القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : تَمِيم بنُ المُعِزّ الفاطِميّ الكل
المجموع : 103
شَرى البرقُ فالتاعَ الفؤادُ المُعَذَّبُ
شَرى البرقُ فالتاعَ الفؤادُ المُعَذَّبُ / وحار الكَرَى في العين وهْو مُذَبْذَبُ
أرِقتُ لهذا البَرْقِ حتى كأنّما / شَرَى فبدَتْ منه لعينيَ زينبُ
يَلوح ويَخْبو في السماء كأنّه / سيوفٌ بأرجاء السماء تُقَلِّب
شَرى قبلَ صَبْغ الليل بالحلَكَ الرُّبَا / ووافَى وقد كاد الصباحُ يُثَوِّب
يَؤُمّ رَعِيلَ الغَيْم عَمْدًا وإنّما / يؤمّ خيالاً من سُلَيْمَى ويَجْنُب
وإلاّ فلِمْ وافَى كأنّ نسيمه / وما فيه طِيبٌ بالعبير مُطَيَّب
ولم جاء والطّيفَ المُعاوِد مَضْجَعي / معاً ومضى لمّا مضى المتأوِّب
وأنَّى اهْتدى طيفُ الخيال ودونَه / من البِيدِ مجهولٌ ودَوٌّ وسَبْسَبُ
فَواصَلَني تحت الكَرَى وهو عاتِبٌ / ولولا الكرى ما زَارَني وهو يَعْتِب
وبات ضجيعي منه أَهْيفُ ناعِمٌ / وأدْعَجُ نَسْوانٌ وأَلْعَسُ أَشْنبَ
كأنّ الدجَى من لون صُدْغَيه طالِعٌ / وشمسُ الضُّحَى في صَحْن خَدَّيْه تَغْرُبُ
فلّما أجابَ اللّيلُ داعيَ صُبْحه / وكادتْ ثريّا نَجْمِه تَتَصوَّب
ثَنَى عِطْفَه لمّا بدا الصّبحُ ذاهباً / وما كاد لولا طالعُ الصبح يذهب
إلى الله أشكو سِرَّ شوقٍ كتمتُه / فنمَّ به واش من الدّمع مُعْرِب
وإني لألقَى كلَّ خَطْبٍ بمهجةٍ / يهون عليها منه ما يَتَصعّب
وأستصحِبُ الأهوالَ في كلّ موطنٍ / ويُمْزَجُ لي السّمّ الذُّعاف فأَشْرَبُ
وأُغضي على مِثل الأسِنّة صابراً / ولو شئتُ لم أصبِرْ وللسيف مَضْرب
ولستُ بإقبالٍ وإن سَرّ فارحاً / ولا من عجيبِ يُعْجِبُ الناسَ أعْجَب
لأنّي بلوتُ الدهر ثم علمتُه / وجرّبتُ ما لم يَلْقَ قبلي مُجَرِّب
كثيرُ الغِنَى بالعقل فخرٌ وإنه / لذي الجهل مُخْزٍ بالحياة ومُتْعب
سَيصْحَبُ نَصْلِي من يُرى مثلَ حَدّه / ويَحْمَد صحبي شيمتي حين أَصْحَب
وما الحرُّ إلاّ من تَدرّع عَزْمَه / ولم يك إلاّ بالقنا يَتَكسّب
فإنّ القنا فيها لديّ فسيحة / وفي السيف عن دار المَذلّة مَهْرَب
أَأَسأل حظًا من لئيم ومُقْرِفٍ / وأخْضَعُ للنِّكْسِ البخيل وأطلبُ
وأتُرك بِيضَ الهند وهي شوافِعٌ / إذا جُرِّدت في حاجة لا تُخَيَّبُ
ومالي أخاف الحادثاتِ كأنّني / جهولٌ بأنّ الموتَ ما منه مَهْرَبُ
إذا لم أَرِدْ وِرْدَ المنايا مُخاطِراً / بنفسي فلا جُنِّبتُ ما أتجَنّب
سأَثني دَراريَّ النجوم وأَنْثَني / وأَعْطِفُ أطرافَ الرِّماح وأركبُ
وأحمل ما بين المَهالكِ حَملةً / يعود بها روضُ المُنَى وهو مُخْصب
وإلاّ فما لي من أئمَة هاشمٍ / ولا لِيَ في الدَّهماء جَدٌّ ولا أبُ
خليليَّ ما في أكؤِس الرّاح راحتي / ولا في المَثاني لذّتي حين تُطْرِبُ
ولكنّني للمجد أَرتاح والعلا / وللجود والإعْطاء أصبو وأَطرَب
وللحلمِ يومَ البطش منّي حَمِيّةٌ / وللحِفْظ يوم الغَدْرِ فيّ تَغضُّب
ومَنْ بين جَنْبيه كنفسي وهمّتي / يَروح له فوق الكواكب مَوْكِب
ومن أين لا أغدو ولي كّل مَفْخَرٍ / يَضِيقُ افتخار الناس عنه ويُحْجَبُ
ولي من نِزَارٍ لُحْمَةٌ شدَّ نَسْجَها / مَعَدٌّ ويَحْويني وإيّاه مَنْصِب
وقُرْبَي تراضَعْنَا جميعاً لِبانَها / وصِنْوٌ إذا عُدّ الإخاء ومَنْسبُ
فلا يتّهمني الحاسدون ببغيهم / فعِزِّيَ من عِزّ العزيز مُرَكبُ
إمامٌ له من كلّ نفس مُراقِبٌ / وفي كلّ أرض عقدُ عزّ ومِقْنَبُ
محبّته حتمٌ على كلّ مسلمٍ / وطاعتُه فرضٌ من الله مُوجَبُ
كأنّ العطايا والمنايا نوافِلٌ / يجود بها في حين يَرْضَى ويَغْضَب
رفيعُ المعالي في العيون مُعَظَّمٌ / كريمُ السجايا في النفوس مُحَبَّب
أّلذَ من الشهد المُصَفَّى مذاقُه / وأطيبُ من نيل الأماني وأَعْذب
وأمضَى من المِقدار عَزْماً وبَطْشةً / وأوسعُ لِلأيّام صَدْراً وأَرْحَبُ
مآثِرُه في حَلْبة الفخر سُبَّقٌ / وتدبيرهُ في ظُلْمة الليل كوكبُ
وآراؤه يومَ اللِّقاء نوافِذٌ / مَواضٍ إذا كلّ الحديدُ المُضَرَّبُ
هينئاً لك الأعيادُ يا عيدَها الذي / به يُمْنَح العزُّ المنيعُ ويُوهَبُ
وملءُ فضاء الأرض حولك صاهلٌ / وأسمرُ خَطِّيٌّ وعَضْبٌ مُشَطًّب
فَسِرتَ بهم مُسْتَعْصِماً بسكينةٍ / كأنك من لُبْس التقى مترقّب
وقمتَ بهم في مِنْبَر المُلك خاطباً / بما لم يَقُمْ مَلْك سواك ويَخْطُب
وأفصحتَ حتى ليس إلاَّكَ مُفْصِحٌ / وأسْهبتَ حتى ليس إلاّكَ مُسْهِب
تُبَشِّر طَوْرا بالإِلهِ وتارةً / تُخَوِّف من عِصْيانه وتُرَهِّب
بَياناً ووعظاً قد تَناهيتَ فيهما / كأنّك لم يَسبِقْك قُسٌّ ويَعْرُبُ
وأَثبتَّ في الأسماع برهانَ حكمةٍ / يُقَصِّر عنها من يقول ويُطْنِب
لأنّك في بحر البلاغة مُغْرَق / وفي ساحَتَي أرِض النبوّة مُنْجِب
لَيهْنِك أنّ الفضَل أجمعَ كلَّه / إليك أبا المنصور وَحْدَك يُنْسَب
وأنك أنتَ المصطفى المَلِكُ الذي / بطاعته مِنْ ربّنا نتقرّب
ولولاك كان المُلْكُ في غير أهله / وكان على أُفْقِ الشّريعة غَيْهَب
عليك صلاةُ الله ما طلعَ الضُّحى / وما حنّ للأوطان من يَتغَرَب
ولى صاحب لا يُمْرِضُ العقلَ جهلُه
ولى صاحب لا يُمْرِضُ العقلَ جهلُه / ولا تَتأذّى النفس منه ولا القلبُ
إذا قلتُ لا في قصّةٍ لم يقل بَلى / وإن قلتُ أصبو قال لا بدّ أن أصبو
وإن قلت هاكَ الكأسَ قال مبادرِاً / ألاَ هاتِها طابَ التَّنادُمُ والشُّرب
سريعٌ إذا لبّى صبورٌ إذا دَعا / يهَون عليه في رضا خِلّه الصَّعْب
غدوتُ به يوماً إلى بيت حانةٍ / وللغَيم دمعٌ ما يكُفّ له سكب
وقد نَفَحتْ رِيحُ الصِّبا بمَنافِسٍ / عَبِيرِيّة الأنفاسِ طاب لها التُّرْب
فأَفْضَى بنا الإدْلاَجُ بعد تَعسُّفٍ / إلى زَوْلةٍ شَمْطاءَ مَنزِلهُا رَحْبُ
مُزنَّرةٍ أمّا أبوها فقيصرٌ / وحَسْبُك مَلْك جَدّه قيصرٌ حَسْب
قُصَيريّةٌ ديرية هِرْقْليّةٌ / تقاصَر منها الخطو واحدَوْدب الصُّلْب
وقالت لنا أهلاً وسهلا ومرحباً / وقَلّ لكم منِّي البشاشة والرّحْب
مَنَ أنْتُمْ فقلنا عُصْبةٌ من بني الصِّبا / دعاهم إليكِ القَصْفُ والعَزْف واللِّعْب
فقالت على اسم اللهِ حُطّوا رِحالَكم / فعندي الفتاة الرُّؤدُ والأَمْرَدُ الرَّطْب
وراحٌ نفَى أَقْذاءَها طولُ عمرها / فجاءتْ كما يُذْرِي مَدامِعَه الصَّبُّ
أَرّق إذا رَقْرقتَها في زجاجة / وألطَفُ من نَفْسٍ تَداولَها الحبُّ
كَأنّ سِرَاجاً في تَرائب دَنّها / إذا أقبلتْ من ليلة الدّنّ تَنصَبّ
فقلنا لها هاتي بها وتَعجَّلي / ولا يك فيما قلتِ خُلْفٌ ولا كِذْب
فجاءتْ تَجرُّ الزِّقَّ نحوي كأنه / على الأرض زِنجِيٌّ بلا هامةٍ يحبُو
فلمّا مزَجناها بدا فوق رأسها / حَبابٌ كما يَنْسابُ من سِلْكه الحَبُّ
وطافت بها هيفاءُ مُخْطَفةُ الحَشا / مَعَاطفُها سلْمٌ وألحاظُها حَرْبُ
تَمايَل رِدْفاها وأْدْرِج خصرُها / ليَاناً ولطفا مثل ما تُدْرَج الكُتْب
شكا كَشْحَها الزُّنّارُ ممّا يُجِيعه / وضاق بها الخَلْخالُ وامتلأ القُلْب
أغارُ على أعطافها كلَّما انثنت / مع الكأس أو فدَّى ملاحتَها الشّرْب
أحلّت لي الصهباءُ تَقْبيلُ وجهها / وما كان قبل السُّكْرِ في لثمِه عَتْب
كأنّي وقد أضجعتُها وعلوتُها / من الشكل رَفْعٌ تحت ضمّته نَصْبُ
وما فَضّ لامِي صادَها بجنايةٍ / سوى قولِها إن المسيح لها رَبُّ
فلمّا أغاظتنِي بإظهار كُفْرها / ذَببْتُ عن الإسلام إذ أمكن الذّبُّ
وضرَّجتُ فخْذَيْها دَماً بمصمِّمٍ / تُقِرّ له البِيضُ المهنَّدةُ القُضْب
وقلت لها أَرْماحُنا عَلَويّة / تَقُدّ تِراس الرُّوس إن طعَنت عُرْب
فما تَرِحت حتى أنابتْ وأسْلَمتْ / فهل ليَ في فَتْكِ بها بعد ذا ذنب
أبا حسنٍ هاك المُدامةَ واسقِني / فقد شاب رأسُ الشَّرْق وأحلَوْلَكَ الغربُ
كأنّ الثريّا في مُلاءِة فجرِها / مَصابِيحُ إلاّ أنّها قد بدتْ تَخْبو
سلامٌ على دَيْر القُصَيْر ومرحباً / به فَلَهُ مِنّي التَّخصُّص والقرب
فكم لذّةٍ فيه قضيتُ وغُلة / شَفيتُ ولا واشٍ علنيا ولا شَغْب
منازلُ يَسْتنّ الصَّبا في عِراصها / ويَعْذُب فيها ماءُ ديمتها العذب
شكا العُودُ بالأوتار شجوا فأطربا
شكا العُودُ بالأوتار شجوا فأطربا / وتَرْجَمَ عن معنى الضمير فأَعْرَبا
فم أَرَ شَاكٍ مثلَه بثَّ شجوَه / فأفرحَ محزوناً وفكّ مُعَذَّبا
خُذي الكَأسَ يا مظلومة الخَدِّ مُتْرعاً / ومُدي به نحوي بَنَاناً مُخْضَّبا
فإنّي سبقتُ الدهر للمَجد والعُلا / وسُدْتُ جميعَ الناس شَرْقا ومَغْربا
وما ذاك إلاّ أنّني بسعادتي / غدوتُ قريباً من مَعَدٍّ مُقَرَّبا
عِذابٌ كماء الغَيْثِ عذْبٌ مَذَاقُه / وتارك ما لاقاه ريَّانَ مُعْشبا
اَحَيٌّ وقد حَثُّوا الرّكائبَ والرَّكْبا
اَحَيٌّ وقد حَثُّوا الرّكائبَ والرَّكْبا / كأنّك لستَ الهائمَ المُدْنَفَ الصَّبّا
ستعلم إن بانوا وخُلِّفتَ بعدهم / بأنّك ممّن يَفْقد العقلَ واللُّبّا
وأشرفُ ما في مذهب الحفظ والهوى / مَمَاتُك بالهِجْرانِ من بعدهم حُبّا
إذا هَبّ سلطانُ المِرِيسيّ نافحاً
إذا هَبّ سلطانُ المِرِيسيّ نافحاً / سُحَيْراً وحلّ القُرّ كُلَّ نِقَابِ
وَزَرّ على الأفْق الغمامُ ثِيابَه / فقُمْ فالْقه في عُدّةٍ وحِراب
بِكنٍّ وكانونٍ وكَأسِ مُدَامةٍ / وكِيسٍ وكُسٍّ وافرٍ وكَباب
وكلِّ كساء أدْكنٍ ومُضَرّجٍ / كما ضَرّج الخدّين ماءُ شباب
جَمَعتُ لك الكافات سُبْعاً ولم تَكُن / بمجموعةٍ قَبْلي لربِّ كتَاب
أَرَانِي إذا هَذَّبتُ فيك قصيدةً
أَرَانِي إذا هَذَّبتُ فيك قصيدةً / من المدح وَاتانِي الكلامُ المُهَذَّبُ
وإن رُمتُ تقريظاً لغيرك عاقَنِي / لساني ورَاح القولُ فيه يُكذَّب
لأنَّك مجبولٌ على الفضل والعُلا / وأنّ العطايا فيك طبعٌ مُرَكَّب
فيُمناك غيثٌ في البريّة ساكتٌ / وعِرْضُك إصباحٌ ووجهُك كوكبُ
فأنت المُعَلَّى المُسْتَضاءُ بنوره / وأنت المُفَدَّى المُسْتَطابُ المُحَبَّب
بك انصلحت أيّامُنا بعد جَوْرِها / وذلَّ الزمانُ الجامحُ المُتَقلِّب
فإن طاب نَوْروزٌ وعِيدٌ فإنّما / بنورك أضحى ذا وذا وهو طيِّبُ
فعِشْ تعمُر الأوقاتَ عُمْرانَ ماجدٍ / فإن لم تكن معمورةً بك تَخْرَب
وصلّى عليك الله يا بن نبيِّه / فإنك سيفٌ للخطوب مَجَرّب
إذا حان من شمسِ النهار غُروبُ
إذا حان من شمسِ النهار غُروبُ / تذكَّرَ مشتاقٌ وحنّ غَريبُ
أَلا أَبْلِغا القَصْرَيْن فالمَقسَ أنّني / إليهنّ مُذْ فارقتُهن كئيب
إلى ساحتَيْ دَيرِ القُصَيْر إلى الرُّبا / فمِصْرِهما حيث الحياةُ تَطيب
منازل لم يُلْبَسْ بها العيشُ شاحباً / ولم تُلْفَ فيهنّ الخطوبُ تَنوب
هي الوطن النّائي الذي لم تزل لنا / نفوسٌ إليه نُزّعٌ وقلوب
إنّي لأَهْوى الرِّيحَ من كلّ ما بَدَا / بريّاه من ريح الشَّمال هُبوبُ
وما بلدُ الإنسان إلاّ الذي له / به سَكَنٌ يَشْتاقه وحبيبُ
إلى الله أشكو وَشْكَ بَيْنٍ وفُرقةٍ / لها بين أَثْناء القلوب نُدُوب
تُرى عندهم علمٌ وإن شَطَّت النّوَى / بأنّ لهم قلبي عليّ رَقيبُ
لهم كَبِدي دوني وقلبي ومُهْجَتي / ونفسي التي أَدْعو بها وأُجِيب
فآيَةُ حُزْني لوعةٌ وصبابة / وعُنوان شوقي زَفْرةٌ ونحيب
وما فارَقونا يَرْتَضُون فِراقَنا / ولكنْ مُلِمّاتُ الزمانِ ضُروبُ
لهم أنْفُسٌ مَرْضَى يقطِّعها الأسَى / علينا وأكبادٌ تكادُ تذوب
فلِلشَّوق في الأكباد منهنّ رَنّةٌ / وللدّمع في روض الخُدود سُكُوبُ
سيَشْفِين داءَ العبد بالقرب عاجلاً / ويَعْلَمْنَ أنّا بالنجاح نئوب
وأنّ ظنونَ الناس إفكٌ وباطِلٌ / وظَنُّ أميرِ المؤمنين مُصِيب
تَداركَ نصرَ الدِّين من بعد ما وَهَتْ / دَعائِمهُ فارتدّ وهو قشيب
رحيل رأى فيه السعادةَ وَحْدَه / وأكثَرَ فيه طاعنٌ وكذُوبُ
فأَمْضاه لَمّا أن أشاروا بتَرْكه / وكلُّهم ممّا أتاه هَيُوب
يَسير به قلبٌ على الخطب قُلَّبٌ / وصدرٌ بما تَعْيَا الصدورُ رَحيبُ
فخابوا وما إن خيَّب الله ظنَّه / ولله فيما أنكروه غُيوب
وحلَّ ديارَ المارِقين فأصبحوا / وكلُّهم خوفاً إليه مَنِيب
كأَنّهمُ إذ عايَنوه مُصَمِّماً / هَشِيمٌ أطارَته صَباً وجَنُوبُ
بدا لهمُ إماٌ مَؤَيَّدٌ / عزيزٌ لأثباجِ الخطوب رَكُوب
فلم يَجِدوا غير الإنابةِ حِيلةً / ولو قَدَروا ما أذعنوا لِيَتوبوا
وما كان فيها جيشَه غيرُ نفسه / وعزمٌ أكولٌ للخطوب شَرُوب
يُؤَيِّده رأيٌ يلوح نجاحُه / كما لاح عَضْبُ الشَّفْرَتيْنِ قَضِيب
حَويْتَ أبا المنصور وَحْدَكَ فَضْلها / وما لامريٍ فيها سواك نصيب
كذا فليَقُمْ بالمجد من كان قائماً / ويَبْنِ العُلاَ مَنْ راح وهو نجيب
نهضتَ بها إذ أَعْجزتْ كلَّ ناهضٍ / ومُزْنُ رَدَاها يَنْهَمِى ويَصُوب
وقد ملأتْ أرضَ الشّآم وقائِعاً / قبائلُ من مُرَّاقها وشُعوب
جليدَا الحشا والقلبِ حين تَمزَّقت / من الخوف شُبَّانٌ هناك وشِيبُ
عقَدْتَ بها عِزَّ الخلافة بعد ما / بدا في نواحيها ضَنىً وشُحوب
وجَدْدتَها من بعد ما لَعِبت بها / صروفُ اللَّيالي والتوَيْن خطوب
فيا لَهْفَ نفسِي إذ نهضتَ بثأرها / لَو أنّ مُعِزَّ الدِّين منك قريب
يَراك ويَدْرِي كيف ضَبْطُك بعده / وأنك للأمرِ السَّقيم طبيبُ
سَحَابُك مُنْهَلٌّ وبأسُك مُتًّقىً / وحِلْمُك لم تَكْثُر عليه ذُنوب
ودَاعِيك مقبولٌ مُجَابٌ دُعاؤه / وراجيك للمعروف ليس يَخِيب
وما حاربْتَك التُّرْك إلاّ وبينها / وبين الهُدَى والمَكْرُماتِ حروب
وما جَحدوا الحقَّ الذي لك فضلهُ / ولكنْ بهم عنه عمىً وهُروب
فإنُ يُصْبِحوا تُرْكاً وزَنْجاً ودَيْلماً / فأنت إمامٌ للنبيّ نسيب
رعاك الذي استرعاك أمرَ عِباده / فما لك في هذا الأنام ضَريب
ويومٍ خَدعتُ الدّهَر عنه فلم أَزَلْ
ويومٍ خَدعتُ الدّهَر عنه فلم أَزَلْ / أُعَلِّل نفسي فيه بالرّاح مَعْ صَحْبي
لدى روضةٍ عالَت رُباها كُرومُها / وجاد عليه النِّيل من مائه العَذْب
كأنّ سحيقَ المسك خالَط أرضَها / فجالت به فيها الرِّياح مع التُّرْب
كأنّ بناتِ النِّيل والرِّيحُ تَرْتمي / بهنّ طُلَى خيل مُؤَثَّلة شُهْب
وطوراً تَخال الماءَ في رونق الضُّحى / مُتونَ سيوفٍ لُحْن مصقولةٍ قُضْبٍ
وتَحسبه إن مَخَّضته يَدُ الصَّبا / قَواريَر ما يَفْتُرن من قلق اللِّعْب
كأنّ المَدَارِي في تَراكُب شَعْرِها / نجومُ الثريا في سواد دُجىً صَعْب
وزنْجية الآباء كَرْخيّة الجَلَب
وزنْجية الآباء كَرْخيّة الجَلَب / عَبِيريّة الأنفاس كَرْميّة النَّسَبْ
كُمَيْت بَزَلْنا دَنَّها فتفجَّرت / بأحْمَر قانٍ مثلَ ما قُطِر الذَّهَبْ
فلمّا شِربناها صَبَوْنا كأنّنا / شِربنا السّرورَ المحض والَّلهو والطَّرب
ولم نأت شيئاً يُسْخِط المجدَ فعلهُ / سوى أنّنا بِعْنا الوقارَ من اللَّعب
كأنّ كؤُوس الشرْب وهي دوائرٌ / قَطائعُ ماء جامدٍ تَحْمِل اللَّهَب
يَمُدّ بها كفّاً خضيباً مُدِيرُها / وليس بشيء غيرها هو مُخْضَب
فبِتنا نُسَقَّي الشمسَ واللّيل راكدٌ / ونَقْرُب من بدر السماء وما قَرُب
وقد حَجب الغيمُ الهلالَ كأنّه / ستارة سِرْبٍ خَلْفها وجه مَنْ أُحِب
كأنّ الثريّا تحت حُلْكة ليلِها / مَدَاهِنُ بِلَّوْر على الأفْق يَضْطرِب
فبتُّ أُناجي البدرَ وهو مُنادِمي / وأَشرب باللَّثْم العُقارَ من الشَّنَبْ
إلى أن رأيت الصبحَ يَفْتِك بالدُّجى / كفتك أبي المنصور بالرّوم والعرب
إمامٌ كأنّ الله وصّاه بالعُلا / فليس له في غير معلومها أَرَب
كريم المُحيا ماجدُ الأصل نُزِّلت / بتفضيله الآياتُ تُدْرَس في الكتب
أقِيس بك الأملاكَ طُرًّا فلا أَرى / سواك زكي الأصل والفرع والنَّسَب
فيا بن رسول الله وابن وصيّه / وحسْبُك ذا جَدّاً وحسبك ذاك أب
إذا عُجِمت عِيدانُ قوم فأخلفت / تفجَّر من عِيدانك الماءُ والضَّرَب
يدٌ مثل صْوب الغيث جُوداً ونائلاً / ورأيٌ كحدّ الصارم العَضْب ذي الشُّطَب
ونفسٌ لو أنّ الدهر من بعض هّمها / لأفَنتَه حتى لا تُعَدّ له حِقَب
ألستَ أبا المنصورِ أوّل ناصرٍ / لمعروف كفَّيه على المال والنَّشَب
وأشرفَ من أعطى وأكرم من عفا / وأفضلَ من وفّى وأجودَ من وهب
تَتِيه بفعليك المكارمُ والعُلا / وتَلْبَس حَلْياً من مَلافظك الخُطَب
ولولاك كانت عَقْوة المُلك مُورِداً / لكلّ من استعلى به البَغْي واغتصبْ
ولكنّك الذَّواد عنها بحَزْمِه / ومانِعها بالمشرَفيّة والقُضُب
حَمَيتَ ذِمَار الحقّ حتى عصَمْتَه / وأطلقتَ مُزْن الغيث حتى قد انسكب
وشَرَّدت أعداءَ الخلافة عَنوةً / فلم يَقْدِروا إلاّ على البعد والهرب
تركتَهم كالجن في كلّ بَلْقع / يلوذون بالأَجْبال منك وبالكُثُب
فأنتَ حسام الله أُرِهف حدُّه / فصال به جِدُّ الأمور على اللَّعِب
لَرَجَّتْك حتى العُصْم في فُتَنِ الرُّبا / وخافتك حتى الأَنْجُم السَّبْعة الشُّهُب
لِيَهْنك نُوْروزٌ تَباشَرتِ العلا / بسعدك فيه واضمحلّت بك النُّوَب
وعادت بك الأيام فيه أوانِساً / وأصبح فيه مُبْعَد الخير مُقْتَرِب
وزادت مُدود النِّيل حتى كأنّما / أتتك ارتغاباً تَقْذِف الموج أو رَهَب
كأنّ بَناتِ الماء فاضَتْ على الثَّرى / بمسك ومجّت فيه عنبَرها التُّرَبْ
فقد غَصَّت الخُلجان حتى كأنّها / مَدائُن تَدعو من جيوشك بالحَرَب
فدام لأهل المصر عُمْرُك إنّهم / غدَوا بك في ظلِّ من العيش مُنْتَصِب
سعودٌ وإقبالٌ وخِصْب ونعمةٌ / ولولاك ما آبُوا إلى خير مُنْقَلَب
عليك صلاة الله يا خيرَ خَلْقه / فإنّك ميمون النقيبة مُنْتَخَب
تُرى الدَّهر يَشْفِي عِلّتي وكروبي
تُرى الدَّهر يَشْفِي عِلّتي وكروبي / ويَسْمح لي بعد النَّوى بحبيبي
حبيبٌ له قلبي ولي غيرُ قلبِه / رَمته النّوى عني بسهم مُصيب
وما كان إلاّ مهجتي حازها الأَسَى / وشمس نهاري آذَنَتْ بغروب
فمالي حبيبٌ بعده غيرُ ذكره / ومالي أنيسٌ فيه غيرُ نحيبي
إلى الله أشكو شكْوَ صبٍّ مُدَلَّهٍ / خطوباً دَهتني فيه بعد خطوب
سأصبِر للأيام صبراً لعلّها / تعود بما أهواه بعد قريب
ولما تلاقَيْنا ولم نَخْش كاشحاً
ولما تلاقَيْنا ولم نَخْش كاشحاً / ولم نَتكاتم ما بنا من جوى الحبِّ
جعلتُ يدي مستخبراً فوق قلبها / وجالتْ بيُمنى راحتيها على قلبي
فلما تصادقنا اختياراً ورُؤيةً / تعلَّق منها الصبُّ بالمُدْنَفِ الصّبّ
وبِتنا على غيظ العدوّ ورَغْمه / ضجيعَيْن نَجْني الطِّيب من شجر القُرْب
تنير بمثل البدر من صحن خدِّها / وتفتّر عن نور الضحى باردٍ عَذْب
تنزّه وجهي في محاسن وجهه
تنزّه وجهي في محاسن وجهه / تَنزُّه مشتاقٍ إليه كئيبِ
فلما رأى لحظي يدُلّ على الهوى / وصَفْرةَ لوني بعده وشحوبي
ثَنَى خدَّه عنّي وقال تَمَّثلاً / ولم يَخْش من واشٍ به ورقيب
إذا أنتَ داويتَ المحبَّ فماله / دواءٌ يُواتِيه كثغر حبيب
وجَرَّبْتُ هذا الدهرَ حتى عرفتُه
وجَرَّبْتُ هذا الدهرَ حتى عرفتُه / فأنْجى منه اللَّبيبُ المُجرّب
سَلِ الحربَ عنّي حين يُخْشى اصطلاؤها / ألستُ أُجيب الصارخين فأُرْكبُ
وسَلْ بالنَّدى هل غيرُ كفّي سَحابها / وسَلْ بالمعالي هل سوايَ لها أَبُ
فراقُك أمضى من شَبَا الصارم العَضبِ
فراقُك أمضى من شَبَا الصارم العَضبِ / وبُعُدك أضْنى للفؤاد وللقلب
وما كنتُ لو لا وشكُ بينك عالماً / بأنّ النَّوى تُخْلِ الفؤادَ من اللبِّ
ولم تك نفسي في فراقك جَلْدةً / فتَقْسِمها بين التَّبعُّد والقرب
لقد حُرَمْت عيني لبَينك نومَها / كما لم تَجُدْ إلاّ لك النّفس بالحبّ
ألا سَقِّياني قهوةً ذهبيَّة
ألا سَقِّياني قهوةً ذهبيَّة / وقد أَلبْسَ الآفاقَ جُنْحَ الدجى دَعَجْ
كأنّ الثريّا والظلامُ يَحُثُّها / فصوصُ لُجَيْنٍ قد أحاط به سَبَجْ
كأنّ نجومَ الليل تحت سواده / إذا جَنّ زِنْجِيّ تبسَّم عن فَلجَ
كأنّ رقيق الغيم والبدرُ تحتهُ / زجاجٌ على كفٍّ من الصبح منْتسِج
كأنّ عمود الصبح في غُبَّر الدُّجى / صفيحةُ سيف قد تَصَدَّا من المُهَج
فقُمْ وأدِرْ أقداحَ خمرٍ كأنّها / إذا برزَتْ تُذْكِي أوائلهَا سُرُجْ
كأنّ عليها من صفاء أديمها / خِلال العزيز الغُرَّ أو نَشْرها الأَرِجْ
وتَحْسبُها في الكأْس رقَّةَ فهمه / وإن لم يكن في أنه غيْرها خَلجَ
وراحٍ عليها كالجُمانِ المُدَحْرَجِ
وراحٍ عليها كالجُمانِ المُدَحْرَجِ / تلوح كماء الوجنة المتُضَرِّج
ملأْنا بها بِيض الكئوسِ فأُقبلتْ / تُحَثّ علينا في رياض بَنَفْسَج
وخلْفَ رداءِ الغيم شمسٌ منيرةٌ / تلوح كوجه الغادة المتبرج
ولي صاحبٌ كالمسك بالشهد طبعه / إذا وجَدَ الصَّهباءَ لم يَتَحرَّج
منِيعُ نواحي السرّ لا يُسْخِط النَّدى / أغرُّ كَريْعان الضُّحى المتبلِّج
خليليّ قد ولَّى الظلامُ وهَمْلَجا
خليليّ قد ولَّى الظلامُ وهَمْلَجا / وقد كاد وجهُ الصُّبح أن يتبلّجا
فقوما إلى ساقِيكما فاهتِفا به / ولا تَفْتحا باباً من الهمِّ مُرْتَجا
ودونكماها قهوةً بابليّةً / إذا ما فصيح عبّ فيها تلجلجا
على نرجس غَض يُلاحظ سَوْسناً / آسٍ ربِيعيّ يُناجي بَنَفْسَجا
وقاذفةٍ بالماء في وَسْط بِركةٍ / قد التحفتْ وَحفاً من الشعْر سَجْسَجا
إذا قذَفت بالماء سلّته مُنْصُلاً / وعاد عليها ذلك النَّصْل هَوْدَجا
كأنّ عيون العاشقين تُعِيرُها / من الدّمع سَجْلاً صافياً لا مُضَرَّجا
تخالُ بروزَ الماء من جَفْن عيْنها / قضيبَ لُجيْن سُلَّ منه مُدَمْلَجا
تُحاول إدارك النّجوم بقَذْفه / كأنّ قلباً على الأفْق مُحْرَجا
لدى روضةٍ جاد السَّحابُ ربوعَها / وزَخْرفَها دون الرياض ودبَّجا
كأنّ غصون الأقْحوان زُمُرُّدٌ / تَعمَّم بالكافور ثم تَتَوَّجا
ونُوَّار نَسْرينٍ كأنّ نسيمَه / من المسك في أُفق السماء تأرّجا
فيا ساقِيَيَّ استعجلا لِي وصَرِّفا / عُقَارَكما إن شِئْتماه أو امْزُجا
ولا تَحمِلا هَمَّ الزمان فإنّه / إذا اشتد ضِيقُ الحادثاتِ تَفرَّجا
دعاني ونَدْماني وكأسي ومِزْهري / فحسبيّ بالمعشوق رَبْعاً ومَنْهجا
كأنّ ثَراه كلّما صافَح النَّدى / وهزّ نسيمُ الرِّيح ألويةَ الدُّجى
بقايا الغوالي في نحور نواهِدٍ / يُنازِلن باللَّحظ الكميّ المدجّجا
سأطلب حقّي إن قضى اللهُ لي به / وأفتح منه كلَّ ما كان مُرْتَجا
فلستُ إن عاقرتُ كأسي بسالكٍ / من الأمر فيها كلَّ ما كان أسْمَجا
ولا مُشْتَرٍ بالمجد مُسْتَحْسَن الصّبا / ولا مُشْتَرٍ طُرْق المهالك بالنَّجا
ولكنّني مُوْفٍ لنفسي حقوقَها / ورْائضُها فيما استوى وتعوَّجا
ألاّ يا عزيزَ الدِّين قولةَ ناطقٍ
ألاّ يا عزيزَ الدِّين قولةَ ناطقٍ / بفضلك لا وانٍ ولا غير مِفْصاحِ
حويتَ رداءَ الفضل في كل مَغْرِب / ونلتَ نعيمَ العيش في كلّ إصْباح
وهل أنتَ إلاّ مهجةُ المجد والنَّدى / مركَّبةً في جسم نور وإيضاح
رأيتُ الهوى إمّا دليلاً على الخَنَى
رأيتُ الهوى إمّا دليلاً على الخَنَى / يَحطُّ رفيعَ القَدْر أو يدفع النُّصْحا
ولا خيرَ في أمرٍ إذا حلّه الفتى / غدا عِرضُه نَهْبا وإحسانُه قُبْحا
فمن كان ذا عقلٍ فلا يُطعِ الهوى / فقد شَرَحته المَخْزياتُ لنا شَرْحا
شَرِبنا كما وجَّهتَ تسأل قهوةً
شَرِبنا كما وجَّهتَ تسأل قهوةً / كمثل صفاء الودّ جانَبه الصَّدُّ
برِطل وغنَّيْنا عليه تَطرُّباً / علامةُ ما بيني وبينك يا هندُ
وناجتك منّا أنفسٌ وحوائجٌ / كأنّك فينا حاضرٌ لم يَغِبْ بعد
فدام لنا مُلْكُ العزيز فإنّه / به تَكْمُل النُّعْمى ويَنْبَسِط السَّعد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025