى استفَزَّني / بوجهٍ كأنَّ الشمس تحت نقابه
وقد كتب الحسنُ اسَمه فوقَ خَدَّه / ولم يَبْد إلا نُونُه من كتابه
وقد أَطلعَتْ أزْرارُه الشمسَ في الدُّجَى / وماد النَّقا بالغُصنِ تحتَ ثيابه
وما عَجَبي من روضةٍ طَلَّها النَّدَى / على خَدِّه لم تَحتْرِق بالْتِهابه
ومن بَرَدٍ يَفْتَرُّ عنه وكيف لم / يَذُب وهْو مغمورٌ بشَهد رُضابِه
أحِنُّ إلى الفُسطاط ما لم أكن به / حنينَ طَليحِ الرَّكْبِ بعدَ ذهابه
وتَهْفُو بقلبي زَفْرةٌ لو تَلبَّسَتْ / بصُمِّ الصَّفا لانتْ مُتونُ صِلابه
وأسمو لرَوضىِّ النسيمِ لعلّني / أُصادف منه نَفْحةً من تُرابه
واستقبلُ الرُّكْبانَ من كلِّ وِجْهةٍ / لعلَّ بمصرٍ ذاكرا في خِطابه
وأهجرُ عَذْبَ الماءِ معْ طول غُلَّةٍ / إذا لم يُنِلنِي النِّيلُ بردَ شَرابه
وتَسْودُّ في عينِي البلادُ تذكُّراً / لخضرةِ شَطَّيْهِ وبيضِ قِبابه
وكم لي على سفحِ المقطَّم وَقْفةٌ / لها أثرٌ في وَهْدِه وهِضابه
فَضَضْنا بها سِلْك الحديثِ فخِلْتُه / يَميد بنا زَهْوا لطيبِ عِتابه
وفي البركةِ الغَنَّاءِ للطَّرْفِ مَسْرَحٌ / نَهَى ما انْطَوَى من جَفْنه عن مآبه
يُبلِّغُنا عن زَهْرِها وافدُ الصَّبا / سَلاما تَولَّى المسكُ رَدَّ جوابهِ
إذا جَمَّش الغُدرانَ واهِى نَسيمِها / حَكَتْ زَرَدا فُضَّت أَعالِي عُبابه
وَينْسلُّ في ساحاتِها كلُّ جَدْولٍ / كما سُلَّ مَطْرورُ الشَّبا من قِرابه
ولما حَباني الدهرُ منه بعودةٍ / وراجَعَ حظى بعدَ طولِ اجْتِنابه
وهبتُ لقُرْبٍ سَرَّني بنعيمه / جنايَة بُعْدٍ ساءني بعِقابه
فإن كنتُ في مصرٍ غَريبا فجُلُّ ما / يَنالُ الغَريبُ العِزُّ عند اغْتِرابه
وردتُ بها بحرَ النَّوال مُشرِّقا / وغرَّب غيري آمِلا لسَرابه
فأصبحتُ فيهاَ خادمَ الأَفْضلِ الذي / زَحَمتُ ملوكَ الأرضِ تحتَ رِكابه
جَلوتُ عليه كلَّ عذراءَ ما ارْتَضَتْ / ببعلٍ إلى أن هَرْولتْ بحجِابه
جَهدت فما غاليْتُ في مدحِه بها / ولكنني غاليتُ في مَدْحِها به
إذا نَوَتِ الآمالُ للجودِ حجَّةً / فما تَجْتَرِى إلا الوقوفُ ببابه
وتَسْتلم الركنَ اليَمانِى بداره / وتُكْمِل سَعيا في طوافِ جَنابه
زَرَتْ كُّفه اليمنى على الغيثِ فانثنتْ / به خَجْلةٌ عن مصرَ بعد انْسِكابه
وما النيلُ إلا مُشْبِهٌ بعضَ نَيْلِه / إذا غَمَر الدنيا بفَيْضِ انْصِبابه
إذا ادخر المالَ الملوك فإنما / جزيلُ الثَّنا والحمدِ جُلُّ اكْتِسابه
على أنَّ ما حازُوه من صَدقاتِه / عليهم لما يحظى به من ثوابه
ويُحِيى رِضاهُ النفسَ بعدَ فَنائِها / ويُفْنِى سُطاه الليثَ داخلَ غابه
إذا ما عَتا شيطانُ أرض وإنْ نَأَتْ / فأقربُ شيءٍ منه نارُ شِهابِه
أَجار من الأيام فالحُرُّ آمِنٌ / على نفسه من صَرْفِها وانْقِلابه
ومَدَّ بِساطَ العدلِ حتى تَوقَّرت / أسودُ الشَّرَى في القَفْرِ قبلَ ذئابه
فما الحَرَمُ المشهور بالأمنِ في الوَرَى / بآمَنَ من صحرائهِ وَيبابِه
له سيفُ نصرٍ كلَّما هزَّ نصلَه / تَتَبَّع نابُ الموتِ أمرَ ذُبابه
وجيشُ اعْتزامٍ تَظْلَعُ الريحُ خَلْفَه / وتَقْفُوا أَوالِى البرقِ أُخْرَى عِرابه
يُقاتلُ عنه الرُّعبُ قبلَ قِتاله / ويضرِب عنه النصرُ قبلَ ضِرابه
يُضايقُ وجهَ الأرضِ طَوْرا بجيشِه / فأَعْوَزُ شيءٍ جَلْسَةٌ في رِحابه
وثارَ به في ساحةِ الخوفِ قَسْطَلٌ / فضاقتْ على عِقْبانِه وسَحابه
وأَطْرَفَ طَرْف الشمسِ حتى كأنّها / وقد خَفِيتْ وَسْنَى لفَرْطِ ضَبابه
وبثَّ على البحر الأساطيل جَحْفَلا / بأكثرَ من نِينانِه ودَوابه
فضَمَّ مُتون اللٌّجِّ منتِظم القَنا / كما يَتراءَى شِبْهُهم في إهابه
إذا عَن شاهِنْشاهُ ذِكْرا تزعزعتْ / قوى كلِّ جبارٍ لفَرْط ارْتِعابه
كَسا الفَضْلُ فضْلا حين أضْحَى سَمِيَّه / ومَتَّ إلى أَفْعالِه بانتسابه
له قلمٌ يستخدِم السيفَ والقَنا / وتُغْنى وتُفْنى قطرةٌ من لُعابه
تَوَدّ سُوَيْدا قلبِ كلِّ أخِى نُهىً / إذا مدَّ نفْسا لو جرَتْ في مُذابه
فمهما توالتْ نعمةٌ فبشَهْدِه / ومهما تناهتْ نقمةٌ فبصَابِه
جمعتَ فنونَ الفضل فاخترتَ كل ما انْ / فرَدْتَ به من لُبِّه ولُبابه
فيا عيدَ عيدَ الخَلْقِ يَهْنِيه أنه / يُقيم ثلاثاً في ذَراكَ كدابِه
ويُبصر فيها كلَّ مَلْكٍ مُقبِّلا / لَدَيْك الثَّرَى معْ كبره واعْتِجابه
ويعلم أن العيد وجهُك دائما / بمصرٍ ولكن نابَ بعضَ مَنابه
وأنّ له من عُظْمِ قَدْرِك في الوَرَى / ومن نَحْرِك الأعداءَ بعضَ مَشابه
بقيتَ تُهَنَّا كلَّ يومٍ بنعمةٍ / مَدَى الدهرِ من تَوْديعِه لإيابِه
فإنك معنىً والخليفةُ كلُّها / كلامُ زمان لو عَداكَ هَذَى به
لقد جُدْتَ حتى ما دَنا منك وافدُ
لقد جُدْتَ حتى ما دَنا منك وافدُ / وخَوَّفتَ حتى ما نَأَى عنك عازبُ
وقد اثْنَتِ الدنيا عليك وأهلُها / فأَنْسَيْتَ من أَثنتْ عليه الحَقائب
رجاؤكَ في نيلِ السعادةِ بابُ
رجاؤكَ في نيلِ السعادةِ بابُ / وما دونَ من يَبْغِى نَداك حِجابُ
إذا أملٌ ناجاك وهْما ففَوْزُه / بجملةِ ما يرجوه منك جَواب
يَمينُك للعافِين بحرٌ وجَنَّة / لها ثَمرٌ لا ينقِضي وعُباب
رَعَى بك فَضْلُ الأفضلِ الملكِ الوَرَى / فنائِلُه غيثٌ وأنت سحاب
هو البحرُ والأنهار والنِّيل والحَيا / وسائر أَملاكِ الأَنامِ سَراب
أَحَّلك من إجلاله في مَحلَّة / لهاَ زُحَلٌ والنَّيِّرات تُراب
فيا نعمةَ اللهِ التي عَمَّت الوَرَى / فإنعامُها لم يُغْنِ عنه مَناب
لِعَبْدِك في ميسورِ فضِلك حاجةٌ / نَتيجتُها منه ثَناً وَثَواب
وقد حثَّني في قَصْدِكَ الْحَزْمُ والحِجَا / ومَنْ رأيُه فيما يُشِيرُ صَواب
فحَسْبُ الليالي ما لها فيَّ مَطْمعٌ / فقد ضَمَّني للقائِدَين جَناب
وأنزلتُ حاجاتي بفضلِ بني أبي ال / شجاعِ فهم لي ملجأ ومَآب
فقد أَنْجَحَ اللهُ المَساعي ببابِهم / وأَتْعب قوما جانبوه فخابوا
مَسارح جودٍ للأماني خصيبَةٌ / مَواردُ فضلٍ للعُفاةِ عِذاب
إليك الْتَجا مَنْ ضامَه الدهرُ واعتدتْ / عليه خُطوب لا تُطاق صِعاب
وكم حائن أَوْدَى به ضَنْك عيشِه / وللدهرِ فيه مِخْلَبان وناب
فنادى أبا عبد الإله على النَّوَى / فنَفَّس ذاك الخطبَ منه خِطاب
وقد بشرَتْني بالنجاح دَلائلٌ / وظَنٌّ صَفا سِرّا فليس يُشاب
فجاهُك موقوف لمن يَسْتَميحَه / وذلك عُرْفٌ لا يُخِلُّ ودَاب
فعِشْ في حياةِ الأفضل المنعش الوَرَى / بغامرِ فضلٍ يُرْتَجَى ويُهاب
إذا شئتَ أن تُقْلى من الناس كلِّهم
إذا شئتَ أن تُقْلى من الناس كلِّهم / وتُهجَرَ هجر الأيَئول إلى صُلْحِ
وتُنظَرَ بالعين التي نَظَروا بها / كبارَ الأفاعي في المَضرَّة والقُبْح
فكنْ سائلاً في المال والجاهِ منهمُ / ولا سِيَّما إنْ رُمْتَ ذلك بالمَدح
فلا تكتسبْ غيرَ القَناعةِ إنها / تجارةُ حُرٍّ ليس تخلو من الربح
نصحتُك فأقبلْ أو فسوف تَرى إذا / قَصدتَ خِلافِي ما يفوتُك من نصحي
أَصادِحةَ القَصْرين من مَرْجِ حَنَّةٍ
أَصادِحةَ القَصْرين من مَرْجِ حَنَّةٍ / من الأَثْل تبكي في حَمامٍ نَوائِحِ
تُرَى بكِ مابي من حبيبٍ فَقَدْتُه / أَبانَتْه عني ناجياتُ الجَوائح
إذا ذكرتهْ النفسُ فاضتْ مَدامِعي / على الزَّفراتِ الصاعداتِ اللَّوافحِ
وكم ليلةٍ عانقتُها ومِهادُنا / حَشايا رمالٍ في كروم المَسالح
وقد ضمَّنا برد النَّدى ونسيمُه / يُجمِّشنا تَجْميشَ راضٍ مُسامِح
وقد جَرَّرت ريحُ الصَّبا فَضْلَ بُرْدِها / مُنَدًّى على بُسْطِ الرِّياض النَّوافح
عليك ثناءُ العالًمين فَصيحُ
عليك ثناءُ العالًمين فَصيحُ / وفيكَ ولاءُ العارِفين صَحيحُ
تبرعتَ بالإحسانِ للناسِ كلِّهم / فحبُّك في سِرِّ القلوب صَريح
إذا مَرِضتْ حالٌ بفقرٍ يَميثُها / فأنت لها مما اشْتكتْه مَسيح
ومن عَجبٍ أَنْ يُدركَ الحُرَّ ضَيْقةٌ / وجودُك بينَ العالَمين فسيح
لقد جُدتَ حتى إنّ حاتمَ طَيِّىءِ / مُضافا إلى جَدْوَى يديك شَحيح
أفي العدلِ أَنْ أَظْما وجودُك في الورى / يَسُحّ على طول المَدى ويَسيح
على أنّ لفظي فيك بالمدحِ ذائعٌ / وقلبي بأصنافِ الدُّعاء قَريح
ولي حاجةٌ يَرْضَى بها اللهُ أولا / وفيها ثناءٌ شائعٌ ومديح
فعاجِلُها حَمْدٌ وشكر مكرِّر / ومَتْجَرُها يومَ المَعادِ رَبيح
فلي عَيْلةٌ عَشْر وجاريَ خمسةٌ / وباطنُ أحوالي بذاك قَبيح
وأحوالُهم في فَرْط عُسْرٍ وضيقةٍ / وليس لهم إلا نَداك مُريح
وفَضْلُك إنْ ساوَى الحِسابَيْن إنها / لَعاداتُك اللاتي بهن تُريح
عسى عزمةٌ يَحْيا بها منك آمِلٌ / مريضٌ بأَحْداث الزمان جريح
تَجمَّل صمتا والليالي مُصيخةٌ / لتسمعَه معْ ذاك كيف يصيح
أأرجو سَمِىَّ المصطفى وابنَ عمِّه / لحادثةٍ عَمَّت وأنت نصيح
سأشكر ما أوليتموا يا بني أبى / شُجاعٍ ولو أضْحى علىَّ ضريح
وأُثنِى كما تُثْنى الرياُ على الحَيا / إذا حركتْها في الأَصائِل ريح
من العجز أنْ يَضْحَى بحُرٍّ خَصاصةٌ / وفضُلك يَهْمِى دائماً ويَميح
إذا ما جيوشُ القُرِّ جاءتْ فَرُمْ لها
إذا ما جيوشُ القُرِّ جاءتْ فَرُمْ لها / كمينا بأضعاف اللِّباس المحدَّد
ولا تُبعِد الكانونَ عنك فإنه / لأَمْنَعُها دِرْعا وَأَمْضَى مُهَنَّدِ
فما البرد إلا الليثُ يَلْقَى بعزمِه / جيوشاً وَيَخْشَى قُرْبَ أَصْغَرِ مَوْقِد
كأنّ جيوشَ الفحمِ من فوقِ جَمْرِه
كأنّ جيوشَ الفحمِ من فوقِ جَمْرِه / وقد جُمعا فاسْتُحْسِن الضِّدُّ بالضِّدِّ
غَدائرُ خَوْدٍ فَرَّقَتْها وقد بَدتْ / على خَفَرٍ من تحتها حمرةُ الخَدِّ
فلما تناهَى صبغهُ خِلتُ أنه / فصوصُ عَقيقٍ أو جَنَى زَهَر الورد
إلى أنْ حَكَى بعدَ الخمودِ رمادُها / غبارا من الكافور في قِطَع النَّدِّ
كأَنّ نجوم الليل لما تَبلَّجتْ
كأَنّ نجوم الليل لما تَبلَّجتْ / تَوَقُّدُ جَمْرٍ في سَواد رمادِ
حكى فوق مُمتدِّ المَجَرّةِ شكلُها / قَواقعَ تطفو فوقَ لُجَّةِ وادِ
وقد سَبَحتْ فيه الثُّرَيا كَأنها / بَنيقةُ وَشْىٍ في قميصِ حِداد
ولاحتْ بنو نَعْشٍ كتنقيطِ كاتبٍ / بيُسْراه للتعليم هيئةَ صاد
إلى أنْ بدا وجهُ الصباح كأنه / رداءٌ عروسٍ فيه صِبْغُ جِساد
نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا
نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا / فسَدَّد رَمْيا نافِذا ليس نافِذا
كأنّ فؤادي بينهم تحتَ أسهمٍ / تُشمِّر عند الرَّمْىِ منها الحَدائدا
رَمانِي فأَصْمانِي وأَغْرَق نَزْعَه / وكَرَّر حتى كَلَّ كَفّا وساعِدا
وسَدَّ الفضا بالنَّبْلِ حتى أعَادَني / أَسيرا إليها أَيْنَما كنتُ حائدا
وما أنا إلا السيف فارَقَ غِمْدَه / ولمْ يْلفِ بعدَ الضربِ والقَطْع غامِدا
فوارَتْه أَصْداءُ النَّدَى فأَعَدْنَه / كما غادر الدهرُ الطُّلولَ البَوائدا
كأنَّ الليالي أَقْسمتْ بأَلِيَّةٍ / تؤكدها أنْ لستُ للثغرِ عائدا
ولا نَظرتْ عيني إلى الروضةِ التي / تَحوك يدث الأَنْواءِ فيها مَجاسِدا
ولا ارتضتُ في تلك الرياضِ كعادةٍ / عَدَتْني ولا شاهدتُ تلك المشاهدا
فيا حَبَّذا ذاك الخليجُ الذي له / من الحُسْن ما يُلهِى عن الشُّرْب وارِدا
وقد راقَ لما رقَّ عذبُ زُلالِه / فأصبح ملآنَ المَواردِ زائدا
تَرى منه تحتَ الريح دِرْعا وجَوْشنَا / وسيفا بلا غمد إذا كان راكدا
كأن الصَّبا لما أَثارتْ حَبابه / تُمرُّ على سيفٍ حديدٍ مباردا
تُرى جاورت أرضَ السوارى فَرائِدٌ / من القَطْر عادت في النبات فرائدا
وهل أظهرت في ظاهر الحسن روضة / إلى ربوة ابن العاص منه فصاعدا
إلى جانبَي قصرِ الدخان مغربا / إلى المُقْس رَوى العهدُ تلك المعَاهِدا
وهل قَلدتْ جِيد القليدة بعدنا / يدُ الغيثِ من زَهْرِ الربيع قلائِدا
منَابِت أزهارٍ يكرر نشرُها / على القْطرِ شكراً ذائعا ومَحامدا
تخطّ يد الأَنواءِ فيها صَحائفا / فيُنْشِدها راوِى النسيمِ قَصائدا
فللهِ ذاك الروضُ للغيثِ مادِحا / وللهِ ذاك الغيث للروض رافِدا
كنوز بَدَتْ لولا ذبولٌ يُصيبُها / لأَصبحَ ما عند الصَّيارفِ كاسِدا
كأن الأَقاحي والبَهار دراهمٌ / خِلال دنانيرٍ تُقابل ناقِدا
وللسَّوْسَن المفتوحِ أبواقُ فضة / تُقابل من حمرِ الشَّقيق مَطارِدا
فلم أرَ جمرا قبله مُتلهِّبا / إذا لمستْه الكفُّ أَلفَتْه باردا
وإن نَثرتْ أوراقَه الريحُ خِلْتَها / قُصاصةَ حُمْرِ اللاّذِ صِيغَتْ رَفائدا
شُنوف عقيقٍ صِيغَ من سبج لها / مَعاليقُ ما باشَرْن فيها مَعاقدا
فَرَاشٌ على أجسادها الدمُ جاسِدا / وقد قَرَّ في قِمّاتِها القارُ جامدا
مَواطِنُ صيدٍ بين وَحْشٍ وطائرٍ / وحيتان لُجٍّ ما تُخيِّب صائدا
يُقابل منها كلَّ جنسٍ بآلةٍ / فما فات مطرودٌ هنالك طارِدا
تُبكِّر في أَرزاقِها وهْي رزقنا / غَدَوْنا له نعتَدُّ تلك المَكايدا
فلم يَبْدُ قرنُ الشمسِ إلا وبيننا / شُموسٌ لها جَمْرٌ تُبيد الأَوابدا
وفي كل قُتْرٍ للقُتار رَوائحٌ / تَفوح فتَسْتَدْنِي على البُعْد رائِدا
لقد مَلَك الإسكندرُ الأرضُ وانقضى / وأَبَقى له الإسكندريةَ شاهدا
فَدَلَّتْ بما فيها على عُظم مُلْكه / وأَبقتْ له ذِكْرا مع الدهر خالدا
بباطِنِها أضعافُ ما فوقَ ظهرِها / من الحِكَم اللاتي بلغْنَ الفَراقِدا
رحلتُ إلى الفُسْطاط عنها بِغرَّةٍ / فها أنا في قيدِ النَّدامة واجدا
كآدمَ والشيطانِ لما اسْتَزلَّة / عن الخُلْد للدنيا الدَّنية حاسدا
فها أنا باكٍ مثل ما كان باكيا / مُكابِد ما كان قبلي مُكابِدا
أَسيرُ اغترابٍ واشتياقٍ كأنني / أُصارع أُسْدا منهما وأَساوِدا
أأحبابَنا بالثَّغْرِ ما كانَ من بَعْدِي
أأحبابَنا بالثَّغْرِ ما كانَ من بَعْدِي / تُراكم وإنْ طالَ البعادُ على العَهْدِ
فإني وإنْ شَطّتْ بيَ الدارُ عنكمُ / مقيمٌ على فَرْطِ الصَّبابةِ والوَجْد
إذا نَسَمتْ من ذلك القُطْرِ شَمْأَلٌ / تَرَشَّفْتُها رَشْفَ النَّزيفِ من الثَّمْد
لأَلْقَى من الإسكندرية نَشْوةً / أَغُضُّ بها ما بين جنبىَّ من وَقْد
وأُودعُ هَبّات الجنوب تحيتي / فهل بَلَّغَتْكم ما أقول على البُعْد
سَقَى اللهُ أيامي بها الغُرَّ وابِلا / كدمعي على ما فات من عيشِها الرَّغْد
فكم لي بها مِنْ زَوْرةٍ جَدَّدتْ رِضاً / بَديها على غيرِ انتظارٍ ولا وعد
وفي جانَبيْ ذاك الخليج مَرابعٌ / سحبت بها ذيل الصِّبا والصِّبا بُرْدِى
إذا سَرَحتْ فيها الرياحُ تَحدَّثت / لدينا بأسرارِ الرياحين والورد
وَينسِجُ فوقَ الماءِ فيه نَسيمُها / حَبيكا حَكي مستحكم الزَّرَد السَّرْد
وآصالُنا في ساحل البحر نَعْتلى / به الرملَ ما بين الكَثيب إلى الوَهد
نُغازل من غِزْلانه كل سانحٍ / له مُقْلةٌ عاداتُها قَنَص الأُسْد
حَكتْ بيننا ألأمواجُ أَثْقالَ رِدْفِه / فآوِنةً تُخفِى وآونةً تُبْدى
هو الماءُ فوقَ الماءِ هذا نَعافُه / أُجاجا وهذا فيه أَحْلى من الشهد
إذا قابل التيارُ هِيفَ قدودِها / أَرتْنا فِعالَ الريحِ بالقُضُب المُلْدِ
ليالٍ وأيامٌ تَقضَّت كأَنها / جواهرُ نَظْمٍ خانَها العَقْدُ من عِقْد
أأحبابنا بالثغرِ إني وإنْ نأتْ
أأحبابنا بالثغرِ إني وإنْ نأتْ / بيَ الدارُ عنكم ما استحلْتُ عن العهدِ
وقد لامَنِي العُذّالُ فيكم وَأَكْثَروا / فما غَيَّروني بالمَلامِ عن الودّ
إذا كَشفوا عن صِدْقِ كلِّ مودةٍ / فإن ودادَ الناسِ بعضُ الذي عندي
لكم في فؤادي منزلٌ غيرُ نازحٍ / ولو أنني خلفَ العِراقِ أو الهند
لقد أَبْعَدُوني عنكمُ فَقرُبْتمُ / وإنْ أَكثَروا بُعْد قَرُبتم على البُعْد
فو اللهِ ما ساعدتُ من لام فيكمُ / وإني لأُخْفِي منكمُ فوق ما أُبدي
ولو رُمْتُ أن أنساكمُ ذَكَّرتْ بكم / محاسنُ فعلٍ مثل منتظِم العِقد
برئتُ إذاً من نَخْوةٍ ومروءةٍ / إذا لم اقابلها بواجبها عندي
وإني لأَسْتهدِي الرياحَ نَسيمَكم / فأَنْشَقُ منها مثل مُفتِتح الورد
هل الموتُ إلا دونَ ما أنا واردُ
هل الموتُ إلا دونَ ما أنا واردُ / وإنْ كنتُ أَسْتحِلي بكم ما أُكابِدُ
وإني ليَعْروني غرامٌ تُذيبُني / حَرارتُه والماءُ بالقُرِّ جامد
وأَعطش حتى لا أُفيق من الظما / وقد طَفَحتْ مما بكيتُ المَوارد
أَيَحسبُ فيك اللومُ أني سمعتُه / إذاً بَخِلتْ كفِّى بما أنا واجد
وأنكرتُ فضلَ الأفضلِ الملكِ الذي / يداهُ لأَجْياد الملوكِ قلائد
لعلَّ زمانِي بالعُذَيْبِ يعودُ
لعلَّ زمانِي بالعُذَيْبِ يعودُ / فيَقربَ قُرْبٌ أو يَصُدَّ صدودُ
فأُبصِر كُثبانا وهنَّ رَوادفٌ / عليهن أغصانٌ وهن قُدود
وأَقطِف ورد الخدِّ وهْو مُضرَّجٌ / وأَجنِي أَقاحَ الثَّغْرِ وهْو بَرود
وأُبدِي ذراعي للعناقِ ذَريعةً / فَتَنْهى عن الإفراط فيه نُهود
ويَسْرِي إليّ البدرُ وهْو مُمنَّع / ويغدو إليّ الظبيُ وهْو شَرود
وأُعطي يمينَ اللهوِ فَضْلةَ مِقْوَدي / وأَغْدو وأغصانُ الشَّبيبِة غِيدُ
وأُكبر مقدارِ الهوى عن كبيرة / وأحمِي عفافي دونَها وأَذود
غَداةَ أُلبِّي الحبَّ من غيرِ ريبةٍ / على أنّ شيطانَ الغرام مَريد
وليل تَخطَّتْ بي سُوَيدا فؤادِه / عَزائمُ شوقٍ والنجومُ رُكود
أَخوض غِمارا من عَجاج ظلامِه / بحيث تقول الجنُّ أين تريد
ظلامٌ كأَحْداقِ الجآذرِ لونُه / دَجَا فضياءُ النارِ ليس يفيد
تَعسفتُه سَعْيا على غيرِ منهجٍ / وكُدْر القَطا عن أَخْمَصَيَّ تَحيد
فبادرَ عَدْوِي من بني الغاب أَهْرَتٌ / عظيمُ القَراعَبْلُ الذراعِ عَنود
أخو حَنَقٍ غَصَّ الفَلا بزئيرِه / له وَثْبةٌ في سيرِه ووَئيد
فأَلْجمتُه عَضْبَ الغِرارين كاسرا / هو الموتُ لولا أنْ يقال حديد
إذا مَجَّه الغِمدُ اسْتنارَ كأنه / شبابٌ له بعد الهُدوء وقُود
فشَتَّتُّ من شِطْرَيْه شَمْلا بضربةٍ / لها عادةٌ لا تبتدى فتعود
وسرتُ وصِنْوِى حافزٌ من صبابةٍ / يسوق اعتزامي تارة ويقود
إلى أنْ تراءتْ مُضْرَماتٌ شَواسع / كما حَدَّقتْ تحتَ الظلام أُسود
تلوح وتخبو مثلَ غَمْضٍ تَعافُه / عيون لها من حولهن هُجود
أمامَ خِباءٍ حَفَّه كلُّ طالبٍ / دمى فله حرصٌ عليه شديد
إذا صافحتْ أجفانَه سِنةُ الكَرَى / نَقتْها لذكرى خَطْرةٍ فتَحيد
وإنّ هبَّ معتلُّ النسيم تَيقَّظوا / كما تُوقظ الخُلْدَ الحَذورَ رُعود
قَدِ اسْتَلأَموا فالمُرْهَفات سواعدٌ / لأَيمانِهم والسابغاتُ جلود
بحيث أُراعى غِرَّةَ القومِ منهم / إذا عَنَّ طَرْفٌ أو تَرنَّح جيدُ
حِذارا على سِرِّ ابنةِ القومِ يغتدى / لمعدومه بين الوُشاة وُجود
أدبٌ دَبيبَ الفجرِ أولَ وقِته / وأسَعى كسَعْىِ الظلِّ وهْو مديد
إلى أن دخلتُ الخِدْرَ حَبْوا كما دَنا / إلى ثَلَّةِ الراعي المُهوِّم سِيدُ
فَقبّلتُ مثلَ الشمسِ لا بل كَمالُها / على الشمس والبدر المنير يزيد
كتقبيل أفواه الملوك مهابةً / ثرى باب دارِ المُلْك وهْو بعيد
يقينا بأن الأَعْوَجيات فوقَه / تسير بشاهِنْشاهَ ثم تعود
وأن الحَيا والبِرّ والجود والندى / عطاياه أو مِلْكٌ له وعبيد
هو الناسُ طُرّا في اعتزامٍ وقُدرةٍ / وفي الجود والفضلِ العَميم وَحيد
إذا خَطَرتْ ذكراه أرضاً وإنْ نأتْ / فأَملاكُها عند السماع سُجود
لكلِّ تَغالٍ في تَعالٍ نهايةٌ / وكلٌّ لأَدْنَى ما بناهُ صَعيد
أفاض على الدنيا سَوابغَ عدله / ففي كل يوم للسعادة عيد
فيا بْنَ مغيثِ المُلْك بالرأيِ والقَنا / فقَصْدُك للنوعين منه سَديد
أبوك الذي شد الخلافةَ بعد ما / تَزعزع منها بالنفاق عمود
وَبيَّضَ مُسْودَّ الليال بعَدْلِه / وأيامُها من قبلِ ذلك سود
فقَوَّم معوجَّ الليالي بعدله / وذلَّل صعبَ الدهر وهْو كَنود
فأَبقاكَ للدنيا وللدين عصمةً / تجرِّد حَرْبا فيهما وتُجيد
فتُعدم حىَّ الظلم عِند وجوده / وتُحيِي دفينَ العدل وهْو فقيد
وتُنصف إلا في العَطايا فظُلْمُها / بتَشْتيتِ شَمْلِ المال منك أكيدِ
إليك وعنك الناسُ آتٍ وراحلٌ / فقَصْدُك بين البِيدِ ليس يَبيد
يُبشر ماضٍ قادما عنك بالغنى / ويَلْقى وفودا من نَداك وفود
لمدحِك بين النظم والنثر بهجةٌ / تَجمَّل منها خطبةٌ وقَصيد
صِفاتُك تَهْدى المادحين لنَظْمِها / فكلُّ أديبٍ قال فيك مُجيد
ولو سَكتوا قامتْ مَعاليك شاعرا / فصيحاً له بين الأَنام نشيد
ففي كل فعلٍ من فِعالك مُعْجِزٌ / له من ضرورات العِيان شهود
فيوماك يومٌ بالنوال مُدَيِّم / ويومُ وغى فيه يَشيب وليد
ترى العزم في حرب وجودٍ شريعةً / تَجرَّم وعدٌ عندها ووعيد
نوالُك من قبلِ المسائِل سائل / وصَيْدُك من قبلِ التَّلبُّثِ صِيد
ورُسْلُ المَنايا والمُنَى طوعُ ما تَرَى / لها في البَرايا رائدٌ وبريد
فجودٌ عَميمٌ يُنبِت العزّ والغنى / وعزمٌ له هامُ الكُماةِ حَصيد
فيا نفس هذا أولُ العهدِ بالعُلَى / ويا حظّ هذا الوعدُ أنْ سأَسود
وهذا المقام الأَشرف الأَمجد الذي / له كنتُ أسعىَ جاهِدا وأَرود
وهذا الجَناب الأَفْضلىُّ يَكُنُّنى / ذَرى ظِلَّه إني إذاً لسعيد
فيا دهر مَهْلا ما بقي فيَّ مَطْمعٌ / لحادثةٍ تنَتْاشُنى فتَؤود
ألستُ بدار المُلْك وهْي التي بها / لمالِك رِقِّ المالِكين خُلود
سآخذ ثأري من صروفِك عنوةً / أَقِدْني وإلا صَرْفُه سيُقيد
فلا زالتِ الأَقدارُ تجرِى بأمره / تَصاريفُها والحادثاتُ جنود
ولا زال محسودا لعَيْنٍ فإنه / عَلا مُرتقيً لم يَرْقَ فيه حسود
فسيحَ مَجالِ العِزّ يَصْحب عُمْرَه / بقاءٌ على مرِّ الزمان جديد
أما والذي قد قَدَّر البعدَ بيننا
أما والذي قد قَدَّر البعدَ بيننا / وعَذَّبني بالشوقِ وهْو شديد
وخَصَّكُم بالصبر دُوني وخَصَّني / بحزنٍ عليكم يبتدى ويعود
وصَيَّرني مهما شَممت نَسيمكم / أَشُدُّ لقلبي راحتي وأَميد
لقد ذاب قلبي في دُموعي عليكمُ / على أنه في النائبات حَديد
فياليتَ شِعْري هل على ما لقيتُه / وكابدتُ من جَوْرِ الفراق مزيد
لَئِنْ عاد ذاك العيشُ أو عاد بعضُه / وهَيْهاتَ منه إنني لسعيد
على أنها الأَقْدار قد تُبعد الفتى / قريباً وقد تُدْنِيه وهْو بعيد
لقد كان ذاك الثغرُ بالقربِ جَنّة / نَعِمنا به لو كان فيه خلود
بِكم آلَ وَحْيِ اللهِ يفتخرُ المجدُ
بِكم آلَ وَحْيِ اللهِ يفتخرُ المجدُ / وفيكم يَسوغ المدحُ والشكر والحمدُ
وما يَنتهِي فيكم ثَنا الشعرِ غايةً / ولكنه حَسْبُ الذي يبلغُ الجُهْد
إذا أنزل اللهُ الكتابَ بمَدْحِكُم / فكم قَدْرُ ما يأتِي به شاعرٌ بَعْدُ
إليكَ أميرَ المؤمنين تَشوَّقْت / معانٍ وألفاظٌ كما انْتَظمَ العِقْد
فجاءتْ كما مر النسيم على ندى ال / رياضِ فحَيّا وَفْده الآسُ والوَرْد
حلاوتُها شِيبَتْ بعطرٍ كأنما / تنافس في ألفاظها المِسْك والشهد
فقد سَمِعتْها الصُّمُّ من كلِّ أَخْرسٍ / وأَبْصَرها في حِنْدِسِ الظُّلَمِ الخُلْد
وذكرُك أَعْلَى قَدْرَها فتشرَّفتْ / ولولا الحسامُ العَضْبُ ما حُلِّى الغِمْد
ومعنى كتاب الله شَرَّف صُحْفَه / فقُبِّلَ منها الحبر والطِّرْس والجلد
تَهنَّ أميرَ المؤمنين خلافةً / تَشيب أَعاديها وأيامُها مُرْد
فإنْ يتأخر خيرُها فهْو أولٌ / وبعد توالى الزَّنْد يَضْطرِم الوَقْد
وما الناسُ إلا كالدُّجَى وصَباحُها / أَئِمَّتها والشمسُ آخرُ ما يبدو
إذا الآمر المنصور كان لأُمةٍ / فلا عَدَمٌ يَقِضى عليها ولا فَقْد
فمَنْ عاش أَحْياهُ نَداهُ ومن يَمُتْ / على حبه طَوْعا فمسكنُه الخُلْد
إمامٌ تَبدَّى للوَرىمن جبينه / ضياءٌ به تُشْفَى بَصائرُها الرُّمْد
هو المَفصِد الأقصى هو الغاية التي / بها صَحَّ للمُستمسِك الفوزُ والسعد
هو الحُجَّة العظمى هو الغاية التي / تَأَتَّي به للمبُصِر الحَلُّ والعَقْد
أَطاعْته أسرارُ القلوبِ ديانةً / فما لامرىءٍ لم يعتقد حُبَّه رُشْد
فيا بْنَ رسولِ الله هذا أَوانُكم / وُعِدتم به والآن يُنْتَجَز الوعد
ستأخذ للإِسلام ثاراته التي / تَقادمَ للكفرِ اللعينِ بها العهد
كما فعلتْ في يوم بدرٍ سيوفُكم / وفي الشِّرْك من دُونِ القَليبِ لهاوِرْد
لك العَزَمات النافذات إذا انْبَرتْ / إلى مَقْصِدٍ لم تمنعِ البيضُ والسَّرْد
وإنْ خَفَتْ راياتُك الحمر سّبَّحتْ / لنَصْرِك أَعلاها ملائكةٌ جُنْد
وخَطِّيةٌ سُمْر وبيض صَوارمٌ / ومَسْرودةٌ زَغْفٌ ومُقْرَبة جُرْد
وقوم مَناياهم مُناهم إذا اقتضتْ / رضاك وفي طِيب الحياةِ لهم زُهْد
فقد شامَ منك الشامُ بَرْقا سيحتوِي / على مُلْك قُسْطَنْطِينَ من سَيْلِه مَدّ
تزلزل ما خلفَ الفرنجِة هيبةً / له فروَاسِيها تَحِزُّ وَتَنْهَدّ
وللهِ سرٌّ فيك حانَ ظهورُه / ليُوقنَ مرتابٌ ويرجعَ مُرتدّ
غمرتَ جميعَ الخَلْق بالعدل فانتهى / عنِ الوَحْش والطيرِ الكواسِرُ والأُسْدُ
ولو أَسعدتْها من بِساطك خلوةٌ / لَقَبَّله من كل جنسٍ لها وفد
وهَذبتَ أفعالَ الزمانِ وأهله / فلا خَطَأٌ فيما يَضُرُّ ولا عَمْد
لقد غادرتْ آثارُ عزمِك سِنْبِسا / نذيرا لمن قد غَرَّه الجمعُ والحَشْد
ولما طغى شيطانُها وتأكدتْ / بذاك عليها حُجَّةٌ ما لها رَد
خَرقَت بأطرافِ القَنا في قلوبها / مَسالكَ حتى ليس يَسْكُنها الحقد
فقد شكرتْ آثارَ سيِفك فيهمُ / قَشاعُم تَتْلوها مُحَلْحَلة عِقْد
فمَن عاش منهم بالفرارِ فإنما / حُسامُك موتٌ فوقَه حيثُما يَغْدو
لقد كان في أَفْياء عدلِك مَرْتَعٌ / لهم فيه لو لم يَغْدروا عيشةٌ رَغْد
وفي العدل إصلاحُ الخليقةِ كلِّها / ولكنْ من بينها يَفْسد الوغد
ولو لم تُغِثْهم رحمةٌ نَبوية / تَوارثَها منكم عن الوالدِ الوُلْد
لَما عاش من أحياءِ سِنْبِسَ واحدٌ / ولو عاش أفنى عمَره القيد والقِدّ
فإنْ عاوَدوا فالعَيْر يأتي بنفسه / ليَفْرِسه في خِيسه الأسد الوَرْد
لأَنَتَ الإمامُ الآمر العادل الذي / به يُعضَد الدينُ الحَنيف ويَشْتدُّ
له أَرْبَعٌ في الناس نِيطَتْ بأَرْبعٍ / فما لامرىءٍ عنها فكاكٌ ولا بُدّ
فطاعتُه فرضٌ وخدمته تُقىً / ونُصرته دِين ومَرْضاته جَد
لك الأرضُ مُلْكٌ باكتسابٍ ومَوْرثٍ / وما حَملتْ مالٌ ومن جَمعتْ عَبدُ
ثناؤك ما تُهدى الرياضُ لناشِقٍ / ولولاه ما فاح الخُزام ولا الرَّنْد
ونورك ما يُهدى الصباح لناظرٍ / ولولاه ضلّ الناس وامتنع القصْد
فضائلك الدُّرّ الذي لو تجسَّمتْ / قلائده لم يبق في الأرض مسْوَدّ
وهَيْهاتَ أنْ يستكمِلَ الوصفُ بعضها / إذا ما تَناهَى أو يحيطَ به حَد
وكيف يُكالُ البحرُ أم كيف تُوزَن ال / جبالُ وهل تُحْصَى الرمالُ وتَنْعَدّ
وغيرُ غريبٍ منك فضلٌ وإنما / حَياتُك دُنْياهُ وراحُتك المَهْد
سَينفُق مدحى فيك علما بأنه / إليك انتهى في جوهر الحِكَم النَّقْد
أجاد ابنُ هاني في المُعِزِّ مَدائحا / هَداه إليها ذلك الفضلُ والمجد
وقد جاد مَدْحِي فيك لما رأيتُ ما / رأى فاسْتَوىَ المدْحَان والإبنُ والجَدّ
ليَهْنِكَ عيدٌ جاء شوقاً لنظرةٍ / إليك له من أَجْلِها سنةٌ يَغْدو
يُفيد بها منك الذي جَلَّ قَدْرُه / فَضائلَ شتى ماله غيرَها وُكْد
فيُبِصر وجهاً كلُّ نورٍ شُعاعُه / ويلثم كفّا كلُّ جودٍ لها زَنْد
ويبدو له منك الكمالُ الذي حَوَى / مَحاسنَ لا تُحْصَى على أنه فَرْد
ويَعلم أنّ اللهَ شَرَّف أرضَه / بكَوْنِك فيها فاعْتَلَىَ الكوكبَ الوَهْد
هَنيئاً لعيدِ الفِطْر أنّك سامعٌ / تُهنَّى به لفظاً يُصيخ له الصَّلْد
تَهُزّ القَوافِي منك رَضْوى وَيَذْبُلا / كما اهتز من ريح الصَّبا القُضُب الملد
فلا زلتَ تَلْقَى كلَّ عيدٍ وموسمٍ / ومُلكُك بالتوفيق والسعد مُشتَدّ
ودمتَ لها مستقبِلا ومُشَيِّعا / بَقاءً يُبيد الحاسِدين ويَمْتدّ
سلامٌ على الثَّغْرِ الذي طال عنهدُه
سلامٌ على الثَّغْرِ الذي طال عنهدُه / سلامٌ يَرِثُّ الدهرُ وهْو جديد
فكم لي فيه من غُدْوةٍ وعَشيةٍ / صَفا العيشُ لي فيهنّ كيفَ أُريد
شبابٌ وأَحبابٌ وعيش كأنه / أميرٌ على الأيام وهْي جنود
أُراسل من أَهْوَى حديثا وما له / سوى غمز أجفان العيون بَريد
وكم خُلْسة للَّثْم فيها كأنها / على طمأٍ عذبُ المذاق بَرود
ثغورٌ بذاك الثغر تَحِكي أَقاحَه / إذا لمحتْه الشمسُ وهْو يَميد
بَعُدْتَ على رغمي فكيف تَلَذُّلي / حياةٌ ولو طالتْ وهنّ بعيد
ليالٍ كأبياتِ المعاني بديعةٌ / وسائرُ عمري بعدهنّ قَصيد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025