المجموع : 31
وما قلت شعراً رغبةً في لقا امرئ
وما قلت شعراً رغبةً في لقا امرئ / يعوِّضني مالاً ويكسبني برّا
ولا طرباً مني إلى شرب قهوة / ولا لحبيب إن نأى لم أطق صبرا
ولكنني أيقنت أَنِّيَ مَيِّتٌ / فقلت عساه أن يخلد لي ذكرا
أمن أرض ليلى للنسيم هبوب
أمن أرض ليلى للنسيم هبوب / فمن نشره فيه تضوع طيب
يهب قَبولاً والقَبول أمامه / ويسري لجوباً والغرام جَنيب
وخير رسول للأحبة مبلغ الس / لام رسول لا يراه رقيب
صَبا للصَّبا قلبي وكل متيم / يحنُّ إذا هبت صبا وجَنوب
فأيسر ما بي لوعة وكآبة / وأبرد وجدي حرقة ولهيب
وداء الهوى أعيا فما لمريضه / شفاء ولو أن المسيح طبيب
وبي ثمل الأعطاف أما قوامه / فغصن وأما ردفه فكثيب
ولم أر غصناً بالذوائب مورقاً / سواه ولا بدراً حوته جيوب
هو البدر إشراقاً فما لضيائه / عن الطرف إلا بالصدود مغيب
لي الله من قلب يقلبه الهوى / على حرق تعتاده فيذوب
خليلي هل حدثتما أو رأيتما / سوى الحب موتاً للرجال يطيب
أحنّ إلى أكناف شرقي بابل / وغير غريب أن يحن غريب
وأرتاح منها للرّياح إذا سرت / مِراضاً كأني للنسيم نسيب
وإني لأستهدي شذا نفحاتها / وإن شبَّ نار الشوق منه هبوب
وتخمد نيران الأسى فتشبها / نوازع شوق تغتدي وتؤوب
ويحكم في قلبي الجوى فيطيعه / ويدعو على شحط النوى فيجيب
أيا ساكني أرض العراق سقاكم / من الغيث منهلُّ الرباب سَكُوب
أنبئكم أني على العهد بعدكم / مقيم وأهواء النفوس حروب
فلا تحسبوا أني على البعد عنكم / صُرِعْت ولا استولت عليَّ خطوب
فلي بالجناب الظاهري تمسك / أبى الدهر من ظلمي إليه يتوب
وإني مقيم حيث لا تُذْعَرُ المنى / ولا تستطيع النائبات تنوب
بحيث العطايا للعفاة مباحة / وحيث حُزون المكرمات سُهوب
وإذ لغياث الدين غازي بن يوسف / عيون ندى للآملين تصوب
هنالك دوح المجد لم يذو عوده / ولا اشتف أمواه السماح نضوب
مليك له عذر عن الجود ضيق / وصدر بلقياً الدارعين رحيب
وَهُوب إذا ما أَمَّه طالب الندى / وإن يَمَّمَ الأَعداء فهو مَهُوب
ففي السلم مرجو الندى هاطل الجدا / وفي الحرب مخشيّ الشداة مَهيب
ويطربه صوت المنادي إلى الندى / فللّه صب بالسماح طَروب
من القوم إن صابت مواطن جودهم / يروض منها ما حل وجديب
غُيوث لها يوم النوال تدفق / لُيوث لها يوم النزال وثوب
إذا طَعنوا والجيش مُحْتَبِكٌ فمن / مخافتهم تنشق فيه دروب
ويجري عيوناً من صدور رماحهم / فلا قلب إلا بالدماء قليب
لقد سهروا للعدل والمجد والعلا / وما لسواهم في كراه هبوب
حموا جارهم بأساً فلم يضح منشداً / أجارتنا إن الخطوب تنوب
وقال العلا إني لباق عليهم / وإني مقيم ما أقام عسيب
شأوا كل عام في العلا وشآهم / أغر لما أعيا الملوك كسوب
إذا شاب يوم الروع عامل رمحه / ثناه من اللَّبَّات وهو خضيب
فسل عنه قلب الأرمني فإنَّه / سيفصح نطقاً أو يجيب وجيب
أيا مانع الإسلام في كل مأزق / يقوم بنصر الحق فيه خطيب
يميناً لقد يممته بجحافل / لشمس ظُباها في النجوم غروب
وأعلمته أن الهُوَيْنا مذلة / وأنك للأمر الجسيم طَلوب
فهاب لقاء لو تجشمه غدا / بِحَوْبائه داعي الحِمَام يهيب
فجرد أسياف السؤال ولم يكن / لديك رجاء السائلين يخيب
وحصَّنَ هذا الحصن منه حُشاشة / بها خوف بطش من سطاك يذيب
بناه لخطب يُرهق الدينَ كيدُه / فعاد وقد أَحْنَتْ عليه خطوب
ولو شئت أوطأت السنابك شِعْبَه / وقد كشرت للنائبات نُيوب
وغصت بجرد الأعوجية والقنا / جبال وسالت بالدماء شُعوب
ولكن أعدت السمر وهي لما بها / تمايل أطراف لها وكعوب
صفحت وأخمدت الصفائح قادراً / فهانت كما هان العدو ذنوب
فلا عدم الإسلام منك حمية / متى هتفت بالنصر فهو مجيب
وشكراً لدهر طوحت بي صروفه / إليك ففي شكري لهن نصيب
فلي ألف نِيلٍ من نداك ومنزلي / على رغم أنف الحادثات خصيب
ولولاك لأستولت عليَّ بلسعها / عقارب أيام لهن دبيب
فلا زال هذا الظل مفزع لاجئ / إليه إذا ناب الزمان يُنيب
صحا القلب عن ذكر الحسان الكواعب
صحا القلب عن ذكر الحسان الكواعب / فما يقتضيني وقفة في الملاعب
وأقصرت عن غيّ التصابي وقد غدا / يريني بياض الشيب ما في العواقب
وودعت إخوان اللَّذاذات والصِّبا / وملت إلى أهل النُّهى والتجارب
أمن يعد شيب قد أنار بمعرفني / وَفَوْدِيَ تَثْنِي شِرَّةُ اللهو جانبي
أما والمطي الشعث تهوي إلى منى / نِحافاً عليها كل أشعث شاحب
إذا كرروا لبيك لبيك أرقلت / نشاوى بهم تطوي ملاء السباسب
لقد بان صبح الرشد لي وتكشفت / لغيّ الصّبا عني سجوف الغياهب
وقد كنت في ليل الشبيبة حائراً / إلى أن بدت في الرأس زُهر الكواكب
طلائع شيب لم تَرُعْني وإنما / تلفت مشتاق لفرقة صاحب
خليلي لا أسألكما اليوم ضَلَّةً / ولكن لتصديق الظنون الكواذب
ألا فأعيناني بمطلق نظرة / فطرفي في أسر الدموع السواكب
تفادون ملتف الأراك وشارفاً / به حين يبدو البرق قاني الذوائب
فإن كان قد جاء الحيا هضبة الحمى / فتلك لعمري منة للسحائب
وهل بانة الجرعاء صافح فرعها / شذا عرف أنفاس الصّبا والجنائب
فإن لم تروحها الرياح ولم تحد / هضاب الحمى سَارٍ ولا نَوْءَ سارب
فعندي دموع لو مررت بسفحها / لكان عليها السفح ضربة لازب
وبيني وبين الدهر ما لو شكوته / إليه لما أصغى إلى عتب عاتب
فمن منصفي من معشر لطباعهم / خشونة آساد ولين أرانب
إذا بذلوا بشراً تأملت تحته / من الكيد ما ينسي دبيب العقارب
عموا عن حقوق المكرمات فما لمن / يزورهم غير ازورار الحواجب
وإن عرضت أعباء مجد وسؤدد / رأيتهم عنها ضعاف المناكب
فيا ويحهم ماذا يسرون بينهم / من الكيد أو يبدون لي من معائب
كأن لم يروا قبلي من الناس شاعراً / كفاه غياث الدين كيد النوائب
ومن ذا الذي آواه غازي بن يوسف / فضاقت به سبل المنى والمطالب
مليك إذا عدت مساعيه أطرقت / حياء لها زهر النجوم الثواقب
يحدث عن نعمائه صامت اللهى / وتفصح عن جدواه عجم الحقائب
هو البحر حدث عنه غير مراقب / لتخبر عن أنبائه بالعجائب
هو الباسط النعماء والقابض الأذى / عن الخلق والزاكي غروس المناقب
هو الموطئ الجرد الصَّلادم في الوغى / من الصيد ما بين الطُّلى والترائب
وركب تساقوا فوق أكوار عيسهم / كؤوس سهاد لا تَلَذُّ لشارب
تلاعبهم ريح الصّبا فتخالهم / على شُعَب الأكوار أنمل حاسب
طوت بهم ذات البرى شقة السرى / بعيد الكرى والليل وجف الهيادب
وقد وقفت زُهر النجوم كأنها / كتائب تستدعي لقاء كتائب
وباتوا يَزُجُّون المطي على الوجى / وجنح الدجى كالبحر طامي الغوارب
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه / محيا غياث الدين بين المواكب
فقلت أنيخوها بباب ابن يوسف / ودونكم تقبيل أيدي الركائب
هنالك لا روض النجاح بمجدب / هشيم ولا حوض السماع بناضب
أمهديَّ هذي الأرض عزم مُصَمِّم / يسايره التأييد من كلِّ جانب
ألا إن أبكار البلاد وعُونَها / تراسل من علياك أكرم خاطب
فَصُل بِصِلال السمر حتى تردها / بما نهلت في الأسد حمر الثعالب
فما يجتنى شهد المنى بسوى القنا / ولا يبتنى مجد بغير قواضب
فمن في ملوك الأرض غيرك يرتجى / لإحراز ملك أو لنيل مراتب
فما أضرم الأعداء نار مكيدة / فكانت لهم إلا كنار الحُباحِب
لك الله ما أعلاك نفساً وهمة / وأولاك بالنعما وبذل الرغائب
تهزك ريح الأريحية للندى / فينشئ برق الجود نوء المواهب
فيا كاشف الغماء عزماً فما لها / سواك يرد الحق من كل غاصب
أجبها بأكناف الفرات فإنها / ظماء إلى سلسال تلك المشارب
وأنقذ بلاداً قد تمادى حنينها / إليك بِقَبِّ السالفات السلاهب
فقد ضمنت جرد المذاكي وقوفها / على مثلها من أربع وملاعب
فيا أمن مردود ومنية عائل / وموئل مطرود وغنية وطالب
قدمت قدوم الغيث يروي ركامه / صدى الأرض في غبر السنين الأشاهب
فما أحسن الدنيا بأوبتك التي / تجلت لنا عن وجه أكرم آيب
تأخرت عنها خدمة لم أجد لها / سوى حاسد خذلان في زِيِّ عاتب
فإن علقت يوماً يميني بمثلها / فشُلَّت ولا بُلَّت بأبيض قاضب
فإن أك قد أدنيت والله عالم / بذنبي فقد أقلعت إقلاع تائب
فدم ما شدت ورق بمورق أيكة / وما وَخَدَتْ يوماً قَلوصٌ براكب
سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه
سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه / لمن علقت أنيابه ومخالبه
نشدتك عاتبه على نائباته / وإن كان نائي السمع عمن يعاتبه
لي الله كم أرمي بطرفي ضلاله / إلى أفقٍ مَجْدٍ قد تهاوت كواكبه
فمالي أرى الشهباء قد حال صبحها / عليَّ دجىً لا تستنير غياهبه
أحقاً حِمى الغازي الغياث بن يوسف / أبيح وعادت خائبات كتائبه
نعم كُوِّرت شمس المدائح وانطوت / سماء العلا والنُّحج ضاقت مذاهبه
فمن مخبري عن ذلك الطود هل وهت / قواعده أو لان للخطب جانبه
أجلْ ضعفت بعد الثبات وزعزعت / بريح المنايا العاصفات مناكبه
وغُيِّضَ ذاك البحر من بعد ما طمت / وَطَمَّتْ لغشيان البلاد غواربه
فشلت يمين الخطب أي مهند / برغم العلا سلت فقلت مضاربه
لئن حُبِسَ الغيث الغياثيُّ قطره / فقد سَحَبَتْ في كل قطر سحائبه
فأين يَكُد العيس بعد ابن يوسف / أخو أمل أكدت عليه مطالبه
فلا أدركت نيل العلا طلباته / ولا بركت في أرض أمن ركائبه
ولا انتجعت إلا معيس حقبة / من الجدب لا يُثْنَى عليها حقائبه
مضى من أقام العدل في ظل عدله / وآمن من خطب يَدِبُّ عقاربه
فكم من حمى صعب أباحت سيوفه / ومن مستباح قد حمته مواكبه
أرى اليوم دست الملك أصبح خاوياً / أما فيكم من مخبر أين صاحبه
فمن سائلي عن سائل الدمع لِمْ جرى / لعل فؤادي بالوجيب يجاوبه
فكم من ندوب في قلوب نضيحة / بنا وكروب أججتها نوادبه
أيُسْلَم لم تحطم صدور رماحه / بذبٍ ولم تثلم بضرب قواضبه
ولا اصطدمت عند الحروب كماته / ولا ازدحمت بين الصفوف جنائبه
ولا سيم أخذ الثأر يوم كريهة / تشق مثار النقع فيها سلاهبه
أيا ملبسي ثوباً من الحزن مُسْبَلاً / أيحسن بي أنَّ التَّسَلِّي سالبه
خدمتك روض المجد تضفو ظلاله / عليّ وحوض الجود تصفو مشاربه
وقد كنت تدنيني وترفع مجلسي / لمقروض مدح ما تعداك واجبه
فما بال إذني قد تمادى ولم يكن / إذا جئت يثنيني عن الباب حاجبه
أرى الشمس أخفت يوم فقدك نورها / فلا كان يوم كاشف الوجه شاحبه
فكيف نبا سيف اعتزامك أو كبا / جواد من الحزم الذي أنت راكبه
فمن لليتامى يا غياث يغيثهم / إذا الغيم لم ينقع صدا العام ساكبه
ومن لملوك كنت ظلاً عليهم / ظليلاً إذا ما الدهر نابت نوائبه
فيا تاركي ألقى العدو مسالماً / متى ساءني بالجد قمت ألاعبه
سقت قبرك الغر الغوادي وجاده / من الغيث ساريه الملثُّ وساربه
فإن يك نور من شهابك قد خبا / فيا طالما جلى دجى الليل ثاقبه
فقد لاح بالملك العزيز محمد / صباح هدىً كنَّا زماناً نراقبه
فتى لم يفته من أبيه وجده / إباءٌ وجد غالباً من يغالبه
ومن كان في المسعى أبوه دليله / تدانى له الشأو الذي هو طالبه
وبالصالح استعلى صلاح رعية / لها منه رَعْيٌ ليس يقلع راتبه
فحسب الورى من أحمد ومحمد / مليكان من عاداهما ذل جانبه
هما أحرزا علياء غازي بن يوسف / وما ضيَّعَا المجد الذي هو كاسبه
فأفق العلى لولاهما كان أظلمت / مشارقه من بعده ومغاربه
ستحمي على رغم الليالي حماهما / عوالي قناً تردي الأسود ثعالبه
فكم من ملم جل موقع خطبه / فساءت مباديه وسرت عواقبه
فيا قَمَرَيْ سعد أطلا على الدجى / فولَّى وما ألْوَى على الأفق هاربه
أيمكث بالشهبا عبيد أبيكما / ومادحه أو تستقل نجائبه
فإن شئتما بعد الغياث أغثتما / مصاب فؤاد فوقتها مصائبه
كأنْ لم أقف أجلو التهاني أمامه / وتضحك في وجه الأماني مواهبه
فهُنِّئتما ما نلتما وبقيتما / لإحراز ملك ساميات مراتبه
رَمَانِي زماني من أذاه بموكب
رَمَانِي زماني من أذاه بموكب / فصادف مني صِرْفُه ضعف منكبي
وكرت عليَّ الحادثات مغيرة / فلم أنجُ لما أسرعت في تطلبي
فويح الليالي كم تغرّ بلينها / وتفجأ منها قسوة المتطلبِ
تنكر إخواني ودهري كأنني / صنعت بإحساني إساءة مذنبِ
فأصبحت ألقى الدهر بعد طلاقة / يلاحظني شَزْراً بوجه مُقَطِّبِ
حوادث ما ألقين بين جوانحي / سوى حرق نيرانها في تلهبِ
وإني إذا ما أغرورق الطرف قائل / وفيتِ بفيض الدمع يا عين فاسكبي
لقد ذهبت أيام غازي بن يوسف / فما العذر في بقياكِ يا نفس فاذهبي
سلام على ذاك الزمان فإنني / رفعت به في مُمْرِع العزِّ مُخْصِبِ
فيا ليت شعري أي غارة حادث / أباحت حمى ذاك الجلال المحجبِ
كأنْ لم يسر في بيضه وعجاجه / إلى كلّ حرب في صباح وغيهبِ
ولم تَتَهيَّبْه الملوك ولم يخف / تَغَشْمر ماضي العزم لم يتهيبِ
فيا موتُ أَثْكَلْتَ العلا وفجعتها / بواحدها في كل شرق ومغربِ
وأيْتَمْتَ أبناء الرجال وطالما / دعاهم فأغناهم عن الأمِّ والأبِ
فها أنا ملقى بعده لنوائبٍ / تمزق شِلْوِي بين ناب ومخلبِ
فكن عند ظني يا عليُّ فقد طغت / عَلَيَّ صروف الدهر طغيان مَرْحَبِ
وقم يا بن غرس الدين دوني منكباً / أذى نكبات مؤلمات تلم بي
فعندك لا روض المنى بمصَوَّح / هشيم ولا برق الرجاء بخلَّبِ
ومثلي من أعطى الصنيعة حقَّها / بوصل ثناء قاطع كل سبسب
فكم لك من يوم أغرَّ محجلٍ / تألق في داج من النقع أَكْهَبِ
أطلت به بيض السيوف على الطُّلى / فروت صداها من دم متصببِ
إذا الجرد من ملد الذوائب تشتكي / عوابس من وقع القنا المتأشبِ
عوالٍ إذا أعملتها يوم مأزق / بكفك أردت كل ليث بثعلبِ
وما زلت مُغرىً بالمكارم راقياً / هضاب المعالي لاقياً كلَّ مُقْتَب
تكون غداة السلم صدراً لمجلس / ورأساً لقلب الجيش في ظهر مُقْرِبِ
مناقب ما ورثتها عن كلالة / أحلتك في أعلى محلٍّ ومنصبِ
وأخلاق محمود السجايا محبب / متى كان رب الجود محببِ
وكم لك عندي من يد ملأت يدي / وعلمني إحسانها عزّ منكبي
خدمتكمُ في عنفوان شبيبتي / إلى أن كساني الدهر حلة أشيبِ
كأني وقد ألقيت رحل إقامتي / لديكم بواد جار آل المهلب
فإن شرقت بي عنكم العيس أو غدت / مغربة فلتحمدنَّ تغربي
سأثني بما أوليتني من مواهب / جسام أصابت أرض مَحْل بِصَيِّبِ
فخذ يا ابن غرس الدين مني قرائحاً / طلائح القوادح لغب
فمالي لا أهدي الثناء مهذباً / أغرَّ إلى طلق أغرَّ مهذَّبِ
وما زال جاهي من ندام وملبسي / ومالي وإقطاعي وطوقي ومركبي
فدمتَ لما أرجو وترجو لك العلا / فأنتَ من الدنيا رجائي ومطلبي
فما أنا إلا غرس أنعمك التي / سقته غوادي غيثك المتسربِ
فحسب العلا بقياك لا ثلَّ غرسها / ولا فلّ من أنيابها حد مُقْضِبِ
فلولاك أرض الروض ملسا من المنى / وهاض جناحي الدهر أو غار مشربي
لمن جرد خيل في الأعنة تمرح
لمن جرد خيل في الأعنة تمرح / وملد قنا أعطافها تترنح
لأزهر وضاح الجبين كأنما / سنى الشمس من لألائه يتوضح
لشاه أرمن السلطان موسى الذي به / إلى النُّجْح أبواب المنى تتفتح
مليك براه الله للناس رحمة / متى أفسدوا خافوا سطاه فأصلحوا
يثابون إذ يتلون آية فضله / كأنهم لله صَلَّوْا وسبَّحوا
أشدّ على الأعداء بأساً من الردى / وأندى من الأنداء كفّاً وأسمح
وأمضى من المقداد في الروع عزمة / ومن هضبات الطود في الحلم أرجح
إذا بجح الأقوام تِيهاً بملكهم / فإن به الدنيا تتيه وتبجح
هو السيف بين الصفح والحدّ مصلتٌ / به الماء يبدو دونه النار تلفح
إذا اجترم الجاني بعزّ اقتداره / رأى فيه ذلّ المستجير فيسمح
فإن حان ليل المشكلات فرأيه / ينير خفيات الأمور ويوضح
تجاوز غايات المعالي بهمة / عواطئها في صفحة البدر تجنح
وما قعد الساعون عن نهضاته / إلى المجد لولا أنهم عنه طلح
تَعَدَّى أقاصي سعيهم وهو يافع / وهم بُزَّل من حزن مسعاه قُرَّح
ولو عاين الأملاك عِظْم جلاله / لخَلَّوْا له عن ملكهم وتزحزحوا
ودانوا لفياض الأنامل بالندى / وأندى الغوادي بالحيا ليس يرشح
له المرهفات البيض تبكي جفونها / دماً حين تمشي وهي منهن تقرح
أمقبل أرض الشرك أَوْضَاعَ ضُمَّر / تمسيهم فرسانهم وتصبِّح
هجمت عرين الأسد منهم فأصبحت / لسمر القنا فيهم ثعالب تفتح
وما حكت الأشْطَان إلا وقد غدت / بها تستقي تلك النفوس وتَمْتَح
رميت الحصون الشامخات بمثلها / من الحصن في بحر من الدم تسبح
فإن عدت منصور اللواء فبعدما / أعدت مباني ملكهم وهي صَحْصَح
فقم دون ملك بعد غازي بن يوسف / سواك لما قد نابه ليس يصلح
دعا دعوة لبيتها بِجَحَاجح / بأرواحها في نصرة الحقّ تسمح
فثق بشهاب الدين طُغْرِيلَ واعتمد / على من يكد العزم منه ويكدح
لقد ضلّ من يرتاد غيرك قاصداً / ويحرك زخّارٌ وظلك أفيح
فما خائب رجوى أياديك خائب / ولا مُنْبِح في غير ناديك مُنْجِح
فلا يشرح الرحمن من صدر شاعر / يضمن مدحاً في سواك ويشرح
إذا انتجعت في ساحتيك مطيتي / فأَهْوَنُ ما عندي بِلاَلٌ وَصَيْدَح
وما مدحنا مما يزيدك رفعة / ولكن به بين الورى نَتَمَدَّح
وهل زائد في الشمس قولي إنها / من النجم أسمى أو من البدر أوضح
فشكراً لأيام لديك أقمنني / بِحُرِّ مديحي في معاليك أفصح
تجد إذا ما جاش بحرك بالندى / كأنك في إعطائك المال تمزح
فأين انتجاع الرزق عني ونيله / إذا ضاق بي في ظل ملكك مسرح
إذا لم يكن لي في أياديك مطمع / فأيّ أيادي نحوها لي مطمح
فلا زالت الأيام تهدي وفودها / إليك هناء ركبه ليس يطلح
وأنت الذي فصّحت لكنة مقولي / وما كاد لولا عاطفاتك يفصح
وعلمتني حُرَّ الكلام بنقده / فما قلت إلا وأنت المنقح
تودّ النجوم النيرات بأفقها / لديك مقامي حين أثني وأمدح
سقاكِ غوادٍ للحيا وروائح
سقاكِ غوادٍ للحيا وروائح / وجادك يا أروية السفح سافح
ولا برحت تهدي إليك نسيمها / رياض خُزامى هامع الفجر نافح
أدار الصبا بين السعيلات فالحمى / أمنك بحران البروق اللوامح
ذكرت الهوى بالجامعين وأهلها / فخف بصبري والتجلد راجح
لدن عدوة بالشام حطّت رحاله / وما بعدت منه لدينا المنائح
يمثله قلبي لطرفي صبابة / وتبصره الأشواق والربع نازح
يقر بعيني أن أرى منه بهجة / كما لمعت في كف قين صفائح
ويسرح طرفي في رياض علومه / وقد حركت عِطْفيه مني المدائح
دقيق حواشي القول طاب فكاهه / إذا سَمَّجَ اللفظَ العِييُّ المطارح
كأن ابن هاني بين اثناء برده / وقد قلّ محفوظ وغاضت قرائح
بأمجن منه والمدامة تجتلى / وأخلع والمعشوق عاص مسامح
هَزَارُ ملوك في حديث مؤانس / وهل ثم غِرِّيد سواه وصادح
له سانح السلطان في كلِّ وجهة / ومن دونه أنى توجه بارح
خليليَّ إن لم تُسْعِدَانِي بوقفة
خليليَّ إن لم تُسْعِدَانِي بوقفة / فمثلكما عندي رقيب وكاشح
ألا فانظراني نظرة ربما شفت / جوىً مُسْتَكِنّاً ضُمِّنَتْهُ الجوارح
فإن لم تَلُحْ حمر الخيام بذي الغضا / ولم تعترض منه الظباء السوانح
فلا سُلَّ سيف البرق بين هضابه / ولا طُلَّ بعدي بانه المتناوح
فلا تمنعاني نسمة فمع الصبا / نوافح من تلك الديار نوافح
ألا قاتل الله العيون فإنها / جوارح منا للقلوب جوارح
وفي القلب شوق صادع كلّما شدا / حمام على أعلى الأراكة صادح
يحنُّ فأُبْدِي ما أُجِنُّ كأنَّما / يطارحني من وجده ما أطارح
فيا عرصة السعدي مرت بك الصبا / يغازلها طرف من السحب طافح
فلو حاد عن مغناك غادٍ من الحيا / غذاك سقيط من ندا الطَّلِّ رائح
ولا برحت بالجامعين وبابل / مراتع فيها للظباء مسارح
وَرَوْض أَرِيضٍ مثل شعر ابن جعفر / إذا تليت أغزاله والمدائح
فتى راض أبكار المعاني فأذعنت / له وهي من كلٍّ سواه جوانح
يفر بعرب الشعر منه قرائح / قوارح إن الشعر جذع وقارح
نجائب نظم كالنجائب في السُّرَى / وبعض القوافي ضُلَّع وطلائح
هداه إليها سهده فسما لها / وقد ركب النهج الذي هو واضح
وما زال حبر من ربيعة ترتمي / إلى ريعه عيس وتطوى صحاصح
هم قابلوا الإقبال والنقع حالك / وهم بادلوا الأموال والعام كالح
أولئك أرباب السماحة والسطا / إذا شحَّ مناح وخاب مكافح
مضوا ولهم بالمأثرات صحائف / يترجم عن أنبائها وصفائح
ولكنهم ماتوا وأبقوا محمداً / فأنشر فضلاً ضُمِّنَتْه الصفائح
هداني منه مرسل بعد فترة / كأني لأمراض الأسى منه ماسح
وأظهر تلك المعجزات كتابه / فقلت أجد الدهر ما هو مازح
يميناً لقد أسديتها يا ابن جعفر / يداً نشرها كالعنبر الورد نافح
فإن لم تخف الحمد عني بما لها / عليَّ من النعما فما أنا راجح
أيا ملكاً قابلت إقبال وجهه
أيا ملكاً قابلت إقبال وجهه / فلاح لعيني منه برق فلاح
لك الله ما أغرى يمينك بالندى / وأكثرها حبّاً لبذل سماح
تهزك ريح الأريحية للندى / وتعظم أن تثنيك نشوة راح
لقد كان دهري خصني بصروفه / فَرُشْتَ بما تولي جناحَ جُناحي
فقيدتني في ظلّ ملكك بالغنى / وأطلقت من أسر الخطوب سراحي
قدحت زناداً منك بشر وَرْيُه / بتيسير آمالي وفوز قِدَاحي
فأنف عدوي راغمٌ كلّما رأى / غُدُوِّي إلى نيل المنى ورواحي
يلاحظني شَزْراً ويبسم صاغراً / وحشو حشاه ساميات جراح
فما ليَ لا ألقى الخطوب مصمماً / أقارع طاغيها وأنت سلاحي
فيا حبذا فقر سرى بمطالبي / إليك ويا بشرى بوجه صباح
فلا محلت أرضي وكفّك مزنتي / يروي شعابي غيثها وبطاحي
أتعلم ما أهدى لي العلم الفرد
أتعلم ما أهدى لي العلم الفرد / سنى بارق بين الضلوع له وقد
تألق نجديّاً فبت أَشِيمُهُ / فأَذْكَرَنِي بالشّام من داره نجد
فلله صبّ لا تزال تروعه / نوازع أشواق تروح كما تغدو
يؤرقه برق يلوح وعبقة / تفوح وَوُرْقٌ فوق أوراقها تشدو
أيا ساكني ظلّ العقيق أعندكم / لِذِي غُلَّةٍ صادٍ إلى وصلكم ورد
هجرتم فهلاَّ طيفكم وصل السرى / إليَّ وهل لي والكرى بعدكم عهد
وريح صبا أهدى لقلبي هبوبها / لواعج يحدوها من الشوق ما يحدو
أتت بأريج من خُزَامى وحَنْوة / وعبر عن أنفاسها البان والرَّندُ
فبات أُصَيْحابِي نشاوى لذكرها / وسال بأعناق المطيّ لها القصد
كأنهمُ قد عاقروا بابلية / فأعناقهم مِيلٌ بها ليس ترتدّ
أصابت حمياها المقاتل منهم / فما لأكف القوم قبض ولا مدّ
وبات أقل القوم سكراً إذا انثنى / يباشر منه الكُور لَيْتَاهُ والخدّ
فما هوَّم الساري إلى أن بدا لنا / سنام الحمى النجديّ والعلم الفرد
وركب تعاطوا فوق أكوار عيسهم / كؤوس مُدَام دار في ضمنها شهد
طوت بهم ذات البُرَى شقة السُّرى / بعيد الكرى وَهْناً كما طويَ البرد
فلما سجى بحر الدجى قيد الوجى / خطى العيس حتى لا ذَمِيلٌ ولا وخد
أضر بهم عُدْمُ الكرام فأدلجوا / على غير قصد منهمُ والربى ربد
فقلت لهم والبيد غُيْرٌ فِجاجها / ولا كوكب يهدي ولا علم يبدو
هلموا فها نار القِرَى موسوية / بها في دجى الآمال يستوضح الوفد
فمالوا إلى حيث العطايا أمامها / مسارح ذود الحمد والعيشة الرغد
أناخوا رذايا من مطايا كأنها / حنايا يَرَاها في الهوى الغور والنجد
وحلُّوا بِمَلْكٍ عندما وصلوا السرى / إليه غدا للفقر من قصدهم ضد
بشاهر من السلطان موسى الذي سمت / معاليه قدراً أن يكون له ندّ
أمخترع المعروف دون معاشر / بحارهم في جنب نائله ثمد
علام الونى شمر فما تنكر الوغى / سَطَاك ولا هذي المُطَهَّمة الجرد
وضرج خدود البيض بالدم كلما / تحطم في صدر لخطيه قد
فما يرزخ البحرين عنك بعاصم / جيوش ضلال سوف يغرقها المدّ
إلام تمادٍ في الهوينى كأنما / لكم أو لهم عن خوض بحر الردى بدّ
كم النوم عن فرض الجهاد وخيلهم / على جيد دمياط كما انتظم العقد
ألاّ غضبة لله منكم يعينها / بنصر ففي أيديكمُ الحلّ والعقد
ولا تغضبوا للملك لكن لملّةٍ / هي اليوم شِلْوٌ قد أحاط به الأسد
فصولوا كما صالوا وخبّوا لذبهم / وسُدُّوا عن الدين الحنيف كما سَدُّوا
فلولاكمُ لم تنبت الخطّ ذابلاً / لحرب ولم تطبع صوارمها الهند
فأين عن الإسلام صدق جهادكم / وها هو ملقىً قد أضر به الجهد
فلا الصبح من وقع القواضب مشرق / ولا الليل من نقع السلاهب مسود
لمن تَدخروا السرد المضاعف والقنا / وجرد عتاق الخيل والمال والجند
أبو الفتح موسى ذُبَّ عن مهجة الهدى / بسيف اعتزام ليس ينبو له حد
أغيرك يجلو عنه دجنة كربة / إذا النصل لم يقطع فما ينفع الغمد
هو العزم فاستوطن به ذروة العلا / فلولا حميد السعي لم يحرز المجد
فسر في صناديد الملوك فحرهم / بأمر أمير المؤمنين لكم عبد
كأني برايات الإمام وسودها / عليها بياض النصر يقدمها السعد
فَرَوِّ غليل الدين منك بعزمة / على كبد الإسلام من حرها برد
وسيف إذا ما باشر الهام صدره / مضى ولوجه الأرض من وقعه خد
أمنتزعي من أسر دهر تلفتت / حوادثه نحوي وأعينها رمد
دعوتك للإسلام وهو لما به / وما برؤه إلا اعتزامك والجد
فدونكها عذراء خير مهورها / ظُبَاك المواضي والرماح له رفد
فإن قوافيَّ التي سُدَّ نهجها / وأعوزها من يُستماح له زند
فتقت براحات اللُّهَى لَهَوَاتِها / وتلك فُتُوق بينها يسلك الحمد
فدم وتهنَّ العيد فهو محرض / عزائمكم أضعاف ما حرض العبد
فإن كنت قد أغربت في القول محسناً / وإلا فلي حق النصيحة والجهد
أمن نشوة في عِطفك المُتَأَوِّدِ
أمن نشوة في عِطفك المُتَأَوِّدِ / تعدى إلى عينيك سكر معربد
وإلا فرمح القدّ فيم اهتزازه / وما بال سيف الجفن ليس بمغمد
حشدت على قلبي فهل لك عطفة / ترد جيوش الحسن عن غزو مفرد
أما قلت ما جال الوشاح لغارة / أما هذه خيل الغرام بمرصد
أيطمعني في سلم قدك لينه / وخدك في لام العذار المزرد
ولما تخلى الصبر في معرك الهوى / عن القلب قال الشوق يا دمع أنجد
لي الله من قلب شفاء غليله / ممنع ورد تحت دُرٍّ مُنَضَّدِ
له لفتات نحو أسنمة الحمى / وحَنَّةُ مشتاق وأنة مكمد
إذا اعتن برق حنَّ وجداً وشاقه / على الأيك ترجيع الحمام المغرد
على أن لي وجداً بمصر وصبوة / إذا ما جرت أعطيتها فضل مقودي
ديار إذا اعتل النسيم رياضها / تضوع طيب النَّدِّ من ذلك النَّدِي
منازل غيد ما جَلَتْ جِيدَ عَاطِلٍ / وغزلان بيد ما خلت من تصيد
تصدُّك بالألحاظ تجريع مائها / وللروض فرش حوله من زبرجد
فما قَلَصَتْ في عام جدب ظلالها / ولا قيل عن سلسالها صدّ عن صَدِ
إذا نقشت كفّ الصبا كفّ نيلها / تأملت سيفاً عاد في زيّ مبرد
وقد أنشأت فيه الجواري بفلكها / يروح بها جاري الرياح ويغتدي
فيا ساحة القصرين جادك وابل / من الغيث يروي عهده كل معهد
ويا حبذا الورق الهواتف كلما / تغنَّت على هِيفِ المَعَاطِف مُيَّدِ
سمت في أعالي الدوح ثم ترنمت / بأحسن من لحن الغَرِيض وَمَعْبد
كأنّي من تلك الأغاريد سامع / مناجاة موسى عند لقيا محمد
لقاء أقر الروح في جسد العلا / وثبت بنيان الفخار المشيد
دعا دعوة لبيتها بعزيمة / تؤثر في حدِّ الحسام المهند
حفظت الوصايا العادلية في علا / تداولتموها سيّداً بعد سيِّد
تفيء عليكم دوحة شاذويّة / منابتها في أرض مجد وسؤدد
رسا أصلها السامي إلى النجم واعتلى / ففرخ منها كلّ أبلجَ أصيدِ
فها أنتم جبر الكسير وغاي / ة الفقير ومأوى المستجير المطرد
إذا انتجعت في المحل أنواء جودكم / أتت بغيوث من لجين وعسجد
أشاهر من السلطان كم من عظيمة / نهضت بها إذ أعجزت كل أَيِّدِ
إذا ما بذلت البشر بشر بالندى / وما كل روض حوله عذب مورد
فنفسك للتقوى تميل عن الهوى / ويومك في الجدوى يحيل على الغد
بيمنك مدّ النيل حتى تفجرت / ينابيعه عن زاخر اللج مزبد
كأنك قد علمته مذهب الندى / فأصبح جاري مائه في تزيُّد
وكيف تخاف الجدب أرض حللتَها / وأجليتَ عنها كل أشأم أنكد
تداركتها والنصر يتلوك جنده / فوافيتها يحدوكما صدق موعد
فما زلت حتى أسفر الحق واعتلى / على أمة التثليث كل موحد
سلبت مسوحاً ذلّ حزب مسيحها / وألبست ثوب العزّ أمة أحمد
فيا ابن الملوك السامقين مناقباً / أقرّ علاهم فوق نسر وفرقد
إذا بذلوا نيلاً فأمطار رحمة / وإن سفروا ليلاً فأقمار مهتدي
تضيء مساعيهم لمعتسف الدُّجى / كما لاح ضوء الكوكب المتوقد
تلق القوافي الشاردات كأنَّها / قلائد درّ فوق أعناق خُرَّد
إذا أنشدت في الحيّ ظلّت صدوره / غراماً بها ما بين رَاوٍ ومُنْشِد
فإن فاز باسم الشعر قوم تقاصرت / علومهمُ عن كلّ معنى مسدّد
فما كلّ مكحول اللحاظ بأحور / ولا كلّ مهزوز القوام بأغيد
وما أنا إلا عبد دولتك التي / إليك انتسابي لا إلى آل مزيد
تسوء مُعاديكم حسان شواردي / ويُرضي معاليكم مغيبي ومشهدي
وأنت الذي سهلت وعر مطالبي / ويسرت آمالي وكثرت حُسَّدِي
فصلت على حمر الخطوب وسودها / ببيض أياديك التي ملأت يدي
وما برحت نعماك عندي جديدة / فلا أمّ لي إن قُلْتُ رَثَّتْ فَجَدِّدِ
فدم مدركاً غايات كل فضيلة / ومغرى بإحراز الثناء المخلد
ثمالاً لمحروب وعزّاً لخاضع / وغوثاً لمكروب وغيثاً لمجتدِي
تغنت على غصن من البان مياد
تغنت على غصن من البان مياد / حمائم زانتهن أطواق أجياد
سجعنَ فرجَّعن الحنين لمغرم / تقلبه أيدي الضنا بين عوّاد
وما كنت أدري أن سجع حمائم / لتشتيت شمل أو لتثبيت أجناد
فيا جيرة الجرعاء قد طال هجركم / فمنوا بوصل أو فمنوا بإسعاد
عدوني على طول التنائي بقربكم / فساعات لقياكم مواسم أعياد
ثكلت الهوى لولاه لم أبع النهى / بجهل ولا استبدلت غيّاً بإرشاد
وثقت بأسماء الغواني وغرني / سنى بارق كم صدّ بالغيث عن صاد
فما أجملت جُمل ولا نُعم أنعمت / ولا سمحت يوماً سعاد بإسعاد
وبين بيوت الحيِّ سرب جآذر / وأعين عين ما لمأسورها فاد
أغارت ظباء الغور مني على الحشى / فسل أسد نجد كيف ضنت بإنجاد
فلو رام غير الحب ضيمي أو الهوى / لقلت أجرني يا عليُّ بنَ حماد
ودافع عني كل خطب أخافه / مهيب السطا يَعْدِي على الزمن العادي
أغرّ إذا ما قام عنك محامياً / فلا تخش من إبراق دهر وإرعاد
هو البحر حَدِّثْ عنه ما شئت إنه / مرجى مخوف في سكون وإزباد
بعيد المدى داني الندى هاطل الج / دا مبيد العدا شمس الهدى قمر النادي
أصالة حزم أيدتها شهامة / وثابت عزم دونه ضربة الهادي
ترى منه في المحراب نسكة عابد / وفي هيجان الحرب فتكة آساد
إليه تحث الناجيات فترتمي / بركبانها ما بين نصّ وإساد
إذا عللت يوماً بغشيان بابه / فذلك يغنيها عن السوق والحادي
تؤم بأبناء المنى من جنابه / مظنة بسط الرزق أو فك أصفاد
أحامل أثقال العلا دون معشر / غَدوا ولهم من قربها شأو أبعاد
تداركت شمل الملك حتى لممته / فأصلحته إذ هم قوم بإفساد
وما هي إلا دولة أشرفية / وقفت وراء الذب عنها بمرصاد
فيا من بشير السَّفْر بشر جبينه / وإسفار وجه دونه القمر البادي
تلق مديحاً في علاك انتخبته / فجاء لتشريفي به لا لإرفادي
فما فهت أتلو في صفاتك مدحة / محبرة إلا وغنى بها شاد
كأنَّ سحيق المسك يعبق نشره / إذا جليت في محفل يوم إنشاد
فلا برح التوفيق يتلوك شعره / إذا سرت في إصدار أمر وإيراد
تُرى من على نفس الهدى جار واعتدى
تُرى من على نفس الهدى جار واعتدى / وَفوًّقَ نحو الملك سهماً مسددا
ومن هدّ ركن المجد بعد سموه / ومدّ إلى تشتيت شمل العلا يدا
ومن دكدك الطود الأشمَّ وقد رسا / وطال إلى أن جاز نَسْراً وفرقدا
ومن حجب البدر الذي كان مشرقاً / ومن غيَّض البحر الذي كان مزبدا
ومن حبس القطر الذي كان نوءُه / إذا عمّ جدب لا يغبّ له ندا
فيا لضلوع أججت نار كربها / غيوث دموع قلّما تنقع الصدى
خَلِيلَيَّ لا بالله لا تجمع الأسى / عليَّ فإني لا أُطِيقُ التجلدا
ألا فأعيناني فبي فرط لوعة / كما ترياني حائراً متبدّدا
أحقّاً نعى ناعي المؤيد أم سرت / أراجيف عاد الحزن منها كما بدا
سَلاَهُ فإنْ أبصرتماه مُلَجْلَجاً / فلا شك نجم الدين قد غاله الردى
فجودوا معي بالدمع سحّاً فما له / يزيد به نار الضلوع توقدا
فقد رابني أني أرى الصبح أقتماً / لمصرعه والليل ما زال سرمدا
وأَغْضَبَنِي البرق الضحوك وإنني / لأحسبه للرعب سلّ مهندا
أمسعود ما لي بعد مدحك برهة / على دهش أتلو مراثيك منشدا
تصدع في شعبان شَعْبُكَ واغتدى / صباح المنى من بعد فقدك أسودا
لقد سفرت عن رزئنا شرّ سفرة / ذممنا بها تلك المسافة والمدى
توجهت في إصلاح قوم فأنجحت / مساعيك بلْ عادَ الزمان فأفسدا
فتبّاً لهذا الدهر كيف تقلَّبت / مواعيده الحسنى فعادت توعدا
فيا ليتني قد متُّ قبلك للردى / ومن لفؤادي أن يكون لك الفدا
تمثلك الذكرى لطرفي كأنني / أراك فما أدنى المزار وأبعدا
يميناً لقد فارقت منك مهذباً / كريم السجايا لَوْذَعِيّاً مُمَجَّدا
فيا ركباً يطوي الفجاج اعتسافه / بوجناء يغنيها الزفير عن الحُدا
تزوَّد فيا لله أي تحية / تحملها إن شئت أن تتزودا
ولا تَتَزَاوَرْ عن دمشق وزر بها / ليوسف قبراً فيه مجتمع الهدى
وقفْ بضريح الناصر الملك الذي / بنى صخرة البيت المقدس مسجدا
وَعَفِّرْ هناك الخدَّ فوق صعيده / وصاعد زفيراً وانْعَ ثَمَّ المؤيدا
وقل حكمت فيه الليالي بغدرها / فبات من الأوطان والأهل مفردا
فكن شافعاً فيه وبوّئه منزلاً / بقربك في دار النعيم مخلّدا
فإن أنت أديت الأمانة فاحتسب / بأنك عند الله تلقى بها يدا
وسر آمناً حتى تحلّ مسلِّماً / بِمِصْرَ فكم تَلْقَى على النوح مُسعدا
وَزُرْ خير قبر للعزيز مجاورٍ / هناك الإمام الشافعيّ محمدا
وقل جاد مثواك الغمام إذا هَمَى / به باكر الأنواء راح كما غدا
وقف ذاكراً فقد المؤيد ناشراً / لما كان رُزْء الجواد مجدّدا
فإن جزت بالقصرين فاحبس معزياً / منازل كانت منهم مسكن الندى
سلام عليها من قبور بذكرها / تغلغل في قلبي الأسى وتوقدا
فيا مانع الإسلام صبراً فإنما / بصبرك في كل المواطن يُقْتَدَى
فلو كان غير الموت دافعتُ دونه / بطعن يرد السمهريَّ مُقَصَّدا
وغادرت جفن الأفق بالسمر أوطفاً / وخد المواضي بالنجيع مُوَرَّدا
ولكنه دهر إذا ما نعيمه / تحول بؤساً هدَّ ما كان شيّدا
فدم يا غياث الدين سيبك للعلا / يشيد مبانيها وسيفك للعدا
ولا زالت الدنيا تبيحك ملكها / ولا زلت مهديّاً لها وممهدا
صحائف بشرى زانها رونق البشر
صحائف بشرى زانها رونق البشر / طوت شُقة البيداء طيبة النشر
هدت شارد الآمال نحوي وبردت / جوانح كانت مطبقات على جمر
تنسمت منها عطفة موسوية / كطلعة وصل جاء يقتصّ من هجر
فيا جنح ليل الحظ زد من صباحه / فقد خفقت بالنصر ألوية الفجر
إذا ملت عن معنى الغنى بمطالبي / فقد رضيت ذلَّ الغنى عزةُ الشعر
سأدني القوافي من عزيز وماجد / مجال خيول الحمد في حلبة الفخر
وأعلق آمالي بحبل متوج / يصون وجوه المذنبين عن العذر
بشاهر من السلطان مُنْتَجَعِ الهدى / أبو الفتح موسى الأشرف بن أبي بكر
بأبلج أعطاه التواضع رفعة / ونزهه كِبْر المحل عن الكبر
به أدرأ الخطب الملم وأتقي / بوادر ما يأتي به الدهر من غدر
فنعم مناخ الركب في كلّ أزمة / بها الأفق يبدو من دم الجدب في أزر
يشيمون برقاً من سحاب يمينه / له مدد لا ينقضي أمد الدهر
مَلِيءٌ إذا ما هُجِّرت حومة الوغى / بِرَيِّ أُوامِ النصل من مورد النصر
يعيد سواد النقع دُهْماً جياده / وقد وردت بين الوراد إلى الشقر
نَمَتَه مساعيرٌ كماةٌ وجوههم / إذا أسفرت كانت هدى حائر السَّفر
إذا عُدَّ يومٌ مالهم من مناقب / بدت خجلة في أوجه الأنجم الزُّهر
سموا وطموا فالسبعة الشهب دونهم / ودون نداهم زاخر السبعة الخضر
أبا الفتح موسى طل إلى الغاية / التي يقصر عن إدراكها ملتقى الفكر
فقد شكر الإسلام منك مواقفاً / كشفت بها عن وجهه ظلمة الكفر
فلو سئلت دمياط عنك لأسندت / أحاديث تروى عن حنين وعن بدر
جهاد به عزّت أباطح مكة / وَسُرَّتْ بما لله فيك من السر
فكم صدر رمح دقّ في قلب فيلق / لصرف وجوه الشرك عن ذلك الثغر
ذَبَبْتَ عن البيت الحرام ويثرب / وعند أناس أن ذبك عن مصر
ولما لقيت الجيش بالجيش مقدماً / بأسد السرى في غابة الأسل السمر
رأت زرق أبناء الأصيفر حتفها / مُطِلاً على راياتك الصفر والحمر
فما شَهَروا إلا خضوعاً وقاهم / وما لبسوا إلا دروعاً من الذعر
فكيف ترى تحريض عبدك إذ شدا / بحمدك بالشهباء في صبحة النحر
أكان لهذا الدين ملك يجيره / سواك ويحوي ما حويت من الأجر
توسمت في أعطافك النصر للهدى / فما خاب فَأْلِي في علاك ولا زجري
نقعت بأمواه الظّبي كل غُلَّة / من الدين أطفأتم بها جمرة الكفر
فكانت لموسى ضربة البحر آية / وكانت لك الآيات في البر والبحر
صبرت لها حتى تجلت غمارها / وقد ضاق إلا عنك متسع الصدر
فيا مُبْدِئَ النعمى أزلها فلم تزل / لك المنة الكبرى على العبد والحر
فإن أقلعت عني غيوثك برهة / وأوحش قطري بعد عهدي بالقطر
فقد عشت في مَحْل الأقاليم مخصباً / بما غادرت في روض أرضي من الغدر
فهل عطفة شاهيّة شادويّة / بها جبر ما قد أحكم الدهر من كسري
فكن منقذي من نائباتٍ ظفرنَ بي / فشلوي بين الناب منهن والظفر
فوالله مالي غير مغناك من غنىً / ولا لي إلا حسن رأيك من دخر
وما أشتكي إلا فراقك وحده / وإلا فقد أغنيت ما كان من فقري
وأعظم فخري أن أتيه بذكره / إذا قلت إني عبد أيامك الغرّ
فدونك روض الحمد يَنْضَح طيبه / لما دبّجت فيه القوافي من الزُّهْر
فإن نفثت سحراً ونَبَّتْ بنشوة / فمنشأها في بابل السحر والخمر
فأنت الذي جوهرت يا بحر خاطري / فدونك ما أهدى إليك من الدُّر
حوى حسن طبع الجاهلي جزالة / وخضرم لا يرضى لكم رقة الحضر
إذا الله أثنى بالذي أنت أهله / عليك فما مقدار حمدي وما شكري
فدمت دوام الفرقدين مُؤَيَّداً / لك السعد تأبيد السماكين والنَّسر
وليلة صحت لي مواعيد وصله
وليلة صحت لي مواعيد وصله / وقد كان منها جانب الزقّ أزورا
خلوت به أشكو جوى ضامر الحشا / ومورد حب لم أنل عنه مصدرا
وعاطيته عذراء لم يك عَطْفُه / وقد أخذت من عِطفه مُتَعَذَّرَا
شمولاً تمشت في شمائله فلم / تدع جانباً من خلقه متوعرا
فجاد بلفت الجيد كالظبي عاطياً / وقد سكنت منه الحميا منفرا
فيا منة للسكر أضفيت شكرها / وقد رنّقت في عينه سِنَةَ الكرى
أقبل برق الثغر يفتر أبيضاً / وأتبعه غيثاً من الدمع أحمرا
فيا حبذا من وجهه لي جَنَّة / وردت بها من ريقه العذب كوثرا
فذاك رضاب سوف ينقع برده / غليلي إذا يوم من الهجر هَجَّرا
فلله ليل بت فيه معانقاً / قضيب نقاً بالليل والصبح مثمرا
فيه صبوتي وأذرد ما / وفى وصفاً من عفتي أن يكدرا
ومن أسبل الغازي بن يوسف ظله / عليه فعار أن يباشر منكرا
أغرُّ له يوما عقاب ونائل / فكرهما في الدهر أغنى وأفقرا
فخف سيفه في أسود النقع أحمراً / وخذ سيبه في أشهب الجدب أخضرا
حسام أمير المؤمنين الذي صفا / كما شاء طبعاً فانتضاه مجوهرا
يروقك معنى جوده ولقلَّما / تراه مع الاعراب إلا مكررا
تهلل بشراً واستهلّ أناملاً / فلم تر إلا مشمس الجو ممطرا
تراع ملوك الأرض خيفة بطشه / فأعجب شيءٍ أن ينام ويسهرا
أحقهم بالأمر أكرمهم يداً / وأخلصهم لله سرّاً ومَخْبَرا
خليليَّ ما بال النسيم الذي سرى
خليليَّ ما بال النسيم الذي سرى / تعرض مكيّ الشذا متعطرا
أحدَّث عن دارين أم مرَّ ركبه / بليل على أرض العراق وما درى
فهل فيه لي من نفحة بابليّة / تبرد من حرّ الجوى ما تَسَعَّرا
أجل باشر الترب العراقيّ لاثم / فعبقة هذا العَرْف من ذلك الثرى
ولو لم يكن فيه إِلَيَّ تحية / لما بات من نشر العبير معبرا
ولم يدر قولي ما روى غير قوله / سما لك شَوْقٌ بعد ما كان أقصرا
فلله ما أهدى وإن هو لم يهج / بمسراه إلا لوعة وتذكرا
حمى الله من ريب الحوادث بالحمى / وُجُوهاً تروق العين حسناً ومنظرا
وذي هَيَفٍ في البان منه وفي النقا / مشابهة يضم ويهصرا
تأوّد غضّاً فاجتنيت صبابة / وصِدْت غراماً إذ تَلَفَّتَ جؤذرا
وأرخى على ديباجة الخدّ صدغه / فسبحان كاسيه الجمال مشهرا
هتفت به إذ أظهر الصبح شخصه / وقد كان سرّاً في حشا الليل مضمرا
وقد لاح برق فوق أعلام جوشن / توهمه نارا فخف إلى القِرا
أمامك ردْ روض المحامد مخصباً / أريضاً وَرِدْ حوض الندى متفجِّرا
وناد غياث الدين غازي بن يوسف / يغثك وحدث بعد ذاك بما ترى
وقل نصب الناس الخطوب وبايعوا / لها فاخلع الجور الذي شمل الورى
تجد ملكاً لو لامس الطَّوْد عزمه / تزلزل أو مس النسيم تسعرا
سما بالندى كعباً وبالحلم أحنفاً / وبالحكم لقماناً وبالبأس عنترا
فيا متحف الدنيا بعز محاسن / غدت من جبين الشمس أبهى وأنورا
إليك مآل الأمر والله كافل / بما سيرى عمّا قليل ميسرا
فلا بد من يوم إذا صَلَّت الظُّبا / ونامت خطيباً كانت الهام منبرا
وتنكشف الغمّاء والملك لائذٌ / بعفوك يستجدي رضاك لتغفرا
هنالك ما بيني وبين سعادتي / أمامك إلا أن أقوم مبشّرا
فدمت لما أرجو وترجو لك العلا / من الملك ممتدّ البقاء معمرا
وهنئتها من ليلة سترى لها / نظائر تغنيها دهوراً وأمصرا
وأولاهمُ بالملك أصيد ما بدت / له فرص الإقدام إلا وشَمَّرا
هو الظاهر الغازي الغياث الذي غدت / به هضبات الملك شامخة الذُّرى
فتى لو يحوز الأرض قالت سعوده / وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
مليك إذا عُدَّتْ مساعيه في العلا / رأيت جبين المجد أبلج أزهرا
وإن جردت أسيافه وتعثرت / بهام أعاديه كسا الجو عِثْيرَا
فيا غامري بالجاه والمال بعدما / رأيت بعيني أيمن الحظ أيسرا
يميناً لقد أبديت كل عجيبة / يراع لها من كان مثلي مبصرا
تباينت إعطاءً وحلماً وبهجةً / وبأساً فسبحان الذي لك صوَّرا
تجود وتعفو ثم تندى طلاقة / وتسطو فقد أكثرت فيك التفكرا
فبينا أرى بحراً أرى الطَّوْدَ راسياً / وبينا أرى بدراً أرى الليث مخدرا
أجل هذه أوصاف أبلجَ لم يزل / إذا صال منصور اللواء مظفَّرا
تقدم بالسعي الذي نال إرثه / ومن لم تقدمه المساعي تأخرا
وذي أمل في البيد طال سفاره / فلم ير صبحاً من أمانيه مسفرا
إذا قطعت أوصال أرض ركابه / فقد وصلت ذيل الهواجر بالسرى
ترامت به الآمال في كل فدفدٍ / من الأرض حتى عاد أشعث أغبرا
كأنَّ ابن حُجْرٍ قد عناه بقوله / نحاول ملكاً أو نموت فنقبرا
فلما براه الوجد حتى أعاده / شبيهاً بأرسان النوافح في البُرا
فقم إلى اللهو يا نديمي / فإنما العمر مستعار
واخل همومي ببنت دَن / في مثلها يخلع العذار
فقد تولى الصيام عنا / يتبعه النُّسْكُ والوقار
وآن أن ترتوي نفوس / إلى لذاذاتها حِرَار
ودولة الورد حكما لا تُجِي / زُ أن تُحْبَسَ العُقار
أما ترى الجو والغوادي / قد مدّ فيه لها إزار
والشمس تبدو كوجه خَوْد / للغيم من فوقه خمار
والبرق يحكي مهنداتٍ / في هبواتٍ لها اشتهار
والرعد يعلو له حنين / فيه كما حنَّت العشار
وفوق درع الغدير يهفو / لواء دوح له انتشار
فاء على مثنه فخلنا / ماويّة مسها غبار
تطلق خيل الرياح فيه / سنابكاً ما لها عثار
إذا المذاكي أثرن نقعاً / فإنما نقعها البحار
فَصْلٌ له في الزمان فَضْلٌ / على الأحايين وافتخار
كأنه الغياث خلق / طابت مجاريه أو نجار
الظاهر المرتجى نوالاً / تغرق في جنبه البحار
ملك به تفرح الرزايا / كما تجلى به الغمار
سعى فأفضى إلى منار / أشم ما فوقه منار
وحل من ملكه محلاً / ليس على فخره فخار
لو جرت الهُوج في مداه / حاق كَلاَلاً بها البوار
أو طار نَسْرُ النجوم فيه / أسقطه ذلك المطار
طود نهى ماله انتهاء / بحر ندى ماله قرار
شمس هدى ماله كسوف / بدر عُلاً ماله سَرَار
للناس من نائل وبأس / في يده جنة ونار
لا خلق إلا به احتياج / إلى أياديه وافتقار
حياتنا في ذراه ربح / والعيش من دونه خسار
للمجد أنس بجانبيه / وفيه عن غيره نفار
القائد الجيش كل قلب / من وقع أسيافه مطار
نهاره بالعجاج ليل / وليله بالظّبا نهار
يشرع فيه قنا طوالاً / أعمار أعدائها قصار
فكل ذي ثعلب خضيب / من صدر ليث له وجار
تظلّ خُرصانها قيام / حكى دخاناً به شرار
لم نر من قبلها نجوماً / في شجرات لها استجار
إذا سقاها دم الأعادي / فهامهم فوقها نثار
يزأر في جانبيه ليث / له القنا والسيوف دار
يجير من حادث الليالي / إذا الملوك اعتدوا وجاروا
أقصى غناهم لديه فقر / وعزهم عنده صَغَار
ما اقتدروا حاكمين إلا / كان عليهم له اقتدار
يا من لآمالنا طواف / ببيت نعماه واعتمار
أغنيتني أن أجوب بِيداً / يضمر شخصي بها القفار
أشيم للباخلين برقاً / ليس لأنوائه قِطَار
فدونك الحمد من وَلِيٍّ / به إلى عطفك اضطرار
فمن إذا أنت لم تجزنا / على الملمات يستجار
فانعم بفضل أتى فأضحت / زينته منك تستعار
فلا خلا منك دست ملك / أنت له التاج والسوار
قضت لك بالنصر السيوف القواطع
قضت لك بالنصر السيوف القواطع / وجرد المذاكي والرماح الشوارع
هي النفس إن همَّتْ بإدراك مطلب / فسيّان دانٍ تبتغيه وشاسع
نهضت بما أعيا الملوك وما استوى / ضليع يرى الإعياء غُنماً وضالع
فإن راعهم خطب يروع سماعه / فبأسك للخطب المروع رائع
فمن ذا إلى مجد يجاريك أو عُلاً / وأنت لأشتات المحامد جامع
ومن في ملوك الأرض غيرك يحتمي / به الدين أو عن سرب ملك يدافع
ينير الهدى منك النهوض إلى العدا / وخوض الردى في وقت تخشى الوقائع
وتبتسم الدنيا سروراً لعلمها / بأن إليك الأمر والنهي راجع
فخذ في الذي تهوى فعزمك ماله / عن الغاية القصوى إذا هم وازع
فبأسك مرهوب وجيشك ناصح / ونصرك مكتوب ورأيك ناصع
فلا يغرر الأعداء منك تَثَبُّتَ / تروز به الأمر الذي أنت تابع
فإن يصح جوّ من سطاك ولم تقم / ولم تغشهم منك السيول الدوافع
فبشرك أغراهم وغَرَّ ولم تزل / تدل على الغيث البروق اللوامع
وإن يكُ قد هبت رياحك فيهم / رُخاء ففيها عن قريب زَعَازع
وإن طارت الجرد العتاق إلى مدى / فأغلب ظني أنَّ سخطك واقع
فما بك عن حرب قصور وإنما / لأمر تداري قادراً وتصانع
وإن لم يعد جيش العدو ولم يعذ / بعفوك إذ سدَّت عليه المطالع
سأنشد بيتاً نابغيّاً معظماً / تردِّده خوفاً وبأسك سامع
فإنك كالليل الذي هو مدركي / وإن خلتُ أن المنتأى عنك واسع
رفضت الهوينا فانتضى العزم ماضياً / اباؤك والقلب الجريّ المتابع
فأوليت أهل الشرّ شرّاً وبعضهم / كذي العُرِّ يكوى غيره وهو راتع
فباتوا إذا نامت طلائعك انبرت / تطلّ عليهم من سطاك طلائع
فيا ابن الذي أخلى الكنائس فاغتدت / بأقصى بلاد الشرك وهي جوامع
لواؤك مرفوع وسيفك جازم / وبعض رقاب الناس فعل مضارع
فعزماً غياثيّاً فبالدين غُلَّة / لها عزمك الناريّ مُروٍ وناقع
فقد آن أن تحيي العباد وتغتدي / ومالك في ملك البلاد منازع
أخذت بأنفاس العدوّ فلم يجد / إلى معقل إلا وذكرك رائع
أدرت عليه حتفه في انتباهه / وسقت إليه رُعْبَهُ وهو هاجع
فإن يتنبه فالمنايا وإن ينم / فأسوأ حال ما تريه المضاجع
لك الله رفقاً بالمواهب واللُّهَى / إذا لم يكن رفق لخصم تنازع
فقد ضجت الأموال مما تهينها / وملت سيوف الهند مما تقارع
امنتزعي من قبضة الدهر بعدما / مكثت وروحي في السياق تنازع
بك اجتنبتني الحادثات وأصبحت / على رغمها شزراً إليَّ تطالع
فكم ولَّدت نعماك شكري صنيعة / وما الشكر إلا حيث تزكو الصنائع
غدا وهو في وجه المحامد غرة / وفي أفق العلياء زهر طوالع
وليس كشكري كلما أيقظ الندى / لواحظه ألقيته وهو هاجع
فكم آنستني منك في كل خلوة / مواهب أبكار عليَّ رواجع
كأن الليالي فوضت ما أهمها / إليك اقتناعاً بالذي أنت صانع
فلا معتفٍ إلا بسيبك آمل / ولا معتدٍ إلا بسيفك خاشع
غمام على العافين في الجدب واقع / وسُمٌّ على العادين في الحرب ناقع
فيا قبلة الإقبال دم لممالك / مفاتحها عند الملوك ودائع
فلا عدم الشهر الأصم مواقفاً / بمدحك فيها تستلذُّ المسامع
فلا تلفت إلا بأسيافك العدا / ولا ألفت إلا ثناك المجامع
خَلِيلَيّ مَا هذا الشذا المتضوِّع
خَلِيلَيّ مَا هذا الشذا المتضوِّع / يخبُّ به وفد النسيم ويوضع
وما لفؤادي قد تعرّض للصبا / ونبهه داعي هوى ليس يهجع
أفي نسمات الريح من أرض بابل / أحاديث ترويها البروق وترفع
أجل طرقت بالشام رحلي سقيمة / فما برحت حتى تمايل موجَع
ولله طيف ظلّ وهناً فلم يكد / ليجمعنا لولا التأوّهُ مضجع
تغلغل في بحر الدموع وإنما / تخلص مذ غاضت مع النوم أَدْمُع
وأوهمني أشياء ما خلت أنها / على الضعف تقتاد الفؤاد فيقبع
لك الله قلباً لا يزال تشوقه / طلائع أعلام تغر وتخدع
إذا صبوة عنها أَمالتك سلوة / تعرض زُورٌ من خيال فَتَرْجِع
خَلِيلَيَّ هُبَّا فاطلبا لي جذوة / سما نحوها طرفي أم البرق يلمع
فإن كان برقاً فاستميحاه وقفة / لعل شآبيب الحيا منه تهمع
فإن جاد قبل الدمع مَدْرَجَةَ اللوى / فتلك لعمري منه ما تضيع
فلا فُطِمَتْ تلك الثنية من حيا / يُبَاكِرُ طِفْلَ النبت فيها فيَرْضَعُ
ولا تبخلا أن تُتْبِعَا الظعن نظرة / فلي خلف تلك العيس قلب مروَّع
فما أخذوه عنوة غير أنه / تأخر عني حين راح يودع
ولا تسأما أن تنشداه فربَّما / أجابكما عنه حنين مرجَّع
فإن لم يقع للطرف صادق مطمح / هناك فما للقلب في العود مطمع
وإن غربت تلك البدور بِغُرَّب / فعهدي بها بين الطوالع تطلع
وأرقني بالأبرق الفرد طارق / وَوُرق غدت في مورق البان تسجع
ترخم صوتاً أعجميّاً ومقلتي / تترجم عنها حين تدمى وتدمع
وعن أيمن السعدي يا سعد أربع / لقلبي إليها لفتة وتطلع
يرنحني تذكارها فكأنما / يدار عليَّ البابليُّ المشعشع
فيا حبذا ظلُّ النخيل وجرعة / تبل غليلي لا كثيب وأجرع
ليالي أغصان المعالي تنثني / عليَّ ومن لعس المراشف أكرع
زمان كعصر الصاحب بن محمد / رقيق الحواشي مُخْصِب الجوِّ مُمْرع
به الظل ضافٍ والنبات منوِّر / كما الورد صافٍ والصِّلات تَبَرَّع
فللَّه شمس الدين أي مشمر / إلى المجد والأقوام حسرى وضُلّع
وزير إذا عُدَّتْ مناقبه غدت / حياء لها شمس الضحى تتبرقع
حَمَتْ جَارَه من أن يضام حميّةٌ / أرتنا صروف الدهر كيف تصرع
فيا طالب العلياء أعوز نيلها / يميناً لقد نادتك لو كنت تسمع
سما ابن أبي يعلى إلى غاية العلا / فَرُم غيرها إن كان في القوس منزع
أخو يقظة في الملك لا الحزم ينثني / إلى غيره في الدست يمتد أصبع
بحيث جناب العز في جنباته / مناخ العطايا الغمر وهو ممنع
يشتت شمل المال جوداً فحبذا / شتات لأشتات المعالي يجمع
فللمعتفي والمعتدي من رياحه / ندىً وردىً يجري رُخاء وزَعْزَع
بطيء إذا ما هاجه ذنب مجرم / عن البطش لكن جوده متسرع
مواهبه كالغيث عمّ ركامه / فمن جوده لم يخل في الأرض موضع
يروع العدا منه أغرّ مشمِّر / إلى المجد طلق الوجه أبلج أروع
يسرك منه موقع بعداته / ويرضيك منه بالسماح موقع
فيا ابن الأولى حازوا العلا وتسربلوا / جلابيب من مَوْشيها وتدرعوا
هم القوم طالوا بالمعالي فقدرهم / من الشهب في الأفلاك أعلى وأرفع
تقاصر كعب عن نداك وحاتم / وقصَّر كسرى عن مداك وتُبَّع
وكم نشرت أوصافك الغر واغتدى / شذا المسك من أردانها يتضوع
ويهتز متن الهُنداوانِيِّ غَيْرَةً / لأنك أمضى منه عزماً وأقطع
فما اتسعت آمالنا وتلفتت / إلى مطلب إلا وجودك أوسع
ولا طاردتنا الحادثات مغيرة / فكان لنا إلا جنابك مفزع
وقلت لمن يخشى الليالي وغدرها / بحيث أذاها ماله عنه مدفع
إذا شئت أن يعدوك منها إذا اعترت / غمائم ليست عن جنابك تقلع
فقل أنا جار الصاحب بن محمد / وَبِتْ آمناً مما تخافُ وتجزع
فيا خير من تسمو الأماني عنده / إلى بحر جود فيه للوفد مشرع
تهنَّ بشهر الصوم وابقَ لدولة / صفا لك من سلسالها العذب منبع
ودونكها زُهر الخدود كأنها / صفاتك يجلوهنَّ للخلق مجمع
ودمْ ما هَمَتْ وُطْفُ الغمائم وانبرت / على دوحها وُرْقُ الحمائم سجع
علام زماني ظالماً يتعسف
علام زماني ظالماً يتعسف / وحتام في قيد المذلة أرسف
أما تسمح الأيام يا بن نجيبة / يقومها من زيغها ويثقف
فويح القوافي كم تحوم على المنى / ظماءً وكم عنا تصدّ وتصدف
ألا صاحب كالسيف يمضي إذا نبا / زمان فيسعى في مرامي ويسعف
ومستخبر من لليالي إذا طغا / أذاها وخيف الحادث المتغطرف
وإن نكبات الدهر يوماً تتابعت / ينكسها والخطب داجيه مغدف
ومن ذا الذي من بعد غازي بن / يوسف يلاذ به قلت المبارز يوسف
جواد يعز المحتمي بجنابه / ويأمن في لأوائه المتخوف
له ماء بشر في أسرة وجهه / يكاد بأفواه الأماني يرشف
إذا شرف المدح امرأً فمدائحي / بأوصافه تعلو وتسمو وتشرف
فلله طود في الكريهة ثابت / وفي السلم يثنيه الثناء ويعطف
يجود سماحاً والغوادي بخيلة / ويخشى كفاحاً والذوابل ترعف
تجمع فيه ما تفرق في الورى / فكل امرئ عن شأوه متخلف
ففي رأيه قيس وفي الجود حاتم / وفي لفظه قسّ وفي الحلم أحنف
يتيمه للسيف خدٌّ مضرج / ويطربه للرمح قدٌّ مهفهف
فما روضة غناء غنى حمامها / وباتت لها كفُّ الغوادي تزخرف
إذا مَجَّتِ الأنواء فيها رضابها / فثغر أقاحيها له يترشف
وأصبحت الأغصان فيها تمايل / لِوُرْق على الأوراق تشدو وتهتف
بأحسن من وجه المبارز يوسف / وقد قرئت فيه من النجح أحرف
أغرّ يهزُّ المدح عطفيه مثلما / تهزّ قدودَ الشَّرْبِ صهباءُ قرقف
كفاه من المال الثناء وسابح / جواد وخطّيّ ودرع ومرهف
له عند بذل المكرمات تسرع / وفيه عن الجاني المسيء توقف
فمن حاد عن حقّ وأبقى مذمة / فما ذم يوماً لابن أحمد موقف
تصدق في علياه ما أنا قائل / كأن الذي أتلو من المدح مصحف
أمخترع المعروف دون معاشر / لهم أعين من منظر الحق تطرف
دعوتك والأيام خُزْرٌ عيونها / إليَّ وطلاب الحوادث تزحف
فكن عند ظنّ ما عداك ولا تدع / طوارق هذا الدهر بي تَتَحَيَّف
فعار عليكم أن أضام وأنتمُ / حماة المعالي والعوالي تقصف
فقم يا كريم الأصل دوني مقارعاً / صروف الليالي علها تتصرف
فوالله لولا حبكم وولاؤكم / خدمت ملوكاً ظلّهم لي يكنف
أقيلوا أنيلوا أفضلوا أجهلوا حلوا / أفيدوا أعيدوا ما بدأتم تعطفوا
فأي امرئ لم تكفه يا ابن خطلخ / حوادث أيام تجور وتعسف
فدم لا خلا معناك من طالب غنى / ومن آمل يسري إليك ويوجف
نعم جادت الدنيا بما أنت آمله
نعم جادت الدنيا بما أنت آمله / فحسبك من آمالها ما يقابله
إذا ما هناء قال قوم قد انقضت / أواخره كرّت عليه أوائله
فيا حبذا دهر بملكك أشرقت / على أهله أسحاره وأصائله
فلسنا نرى إلا نعيماً يديمه / صنيعك فينا أو سروراً يواصله
فمن نعم تضفو علينا ظلالها / ومن كرم تصفو لدينا مناهله
فنوء نداك الغمر يروي ركامه / إذا ما غمام أظمأتنا مخائله
فلله مولود أنار به الهدى / وأسفر وجه الملك واشتدَّ كاهله
به أصحب الحظ الذي كان جامحاً / وأثمر داعيه وأخصب ماحله
تباشرت الدنيا بغرة وجهه / فبورك من نجل وبورك ناجله
أتى ومحيا الدهر أزهر مشرق / كطلعته والزهر تزهو خمائله
فبشرى لأبكار البلاد فإنها / على ثقة عما قليل تراسله
كأني به والجيش خلف لوائه / وقد حجبت شمس النهار قساطله
سيملأها عدلاً وقسطاً كفاحه / وتكلأها أرماحه ومناصله
وتحمد منه سيرة ظاهرية / بها تشمل الآفاق طرّاً شمائله
عليه جلال من أبيه وجدّه / يدل على أن البلاد معاقله
أيا ملكاً كل الملوك عبيده / وبحر ندىً كل البحار سواحله
لك الله ما أسماك نفساً وهمةً / ومجداً غدا صعباً على من يحاوله
أنالك رب العرش أسبغ نعمة / فنوعت منها عاجلاً لك آجله
فكم نعمة فرعت منها تبسمت / فُروض الندى عنها وعمت فواضله
أضفت إلى خير المواليد موسماً / دعمت به الملك الذي أنت كافله
فحمداً لأيام هدتنا بأحمد / إلى منهج يدعو إلى النُّجح سائله
فكم صلحت بالصالح الملك حالة / لمن كان لا يجدي عليه وسائله
فأي طُهور كان للخلق رحمة / ويوم سرور أثقلتنا فواضله
تهلل وجه الأفق فيه طلاقة / وأهدى من الألطاف ما أنت قابله
فأقبل ركب الدجن يحجب شمسه / ويلقي من الغيث الذي هو حامله
كأن الحيا قد كان سَفْراً مهنئاً / فمذ شارف الشهباء حطَّت رواحله
وظلت عقود المزن ينثر دُرها / سروراً بمن يغني عن النيل نائله
وليس ابتسام البرق إلا بشارة / بإقبال جدّ واضحات دلائله
ورثت خليل الله منصبه الذي / سما فالنجوم الزهر ليست تطاوله
فأحييت بالتطهير سنته وكم / تَبِعْتَ نَبِيّاً في الذي هو فاعله
فيا من نهى صرف الزمان مؤدباً / فَفَرَّت عواديه وقرَّت زلازله
بك ابتهج الإسلام واشتدَّ أزره / وشيدت مبانيه وقوِّم مائله
فلم ينعقد إلا عليك ضميره / ولا عُقدت إلا عليك محافله
سمحت فكم باب فتحت وعائل / منحت وميعاد الزمان مماطله
أمنتزعي من قبضة الدهر عندما / رآني وقد ضُمَّت عليَّ أنامله
ألفت لي الأيام حتى تركتني / أحامس من قد كنت قدماً أغازله
وأعليت ذكري بعد ما كنتُ خاملاً / وجوهر فكري فيض ما أنت باذله
فلا غرو أن عدت لشعري قربة / ومن بحرك الزخار مدت جداوله
فدم يا غياث الدين للخلق رحمة / تعمهم كالغيث طبق وابله