المجموع : 84
سأحجُبُ عنّي أُسرتي عند عسرتي
سأحجُبُ عنّي أُسرتي عند عسرتي / وأبرز فيهم إِنْ أصبت ثراءَ
ولي أُسوةٌ بالبدر يُنفق نورَه / فيخفَى إِلى أن يستجدَّ ضياءَ
يقولون أَبْقِ المالَ واجمعْه مُمْسِكاً
يقولون أَبْقِ المالَ واجمعْه مُمْسِكاً / فعِزُّ الفَتى في أن يَجُمَّ ثراؤُهُ
فقلت كلانا لا محالةَ هالكٌ / فأهوَنُ عندي من فنائِي فناؤهُ
وإِنَّ بقاءَ المالِ بعديَ نافعٌ / لمن كان بعدي في الزمان بقاؤهُ
ثراءُ الفتى من دون إِنفاقِه له / فسادٌ وإِنفاقُ الثَّراء نَماؤهُ
فأَنفِقْ فإِن العينَ يركُدُ ماؤُها / فيأسَنُ والمنزوحُ يعذُبُ ماؤهُ
لقاءُ الأمانِي في ضمان القَواضِبِ
لقاءُ الأمانِي في ضمان القَواضِبِ / ونيلُ المعالي في ادِّراعِ السَّبَاسِبِ
إِذا ما ارتمى بالمرء مَنْسِمُ ذِلّةٍ / فليس له إِلّا اقتعادُ الغَواربِ
وما قَذَفاتُ المجدِ إِلّا لفاتكٍ / إِذا هَمَّ لم يستَقْرِ سُبْلَ العواقبِ
إِذا استاف ضيماً عاده خُنْزُوانةٌ / وشَمَّمَ عِرنينَ الألَدّ المحاربِ
وصَحبٍ كجُمَّاعِ الثُّرَيَّا تأَلُّفَاً / مغاويرَ نُجْلِ الطعنِ هُدْلِ الضرائبِ
إِذا نزلوا البطحاءَ سدَّوا طِلاعَها / بسُمْرِ القَنَا والمقرباتِ السَّلاهِبِ
مطاعينُ حيثُ الرمحُ يزحَمُ مثلَهُ / على حَلَقِ الدِّرع ازدحامَ الغرائبِ
يَمُدّونَ أطرافَ القَنَا بخوادِرٍ / كأنّ القَنَا فيها خُطوطُ الرَّواجبِ
إِذا أوردوا السمر اللِّدانَ تحاجزوا / بها عن دماءِ الأُسْدِ حُمْرَ الثعالبِ
بهم أقتضي دينَ الليالي إِذا لوت / وأبلُغُ آمالي وأقضي مآربي
وانتهبُ الحَيَّ اللَّقاحَ وأكتفِي / بريعانِ عزمي عن طِرادِ التجاربِ
وهاجرةٍ سجراءَ تأكلُ ظِلَّها / ملوَّحَةِ المِعْزاء رمضَى الجَنادبِ
ترى الشمسَ فيها وهي تُرسِلُ خيطَها / لتمتاحَ رِيَّاً من نِطافِ المذانبِ
سَفَعْنا بها وجهَ النهار فراعَنَا / بنُقْبَةِ مُسْوَدِّ الخياشيم شاحبِ
وبات على الأكوار أشلاءُ جُنَّحٍ / خوافقُ فوق العِيس ميلُ العصائبِ
فلما اعتسفنا ظِلَّ أخضرَ غاسقٍ / على قِمَع الآكامِ جُونِ المناكبِ
وردنا سُحيراً بين يومٍ وليلةٍ / وقد عَلِقَتْ بالغَرب أيدي الكواكبِ
على حينَ عرَّى منكِبُ الشرقِ جذبةً / من الصبح واسترخَى عِنانَ الغياهبِ
غديراً كمرآة الغريبةِ تلتقي / بصَوْحَيْه أنفاسُ الرياحِ اللَّواغبِ
إِذا ما نِبالُ الفَقْرِ تاحتْ له اتَّقَى / بموضُونةٍ حَصْداءَ من كل جانبِ
بمنعَرجٍ من رَيْدِ عيطاءَ لم تزلْ / وقائعُه يرشفنَ ظَلْمَ السحائبِ
يقبِّلُ أفلاذَ الحَيا ويُكِنُّها / بطاميةِ الأرجاء خُضر النَّصائبِ
بعيسٍ كأطرافِ المَدارَى نواحلٍ / فَرَقْنا بها الظلماءَ وُحْفَ الذوائبِ
نشطنَ به عذباً نِقاخا كأنّما / مشافرُها يُغمِدْن بيضَ القواضبِ
رأينَ جِمامَ الماء زُرقاً ومثلَها / سنا الصبحِ فارتابتْ عيونُ الركائبِ
فكم قامحٍ عن لُجَّةِ الماء طامحٍ / إِلى الفجرِ ظنَّ الفجرَ بعضَ المشاربِ
إِلى أن بدا قَرْنُ الغزالةِ ماتِعاً / كوجهِ نظام الملك بينَ المواكبِ
فما روضةٌ بالحَزْنِ شعشَعَ نَوْرَها / طليقُ العزالى مستهلُّ الهواضبِ
جرتْ في عنانِ المُرزَمِينَ وأوطِئَتْ / مضاميرَها خيلُ الصَّبَا والجَنائبِ
كأن البروقَ استودعتها مشاعلاً / تباهي مصابيحَ النجومِ الثواقبِ
كأن القَطارَ استخزنتها لآلِئاً / فمن جامدٍ في صفحتيها وذائبِ
يُريكَ مُجاجَ القَطْرِ في جَنَباتِها / دموعَ التشاكِي في خُدودِ الكواعبِ
بأعبقَ من أخلاقهِ الغُرِّ إنها / لطائِمُ فضَّتْها أكفُّ النواهبِ
إِذا عُدَّ من صُيَّابةِ الفُرْسِ رهطُه / أقرَّتْ لعلياهُ لُؤَيُّ بنُ غالبِ
وأبيضَ لولا الماءُ في جَنَباتِه / تَلَسَّنُ في خدَّيه نار الحَباحِبِ
أضرَّ به حُبُّ الجَماجمِ والطُّلَى / فغادَرهُ نِضواً نحيلَ المضاربِ
يَوَدُّ سِباعُ الوحش والطيرِ أنّه / يُفَدَّى بأنيابٍ لها ومخالبِ
ينافسُ في يُمنَى يديه يراعةً / مُرَوَّضةَ الآثار ريَّا المساحبِ
إِذا التفعتْ بالليل غرَّةُ صُبْحِه / جرى سنُّهُ مجراهُما بالعجائبِ
عزائمهُ في الخَطْبِ عُقْلُ شواردٍ / وآراؤه في الحرب خُطمُ مصاعبِ
إِذا صالَ روَّى السُّمْرَ غيرَ مراقبٍ / وإنْ قال أمضَى الحُكْمَ غيرَ مُواربِ
ملقّي صدور الخيلِ كلَّ مرشَّةٍ / مهوَّرةِ الجُرْفينِ شَهْقَى الحوالبِ
وقائدها جُرداً عناجيجَ طوَّحتْ / أعنَّتَها مستهلكاتِ الحَقائبِ
إِذا ضاقَ ما بين الحسامينِ لم يزلْ / يجولُ مجالَ العِقْدِ فوقَ الترائبِ
يشُنُّ عليها الركضُ وبلَ حميمها / إذا غيَّمتْ بالعِثْيَرِ المتراكبِ
يقرِّطُها مثنَى الأعنَّة حازمٌ / ألَدُّ جميعُ الرأي شتَّى المذاهبِ
يقدِّمُها والجدُّ يَضمنُ أنه / متى ما التقَى الزحفانِ أوّلُ غالبِ
رمى بنواصِيها الفراتَ فأقبلتْ / مُغَيَّبَةَ الأعطافِ تُلعَ المناكِبِ
وخاضَ بها جيحانَ يلطم مَوْجَهُ / ملاطمةَ الخصم الألدِّ المشاغبِ
خميسٌ أقاصي الشرقِ تُرزم تحته / وترتَجُّ منه أُخرياتُ المغاربِ
إِذا خاضَ بحراً لم يُبقِّ صدورُهُ / لإعجازهِ في البحر نُغْبَةَ شاربِ
وإن رامَ بَرَّاً لم يدعْ سَرَعانُه / لساقتهِ في البَّرِ موقفَ راكبِ
أرادتْ وفودُ الريحِ والقَطْرِ حصرَهُ / فمن ذارعٍ لا يستطيعُ وحاسبِ
فما حسبته القَطرُ غيرَ غوالبٍ / ولا ذرعتهُ الهُوجُ غيرَ لواغبِ
يروعُ به الأعداءَ أروعُ سيفُهُ / يُراوحُ ما بينَ الطُّلَى والعَراقبِ
يفُلُّهُمُ بالرَّوْعِ قبلَ طِرادِهمْ / ويَهزِمهُمْ بالكُتْبِ قبلَ الكتائبِ
رآنِيَ والأيامُ تَحرِقُ نابَها / فأنقذَ شِلْوِي من نُيُوبِ النوائبِ
وأعلقَنِي الحبلَ المتينَ وطالما / تقطَّعَ حَبْلي في أكُفِّ الجواذِبِ
وأبصر ما فَوَّتْنَ نفسي وأُسرتِي / فغرَّمَها حتى دهور الشبائبِ
نصيحُكما فيما يقولُ مُريبُ
نصيحُكما فيما يقولُ مُريبُ / وشأنُكما في اللائمينَ عجيبُ
وإن الذي أسرفْتُما في ملامِهِ / بهِ من قِراعِ الحادثاتِ نُدوبُ
فما سَمْعُه للعاذِلاتِ بعُرضةٍ / ولا قلبُه للظاعنينَ جَنِيبُ
إِذا ما أتيتُ الغَوْرَ غورَ تِهامة / تطَلَّعَ نحوي كاشِحٌ ورقيبُ
يقولون مَنْ هذا الغريبُ وما لَهُ / وفِيمَ أتانا والغريبُ مُريبُ
غَدا في بُيوتِ الحي ينشُدُ نِضْوَهُ / ونحن نرى أَنَّ المُضِلَّ كَذُوبُ
وهل أنا إلا ناشِدٌ في بُيوتِهم / فؤاداً به مما يُجِنُّ ندوبُ
وماذا عليهم أنْ يُلِمَّ بأرضهمْ / أخو حاجةٍ نائي المزارِ غريبُ
وما راعَهمْ إلا شمائلُ ماجدٍ / طَروبٍ أَلا إنَّ الكريمَ طروبُ
ولو نامَ بعضُ الحَيِّ أو غابَ ليلةً / لقرَّتْ عيونٌ واطمأنَّ جُنوبُ
خليليَّ بالجَرْعاءِ من أيمَن الحَمى / هل الجزعُ مرهومُ الرياضِ مَصُوبُ
وهل نطفةٌ زرقاءُ ينقشها الصَّبَا / هنالك سَلسالُ المذاق شَروبُ
فعهدي به والدهرُ أغيَدُ والهَوى / بماء صِباهُ والزمانُ قَشِيبُ
وبالسَّفحِ مَوْشِيُّ الحدائقِ آهلٌ / وبالجِزْع مَوْلِيُّ الرياض غريبُ
بأبطحَ مِعْشابٍ كأن نسيمَهُ / ثناءٌ لمجدِ المُلْكِ فيه نصيبُ
هو الأزهرُ الوضَّاحُ أَمّا مَهزُّه / فلَدْنٌ وأمّا عُودهُ فصليبُ
ذَهوبٌ من العلياءِ في كلِّ مذهبٍ / وَهوبٌ لما يحوي عِداهُ نَهوبُ
يُشَيِّعُه في ما يرومُ فُؤادُه / إِذا خَانَ آراءَ الرِّجالِ قُلوبُ
منوعٌ لأطراف الممالك حافظٌ / جَمُوعٌ لأشتاتِ العَلاءِ كَسُوبُ
أخو الحَزْمِ أَمّا الغورُ منه فإنَّه / بعيدٌ وأَمّا المستقَى فقريبُ
يَنوبُ عن الأنواءِ فيضُ يمينهِ / ويُغني عن البيضاء حين تغيبُ
ويرفَضُّ نُجْحَاً وعدُه لعُفَاتِه / وبعضُهمُ في ما يقولُ خَلوبُ
مُدَبِّرُ مُلكٍ لا تني عَزَماتُه / إِذا ما ترامتْ بالخُطوبِ خُطُوبُ
وحامِي ذمارٍ لا تزالُ جِيادُه / تحومُ على ثَغْر العِدَى وتلوبُ
بهِ انتعش المُلكُ المُضاعُ وأقبلتْ / توائبُه بعدَ الفواتِ تثوبُ
أقامَ عمودَ المُلك بالشرق وانثنى / إِلى الغربِ نَاءٍ حيثُ كان قَريبُ
ولما سما للبغي ثانِيَ عِطْفِه / طَموعٌ لأقصَى ما يُرامُ طَلوبُ
وضَمَّ إِلى ظِلِّ اللواء عصابةً / مقاحيمَ تُدعَى باسمه فتُجيبُ
وضاعتْ حقوقُ المُلك إِلّا أقلَّها / وكادتْ ظُنونُ الأولياءِ تَخِيبُ
وأيقظَ أبناءُ الضَّلالةِ فتنةً / تهالَكَ فيها مُخطِئٌ ومُصيبُ
أُتِيحَ لها شَزْرُ المريرةِ مُقْدِمٌ / على الهَول مصحوبُ الجَنانِ مَهيبُ
سَرَى يطردُ الجُرْدَ العِتاقَ سواهِماً / ترامَى بها بعدَ السُهوبِ سُهوبُ
موارِقُ تمتاحُ الغبارَ وقد طَوى / شمائلَها طَيَّ الرداءِ لغُوبُ
إِذا ما لبسنَ الليلَ طفلاً خلعْنَهُ / عليه ووَخْطُ الصُبحِ فيه مشيبُ
لها مصَّةُ الماء القَراحِ ونشطةٌ / من الروض والمرعَى أعمُّ خصيبُ
يؤُمُّ بها أرضَ العراق مُشَاوِرٌ / وقد عاثَ في السَّرْحِ المسَيَّبِ ذيبُ
هجمنَ عليها بالقنابل والقَنَا / تَمُورُ على أكتافهن كعُوبُ
تعاسلنَ أطراف القُنيّ كأنها / جَرادٌ زهتها بالعَشِيِّ جَنُوبُ
وفي سرعانِ الخيل رائِدُ نُصْرةٍ / له موطِيٌء أينَ استرادَ عَشيبُ
يَرُدُّ دبيبَ المارقين بوثبةٍ / وهل يتساوى وثبةٌ ودَبيبُ
أمرَّ لهم عقدَ المكيدةِ حازمٌ / بصيرُ بأدواءِ الخُطوب طبيبُ
تنام العِدَى من كيدهِ وهو ساهرٌ / وتفتُرُ عمَّا هَبَّ وهو دَؤُوبُ
إِذا أضمروا كيداً تدلَّى عليهم / عليمٌ بأسرارِ الغُيوب لَبيبُ
وما أُتِيَ المغرورُ فيمن برى له / من الحزمِ لولا ما جَناهُ شَعُوبُ
أرادَ وقد حاقَ الشقاءُ بجدِّهِ / مغالبةَ الأقدارِ وهي غلوبُ
ولم يكن المقدارُ فيما علمْتُهُ / لِيُسْعَدَ عبداً أوبقَتْهُ ذُنوبُ
سرى نحوَهُ الحَيْنُ المُتاحُ ودونَهُ / بِساطٌ لأيدي اليَعْمُلاتِ رحيبُ
وعاجله المقدارُ من دون بغيه / وللبغي سيفٌ بالدماءِ خَضِيبُ
ولم يَدْرِ أَنَّ العزَّ كان رِداؤُهُ / مُعَاراً إِلى أن خَرَّ وهو سليبُ
وأُقسِمُ لولا يُمْنُ جَدِّك قُطِّعَتْ / رِقابٌ وعُلَّتْ بالدماءِ جُيوبُ
هي الغمرةُ العظمى تجلَّتْ وأقلعتْ / برأيكَ إِذْ عمَّ القلوبَ وجيبُ
تقوض إِقلاعَ الجَهام فسادها / وقد كانَ يَهْمي وَدْقُهُ ويصُوبُ
أبُثُّكَ مجدَ المُلْكِ قولةَ صادقٍ / وكِذْبُ الفَتَى فيما يُحَدِّثُ حوبُ
أُراني لَقَىً لا أُنْتَضَى لِمُلِمَّةٍ / ولا أُرتَضَى للخطب حين ينُوبُ
يُثَبِّطنِي فضلي عن الغاية التي / يَخِفُّ إِليها جاهلٌ فيُصِيْبُ
ويقصُرُ باعي أنْ ينالَ شظيّةً / من العِزِّ يزكو نَيْلُها ويَطيبُ
وهُلْكُ الفتى أن لا يُساءَ بسطوهِ / عدوٌ ولا يرجُو جَداهُ حبيبُ
فهَبْ ليَ يوماً منك يُنْشَرُ ذِكْرُهُ / فأنتَ لما يرجو العُفاةُ وهوبُ
وعِشْ سالماً طولَ الزمان فإِنما / بقاؤك زيَنٌ للزمان وطِيبُ
لنجمكَ في أفقِ المكارم رفعةٌ / وللريح في جوّ العلاءِ هُبوبُ
أهابَ به داعي الهَوى فأجابا
أهابَ به داعي الهَوى فأجابا / وعاودَهُ نكسُ الصّبَا فتصَابَى
وأدَّاهُ من بعدِ التجارب رأيُهُ / إِلى أن عصَى حُكْمَ الحِجَى فتغابَى
وطابَ له عن غِرَّةِ العيشِ أَرْيُهُ / وقد ذاقَ من طعمِ التجارب صَابَا
وحَلَّ عِقَالَ العَقْلِ عندَ يَدِ الهَوى / فسامَ كما شاء الغرامُ وسَابَا
وشَام بُرَيْقَاً بالحِمى شاقَ لَمْعُهُ / رفاقاً وخيلاً بالغُويرِ عِرَابَا
تناعس للأيقاظ فوقَ رِحالِهم / فمدّوا عُيوناً نحوَهُ ورِقَابَا
فكم دونَ ذاك البرق من متجلِّدٍ / يُكاتمُ أسرارَ الغَرامِ صحَابَا
وآخرَ نمّامِ الجفونِ زفيرهُ / يشُقُّ وراءَ السابريِّ حِجابَا
ومن مُقْصِرٍ يصمي حَماطةَ قلبهِ / صوائبُ وُطْفٌ ما كُسِينَ لُغَابَا
يُردّدُ طرفا في صَرى الدمع سابحاً / ويَرقِي فُؤاداً بالعَزاء مُصَابَا
وأغيدَ لو خاصرتَهُ في سُجوفِه / لردَّ مشيبَ العارضَيْنِ شَبابَا
أغنَّ إِذا استمليتَ وحيَ جُفونِه / درسْنَ من السحرِ المبينِ كِتابَا
فيا رُفقة تُزجِي الرِكابَ طلائحاً / سقَتْهَا الغوادِي رُفقةً ورِكابَا
حَدا بِهِمُ حادي الغرامِ فَيَمَّمُوا / مساقِطَ مُزْنٍ بالأباطحِ صابَا
ولو قايَسُوا بالمُزْنِ عيني لصادفوا / دُموعيَ أندى العارضين سَحابَا
يَؤُمّونَ أرضاً بالبِطَاحِ أريضَةً / وزُرقَ حمامٍ بالعُذَيبِ عِذَابَا
ومرهومةً مرقومةً عُنِيَتْ بها / صَناع كستْ وجهَ السماء نِقَابَا
يلينُ لها قلبُ الهجير إِذا قَسا / بسُقْيا جُفونٍ ما يَزَلْنَ رِطَابَا
وتهدي إليها في النسيمِ إِذا سرَى / لطائمُ تَحوي عنبراً ومَلابَا
لك اللّه إني ناشدٌ كَبِداً بها / صُدوعٌ فهل من مُنْشِدٍ فيُثَابَا
وهل عندكم صبرٌ جميلٌ فتعمرُوا / فُؤاداً من الصبرِ الجميلِ خرابَا
وهل فيكمُ راقٍ فيشفي برُقْيَةٍ / لديغَ هوىَ يرجُو لديهِ ثَوابَا
وهل نظرةٌ عجلَى يُريكَ اختلاسُها / غليلَ مُعَنَّى لا يذوقُ شَرابَا
أخادعُ نفسِي بالسؤالِ تعَلُّلاً / وإن لم تردُّوا للسؤالِ جَوابَا
وما الرأيُ إلّا الهجرُ لو أنَّ مُسْعِداً / من الصبرِ إذ يُدعَى إليهِ أجابَا
إِذا ما الهَوى استولَى على الرأي لم يدعْ / لصاحبهِ في ما يراهُ صَوابَا
مَلِلْتُ ثَوائي بالعراقِ وملَّني / رفاقي وكانوا بالعراق طِرابَا
وأَنفقتُ من عُمْرِي وذاتِ يدي بها / بضائِعَ لم أملِكْ لهُنَّ حسابَا
وزاحمت مهري والمهنَّدَ في الغِنَى / فلم أُبْقِ إلّا مِقوداً وقِرابَا
وأبْلَى بها الجُردُ العِتاقُ أجِلَّةً / عليهنَّ والصحبُ الكرامُ ثِيابَا
وفارقَنِي أهلُ الصَّفاءِ تبرُّماً / بشَحْطِ نوىً شابوا عليه وشَابَا
فلا زائرٌ يَغشَى جنابي لحاجةٍ / ولا أنا أغشَى ما أقمتُ جَنابَا
ولا موقِدٌ ناري بعلياءَ للقِرَى / ولا رافعٌ لي بالعَراء قِبابَا
إِذا قلتُ إني قد ظفِرتُ بصاحبٍ / سكنتُ إليه خاننِي وأرابَا
أُقلِّبُ عيني لا أرى غيرَ صاحبٍ / ظننتُ به الظَّنَّ الجميلَ فخابَا
وكيف ثَوائي بالعراق وقد غَدا / عليّ بها رَوْحُ النسيم عَذابَا
هو الربعُ لم يُخْلَق بنوه أعزَّةً / كِراماً ولم تَنبُتْ قناهُ صلابَا
ولا طرقت أُمُّ الحفاظِ بماجدٍ / ولا حضَنَتْ ظِئرُ العفافِ كِعابَا
بنو الغَدْرِ لما فتَّشَ البحثُ عنهم / أراكَ وميضَاً خُلَّباً وسَرابَا
متى ما نَبَا دهرٌ نَبَوا وتصَّرفُوا / على حالتَيْه جَيْئَةً وذَهابَا
معاشرُ لو طابَ الثرى في بلادِهم / زكا عندَهم غرسُ الجميلِ وطابَا
مناكِيدُ تأبَى أن تجودَ لِقاحُهم / بِدَرِّ بَكِيٍّ أو تُشَدّ عِصابَا
إِذا استخبَر المرءُ التجاربَ عنهمُ / أرتْهُ بِهاماً رُتَّعاً وذِئَابَا
إِذا كنتَ عند الحادثاتِ وقد عرتْ / مِجَنّاً لهم كانوا قَناً وحِرابَا
أُفارقُهم لا آسفاً لفراقِهمْ / ولا مؤْثِراً نحو العراق إيابَا
فيا عجباً حتى الخلافةُ ما رأتْ / لحقِّيَ أن أُجْزَى به وأُثَابَا
ولم تَرْعَ لي نُصْحِي القديمَ وخدمتِي / أخوضُ غِماراً أو أروضُ صِعابَا
لَعمري لَقَدْ ماحضتُها النُّصحَ باذلاً / لوُسعي وقد رُدَّتْ إليَّ منابَا
فيا ليت نُصحي كان غِشَّاً وطاعتي / نفاقاً وصِدقي في الولاء خِلابَا
كما صار آمالي غُروراً وخدمتي / هباءً وسعيي خيبةً وتَبابَا
ويا ليتني دامجتُ فيه معاشراً / تركتهُمُ شُوْسَاً عليَّ غِضَابَا
أليس زُرَيقٌ لم يخَفْ أن أمضَّهُ / عتاباً وهل يخشَى اللئيمُ عتابَا
تصاممَ عنِّي أو تعامَى ولم يخَفْ / سِهاماً من العَتْبِ الممِضِّ صِيَابَا
وفَيْتُ بعهدٍ كان بيني وبينَهُ / وبينَ مَقاماتٍ بمصرَ خطابَا
ولو صَحَّ ما يُعزى إليه لحلَّقتْ / بأشلائه رُبْدُ النُّسورِ سِغَابَا
وكيف يُرَجِّي من يكونُ ادِّعَاؤُهُ / وَلاءَ أميرِ المؤمنين كِذابَا
لعمريَ ما فارقتُ ربعيَ عن قِلىً / ولا رَضيَتْ نفسي سواهُ مَآبَا
ولكنْ تكاليفُ السيادةِ جَعْجَعَتْ / برحلي ودهرٌ بالحوادثِ رَابَا
أهُمُّ بأمرٍ والليالي تردُّنِي / وأجمعُ شملي والحوادثُ تابَى
سقَى اللّه جَيَّا ما أرقَّ نسيمهَا / إِذا الظِلُّ من لفحِ الهواجرِ ذابَا
وأندى ثراها والغوادي شحيحةٌ / بصوبِ حَياها أن تبلَّ تُرابَا
وأطيبَ مغناها وأعذبَ ماءَها / وأفيحَها للطارقينَ رِحابَا
وأبهى رِباعاً وسْطَها ومنازلاً / وأزكى صُحوناً حولَها وهِضَابَا
عسى اللّه يقضي أوبةً بعد غيبةٍ / ويختِمُ بالحُسنَى ويفتحُ بابَا
لعَمْرُكَ ما يُرْجَى شِفائِيَ والهَوى
لعَمْرُكَ ما يُرْجَى شِفائِيَ والهَوى / له بين جسمي والعظامِ دَبيبُ
أُجِلُّكَ أنْ أشكو إليك وأنطوي / على كَمَدي إن الهَوى لعجيبُ
وآمُلُ بُرءاً من جوىً خامرَ الحَشى / وكيف بداءٍ لا يراهُ طبيبُ
نصيبُكَ من قلبي كما قد عَلِمتَهُ / وما لي بحمدِ اللّه منكَ نصيبُ
وما أدَّعِي إلا اكتفائي بنظرةٍ / إليك ودعوى العاشقينَ ضُروبُ
وما بُحْتُ بالسِّرِ الذي كان بيننا / ولكنما لحظُ المُحِبِّ مُريبُ
وليلةِ وصلٍ قد قدرتُ فصدَّنِي / حيائي أَلا إنَّ الحياءَ رقيبُ
لقد بغَّضَ المرآةَ عنديَ أنَّها
لقد بغَّضَ المرآةَ عنديَ أنَّها / تطالعُني بالشيبِ من كل جانبِ
كما حَبَّبَ المِقراضَ عندي أنَّهُ / يُطَرِّي شبابي في عيونِ الحبائبِ
تحسَّنتِ الأيامُ ثم تنكرتْ
تحسَّنتِ الأيامُ ثم تنكرتْ / فعفَّى على إحسانهنَّ ذنوبُها
وقد كان طَلْقاً وجهُها فتجهَّمتْ / وغَيَّرَ ذاكَ البِشْرَ منه قطُوبُها
وأكبرُ عيبٍ في الليالي حُؤولُها / سريعاً وإن كانت كثيراً عيوبُها
أُعلّلُ نفسي بالأمانيّ ضَلَّةً / وأحلَى أمانِيِّ النفوسِ كَذوبُها
مُنىً إن تكنْ كِذْباً فقد طابَ كذبُها / وإن صدقَتْ يوماً تضاعف طِيْبُها
لمنْ في عِراصِ البيدِ نُوقٌ مَطَاريبُ
لمنْ في عِراصِ البيدِ نُوقٌ مَطَاريبُ / يُدَرِّسُها رجعَ الحداءِ الأعاريبُ
تُشلُّ بأطرافِ القَنا قد تردَّعَتْ / من الدَّمِ والمسكِ الذكيِّ الأنابيبُ
عليها هلالٌ من هِلالِ بنِ عامرٍ / به يَهتدي جُنْحَ الظلامِ الأراكيبُ
يَحُفُّ بها آسادُ خُفَّانَ تحتَها / سراحينُ إلا أنهنَّ سَراحِيبُ
أغيلِمةٌ لا يملِكُ الحزمُ بأسَهُم / هُمُ والمذاكي والرياحُ مناسيبُ
ولي كَبِدٌ مقروحةٌ وجوانِحٌ / تَحكَّمُ فيهن الحِسانُ الخراعيبُ
إِذا رنَّحتها خَطوةٌ أو ترجَّحَتْ / لها صَبْوةٌ أطَّتْ كما أطَّتِ النِّيْبُ
وعينٌ نصوحُ الماقيينِ إِذا رأتْ / معالمَ حَيٍّ فالدموعُ شَآبِيبُ
وأعوانُ حبٍّ إنْ عفَا كَلْمُ صَبْوةٍ / فلِلقلب منها عَقْرُ كلمٍ وتعذيبُ
رُويحةُ أصباحٍ وخفقةُ بارقٍ / وأورقُ غِرِّيدٌ وأسحمُ غِربيبُ
وفي أُخرياتِ الليل زار رِحالَنا / خيالٌ له أسآدُ سهرٍ وتأويبُ
يُلِمُّ ومن أعوانِه الخِدْرُ والدُّجَى / ويسري ومن أعدائِه الحَلْيُ والطِيبُ
وعينيَ في ضَحْضَاحِ نومٍ مُصَرَّدٍ / يغازلُ جَفنيها كما يلِغُ الذِّيبُ
وقد مَعَجتْ ريحُ الصَّبَا وتخاوصتْ / نجومٌ لها في طُرَّةِ الغرب تصويبُ
بمعتركِ الأحلام يطلبُ ثأرَهُمْ / بنو الحربِ والبيضُ الحسانُ الرعابيبُ
فما جُرِّد البيض الرقاق لمشهدٍ / كما ابْتُزَّ عن تلك الخدود الجَلابيبُ
فيا حسنَها أضغاثُ حُلمٍ وبَردَها / على القلب لولا أنهنَّ أكاذيبُ
ألا حبَّذَا ظِلٌّ بنَعمانَ سَجْسَجٌ / يُزاحِفُه عَذْبُ المذاقةِ أُثعوبُ
إِذا فطمتْهُ الشمسُ فهو مُفَضَّضٌ / وإن حضنتهُ مَسَّ قُطْريهِ تذهيبُ
ومقرورةٌ سجراءُ من نفحةِ الصَّبَا / وللشمسِ من صبغ المشارق تعصيبُ
وليلٌ رقيقُ الطُّرَّتينِ كأنَّه / برقَّةِ وجهي أو بخُلقيَ مقطوبُ
وهَضْبٌ كأجيادِ الكواعبِ أتلَحٌ / وبانٌ كأجفانِ المحبِّينَ مهضوبُ
ولم أرَ مثلي ساحباً ذيلَ عِزَّةٍ / وللدهرِ ذيلٌ في عِناديَ مسحوبُ
ينازعني عزمي وحزمي وهمَّتِي / ويرجِعُ عنِّي وهو خزيانُ مغلوبُ
وإني لأستحيِي لنفسيَ أن أُرى / وصبريَ مغلوبٌ وجأشِيَ مرعوبُ
أصُدُّ عن الماءِ القَراحِ تشوبُه / قَذاةٌ وما بين الجوانحِ أُلُهوبُ
وأحقِنُ ماءَ الوجهِ طَيَّ أديمِه / ومن دونِه ماءُ الوريدينِ مصبوبُ
وقد سَرَّني أنِّي من المالِ مُقْتِرٌ / ولا الوجهُ مبذولٌ ولا العِرضُ منهوبُ
كما سرني أني من الفضل موسرٌ / على أنه فضلٌ من الرزقِ محسوبُ
وما قعد الإقتارُ بي عن فضيلةٍ / وقد يقطع العَوْدُ الفَلا وهو منكوبُ
وليس انقيادي للخطوبِ ضراعةً / وللطِرْفِ نفسٌ مِرَّةٌ وهو مجنوبُ
ولا وقفتي الحادثاتُ تبلُّداً / وكيف اتساعُ الخطوِ والقيدُ مكروبُ
صَحِبْتُ بني الدنيا طويلا وذُقتُهم / وأحكمني فيهم وفيها التجاريبُ
قلوبٌ كأمثالِ الجلاميدِ صخرةٌ / وشرٌّ كشرِّ الزندِ فيهنّ محجوبُ
ودهرٌ قضتْ أحكامُه مُذْ تشابهتْ / أعاجيبُه أنْ ليس فيها أعاجيبُ
هو الأدهُم اليحمومُ لكنْ جبينُه / بشادخةِ المجدِ النظاميِّ معصوبُ
عُلىً فوق أعناقِ النجومِ بناؤُهَا / وعند مجال الغيبِ نَصٌّ وتطنيبُ
يفوتُ بها شأوَ المجارينَ سابقٌ / له عَنَقٌ في ساحتَيها وتقريبُ
ثقيلُ حَصاةِ الحِلم مستصحفُ الحُبَى / إِذا ما هفتْ قُودُ الجِبال الشَّنَاخِيبُ
إِذا ماط عنه السِّتْرَ مُدَّ سُرادِقٌ / عليه من النور الإلهيِّ مضروبُ
مُلَقَّنُ غيبٍ يستوي في ضميرِهِ / قِياسٌ وإلهامٌ وظَنٌّ وتَجْريبُ
له النظرةُ الشَّزْراءُ يقتلُ لحظُها / فتجمُدُ منها أو تذوبُ مقانيبُ
وما راع أهلَ الشامِ إلا طلاعها / رقاقُ الظُّبَى والمقرَباتُ اليعابيبُ
وأرعنُ بحرٍ لو جرى البحرُ فوقَهُ / لما نضخَ الغبراءَ من مائِه كُوبُ
خِضَمٌّ له بالأبرقَيْنِ تدافعٌ / كما انهارتِ الكُثبانِ وارتَّجَّتِ اللُّوبُ
له حَبَبٌ من بَيْضه وحَبيكُهُ / سوابغُه والمرهَفاتُ القراظيبُ
ففي صهواتِ الخيل في كُلِّ غَلْوَةٍ / له منهجٌ مثلَ المجرَّةِ ملحوبُ
إِذا ما دجا ليلُ العجاجةِ لم يزلْ / بأيديهم جمرٌ إِلى الهند منسوبُ
من القادحاتِ النارَ في لُجِّ غَمْرةٍ / ولا الجمرُ مشبوبٌ ولا الماء مشروبُ
ضوامِنُ أن تشقَى الغُمودُ بحَدِّها / إِذا سلِمت منها الطُّلى والعراقيبُ
على عارفاتٍ للطِّعانِ كأنها / دُمَىً ورواقُ النقعِ منها محاريبُ
تُبادر فُدْرَ الرُّعْنِ وهي جوافلٌ / وتفجَأُ كُدْرَ الوُكْنِ وهي أساريبُ
يُعرِّضها للطعن من لا يرُدُّهُ / عن البأسِ والأفضال ذعرٌ وتأنيبُ
لَبِسنَ شفوفَ النقعِ تُخْملُ بالقَنَا / عليهن إضْريجٌ من الدّمِ مخضوبُ
عليها سطورُ الضربِ يُعجِمُها القَنَا / صحائفُ يغشاها من النَّقْع تتريبُ
وخفَّاقةٍ طوعَ الرياحِ كأنَّها / كواسِرُ دُجْنٍ اِلتقتها الأهاضيبُ
تَميدُ بها نشوى القُدودِ كأنها / قُدودُ العَذارى يزدهِيهنَّ تطريبُ
يُرنِّحُها سُقْيا الدماءِ كأنَّها / مُدامٌ وآثار الطِّعانِ أكاوِيبُ
بها هِزَّةٌ بين ارتياحٍ ورهبةٍ / فللنصر مرتاحٌ وللهول مرهوبُ
لها العَذَباتُ الحُمْرُ تهفو كأنَّها / ضِرامٌ بمُستَنَّ العواصفِ مشبوبُ
إِذا نُشِرتْ في الرَّوْعِ لاحتْ صحائِفٌ / عليهنَّ عُنوانٌ من النصرِ مكتوبُ
طوالِعُ طرفُ الجَوِّ منهن خاسِئٌ / حسِيرٌ وقلبُ الأرضِ منهن مرعُوبُ
ولما رأتْها الرومُ أيقنَّ أنَّها / سحابٌ له وَدْقٌ من الدمِ مسكوبُ
فما أقلعتْ إلا وفي كلِ ترعةٍ / بها مِنْبرُ الدينِ الحنيفيِّ منصوبُ
وكم لك فيهم وقعةٌ بعد وقعةٍ / جمعتَ بها الأهواءَ وهي أساليبُ
صدقْتَهُمُ حُرَّ الطِّعانِ فأدبَروا / وبَرْدُ المُنَى بين الجوارحِ مكذوبُ
ولما أتَوا مستلئمينَ معاذِراً / غدَوْا ولهم أهلٌ لديكَ وترحيبُ
رأوكَ ولا في ساعدِ البأس سطوةٌ / عليهم ولا في صفحةِ العفوِ تقطيبُ
وما لَبِسَ الأعداءُ جُنَّةَ ذِلَّةٍ / ومعذرةٍ إلا وسيفُكَ مقروبُ
ولو عجموا للحرب عُودَكَ مرةً / لما عاد إلا خائبُ الظنِّ محروبُ
طُبِعْتَ على حلمٍ فلو شئتَ غيرَهُ / غُلِبتَ عليه والتكلُّفُ مغلوبُ
لك اللّهُ كم ذا الحلمُ عن كلِّ مذنبٍ / له كلما أغضيتَ عضٌّ وتتبيبُ
وما السطوُ في كلِّ الأمور مذمَّماً / ولا العفوُ في كل المواضِع محبوبُ
فإن كنتَ لم تهمُمْ بسطوٍ فإنهُ / بجَدِّكَ مطعونُ المقاتلِ مضروبُ
وكم عاقدٍ عِرْنينَ عِزٍّ تركتَهُ / ومارنُهُ من وسمِ حَدِّكَ معلوبُ
ألم يزجُرِ الأعداءَ عنك عوائدٌ / من اللّهِ فيهن اعتبارٌ وتأديبُ
ألم يستبينوا أن بُقياكَ رحمةٌ / وحِلمَكَ تأديبٌ وعفوَكَ تثريبُ
أما يتَّقِي قرعى الفِصال استنانها / وقد عَجَّ تحت العبءِ بُزْلٌ مصاعيبُ
لقد غَرَّهم متنٌ من السيف ليِّنٌ / فَهلّا نهاهم حدُّهُ وهو مذروبُ
بك اقتدتِ الأيامُ في حَسَناتِها / وشيمَتُها لولاكَ هَمٌّ وتكريبُ
فلا رِزقَ إلّا من نوالكَ مُجتَنَى / ولا عُمْرَ إلّا من عطاياكَ محسوبُ
مريضٌ بأرض الرَّيِّ أعياهُ داؤُهُ
مريضٌ بأرض الرَّيِّ أعياهُ داؤُهُ / وليس له إلا بِجَيَّ طبيبُ
غريبٌ غريبُ القدرِ والفضلِ والهَوى / ألا كلُّ حال الفاضلينَ عجيبُ
وما ليَ ذنبٌ يقتضي مثلَ حالتي / سوى أنّنِي فيما يقالُ أديبُ
أبَى اللّهُ جمعَ الحظِّ والفضلِ للفتى / إِلى أن يُرَى ماءً سقاهُ لهيبُ
فإنْ عِشتُ لم أبرَحْ بلادي وإن أمُتْ / فلا ماتَ بعدي في الزمانِ غريبُ
خبَتْ نارُ نفسي باشتعالِ مفارقي
خبَتْ نارُ نفسي باشتعالِ مفارقي / وأظلمَ عُمري إذ أضاءَ شِهابُها
فيا بُومةً قد عشَّشتْ فوق هامتي / على الرغم مني حين طارَ غُرابُها
رأيتِ خرابَ العُمْرِ مني فزُرْتِني / ومأواكِ من كلِّ الديارِ خَرابُها
وكنتُ أُراني مفلتاً شَركَ الهَوى
وكنتُ أُراني مفلتاً شَركَ الهَوى / فقد صادني سحرُ العيونِ النوافثِ
وأسمعني داعي الغَرامِ ِنداءَهُ / فقمتُ إِليه مسرعاً غيرَ لابِثِ
وأعطيتُ إخوانَ البطالةِ صَفْقَتِي / وبِعْتُ قديماً من غَرامٍ بحادثِ
فما صفقتي في البيعِ صفقةُ خاسرٍ / ولا بيعتي للحب بيعةُ ناكثِ
فلا تعذلوني في غراميَ بعدَما / تولَّى الصِّبَا فالعَذْلُ أوَّلُ باعِثِ
ولا تبحثُوا عن سرِّ قلبيَ إنَّهُ / صفَاً ليس يمضي فيه مِعْوَلُ باحثِ
أرى صَبواتِ الحبِ قد جَدَّ جدُّهَا / وقد كان بدء الحب مَزْحَةُ عابثِ
رأيتُ عواريَّ الليالي مُعَادةً
رأيتُ عواريَّ الليالي مُعَادةً / إليها فلا تَرْجُ البَقاءَ لما تُرْجي
ولم تَتْركِ الأيامُ للنَّمْرِ جلدَهُ / فتأمُلَ أن تُبقِي على صاحب السَّرجِ
أواخرُ دهرٍ أشبهتْ في فَسادِها / أوائِلَها ما أشبَهَ الشَّرْجَ بالشَّرْجِ
أَرِقْتُ لبرقٍ لاح عنِّي وميضُه
أَرِقْتُ لبرقٍ لاح عنِّي وميضُه / وإنسانُ عيني في صَرَى الدمعِ سابحُ
وما لاحَ لي إلّا وبينَ جوانِحي / جوَىً مثلُ سِرِّ الزَنْدِ أوراهُ قادِحُ
فيا لكَ من شوقٍ أروضُ جِماحَهُ / ويأبَى سِوى عضِّ الشكيمِ الجوامحُ
وعازبِ أشجانٍ أُريحَ على الحَشَا / ولو كان مالاً ضاقَ عنه المسارحُ
وكم حَنَّةٍ لي نحوَ نَجْدٍ وأنَّةٍ / كما حَنَّ مرقوعُ الأظلَّينِ رازِحُ
أألْوِي حيازيمي إِذا ما ترنَّمتْ / على عَذَباتِ الأيكِ وُرْقٌ صَوادحُ
وأمسحُ عيني وهي تَحْفِزُ أدمعي / وكيف رُقوءُ الدمعِ والقلبُ طافحُ
وعاذلةٍ هَبَّتْ ترومُ نصيحتِي / وأعوزُ شيءٍ ما يروم النَّواصحُ
تقولُ ألا يصحُو فؤادُك بعدما / تردَّتْ بأفوافِ المشيبِ المسابحُ
فقلتُ دعيني والهَوى فجوانحِي / إليهِ على طولِ العَنَاءِ جوانحُ
ولا تذكري نَجْداً وطِيبَ هوائِهِ / وقد ضَاعَ وَهْنَاً رنْدُهُ المتفاوِحُ
فبِي طَرَبٌ لو أنَّ بالعِيسِ مثلَهُ / أطار البُرى أنضاؤُهنَّ الطلايحُ
وبي شَجَنٌ لو كنتُ ممَّنْ يُذيعُهُ / قليلاً لسالتْ بالشُّجونِ الأباطِحُ
وفي الجيرة الأدنَيْنَ هِيْفٌ خصُورُها / ثقيلاتُ ما تحتَ الخُصورِ رواجحُ
برزنَ بألحاظِ العيون نواشِبَاً / وهنّ لأطرافِ المروطِ روامحُ
جلونَ شفوفاً عن شُنوف ونَقَّبتْ / براقعَها تلك العيونُ اللوامحُ
فلم يملِكِ العينَ الطموحَ مُجاهرٌ / بفِسْقٍ ولا النفسَ النقيةَ صالحُ
ولا غَروَ أن يرتاحَ للصيدِ قانِصٌ / إِذا عَنَّ ظبيٌ بالصَّريمةِ جانِحُ
أعالِمَةٌ بالرَّمْلِ عفراءُ أنَّنِي
أعالِمَةٌ بالرَّمْلِ عفراءُ أنَّنِي / على أي حالٍ أغتدي وأروحُ
أروحُ وقلبي بالهموم معذَّبٌ / وأغدو وعيني بالدموع سَفُوحُ
فلا الموت أهوى قبلَ لُقيا أحبَّتِي / ولا العيشُ لي قبل اللقاءِ مُريحُ
سَقامٌ ووجدٌ واشتياقٌ وغُرْبَةٌ / وقلبٌ بأنواعِ الهُمومِ جريحُ
هي العيسُ قُوداً في الأزمَّةِ تنفخُ
هي العيسُ قُوداً في الأزمَّةِ تنفخُ / تمطّى بها من عُجمةِ الرملِ برزخُ
فَليْنَ الدُّجى عن غُرَّةِ الصبحِ فاغتدتْ / بجنبِ النَّقَا منها وقوفٌ ونُوَّخُ
كأن اللَّغَامَ الجَعْدَ طالَ نسالُهُ / على الجُدُلِ المرخاةِ برْسٌ مُسَبَّخُ
عليها قِطافُ المشي أطولُ خَطوِها / قِدى الفِتْرِ إذْ أدنى خُطاهنَّ فرسخُ
بدورٌ أَكَنَّتْهَا خدورٌ يجُنُّها / جناحُ خُدارِيّ من الليلِ أفتَخُ
تناهبنَ غرَّ الحُسنِ ملأى وسوقُها / فقد شَرِقَتْ منها قِبابٌ وأشرخُ
فوشيُ خُدودٍ بالجَمالِ مُنمنَمٌ / ومسكُ شعورٍ بالشباب مضمَّخُ
فيا ظَعَناتِ الحيِّ باللّه عَرِّجِي / على سَلْسَلٍ من عبرتي يتنضَّخُ
ويا نَسَماتِ الريحِ رفْقاً بمهجتي / ففي القلب نارٌ كُلَّما هجتِ تُنْفَخُ
ويا نارَ قلبي ما لجمرِكَ كُلَّما / نضحتُ عليه الماءَ لا يتبوَّخُ
ويا صادحاتِ الوُرقِ في الأيك أقصِري / فما ليَ إذ أشكو ولا لكِ مُصرِخُ
فيا جِيرةً شطَّتْ بهم غُربةُ النَّوَى / ولاعهدُهم يُنْسَى ولا الوُدُّ يُنْسَخُ
لكم في جنوب الأرضِ مسرىً ومسرحٌ / وللحبِّ في جَنْبَيَّ مرسىً ومرسخُ
فمَنْ مبلغٌ عني عِدايَ أَلُوكةً / تُؤَمُّ بها هامُ العُداةِ وتُشْدَخُ
أَفي كلِّ يومٍ جلبةٌ من عداوةٍ / تفرِّقُ أو شوكٌ من الضِّغْنِ تُنْتَخُ
ولسعةُ كيدٍ لو يُرامُ بنفثِها / مناكبُ رضوى أوشكتْ تتفسَّخُ
تطاولني قُعس الضِراب سَفاهَةً / وقد قَصَّرتْ عني شماريخُ بُذَّخُ
وما راعَنِي هُدرُ الفَحالةِ قبلَكُمْ / فأرتاعُ من رزِّ البكارة تفلخُ
أبَى لي قبولَ الضيمِ مطمحُ هِمَّتِي / ومُلقى قَتودي والأمونُ المُنَوَّخُ
ومرثومةٌ بالعِزِّ شَمَّاءُ تنتحِي / إِذا رَئِمْت بوَّ الصَّغارِ وتشمخُ
وحظِّيَ من أيامِ مُلْكٍ بِعِزِّهِ / تُقامُ مواقيتُ العُلَى وتُؤَرَّخُ
سُلالةُ ظِلِّ اللّهِ في الأرض إنْ جَرتْ / له ذُكْرَةٌ عند السلاطين بَخْبَخُوا
يتوقُ إليه المُلكُ وهو لهُ ابْنُمٌ / ويحنو عليه التاجُ وهو لهُ أخُ
وتعنو له صِيْدُ الممالكِ خُضَّعاً / إِذا اصطفَّ حَوليهِ كهولٌ وشُرَّخُ
وتشتاقُه الجُرْدُ الصوافِنُ شُزَّبَاً / يجوسُ بها أرضَ العِدى فتُدَوَّخُ
وتأمل أن تحظَى وتُنْقَشَ باسْمهِ / وذايلُ تِبْرٍ في المعادن سُوَّخُ
يربي العِدى أبناءَهمْ لِسهامهِ / وللصَّقْرِ ما أضحَى البُغَاثُ يُفَرِّخُ
له هضبةُ العزِّ القُدامسُ والذُّرَى / من المجدِ والطَودُ الذي هو أبذخُ
ملوكٌ همُ حاطُوا الخِلافةَ بعدَما / تهضَّمها أعداؤُها وتنوَّخُوا
بهم ثَبَّتَ اللّهُ الهُدى وتزلزلتْ / أخامِصُ قومٍ في الضَّلالةِ أُرْسِخُوا
وبُصِّرَ محجوبُ البصائر أكْمَهٌ / وأُسمِعَ مشدودُ المسامِع أصلخُ
إِذا المُلكُ دَبَّتْ فيه وعكةُ فِتْنَةٍ / سقَوها الظُّبَا مشحوذةً فتسبَّخُ
فأسيافُهم بالأمنِ والخوف ترتمِي / وأيديهمُ بالمالِ والدَّمِ تنضَخُ
لهم نفحَتا سَطوٍ وعَفْوٍ فهذهِ / زُعَاقٌ وهاتِيكم زُلالٌ منقَّخُ
ثِقالٌ إِذا اصطفَّ السِماطانِ حولَهمْ / خِفافٌ إِذا الداعي المُثَوِّبُ يصرُخُ
حَذا حذوَهمْ ضافي العطاء مؤَيَّدٌ / من اللّهِ ميمونُ النقيبةِ أبلخُ
بنَى قُبَّةَ الإسلامِ بالسيف بعدَما / تهاوتْ مبانيهِ وكادتْ تَسَوَّخُ
يقود الخميسَ المَجْرَ غصَّ به الفَلا / وأصبحَ هامُ الأكمِ وهو مُشَدَّخُ
إِذا كرَّ فيهم طِرْفَه جمدوا لهُ / وذابوا سواءً يافعٌ ومشيّخُ
فلا لونَ إلا حين يُسفرُ مسفِرٌ / ولا روعَ إلا حين يضحكُ مفرِخُ
وقد عَلِمَ الإلحادُ مُذْ نُصِرَ الهُدَى / بأنْ ليس للدينِ الحنيفيِّ مَنْسخُ
غدا وبنوهُ بين حِرباءَ تنضُبٍ / تُشالَ على جِذعٍ ورقشاءَ تُسلخُ
وان يتوقَّوا في الشَّماريخِ منهمُ / فسوف يَحُطُّ القومَ عنها المشمرِخُ
لهُ من بناتِ الريحِ كُلُّ طِمِرَّةٍ / تَخايَلُ في ميدانِها وتَبَذَّخُ
عليها أصابيغُ الدِماءِ كأنها / تُغَلَّفُ ما بين القَنَا وتُلَخْلَخُ
ضَمِنَّ القِرى للوحشِ والطيرِ فارتوتْ / وكظَّتْ جِراءٌ من قِراها وأفرخُ
نَذَارِ لقومٍ أخطأوا سُبُلَ الهُدى / فحاروا وتاهوا في الضَّلال وطخطَخُوا
نَذَارِ لهم قبلَ التي لا شَوى لها / وعيداً يُصَكُّ السمعُ منه فَيُصمَخُ
حَذَارِ لهم من سَخْطةِ اللّه إنها / يُشاهُ بها حُرُّ الوجوه ويُمْسَخُ
كأني بهامٍ منهمُ وسواعدٍ / تَطيحُ كما طاحتْ نَوى القَسْبِ تُرضَخُ
أبعدَ وُضوح الحقِّ يرجونَ فسخَهُ / وللحقِّ عَقْدٌ مُبرَمٌ ليس يُفْسَخُ
خدمتكُمُ والعمرُ غَضٌّ جميمُهُ / نَدٍ وأهاضيبُ الشبيبةِ نُضَّخُ
أُسَيِّرُ في أيامِكمْ من شَواردي / عُلالةَ سيرٍ حين يمتدُ سَرْبَخُ
وأحمِلُ من أسرارِكم كلَّ باهظٍ / يَضيقُ به صدرُ الكريمِ فَيَنْضَخُ
وأُنشِئُ في الشُّورى صحائفَ طيُّها / نوافثُ سِحْرٍ للعزائمِ نُسَّخُ
وأنصحُكمْ في حَلِّ كُلِّ مترجَمٍ / به يُضبطُ الأمرُ الشَّعاعُ ويُرْسَخُ
أحينَ أنى أن اجتني ثمرَ الرِّضا / أُرَدُّ إِلى نَزْرٍ من العيشِ يُرضَخُ
ألوذُ بكم من عَثْرةِ الجَدُّ إنّها / دهتني ولا ذنبٌ به أتلطَّخُ
فعطفاً فقد أودى بيَ الضُّرُ واشتفَى / زمانيَ من وطءٍ يرُضُّ ويفضخُ
ولا تَدَعوني والحوادثَ إنّها / تُعرِّقني عرقَ المُدى وتُمَخْمِخُ
وأوصوا بيَ الأيامَ خيراً فإنها / بكمْ تقتدي فيما تُمِلُّ وتنسَخُ
فقد ذُدْتُم الهِيمَ الخوامسَ عن دمي / وقد كَرَبتْ أعناق قومٍ تَفَسَّخُ
وأنشأتُمُ لي مهجةً جُدْتُمُ بِها / على بَدَنٍ ما فيه للروح مَنْفَخُ
رعاكمْ منِ استرعاكُم الخَلْقَ أنَّكُمْ / لهم وزرٌ في كل خطب ومُصْرَخُ
ولا خَلَتِ الأيامُ منكم فإنَّكُمْ / لها غُرَرٌ فيها تلوحُ وتشدخُ
فؤادٌ على كَرِّ الحوادثِ مارِدُ
فؤادٌ على كَرِّ الحوادثِ مارِدُ / وعَزمٌ على جَوْرِ النوائبِ قاصدُ
وقلبٌ يَعافُ الضيمَ مرتعُ همِّهِ / ولو رتعَتْ فيهِ الرِقاقُ البواردُ
تَنُوءُ به الآمالُ والجَدُّ قاعِدٌ / وتُسْهِرُه العلياءُ والحَظُّ راقدُ
يحوزُ المُنَى من دونهِ كلُّ وادعٍ / ويُحرَمُ ما دونَ الرِضا وهو جاهدُ
بهِ من قِراع الخَطْبِ دَاءٌ مماطلٌ / وليس له إلا الليالي عوائِدُ
ونفسٌ بأعقابِ الأمور بصيرةٌ / لها من طِلاع الغيب حادٍ وقائدُ
عليها طِلابُ العِزِّ من قُذُفَاتِه / وليس عليها أنْ تُنَالَ المقاصِدُ
ويُطمِعُها في نيلِها العزَّ أنَّها / حليفُ طِرادٍ والمعالي طرائِدُ
إِذا ميَّزتْ بين الأمور وأبصرتْ / مصايرَها هانتْ عليها الشَّدائِدُ
فتؤثِرُ بَرْحَ الظِمْءِ والرِيُّ فاضح / وتألفُ بؤسَ الجَدْبِ والذُّلُ رائِدُ
وتأنف أن يَشفي الزلالُ غليلَها / إِذا هيَ لم تشتقْ إليها المواردُ
أُولِّي بني الأيام نظرةَ راحمٍ / وإنْ ظنَّتِ الجُهَّالُ أنِّيَ حاسدُ
لهمْ في تضاعيف الرجاءِ مخاوفٌ / ولي في تصاريف الزمان مواعدُ
لك اللّه من هَمٍّ به تَسعَدُ العُلَى / وتشقى المهارى والدُّجَى والفدافِدُ
يزعزع كيرانَ المَطِيِّ بساهمٍ / علاه شحوبُ المجدِ والمجدُ جاهدُ
أغرُّ إِذا استغنى به العزمُ لم يكنْ / له عن حياضِ المجدِ والموتِ ذائدُ
له أربٌ بين الأسِنَّةِ والظُّبَا / إِذا لم يساعدْهُ الحُبَى والوسائِدُ
فقد لفحتْهُ الهُوجُ وهي سَمائِمٌ / كما نفحَتْهُ النُّكْبُ وهي صَوارِدُ
يَشُقُّ جَنانَ الليلِ عن كلِّ مَهْمَهٍ / يذودُ سوامَ النجمِ والنجمُ ساهدُ
فلا ضجعةٌ والصبحُ شَمْطاءُ حاسِرٌ / ولا هَجْعةٌ والليلُ عذراءُ ناهدُ
فأولَى لها من هِمَّةٍ ذُلِّلَتْ لها / صِعابُ العُلَى لولا الزمانُ المعانِدُ
أُريحتْ عليه ثَلَّةُ المجدِ إذْ غَدا / لها من معينِ الملْكِ زندٌ وساعِدُ
ولولا تصاريفُ الحوادثِ أُوطِئَتْ / رِقابُ المعالي حيثُ تُرخَى القلائِدُ
بهِ اعتذر الأيامُ عن هَفَواتِها / وعُدَّ لها بعدَ المساوي المحامدُ
ولو أنصفتْ حامتْ عليه فما لها / إِذا حُمِدَتْ إلا بعَلياهُ حامدُ
أساءَ إليها فاستثارتْ صروفَها / صيالَ نزوعِ القلبِ والقلبُ واجدُ
وعارضها في صَرْفها فتظاهرتْ / عليه الصروفُ البادياتُ العوائدُ
برغم العُلَى أن أُشهِد الأمرَ غُيَّبٌ / وغُيِّبَ عنه حاضرُ اللُّبِّ شاهدُ
وما غابَ حتى طَبَّقَ الأرضَ جُودُهُ / ودانَ لنعماهُ مُقِرٌّ وجاحدُ
تعاوَرهُ غَمْزُ الثِقَافِ فردَّهُ / صَليبٌ على قَرْعِ الحوادثِ ماردُ
وأرهف حدَّيهِ الخطوبُ طوارقاً / كما رقّقتْ متنَ الحُسامِ المبارِدُ
فلا تَشْمتِ الأعداءُ بالطَوْدِ مائِداً / وقد رسختْ أركانُه والقواعِدُ
فما بالحُسامِ المشرفِيّ غَضاضَةٌ / إِذا ردَّهُ يومَ الكريهةِ غامدُ
فمنْ مخبِرٌ والقولُ بالغيبِ ظِنَّةٌ / عن الدَّوحِ والأيامُ عُوْجٌ نواكِدُ
هل اخضرَّ من بعدِ التسلُّبِ عُودُهُ / ومدَّ بضبعيهِ الغصونُ الأمالدُ
فعهدي على أنّ الحوادثَ جَمَّةٌ / به وهو ريَّانُ العساليجِ مائِدُ
وقد يتعَرَّى الغُصْنُ حيناً ويكتسي / نَضارتَهُ ما لم ينلْ منه خاضِدُ
بكُرهِيَ أنْ فارقتُ جَوَّ ظِلالِه / كما فقدَ الكَفَّ المنيعةَ ساعدُ
تهدَّفتُ للأيامِ بعدَ فِراقِه / إِذا مرَّ منها نازلٌ كَرَّ عائدُ
أَمرُّ بذاك الرَّبْعِ ولهَى رياحُهُ / معطلةً أعلامُه والمعاهدُ
عَهِدناهُ دَهراً بِالوُفودِ مُعضَّلاً / يُزاحِمُ فيهِ الأَقرَبينَ الأَباعِدُ
فَلَيسَ يُرى إِلّا شِفاهٌ لَوائِمٌ / تَراهُ خُضوعاً أَو جِباهٌ سَواجِدُ
مَواسِمُ جودٍ ما يَغِبُّ وُفودُها / إِذا خَفَّ مِنها راحِلٌ حَطَّ وافِدُ
إِذا سامَ فيها المُجتَدونَ مَراتِعٌ / وَإِن عاثَ فيها المُعتَدونَ مَآسِدُ
تُهالُ عَلى بُعدِ الأَعِزَّةِ وَالسُرى / مَهولٌ وَإِن غابَ الأُسودُ الحوارِدُ
مَعارِكُ بِأسٍ في مَآلِفِ صَبوَةٍ / تَجَمَّعُ فيهِنَّ المَعاني الشَوارِدُ
تُغَمغِمُ أَبطالٌ وَتَصهَلٌ قُرَّحٌ / وَتَصخَبُ أَوتارٌ وَتُروى قَصائِدُ
أَضاءَ لَها بَرقٌ مِنَ العِزِّ خاطِفٌ / وصالَ بِها رَدعٌ مِنَ المَجدِ راكِدُ
سَقاها رُجوعُ الظاعِنين فَحَسبُها / وَإِن أَخطَأَتها البارِقاتُ الرَواعِدُ
أَقولُ وَأَنضاءُ الأَماني طَلائِعٌ / لَدَيَّ وَأَنيابُ الدَواهي حَدائِدُ
وَقَد أَصحَرَت مِن جانِبَيَّ مَقاتِلٌ / تُخَضخَضُ فيهِنَّ السِهامُ الصَوارِدُ
وَبَينَ جُفوني لِلدُموعِ مَنابِعٌ / وَتَحتَ ضُلوعي لِلهُمومِ مَراقِدُ
وَأَوطَأَني الأَيّامُ أَعقابَ مَعشَرٍ / لَهُم أَوجُهٌ قَد بَرقَعَتها الجَلامِدُ
فَأَخلاقُهُم بِالمُخزِياتِ رَهائِنٌ / وَأَعراضُهُم لِلمُندِياتِ حَصائِدُ
يُقَهقِرُ عَن نَيلِ المَعالي خُطاهُمُ / فَسِيّانَ ساعٍ لِلمَعالي وَقاعِدُ
أَما يَستَفيقُ الدَهرُ عَن نَزَقاتِهِ / فَيُصبِحُ مُستَثنىً لَدَيهِ الأَماجِدُ
أما آن أن تَقْنَى الخطوبُ حياءَها / فَتُدْرَكُ أوتارٌ وتُشْفَى مواجدُ
أما للرِقاقِ المشرفيَّةِ ضاربٌ / أما للعِتَاقِ الهِبْرَذِيَّةِ ناقدُ
أما جرّدُوه مقضباً وهو ناشِئٌ / أما جَرَّبوه مقنباً وهو واحدُ
ومُفتَقَر الدنيا إِلى رأيهِ الذي / يُرَدُّ إليه في الأمورِ المقالدُ
سيذكُرهُ ذِكْرَ الطّرِيدِ محلَّهُ / عُرَى المُلْكِ مُنْحَلَّاً بهن المعاقدُ
وتصبُو إليه المكْرُماتُ عواطِلاً / تُزحْزَحُ عن أجيادِهنَّ القلائدُ
ويُبْلِغُه الإقبالُ ما هو ضَامِنٌ / ويُنْجِزُ فيه الجَدُّ ما هو واعدُ
وتعتذرُ الأيامُ بعدَ اساءةٍ / فَيُصْحَبُ أبَّاءٌ ويُصْلَحُ فاسدُ
فإن الليالي إن أخذنَ خواطِئاً / غوارمُ ما يأخُذْنَهُ فعوامدُ
على ذا مضَى حكمُ الزمإن لأهلهِ / فوادحُ مقرونٌ بهنَّ فوائدُ
وأرفَهُ خَلْقِ اللّهِ راضٍ بعيشةٍ / وأتعبُهم قلباً على الدهر واجدُ
كأنّي به مِلءَ المواكب والحُبَى / تُباهِي به أفراسُه والمساندُ
فما هو إلا البدرُ بعدَ سِرارِهِ / بَدَا وهو مِلْءُ العينِ والقلبُ صاعدُ
أبى اللّهُ أن أسمو بغيرِ فضائلي
أبى اللّهُ أن أسمو بغيرِ فضائلي / إِذا ما سَما بالمالِ كلُّ مُسَوَّدِ
وإن كَرُمَتْ قبلي أوائلُ أُسرتِي / فإني بحمدِ اللّه مبدأُ سُودَدِي
يُذَمُّ لأجلي الدهرُ إن يكْبُ مَرَّةً / بجَدّي وإن ينهضْ بجَدِّيَ يُحْمَدِ
وما مَنْصِبٌ إلا وقدريَ فوقَهُ / ولو حُطَّ رحلي فوق نَسْرٍ وفرقدِ
إِذا شَرُفَتْ نفسُ الفَتى زادَ قَدْرُهُ / على كلِّ أسنَى منه ذِكراً وأمجدِ
كذاكَ حديدُ السيفِ إن يَصْفُ جوهراً / فقيمتُهُ أضعافُه وزنَ عَسْجَدِ
يُكاثِرُنِي من لا يُقاسُ نِجَادُهُ / بشِسْعِي إِذا ما ضَمَّنا صدرُ مشهدِ
وما المالُ إلا عارةٌ مستَردَّةٌ / فهلّا بفضلِي كاثروني ومَحْتِدِي
وإنّ أناساً صِرْتُ جارَ بيوتِهم / عباديدُ شَذْرٍ فُصِّلَتْ بزبرجَدِ
يُسَرُّ بقربِي منهمُ كلُّ أصيدٍ / ويكرَهُ كوني منهمُ كلُّ أنكَدِ
وأصحبُ منهمْ سائِساً غيرَ حازمٍ / وأتبعُ منهم هادياً غيرَ مهتدي
إِذا لم يكنْ لي في الولاية بسطةٌ / يطولُ بها باعي ويسطُو بها يدي
ولا كان لي حُكمٌ مطاعٌ أُجِيزهُ / فأُرغِمُ أعدائي وأكبُتُ حُسَّدِي
ولم يَغْشَ بابي موكبٌ بعدَ موكبٍ / مَخافةَ إيعادٍ وتأميلَ موعِدِ
فأروَحُ لي منها اعتزالٌ يصونُني / صِيانةَ مطرورِ الغِرارين مُغْمَدِ
فأُعْذَرُ إن قصَّرْتُ في حقِّ مُجْتَدٍ / وآمنُ أن يعتادَني كيدُ معتدي
أَأُكفَى ولا أَكْفِي وتلك غَضاضَةٌ / أرى دونَها وقعَ الحسامِ المُهَنَّدِ
ولولا تكاليفُ العُلى ومغارمٌ / ثِقَالٌ ودينٌ آخذٌ بالمقلَّدِ
وإشفاقُ نفسي من خِلافِ أعِزَّتِي / وخوفيَ أعقابَ الأحاديثِ في غَدِ
لأعطيتُ نفسي في التخلي مُرادَها / وذاكَ مُرادي مذ نشأتُ ومقصِدِي
من الحزمِ أن لا يَضْجَرَ المرءُ بالذي / يُعانيهِ من مكروههِ وكأن قَدِ
إِذا جلَدي في الأمرِ خان ولم يقمْ / بنُصْرةِ عزمي نابَ عنه تجلُّدِي
ومن يستعِنْ بالصبرِ نالَ مُرادَهُ / ولو بعد حينٍ إنهُ خيرُ مُسْعِدِ
بُنَيَّ إِذا السلطانُ خَصَّك فاعتمِدْ
بُنَيَّ إِذا السلطانُ خَصَّك فاعتمِدْ / نزاهَةَ نفسٍ تملِكُ العِزَّ أغيَدَا
ووفِّر عليهِ كلَّ مَا مَدَّ عينَهُ / إليهِ ولا تمدُدْ إِلى ما رأى يدَا
ألم ترَ أنَّ الذئبَ طَيَّرَ رأسَهُ / مزاحمةُ الضِّرغامِ فيما تَصَيَّدا
رأى نفسَه بالصيدِ أولَى فدقَّهُ / بلَطْمةِ مُسوَدِّ الذِّراعين أصيدَا
فلما أحسَّ الثعلبانُ ببأْسِهِ / تعلَّمَ منه قِسمةَ الصيدِ جيِّدَا
وآثرَهُ بالصَّيْدِ صَوْناً لنفسهِ / وكان مُعَاناً في الأمورِ مُؤَيَّدَا
كذا ضربَ الأمثالَ من كان قبلَنا / وأورثَنا المجدَ الرفيعَ المُشَيَّدَا
أيا حاديَ الأظعانِ غَرِّدْ فقد بَدَا
أيا حاديَ الأظعانِ غَرِّدْ فقد بَدَا / لنا حَضَنٌ واستقبلَتْنَا صبَا نَجْدِ
وبشَّرنا وعدٌ من المُزْنِ صادقٌ / بواصٍ من الحَوذَانِ والنَّفَلِ الجَعْدِ
وطارح رَذاياها وقد مَلَّتْ السُّرَى / أغاريدَ يُغْرِينَ الطلائحَ بالوَخْدِ
فانّ بذاكَ الجَوِّ فاتنةَ اللُّمَى / أسيلةَ مجرَى الدمعِ واضحةَ الخَدِّ
إِذا ما المَدارَى خُضْنَ سُودَ لِمامِهَا / خلطنَ فُتاتَ المِسْك بالعَنْبَرِ الورد
لقد طالَ عهدي بالحِمَى وحلولِهِ / ولولا شقائِي لم يَطُلْ بِهمُ عهدي
أسائِلُ عنهُ من لَقِيتُ وعنهمُ / متى جادَهُ غيثٌ وما فعلوا بعدِي
هلِ اخضَرَّ واديهمْ فعاشُوا بغِبْطَةٍ / أمِ استبدلوا الصَّمَّانَ بالأجرعِ الفردِ
وهل جذوةُ النارِ التي يُوقِدُونَها / لها حيث شَبُّوها دليلٌ على كبْدي
وهل نُغْبَةُ الماءِ التي يرِدُونَها / عن الحائمِ الحَيرانِ ممنوعةُ الوِرْدِ
أقولُ لأصحابي غَداةَ تزافَرُوا / رُويدَكُمُ إنَّ الهَوى داؤُه يُعْدِي
إِذا ما قدحتُمْ نارَ وجدٍ فإنَّما / شرارتُها فيكم وجَمْرَتُها عِندي
أقولُ لأنضَاءِ الغَرامِ عشيّةً / بِبُصْرَى وأنْضَاءُ المَطِيِّ بنا تَخْدي
أقيما صدورَ العِيس واستخبروا الصَّبَا / عن الحَيِّ بالجَرْعاءِ ما فعلوا بعدِي
وما طابَ نَشْرُ الريحِ إلا وعندَها / أخابِيرُ من نَجْدٍ ومن ساكِني نَجْدِ
وقد زادَها حُبَّاً لديَّ ونعمةً / سفارتُها بينَ الأراكةِ والرَّنْدِ
تظنونَ حالي في الهَوى مثلَ حالِكمْ / وهيهاتَ إني في الهَوى أمَّةٌ وحدِي
وكيف تَساوى الحال بيني وبينَكمْ / وأعظمُ ما تشكونَ أهونُ ما عِندي
ومن طولِ إِلْفِي في الهَوى ورياضتي / لنفسي على قُربِ الأحِبَّةِ والبُعْدِ
أذُمُّ جفُوناً ليس يقرحُهَا البُكا / وأُنكرُ قلباً لا يذوبُ من الوَجْدِ