المجموع : 22
كما قلُتما بُرءُ الصبابةِ في الياسِ
كما قلُتما بُرءُ الصبابةِ في الياسِ / وليس لها غيرَ التجلُّدِ من آسِ
فما في الهوى مَرعىً يطيبُ لذائق / ولا مَوردٌ عذبٌ يَلذّ به حاسِ
سؤالُ مغانٍ ربعُها أخرسُ الصَّدَى / وشكوَى إلى مَن قلبُه ليِّنٌ قاسِ
أيَبْيَضُّ فَرعى والجوى في جوانحى / كأَنّ الهدى يا قلب مسكنُه راسي
وما هذه اللِّمّاتُ إلا صحائفٌ / محاها بياضُ الشَّيب عن لونِ قِرطاسِ
كأَن الرُّقَى مما عدِمت شفاءَها / تَعلَّمها الراقون من بعد وَسواسي
مَددتُ يداً نحو الطبيب فردَّها / إلى النَّحر واستغنى بإخبار أنفاسي
وما زال هذا البرقُ حتَى استفزّنى / سَناَ كلِّ وقاَّد ولو ضوءُ نِبراسِ
وليل وِصالٍ أسرعَتْ خُطُواتُه / بهجعةِ سُمَّارٍ وغفلةِ أحراسِ
فما قُصَّ للنَّسريْن فيه قوادمٌ / ولا رُبِطتْ ساقُ الثريا بأمراسِ
ضحوك ثَنيّاتِ الصّباح تخالُه / ضياءَ إمامِ الحقّ من آلِ عباسِ
هو الوارث النور الذي كان آية / لأبانه الماضين من عهد إلياس
فلو لم يكن للناس في الليل راحةٌ / لضوَّأَ من لألائه كلَّ دِيماسِ
كأن رسولَ الله ألقَى رداَءه / من القائِم الهادِى على جبل راسِ
ضميرٌ جلاه صَيقلُ الحلم والتُّقَى / وكفٌّ حباها الله بالجودِ والباسِ
ومحتجب بالعزّ لولا مكانه / لرُجَّت نواحى هذه الأرض بالناسِ
زمانُ الورى في ظلِّه وجنابه / كأيَّام تشريق وليلاتِ أعراسِ
رعاهم بروض الأمن غِبَّ مخافةٍ / وألبسهم ثوبَ الغنى بعد إفلاسِ
وراضَ الجَموحَ للذَّلولِ برفقهِ / فما بينهم إلا موازينُ قِسطاسِ
حِماهُ هو البيتُ العتيقُ ظباؤه / حرامٌ على عَبل الذراعَيْن فرّاسِ
فلو كان فيه ناقةَ اللهِ عاقرا / أخو وائلٍ ما ذاق طعنة جَسَّاسِ
وما ضرَّ من كان الإمامُ سحابَهُ / تقاعُدُ لَمَّاعِ البوارق رجَّاسِ
لسيَّارةِ المعروف في صُلبِ مالِهِ / غنائمُ لم تُقسم عليها بأخماسِ
له من صوابِ الظنِّ بالغيب مخبرٌ / ولا خيرَ في رأى امرىء غيرِ حسَّاسِ
وليس لأحقادٍ ذُكرنَ بذاكرٍ / ولا لحقوق الله يُنسَيْنَ بالنَّاسى
ولولاه كانَ الدِّين فقْعاً بقَرقرٍ / يُداسُ بأظلافٍ ويُفرَى بأضراسِ
سقاه مياه العز فاخضرَّ مُورِقاً / وأينعتِ الأفنانُ في عُودهِ العاسِى
فلا تنشُروا للباطلِ اليومَ رايةً / وهل يُنشَر المدفونُ في قَعر أرماسِ
يؤيده الرحمن في كلِّ موقفٍ / بنصر يعود الليثُ وهو به خاسِ
جيوشٌ من الأقدارِ تُفْنِى عُداته / بلا ضربِ إيثاخ ولا طعنِ أشناسِ
وكم شهدَتْ يوما أغرَّ محجَّلا / تُخلِّده الأقلامُ ذِكرا بأطراسِ
يُشا كِلُ بدرا والملائكُ حُضَّرٌ / ويَذكُرُ جندا أُنزِلتْ يومَ أَوْطاسِ
وقد علِم المصرىُّ أنَّ جنودَه / سِنُو يوسفٍ منها وطاعونُ عَمْواسِ
أحاطتْ به حتَّى استراب بنفسهِ / وأوجس فيها خِيفةً أىَّ إيجاسِ
قصورٌ على الفسطاط أضحتْ كأنها / قفارُ ربوعٍ بالسَّماوة أدراسِ
سهامُ أميرِ المؤمنين مَكايدٌ / ورُبَّ سهامٍ طرن من غير أقواسِ
هو المصطَفىِ التقوَى متاعاً لنفسه / بجوهرِها حالٍ بسُندُسها كاسِ
إذا وطِئت شُوشُ الملوك بساطَه / تضاءل منها كلُّ أغلبَ هِرماسِ
تَخِرُّ بِهِ شُمُّ الجماجم سُجَّدا / ويخشَعُ فيه كلُّ ذى خُلُق جاسِ
يُحيُّون من جسم النبوّةِ بَضعَةً / هي القلبُ في الحَيزوم والعينُ في الراسِ
ويَغشَون قَرْما من لؤىّ بن غالبٍ / يعدِّد في أنسابه كلَّ قِنعاسِ
من الخلفاءِ الرافعين بِناءهم / بأطولِ أعمادٍ وأثبتِ أساسِ
رعَتْ ذممَ الإسلام منهم كوالىءٌ / وسيست أمورُ الملكِ منهم بسُوَّاسِ
نجومٌ إذا السارون ضلُّوا هدتهُمُ / هدايةَ نِيران رُفعن بِقُرناسِ
قِداحُهُمُ يومَ الفخار فوائزٌ / وأسهمُهم إن نازلوا غيرُ أنكاسِ
همُ ملؤا الدنيا بطيبِ حديثهم / كما ملأ الأسماعَ قعقاعُ أجراسِ
كرهبانِ ليلٍ لا تلائمُ مضجَعا / وأُسْدِ صباحٍ ما تَقِرُّ بأخياسِ
وما منهمُ من ملَّك البِيضَ قلبَه / ولا طمِعتْ في لُبهِّ وثبةُ الكاسِ
عَتادُهم في حَجِّهم وجِهادهم / جراجرُ أجمالٍ وتَصهالُ أفراسِ
أولئك آباء الإمامِ ورهطُهُ / أصولُ كرامٍ زَيَّنتْ خيرَ أغراسِ
عَمِرتَ أميرَ المؤمنين بنعمةٍ / وعيشٍ صفيقِ الظلِّ أخضرَ ميَّاسِ
ولا زالت العلياءُ عندك وفدُها / يروح بأنواعٍ ويغدو بأجناسِ
ابحتَ حِمىَ الإحسانِ حتّى أصابه / معاشرُ من نَيل المنى غيرُ أكياسِ
وما نعمةٌ إلا أفضتَ لباسَها / على من عهدناه لها غيرَ لبَّاسِ
مواهبُ فيها لابنِ حِصنٍ وحابس / نصيبٌ فهلاَّ مثلُه لابن مِرداسِ
فما لي وبحرُ الفضل عندك زاخرٌ / يطاوَل في دار المُقامة أحلاسى
إذا رُفِعت نارُ القِرَى لك أُوقدتْ / مَصابيحُ لم يُستدنَ فيهنَّ مِقباسى
أوذُ بواديك المقدِّسِ أن أُرى / فريسةَ قنّاصٍ من الدهر نهَّاسِ
للا رِقبةٍ جَورُ الزمان وعدلُهُ / وتحريجُه جارٍ على غير مقياسِ
فإن تصطنعْ نُعْمى فأنتَ وليُّها / وهيهات تُقضَى من رجائك أحلاسى
ننال بأدنى القولِ منك مدَى العلا / ولا عجبٌ أن يُحضر الدُّرُّ بالماسِ
وإن كان ثدىُ الجود عندك حافلا / فقد يُمتَرى دَرُّ اللَّبون بإبساسِ
تعامت لنا الأيامُ عنك وأبلستْ / نوائبُها عن قصدها أىَّ إيلاسِ
فليست صروفُ الدهر ما دمت سالما / مُعاشرَ أهليها بخوفٍ ولا باسِ
تُرى رائحٌ يأتى بأخبار مَن غدا
تُرى رائحٌ يأتى بأخبار مَن غدا / وهل يكتُم ألأنباءَ من قد تزوَّدا
أُحبّ المقالَ الصدقَ من كلّ ناطقٍ / سوى ناعبٍ قد قال بينُهُمُ غدا
ألاَ استوهِبا لى الأرحبيَّةَ هَبَّة / لنُحدثَ عهدا أو لنضربَ موعدا
حرامٌ على أعجازهنَ سياطُنا / فيا سائقيْها استعجِلاهنَّ بالحُدا
متى ترِدا الماءَ الذى ورَدتْ به / ظباءُ سُلَيمٍ تَنقَعا غُلَةَ الصَّدا
فلا تُشغَلا عنه بلثمِ حَبابهِ / تظنَّنهِ ثغرا عليه تبدَّدا
فقد طال ما أبصرتُما ظبىَ رملةٍ / فشبّهتُماه ذا دَمالجَ أغيدا
فرشتُ لجنبِ الحبّ صدرى وإنما / تهابُ الهوى نفسٌ تخاف من الردى
ونفَّرتُ عن عينى الخيالَ لأنه / يحاولُ مَدِّى نحو باطله يدا
أرى الطيفَ كالمِرآة يخلُق صورةً / خداعا لعينى مثلما يَسحَر الصَّدى
أتزعمُ أنّ الصبرَ فيك سجيّةٌ / وتشجَى إذا البرق التِّهامىُّ أنجدا
وقالوا أتشكو ثم تَرِجعُ هائماً / فقلتُ غرامٌ عادلى منه مابدا
تُعاد الجسومُ إن مرضنَ ولا أرى / لهذى القلوب إن تشكَّين عُودَّا
فلا تحسبوا كلّ الجوانح مَضغةً / ولا كلَّ قلبٍ مثلَ قلبى جلمدا
وحىٍّ طرقناه على زوْرِ موعدٍ / فما إن وجدنا عند نارهمُ هُدى
وما غفلتْ أحراسُهم غير أنّنا / سقطنا عليهم مثلَما سقَط النَّدى
فلما التقينا حشَّ قلبي فراقُهم / فلم ينكروا النارَ التي كان أوقدا
نزحتُ دموعى بعدَهم من أضالعى / مخافةَ أن تطغَى عليها فتجمُدا
وفي العيش مَلهىً لامرىء بات ليلَه / يشاور في الفتك الحسامَ المهنَّدا
إذا ما اشتكت قَرْحَ السهاد جفونُهُ / أداف لها من صِغة الليل إِثمِدا
يظنّ الدجَى فرعا أثيثاً نباتُهُ / ويحسَبُ قَرن الشمس خدًّا مورَّدا
ويرضَى من الحسناء بالرِّيم إن رنا / كحيلا مآقيه وأتلعَ أجيدا
كما بزعيم الدّولة الأممُ ارتضتْ / على الدِّين والدنيا زعيما وسيِّدا
أقاموا بدار الأمن في عَرَصاته / كأنهمُ شدّوا التميمَ المعقّدا
رمى عزمُه نحو المكارم والعلا / مصيبا فكان المجد مما تصيَّا
إذا أَمَّم السارون نورَ جبينهِ / كفى الرَّكب أن يدعو جُدَيًّا وفرقدا
تلألأ في عِرنينِه نورُ هيبةٍ / تخِرّ له الأذقانُ في الترب سُجَّدا
أباح حِمَى أموالهِ كلَّ طالب / من الناس حتى قيل ينوى التزهُّدا
له روضةٌ في الجود أكثرُ روَّدا / من المنهل الطامى وأوفرُ ورّدا
تَناكصُ عن ساحاته السُّحبُ إنها / متى حاكمته في الندى كان أجودا
وهل يستوى من يمطر الماءَ والذي / أناملُه تهمِى لجُيْنا وعَسجدا
ومَن برقُه نارٌ وَمن برقُ وجهه / تهلُّلُ مرتاحٍ إلى الجود والنَّدى
قليلُ هجوعِ العين تسرِي همومُه / مع الجارياتِ الشُّهب مَثْنَى ومَوْحَدا
ومن كان كسُب المجدِ أكبرَ همّه / طوى بُردةَ الليل التِّمامِ مُسهّدا
متى ثوَّب الداعى ليومِ كريهةٍ / تأزّر بالهيجاء واعَتمَّ وارتدى
وقد علِمتْ أشياخُ جُوثَةَ أنه / أمدُّهُمُ باعاً وأبطشُهم يدا
لهم واصَلَ الطعنَ الخِلاجَ فأصبحت / تَشَكَّى الردينياَّتُ منه تأوُّدا
رأى الودَّ لا يُجدى وليس بنافع / سوى نقماتِ السيف والرمح في العدا
فما يقتنِى إلا حساما مهنداً / وأسمرَ عسَالاً وأقودَ أجردا
متى يَرْمِ قوما بالوعيد وإن نأت / ديارهُمُ عنه أقام وأقعدا
وما الرمح في يمنَى يديه مسدَّدا / بأنفذَ منه سهمَ رأىٍ مسدّدا
صهيلُ الجياد المقرَباتِ غِناؤه / فلو سمّها الغَريضَ ومَعبْدا
ويُذكِره بزلَ النجيعِ من الطُّلَى / عِضارٌ جلبنَ البابلىَّ المبرَّدا
فلو لم يكن في الخمر للبأس مشبِهٌ / وللجود لم يجعلْ له الكأسَ مَورِدا
بعثت لسكّان العراقِ نصيحةً / متارِكةَ الرئبال في غِيله سُدَى
ولا تأمنوا إطراقَه إنّ كيْده / ليَستخرج الضبَّ الخبيثَ من الكُدَى
أرى لك بالعلياء نارا فَراشُها / ضيوفُك يُقرَوْنَ السَّدِيفَ المسَرْهَدا
فلا تُفنِيَنَّ العِيسَ بالعَقْر إنها / متى تَفنَ تجزُرْهُم إماءً وأعبُدا
وكم موقفٍ أسكرتَ من دمِه القنا / وأشبعتَ فيه السيفَ حتى تمرَّدا
ولو تجحد الأقرانُ بأسَك في الوغى / أتتك النسورُ بالذي كان شُهَّدا
إليك نقلناها أخامصَ لم تجد / سوى بيتك الأعلى مُناخا ومَقصِدا
ولو بُعدَ المسَرى زجرنا على الوجَى / أغرَّ وجيهيٍّا ووجناءَ جَلْعَدا
ومثلك من يرجو الأسيرُ فِكَاكَه / ولو كان في جَور الليالي مقيَّدا
لئن كنت في هذا الزمان وأهله / كبيراً لقد أصبحت في الفضل مفردا
لَجاجةُ قلبٍ ما يُفيق غُرورُها
لَجاجةُ قلبٍ ما يُفيق غُرورُها / وحاجةُ نفسٍ ليس يُقضَى يسيرُها
وعينٌ إلى الأطلالِ تُزجِى سحابَها / إذا لوعةُ الأحشاءِ هبَّ زفيرُها
أكلَّفها هطلا على كلِّ منزلٍ / فلو أنها أرضٌ لغارت بُحورُها
وما تجمع العينُ التوسُّمَ والبكا / فهل تعرفانِ مقلةً أستعيرُها
وقفنا صفوفا في الديار كأنها / صحائفُ ملقاةٌ ونحن سطورُها
يقول خليلى والظّباء سوانحٌ / أهذى التي تهوى فقلت نظيرُها
لئن أشبهتْ أجيادُها وعيونُها / لقد خالفت أعجازُها وصدورُها
فيا عجبى منها يَصُدّ أنيسُها / ويدنو على ذُعرٍ إلينا نَفورُها
وما ذاك إلا أنَّ غِزلانَ عامرٍ / يثقنَ بأن الزائرين صُقورُها
ألم يكفِها ما قد جنتهُ شموسُها / على القلب حتى ساعدتها بدورُها
نكَصنا على الأعقاب خوفَ إناثها / فما بالها تدعو نَزالِ ذُكورُها
ووالله ما أدرى غَداة نظرنَنا / أتلك سهام أم كئوسٌ تديُرها
فإن كنَّ من نَبلٍ فأين حَفيفُها / وإن كنَّ من خمرٍ فأين سرورهُا
أيا صاحبىّ استأذنا لىَ خُمْرَها / فقد أذِنتْ لي في الوصول خدورُها
هباها تجافتْ عن خليلٍ يروعُها / فهل أنا إلا كالخيال يزورُها
وقد قلتما لي ليس في الأرض جَنّةٌ / أما هذه فوق الركائب حُورُها
فلا تحسَبا قلبي طليقا فإنما / لها اصلورُ سجنٌ وهو فيه أسيرُها
يعِزُّ على الهِيم الخوامسِ وِردُها / إذا كان ما بين الشفاه غديرُها
أراكَ الحمى قل لي بأَيّ وسيلةٍ / وصلتَ إلى أن صادفتك ثغورُها
ومالي بها علمٌ فهل أنت عالم / أأفواهها أولى بها أم نحورُها
يطيب النسيمُ الرطبُ في كلّ منزلٍ / وما كلُّ أرض يستطابُ هجيرُها
وأنَّ فروعَ البان من أرض بِيشَةٍ / حبيبٌ إلىّ ظلُّها وحَرورُها
أَلذُّ من الورد الجنىّ عَرارُها / وأحلىَ من الشهدِ المصفَّى بَريرُها
على رِسْلكم في الحبّ إنّا عصابةٌ / إذا ظفِرتْ في الحبِّ عفَّ ضميرُها
سَواءٌ على المشتاق والهجر حظُّه / أألقت عصاها أم أجدَّ بُكورُها
لعمرُك ما سحرُ الغوانى بقادرٍ / على ذات نفسي والمشيبُ نذيُرها
وما الشَعراتُ البيضُ إلا كواكبٌ / مطالعُها رأسى وفي القلب نُورُها
ضياءٌ هدانى فاهتديتُ لماجدٍ / سُهولُ المعانى طُرقُه ووُعورُها
أجابَ به اللهُ الخلافةَ إذ دعت / وزيرا فكان من أجنَّ ضميرُها
به غَصَّ ناديها وأشرقَ سعدُها / وأُفعمَ واديها وسُدّت ثُغورُها
تَباهَى به يومَ الرحيل خيامُها / وتُزهَى له يومَ المقام قصورُها
وقد خفيتْ من قبله معجزاتُها / فأظهرها حتى أقرّ كَفورُها
فما رأيه إلا سمُوطُ لآلىء / يرصَّع منها تاجُها وسريرُها
ولا عجبٌ أن تستطيلَ عِمادُها / وهذا الهمامُ الأريحىّ وزيرُها
فقل للّيالي كيف شئتِ تقلَّبي / ففي يدِ عبلِ الساعدينِ أمورُها
يدٌ عبِقت بالمكرُمات وضُمِّختْ / وما الطيبُ إلا مِسكها وعبيرُها
إذا كان خاتامُ الخلافةِ حَلْيَها / فأىّ افتخار يستزيد فَخورُها
وما صيغ لولا معصماهُ سِوارُها / ولا صين لولا مَنكِباه حريرُها
أمانىُّ في صدور الوزارةِ بُلغِّتْ / به كُنهَها حتى استحقَّتْ نُذورُها
لوتْ وجهها عن كلّ طالب مُتعةٍ / إلأى خاطبٍ حِلٍّ عليه سُفورُها
ومن ذا كفخر الدولة اتامها له / وما كلُّ نجم في السماء منيرُها
اَلانَ رأينا في مجالس عزِّها / مجالسَ تُملاَ بالعَلاء صدورُها
كأنَّ على تلك الأرائك ضيغما / له نأَماتٌ لا يجابُ زئيرُها
إذا مَثَلَ ألأفوامُ دون عَرينهِ / تساوَى به ذو طيشها ووقورُها
تكاد لِما قد أُلبست من سكينةٍ / ترِفُّ على تلك الرؤوس طيورُها
دعوا المجد للرّاقى إلى كل قُلَّةٍ / يُشقُّ على العَوْدِ الذلول خُدورُها
لذى الخطَراتِ المخبراتِ يقينَه / بمستقبَل الحالاتِ ماذا مصيرُها
ألم تعلموا أن النعائمَ في الثرى / وأن البُزاةَ في الشِّعاب وُكورُها
وقد علمت أبناءُ هاشمَ كلُّها / بأي ابن هَمٍّ قد أمِرَّ مَريرُها
بمكتهلِ الآراء لو زاحموا به / جبالَ شَروْرَى لارحَجنَّت صُخورُها
مقيم بأطرافِ المكارم سائل / ركابَ بنى الحاجات أين مسيرُها
جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جزائه / ركائبَ تخَدِى بالمكارم عِيرُها
وأسقَى جيادا سِرنَ بالبأس والندى / من الساريات الغاديات غزيرُها
تناقلن من علياءِ دارِ ربيعةٍ / وبكرٍ بأنواءٍ يفيض نميرُها
تخطَّت شُعوبا من ذؤابة عامرٍ / لها العزُّ حامٍ والنجاحُ خفيرُها
وساعدها من آلِ جُوثَةَ عصبةٌ / إذا ثوّب الداعى يعزُّ نصيرُها
حماةُ السيوف والرماح حِمَامُها / وأحشاءُ ذؤبانِ الفلاة قبورُها
قِبابهم السمرُ الطوالُ عِمادُها / ومُقرَبَةُ الخيلِ العتاقِ ستورُها
وأفنيةٌ مثلُ الروابى جِفانها / ومثل الجبال الراسيات قدورُها
إذا طَرقَ الأضيافُ غنَّت طلابُها / وناحت بشجوٍ شاتُها وبعيرُها
فما خَطَت الجُودِى حتى تراجفتْ / إليهنّ آكام العراقِ وقُورُها
وكادت لها بغدادُ يوم تطلّعت / تسيرُ مغانيها وتَجمحُ دُورُها
فلم تك إلا هِجرةٌ يثربيَّةٌ / حقيقٌ على رهطِ النبىِّ شُكورُها
فلله شمسٌ مغربُ الشمسِ شرقُها / وفي حيثما شاءت طُلوعا ذُرورُها
أعدْتَ إلى جسم الوزارة رُوحَهُ / وما كان يُرجَى بعثُها ونُشورُها
أقامت زمانا عند غيرك طاظِثاً / وهذا الزمان قُرءُها وطَهورُها
من الحقّ أن يُحبَى بها مستحقُّها / ويُنزَعَها مردودةً مستعيرُها
إذا ملك الحسناء من ليس كفؤها / أشار عليها بالطلاقِ مُشِرُها
أظنَّ ابنُ دارستَ الوزارةَ تَلعةً / بفارسَ قد عُدَّتْ عليه بُدورُها
وإن هضاب المجد ليست بمَزلَقٍ / لأحنفَ كابى الحافرين عُثورُها
ألمَّا يكن في نسجِ تُوَّجَ شاغلٌ / له عن تعاطى رتبةٍ لا يطورُها
أقول وقد واراه عنّا حِجابهُ / رويدَكَ دون الفاحشات سُتورُها
وأعلقه بابن الحُصيْن سفاهةٌ / ألا خابَ مولاها وساء عشيرُها
فأعدَى إليه رَأيَهُ فأباده / كما أهلك الزَّبَّاءَ يوما قَصيرُها
وهل نجمه الهاوى سوى دَبَرانها / وهل ريحُه الهوجاءُ إلا دَبورُها
وأطربه تحت الرِّواق نُهاقُه / وليس يروق الأُتْنَ إلا حَميرُها
وما كان طنّى أن للذئب وقفةً / وقد جرَّ أرسانَ الأمور هَصورُها
فأرضُ رُعاءِ البَهْمِ إلا تُقِرَّه / يُعقَّرْ بنابٍ لا يُبِلُّ عقيرُها
ولا تُلقيَنَّ البأسَ عند احتقارهِ / ألا ربما جر الخطوبَ صغيرُها
بودّىَ لو لاقيتُ مجدَك تالياً / مناقبَ أُسديها له وأَنيرُها
ولكننى أبعدتُ في الأرض مذهبى / لإعزاز نفسٍ قد جفاها عَذيُرها
وهجهجَ بي عن أرض بغدادَ ذِلةٌ / كوخز سنانِ السمهرىّ حُصورُها
لأمثالها تعلو الجيادَ سُروجُها / ويلتقم الحَرْفَ العَلَنداةَ كُورُها
فكدت بأن أنسى لذاك فصاحتى / سوى أنّ طبعا في الحمَام هديرُها
تركنا رُبَى الزوراء ينزو خِلالَها / جَنادبُ يعلو في الهجير صَريُرها
وقلتُ بلادُ الله رحبٌ فسيحةٌ / فهل معجزى أفحوصة أستجيرُها
وقد تترك الأسدُ البلادَ تنزُّهاً / إذا ما كلابُ الحيّ لجَّ هريرُها
أقامت بمثواك الليالي مُنيخةً / مكرَّرةً أيامُها وشُهورُها
يؤرَّخُ من ميلاد سعدك عَصْرُها / وتُحصَى بأعمار النسور دُهورُها
فدونكها للتاج يُبتاع دُرُّها / فَرزدقُها غَوَّاصها وجَريُرها
وقد زادها حسنا لعينيك أنها / على مسمعَىْ داود يُتلَى زَبورُها
إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا
إذا نثرَ الناسُ الهِرَقْليَّةَ الصُّفْرا / نثرتُ على عليائك الحمدَ والشُّكرا
وصغتُ من الذهن المصفَّى بدائعا / أقرِّط أسماعَ الرُّواةِ بها شَذْرا
فلا تحسبَنَّ الدُّرَّ في البحرِ وحدَه / فقد تُخرِج الأفواهُ من لفظها دُرَّا
ومن كان جسمَ المكرمات وروحَها / تحلَّى ثناءً لا لُجينا ولا تِبرا
يُحيَّا برَيحان المحامدِ سمعُه / ويكفيهِ أن كانت مناقبه عِطرا
ولست براضٍ غيرَ وصفك تحفةً / ولا قاضيا إلا بمِدحتك النَّذرا
بلغتَ عميدَ الدولة الغايةَ التي / ركائبُ أنباءِ المنى دونَها حَسرَى
وما زلتَ تُغلى المجدَ حتى جعلتَهُ / عليك حبيسا لا يباعُ ولا يُشرى
وكم طالبٍ فيه نصيبا وإنه / ليَقبِضُ كفَّيْه إذا عَرف السِّعرا
تطيعك في المعروف نفسٌ حيِيَّة / إذا سُئلتْ جدواك تستقبحُ العُذرا
أظنُّك في الدنيا تُريد زهادةً / فلستَ بمستبقٍ لعاقبةٍ ذُخرا
وقد كانت النَّعماءُ جادت بنفسها / فأنشأتَها في عصرك النشأةَ الأخرى
مواهبُ يُعطين الغنىَّ على الغِنَى / مَزيدا ويتركن الفقيرَ كمن أثرى
يوافين سراًّ والسحابُ برعدها / تبوح بما توليه إن أرسلتْ قَطرا
فدّى لك صيفىُّ الغمامة في الندى / يَظُنّ سؤالَ السائلين به مكرا
إذا حامت الآمالُ حول حِياضه / سمعنَ بها من كلِّ ناحيةٍ زَجرا
ألستَ من القوم الذين نداهُمُ / حبائُلهم والراغبون بها أسرى
يبيتون في المشتى خِماصاً وعندهم / من الزاد فضلاتٌ تُصان لمن يُقرى
خشَوا أن يضِلَّ الضيفُ عنهم فرفَّعوا / من النار في الظلماء ألويةً حُمرا
أفادوا الذي شاءوا وأفنَوه عاجلا / فقد جمعتْ أيديهم العُسرَ واليُسرا
تواليك حباَّتُ القلوب كأنما / خُلقتَ سرورا في الضمائِر أو سِرّا
فإن كانت العينان داعيةَ الهوى / فقد أبصرتْ من شخصك الشمسَ والبدرا
وإن كان للنفس الطروبِ تتيُّمٌ / فأجدرُ أن تَهوَى خلائقَك الزُّهرا
فقد جنَح الأعداءُ للسّلم رغبةً / إليك وأىّ الناس لا يعشق البِرّا
فأما سَقام الحاسدين فما له / شفاءٌ وقد كادتهُمُ نِعَمٌ تَتْرَى
تسوت يداك بسطةً وسماحةً / فلم تفخر اليمنى بفضل على اليسرى
ومعترَكٍ للقوم مزَّقتَ جمَعه / بحدِّ لسانٍ يُحسن الكرّ والفرّا
وفحشاء أدّتها إليك جهالةٌ / جعلتَ رتاجَ الحلم من دونها سِترا
سما بك فوق العزّ قلبٌ مشيَّعٌ / إذا ركب الأهوالَ لم يستشر فكرا
وهمّةُ وثَّابٍ على كلّ ذِروةٍ / يَنال على أكّدها النَّهىَ والأمرا
ألا ربَّ ساعٍ في مَداك كَبتْ به / مطاياه أو قالت له رِجلُه عَثْرا
وملتمِسٍ في عدِّ فضلك غايةً / ومن يَشبُر الخضراءَ أو ينزِف البحرا
خذوا عن غُبار الأعوجيَّات جانبا / وإلا فقد ضيعتمُ خَلفها الحُضرا
وخلُّوا لهذا البازلِ القَرِم شَولَه / فإنكُمُ لم تَحذِقوا الهَدْر والخَطْرا
فتىً سالَبَ ألأعداء حِرصا على العلا / فأجلَوا له عنها وما عَقَد الأُزْرا
وهل يُعجب الروضُ المنوّرُ أعينا / رعَتْ في محيّاه الطلاقةَ والبِشرا
كأنَّ الحياءَ انهلَّ في وجَناته / فكانَ لها ماءً وكانت له غُدْرا
تحدّثه الغيبَ الخفىَّ طنونهُ / فتحسبُها قد أودِعتْ صُحُفا تُقرَا
وقالوا هو الغيث الذي يغمرُ الربىَ / فقلت لهم ما زدتموني به خُبرا
فقالوا هو الليثُ المعفِّر قِرنَهُ / فقلت بحقّ الله أيُّهما أجرا
حلفت بها تَهوِى على ثَفِناتها / من الأين مرخاةً أزمَّتُها صُعرا
تجرِّر أذيالَ الرياح وراءَ ها / إذا كتبتْ سطرا محتْ قبلَه سطرا
تَنَزَّهُ عن حَمل الأوانسِ كالدُّمى / وتحمِل في كِيرانها الشُّعثَ والغُبْرا
إلى حيث لا تُجزَى بحسن صنيعها / إذا ما قضَوا نُسكا جزَوها به نَحرا
وبالبيت محفوفا بمن طاف حوله / إطافةَ سِمطىْ لؤلؤ قلّدا نحرا
تُفاضُ سجوفُ الرَّقم في جبناته / على ماثلٍ تَعرَى السيوفُ ولا يعرى
حمىً لا يخاف الطيرُ في شجراتهِ / قنيصا ولا تخشى الظباءُ به ذُعرا
وبالحجرِ الملثومِ سمعا وطاعة / ونعلم أنْ ما يملك النفع والضرا
لأنت إذا صَكُّوا القِداح على العلا / أحظُّهمُ سهما وأسرعُهم قَمرا
وأعلاهُمُ كعبا وأحلاهُمُ جَنىً / وأوفاهُمُ عهدا وأرفعُهم ذِكرا
كفاك نجاحُ السعى في كلّ مطلب / هممت به أن تزج الأدم والعفرا
بعزم كما أطلقن أنشوطة الحبى / وجِدٍّ كما نفَّرتَ عن مَربإ صَقرا
رأيتك طودا للخليفة شامخا / وسيفا على شانيه يختصر العمرا
إِذا عرَضتْ حَوجاءُ كنتَ قضاءَها / وإن طرَقتْ غَمّاءُ سَدّ بك الثغرا
دعاك لأمرٍ ليس يُحكِم فتلَه / سواك وهجِيِّراك أن تُبرمَ الأمرا
فأرسلتَها من بابلٍ وكأنما / تُقلِقلُ من تحت السروج قَطاً كُدْرا
صدمَت بها الأجبالَ والقُرُّ كالحٌ / تجلّلها ثلجا وتُنعلها صخرا
تَذكَّرُ مَرعىً بالعراقِ ومورِدا / وهل ينفع المشتاقَ ترديدُه الذكرا
إذا رَبأتْ في قُنَّةٍ خِلت أنها / خُدارِيّةُ العِقبانِ طالبةً وَكرا
فزاحمن فيها الشُّهب حتى طمعن أن / يحلَّين منهنّ القلائدَ والعُذْرا
بكلِّ منيفٍ يقصُر الطيرُ دونه / ولا تجد النكباءُ من فوقه مَجرى
وطودٍ بحولىّ الجليدِ معمَّمٍ / كما زار لونُ الشيب في هامةٍ شَعرا
كأنا كشطنا عنه جِلدةَ بازلٍ / كسا شحمُه جنبيه والمتنَ والظهرا
أقامت به ألأنواءُ تُهدى لك القِرى / ولم تقتنع بالماء فاحتلبت دَرَّا
فرشنَ بِكافورِ السماء لك الربىَ / فشابهنَه لونا وخالفنَه قِشرا
اذا خلَصت منها الجيادُ رأيتها / وما خالطت لونا محجَّلةً غُرّا
وقاسمها بُعدُ المدى في جسومها / فأفنى بها شطرا وابقى لها شطرا
ولما دَحَت قُود الهضاب وراءَها / ورنّحها طولُ القيادِ لها سُكرا
رمتْ صحصحانَ الرَّى منها بأعين / تردّد في أعطافه نظرا شَزرا
هناك دعا داعٍ من الله مسمِعٌ / فلبَّاك من ضمَّتْ معالمُها طُرَّا
يحيُّون ميمونَ النقيبةِ ماجدا / ويَلقون بالتعظيم أعظمَهم قدرا
ولا قيتَ ربَّ التاج يرفعُ حُجْبَهَ / ويطردُ ما ناجيته التيهَ والكِبرا
وحاورتَه حتى شغفتَ فؤادَه / ألا ربّما كان البيانُ هو السحرا
رأى فيك ما يهواه مجدا وسؤددا / فما كنت إلا في مجالسه صدرا
وحسبُك فخرا أن تجَهزّتَ غاديا / فقضَّيتَ أوطار النبوّة من كِسرى
مليكٌ حمَى الرحمنُ بيضةَ مُلكه / فما في الورى من يستطيع لها كَسرا
كتائُبه في كلّ شرق ومغرب / مدرَّعةٌ فتحا مؤيّدةٌ نصرا
كَفاه نظامُ الملك أكبرَ همّة / وأتعبَ في آرائه السرَّ والجهرا
همامٌ إذا ما هزَّ في الخطب رأيَهُ / فلا عجبٌ أن يُخجل البيضَ والسُّمرا
إذا هو أمضَى نعمةً قد تعنَّست / تخيَّر أُخرى من مواهبه بِكرا
ومن رأيه الميمونِ عقدُ حبالهِ / بحبلك حتى قد شددتَ به أَزْرا
لئن كنتَ أنت المشترِى في سمائه / علوًّا لقد قارنتَ في أفقهِ الشِّعْرَى
فأصبحتُما كالفرقدَيْن تناسُباً / فأكرِمْ بذا حَمْواً وأكرم بذا صِهرا
وقضَّيتَ ثم عطفتَها / تَبارَى كما ينسابُ في الشَّعَر المِدرى
وأُبت كما آبَ الربيعُ إلى الثرى / يَخيط على أعطافهِ حُلَلا خُضرا
ففي كلّ يوم ما أغبَّ مبشِّر / يؤدّى إلى بغدادَ من قربك البُشرى
ولما اطمأنَّت في جَلَوْلاءَ عالجتْ / بذاك النسيم الرطِب أكبادَها الحرَّى
فأقسمتَ لا تنفكّ تحت لُبودِها / إلى أن توافى حَلبةَ القصْرِ والقصرا
وعُجتَ بها تطوِى منازلَ أربعا / إلى منزلٍ يا بعدَ ذلك من مَسرَى
ولله فينا نِعمةٌ إثرَ نعمةٍ / وعَوْدك محروسا هو النعمة الكبرى
فلا كان يومٌ لستَ في صدره ضُحىً / ولا كان ليلٌ لستَ في عَجْزه فجرا
ودِدتُ التصابى فيك إذ كان عاذرى
ودِدتُ التصابى فيك إذ كان عاذرى / وعاديتُ حلمى إذ غدا عنك زاجرى
ومالي سوى قلبٍ يضلّ ويهتدي / فإما الهوى فيه وإما بَصائري
وإني لأدرِي أنما الغُنْجٌ واللَّمَى / وبيضُ الطُّلَى هنّ القذى في المحاجرِ
ولكنّها نفسٌ تروضُ طباعَها / بما حملته من عذاب الجآذِرِ
عدِمتُ فؤادي يبتغي الآنَ رشدَه / فهلاّ قُبيل الحبّ كان مشاورى
فما بالنا نُعطَى الدنيَّة في الهوى / وفي الروع لا نعطَى ظُلامةَ ثائرِ
كأنا جميمُ الروض يقطُف نَوْرَه الظ / باءُ ولا يحلو لأُسْدٍ خوادرِ
وإنّ انقيادى طوعَ ما أنا كارهٌ / يدلُّك أنَّ المرءَ ليس بقادرِ
لواحظُنا تجنىِ ولا علَم عندَها / وأنفسُنا مأخوذةٌ بالجرائرِ
ولم أرَ أغبىَ من نفوسٍ عفائفٍ / تصدّق أخبارَ العيون الفواجرِ
ومن كانت الأجفانُ حُجَّابَ قلبهِ / أَذِنَّ على أحشائه للفَواقِرِ
إذا لم أفز منكم بوعدٍ فنظرَةٍ / إليكم فما نفعى بسمعى وناظرى
وما زال لي عند الظباء ظُلامةٌ / تُرَدُّ إلى قاضٍ من الحبّ جائرِ
لعمرُك ما بي في الصبابة حَيرةٌ / تقسِّم فكرى بين ناهٍ وآمرِ
تصاممتُ عن عذل العذول لأنه اح / تجاجٌ لسالٍ واعتذارٌ لعاذرِ
وكيف بنسياني الذي حفِظ الصِّبا / وبات به طيفُ الخيال مسامرى
بلى إِنّ بَردَ اليأس يطفىءُ حُرقةً / ولو سُقيت منه قلوبُ الهواجرِ
وإِنّا إذا ضلَّت من الحَزْنِ نفحةٌ / فزِعنا إلى نِشدانها بالمناخرِ
أصعِّد أنفاسي إذا ما تمرّغت / على تُربه هوجُ الرياح الخواطرِ
وأذكرُ يوما قصَّر الوصلُ عمرَهُ / كأنا التقينا منه في ظلِّ طائرِ
متى غَنت الورقاءُ كانت مدامتى / دموعى وزفراتي حنينَ مَزاهِري
خليليَّ هذا الحُلُم قد أطلق الأسَى / وبثَّ حُبولَ الشوق بين الضمائر
ولم يبق في الأحشاء إلا صُبابة / من الصبر تجرِي في الدموع البوادرِ
فَلَيًّا بأعناقِ المطىِّ فربّما / أصبنا الأماني في صدور الأباعرِ
وإن لم يكن في ربّة الخِدر مَطمعٌ / قنَعنا بآثار الرسوم الدوائرِ
مَرابط أفراس ومَبرك هَجمةٍ / وملعب ولدان ومجلس سامرِ
وسُفعِ أئافىٍّ كانّ رَمادَها / حمائمُ لكن هنَّ غيرُ طوائرِ
ويا حبّذا تلك النُّئىّ وليتها / تروح خلاخيلي وتغدو أساورى
إذا أنتَ لم تحفَظ عهودَ منازلٍ / فلستَ لعهد النازلين بذاكرِ
سقاها الذي أضحت ينابيعُ فضلهِ / تَمُدُّ شآبيبَ الغيوثِ البواكرِ
فجودُ عميد الدولة العُشبُ والحيا / ومقتَرَحُ الراجى وازادُ المسافرِ
كُفيتَ به أن تطلبَ الرزقَ جاهدا / على زعمهم بالسعي أو بالمقادرِ
تظَلُّ قَلوص الجُود ترقُص تحتهُ / إذا حُديتْ يوما بنغمة شاكرِ
تحدَّثْ ولا تحرَجْ بكلّ عجيبةٍ / من البحر أو تلك الخلال الزواهرِ
فما ذاق طعمَ الرىِّ من لم تُسَقِّه / أناملُه من صوبها المتواترِ
وكم من كسير للّيالي قد التقت / عليه أياديه التقاءَ الجبائرِ
ومنتَهب الجدوى يُريك سحابُه / زمانَ الربيع السكبِ في شهر ناجرِ
يسابقُ بالفعلِ المقالَ كأنه / يرى الوعدَ فنًّا من مِطال الضمائرِ
فأنت تراه ماطرا غيرَ بارقٍ / ولست تراه بارقا غيرَ ماطرِ
مواهبُ سمّاها العفاةُ صنائعا / وهنّ نجومٌ في سماء المآثرِ
ملوم على بذل البضائع في الندى / وما تاجرٌ في المكرُمات بخاسِر
قَطوبٌ وأطرافُ القيانِ عوابثٌ / ضحوك وأطرافُ القنا في الحناجرِ
به ازدانت الدنيا لنا وتلفّتت / إلينا الليالي بالخدود النواضرِ
تعلَّمت الأيامُ منه بشاشةً / أعادت إلىّ الدهرَ حَشَّن المَكاسِر
يذيبُ السؤالُ شَحمةَ الرفِد عنده / وهل يجمُد العنقودُ في كفِّ عاصِر
أبَى أن تُهزَّ العُنجُهِيَّةُ عِطفَهُ / يقيناً بأنّ الكبرَ إحدى الكبائرِ
ولا عيبَ في أخلاقه غيرَ أنها / فرائد دُرّ ما لها من نظائرِ
وما الناسُ إلا كالبحور فبعضُها / عقيمٌ وبعضٌ معدنٌ للجواهرِ
فتعساً لأقدام السُّعاةِ وراءه / ألم ينتهوا عنه بأوّل عاثرِ
يُقِرُّ له بالفضل كلُّ منازع / إذا قيل يومَ الجَمع هل من مُفاخرِ
أخو الحزم ليست في نواحيه فرصةٌ / لنُهزةِ مغتالٍ ونَفثةِ ساحر
إذا ركَضتْ آراؤه خلفَ فائتٍ / تدارك منه غائبا مثل حاضرِ
متى تأتهِ مستشفعا بصنيعهِ / إليك فقد لاقيته بأواصرِ
تتبَّع أوساطَ الأمور مجانبا / تورُّطَ عجلان ووَنيةَ قاصِر
وقد علم النُّزَّاعُ أ ديارَه / إذا انتجعوها نِعم دارُ المُهاجرِ
تسلَّوا عن الأوطان بالأبطح الذي / يلائم مَرعاه لبادٍ وحاضرِ
يطاول بالأقلام ما تبلغ القنا / ويفضُل أفعالَ الظُّبَا بالمخاصرِ
من العصبةِ الغُرِّ الذين سعودُهم / بآرائهم لا بالنجوم السوائرِ
فوارسُ هيجاءٍ وقولٍ ركوبُهم / ظهورُ الجيادِ أو ظهورُ المنابرِ
يظن الضيوفُ أن دارهمُ مِنىً / ودهرَهُمُ عيدٌ لعُظَم المناحرِ
وما أوقدوا النيرانَ إلا ليفضَحوا / بها الليلَ إن أخفى مسالكَ زائرِ
وقد علمتْ تلك المكارم والعلا / وقد ولدتهم أنها غيرُ عاقرِ
أيا شرفَ الدين المشَرِّف عصرِه / ومن حلَّ فيه بالعطايا البواهرِ
تناولْ بنيروز الأكاسِرِ غبطةً / تضاحك أفواهَ ألأماني الفواغرِ
هو اليومُ لا في حُلَّة الصيف رافلٌ / ولا في سرابيل الشتاء بخاطرِ
يكاد لسانَا طِيبهِ واعتدالهِ / يُبينان أنّ الدهرَ ليس بجائرِ
ولما رأيتُ المال عندك هيِّنا / جعلتُ هداياه رياضَ الدفاترِ
فإنك من حمد الرجال وشكرِهم / كثيرُ الكنوزِ واللُّهَى والذخائرِ
أبَى اللهُ إلا أن تجودَ وتُنعِما
أبَى اللهُ إلا أن تجودَ وتُنعِما / خلائقُك اللائى تَفيضُ تكرُّما
لك المَثلُ الأعلى بكلِّ فضيلةٍ / إذا ملأ الراوى بها النَّجدَ أتهما
لآلىءُ من بحر الفضائلِ إن بدت / لغائِصها صلَّى عليها وسلَّما
ولو ملَكتْها الغانياتُ بحيلةٍ / لِزنَّ بها جِيدا وحَلَّين مِعصما
وكم لك في غُمّاتِها من عزيمةٍ / تُسابق بالنصر الخميسَ العَرمرَما
يُقلِّل حدَّاها الحسامَ مصمِّما / ويُخجِل عِطفاها الوشيج مقوَّما
وما الجودُ إلا ما قتلتَ به اللُّهَى / فلم تُبق دينارا ولم تُبق درهما
فما يتعاطاك السحابُ إذا همى / ولا البحرُ يحكىِ ضَفَّتيك وإن طما
وهل يقدِر الأقوامُ أن يتكلَّفوا / مكارمَ قد أعيتْ سِماكا ومِرزَما
نهضتَ بأثقالِ المعالي ولو دُعِى / إلى حملها العَودُ الدِّيافىُّ أرزما
فسيّان من يبغى عُلاك وطالبٌ / ليبلغَ أسبابَ السمواتِ سُلَّما
وما المدحُ مستوفٍ علاك وإنما / حقيقٌ على المنطيق أن يتكلَّما
ألم ترَ أنّ الأرضَ رحبٌ فسيحةٌ / ونحن نولِّيها قلائصَ سُهَّما
أتتني عميدَ الدولة المِنَّةُ التي / نفختَ بها رُوحا وأحييتَ أعظما
كأنّ الرسولَ المُسمِعِى نَغماتِها / رسولٌ تلا وحْياً من الله مُحكما
فأُلِبستُ منها صِحّةً هي جُنَّتىِ / إذا ما قِسِىُّ الدهرِ فوَّقنَ أسهُما
ودارتْ بها كأسُ الشفاء وعُلِّقتْ / علىَّ رُقىً منها تُداوِى المتيّما
فقد كدتُ في عَجزى عن الشكرِ إن أرى / لسانىَ مجروما وقلبي مُفحَما
ولكنّها ريحُ الثناءِ إذا جرت / بذكرِك لم أملِكْ لسانا ولا فما
وأفضالُك الروضُ الربيعىُّ إن دعا / بزَهرته وُرقَ الحمام ترنَّما
فلا ضحِك الإصباحُ إلا نَحلْتَهُ / ببهجِتك الغرّاءِ ثغرا ومبِسما
ولا دجتِ الظلماءُ إلا أعرتَها / شمائَلك الغُرَّ اللوامعَ أنجُما
تطيعك أيام الزمان مصيخَةً / بأسماعِها حتى تقول وتَرسُما
ستأتيك من مدحى قوافٍ بديعةٌ / ينافس فيها الجاهلىُّ المُخَضرَما
وإني بمنثورِ الكلام لعالِمٌ / ولكنَّ الدرّ في أن يُنظَّما
لقاؤك يا لُبنَى خَيالِ
لقاؤك يا لُبنَى خَيالِ / فما منكما إلا غريمُ مِطالِ
مواعيدُ كاليقظَى خوالب بارقٍ / وضُمّانُهُ الوسنَى تخيُّلُ آلِ
وإنى وإن جرّت زمامى عواذلى / لأتبعُ فيكِ باطلى وضَلالى
وأعلمُ أن الحبَّ موقفُ طاعةٍ / يُجاب به للشوق كلُّ سؤالِ
ومن ظنّ أن العذلَ يقتنص الجوى / فقد قاده صعبا بغير عِقالِ
لأنتَ أطبُّ الناس إن كنتَ قادرا / على بُرء داءٍ بالفؤاد عُضالِ
وصفتَ لسقمى قُبلةً واعتناقةً / وذاك شفاهٌ في رؤوس عَوال
إذا لم يذُق شيئا سوى الهجر عاشقٌ / فمن أين يدرى كيفَ طعمُ وصالِ
جهولٌ بشأن الغانياتِ مسَلِّم / عليهنَّ في شَيبٍ ورقّةِ حالِ
لبِسن لنا دِرع الصدود كأنما / نراميهُمُ من شَيبنا بنصالِ
ليالى الشبابِ هنّ أيامُ غُرَّةٍ / وأيامُ شَيبِ المرء هنَّ ليالِ
ودِدتُ وإن كانت من العمر تنقضى / لو أن بواقيها تكون حَوالى
ولي في بيوتِ العامريّةِ حاجةٌ / هي الماءُ في عَضْبٍ حديثِ صِقالِ
زعمتُ البدورَ والشموسَ ظِباءَهم / فلا تُنكروا فيهنَّ بُعْدَ مَنالِ
تطلَّعنَ من سُود البيوتِ كأنما / تَطلَّعَ بَيْضٌ بينَ زِفِّ رِئالِ
وما حاجةُ الغَيْرَانِ فيهم إلى القنا / وقد منعتْ منهم عِصِىُّ حِجالِ
كما قد حمت نفسُ ابنِ مَروانَ مجدَه / بأبيضِ عزمٍ أو بأحمرِ مالِ
مضىءُ نواحى الوجهِ يُمزجُ بِشره / بخَمرِ حباء فيه ماءُ جَمالِ
نسيبُ المعالى ليس تدعوه حاجةٌ / إلى صيتِ عمٍّ أو نباهةِ خالِ
إذا افتخر الإنسانُ يوما بُبردِه / فما بُرُده إلا كريمُ خصالِ
شبيبةُ عزمٍ واكتهالُ بصيرةٍ / وتحريمُ عِرضٍ وانتهابُ نوالِ
شمائلُ لو يُنظمنَ أغنَى نظامُها / نحورَ الغوانى عن عُقود لآلى
وما جاذبوه الفخرَ إلا وحازه / بأيدٍ إلى نَيل العلاء طِوالِ
صنائعه في الناس ترعَى سَوامُها / أزاهيرَ شكرٍ في رياضِ مَعالِ
ومِن عشقهِ المعروفَ أعطَى قيادَه / سؤالَ تجنٍّ أو سؤالَ دلالِ
كذا السُّحْبُ يَسقِى كلَّ أرض قِطارُها / بريح جَنوبٍ مرَّةً وشَمالِ
ليهنِك آلاءٌ ضمِنتَ وفاءَها / من الجود حتى بات ناعمَ بالِ
وأنك بالنُّعمَى التي قد بثثتَها / ملكتَ من الأحرار رِقَّ مَوالِ
فلله ماضٍ من لسانك إنه / لنعمَ لِزازُ الخصم يومَ جِدالِ
والله ما ضمَّت بنانُك إنها / قناةُ طِعانٍ أو خبيثةُ ضالِ
فِناؤك للعافين بَعلُ أراملٍ / ونارُك للسّارينَ أُمُّ عيالِ
عهدتُك تلقَى كلَّ مرء بقيمةٍ / وما كلُّ أعلاقِ الرجال غَوالِ
فلْمِ أنا في ميزان عدلك كِفَّتِى / تشِفُّ إذا قابلتَها بمثالِ
ويرجحُ أوقامٌ كأن جباهَهم / نِعالٌ لما زيَّنتها بقِبالِ
نصيبي من الأموال ما يُمسك الدَّبَى / وحظِّى من النيران حَظُّ ذُبالِ
ولولاك ما كانت لطآبا موقفى / ولا أرضُ بَاجِسْرا محطَّ رحالى
مقيما بها كالسيفِ أُلزِمَ غِمدَه / وقد كان يرجو الرىَّ يوم نزالِ
ولو أُطلقت حدّاه واسُتَّل في الطُّلَى / براها بيمنى ضارب وشمالِ
وما ينفع الطِّرفَ المطهَّمَ سبُقه / إذا كان محبوسا بضيقِ مَجالِ
أرى كلَّ مشنوءِ الخليقةِ واصلا / قِصارَ حبال عجزه بحبالى
تماثيلُ كالأنعام أبقلتِ الربى / لها فغدت في رعيةٍ وصِيالِ
وإنّ زمانا ضمّ شملى وشملَهم / لكالليل مَسرَى ضيغم ونمالِ
ستعلَمُ من منّا إذا بُعد المَدَى / عليه تشكَّى من وجىً وكَلالِ
وتفرُقُ ما بينى هناك وبينهم / وكيف تُسَوّى بُزَّلٌ بفِصالِ
وما كنتُ أرضَى أن تكونَ ديارُها / ديارى ولا تلك الرحالُ رحالى
ولكنّنى ركَّابُ ما أنا قائد / ولو ظهر مجزولِ السَّنامِ ثَفَالِ
وقد يُرتعَى حَمضٌ وفي الأرض خَلَّةٌ / ويُشرَبُ ماءٌ وهو غيرُ زلالِ
وتسكنُ خفضَ الأرض خفيّةٍ / وتسمو الوعولُ في رؤوس جبالِ
وما هو إلا ذنبُ دهر معاندٍ / يَرى بُرءَ أهل الفضل غيرَ حلالِ
ويا ربما أعطَى الأمانىَّ قانطا / فقد تَلقحَ العقماءُ بعد حِيالِ
وزيرٌ رَضِى من بأسِه وانتقامِه
وزيرٌ رَضِى من بأسِه وانتقامِه / بطَىِّ رِقاعٍ حشوُها النطمُ والنثرُ
كما تسجع الوَرقاء فوق غصونها / وليس لها نهىٌ يطاع ولا أمرُ
يسأئلني ما حاجتي في دياره
يسأئلني ما حاجتي في دياره / غزالٌ بأوطار الفؤاد عليمُ
ستشهدُ لي عيناه أنهما الهوى / ومبسمُه أنىّ عليه أحومُ
أتُظهِرُ في عرفانِ ما بي جهالةً / وما أَحدٌ في الناس منك سليمُ
وكيف يداوِى داءَ قلبىَ باخلٌ / على طَرِفهِ بالبُرء وهو سقيمُ
أرقِّع فيك الودَّ وهو ممزَّقٌ / وأرعَى ذمامَ العهدِ وهو ذميمُ
وفي دون ما لاقيتُ للمرء زاجرٌ / ولكنَّ عِرْقى في الوفاء قديمُ
يقولون راجعْ صاحبَ الرأى واطَّرحْ
يقولون راجعْ صاحبَ الرأى واطَّرحْ / هواكَ فما تُغنى الدموعُ السواجم
ولو أنه بالعقل يَعشَق عاشقٌ / لما ازدوجتْ أطيارُها والبهاتمُ
أليست على أُلاّقها بجهالةٍ / يحاربُ شِبْهٌ شِبهَهُ ويخاصِمُ
إذا كان هذا الجهلُ قد شاعَ في الورى
إذا كان هذا الجهلُ قد شاعَ في الورى / فذو العلم فيما بينهم هو جاهلُ
فإن قال مالم يعرفوا قدرَ لفظهِ / ولا قيمةَ المعنَى فما هو قائلُ
وإن هو بالصمت استجارَ لسانُه / ففي الصمتِ ذو نقصٍ سواءٌ وفاضلُ
فليس له غيرَ التجاهل ملجأٌ / وأصعبُ شيء عالمٌ متجاهلُ
وكنَّا سمعنا في الزمان بباقلٍ / وهذا زمانٌ كلُّ أهليهِ باقلُ
هززناكُمُ بالمدحِ نَجنِى ثمارَكم
هززناكُمُ بالمدحِ نَجنِى ثمارَكم / ونحِلُبُ من اخلافِ وُجدِكُمُ وَفْرا
فلم نحظَ من رِبح الثناءِ بطائلٍ / فرُدُّوا كرأس المال أو بعِضه شِعرا
فإن أنتمُ لم تنصفونا فإننا / سنقتصُّ من أعراضكم ذلك الوِترا
إذا المنع والإعطاءُ كان خيارُه / إليكم تخيرَّنا المذمَّةَ والشكرا
فلا تحسبوا أنَّا إذا نلتم الغنَى / ولم تُشركونا نُوسعكم عذرا
أحاط بىَ العُذَّال حتى صرفتُهم
أحاط بىَ العُذَّال حتى صرفتُهم / بأنّ الهوى طبعٌ ولا يُنقَلُ الطبعُ
رأَوا كلَّ ما أبصرتُه أنا عاشقٌ / وما تسمع الأذنانِ ليس له نفعُ
فقالوا وقلبي ليس يقبلَ نصحَهم / أخونا له عينٌ وليس له سمعُ
تخاوصت الحسناءُ عن شَيب لِمَّتى
تخاوصت الحسناءُ عن شَيب لِمَّتى / ولم تلتفت إلى سنىَّ القلائلِ
وليس بياضا ما رأت من شُعاعِه / ولكنّه نُور النُّهى والفضائلِ
تظنُّ فراقا أن تثارَ حُمولُ
تظنُّ فراقا أن تثارَ حُمولُ / وهل مثلُ إعراض الوجوهِ دليلُ
وإن الصدودَ والتجنِّى وإن دنت / ديارهُمُ وخدٌ لهم وذميلُ
وكان شفاءً لي لو أن طُلولَهم / خُلقنَ ركابا والركابَ طلولُ
كأنَّ الحمامَ الوُرقَ حاد غصونه / ليُدركَهم والبانُ كيف يزولُ
ألا إنهم كالخمر أحسنُ صنعِها / إلى شاربيها أن تزولَ عقولُ
تروّون يا آل المُهيّأ سَرحكم / وبابن أبيكم في الفؤادِ غليلُ
ومالي إلى ماء السحائب حاجةٌ / ولكنْ يبينُ جائدٌ وبخيلُ
أيوعدني الأقوام أن ودَّت المُنَى / بأنّا لبعض الفاركاتِ بُعولُ
يقولون كرُّ الطَّرف في السِّرب غارةٌ / عليه وأطماع النفوس ذُحولُ
فلا تنذروا سفكَ الدماء لنرعوى / فكلُّ صريعٍ باغرام قتيلُ
أبى القلبُ إلا حبَّها عامريَةً / بها السيف واشٍ والسنان عذولُ
أخافَ الغيورُ السُّبلَ بينى وبينها / فما إن لنا إلا الخيال رسولُ
فياليت أن النجمَ ضلَّ طريقَه / وعُمْر الدُّجَى في الخافقيْن طويلُ
كما طالَ ليلُ الحِبر عندى ومالَه / إلى الضوء من صبح البياض سبيلُ
وظلَّت أنابيبُ اليراع طريحةً / كما يتلوَّى في الفراش عليلُ
تشَهىَّ على كفّى ولو سلخَ أرقمٍ / تبَختَرُ في أعطافه وتجولُ
فمن لي بخزَّانٍ لديه صنيعةٌ / يجودُ بما جادت به فينيلُ
وما أنا باغٍ غيرَ تِسعينَ رَيْطة / تَكافأَ عَرضٌ عندهنَّ وطولُ
نواعمَ قد أفِرغن في قالَب المُنَى / فكلٌّ لكلٍّ في القَوام عديلُ
صحائف لو شئنا لقلنا صفائحٌ / فما منهما إلا أغرُّ صقيلُ
إذا صافَحتْهنَّ النواظرُ عاقها / شُعاعٌ يردُّ الطَّرفَ وهو كليلُ
وإن زَغزغَتهنَّ البنانُ تضاحكتْ / قَهاقِهُ في ترجيعهنَّ صَليلُ
على مثلها يُلقىِ الغَيورُ رداءَه / ويُغلىِ علينا مهرَها فيُطيلُ
ولكن إلى رُّخو المفاضل في الندى / خطبنا فقد جُرَّت لهنَّ ذيولُ
وأفورُ قِدح قِدحُ خِلٍّ رِشاؤه / بحاجاتِنا في الأبعدين كفيلُ
ودادُك في قلبي ألذُّ من المُنَى
ودادُك في قلبي ألذُّ من المُنَى / وذكُرك أحلَى في اللَّهاة من الشّهدِ
فلستُ بمحتاج إلى أن تُعينَه / بما نتجَتْه الباسقاتُ من الولدِ
ولكنّما أذكرتَنى بشمائل / جعلنَ على المُهدَى الفضيلة للمُهِدى
أتتنا هداياك التي لم نجد لها / جزاء سوى الشكر المكلَّل بالحمدِ
معاليقُ ياقوت تخالُ ثقوبها / بأَبشِيز كاتِ التّبر نُظِّمنَ في عِقدِ
وإنّ نتاجَ النحلِ والنخلِ واحدٌ / وهل بين شكل الحاءِ والخاءِ من بُعدِ
أتت في مُروطٍ من يراعٍ كأنها / من القصَب المصرىِّ تختال في بُردِ
وقد قدَّرتْ كفُّ الصَّناعِ التئامَها / كتقدير دوادَ المساميرَ في السَّردِ
تعانقنَ فيها كاعتناق حبائبٍ / فما نتعاطاهنَّ إلا على جهدِ
إذا فرّقتهنّ البنانُ تشبَّثت / بمثل هَباء الشمسِ خوفا من البُعدِ
وأخرى تجلَّت في قميِص زجاجةٍ / كما ضُمِّن القنديلُ لألأةَ الوقْدِ
نفَوا قلبها القاسي وآووا مكانَهُ / رقيقا وإن ساواه في اللون والقدِّ
فو الله ما أدرى أذاك نَحِيتةٌ / من الزُّبد أم هذا مصوغٌ من الزُّبِد
بكا للتنائى بعضُها فوق بعِضها / دماً مُجْسَدا في صِبغة اللحم والجلد
وزادت بلون الزعفران تصبُّغا / ولا تَشنَعُ الحسناءُ من حمرةِ الخدِّ
فتلك بَرانٍ أم مخازنُ جوهر / حُشينَ فريداتٍ من العنبر الوردِ
إذا قلَّبتهنّ الأكفُّ تعجُّبا / توهّمها الراءون تلعبُ بالنَّردِ
وشهباء يُستجلَى الضَّريبُ بلونِها / وطينتُها من عنصر الحَجر الصَّلدِ
مقابَلة الأضلاع كان مثالُها / قياسا لذى القَرنَين في زُبَر السدِّ
عَدُوَّة مانى في البياض كأنّها / ولونَ المشيبِ قد أقاما على عهدِ
وما عطَّر الأثوابَ مثلُ مقدَّمٍ / على المسك والكافور والعُودِ والنَّدِّ
أيادٍ توالت منك عًجلَى كأنها / شَرارٌ أطارته الأكفُّ من الزَّندِ
وإنىَ في عَجزى عن الشكر سائلٌ / مساعدتى مَن كلَّم الناسَ في المهدِ
ضيوفُ ابن فَضلانٍ سواءٌ نهارُهم
ضيوفُ ابن فَضلانٍ سواءٌ نهارُهم / وليلُهمُ صوما من الشّرب والأكلِ
ويُلزمهم أن يَنكَحوه وعِرسَه / وصعبٌ على مَن شئتَ خَرجٌ بلا دَخلِ
تَزاحَمُ في صدرى القوافى ولا أرى
تَزاحَمُ في صدرى القوافى ولا أرى / لها مستحقًّا في الزمان ولا أهلا
وكيف امتداحى معشرا شجرَاتُهم / عَوارٍ فما تُجدِى ثمارا ولا ظِلاَّ
فلو شَرُفوا بالعلم واطرحوا الندى / تأولتُ فيهم أننى أمدح الفضلا
ولو تركوا الآدابَ عنهم بمعزلٍ / وجادوا لقلت أمدحُ الجود والبذلا
ولكنهم عن ذا وذاك تزحزحوا / فلم أرَ أنى أمدحُ الجهلَ والبخلا
تقاعستُ عن أبناءِ دهرىَ عائفا
تقاعستُ عن أبناءِ دهرىَ عائفا / موارِدَ منهم ضافياتِ الغلائلِ
ولى قُرباتٌ عندهم غير أنني / أضَنُّ على أفضالهم بفضائلي
تُسائلنى دِرعى أهذى هي النَّبْلُ
تُسائلنى دِرعى أهذى هي النَّبْلُ / لعلَّ الذي شبّهتَه الأعينُ النُّجلُ
رَميْنَ سهاما في الجسوم جراحُها / وما أنتَ من سهو به يخرُج العقلُ
متى ما تَجِدْ لي الشمسَ في غسَق الدُّجَى / أجِدْ لك قلبا ماله في الهوى شغلُ
ولولا اتّفاقُ الناس في الحبِّ أنه / قديمٌ لقلتُ لوعتى مالَها قَبْلُ
أيا حادىَ الأظعان أَعجلْ فإنها ال / منايا وبعضُ البِرِّ أن يؤجَرَ القتلُ
ويا قلبُ أقرِرْ بالذي كنتَ جاحدا / فقد ضجِر اللاحى وقد فنِىَ العذلُ
يزيد الحسانَ البيضَ في اللؤم رغبةً / تصوُّرُنا أنْ منهُمُ يحسُن البُخلُ