المجموع : 42
وَمِنْ شَقْوتي أَنِّي بُليتُ بِشَادِنٍ
وَمِنْ شَقْوتي أَنِّي بُليتُ بِشَادِنٍ / يَتيهُ عَلى بَدْرِ الدُّجى بِضِيائِهِ
إِذا ما رآه البَدْرُ ليلةَ تِمِّهِ / تَحَيَّرَ منهُ البَدْرُ وَسْطَ سَمائِهِ
لَهُ عِزَّةُ الوالي عَلَيَّ وَتِيهُهُ / وَلي ذِلَّةُ المَعْزولِ عِنْدَ لِقائِهِ
أَيا ربعَ صبري كيف طاوَعَك البلى
أَيا ربعَ صبري كيف طاوَعَك البلى / فجَدَّدتَ عَهْدَ الشَوقِ في دِمَنِ الهوى
وَأَجْرَيْتَ ماءَ الوَصْلِ في تُربَةِ الجَفا / فَأَورَقَ غُصْنُ الحُبِّ في روضَةِ الرِّضَا
أَرَدْتَ بتجْديدِ الهوى ذكرَ ما مضى / فأَحْيَيْتَ عَهدَ الحُبِّ في مأْتمِ النَّوى
وَكَشَّفْتَ غيمَ الغَدْرِ عن قَمَرِ الوفا / فَأَشْرقَ نُورُ الوَصْلِ عن ظُلَمِ الجَفا
كَأَنَّك عايَنتَ الذِّي بي مِنَ الهوى / فَقَاسَمْتَني البلوى وقاسمتُكَ البِلى
وَدارَتْ بُروجُ اليأسِ في فَلَكِ الرَّجا / وَهَبَّ نَسِيمُ الشَّوقِ في أَمَلِ المُنى
لَئِنْ ماتَ يأْسِي منهُ إِذْ عاشَ مَطْمعي / فَإِنّي قَدِ اسْتَمْسَكْتُ مِنْ لَحْظِهِ الرَّجَا
وَما ذَكَرَتْكَ النَّفْسُ إِلا تَصاعَدَتْ / إِلَى العَيْنِ فَانهَلَّتْ مع الدَّمْعِ فِي البُكا
تُواصِلُنِي طوراً وَتهجرُ تارةً / أَلا رُبَّ هَجْرٍ جَرَّ أَسبابَهُ الصَّفا
أَرى الغَيَّ رُشداً في هواهُ وإِنَّني / لأَقْنَعُ بِالشَّكْوى إِلى خيرِ مُشْتَكى
أَلَمْ تَرَ أَنِّي بِعْتُ عِزّي بِذِلَّةٍ / وَطاوَعْتُ ما تهوى لِطَوْعِكَ ما تَشا
وَما وَحَياة الحُبِّ حُلْتُ عَن الَّذي / عَهِدْتَ وَلكن كلُّ شيءٍ إِلى انْتها
وَرَيَّانَ مِنْ ماءِ الشَّبابِ كَأَنَّما / يُوَرِّدُ ماءَ الحُسْن في خدِّهِ الحَيَا
إِذا قَابَلَ الليلَ البهيمَ بوَجهه / أَرَاكَ ضياءَ الصُّبْح في ظلمةِ الدُّجى
أَبى لحظُ طَرْفي أَن يفارقَ طَرْفَهُ / فلو رُمْتُ أَثنيهِ عَن الطَّرْفِ ما انْثَنَى
أُشَبِّهُ صُدْغَيْهِ بِخدَّيْهِ إِذْ بدا / بِسَالِفَتَي ريمٍ وَعِطفينِ من رَشا
إِذا ما انتضى سيفَ المَلاحةِ طَرْفُهُ / فَلَيْسَ لراءٍ طَرْفَهُ لَمْ يَمُتْ عَزَا
أَبى أَن تنيلَ القلبَ رِقَّةُ كَأْسِهِ / وَدقَّتْ عن التشبيهِ في اللطفِ بِالهوا
كَأَنَّ بَقايا ما عفا من حَبَابها / بقيةُ طَلٍّ فوق وَرْدٍ مِنَ الندى
وَنَدْمانِ صدقٍ قال لي بعد رقدةٍ / أَلا فَاسْقِني كأساً عَلى شدَّة الظَّما
فناولتُه كأساً فَثنّى بمثلها / فقابلني حسنَ القبولِ كما انثنى
تحَامى الكرى حتَّى كأَنَّ جفونَهُ / عليه لهُ مِنْها رقيبٌ من الكرى
وليلٍ تَمادى طولهُ فَقَصَرتُه / بِرَاحٍ تُعيرُ المَاءَ مِنْ صفوِها صفا
تَجَافَتْ جُفونُ الشَّرْبِ فِيهِ عَنِ الكرى / فَمِنْ بينِ نشوانٍ وَآخَرَ ما انْتَشى
وَقَدْ شَربوا حتَّى كأَنَّ رؤوسَهُمْ / مِنَ السُّكْرِ فِي أَعْنَاقها سِنَةُ الكرى
أَمَغْنى الهَوى غالَتْكَ أَيدي النَّوائبِ
أَمَغْنى الهَوى غالَتْكَ أَيدي النَّوائبِ / فَأَصْبَحْتَ مَغْنىً لِلْصَّبا والجَنائبِ
إِذا أَبْصَرَتْكَ العَيْنُ جَادَتْ بِمُذْهَبٍ / عَلَى مَذْهَبٍ فِي الخَدِّ بَيْنَ المَذاهِبِ
أَثافٍ كَنقطِ الثَّاءِ في طِرْسِ دِمْنَةٍ / وَنُؤْي كَدَوْرِ النُّونِ مِنْ خَطِّ كَاتِبِ
سَقَى اللَهُ آجالَ الهَوى فيك لِلْبَقا / مُدامَ الأَماني من ثُغُورِ الحَبَائِبِ
فَلم يُبق لي فيك البِلى غَيرَ ملعبٍ / يذكِّرُني عهدَ الصِّبا بملاعبِ
يبيتُ الهَوى العُذْريُّ يعذرني إِذا / خَلَعْتُ به عُذْرَ الدموعِ السواكبِ
وَمَأْسورةِ الأَلْحاظِ عن سِنة الكرى / كَأَنَّ عَلَيها الصبرَ ضربةُ لازِبِ
تَحَّرك طفلُ التِّيهِ في مَهْدِ طرفِها / إِذا اكتحلتْ بِالغُمْضِ عَينُ المُراقِبِ
تَصَدَّتْ لَنا ما بين إِعْراضِ زاهِدٍ / عَلَى حَذَرٍ مِنها وَإِقْبالِ راغبِ
وَقَد حُلِّيَتْ أَجفانُها مِن دموعِها / بِأَحسنَ مِمَّا حُلِّيَتْ في التَّرائبِ
وليلٍ كَليْلِ الثَّاكلاتِ لَبِسْتُهُ / مشارقُه لا تَهْتَدي للمَغاربِ
كَأَنَّ اخضِرارَ الجَوِّ صَرْحُ زَبَرْجَدٍ / تَناثَر فيهِ الدُّرُّ مِن جيدِ كاعبِ
كَأَنَّ خَفِيَّاتِ الكَواكبِ في الدُّجى / بياضُ ولاءٍ لاحَ في قلبِ ناصِبي
كَأَنَّ نجوم اللَّيل سِرْبٌ رَواتعٌ / لَها البَدرُ راع في رِياضِ السَحائبِ
كأنَّ مُوشّى السُّحب في جَنَباتها / صدورُ بُزاة أَو ظهورُ الجَنَادِبِ
صبحتُ بِهِ والصبحُ قَدْ خَلعَ الدُّجى / عَلَى منكبيه طَيْلَسان الْغَياهِبِ
بركبٍ سُقُوا كَأْسَ الكَرى فرؤوسُهم / مُوَسَّدةٌ أَعْناقُها بِالمَنَاكبِ
تَلَوْا في ذُرى الأَكْوار توراةَ قَصْدِهم / بفكرِ جُسومٍ آتِياتٍ ذَواهِبِ
تَكادُ تَظُنُّ العِيسُ أَنْ ليسَ فوقها / إِذا سكتوا إِلا صدور الحَقائبِ
كَواكِبُ رَكبٍ فِي بُروجِ أَهِلَّةٍ / تدورُ بِأَفلاكٍ بغيرِ كَواكِبِ
إِذا أَشْرَقَتْ كانَتْ شموسَ مشارِقٍ / وَإِنْ غَرَبتْ كانتْ بدورَ مَغارِبِ
عَلَى ناحِلاتٍ كَالأَهِلَّةِ إِنْ بَدتْ / أَتَمَّ انقواساً مِن قِسىِّ الحَواجبِ
طَواهُنَّ طَيُّ السَّيْرِ حَتَّى كَأَنَّها / قَناطِرُ تسعى مُخْطَفاتِ الجَوانبِ
وَقَدْ عَقْرَبَتْ أَذنابَها فَكأَنَّها / نَشاوى أعالٍ صاحِياتُ المَذانِبِ
خِفافٌ طَوَيْنَ الشرقَ تحت خِفافها / بنا ونشرنَ الغربَ فوق الغَوارِبِ
ضَرَبْنَ الدُّجى صَفْعاً عَلَى أُمِّ رأْسِهِ / وَقَد ثَملتْ من خمر رَعْيِ الكَواكبِ
فَلما أَجزناها بساحة طاهر / ذهبْنَ بنا في مُذْهَبَات المذاهبِ
إلى كعبة الآمال وَالمَطْلَبِ الذي / بِه حُلِّيتْ أَجيادُ عُطْلِ المَواكبِ
إلى مَن يرى أَنَّ الدروعَ غلائِلٌ / وَأَنَّ ركوبَ المَوت خيرُ المراكبِ
وَمَنْ لا تراه طالباً غيرَ طالبٍ / ولا ذاهباً إِلا عَلَى غيرِ ذاهبِ
مُجيبٌ لأَطرافِ الرِّماحِ إِذا ارتَمَتْ / بها وافداتُ الطعنِ من كلِّ جانبِ
بعاداتِ صبرٍ لم تزل تستعيدُهُ / إِلَى الحرب حتى مات صبرُ المحاربِ
فَتىً أَلبسَ الأَيامَ ثوبَ شبيبةٍ / وكانتْ قديماً في جلابيبِ شائبِ
تظلُّ المنايا تحتَ ظِلِّ سيوفه / إذا خطر الخَطِّيُّ بينَ الكتائبِ
ينظّمُ نثرَ الطَّعن في وجه طاعنٍ / وينثرُ نظم الضَّرب في نحر ضاربِ
وَقد كتبتْ أَيدي الْمَنايا وأَعرَبتْ / بشكل العوالي فوق خطِّ القَواضبِ
لئن أَقعدتْ أسيافُه كلَّ قائِمٍ / فَقد أَرْجَلتْ أَرماحُه كلَّ راكبِ
عَلَى سافراتٍ للطِّعان نحورُها / أَقَلُّ حياءً من صروف النوائبِ
وَيَحْدُو الصفا بالركضِ منها أَهلَّةٌ / مرصَّعَةٌ حافاتُها بِالكَواكبِ
يكاد يريك الشيءَ قبل عِيانِهِ / ويقضي لك الحاجاتِ قبل المَطالبِ
إِذا ما انبَرى في هفوةِ الفكرِ رأيُهُ / رأى بِعَيانِ الرأْي ما في العَواقبِ
تُعوِّذُه أَعداؤُه من ذكَائِهِ / إِذا ما اكتَفى بالرأْي دون التجاربِ
رَكوبٌ لأَعناقِ الأُمور إِذا سطا / عفا باقتدارٍ حين يسطو بِواجبِ
حرامٌ عَليه أَن تُرَدَّ رماحُهُ / من الطعن إِلا وَهي حمرُ الثعالبِ
أَمانٌ لمرتاعٍ ورَوْعٌ لآمنٍ / وكهفٌ لمطلوبٍ وحَرْبٌ لغالبِ
إِذا أَبْرقتْ ضرباً سيوفُك أَمطرتْ / رؤوسَ الأَعادي فَوق أَرْضِ المصائبِ
بما انهلَّ من كَفَّيْكَ في ذلك الندى / وما حَمَلَتْهُ من قناً وَقَواضبِ
أَرِحْها قليلاً كي تَقَرَّ فَإِنَّها / من الضَّرب أَمستْ ناحِلاتِ المضاربِ
تَمُرُّ بِك الأَيَّامُ وهْيَ شواهدٌ / بأَنكَ ما أبقيتَ عَتْباً لِعاتبِ
أَبا حَسَنٍ هذا ابنُ مدحِكَ قد أَتى / لِمَدْحِكَ وَالأَيَّامُ خُضْرُ الشواربِ
بِمالِكَةٍ للسمعِ مملوكةٍ به / عجائِبُها من أُمَّهات العجائبِ
إِذا أُنْشِدَتْ في مشهدٍ شَهِدُوا لها / بِحُسنِ التَّنَاهي في اختصارِ المَذَاهبِ
لتعلم أَني حَاتِمُ الشعرِ والَّذي / غرائِبُه فيه حِسانُ الغَرَائبِ
قِفُوا ما عليكم من وقوف الرَّكائبِ
قِفُوا ما عليكم من وقوف الرَّكائبِ / لِنَبْذِلَ مذخورَ الدُّموعِ السَّواكبِ
وإلا فَدُلُّوني عَلَى الصَّبرِ إِنني / رأَيتُ اصطِباري مِن أَعَزِّ المَطالبِ
كأَنَّ جُفوني يومَ مُنْعَرَجِ اللِّوى / ملاعِبهُمْ ما بَينَ تلكَ المَلاعبِ
تُلِحُّ علينا بالدُّموع كأَنَّها / لجاجةُ معتوبٍ عَلَى عتب عاتبِ
منازلُ لم ينزل بها ركبُ أَدْمعٍ / فيقلعَ إلا عن قلوبٍ ذواهبِ
تعشَّقَ دمعي رسْمَها فَكأَنَّها / تَظَلُّ عَلَى رسْم من الدمْعِ واجبِ
تليدُ هوىً في الرسمِ حَتَّى كأَنَّما / هو الرسْمُ إِلاَّ أَنَّهُ غيرُ ذاهبِ
وإِنّي لمسلوبٌ عليك تجلُّدي / إِذا كان صبري شاهداً مثل غائبِ
وَلَمَّا وقفنا ساحة الحيِّ لم نُطِقْ / كلاماً تناجَيْنا بكسر الحواجبِ
نُناجي بِإضمارِ الهَوى ظاهرَ الهَوى / بِأَطيبَ من نجوى الأَماني الكَواذبِ
عقائلَ من عُليا عُقَيْل درجْنَ لي / بحلو الرضى في السخط درج العَواقبِ
إِذا أَسبلتْ زهواً غدائِرَ شعرها / تَوَشَّحْنَها من طولِها بِالمَناكبِ
وَخالفْنَها لما استجرنَ لنا بها / كما خالفتْ في لا أَنامِلُ كاتبِ
يُقِمْنَ لنا برقَ الثغورِ أَدِلَّةً / إِذا ما ضللنا في ظلامِ الذَوائبِ
شُموسٌ متى تبدو تُضيءُ لنا الدُّجى / فمشْرِقُها فيه بغيرِ مَغَاربِ
متى قَدِمَتْ من سفرةِ الهجر عيسُهم / تلقيتُها بِالوَصلِ من كلِّ جانبِ
وَصيَّرتُ أَجْفاني وِطاءً لِوَطْئِها / حذاراً عليها من صروف النوائبِ
وعلقتها بالشوقِ في الملعبِ الذي / بهِ لعبتْ أَيدي البلى بِملاعبِ
وليلٍ طويلٍ كانَ لمَّا قَرَنْتُهُ / بِرؤيةِ من أهوى قصيرَ الجوانبِ
كخفقةِ قلبٍ أَو كقُبْلَةِ عاشقٍ / عَلَى حَذَرٍ أَو رَدِّ طرْفِ المراقبِ
كواكِبُه تبكي عليه كأَنَّما / ثَكِلْنَ الدُّجى أَوْ ذُقْنَ هجرَ الحبائبِ
يبرّحُ بي وَجدي إذا لاحَ كوكبٌ / كَأَنَّ به وَجداً ببعضِ الكواكبِ
سَأَهْبطُ من بَحرِ الليالي مذاهباً / متى قصرتْ بي في هواهُ مَذاهِبي
وأَسْحبُ ذيلَ العزمِ في أرضِ هِمَّةٍ / إِلى واهبٍ أَموالَه للمَواهبِ
إِلى من يظلُّ الجُودُ يُقسمُ أَنَّه / هو الجودُ موقوفاً عَلَى كلِّ طالبِ
هو السيفُ إِلاَّ أَنَّه ليس نابياً / إِذا عاقَه المقدورُ عن كلِّ ضاربِ
إذا شاجروهُ بالرماحِ تشاجرتْ / نفوسُ المنايا في نفوسِ الكَتائبِ
وتصبُغُ أَيدي النقع أَيدي خيولِهِ / بِمُحْمَرِّ تُرْبٍ من نجيع الترائبِ
وكم خاض نقعاً يُمْطِرُ الهامَ وقْعُهُ / إِلى المَوتِ في صَفَّيْ قَناً وقواضبِ
إِذا شئتَ عوناً لا يذلُّ لِحادثٍ / فنادِ على اسمِ اللَهِ يا سَيفَ غالبِ
وشمسٍ بأَعلاهُ وليلينِ أُسْبِلا
وشمسٍ بأَعلاهُ وليلينِ أُسْبِلا / بِخَدَّيْهِ إِلا أَنَّها ليسَ تغربُ
ولمَّا حوى نصفَ الدُّجى نصفُ خدِّهِ / تحيَّر حتى ما درى أَيْنَ يذهبُ
لقد بَرَّحَ البَيْنُ المُبَرِّحُ والحبُّ
لقد بَرَّحَ البَيْنُ المُبَرِّحُ والحبُّ / بقلبي وهل يبقى عَلَى لوعةٍ قلبُ
تعزَّزْتُ مغْتَرّاً بِما البينُ صانعٌ / ولَم أَدرِ أَنَّ البينَ مركبُهُ صَعْبُ
تسالَمَتِ الأَحزانُ في حَتْفِ مُهجتي / وبين جفوني والكَرى أَبداً حَرْبُ
أَقِلا عِتابي قد مللْتُ منَ العتبِ
أَقِلا عِتابي قد مللْتُ منَ العتبِ / يطيعُكُما لفظي ويعصيكُما قلبي
لقد أَخْصَبَتْ في الخدِّ مِنِّي مدامعٌ / وقلبيَ منْ صبري عَلَى غايةِ الجَدْبِ
كأَنَّ دَمي يومَ الفِراقِ سَرَوْا بِهِ
كأَنَّ دَمي يومَ الفِراقِ سَرَوْا بِهِ / وَقَدْ سفكُوهُ بِاحتِثَاثِ الرَّكائِبِ
أَظُنُّهُمُ لَوْ فَتَّشُوا في رِحالِهِمْ / إِذاً وَجَدوا آثارَهُ في الحَقائِبِ
إِذا أَنا دافَعْتُ الخُطُوبَ بِذِكْرِهِمْ / نَسيتُ الذي بيني وبينَ النَّوائِبِ
بِنَفْسِيَ مَنْ نَفْسي تَقِلُّ لَهُ فِدىً
بِنَفْسِيَ مَنْ نَفْسي تَقِلُّ لَهُ فِدىً / وإِنْ لَمْ تَنَلْ مِنْ وَصْلِهِ ما تَمَنَّتِ
تَزَيَّنَتِ الدُّنيا بِهِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ / فَلَمَّا أَدالَ الوَصلَ بِالهَجرِ وَلَّتِ
كأنَّ لَيالي الوَصْلِ كانَتْ غَمامَةً / فَلَمَّا رَجَوْتُ الوَصْلَ مِنْها تَخَلَّتِ
سَرابُ الْفَيافي صادِقٌ عِنْدَ وَعْدِها
سَرابُ الْفَيافي صادِقٌ عِنْدَ وَعْدِها / وَسَمُّ الأَفاعي مُبْرِئٌ عِنْدَ صَدِّها
رَمَتْني وَلَمْ أَسْعَدْ بِأَيَّامِ قُرْبها / بِعَيْنَيْ مَهاةٍ أَنْحَسَتْني بِسَعْدِها
تَعَلَّقَها قَلْبي كَما قَد تَعَلَّقَتْ / صَوالِجُ صُدْغَيْها بِتُفَّاحِ خَدِّها
وليلٍ كَفِكْري في صُدودِ مُعَذِّبي
وليلٍ كَفِكْري في صُدودِ مُعَذِّبي / وإِلا كأَنْفاسي عليهِ منَ الوَجْدِ
وإِلا كَعُمْرِ الهَجْرِ مِنْهُ فَإِنَّهُ / إِذا قِسْتَهُ بِالوَصْفِ كانَ بِلا حَدِّ
يُدافِعُ زَهْوُ التَّيِهِ أَعْطافَ دلِّها
يُدافِعُ زَهْوُ التَّيِهِ أَعْطافَ دلِّها / فَتَحْسَبُها نَشْوى وما شَرِبَتْ خَمْرَا
وَتُظْهِرُ لي من تَحْتِ أَزْرارِ جَيْبِها / إِذا ما بَدَتْ من كُلِّ ناحِيةٍ بَدْرَا
كَأَنَّ بِقَوْسِ النُّونِ تَحْتَ نِقابِها
كَأَنَّ بِقَوْسِ النُّونِ تَحْتَ نِقابِها / هِلالاً بَدا لِلْفِطْرِ في غُرَّةِ الشَّهْرِ
تَجاهَلَ خُبْراً ضَوْؤُهُ أَنَّ فَوْقَهُ / لما اسْتَحْسَنَتْهُ العَيْنُ غَيْماً عَلَى بَدْرِ
أَيا هذِهِ إِنَّ السَّحابَ التي تَسْري
أَيا هذِهِ إِنَّ السَّحابَ التي تَسْري / بَكَتْ لِبُكائي رَحْمَةً وَهْيَ لاَ تَدْري
فَلَوْ لَمْ تَجِدْ وَجْدي إِذَنْ ما تَشابَهَتْ / برُوحي التي تَفْنى ودَمْعي الَّذي يَجْري
وَلَوْ قَبِلَ المَحْبوبُ في الحُبِّ فِدْيَةً / وَهَبْتُ له رُوحي وقاسَمْتُهُ عُمْري
ذُرى شجرٍ للطَّيْرِ فيهِ تَشاجُرُ
ذُرى شجرٍ للطَّيْرِ فيهِ تَشاجُرُ / كأَنَّ صُنُوفَ النَّوْرِ فيهِ جَواهِرُ
كأَنَّ القَمارِي والبَلابِلَ بَيْنَنَا / قِيانٌ وأَوراقُ الغُصُونِ سَتائِرُ
شَرِبْنا على ذاكَ التَّرَنُّمِ قَهْوَةً / كأَنَّ عَلى حَافَاتِها الدُّرَّ دَائِرُ
أًما مُسْعِدٌ يَخْتَصُّني بِابْتِكارِهِ
أًما مُسْعِدٌ يَخْتَصُّني بِابْتِكارِهِ / أَما لِي نَديمٌ فائقٌ مِنْ خُمارِهِ
لَقَدْ لاحَ ضَوْءُ الصُّبْحِ يحملُ رايةً / يَشُقُّ جَلابيبَ الدُّجى عَنْ نهارِهِ
وَصَفَّرَتِ الأَطْيارُ بَيْنَ رِياضِها / وَلَبَّى بِها القُمْرِيُّ صَوتَ هَزارِهِ
حَرَامٌ عَلى مَن لَم يَقُمْ من مَنامِهِ / إِلَيَّ يُحَيِّيني بِكأسِ عُقارِهِ
ولَمَّا أُنِيخَتْ لِلْفِراقِ رَكائِبي
ولَمَّا أُنِيخَتْ لِلْفِراقِ رَكائِبي / لَدى مأتَمِ التَّوديعِ وَهْوَ لَها عُرْسُ
وَوَدَّعتُ قَلْبي والحَبيبَ كليْهِما / فَفَارَقَنا سَعْدٌ وقَابَلَنا نَحْسُ
تَنَفَّسَ حتَّى قُلْتُ قَدْ غاضَ قَلْبُهُ / وَراجَعَ حَتَّى قُلْتُ قَدْ فاضَتِ النَّفسُ
ومُسْتَنْطِقٍ بِالدَّمْعِ عَنْ أَعْيُنٍ خُرْسِ
ومُسْتَنْطِقٍ بِالدَّمْعِ عَنْ أَعْيُنٍ خُرْسِ / لَهُ صُورةُ المُرْتاعِ في مأْمَنِ الأُنْسِ
رَأى وَجْهَ مَنْ يَهْوى فَداخَلَ قَلْبَهُ / سُرُورٌ بهِ أَرْواهُ عَنْ فَرَحِ النَّفْسِ
سَقْياً لِيَوْمٍ بَدا قَوْسُ الغَمامِ بِهِ
سَقْياً لِيَوْمٍ بَدا قَوْسُ الغَمامِ بِهِ / وَالشَّمْسُ مُسْفِرَةٌ والبَرْقُ خَلاسُ
كَأَنَّهُ قَوْسُ رامٍ والبُرُوقُ لَهُ / رَشْقُ السِّهامِ وعَيْنُ الشَّمْسِ بُرْجاسُ
وَلَحْظٍ يَكَادُ الْحُسْنُ يَعْبُدُ حُسْنَهُ
وَلَحْظٍ يَكَادُ الْحُسْنُ يَعْبُدُ حُسْنَهُ / إِذا أَقْلَقَتْهُ لِلْعُيونِ المَضَاجِعُ
تَحَرَّكَ طِفْلُ الغُنْجِ في مَهْدِ طَرْفِهِ / فَأَجْفانُهُ مُسْتَيْقِظَاتٌ هَوَاجِعُ