القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السَّرِي الرَّفّاء الكل
المجموع : 90
رويَدكَ عن تفنيدِ ذي المٌقلةِ العَبْرَى
رويَدكَ عن تفنيدِ ذي المٌقلةِ العَبْرَى / وقَصركَ أنَّ الدَّمعَ غايةُ ما نَهوى
ولا تبكِ إلاّ بعدَ طولِ صبابةٍ / وحسْبُك من فرطِ الصَّبابةِ ما أَبكى
إذا الدمعُ لم يبرَحْ مَحَلاً يَحُلُّه / سرى الدمعُ من أجفانِه قَلِقَ المَسرى
حَماهُ الكَرى برقٌ تَألقَ بالحمى / إذا ما خَفَى وهْناً أبى الشوقُ أن يَخفى
وقى اللهُ من شكوى الصبابةِ خُلَّةً / شكوتُ الذي أُلقى فأضعفَ في الشكوى
أكاتمُ بَلْوى الحبَّ كيما أُبيدَه / وعيني تَفيضُ الدمعَ عينٌ على البلوى
أُواصِلُ فيها الدمعَ يَدمَى مسيلُهُ / وأقطعُ أنفاساً مسالِكُها تَدمى
تذكَّرتُ إذا سَهْمُ الهَوى غيرُ طائشٍ / وإذ أسهُمُ الأيامِ طائشةُ المَهوى
وكم ليلةٍ أحيَتْ نفوسَ ذَوي الهَوى / عِناقاً وكانت لا تموتُ ولا تَحيا
ويومَ أرانا العيشَ يهتزُّ عِزَّةً / بما قد حوى من غُرَّةِ الرشأِ الأحوى
جَلَوْنا به الكاساتِ والأفقُ عاطلٌ / إلى أن تَبَّدَى الأفقُ في حُلَّةٍ تُجلى
فصافحَ منها الشَّرْبُ كلَّ مَشوقَةٍ / عليها رِجالُ الفُرسِ يقدُمُهم كِسرى
نُحَيَّا ونُسْقى في الزُّجاجةِ باطلاً / إذا نحنُ حقَّقْنا التَّحيَّةَ والسُّقيا
ويُلبسُه ساقي المدامةِ حُلَّةً / ولكنَّه في كفِّ شاربه يَعْرَى
وليلٍ رَحيبِ الباعِ مَدَّ رِواقَه / على الأفقِ حتى خِيلَ في حُلَّتَي ثَكْلَى
يُقيِّدُ ألحاظَ العيونِ حِجابُه / كأنَّ بَصيرَ القومِ من دونِه أعمى
ترَدَّيتُه حتَّى رأَيتُ رِداءَهُ / يَرِقُّ بمنشورٍ من الصبحِ لم يُطْوَ
ولاحَ لنا نَهْجٌ خَفِيٌّ كأنَّه / إذا اطَّرَدَتْ أثناؤُه حيَّةٌ تَسعى
إلى سيِّدٍ يُعطي على الحمدِ مالَه / فيأخُذُ ما يَبقى ويُعطي الذي يَفنى
وأبيضَ يَحمي كلَّ أبيضَ ماجِدٍ / إذا لاحَ فرداً فهو صاحبُه الأدنى
ومزمومَةِ الأطرافِ مُصفرَّةِ القرا / مؤلَّفةِ الأعضاء من فِرَقٍ شتَّى
تَشرَّدَ من أولادِها كلُّ زائرٍ / فيا لَكِ أُمّاً ما أعقَّ وما أجفى
إذا طار عنها انفلَّ في كلِّ نَثَلةٍ / دِلاصٍ كما ينفلُّ في الشَّمَطِ المِدْرَى
وإن حادَ عن نفسٍ هَدَاه لها الرَّدى / ولم يُرَ سارٍ قبلَه بالرَّدى يُهْدى
طلعْتَ عليه والذوابلُ تَلتوي / أسنَّتُها في نحرِ كلِّ فتىً ألوى
وأسفْرتَ والألوانُ تَرْبَدُّ خِيفَةً / وبيضُ الظُّبا تَدْمَى وسُمْرُ القَنا تَفْنَى
تَقَيَّلْتَ عبدَ اللهِ في البأسِ والنَّدى / فما حِدْتَ يوماً عن طريقتِه المُثلى
وأنتَ رفعتَ الشَّعْرَ بعدَ انخِفاضِهِ / بجودكَ حتى صار في ذِروةِ الشِّعرى
فكم مِدحَةٍ غِبَّ النَّوالِ تبسَّمَتْ / كما ابتسمَ النُّوَّارُ غب حَيَاً أروَى
ثَناءٌ أبانَ الفضلَ مني لحاسِدٍ / تبيَّنَ فيه ذِلَّةُ العبدِ للمَولى
يجولُ فِجاجَ الأرضِ وهو مقيَّدٌ / بقافيةٍ يَبلى الزمانُ ولا تَبلى
وما ضَرَّ عِقْدٌ من ثَناءٍ نظمتهُ / وفصَّلتُهُ أن لا يعيشَ له الأعشى
أُحذِّركُمْ أمواجَ دجلةَ إذ غدَتْ
أُحذِّركُمْ أمواجَ دجلةَ إذ غدَتْ / مُصَنْدَلَةً بالمَدِّ أمواجُ مائِها
وظلَّت صِغارُ السُّفنِ ترقُصُ وسطَها / كَرَقْصِ بَنَاتِ الزَّنْجِ عندَ انتشائِها
وما أنْسَ من يومٍ ذَممتُ صنيعهَ / فما أنسَ يومي واقفاً بِفنائهِا
وقد عصفتْ بالجسرِ ريحٌ فأقبلتْ / سفائِنُهُ تَعْوَجُّ بعدَ استوائِها
فمن مُهجَةٍ تَرتاعُ عندَ انخفاضِها / وسَبَّابَةٍ تهتزُّ عندَ اعتلائِها
تُفرِّقُها هُوجُ الرِّياحِ وتَعتلي / رُبى الموجِ من قُدَّامِها وورائِها
فهنَّ كدُهْمِ الخيلِ جالَتْ صفوفُها / وقد نشرَتها روعةٌ من ورائِها
ودجلةُ كَدْراءُ الأديمِ سفيهةٌ / تعافُ سجايا حَملِها وصفائِها
كأنَّ صنوفَ الطَّيرِ عاذَتْ بأرضِها / وقد سامَها ضَيْماً أُسُودُ سمائِها
أو السَّبَجَ المسوَدَّ حُلَّتْ عقودُه / على تُربةٍ محمرَّةٍ من فَضائِها
غدوتُ بها مجنونةً في اغتدائِها
غدوتُ بها مجنونةً في اغتدائِها / تُلاقي الوحوشُ الحَيْنَ عندَ لقائِها
لهن شياتٌ كَالدَّواويجِ أصبحتْ / مُوَلَّعَةً ظَلْماؤُها بضيائِها
وأيدٍ إذا سَلَّت صوالجَ فِضةٍ / على الوَحشِ يوماً أذهَبتْ بدِمائِها
وَقَال أَتاَكَ الحَلْيُ قُلْتُ مُمَازِحاً
وَقَال أَتاَكَ الحَلْيُ قُلْتُ مُمَازِحاً / أتَاكَ النَّوَى يا بَائِعَ المِلْحِ بالنَّوَى
وَنَاوَلِني مُسْوَدَّةً لَوْ قَرَنْتُهَا / إلَى القارِ كَانَا في سَوَادِهما سَوَا
تهيَّبه وِردُ الرَّدى لو تهيَّبا
تهيَّبه وِردُ الرَّدى لو تهيَّبا / ربائبَ في الأظعانِ يُحسَبْنَ رَبرَبا
مَلكْنَ بتقليبِ النَّواظرِ قلبَه / فقد أَمِنَتْ في الحبِّ أن يتقلَّبا
طوالعُ من حُمْرِ القِبابِ شموسُها / وما طلعَت منهنَّ إلا لتَغرُبا
سَفرْنَ فلاحَ الأقحوانُ مفضَّضاً / على القُربِ منا والشَّقِيقُ مُذَهَّبا
وجُدْنَ بألحاظٍ مِراضٍ كأنَّها / تُصرِّحُ بالعُتبى إلى مَنْ تعتَّبا
وقد أثمرَ العُنَّابَ والوردَ بَانُها / فأبدعَ في تلك الثِّمارِ وأغرَبا
محاسنُ عنَّت في مَساوٍ من النَّوى / فللّه ورْدٌ ما أمرَّ وأعذبا
رأت جانبَ الأعداءِ سهلاً فأسهلَت / فلائقُ كانت بِغضةً وتحبُّبا
عذيريَّ من قلبٍ إذا سُمتَه الهَوى / أجابَ وإن ذكَّرتَه صبوةً صَبا
وطيفِ حبيبٍ خافَ طيفَ رقيبِه / فزارَ وسارَ خائفاً مترقِّبا
إذا كان سُقيَا الخائفين تجنُّباً / فلا زالَ صَوبُ المُزْنِ يَسقيكَ صَيِّبا
حَيَاً كلما حيَّتْ به الريحُ منزِلاً / ثَنَتْ فيه هُدَّاباً إليك وهَيدَبا
تلهّبَ فيه البرقُ حتى كأنَّه / حريقٌ على أثباجِ ليلٍ تلهَّبا
فباتَ كأنَّ الريحَ في جَنَباتِه / تهُزُّ صفيحاً منه بالتِّبرِ مُذهَبا
وساجَلَ معروفَ الوزيرِ ومَنْ له / بعُرْفٍ يعُمُّ الأرضَ شَرْقاً ومغرِبا
هُمامٌ يعُدُّ السمهريَّةَ مَعقِلاً / يعوذُ به والمَشرَفيَّةَ مَكسِبا
حليمٌ إذا أحْفَظْتَه زادَ حِلمُه / فكيفَ يرى عن مَذهَبِ الحقِّ مذهَبا
ومبتسمٍ والطعنُ يَخضِبُ رُمحَه / كأنْ قد رأى منه بَناناً مُخَضَّبا
رأيناه يومَ الجودِ أزهرَ واضحاً / ويومَ قِراعِ البيضِ أبيضَ مِقْضَبا
وخِلناه في بذلِ الألوفِ قبيصةً / وخِلناه في سَلِّ السيوفِ المُهَلَّبا
ملوكٌ إذا الأيامُ دامَت رماحُهم / حَسِبتَهم الأيامَ صَدراً ومَنكِبا
يُنازعُهم فضلَ النَّجابةِ معشرٌ / ولولاهمُ لم يَعرفِ الناسُ مُنجِبا
وَهَجْرٍ تردُّ الخيلُ رأْدَ ضَحائِه / بأرهاجها قِطْعاً من الليلِ غَيهَبا
كأنَّ سيوفَ الهندِ بينَ رماحِه / جداولُ في غابٍ علا وتأشَّبا
تَضايقَ حتى لو جَرى الماءُ فوقَه / حَماه ازدحامُ البيضِ أن يتسرَّبا
وقَفْتَ به تُحيْي المُغيرةَ ضارباً / بسيفِكَ حتى ماتَ حَداً ومَضرِبا
وصُلْتَ على الأعداءِ تلعَبُ بالقَنا / وأرواحِهم حتى ظنَّناه مَلعَبا
وكم مِقنَبٍ في الرَّوْعِ يُحسَبُ واحداً / وكم واحدٍ في الرَّوْعِ يُحسَبُ مِقنَبا
فلو كنتَ من حربِ العُداةِ بمعزِلٍ / دعوتُك في حربِ النوائبِ مِحرَبا
إذا غابَ عن ذي الرأي وجهُ رَشادِه / لجأتَ إلى رأيٍ يُريك المغيَّبا
أساءَ إلينا الدهرُ يا ابنَ محمدٍ / فلما تنافَرنا إليك تجنَّبا
دعوتَ إلى الجَدوى ومثلُك مَنْ دعا / بِ حَيِّ على ماءِ الحياةِ فثوَّبا
فما بَعُدَتْ نُعماكَ عن ذي قَرابَةٍ / ولا جَانَبَتْ مِنْ سائرِ الناس أجنَبا
إليك ركبتُ الليلَ فَرداً فلم أقُل / أعاذلتي ما أخشنَ اللَّيلَ مَركَبا
لِيَصْدُرَ عنكَ الشِّعرُ مالاً مسوَّماً / إذا نحنُ أوردناه دُرّاً مُثَقَّبا
فهل لك من جازٍ إذا اعترضت له / شهودُ قوافي الشِّعرِ جَدَّ فأسهَبا
وضاربةٍ في الأرضِ وهي مُقيمةٌ / كأنَّ مَطاياها الجَنوبُ أو الصبَّا
يثقِّفُها طِبٌّ بتثقيفِ مثلِها / ويخدُمُها حتى تَرِقَّ وتَعذُبا
مُطِلٌّ على سهلِ الكلامِ وحَزْنِه / فما يصطفي إلا اللُّبابَ المُهَذَّبا
تركتُ رِحابَ الشامِ وهي أنيقةٌ / تقولُ لِطُلاّبِ المكارمِ مَرحَبا
مدبَّجةَ الأطرافِ مخضرَّةَ الثَّرى / مصقَّلةَ الغُدرانِ مَوشيَّةَ الرُّبا
إذا نحنُ طاردْنا الغنيمةَ أمكَنتْ / بِهِنَّ وإن جُلْنا على الصيدِ أكثَبا
فما ذِمَّةُ الأيامِ فيها ذميمةٌ / ولا جانبُ الدنيا بها متجنَّبا
ولكنَّ ذا القُربى أحقُّ بمنطِقٍ / إذا كان ذو القُربى إلى الحمدِ أقرَبا
وذي شرفٍ إن عَدَّ ثَهْلانَ فاخراً / عددتُ له رَضْوى وقُدْساً وكَبكَبا
تعصَّبتُ في شِعري عليه ولو حوَى / عصائبَ تيجانِ الملوكِ تعصبُّا
فلا زِلتَ مُبَيضَّ المكارمِ راخياً / بجُودٍ ومحمَرَّ الصوارمِ مُغضَبا
ودونَكما تتلو نظيرتَها التي / هي الكوكبُ الدُّريُّ يجنُبُ كوكَبا
كأنَّ قَوافيها سهامُ مثقِّفٍ / تصعَّدَ فيها لحظُه وتصوَّبا
كأنَّك منها ناظرٌ في حديقةٍ / تقطَّرَ فيها فارسُ القَطرِ أو كَبا
كلاماً يفوقُ المِسكَ طيباً كأنما / أتاكَ برَيحانِ النحورِ مطيَّبا
لقد طَمِعَ البِشريُّ فيَّ ولم يكنْ
لقد طَمِعَ البِشريُّ فيَّ ولم يكنْ / لِيَطْمَعَ فيَّ المرءُ وهو لبيبُ
خلعتُ عليه من ثنائيَ خِلعةً / تَحِنُّ إليها أنفُسٌ وقلوبُ
فقطَّبَ حتى خِلتُ أن قد وَسَمْتُهُ / وذو اللؤمِ فيه ضُجْرَةٌ وقطوبُ
وقاسَمَني جودَ الأمير كأنَّما / له في القوافي السائراتِ نَصيبُ
أرى الشاعرَ المِلحيَّ راحَ بنا صَبَّا
أرى الشاعرَ المِلحيَّ راحَ بنا صَبَّا / نباغضُه عَمْداً فيوسِعُنا حبَّا
دعانا ليستَوفي الثناءَ فأظلمَتْ / خلائقُ تستوفي لِصاحِبِها السبَّا
تيمَّمَ كَرخايا فجاد قلبُيها / عليه وما شُربُ القليبِ لنا شُربا
وأحضَرَنا محبوسةً طولَ ليلِها / معذَّبةً بالنارِ مُسْعَرةً كَرْبا
تحتَّتَ من رَطْبِ الذُّؤابَةِ لحمُها / ومن يابسِ الحَبِّ الثقيلِ لها الحُبَّا
وساهرَها ليلاً يُضيِّقُ سِجنَها / فلما أضاءَ الصُّبحُ أوسَعَها ضَرْبا
إذا مسحَتْها الرِّيحُ راحتْ كأنما / تُمسِّحُ موتَى كشَّفَتْ عنهمُ التُّربا
وداذنةٍ تنهَى الصَّباحَ إذا بدا / وتُفسِدُ أنفاسَ النَّسيمِ إذا هَبَّا
شَرابٌ يُفضُّ الطين ُعنه إذا بدا / ثلاثةَ أيامٍ وقد شَبَّ لا شبَّا
يُمدُّ بأطرافِ النهارِ وما افتَرى / ولا كانَ خِدْناً للزُّناةِ ولا تِربا
فلما تراءَتْ للجميعِ حبالُنا / عجبتُ لمضروبَيْنِ لا جَنَيَا ذَنبا
نسالمُ هذا الدهرَ وهو لنا حَرْبُ
نسالمُ هذا الدهرَ وهو لنا حَرْبُ / ونعتُبُ والأيامُ شيمَتُها العَتْبُ
ونَخطُبُ صُلحَ النَّائباتِ ولم يزَل / لأنفسِنا من خَطْبِها أبداً خَطْبُ
تَهُمُّ بنا أفراسُها وسيوفُها / فلا هذه تَكبو ولا هذه تَنبو
وكنا نعُدُّ المَشرفيَّةَ والقَنا / حصوناً إذا هزَّت مضاربَها الحربُ
فلما مَضى المِقدارُ قلَّ غناؤها / فلم يمضِ حَدٌّ من ظُباها ولا غَرْبُ
تبلَّدَ هذا الدهرُ فيما نرومُه / على أنَّه فيما نحاذرُه نَدْبُ
فسَيْرُ الذي يرجوه سَيْرُ مُقيَّدٍ / وسيرُ الذي يَخشى غوائلَه وَثْبُ
إذا فاجأتْنا الحادثاتُ بمصرَعٍ / فليس سِوى الجَنْبِ الكريمِ لنا جَنْبُ
فعَزِّ الأميرَ التَّغِلِبيَّ ورهطَه / بمن غَرَبَتْ عنه الغَطارفَةُ الغُلْبُ
بسِّيدَةٍ عمَّت صنَائِعُها الوَرَى / فأعربَ عن معروفِها العُجْمُ والعُرْبُ
ومُشرِفَةِ الأفعالِ لم يَحوِ مثَلها / إذا عُدِّدَ النِّسوانُ شرقٌ ولا غَربُ
تَساوَتْ قلوبُ الناسِ في الحُزْنِ إذ ثَوَتْ / كأنَّ قلوبَ الناسِ في موتِها قَلْبُ
وكانَتْ سهولُ الأرضِ دونَ هِضابِها / فلما حَواها السَّهلُ ذَلَّ له الصَّعبُ
فإن كانَ فيمن غَيَّبَ التُّرْبُ تِربُها / فمريمُ من دونِ النساءِ لها تِربُ
وطُوبى لماءِ المُزنِ لو أنَّ ظهرَها / لرَيَّقِه ما فاضَ رَيِّقُه السَّكبُ
وأقسِمُ لو زادَتْ على المِسكِ تُربةٌ / لزادَ على المِسكِ الذكيِّ بها التُّربُ
فضائلُ يُنفِذنَ الثَّناءَ كأنما / ثَناءُ ذواتِ الفضلِ من حُسنِها ثَلْبُ
لقد جاورَت من قومِ يُونُسَ مَعْشراً / أحبَّت بروحٍ لا يجاورُه كَرْبُ
فقد بردَت تلك المضاجعُ منهم / فأشرقَ ذاك النُّورُ فيها فما يخبو
فللهِ ما ضَمَّ الثَّرى من عَفافِها / وما حَجَبْتها من طهارتِها الحُجُبُ
لَئِن كان وادي الحُصنِ رحباً لقد ثوى / بعَرصَتِه المعروفُ والنائلُ الرَّحبُ
وإن عَذُبَتْ رَيَّاه أو طابَ نَشرُه / فقد مَلَّ في بطحائها الكرَمُ العَذْبُ
عَجِبْتُ له أنّي تضمَّنَ مثلَها / ولا كِبَرٌ يَعروه ذاك ولا عُجْبُ
ولو عَلِمَت بطحاؤُّه ما تضمَّنَت / تطاولَتِ البطحاءُ وافتخرَ الشَّعبُ
تُذالُ مصوناتُ الدموعِ إزاءَها / وتَمشي حُفاةً حولَها الرَّجْلُ والرَّكْبُ
فلا زالَ رَطْبُ الرَّوضِ من رَيِّقِ النَّدى / كأنَّ النَّدى من فوقِه الُّلؤلُّؤ الرَّطْبُ
أبا تغلِبٌ صبراً وما زلتَ صابراً / إذا زَلَّ حَزمٌ ثابتٌ أو هَفا لُبُّ
فقد أعقبَتْ منكم أُسودَ شجاعةٍ / وكم مُعقبٍ في الناسِ ليسَ له عُقْبُ
وأنتم جَنابُ المكرُماتِ ولم يكن / لتهفو رواسيها وإن عَظُمَ الخَطْبُ
فكلُّ حياً للجودِ أنتم سَحابُه / وكلُّ رحىً للحربِ أنتم لها قُطبُ
ولو أنه غيرُ الحمامِ صَببتُم / عليه سَحاباً قَطْرُهُ الطَّعنُ والضَّربُ
أرى أرضَكم أضحتْ سماءً بعزِّكم / فأنتم لها الأقمارُ والأنجمُ الشُّهبُ
تموتُ عِداكم قبلَ سَلِّ سيوفِكم / ويَفنيهِمُ من قبلِ حَربِكمُ الرُّعبُ
وكيفَ تنالُ الحربُ منكم وإنما / بأمركم تمضي العواملُ والضَّربُ
إذا أنتَ كاتبتَ العِدا مُثِّلت لها / ظُباكَ فنابت عن كتائِبك الكُتْبُ
دعانا الأميرُ التغلبيُّ إلى النَّدى / فنحن له شَرْبُ النَّدى وهو الشُّربُ
نصاحبُ أياماً له عَدَوِيَّةً / محاسنُ أيامِ الشبابِ لها صَحْبُ
هو الغيثُ نال الخافقَينِ نوالُه / إلى أن تساوَى عندَه البُعْدُ والقُرْبُ
يزورُ النَّدى زُوَّارَه متواتراً / عليهم وزُوّارُ الحَيا أبداً غِبُّ
أأعداءَه كفُّوا فإنَّ نصيبَكم / إذا رمتُمُ إدراكَ غايتِه النَّصْبُ
وهل يستوي عذْبُ المياهِ ومِلحُها / وهل يتكافا الخِصبُ في الأرضِ والجَدبُ
فإن عَجِزَ الأقوامُ أو بانَ نقصُهم / فليس لمن بانَتْ فضيلتُه ذَنبُ
رأيتُكَ طِبّاً للقريضِ ولم يكن / ليَنظِمَه إلا الخبيرُ به الطِّبُّ
ولا بدَّ أن أشكو إليك ظُلامةً / وغارةَ مِغوارٍ سجيَّتُه الغَضْبُ
تخيَّلَ شِعري أنه قَومُ صالحٍ / هلاكاً وأن الخالديَّ له السَّقْبُ
رعَى بين أعطانٍ له ومَسارحٍ / ولم تَرْعَ فيهنَّ العِشارُ ولا النُّجبُ
وكان رياضاً غضَّةً فتكدَّرَتْ / موارِدُها واصفرَّ في تُربها العُشبُ
يُسَاقُ إلى الهُجْنِ المَقَارِفِ حَلْيُهُ / وَتُسْلَبُهُ الغُرُّ المحجَّلةُ القُبُّ
غُصِبْتُ على ديباجِه وعُقودِه / فديباجُه غَصبٌ وجوهرُه نَهبُ
وأبكارُها شَتَّى أذيلَ مَصونُها / وريعَت عَذارها كما رُوِّع السِّربُ
يعرِّيكُمُ من عَصبِه وبُرودِه / عصائبَ شَتَّى لا يَليقُ بها الغَصبُ
فإن رِيعَ سِربي أو تُمرِّدَ دونَه / ولم يُنجِني منه الحمايةُ والذَّبُّ
فعندي هِناءٌ للعدوِّ يُهِينُه / إذا اختلفتْ منه خلائقُه الجُربُ
فكنتُ إذا ما قلتُ شِعْراً حدَت به / حُداةُ المطايا أو تغنَّت به الشَّربُ
أَجزَّارَ بابِ الشَّامِ كيفَ وجدْتَني
أَجزَّارَ بابِ الشَّامِ كيفَ وجدْتَني / وأنتَ جَزورٌ بين نابي ومِخْلَبي
أراكَ انتهبْتَ الشِّعرَ ثم خَبَأْتَهُ / عن الناسِ فِعلَ الخائفِ المُترقِّبِ
تباعدْتَ عن باقورةِ الشِّعرِ بالمُدى / إليه فلم تَحْرَجْ ولم تَتَحوَّبِ
ولمّا جرى الحُذَّاقُ في ضوءِ صُبْحِه / تَعَّثْرتَ منه في ضَبابِةِ غَيهَبِ
جريْتَ من الإيجازِ أقربَ مَسلَكٍ / ومن ذَهَبِ الألفاظِ أحسنَ مذهبِ
وتَزعَمُ أنَّ الشِّعرَ عندكَ أعرَبتْ / محاسنُه عن ناطقٍ منك مُعرِبِ
فما بالُ شعرِ الناسِ ملءَ عيونِنا / وشعرُك في الأشعارِ عنقاءُ مُغرِبِ
أرى هِمَّةً تختالُ بينَ الكواكبِ
أرى هِمَّةً تختالُ بينَ الكواكبِ / وطَوْداً من العلياء صعْبَ الجَوانبِ
ومَربِضَ آسادٍ ومَعدِنَ سُؤدُدٍ / ومَوئلَ مطلوبٍ وغايةَ طالبِ
عُلىً مَلَكَتْ لُبَّ الأميرِ وإنَّما / تَمَلَّكُ ألبابَ الكرامِ المَناجب
تَروحُ به بينَ الصَّوارمِ والقَنا / وتَغدو به بينَ اللُّهى والمَواهِبِ
فَتىً طالبيُّ الدِّينِ أصبحَ جُودُه / يُحَسِّنُ للطُلاَّبِ وجهَ المطالبِ
تَساهَمَ فيه العُربُ والعُجمُ فاحتوى / على المجدِ من أقيالِها والمرزابِ
وكَم ومَضَتْ أسيافُهُ بمشارقٍ / فراعَ العِدا إيماضُها بمَغاربِ
حُيِيتَ على رَغمِ الحسودِ بَجَنَّةٍ / حبَتْكَ بأنواعِ الثِّمارِ الأطايبِ
تَعَجَّلْتَ منها ما يُعَجَّلُ مثلُه / لكلِّ جَميلِ السَّعيِ عَفِّ المَذاهبِ
مَيادينُ رَيحانٍ كأنَّ نسيمَه / نَسيمُ الهَوى أيامَ وَصْلِ الحَبائبِ
كأنَّ سواقيه سلاسلُ فِضَّةٍ / إذا اطَّرَدَتْ بين الصَّبا والجَنائبِ
وروضٌ إذا ما راضَه الغيثُ أنشأتْ / حدائقُه وَشْياً كوَشْيِ السّبائبِ
وحاليةُ الأجيادِ من ثَمرَاتِها / مفُلَّكَةُ الأجسامِ خُضرُ الذَّوائبِ
خَرَقْنَ الثَّرى عن مائه الغمْرِ فارتَوتْ / أسافُلها من زاخرٍ غيرِ ناضبِ
إذا ما سَقْتَهُنَّ السَّحائبُ شُربةً / خلَطْنَ بماءِ البَحرِ ماءَ السَّحائبِ
تُقِلُّ شماريخَ الثِّمارِ كأنها / إذا طَلَعت حُمْراً أكفُّ الكَواعبِ
وجاعلةٌ دَرَّ السَّحابِ مُدامةً / إذا شَرِبَتْ دَرَّ السَّحاب الصوائبِ
لها كالئ يُذكي اللِّحاظَ خِلالَها / حَذاراً عليها من سِخاطِ النوائبِ
يرُدُّ إليها حيَّةَ الماءِ ما انكفَتْ / عن القصدِ أو صَدَّت صدودَ المُجانبِ
فقد لَبِسَت خُضْرَ الغَلائلِ وانثنَت / لها مُرجَحِنَّاتٌ بخُضْرِ الشَّواربِ
قُطوفٌ تساوى شِربُها وتبايَنت / تَبايُنَ مُسوَدِّ العِذارِ وشائبِ
فمن بَرَدٍ لم يَجلُ للشَّمسِ حاجباً / من الظلِّ إلا غازَلَتْه بحاجبِ
بدائعُ أضحَتْ في المذاقِ أقارباً / وإن كنَّ في الألوان غيرَ أقاربِ
ترى الماءَ شتَّى السُّبْلِ يَنسابُ بينَها / كما رِيعَتِ الحيّاتُ من كلِّ جانبِ
ومسترفِدٌ تيَّارَ دِجلةَ رافداً / سواحلَها من نازحٍ ومُقاربِ
يسيرُ وإن لم يبرَحِ الدهرَ خُطوةً / فليس بوقَّافٍ وليس بساربِ
مواصلُ إيجافٍ تكادُ تُجيبُه / إذا حنَّ ليلاً مُوجِفاتُ الرَّكائبِ
تَسيلُ خلالَ الرَّوْضِ من فَيْضِ دمعِه / قَواضبُ تُزري بالسيوفِ القَواضبِ
وممتنعٌ جِلْبابُه الغيمُ في الضُّحى / وحِلْيتُه في الليلِ زُهْرُ الكواكبِ
اضاءَ فلو أنَّ النجومَ تحيَّرتْ / ضَلالاً هَداها سُبْلَها في الغَياهبِ
له شَرَفاتٌ كالوذائلِ أشرَفَتْ / على نازحِ الأقطارِ نائي المناكِبِ
إذا لبِسَت وَرْسَ الأصيلِ حسِبْتَها / تُعَلُّ برَقراقٍ من التِّبرِ ذائبِ
مجاورُ بَرِّ ضاحكِ النَّوْرِ مُعْشبٍ / وبحرٍ طَموحِ المَوجِ عَذْبِ المشاربِ
إذا بَكَرَ القَنَّاصُ فيه وأعزَبَتْ / حبائلُه في صَيدِ تلك العوازِبِ
رأيْتَ بناتِ البحرِ مَوشِيَّةَ القَرَا / به وبناتِ البَرِّ بِيضَ التَّرائبِ
محاسنُ أرزاقٍ من النَّوْرِ والمَها / يُغِذُّ إليها طالبٌ غيرُ خائبِ
فَمِنْ سانحٍ بالخيرِ في إثْرِ سابحٍ / ومُختضِبِ الأطرافِ من دمِ خاضبِ
وآمنةٍ لا الوحشُ تَذْعَرُ سِربَها / ولا الطيرُ منها دامياتُ المخالبِ
هي الرَّوْضُ لم تَنْشَ الخَواملُ زَهْرَه / ولا اخضَلَّ عن دمعٍ من المُزْنِ ساكبِ
إذا انبعَثتْ بينَ الخمائلِ خِلْتَها / زرابيَّ كسرى بثَّها في الملاعبِ
وإن عُمْنَ في طامي المياهِ تَبسَّمَتْ / غرائِبُها ما بينَ تلك الغَرائبِ
ودُهْمٌ إذا ما الليلُ رَفَّعَ سِجْفَه / تكشَّفَ منها عن وجوهٍ شَواحبِ
وإن آنسَتْ شَخصاً من الإنسِ صَرْصَرَتْ / كما صَرصرَتْ في الطِّرسِ أقلامُ كاتبِ
جِبالٌ رسَتْ في لُجَّةٍ غيرَ أنها / تُحاذرُ أنفاسَ الرياحِ اللَّواعبِ
إذا عايَنتْ للماءِ وَفْداً رأيْتَها / تُودِّعُ نمه غائباً غيرَ آيبِ
يسيرُ إليها الرَّكبُ في لُجِّ زاخرٍ / وليسَ سوى أولادِها من مراكبِ
تَضُمُّ رجالاً أغربَ الشَّيبُ فيهِمُ / فمالَ على أَشْفَارِهِمْ والحواجبِ
فمن رَهَجٍ لا يُستثارُ بحافرٍ / لديهم وخيلٍ لا تَذِلُّ لراكبِ
عَجائبُ مُلْكٍ في فَنائلَ لم تَكُنْ / عجائبُ مُلْكٍ قبلَها بعجائب
هي الحرَمُ المحميُّ مِمَّن يرومُه / بكلِّ صَقيلِ المتْنِ عَضْبِ المَضاربِ
مواطنُ لم يَسحَبْ بها الغَيُّ ذيلَه / وَكَمْ للعوالي بينَها من مساحِبِ
أبا حَسَنٍ لا زالَ وُدُّكَ مَشرَبي / إذا بَعُدَت يوماً عليَّ مشاربي
نُهنِّيكَ بالبُرْءِ الذي قامَ فِعلُه / مقامَ الضُّحى والحِنْدِسِ المتراكبِ
أعادَ رياضَ الحمْدِ مُونَقَةَ الرُّبا / ورَدَّ رياحَ الجُودِ ريَّا المَشاربِ
فَصَدَّقَ مِنْ ظَنِّ الصديقِ وأكذَبتْ / مواقعُه ظَنَّ العدوِّ المُحاربِ
إذا كنتَ من صَرْفِ الحوادثِ مُعْتِبي / فلسْتُ عليها ما حَيِيتُ بعاتبِ
إليكَ القوافي الغُرَّ لا نَظْمَ سارقٍ / ولا فِكْرَ مَأْفُونٍ ولا لفْظَ حاطبِ
كتائبَ حَمْدٍ لو رَمَيْتَ بها العِدا / غَداةَ الوَغى قامتْ مَقامَ الكتائبِ
على غَيرِ عَتْبٍ ما طَوَيْتُ عِتابَها
على غَيرِ عَتْبٍ ما طَوَيْتُ عِتابَها / وآثرْتُ من بعدِ الوِصالِ احتسابَها
وقَفْنا فظلَّ الشوقُ يَسألُ دارَها / وتُجعَلُ أسرابُ الدموعِ جوابَها
فلا بَرِحَتْ ريحُ الجَنوبِ حَفِيَّةً / تَخُصُّ بألطافِ السحابِ جَنابَها
لوامعُ بَرْقٍ لا تَمَسُّ أراكَها / وأنفاسُ ريحٍ لا تروعُ تُرابَها
ومَجدولَةٍ جَدْلَ العِنانِ منحتُها / عِناني فأضحَتْ رِحلةُ الهجرِ دابَها
إذا برزَتْ كان العَفافُ حِجابَها / وإن سفرَتْ كانَ الحياءُ نِقابَها
ومِن دونِها نَيْلُ الغَمامِ إذا سرَتْ / نُجومُ القَنا الخَطّيِّ تُزْجي قِبابَها
حَمتْنا اللّيالي بعدَ ساكنةِ الحِمى / مشارِبَ يهوى كلُّ طامٍ شَرابَها
ألاحظُها لَحْظَ الطّريدِ مَحلَّه / وأذكُرُها ذِكْرَ البَغيِّ شبابَها
وأَنشُدُها والقُربُ بيني وبينَها / ولو آبَ حِلمي ما رجوْتُ إيابَها
تخيَّرتُ أفوافَ المديحِ فلم أُنِخْ / ببابِ بني العبّاسِ إلا لُبابَها
قَوافٍ لو أنَّ الأخيليَّةَ عايَنَتْ / محاسنَها زانَتْ بهنّ سِخابَها
أغرُّ يداه مُزْنةٌ مُستَهَّلةٌ / إذا شامَ راجٍ بالشآمِ سَحابَها
ولو لم يُثْبِها الهاشميُّ لأَصبَحَتْ / مآثرُهُ اللاتي حَوَيْنَ ثَوابَها
يَعُدُّ الجِبالَ من قريشٍ أُبوَّةً / إذا عَدَّ ذو فَخْرٍ سِواها هِضابَها
إذا انتَسَبَتْ بينَ الخلائقِ ألحقَتْ / أواصرَها بالمُصطفى وانتسابَها
وإن حَمَلَتْ سُمْرَ الرِّماحِ لمَشهَدٍ / رأيْتَ أُسُودَ الغابِ تَحمِلُ غابَها
وسالَت بهم تِلكَ البِطاحُ كأنما / أسالوا عليها بالحديدِ سَرابَها
بهِمْ عَرَفَتْ زُرْقُ الأَسِنَّةِ رَيَّها / كما عَرَفَتْ بِيضُ السيوفِ خِضابَها
أَبا أحمدٍ أصبَحْتَ شَمْسَ مَكارمٍ / تُضيء ومِصباحَ العُلى وشِهابَها
أبوك الذي سقَّى الحَجِيجَ ولم يَزَلْ / بمكَّةَ يَروي رَكْبَها ورِكابَها
ولما أقامَ المَحْلُ بينَ بيوتهِم / دعا اللهَ فيه دعوةً فأجابَها
ولم يَثْنِ طَرْفَ العينِ حتى تَهلَّلَتْ / مَدامعُ مُزْنٍ لا تَمَلُّ انسكابَها
فأعتبت الأرض السماء بجاهه / غداة تولى عن قريشٍ عتابَها
بني هاشمٍ أعطاكمُ الحقُّ رُنبةً / يُقَصِّرُ عنها مَنْ يُريدُ اغتصابَها
فأشرقَ منها في القلوبِ ضياؤكم / فأذهبَ عن تلك النُّفوسِ ارتيابَها
منعتُم بني مَروانَ حَوْزَتَها بكم / وحُزتُم على رَغمِ الأُنوفِ نِهابَها
وآثرتُمُ فَكَّ العُناةِ وإنما / يُملِّكُكُم عِتْقُ الرِّقابِ رِقابَها
ومن يَنْأَ عن إرْثِ النُّبوةِ والهُدى / فأنتُم وَرِثُتم هَدْيَها وكِتابَها
وهل يتحلَّى بالخِلافَةِ غيرُكم / وأنتم سلَبْتُم عبدَ شمسٍ ثيابَها
تَجنَّبَني حُسْنُ المُدامِ وطيبُها
تَجنَّبَني حُسْنُ المُدامِ وطيبُها / فقد ظَمِئَتْ نفسي وطال شُحوبُها
وعندي ظُروفٌ لو تَظَرَّفَ دَهرُها / لَمَا باتَ مُغْرىً بالكآبةِ كُوبُها
وشُعْثُ دِنانٍ خاوياتٍ كأنَّها / صُدورُ رجالٍ فارقَتْها قلوبُها
فسُقياكَ لا سُقْيا السَّحابِ فإنَّها / هيَ العِلَّةُ القُصوى وأنتَ طبيبُها
يُحيِّي اشتياقاً بعضُنا بك بعضَنا
يُحيِّي اشتياقاً بعضُنا بك بعضَنا / إذا قَبَّلَ الكاسَ الرَّويَّةَ شاربُ
وعندي لك الرَّيحانُ زِينَ بَساطُه / بِزَهْرٍ كما زانَتْ سماءً كواكبُ
وذيْلٌ كما انجرَّتْ ذُيولُ غَلائلٍ / مُصَنْدَلَةٍ تختالُ فيها الكواعبُ
سقاه دموعَ الوَردِ ساقٍ أسالَه / وشابَ له الكافورَ بالمِسكِ شائبُ
وقد أُطلِقَت فيه الشمائلُ وانثنَتْ / مقيّدةً في جانَبِيْهِ الجَنائبُ
وحافظةٌ ماءَ الحياةِ لِفتيةٍ / حياتُهمُ أن تُسْتَلَذَّ المَشارِبُ
يسربُلها أجفى اللِّباسِ وإنما / يَليقُ بها أفوافُه والسَّبائبُ
على جَسَدٍ مثلِ الزَّبَرْجَدِ لم يَزَلْ / يُشاكِلُه في لَونِهِ ويٌناسِبُ
إذا اسُتودِعَتْ حُرَّ اللُّجَينِ سبائكاً / يُصوَّبُ من أجسامِها وهو ذائبُ
تصابى فأضحى بعد سلوتِه صبَّاً
تصابى فأضحى بعد سلوتِه صبَّاً / وعاودَ عمروٌ طوْقَه بعدَ ما شَبَّا
ومرَّ به رَطْبُ البَنانِ كأنه / يُميِّلُ من أعطافِه غُصُناً رَطْبا
نَشْرتُ له صَدْرَ العِتابِ فقال لي / ظَفِرْتَ بنا فاطوِ العِتابَ لك العُتبى
ولا وصْلَ إلا أن تَبيتَ أكُفُّنا / ركائبَ تُزْجي من مُدامتِنا رَكْبا
فجدِّدْ بها عهدَ التَّواصُلِ بينَنا / وداوِ بها شَوقاً ونَفِّسْ بها كَرْبا
وكنْ يا ابْنَ فَهْدٍ في الفُتوَّةِ عاذري / فما زِلتَ خِدْناً للفُتوَّةِ أو تِربَا
ولا تَجعَلِ الذَّنْبَ العظيمَ خيانةً / فليسَ مليحُ الذَّنبِ مُقترِفاً ذَنْبا
فِداؤُكَ من أوردْتَه منهلَ الرَّدى
فِداؤُكَ من أوردْتَه منهلَ الرَّدى / ووِرْدُ الرَّدى للعاشقين يَطيبُ
وما ماتَ حتى أنْحَلَ الحبُّ جِسمَه / فلم يبقَ فيه للتُّرابِ نَصيبُ
وروضةُ آذَرْيونَ قد زُرَّ وسْطَها
وروضةُ آذَرْيونَ قد زُرَّ وسْطَها / نَوافجُ مِسْكٍ هيَّجَت قلبَ مُهتاجِ
تراها عيوناً بالنهارِ روانياً / وعند غروب الشمس أزرارَ ديباجِ
سأحتجُّ للمِلحيِّ أَقْوَمَ حُجَّةٍ
سأحتجُّ للمِلحيِّ أَقْوَمَ حُجَّةٍ / وإن كانَ شِعْري من ظُباهُ جَريحا
يقولونَ قُفْصيٌّ عَسا بَظرُ أمِّهِ / وسالَمَه المُوسى فراحَ صَحيحا
وما ضَرَّه أن صافحَ البَظْرْ وَجْهَهُ / إذا كان مختونَ اللسانِ فَصيحا
أعادَ الحَيا سُكْرَ النَّباتِ وقد صَحا
أعادَ الحَيا سُكْرَ النَّباتِ وقد صَحا / وجدَّدَ من عهدِ الربيعِ الذي انمحى
وباتَ زِنادُ البرقِ يَقدَحُ نارَه / على الآسِ حتى اهتزَّ فيه وقدَّحا
كأنَّ حَمامَ الرَّوضِ نَشْوَانُ كلما / ترنَّمَ في أغصانِه أو تَرَجَّحا
ولاذَ نسيمُ الرَّوْضِ من طولِ سَيرِه / حسيراً بأطرافِ الغصونِ مُطلَّحا
فباشرَ وَرْدَ الأُقحوانِ مُشرَّفاً / وصافحَ وردَ الباقِلاَءِ مجنَّحا
وحلَّلَ من أزرارِهِ النَّوْرَ فاغتدَى / كلفظِ جَليبٍ همَّ أن يتفصَّحا
وشَقَّ على لونِ الخدودِ شَقائقاً / رأَته عيونُ السِّربِ أبهى وأصلَحا
أراكَ نصالَ النَّبلِ قبلَ اتِّضاحِه / وحلَّ خَراجُ النبلِ حينَ تفتَّحا
فتوحُك رَدَّتْ بَهجةَ المُلكِ سَرمَدَا
فتوحُك رَدَّتْ بَهجةَ المُلكِ سَرمَدَا / وأنتَ حُسامُ اللهِ فَلَّ بِكَ العِدا
يُحدِّثُ عنكَ المَشرَفيُّ مجرَّداً / ويُثني عليك السَّمهريُّ مُسَدَّدا
أعادَ وأبدى الفتحُ منك مُعوَّداً / قِراعَ العِدا جارٍ على ما تعوَّدا
ومُمطرُ أرضِ الرُّومِ من دَمِ أهلِها / سَحاباً إذا رَوَّى الثَّرى منه أحمدَا
تخالفَ فعلُ الغَيثِ منه فكلَّما / بَدا العُودُ مُخْضرّاً ثناه مُورَدَّا
سَرى مُخلِقاً في اللهِ دِيباجَ وجهِه / فذبَّ عن الإسلامِ حتى تجدَّدا
يُفلِّقُ بالضَّربِ التَّريكَ وما حَوى / ويَخرُقُ بالطَّعْنِِ الدَّلاصَ المُسرَّدا
فيا لكَ من يومٍ أحرَّ عليهِمُ / وأندَى على الدِّينِ الحنيفِ وأبرَدا
وربَّ مُحلًّى بالكواكبِ شاخصٍ / شخَصْتَ إليه فانمحى وتأبَّدا
فأعطاك ما تَهوى وقَلَّدَ أمرَه / نجومَ قَنَاً أضحى بهنَّ مُقلَّدا
مثَلْتَ له في مِثلِ أركانِ طَوْدِهِ / وأسطَرْتَ فيه الجَلْمَدَ الصَّلْدَ جَلمَدا
وَصَدْرٍ وراءَ السَّابريِّ خَرَقْتَه / فكان ثِقافَ الرُّمحِ لمَّا تأوَّدا
وأبيضَ رَقراقِ السَّوابغِ أرهجَتْ / سَنابِكُه حتى ثَنا الجوَّ أَربدا
تَتابعَ يَهفُو فوقَه كلُّ طائرٍ / إذا صافَحَتْه راحةُ الرَّاحِ غرَّدا
وأشرقَ في رَأْدِ الضُّحى فكأنما / تُلاعِبُ منه الشَّمسُ صَرْحاً ممرَّدا
يَزُفُّ نجوماً ليسَ يمنعُ ضوءَها / تكاثُفُ ليلِ النَّقْعِ أن يتوقَّدا
إذا ما رأتْهُنَّ البَطارقُ أنحُساً / رآهنَّ مُجْتاحُ البطارقِ أسعُدا
صَدَعْتَ ببرقِ البِيضِ صَدرَ عَجاجَةٍ / وقد أبرقَ المِقدارُ فيه وأرعَدا
وأُبتَ وقد أشرَبْتَ ساحتَه دماً / كأنك أشرقْتَ الأسِنَّةَ عَسْجَدا
لقد لَبِسَ الإسلامُ شَرقاً ومغرِباً / بسيفِ ابنِ عبدِ اللهِ ظِلاًّ مُمدَّدا
ثَنى الخَيلَ عن ماءِ الفُراتِ صَوادراً / فكان لها وِردُ الخَليجَيْنِ مَوْرِدا
يَطيرُ على أرباضِ خَرْشنةٍ بها / لوافحُ يَهتِكْنَ المُنيفَ المشيَّدا
حَريقاً يُغَشِّي الجُدْرَ حتَّى كأنما / لبِسْنَ حَبيرَ الوَشْيِ مَثْنىً ومَوحِدا
إذا الغَرَضُ المنصوبُ باتَ مُعَصفراً / بطائرِ سهمٍ منه أصبحَ أسوَدا
فباتَ على البُرجِ المُطِلِّ كأنَّما / يُلاحِظُ منه فَرْقداً ثمَّ فرقدا
وبثَّ السَّرايا حولها فتفرَّقَتْ / كما بثَّتِ الرِّيحُ الحَيا فتبدَّدا
فباتَ مُغِذَاً في السِّلاحِ ومُوجِفاً / مُغِيراً عليهم في البلادِ ومُنجِدا
يؤانِسُ منهم كلَّ ليثِ حَفيظَةٍ / على الطِّرفِ وحشيَّ الشَّمائلِ أغيَدا
كأنَّ رماحَ الخَطِّ حولَ بيوتِهِم / على صَهَواتِ الخيلِ دُرّاً مُبَدَّدا
عَرَضْتَ على الِبيضِ الرِّقاقِ أُسُودَهم / وسُقْتَ المَها حُوّاً إليها وسُهَّدا
وقوَّمْتَ منهم جانباً لظُهورِهم / وأشرَفْتَهم بالمشرفيَّةِ مُنشِدا
وأوردْتَ حَدَّ السَّيفِ قِمَّةَ لاوُنٍ / لتمزُجَ فيه سُورةَ البأسِ بالنَّدى
أتاكَ يَهُزُّ الرَّوعُ أعضاءَ جِسمهِ / كما هزَّ بالأمسِ الحُسامَ المُهنَّدا
يَغُضُّ لدَيكَ الرُّعْبُ أجفانَ عَيْنِه / فإنْ هَمَّ أن يستغرِقَ اللَّحْظَ أرعدَا
وربَّ حديدِ اللَّفظِ واللَّحظِ منهمُ / مثَلْتَ له فارتدَّ أخرسَ أرمَدا
ذَعَرْتَهُمُ غَزواً دِراكاً فأصبحوا / على البُعْدِ خَفَّاقَ الحشا ومُسهَّدا
يَظُنُّونَ غَربيَّ السحابِ كتيبةً / تُشَرِّقُ والبرقَ الشآميَّ مِطْرَدا
إذا الدولةُ الغَرَّاءُ سمَّتْكَ سيفَها / لتُبْهَجَ سمَّاكَ الهُدى ناصرَ الهُدى
ليَهْنِكَ أنَّ الرومَ ذَلَّ عزيزُها / فصارتْ مواليها بِعزِّكَ أعبُدا
إذا قيلَ سيفُ الدولةِ اهتزَّ عرشُها / وخَرَّتْ رُكوعاً عندَ ذاكَ وسُجَّدا
بِوُدِّيَ لو مُلِّكْتُ ثَنْيَ قِيادي
بِوُدِّيَ لو مُلِّكْتُ ثَنْيَ قِيادي / فأعتاضَ عن غَيِّ الهَوى برَشادِ
تمادَتْ دموعي يومَ جدَّت بك النَّوى / وللَّومِ في أعقابِهنَّ تَمَادي
أُقيمُ وحظِّي الهجرُ عندَ إقامتي / وأرحَلُ والشوقُ المبرِّحُ زادي
إذا ماحداه البَرقُ يرتاحُ صَبوةً / إلى رائحٍ من ذي الأراكِ وَغَادي
وإنْ لم يكن عهدُ الشبابِ براجعٍ / لَدَيْهِ ولا عصرُ الصِّبا بمُعادِ
وأخرى تَحامى خُلَّتي عندَ خَلَّتي / فسِيّانِ قُربي عندَها وبُعادي
وتَعجَبُ من ضَنِّ القريضِ وخُبْره / على وَشَلٍ لا رَيَّ فيه لصادي
فما تَعبي إلا لتجديدِ راحةٍ / ولا سَهَري إلا لطولِ رُقادي
كِلِيني إلى المَهرِيَّةِ القُودِ إنها / ستأخُذُ من أيدي الخُطوبِ قيادي
وكلُّ فتىً أجدَى عليَّ فصاحبي / وكلُّ بلادٍ أخصَبَتْ فبِلادي
وأُقسِمُ بالغُمْضِ الذي جادَ مَوْهِناً / تحيَّةَ مشتاقٍ ورنَّةَ حَادي
لَفَقْدُ النَّدى الرِّبعيِّ أوجَدَني الأَسى / وأفقَدَني عَيشي ولينَ مِهادي
ووسَّدَني أيدي الرِّكابِ وطالما / أقضَّ لديها مَضجَعي ووِسادي
إذا أنا حاولتُ الأميرَ فإنما / أحاولُ منه جَنَّتي وعِتادي
حللْتُ بنادي الشأمِ لَمَّا أعادَه / عليُّ بنُ عبدِ الله أكرمَ نَادي
أغرُّ إذا امتدَّتْ يدُ الدَّهْر كفَّها / بِبيضِ صِفاحٍ أو بِبيضِ أيادي
يروعُ النَّدى أموالَه بنَفادِها / وما رِيعَ مَجدٌ عنده بنَفادِ
إذا امتزجَ المعروفُ بالبِشْر عندَه / غدا الحمدُ ممزوجاً له بوَدادِ
رمى كلَّ مُنآدِ القناةِ من العِدا / بِخَطْبٍ تَحاماهُ الخُطوبُ نآدِ
بجُردٍ تُثيرُ النَّقعَ حتى كأنَّما / تُمزِّقُ منه البِيضُ ثَوبَ حِدادِ
وبِيضٍ إذا اهتزَّتْ ترقرَقَ ماؤُّها / وهُنَّ إلى ماءِ النُّفوسِ صَوَادي
وكلِّ رُدَينيٍّ أصمَّ كأنَّما / تُروِّعُ منه الرَّوعَ حيةُ وَادِي
تَحُفُّ بجَذلانِ العَشيِّ كأنه / لَدَى طَرَدٍ ما راحَ نُصبَ طِرادِ
وأَغلبَ رَحْبِ الباعِ يُنجِدُه الرَّدَى / إذا ما ارتدى في مأزَقٍ بنِجاد
يبيتُ وحَدُّ السيفِ حلُّ مبيتِه / لديه وجَفنُ العَينِ حِلُّ سُهادِ
يُصَعِّدُ أنفاسَ العدوِّ إذا ثَنى / إليه المَنايا في ظُبىً وصِعادِ
أمامَ خميسٍ يَحجُبُ الأفْقَ بالقَنا / ويملأُ أقطارَ الثَّرى بجِيادِ
فمَنْ عادَ بالكَيدِ الخفيِّ فإنَّه / يعودُ بيأسٍ في الكريهةِ بَادِي
سأُعْلِمُ نَفسي بالسَّماحةِ عالماً / بأنَّ بلادَ التَّغلبِيِّ بِلادي
فدونَكها تختالُ في كلِّ مَسمَعٍ / وتخطُرُ في مكنونِ كلِّ فؤادِ
حَبَتْكَ برَيحانِ الكلامِ وإنما / تَجودُ بريَّاهُ لكلِّ جَوادِ
بأطيبَ من طِيبِ الرُّقادِ لساهرٍ / وأعذبَ من رِيقِ الحبيبِ لصَادي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025