المجموع : 25
أَغَمْزُ عُيُونٍ وَانكسارُ حَوَاجِبِ
أَغَمْزُ عُيُونٍ وَانكسارُ حَوَاجِبِ / أمِ البرقُ في جُنْحٍ من الليل دَائبِ
سرى وسرى طيفُ الخيالِ كلاهما / يَوَدُّ لو أنَّ الليلَ ضَرْبَةُ لازب
وفي مضجعي أَخْفَى على العينِ منهما / وأَثْقَبُ في أَجوازِ تلكَ الغياهب
لقىً غيرَ نفسٍ حُرَّةٍ نازعت به / نجومَ الدُّجى ما بين سارٍ وسارب
معودةٍ ألاَّ تطبِّقَ روعةٌ / بها مذهباً والموت شتى المذاهب
إليكَ ابنَ حمدينٍ وإنْ بَعُدَ المَدَى / وإن غَرَّبَت بي عَنْكَ إحدى المغارب
صبابةَ ودٍّ لم يكدِّر جِمَامَهُ / مُرُورُ الليالي وازدحامُ الشَّوائِبِ
وذكرى عَسَاها أن تكونَ مَهَزَّةً / تردُّ على أَعقابِهِ كُلَّ شاغب
بآيةِ ما كان الهوى مُتَقَارباً / وخَطَوْيَ فيه ليسَ بالمتقارب
أُمُخْلِفَةٌ تلك الوسائلُ بعدما / شَدَدنا قُوَاها بالنُّجومِ الثَّواقب
وكم غَدْوَةٍ لي في رِضَاكَ ورَوَحَةٍ / على مَنْهَجٍ من سُنَّةِ البِرِّ لازب
لياليَ لم تمشِ الأخابيث بيننا / بما كادَ يستهوي حُلُومَ الأطايب
ولم يُرِجفُوا في / بصمانة يَنْمُوَنَها وأشائب
وأيامَ لم يَجْنِ الدَّلالُ على الهوى / هناتٍ جَنَت عُتْبى على غير عاتب
أفالآن لما كنتُ أحكمَ قاصدٍ / وَسَرَّك أني جئتُ أصْدَقَ تائب
ولم يبقَ إلا نزغة ترتقي بها / شياطينُ تَخْشَى القَذفَ من كلِّ جانب
أَضعتَ حُقُوقي أو حقوقَ مودتي / فدونكها أعجوبةً في الأعاجب
وَفَجَّعْتَ بي حيّاً نوادبَ كلمَّا / تذكرنني أسْعَدنَ غيرَ نوادب
وقال العدا ليلُ الخمولِ أَجَنَّهُ / على رِسْلِهِم إنِّي عِيَاضُ بنُ ناشب
فلا تتباهى بي صدورُ مَجَالسٍ / أَسُرُّكَ فيها أو صدورُ مواكب
وَأصبحتُ لا يَرتَاعُ من خَوفِ سَطْوَتي / عَدوُيِّ ولا يرجو غَنَائيَ صاحبي
ولا يتلقَّاني العُفَاةُ كأنما / أَهَلُّوا بمنلٍ من الغَيْث ساكِب
ولا أَمتري أخلافَ كلِّ مُرِنَّة / بأيدي صَبَا من عزمتي وَجَنَائب
أُعاتِبُ إدلالاً وأعْتِبُ طاعةً / وحسْبُكَ بي من مُعتْب وَمُعَاتب
أبوءُ بذنبي ليس شعري بمقتضٍ / عُلاكَ ولو فَقَيْتُهُ بالكواكب
ولكنَّهُ ما أَستطيعُ وَعُوذَةٌ / لِفَضْلِكَ إلا نَمْحُ ذنبي تُقارب
ويجحدُكَ الحسَّادُ أَنّك سُدْتَهُمْ / على شاهدٍ مما انتحيت وغائب
وقد وقفوا دون الذي عزَّ شأوه / بأنفسهم أو بالظنون الكواذب
غضاباً على مَنْ ناكرَ الدهرَ بينهم / وقد عَرَفوه بينَ راضٍ وغاضب
سراعاً إلى الدنيا وحيثُ بدا لهم / ولو أنَّه بينَ الظبا والضرائب
إذا المرءُ لم يَكْسِب سوى المالِ وحده / فألأمُ مَكْسُوبٍ لألأمِ كاسب
عجبتُ لمن لم يَقْدُرِ التربَ قَدْرَهُ / وقد تاهَ في نَقْدِ النجومِ الثواقب
ومن لم يوطِّن للنوائبِ نَفْسَهُ / وقد لجَّ في تعريضها للنوائب
أعِد نظراً فيهم وفي حرماتهم / وإن لم يُعيدوا نظرةً في العواقب
وكُن بهمُ أَدنى إلى الرشد منهمُ / تكْن هذه إحدى عُلاك العجائب
لعلهمُ والدهرُ شتَّى صُرُوفُهُ / وَمَجْدُكَ أولى بارتقاءِ المراتب
قد انصرفت تلك الهمومُ لواغباً / إلى المقصدِ الأدنى وغيرَ لواغب
وثابت حلومٌ ربمَّا زال يَذْبُلٌ / وزالَ سُهَيْلٌ وهي غير ثوائب
وَأَيقَنَ قومٌ أنها هيَ ترتمي / بهم بين مجنوب إليك وجانب
وألقَوا بأيدٍ صاغرينَ وأخْلَصُوا / ضمائرَ مكذوبِ المُنَى والتجارب
وأهونُ مغلوبٍ على أمرِ نفسِهِ / من النَّاسِ مَنْ لا يَتَّقي بأسَ غالب
إليك ابنَ حمدينٍ نصيحةَ مُشْفِقٍ / تَنَحَّلَها أثناءَ تلك النوائب
برغمي ورغمِ المكرمات تَقَضَّبَتْ / حِبَالٌ بأيدي الحادثاتِ القواضب
ورغمِ رجالٍ علَّمَتْهُمْ ذنوبُهُمْ / حِذَارَ الأعادي واحتقارَ المصائب
قَضَوْا نحبهم إلا أسىً غَيْرَ نافعٍ / على ذاهبٍ من أمءرِهِمْ غيرِ ذاهب
يلوذون منه بالخضوع مُرَدَّداً / إذا عزَّهم فيضُ الدموع السواكب
فإن تَنْتَصِف منهمْ فأَعْذَرُ آخذٍ / وإن تتداركْهُمْ فأَكرمُ صاحب
عِتابٌ على الدُّنيا وَقَلَّ عِتابُ
عِتابٌ على الدُّنيا وَقَلَّ عِتابُ / رضينا بما تَرْضى ونحنُ غِضابُ
وقالتْ وأصغينا إلى زُورِ قولها / وقد يَسْتَفِزُّ القولُ وهو كذابُ
وَغَطَّتْ على أبصارِنا وقلوبِنَا / فطالَ عليها الحَوْمُ وهي سَراب
ودانت لها أفواهُنَا وعقُولنَا / وهل عِنْدَهَا إلا الفناءُ ثواب
وتلك لعمرُ ا أما ركوبُهَا / فَهُلْكٌ وأما ُحكْمُهَا فَغِلاب
نلذُّ ونلهو والأعزَّةُ حولها / رُفَاتٌ ونبني والديارُ خراب
وَتخْدَعُنَا عما يُرَادُ بنا منىً / لبحرِ المنايا دونهنَّ عُبَاب
ونغتنمُ الأيامَ وهيَ مصائبٌ / لهنَّ علينا جيئةٌ وَذَهاب
بكتْ هندُ من ضِحْكِ المشيب بمفرقي / أَمَا عَلِمَت أنَّ الشبابَ خِضَاب
وقالت غُبَارٌ ما أَرى وتجاهلت / وليس على وَجْهِ النّهارِ نِقَاب
هل الشيبُ إلا الرُّشْدُ جلَّى غوايتي / فأصبحتُ لا يَخْفَى عليّ صواب
وَأَصْبَحَ شيطاني يَعَضُّ بنانَهُ / وقد لاحَ دوني للقَتيرِ شِهَاب
أأعفو لِصَرفِ الدَّهْرِ عن هَفَوَاتِهِ / على حينَ لا يأتي عليَّ عِقَاب
وأتركُهُ يَمْضي على غُلَوَائِهِ / وقد قَلَّ إعتابٌ وطال عتاب
برئتُ من العلياءِ إن لم أردَّهُ / ولي ظُفُرٌ قد عَاثَ فيه وناب
وإن لم أنَهْنِه من شَبَاهُ بِعَزَمَةٍ / تَذِلُّ لها الأِشياءُ وهي صعاب
وقائلةٍ ما بالُ حمصٍ نَبَت به / وَرُبَّ سؤالٍ ليس عنه جواب
نبت بي فكنتُ العُرفَ في غيرِ أهلْه / يعودُ على أهليه وهو تَبَاب
فبالله ما استوطَنْتُها قانعاً بها / ولكنَّني سيفٌ حواهُ قِراب
أيُغْضِبُ حُسَّادي قيامي إلى العُلا / وقد قعَدوا لما ظفرتُ وخابوا
وَأروَعَ لا ينأى على عَزَمَاتِهِ / مَرَامٌ ولا يُخْفِي سَنَاهُ حِجَاب
من الحضرميّين الأُولى أحْرَزوُا العلا / بَنَوا فأطالوا أو رَمْوا فأصابوا
من المانعينَ الدهرَ حوزةَ جارِهِمْ / وأشلاؤهُ بين الخُطُوبِ نهضاب
همُ عَرَضُوا دون المعالي فأصْبَحَت / مطالبَ لا يدنو لَهُنَّ طِلاَب
وهم جَنَحوا بالمعتفين إلى ندىً / هو القَطْرُ لا يأتي عليه حساب
سجايا على مرِّ الليالي كأنَّما / هي المُزْنُ فيه رحمةٌ وعذاب
مواردَ فيها سَمُّ كلِّ مُعَاندٍ / ولكنها للمُسْتَقِيدِ عذاب
تُخَوِّفُني صَرفَ الزمانِ وقد حَدَث / برحلي إلى ابنِ الحَضْرَمِيِّ ركاب
إذا الله سنَّى لي لقاءَ محمدٍ / تفتَّحَ دوني للسماحةِ باب
فتىً لم تُسَافِر عنه آمالُ آملٍ / وكان لها إلاَّ إليه إياب
ولا ظَمِىءَ العلمُ المُضَيَّعُ أهْلُهُ / فساغ له إلا لديه شراب
لهُ هِمَمٌ في البأسِ والجودِ والندى / لها فوق أثْباجِ النجوم قباب
وَأقْسِمُ لولا ما لَهُ من مآثرٍ / لأصبح رَبْعث المجدِ وهو يَبَابُ
مآثرُ هنَّ المجدُ لا كسبُ درهمٍ / وهنَّ المعالي لا حُلَىً وثياب
يغيظُ العدا منه أغرُّ حُلاحِلٌ / أشمُّ طُوَالُ الساعدين لُبَاب
ولا عَيْبَ فيه لامرىءٍ غير أنَّه / تُعَابُ له الدنيا وليس يُعَابُ
هو الأسَدُ الوَرْدُ الذي سار ذِكْرُهُ / وليسَ له إلا البَسَالَةُ غاب
تَبَوَّأ من دارِ الخلافةِ مَقْعَداً / له فيه عَنْ حُكْمِ القضاءِ مَئاب
تباهَتْ به منذُ استقلَّ بأمرها / كما تتهادى لِلْجلاءِ كَعَابِ
سَلِ الدينَ والدنيا هل ابتهجا به / كما انجابَ عن ضوءِ النهار ضبابُ
نَضَاهُ أميرُ المؤمنين مُهنّداً / له الحِلْمُ مَتْنٌ والمضاءُ ذُبَاب
له المَثَلُ الأعلى مَعاداً ومبدءاً / وللحاسدِ العاوي حصىً وتراب
ألانتْ لك الأشياءَ وهي صليبةٌ / عزائمُ في ذات الإله صِلاب
إليك أبيَّاتاً من الشِّعْرِ قُلْتُهَا / بُودِّيَ لَوْ أنيِّ لهنَّ كتاب
فإن تَتَقَبَّلْهَا وتلك مطيتي / فيا مَنْ رأى خطباً ثناه خطاب
وهل أنا إلا الروضُ حيَّاكَ عَرْفُهُ / وقد بَاكَرَتْهُ من نَدَاكَ سَحَاب
ومن يُثْنِ بالصُّنْعِ الجميلِ فإنَّه / شَكُورٌ ولا مثلَ المزيَدِ ثواب
وهل أنا إلا عبدُ أنْعُمِكَ التي / هي الأريُ إذ كلُّ المواردِ صَاب
وما شهدَ المجدُ الذي أنت سرُّه / فإنك بحرٌ والكرامُ سَرَاب
وها أنا يا رِضْوَانُ باسمك هاتفٌ / فهل لي إلى دار المُقَامَةِ باب
وهل يُدْرِكُ الحسَّادُ غَورَكَ في العُلا / وإن طالَ مَكْرٌ منهمُ وخِلاَب
إذا نافسُوكَ المجدَ كنتَ غضنفراً / إذا زار لم تَثْبُت عليه ذِئاب
وما احمرَّ إلا من صِيالِكَ مَعْرَكٌ / ولا اخْضَرَّ إلا من نَداكَ جَنَاب
إليكَ أبا عَبْدِ الإلهِ على النَّوى
إليكَ أبا عَبْدِ الإلهِ على النَّوى / مُطَالَعةً كادت تَنوبُ عن القرب
وطيبَ سَلامٍ ودَّتِ الرَّوْضُ أنَّهُ / شَذاها بما فيها من الماءِ والعشبِ
بعثت به طيفَ الخيالِ ولم يكن / لِيَسْلُكَ بين الهُضْبِ والموجُ كالهضب
وَهَبْهُ مضى قِدْماً ولم يَثْنِ عَزْمَهُ / غواربُ خُضْرٌ تُتَّقَى بِذُرى شهبِ
وبيدٌ كأيامِ الصدودِ ترى الضحى / بها شاحباً لا من شكاةٍ ولا حُبِّ
فأنَّى له ليلٌ يفي طولَ عمره / بمطلبه السامي وَمَركَبهِ الصّعْب
وَهبْهُ دنا حتَّى رآكَ وأفْرَجتْ / له عَنْكَ أيَّامُ النَّوى ودُجى الخطب
فَكيفَ يُؤدي ما تحمَّلهُ بلا / لسانٍ ويَحْوي ما تَقُولُ بلا لبِّ
أمَولايَ دَعْوى لم أزلْ مذْ نويتها / أُخاصِمُ فيها أسْعُدَ الأنجمِ الشهب
لعلَّك قد أشجتْكَ أُخْرى شكايةٍ / قضيتُ بأولاها نحيبيَ أوْ نَحْبِي
رفعتُ بها صوتاً إذا شئتُ أحرقت / بلا بِلُهُ ما انهلَّ من دمعيَ السكب
وبين أمير المؤمنين وبينه / مُضَايَقَةُ الحُجَّاب أو هَيْبَةُ الحجب
وأنت قديماً كنتَ أوَّلَ رائشٍ / لِذِكْرِيَ حتَّى طار في الشرق والغرب
ومن لي بأخرى مِثْلِها أنتحي بها / صُرُوْفَ الليالي وهي آمنةُ السرب
لعلِّيَ أنْ أسْطُو على الدَّهْرِ سَطْوَةً / بِمُنْصَلِتٍ مما يُحِلُّ وما يَسْبي
يمينُكَ أوْرَى إنْ قدحتَ من الزّنْدِ
يمينُكَ أوْرَى إنْ قدحتَ من الزّنْدِ / ووجْهُكَ أجْدَى إنْ قَدِمْتَ من السَّعْدِ
وعزْمُكَ أمْضَى حين يَشْتَجِرُ القَنَا / من الأسمرِ الخطّيِّ والأبيضِ الهندي
وذكرُكَ أحْلَى أو ألذُّ منَ المُنَى / وإن قيلَ أحلى أو ألذُّ من الشَّهد
وقربُكَ أَوْفَى بالمكارمِ والعُلاَ / من الحر بالمأثور أو كرم العهد
نَهَجْتَ سبيلَ المجدِ من بعدِ ما عَفَتْ / ومحت كما محت وشائع من برد
فلا يَتَعَامَوْا أو فلا يَتَوَاكَلُوا / فقد عَرَفُوا كيفَ الطريقُ إلى المجد
ودونهمُ فليقتدُوا بابن حُرّةٍ / أشاعَ الفَعالَ الحرّ في الزّمن العبد
له آثرٌ في كلِّ شَرْقٍ وَمَغْرِبٍ / به تَهْتَدِي الزُّهْرُ الكواكبُ أو تَهْدي
بأروعَ مِنْ سَعْدِ العشيرةِ كاسْمِهِ / وَنِسْبَتِهِ ما أشبَهَ الأبنَ بالجدِّ
نماهُ أبيٌّ لا اعدِّدُ غيرَهُ / وفي شَرَفِ الوُسْطَى يُرَى شَرَفُ العِقْدِ
أإنْ صُلْتَ حتى هابَكَ السيفُ في الغمدِ / وَجُدْتَ فلم تتركْ متاعاً لمن يُجْدِي
مُدِحْتَ فَطَوْراً قيل كالمطرِ الحيا / نوالاً وطوراً قيلَ كالأسَدِ الوَرْدِ
كأنْ لَم يَروْا تلك المواهبَ كالمُنى / ولا شَهِدُوا تلك الخلائقَ كالشَّهد
ولا آنسوا نارَيْكَ للحربِ والفِرَى / يمينَكَ في كأسٍ ويسراك في زند
ولا انتجعُوا ذاك الجنابَ فخيَّموا / إلى الكَنَفِ المحلولِ والعيشةِ الرغد
تراهُمْ على ضَيْقِ المجال وَرُحْبِهِ / يُهِلَّون مِنْ مَثْنَى إليه ومنْ فرد
إلى ماجدٍ لا يُقْبِلُ المالَ نَظْرَةً / إذا لم يكنْ فيه نصيبٌ لمستجد
حسامٌ ولكنْ ربَّما ذُكِرَ النَّدى / له فثنى عِطْفَيْ قضيبٍ منَ الرّنْد
وَبَحْرٌ ولكنْ ما الحياةُ هَنِيّةً / بأطيبَ منه للعيونِ وَلِلْورِد
وطودٌ نَمَى زُهْرَ الكواكبِ من علٍ / وزادَ عليها بانتماءٍ إلى الأزْدِ
وماءُ سماءٍ كلَّما انهملتْ به / جرى في القضيبِ اللدنِ والصَّخرَةِ الصلد
بأكثرَ مما يدّعي البأسُ والنّدى / واكثرَ من جَهْدِ لاقصيدِ ومن جَهدي
مكارمُ قحطانيَّةٌ مَذْحِجِيَّةٌ / تعودُ على ما أفسدَ الدهرُ أو تُعْدي
بها قَطَعَ الركبانُ كلّ تَنُوفَةٍ / إذا هَبَطُوا غوراً تسامَوْا إلى نجد
سبقتَ العلا منذ اكتهلتَ إلى العلا / لعمرُك ما أَبْعَدْتَ لو كنتَ في المهد
ألا في سبيلِ اللهِ ليلٌ سهرتَهُ / تُساري النجومَ الزُّهْرَ في الظُّلَمِ الرُّبْد
إذا اعتكرتْ تلك الغياهبُ جُبْتَها / إلى نِيَّة جَوْرٍ وأُمْنِيّةٍ قصْد
إلى صورةٍ من عهدِ مأربَ خاصمتْ / سيوفُكُمُ عنها بأَلْسِنةٍ لُدِّ
وقد طَلَّحَتْ زُهْرُ النجومِ منَ السُّرَى / وَرَابَكَ في أجفانها أَثرُ السُّهد
بِطَاءٌ على آثارِ خَيْلِكَ تَشْتَكي / بِجَهْدِ سُرَاها ما طَوَيْنَ من البُعْدِ
سلِ الرومَ في أُقليشَ يَوْمَ تَجَايَشُوا / ألَمْ يعلموا أن الفرائسَ للأُسْدِ
تبارَوْا إلى تلك الحُتُوفِ فَسَلْهُمُ / أما كانَ عنها منْ محيصٍ ولا بُدِّ
ألم يكُ في الإسلامِ من مُتَعَرِّضٍ / بكفٍّ ولا في السَّلْمٍ من عَرَضٍ يَفْدي
ولا في جنودِ ا حين أتتكمُ / لها من قديرٍ يَدْفَعُ الهَزْلَ بالجِدِّ
غداةَ رماكمْ كلُّ طودٍ بمثلهِ / من القَصَبِ المنأدِّ والحَلَقِ السَّرْد
اعزّ من الهُضْبِ التي قَذَفَتْ بها / فما بالكمْ كنتمْ اذلّ من الوَهْد
ألم تزعموا أنّ الصليبَ وأنَّهُ / كأنكمُ لم تَسْمَعُوا بالقَنَا الملد
رُويدكمُ حتَّى تَوَوْا كيف تَرْتمِي / بأنفسكمْ بين الإجازة والردّ
وحتى تدوسَ الخيلُ أوْجُهَ فتيةٍ / كرامٍ عليها غيرِ شُؤْمٍ ولا نُكْدِ
وَتَخْرُجَ من ليلِ الغُبَار ولو ترى / شوازبَ تَرْدي تحت صمانةُ تردي
بكلِّ فتىً جلدٍ يخوضُ غمارَهَا / على كلِّ نهَّاضٍ بأعبائها جَلْدِ
هناك عرفتمْ أين أحمدُ منكمُ / وكان حريّاً بالبِدَارِ إلى الحمد
فَتَاها على مرِّ السنينَ وكهلُهَا / إذا هيَ جَدّتْ بالمشايخِ والمرد
وحامي حماها يومَ ترمي وتتقي / واسْوَتُها فيما تعيدُ وما تُبْدِي
وَمَنْ عُرِفَتْ سيما الوزارةِ باسْمِه / كما عُرِفَتْ تيماءث بالأَبْلَقِ الفَرْد
بأيِّ لسانٍ أو بأيةِ فكرةٍ / احَبَرُ شكري أو اعبَرُ عن وُدِّي
هززتَ أُبيّاً جين أرضاك عَزْمُهُ / حساماً صقيلَ المتنِ مُعْتدلَ الحدّ
وَصِفْتَ إلى مساءِ الربيعِ وَظِلِّهِ / فحسبُكَ مَن صَفْوٍ وناهيكَ من بَردِ
هما ورثا عبدَ المليك سَمَاحَهُ / وَنجْدَتَهُ وهذا يُعيدُ وذا يُبدي
فإن أَنشكَّرْ للربيعِ صنيعةً / فما زلتُ من نعماهُ في زَمنِ الورد
وإن اتحدثْ عن أُبيٍّ بفضْلِهِ / فعنديَ منْ تلك الأحاديث ما عندي
إليك القوافي كالنجومِ زواهراً / بما لك فيها من جهادٍ ومن جهد
فما يتعاطى تلك بَعْدَكَ ماجدٌ / وما يتعاطَى هذه شاعرٌ بعدي
أعِدْ نظرةً في صفحتيْ ذلك الخدِّ
أعِدْ نظرةً في صفحتيْ ذلك الخدِّ / فإني أخافُ الياسمينَ على الوَرْدِ
وَخُذ لهما دمْعي وعَلَلّلْهُما به / فإنَّ دمُوعيْ لا تُعيد ولا تبدي
وإلا ففي كأسِ المُدَامَةِ بلُغَةٌ / تقومُ مَقامَ الريِّ عندكَ أو عندي
وفي ريقكَ المعسولِ لو أنّ روضةً / تُعَلَّلُ بالكافور والمسكِ والرّنْدِ
وماء شبابي كانَ أعذب مورداً / لو أنّ الليالي لم تُزَاحِمْكَ في الوِرْد
مُنىً لا أُبالي أن تكونَ كواذِباً / فتفنى ولكنّ المَدَارَ على وَجْدي
أمِنْكَ الخيالُ الطَّارِقي كلّ ليلةٍ / على مِثْلِ حَدِّ السّيْفِ أو طُرّةِ البُردِ
يُبَاري إليّ الليلَ لو أنّ شافعاً / مِنَ النَّومِ أو لولا رقيبٌ منَ السهد
تَعَلّمَ مِنّي كيف يَنْعَمُ بالهوى / وَأشْقَى فهلا كانَ يَبْقَى على العهد
يَهُونُ عليهِ الوصلُ ما دامَ نازحاً / وأهونُ شيءٍ حين يَدنوُ إلى الصَدِّ
وليلةَ وافاني وقد نِمْتُ نَومَةً / وكنتُ أنا والنجمُ منها على وَعْد
ألمّ فحيَّا بين رُقْبَى وَرَقْبَةٍ / ولا شَيْءَ أحلى من دُنُوٍّ على بُعْد
وقد رَابَهُ لمحٌ من الليل في الدجى / كما لاح وَسْمُ الشَّيْبِ في الشَّعَر الجَعْدِ
رأى أدمعي حمراً وشيبيَ ناصعاً / وَفَرطَ نُحُولي واصْفراراً على خدِّي
فَودَّ لو أني عِقْدُه ووشاحُهُ / وإن لم يُطقْ حَمْلَ الوشاحِ ولا العِقْد
ألمَّ فأعْدَاني ضَنَاهُ وَسُهْدُهُ / وقد كان هذا الشوقُ أولى بأن يُعْدِي
وولَّى فلا تسألْ بحاليَ بَعْدَهُ / ولكنْ سلِ الأَيَّامَ عن حالِهِ بَعْدي
تفاوَتَ قومٌ في الحظوظ وسبلها / فَمُثْرٍ على حِرْصٍ وَمُكْدٍ على زُهْدِ
وأمَّا أنا والحضرميُّ فإننا / قَسَمْنَا العُلا ما بين غَوْرٍ إلى نجد
فأَبْتُ أنا بالشعرِ أَحمي لواءَهُ / وآب ابنُ عيسى بالسيادةِ والمجد
فتىً لا يُبَاليَ فوزَ مَنْ فازَ بالعُلا / إذا امتلأتْ كفَّا يديهِ مِنَ الحمد
وسيفٌ يباهي كلَّ سيفٍ بنفسِهِ / إذا السيفُ باهَى بالحمائلِ والغِمْدِ
ونجمُ سناءٍ أو سنا كلمَّا بدا / تهلَّلَ بالإسعادِ وانهلَّ بالسَّعْد
وطودٌ وما رَضْوَى بأكبرَ شيقةً / ولكن بعض القول أشهى إلى الرشد
وما بالُ رَضْوى إنما هو شاهِقٌ / رسا من أميلٍ عانكٍ أو صَفَاً صَلْد
وكم جَبَلٍ في الأَرضِ أشمخُ ذروةً / وأحمى حمىً لو أنَّ نَجْوَتَهُ تُجدي
وكانَ لهمْ في طورِ سَيْنَا شبيهُهُ / على خطأٍ مما ادَّعَوْا وعلى عَمْدِ
ولكنَّها طارتْ بِرَضْوَى مَطَارَهَا / ولم نر أحظى من مساعدةِ الجَدِّ
وبحرٌ ترى الألبابَ غائصة به / على اللؤلؤِ المكنونِ في الحَلِّ والعَقْد
تَرَاجَعَ عبراهُ وَعَبَّ عُبَابُهُ / ولا فُلْكَ إلا مِنْ رجاءٍ وَمِنْ وُد
فَعَرِّجْ بشطَبْهِ إذا كان ساكناً / خِلالَ جميمٍ ناضرٍ في ثرىً جَعْدِ
وإن ماجَ واسطعت الحزامةَ فَأْتِهِ / فإنَّ النجومَ الزَّهْرَ في الظلم الربد
بلغتُ بعيسى مُنْتَهى كلَّ سُؤْدَدٍ / فلستُ بمثرٍ إن حُرمتُ ولا مكد
وَدَعْ مالكاً حتى تَرَى كيفَ سَعْيُهُ / فما منكما من لم يَسُدْ وهو في المهد
هُوَ المجدُ منكمْ أَصْلُهُ وَفُرُوْعُهُ / تَرَدَّدَ بين الإِبنِ والأبِ والجد
أتتكَ قوافِي الشِّعْرِ وَفْداً عنِ الهوى / وبعضُ قوافي الشعرِ أَحْظَى من الوفد
أآذنةٌ عُلْياك لِلْعِيدِ إن دَنَا / على الطّائرِ الميمونِ والطّالَعِ السَّعد
وقد جاءَ يطْوي الأرضَ والدهرُ آخذٌ / بأيسرِ حظٍّ بينَ وَصْلِك والصَّدِّ
أمولايَ لم أَقْدُرْكَ قَدْرَكَ كُلَّهُ / ولكنه جُهْدُ القصائدِ لا جُهْدِي
فلم يبقَ إلا أن تسامحَ مُجْمِلاً / ومِنْ كَرَمِ المَوْلى مُسامَحَة العَبْد
غنينَا بآل الحضرميِّ وإنما
غنينَا بآل الحضرميِّ وإنما / غَنينا بآثارِ السّحابِ المواطرِ
بكلِّ فتىً كالسّيف إلا ارتياحَهُ / لِطَلْعَةِ شاكٍ أو لنَغْمَةِ شاكر
كريمِ المساعي هزَّ عِطْفَيَّ عطفُهُ / إلى أثَرٍ من مجدهِ ومآثر
بنىً شادها عيسى وشاد محمد / فيا فَلَكُ امسكها بفلك المفاخر
ضراعةَ مأمورٍ هفا متعمداً / فصاغ لها من درِّهِ لفظَ آمر
فلا ذنبَ لي إن لم أكنْ جدَّ عالمٍ / على أيّكمْ نبدا بِثَنْي الخنَاصر
بهاليلُ من قحطانَ ساروا بذكرهمْ / إلى مَثَلٍ في الجودِ والبأسِ سائر
هم جَنَبُوها بين بُصْرى وَجِلَّقٍ / ضوامرَ زَجُّوْهَا وغيرَ ضوامر
لياليَ اعطوها سليحَ إتاوةً / جَرَتْ مثلاً أُخْرَى الدهورِ الدواهر
وهمْ ذَعَرُوا أفناءَ عكٍ بوقعةٍ / أدارتْ على همدانَ إحدى الدَّوَائرِ
وهمْ زحموا أرضَ الحجاز بزحمةً / ببيض الظُّبا والراعفاتِ الشواجر
وهمْ ملأوا نجداً شَمَاماً وَنَجْدَةً / وِرِقَّةَ آدابٍ وطَيبَ عَنَاصر
لهمْ أجأٌ يحميه زيدٌ وحاتمٌ / بِشَدِّ المذاكي أو بشدِّ المَغَافر
وَجِلَّقُ في سلطانِ عمروِ بن عامرٍ / وكم لهمُ مِنْ مثلِ عمرو بن عامر
وطيبةُ مما أنزلتْهُ سيوفهم / فهل من مُباهٍ أو فَهَلْ مِنْ مفاخر
لياليَ طابتْ سُبْلها وَشِعَابُها / بأكرمِ منصورٍ وأكرمِ ناصر
بِحيَّينِ من أبناءِ قَيْلةَ أقْدَمُوا / على الموتِ إقدامَ الليوثِ الخوادر
سخاؤهُمُ ظلٌّ لكلِّ مُهَجّرٍ / وبأسُهُمُ أمنٌ لكلِّ مُهَاجر
وفي كلِّ أرضٍ بلّغوا المجد حقه / بحدِّ العوالي واحتمال الجرائر
ولا مثلَ عيسى منهمُ ومحمدٍ / طهارةَ أثوابٍ وحُسْنَ مناظرِ
ونعم الفَتَى إن أخلفَ الغيثُ مالكٌ / قِرَى النازلِ الثّاوي وزادُ المسافر
لك الفضلُ في ما صُغْتُهُ وَصنَعْتهُ / وما شاعرٌ لم يَمْتَدِحْك بشاعر
حذوتَ مثالاً فامتثلت فإن أُجِدْ / فلستُ لما أوْلَيْتَنِيهِ بكافر
وعلّمتني كيف المديحُ فليسَ لي / سوى فِقَرٍ للحاسدينَ فواقر
فإن تكنِ الأبصارُ تُجْلى بإثْمِدٍ / فإنّ المعالي إثمدٌ للبصائر
تَرَفّقْ فقد سالت بوسعي وطاقتي / غواربُ من تلك البحار الزواخر
أَنَحْسبني أسطيعُ جودَكَ كُلَّهُ / لك اللهُ دعني من لساني وناظري
شَكَرْتُ ولكنْ أينَ مني مواهبٌ / بواطنُ قد أتْحَفْتها بِظَواهرِ
ملأتَ يدي من كلِّ مجدٍ وَسُؤْدَدٍ / وأبقيتَ ذكري آيةً للذواكر
وَرِشْتَ جَنَاحي بالمواهبِ واللُّهَا / فطار بها حظّي ولستُ بطائر
وأعليتَ قَدْري أو نهضْتَ بقدرتي / فلا أمْرَ لي إن كنتُ أضعفَ قادر
وأنت الغمامُ الجَوْدُ يُرْجَى وَيُتقَى / على بدَرٍ منْ صَوْبهِ وبَوَادِر
مكارمُ تَنْدَى أو مَكَارِمُ تَلْتَظِي / توارثْتُموهَا كابراً بعدَ كابر
وكم لكَ مِنْ مَنٍ رَجَعْتَ به المنى / سوافرَ تُزْري الخدود السوافر
نظمتَ بها شَمْلي وكنتُ نَثرتُهُ / على خُطَّةٍ في كفِّ أخْرَق ناثر
ثلاثُ أثافِي نارِ صدريَ أُضْرِمَتْ / على واردٍ من همِّ صَدْري وصادر
ينامون عن ليلِ التمامِ أبِيتُهُ / كأني قطاةَ فوق فتخاءَ كاسِرِ
وأُخْرَى كريعانِ الشَّبابِ استحثَّها / نداءُ المنادي بالخليطِ المجاور
وبالظاعنين المستقلين إذ غَدَوْا / بأفئدةِ العُشَّاقِ لا بالأَباعر
وقد قَرَّبوا أجْمَالَهُمْ يُوْطِئُونها / بياضَ خدودٍ أو سوادَ نواظر
تقول وكفُّ البين حَيْرَى بجيدها / وكلٌّ بكلٍّ سادرٌ أوْ كَسَادر
فقلتُ لها يَقْضِي الذي كان قاضياً / فَسِيَّانِ إنْ حاذرتِ أو لم تُحَاذري
ثقي بابنِ عيسى مالكٍ ومحمد / بجبرِ كسيرٍ أو إقالةِ عاثر
سِرَاجَا المعالي أشْرَقَا فَتَكفَّلا / لما غارَ من تلك النجوم الغَوَائر
إليكَ أبا عبدِ الإلهِ ألوكةً / سهرتُ لها والنجمُ ليس بساهر
من اللائي صارتْ أسوةَ الشعر مذ بدت / أصابت لها فضلاً على كلِّ شاعر
جِوَارُكَ منْ ضَيْم الخُطُوبِ مُجيرُ
جِوَارُكَ منْ ضَيْم الخُطُوبِ مُجيرُ / وأنتَ على صَرْفِ الزَّمانِ أمير
وَكُلُّ جَوَادٍ عن مَدَاكَ مُقَصِّرٌ / وكلُّ كبيرٍ عن نَدَاكُ صغير
وظلُّكَ فَضْفَاضُ الغَلائِلِ سَجْسجٌ / وماؤُكَ فَيَّاض الجِمامِ نمير
وروضُكَ مطلولُ الجَنابِ صَقِيلُهُ / تَضَاحكَ نُوَّارٌ وأشْرَق نور
وَأرْضُكَ أرضٌ للمكارمِ والعلا / تُناوِحُ هُضْبٌ أو تَعُبُّ بحور
وذكرُكَ لا ما دَنْدنض المسكُ حوله / بكيتَ وكيتٍ والكلامُ كثيرُ
وبشرُكَ لا لمعٌ من البرقِ شامَه / مُلِظٌّ بأَكْنافِ البيوتِ حسير
يصرِّفه مَرُّ السنين بنهضةٍ / إلى الشيءِ أيْنٌ دونَهُ وفتور
وبات عليه ليلُ غَرْثَانَ بائسٍ / يطولُ على راعيه وهو قصير
تململَ والتفَّتْ عليه غياهبٌ / تَرَى النجم فيها يَهْتَدي ويَجُور
وضافتْهُ أبكارُ الخطوب وَعُونُها / فكلٌّ لكلٍّ مُنْجدٌ وظهير
فَبَيْناهُ يَقْريها حُشَاشَةَ نَفْسِهِ / وقد كاثَرتْهُ تَنْبرِي وَتَثُور
تَنَسّمَ تلقاءَ الجنوبِ أو الصَّبا / نسيمُ الحيا تسْري به وتسير
فما راعَه إلا تَبَسُّمُ بارقٍ / كما جال فكرٌ أو أشارَ ضمير
فأتْبَعَهُ طرفاً يودُّ لو أنَّهُ / عليه دليلٌ أو إليه سَفير
فما ارتدَّ حتى جلَّلَ الأُفْقَ مارجاً / يُوهّمه أنَّ الظلامَ سعير
وهبَّتْ على اسمِ الله أما نسيمها / فَرَوْحٌ وأما نَشْرُها فنشور
وهبت إلى أن ضاق عنها مهبها / صباً في ذيول المعصرات عثور
وَهَبَّتْ فهبتْ كلُّ وطفاءَ جَوْنَةٍ / تكادُ تَفَرَّى أو تكادُ تفور
من اللائي لم ينهضنَ إلا تَدافُعَاً / تَكَدَّسُ أعجازٌ لها وصدور
دَلُوحٌ على هزِّ الرياح وأزّها / تَرَاكمَ وَدْقٌ واكفهرَّ صبير
تمرُّ بِمَلْمُومِ الهِضَابِ فما تني / ولا تنثني حتى تَراهُ يصور
كذلك حتى حَدَّثَتْهُ عنِ المنى / فأصْغَى ولو أنَّ الملامَ عسير
وحتى أرَتْهُ كلَّ بيضاءَ شَحْمَةً / ولو أنها في راحتيه قَتير
خَشُنْتَ فلم تَتْرُكْ وأنتَ مُنَازَعٌ / وَلِنْتَ ولم تأخُذْ وأنت قدير
وَوَقَرْتَ والهيجا يَجيشُ غمارها / وحتى لداء الموت أنت مبير
وأنت إذا ما الخيلُ جرَّتْ شكيمَها / وللموتِ عِيْرٌ بينها وَنَفِير
من المجد دانِ دونه مُتَعرِّضٌ / إلى الهولِ سبَّاقٌ عليه جَسُور
وأنت ابنَ زهرٍ مُنْتَهى كلِّ سُؤْدَدٍ / وإن كان منه أوَّلٌ وأخير
قريعُ إبادٍ كلما رامَ أو رمى / فليس على الأَيَّامِ منه خفير
مِنَ الموقدين النارَ في كلِّ هَضْبَةٍ / تَضَاءَلَ عنها مِنْبَرٌ وسرير
بني الحربِ مازالوا يَشِبُّونَ حولها / على أنها قبلَ الفِطَامِ تَزُور
أحَلَّتْكَ أعْلَى ذِرْوَةِ المجدِ هِمَّةٌ / لها البأسُ رِدْءٌ والسماحُ سمير
وَجُرْدٌ عناجيجٌ ذكور يَكُرُّهَا / على الموتِ مُرْدٌ مُعْلَمُونَ ذكور
وكلُّ رقيقِ الشفرتين متى يَخُضْ / إلى المجدِ بَحْرَ الموتِ وهو شَفير
كفيلٌ بأَرْوَاحِ الأَنام مُوَكَّلٌ / عليمٌ بأسرارِ الحمام خبير
حذاءَكَ منه حين يُغْمَدُ رَوْضَةٌ / ودونَكَ منه إذ يُسَلُّ غدير
له كلَّ يومٍ في أعاديك وَقْعةٌ / تحارُ مُنَاهم دونها وتَحور
أطلَّ عليهمْ بالمنايا غِراره / فهلْ علموا أنَّ الحياةَ غُرُور
أتَعْلَمُ ما أوْلَيْتَها اليومَ حِمْيرٌ / فَتَشْكُرَهُ إنَّ الكريمَ شكور
نهضتَ بعبأَيْ جِدِّها واجتهادها / تَسُرُّ ليالي مُلكها وَتَسُور
وفيتَ بِحقَّيْ نُصْحِها وَوِدَادها / تُدَبِّرُ علماً أمْرَها وتدير
دعاكَ أميرُ المؤمنين لنصرِه / بحيثُ التوَى نَصْرٌ وَخَامَ نصير
ولم تُغْنِ عَنْهُ الضُّمَّرُ القُبُّ حَوْلَهُ / تَبَارى ولا البيضُ الرِّقاقُ تُبير
ولا كلُّ لدن القدِّ أمَّا مُعَرّضٌ / فأعمى وأمَّا مُشْرَعٌ فبصير
به غُلّةٌ شَمَّاءُ عن كلِّ مَوْرِدٍ / سوى ما أباحتْ أضلعٌ ونحور
وحسبُ وليِّ العهد منكَ وعَهْدِهِ / أخٌ وأب أو صاحبٌ وأمير
تحلَّيْتُما للمُلْك تَكْتَنِفَانِهِ / أبو حَسَنٍ يُسْدي وأنت تُنير
تقولُ أعادِيهِ عليّ مُصَمِّمٌ / بِيُمْنى يَديْهِ ذو الفَقَار شهير
أبا زُهْرُ والأحْزان حولي فوادحاً / ولولاكَ لم يَخْلُصْ إليّ سرور
ويا زُهْرُ يا كلّ الحياة وبعضُهُمْ / وحاشاك نار لا أقول حرور
إليكَ تولاّني هوايَ وإنني / إليكَ وإن أغْنَيْتَني لفقير
أعِنْدَكَ أني ضِعْتُ بعدك ضَيْعَةً / تَعَلَّمَ منها الدهرُ كيفَ يَجورُ
وأنِّيَ وَلَّيْتُ العدوَّ مَقَاتلي / فأصبح يُوْمِي نَحْوَهَا وَيُشير
سأولي أبا مروانَ شُكْرِيَ كلَّهُ / وإني بِشُكْرِ الأكرمين جَدير
فماليَ قد ضاقت عليَ مسالكي / وساعات ليلي في النهار شهور
وراحتك الطُّولي إلى كلّ مَفْخرٍ / وإنْ طالَ فخرٌ أو أطالَ فخُور
إليك الهنا يا أبا العلاء قوافياً / تَضَوَّعَ منها عَنْبَرٌ وَعَبير
وَدُمْتَ على غيظِ الحَسُودِ بِغِبْطَةٍ / تجورُ على صَرْفِ الرَّدَى وتجير
ونبئتُ ذاك الوجهَ غَيّرَهُ البِلى
ونبئتُ ذاك الوجهَ غَيّرَهُ البِلى / على قُرْبِ عَهْدٍ بالطّلاقة والبِشْرِ
بكيتُ عليه بالدُّموعِ ولو أبَتْ / بكيتُ عليه بالتجلُّدِ والصبر
فليتهم واروا ذكاء مكانه / ولو عرفت في أوجه الأنجم الزهر
وليتهمُ وارَوْهُ بين جَوَانحي / على فَيْضِ دَمْعي واحْتدامِ لظى صدري
أمُخْبِرَتي كيفَ استقرّتْ بكِ النّوَى / على أنّ عندي ما يزيدُ على الخبر
وما فعلتْ تلك المحاسنُ في الشّرى / فقد ساءَ ظنّي بينَ أدري ولا أدري
يهوِّنُ وَجْدِي أن وَجْهَكِ زَهْرةٌ / وأن ثَرَاها من دموعي على ذِكْرِ
وَيَحْزُنني أني شُغِلْتُ ولم أكنْ / أسائلُ عمّا يفعلُ الدمعُ بالزّهر
دَعينيْ أعلّللْ فيكِ نفسيَ بالمنى / فقد خفتُ ألا نلتقي آخرَ الدهر
وإن تسْتَطيبي فابْدَئيني بزورةٍ / فإنك أولى بالزيارةِ والبر
مُنىً أتمناها ولا يدَ لي بها / سوى خطراتٍ لا تريش ولا تبري
وأحلامُ مذعورِ الكرى كلما اجْتلى / سُروراً رآهُ وهو في صورةِ الذُّعْر
أآمِنَ أن أجزعْ عليك فإنني / رُزِئتُكَ أحْلى مِنْ شبابي ومن وفْري
أآمِنَ لا والله ما زلتُ موقناً / ببينك لو أني أخذتُ له حِذْري
خُذِي حدِّثيني هل أطقتِ على النّوى / أُحَدِّثْكِ أني قد ضَعُفْتُ عن الصبر
مغالطةً لولا الأسى ما حملتُها / على مركبٍ مما وصفت به وعر
ونيتهم قد أجْمعُوا عنكِ سَلْوةً / لعشرينَ مَرّتْ من فراقك أو عشر
وأذهلهمْ حبُّ التُراثِ فكفكفوا / به زفرةً تعتادُ أو عَبْرةً تجري
ولم يبقَ إلا ذكرةٌ ربما امترتْ / بقية دمعِ الشوقِ في أكؤوس الخَتْر
وأمّا أنا فالتَعْتُ واللهِ لوعةً / هي الخمرُ لو سامحتِ في لَذَةِ السكر
أهزُّ لها عطفيّ منْ غيرِ نشوةٍ / على ما بجسمي من كلال ومن فَتْر
وأودِعُها عينيّ لا لِصَبَابةٍ / ولكن لِتَمْرِي دَمْعَ عيني كما تمري
فلا تبعدي إن الصبابة خطه / لشخصك في قلبي وإن كان في القلب
ولا تَبْعَدي إني عليكِ لواجدٌ / ولكنْ على قدرِ الهَوَى لا على قدري
ذكرتُكِ ذكرَ المرءِ حاجةَ نفسهِ / وقد قيل إن الميتَ مُنْقَطِعُ الذكر
ووالله ما وَفّيْتُ رُزْءَكِ حَقّهُ / ولكنه شيء أقمتُ به عذري
أصيخي إلى الدّاعي فليس بنازحٍ / وما بكِ عنه من وقارٍ ولا وَقْرِ
ولا تبعثي طيفَ الخيالِ فإنه / سميرُ همومٍ لا يُضيفُ ولا يَقْري
متى يَسْرِ نحوي يلقَ دوني كتائباً / من السُّهْدِ آلتْ لا تسيرُ ولا تَسْري
وعهدي به إنْ لم تُحِلْهُ يدُ البِلى / جديراً بأن يَشْكو الوَنَى وهي في الخِدْرِ
إذا أجْرَسَ الحليُ استُطيرَ وقلّما / مشى فيه إلا ريث يختال للزهر
فإن يأبَ إلا برّه فابعثي به / على رقْبَةٍ مما هناك وفي سشتْر
وكان الأسى نذراً عليكِ نَذَرْتُهُ / ولكن أراد الشوقُ أكبرَ مِنْ نذري
ومن لي بعينٍ تحملُ الدمعَ كلّهُ / فأبكيكِ وحدي لا اقَرُّ ولا أدري
ولي مقلةٌ أفضتْ بها لحظاتها / إلى عَبَرَاتٍ جَمّةٍ وكرىً نَزْر
وكان حراماً أن تجودَ بدمعةٍ / وقد تركتْها الحادثاتُ بلا شَفر
ولكنْ حداها الحُزْنُ فاستوسقتْ به / وأكبرُ ما يُعِطي البخيلُ على قسر
فإنْ أنا لم استسقها لك نجدتي / فلا عرك الورَّاد من سَبَل القطر
أنمضِي الليالي لا أراكِ وربّما / عَدَتْنِي العَوَادي عنْ طِلابِكِ في الحَشْر
في عَزْمَةٌ لو خِفْتُها لَسَبَقْتُها / إليكِ ولو بين السماكينِ والنسر
ألا ليتَ شِعْري هل سمعتِ تأوهي / فقد رعْتُ لو أسْمعتُ قاسيةَ الصخر
وهل لعبتْ تلك المعاطفُ بالنُّهى / كسالفِ عهدي في مجاسِدِها الحمرِ
ونبئتُ ذاك الجيدَ أصبحَ عاطلاً / خذي أدمعي إن كنتِ غضبي على الدر
خُذي فانظميها فهيَ كالدرِّ إنني / أرى علتي أوْرى بها وهي كالجمر
خذي اللؤلؤَ الرطب الذي لَهِجوا به / مَحارَتُهُ عيني ولُجّتُه صَدْري
لعلكِ يَوْماً أن تَرَيْهِ فتذكري / وسائلَ لم تَعْلَقْ بلومٍ ولا عُذْر
خُذِي فانظميه أو كليني لِنَظْمِهِ / حليّاً على تلكَ الترائبِ والنحر
ولا تخبري حُوْرَ الجنانِ فربما / غَصَبْنَكِهِ بين الخديعةِ والمكر
أيا قُرّةَ العينِ اعتباراً وَحَسْرَةً / أَجِدَّكِ قد أصبحتِ قاصمةَ الظهر
برغميَ خُلّي بين جِسْمِكِ والثَّرى / وإن كنتُ لا أخْشى الترابَ على التبر
هنيئاً لقبرٍ ضمّ جسمَكَ إنه / مَقَرُّ الحيا أو هالةُ القمر البدر
وإنك فيه كلما عَبَثَ البلى / بأرجائهِ كالغُصْن في الورق النضر
إذا جئتِ عدناً فاطلبينا فقلَّما / تقدمتنِي إلا مشيتُ على الأثر
ولا تَعْذُليني إن أَقمتُ فربَّما / تأخَّر بي سعيي وأَثْقَلني وِزْري
صدودٌ ملظٌّ أو فراقٌ مواشكُ
صدودٌ ملظٌّ أو فراقٌ مواشكُ / لعمري لقد ضاقَتْ عليّ المسالكُ
أتى دون أسماءَ العتابُ ودوننا / مآخذُ أحْصَتْها النّوى ومتارك
ومن لي بها والبيضُ والسُمْرُ دونها / وَجُرْد المذاكي والقِلاص الرواتك
وكلُّ طويلِ الرمحِ طبٌّ بِحَمْلِهِ / إذا شاءَ أبكاهُ دماً وهو ضاحك
أخو عزماتٍ لا المهارَى أمَامَها / نواجٍ ولا الخيلُ العتاق مساهِكُ
له مثقْلَةٌ شَوْساءُ أكثرُ نومها / غِرارٌ إذا نام العُدَاةُ الصّعالك
إذا مَرَقتْ بين الودائقِ والدُّجى / فلا حِجْلَ إلا ما تثير السّنابك
وَعَرْض فلاةٍ ما تُعارِضُها النّوى / ترى الموتَ فيها وهو أعْزَلُ شائك
وجُنْحُ ظلامٍ لو تُثارُ عجاجةٌ / لما لَمَعَتْ فيها السيوف البواتك
دجىً لو سرت فيها الشياطين ترتقي / إلى السرِّ لم تخلص إليها النيازك
خليليَّ هلْ في أدْمُعي وانحدارِهَا / جِلاءٌ لعينٍ دَمْعُها مُتَمَاسِكُ
ولي سَكَنٌ ينأى ويدنو وحبُّهُ / بِصَبْريَ مُوْدٍ أو لِسِرِّيَ هاتك
سلِ الخيلَ هل جَشّمْتُها كلَّ غايةٍ / يهونُ عليها شَدُّهَا المتدارك
وهل عرفتني ربما بِتُّ مغرماً / تدافعه أكفالها والحوارك
وما نكرت إلا التفاتيَ بالقنا / وقد شَرِقَتْ بالمعلمين المعارك
وإلا اختيالي في ذُرى صَهَوَاتها / وقد نظرتْ شزراً إليَّ المهالك
أيا رحمتا للشعر أقوت ربوعُهُ / على أنها للمكرمات مناسك
وللشعراء اليوم ثُلَّتْ عروشهم / فلا الفخر مختالٌ ولا العز تامِك
إذا ابتدر الناس الحظوظَ وأشرفت / مطالبُ قومٍ وهي سود حوالك
رأيتهمُ لو كان عندك مَدْفَعٌ / كما كَسَدَتْ خلفَ الرئالِ الترائك
فيا دولةَ الضّيْمِ اجْمِلِي أوْ تَجَامَلي / فقد أصْحَبَت تلك العرى والعرائك
ويا قام زيد أعرضي أو تعارضي / فقد حال من دون المنى قال مالك
سَمَتْ بأبي العباسِ تلك وهذه / إلى حيثُ لا تسمو النجوم السّوامك
رحيبُ مجالِ الفكر والأمرُ ضيق / صليبُ قناةِ الصبر والأمر ناهك
ومشترك الأكفاء في السخط والرضى / وليس له في المكرمات مشارك
بقاضي قضاة الغرب وابن قضائه / تودّدَتِ الآمال وهي فوارك
فتىً لم يكنْ يوماً لينآه مَطْلَبٌ / ولو أنّه في مَسْلَكِ البحرِ سالك
يُطلُّ على الأعداءِ من كلِّ جانبٍ / وقد أفكت عنه الخطوب الأوافك
إزاء العوالي وهو جذلانُ بِاسمٌ / ودونَ المعالي وهو شيحانُ فاتِك
حَرِيٌّ بأن لا يعدو الحقَّ وَجْهُهُ / لديه وقد راغ الأَلدُّ المُمَاحِك
وأن تعرف الأقوامُ سَوْرَةَ عَدْلِهِ / كما احتَمَلتْ نارَ القيون السبائك
وأن يتوقّى الضيمُ جانبَ جاره / كما يتوقّى البعل عَذْراءُ عارِكُ
نضاه أميرُ المؤمنين مهنّداً / لكلِّ دمٍ منه وإن عزَّ سافك
وتاهتْ به الأيامُ عِلقَ مضِنَّةٍ / تَنَازَعُهُ أَمْلاكُهُ والممالك
إذا التقتِ النارُ الفَرَاش تأَلّقَتْ / أياديه فالتفّتْ عليها الهوالك
إذا سمعتْ أُذناه حيَّ على العلا / فلا الجودُ متروكٌ ولا البأس تارك
وإن علقتْ كفاه حبلَ سيادةٍ / فلله مسموكٌ به المجدُ سامِكُ
وإن أسعرت عيناهُ وجه صنيعةً / رأيتَ عيون الأسدِ وهي مضاحك
الكني إليه في السلام وبيننا / مخارمُ لا تسمو إليها المآلك
بآيةِ ما يَكْفي الملمَّ وربّما / وَنَتْ فيه أخْلافُ السّحاب الحواشك
أَجِدَّكَ لم توقظكَ والنجمُ هاجعٌ / هواتفُ لِلّبِّ الأَصيلِ هَوَاتك
دَعَتْ فأَشاعتْ بَثَّها وسرورَهَا / وأنضاءُ همي والدياجي بوارك
بناتُ الهوى تُمليه أو تَسْتَمِلُّه / لها الشجْوُ مني والأرَاكُ أرائك
يَلُكْنَ حديثاً ربما أفْصَحَتْ به / هَنَاتٌ لحبَّاتِ القلوبِ هواتك
وأحسبها غنَّتْ بذكركَ موهناً / وأيدي المطايا بالرِّحالِ بواشك
لذاك جلاها من سنا الصبحِ شارقٌ / وَصَاكَ بها من مسكِ دارينَ صائك
وراقتْ رباها كلَّ حسنٍ كأنما / تُنَشَّرُ فيما بينهن الدَّرَانك
ففي كل بطنٍ مَشْرَعق مُتَلاحِنٌ / وفي كل ظَهْرٍ مَرْتَعٌ متلاحك
إليك أبا العباسِ غُرَّ مدائحي / تُصلِّي عليهن العُلا وَتُبارك
إليكَ وريعانُ الرجاءِ يَؤُمُّها / وَقِدْماً رَجَتْهَا البائسات الضرائك
قلائدَ أعناقس وأزهارَ أعينٍ / ومنهنَّ في بعضِ الصدورِ حَسَائك
فَحِكْ ليَ من نَعْماك بُرْداً أجُرُّهُ / فإني لأبرادِ المدائح حائك
بني قاسمٍ قد زنتم الدهرَ كلَّه / كما زانتش الصدرَ الثُّدِيُّ الفَوَالك
رفعتمْ لأهلِ الغربِ أعلامَ دينهمْ / فأبصرَ مأفوكٌ وأقْصَرَ آفك
فَقُلْ لِسَلاَ شحي على آلِ قاسمٍ / ولا تَسَلي بغدادَ أين البرامك
إذا الدِّيمُ الوُطْفُ انتحتْكَ فلا تُبَلْ / وقد عرَّجَتْ عنكَ الذِّهَابُ الرَّكَائِك
وسائلةٍ بالدهرِ كيفَ أطَقْتُهُ
وسائلةٍ بالدهرِ كيفَ أطَقْتُهُ / فقلتُ ابنُ عيسى مُنْتَهى علمِ ذلكِ
وقالتْ فلانٌ لم تصرِّحْ عن اسْمِهِ / فقلتُ فتىً لو أنَّهُ مثلُ مالك
هو انْتَاشَنِي منْ غمرةِ الموتِ بَعْدَما / يئستُ وقالوا هالكٌ في الهوالك
وَأنْهَبَني منهُ امتداحي خلائقاً / فدونكِ ما أنْهَبَتْنِي منْ وِصَالك
عفافاً وإقداماً وحزماً ونائلاً / وهيهات يَحْكي واصفٌ ما هنالك
أبَى اللهُ إلاّ أَنْ يكون لكَ الفَضْلُ
أبَى اللهُ إلاّ أَنْ يكون لكَ الفَضْلُ / وَأَنْ يَتَباهى باسْمِكَ القولُ وَالفِعْلُ
وألا يُفيضَ الناسُ في كلِّ سُؤْددٍ / يَعُدُّونَهُ إلا وأنتَ له أهل
وأن تقفَ العَلْيَا عليك ظنونَها / إذا رابها جِدٌّ من الأمرِ أوْ هزل
وأن تُوْسِعَ الأيامَ جوداً ونجدةً / وما ليس يخلو منه عَقْدٌ ولا حَلُّ
وَأيَّدَ سيفاً قلَّما هزَّ عِطْفَهُ / إلى الحربِ إلا والحمامُ له ظِلُّ
تغارُ عليه الشمسُ منْ كلِّ ناظرٍ / فَتُعْشِيهِ عَنْهُ وهو في مَتْنِهِ صَقْل
يَكادُ يَسيلُ الغمدُ من ماءِ جفنهِ / وفي مَضْرِبَيْهِ النارُ والطَبُ الجزل
تَرَى حَيْثُما أبْصَرْتَهُ الغمدَ كلَّه / وإن لم يُسَلّطه قتالٌ ولا قتل
وَيُفْهَمُ عنه الحلمُ في كلِّ هَزَّةٍ / وإنْ كان مما هَزَّ أعطافَهُ الجهل
وربَّ جنونٍ لا يُدَاوَى صريعُهُ / تعلَّمَ منه كيف يُكْتَسَبُ العقل
تُرَاعُ الأسودُ الغْلبُ من شَفَراتِهِ / وقد أثَّرَتْ فيها كما أثَّرَ النمل
أغاليطُ قولٍ لفَّ ألبابَنا بها / فراغٌ لنا أو للقوافي به شغل
من البيضِ إلا ما استباحَ غِرارُهُ / من الدمِ حلٌّ للسيوفِ ولا حِلّ
به ما بِأَجسامِ المحبينَ منْ ضَنَىً / وإنْ لم يُتَيّمْهُ دلالٌ ولا دَلُّ
له بمكانِ العِقْدِ والحجلِ في الوغى / مآربُ ليس العِقْدُ منها ولا الحِجل
وقد يستعينُ الشيء بالشيء لَوْطَةً / ولا نَسَبٌ يُدْنِيه منهُ ولا شَكْل
له خَلَوَاتٌ بالنفوسِ وإن جَنَتْ / عليها الليالي والتقى دونه الحَفْل
كأنَّ الذي أَخْطَتْهُ منهُ بجانبٍ / ولكنْ على أنْ لا يلذَّ ولا يحلو
له هبَّةٌ لا من أنَاةٍ ولا وَنىً / إلى حيثُ لم يَسْبِقْهُ عُذْرٌ ولا عَذْل
واسمرَ عَرَّاضِ الكعوبِ كأنه / إذا اهنزَّ صِلٌّ أو يُسَاوِرُهُ صل
وذو غلمة عبد حليفُ رجاحةٍ / يسيرُ إليها كلَّما نَبَتَ البَقْلُ
أَصَمُّ وتدعوهُ الأمانيُّ غضَّةً / فيألُو وتدعوهُ المنايا فلا يألو
جَرَى الموتُ في عِطْفَيْهِ بَدْءاً وَعَوْدةً / كما كان يَجْري فيهما الماء من قبل
ومالَ وقد أضحتْ منابتُهُ الكُلَى / كما كانَ ميَّالاً وَمَنْبِتُهُ الرمْل
ولذَّ جناهُ واللواءُ يؤودُهُ / كعهدِكَ إذ يُزْهَى به الوَرَقُ الجَثْل
وقد كان مُرّاً وهو في الخصبِ مائسٌ / فكيف تراهُ حينَ أَزْرَى به المحل
وكنَّا عَهِدْنَا النَّقْلَ يُذْويه آنفاً / فإياكَ منه حيثُ لم يُذْوِهِ النقل
ولم أرَ شيئاً مثلهَ طالَ طُوْلَهُ / إلى الموتِ إلا ما ينازِعُهُ النّبْل
ولما نَمَاها فَرْعُهُ ونجارُهُ / حَكَتْهُ وإنْ لم تَحْكِهِ فلها الفضل
وللموتِ أسبابٌ يحاذِرُهَا الفتى / وَأحْتَلُهَا ما ليسَ يَدْرَأُه الختل
تُهَابُ المنايا في عصاً أو حديدةٍ / وَتُوهِنُ ما دارت به الأعينُ النجل
وروضةِ حَزْنٍ بَيْنَ طِيْبِ نَسيمها / وبين ثَنِياتِ الحَشَا مَخْلَصٌ سهل
تسيرُ بما بينَ الأحبَّةِ من هوىً / رسائلُ منه لا تُضَيَّعُ أو رسْل
شذاً تتهاداهُ الأَصَائِلُ والضُّحَى / تَصِحُّ المُنَى في صَفْحَتَيْهِ وَيَعْتَلَ
مع الريحِ ما هبتْ له فإذا وَنَتْ / تحيرَ في أكمامها هُوَ والطل
كأنّ المدامَ الصّرْفَ باتتْ تَعُلُّها / فللطيبِ منها جانبٌ قلَّما يَخْلو
وللهِ درُّ الكأسِ شادُوا بذكرها / تَعِلَّةَ قلبٍ لا يُعين ولا يَسْلو
هِيَ الشيءُ أُطْرِيهِ ولا علمَ لي بهِ / سوى أنَّني لا أمتري أنها بَسْل
وقالوا َكَتْ ريحَ الحبيب فهاتها / وإن لم يُسَوِّغْهَا غِنَاءٌ ولا نُقْلُ
وكنتُ أظنُّ الراحَ من قَبْلِ ما ادّعَتْ / ستأنفُ من أنْ تلتقي هيَ والنّحْلُ
أتلكَ سَقَتْ أزهارهَا أمْ غمامةٌ / إذا نَفَحَتُ أيْقَنْتُ أنْ سَوْفَ تَنْهَل
من المُثْقِلاَتِ الهُضْب حتى يؤودَها / وإن حملتها حاجةٌ ما لها ثقل
إذا لَقِحَتْ حَرْبٌ بها أو بمثلها / فليسَ على طيبِ الحياةِ لها نسل
سَرَتْ ضَخْمَةَ الأكنافِ تامكةَ الذُّرَى / دلوحَ السُّرى تُتْلَى على ذاكَ أو تَتْلو
كأنّ التماعَ البرقِ في جَنَبَاتِها / مصابيحُ تُذْكَى أوْ صوارمُ تُسْتَل
وقهقهَ فيها الرعدُ من كلِّ جانبٍ / كما هَدَرَتْ في الهجمَة الفُتُقُ البُزْلُ
أرنّتْ على ذي الأثْلِ غَيْرَ حليمةٍ / فهل عندها علمٌ بما لقيَ الأَثْل
ومالتْ على أكناف لبنانَ مَيْلَةً / فسحّ عليها ديمةٌ كلُّها وبل
كذلك حتى كلُّ مندوحةٍ بها / غديرٌ وحتى كلُّ مشرفةٍ وحل
وحتى التقى في سُبْلها الصقرُ مخفقاً / وليثُ الشّرى غرثان والسّرْب والإجل
وحتى بَدَتْ شمسُ الضحى وكأنها / محياكَ لا أغلو وإن كنتُ لا أغلو
وسالتْ على روضِ الحزونِ أبَاتها / مَعَ الماءِ كالعشقِ استبدّ به الوصل
كشعريَ إذ يَلْقَى اهتزازكَ للندى / ولولاهما لم يجتمعْ للعُلا شمل
أضِىءْ يا سراجَ الدينِ وابنَ سِراجِهِ / إذا اشتبهتْ تلكَ المسالكُ والسُّبْل
وقلْ كيفَ كانَ الدهرُ إذ كنتَ شاكيَاً / ولو بَهَرَتْ فيه النباهةُ والنبل
وليس يزينُ الغمدَ حُسْنُ حُليّه / غداةَ الوغى حتى يُزَيّنَهُ النصل
شكوتَ فظلَّتْ كلُّ أرضٍ بأهلها / تميدُ ولو أنَّ الجبالَ لها أهل
وأمسكتِ الأفلاكُ عن دورانها / كأنَّ لياليكَ الطوالَ لها شَكْل
وَأَوْحَشَتِ الآدابُ حتى كأنَّها / وقد ظَعَنَتْ سلمى التَّعَانيقُ والثّقْل
وَأُلْبِسَتْ الدنيا وَأَجْمِعُ أهْلِهَا / ضَنىً ذاقَهُ بَعْضٌ وعالجه كُلُ
فلا جوّ إلا وهو أسودُ مُظلمٌ / ولا أرضَ إلا وهي مُوحشة فَلُّ
وأُبْطِلَ سحرُ الأعينِ النُّجلِ بعدما / مَضَتْ برهةٌ والسحرُ ما دونه بطل
وودّ غَريمي لو نَبَيّنَ أمْرَهُ / فأَنْصَفَنِي إذ كانَ يُعْجبه المَطْل
مُصيبي على موتِ الشباب بلحظةٍ / وأيامَ كانت قَبْلَه تَنْصُلُ الإلُّ
أأُحْسَدُ والدنيا تَضنّ بِدرِّها / عليّ وكانتْ كلُّ أخلاقها نُغْل
وأنضو على حكمِ الزمانِ وصرفه / شبابي ولا يُلْقي شبيبته الحِسْل
قَضَاءٌ من الأيامِ فَصْلٌ نَقَمْتُهُ / عليها فلا كفّني أنّهُ فصل
وأدبرَ شيطاني بحقّي وباطلي / كأنْ لم يقرّبه ذِمامٌ ولا إلّ
فلم أُتْبِعِ اللذاتِ إلا تأسفاً / لِنَهْلَتِهَا أنْ لا يكون لها عَلُّ
ولم أتعاطَ الشعر إلا تغنّياً / بذكركَ يُشْفَى أو يُدَاوى بهِ الخبل
فهل عندهُ أنْ قد أظَلّتْ بِشَارة / بِبُرْئِكَ تجلو مِنْ أمانيّ ما تجلو
وأن قد دنا وَجْهُ الرِّضَى بعدما التوتْ / به جُرُعاتٌ من هموميَ أو سَجْلُ
وأنّي قد استأنفتُ عُمْرِيْ فها أنا / وليدٌ وإن ظنّ الصّبا أنني كهل
وأنّيَ لو شئتُ ارتجعتُ غوايتي / بكل ابنِ سُبْلٍ لا يُعَرّجُهُ طِفْلُ
بأنضاءَ هَزلى نَازَعَتْها نُفُوسُهُمْ / نوىً تَتَعاطَاهَا المطيّةُ والرّحْل
إلى ابنِ أبي مروانَ حتى أجارهمْ / فتىً لا يهيمُ الجانبين ولا غفل
عَفَاءً على الأرضِ التي لا تحلُّها / ولو نَبَتَتْ فيها السماحةُ والبذل
أذاهبةٌ بين القطيعة والوصْلِ
أذاهبةٌ بين القطيعة والوصْلِ / بِعَقْلي أما يرضيكِ شيءٌ سِوى عَقْلي
وَمَانِعَتي حتّى على النأيِ وصْلَها / لعلَّكِ قد صارَمتِ طَيْفكِ في وصلي
وقاضِيةً بالهجرِ بيني وبينها / كأنَّكِ لم تَلْقَيْ سبيلاً إلى العدل
ألا بأبي تلك الشمائلُ حلوةً / وإنْ تَرَكَتْنِي غَيْرَ مُجْتَمع الشَّمْل
ويا حبّذا ذاكَ الدلالُ مُعَشّقاً / وإن كنتُ منهُ سائرَ اليومِ في شُغل
وحسنُ حديثٍ كلما قلتُ أحْزَنَتْ / ثَناياهُ أفْضَتْ بي إلى كَنفِ سهْل
كذلك حتى أشْرَفت بي على شفاً / هو الجِدُّ لا ما كنت فيه من الهزل
وَشعْشَعَ لي مما هناكَ مُدامةً / مذاقَتُهَا تُغْري ونَكْهَتُها تُسْلي
وما عِفْتُها بل سافَهَتْ فَرَدَدْتُها / فقالَ العفافُ اشربْ فإنَّك في حِلِّ
أَتَتْني ولم أرتبْ بِوُدِّك ضجرة / أخوذٌ بأنفاس الرُّسَيْلاتِ والرُّسْل
وَسَمْتَ بها هذا الزمانَ فإنْ يَتِهْ / فغيرُ بديعٍ مِنْ سَجِيَّتِهِ الغُفْل
إلا بأَبِي هاتِ اعتزازَكَ كُلّهَ / ودونك ذُلي لم تَدَع لي سِوَى ذلي
أمولايَ لا أني أقِرُّ لغيرهِ / بها غيرَ تَمْوِيهِ الخديعةِ والختل
ويا كُحْلَ أجفاني وإن غَلَبَ الكرى / عليها وقد تَقَذَى الجفونُ من الكُحْلِ
أصِخْ غيرَ مأمورٍ لإمرارِ لَوْعَةٍ / إذا مارَ دَمْعِي فارَ مِرْجَلُهَا يَغلي
صَدَقْتَ أنا الجاني فهلْ من بقيّةٍ / تُشِيرُ إلى استْحياءِ مِثْلِكَ من مثلي
ولا بدَّ من عُذرٍ وليس بِوَاضِحٍ / ولكنْ لكَ الفَضْلُ المُحَكّمُ في الفَضْل
أرَيْتَكَ من تحنو عليه وغنه / لكالغيثِ أو أنّي لَكالْبَلَدِ المحل
أحينَ دعاني وادَّعَاني ولم أجِدْ / سوى حُكْمِهِ طَوْراً عليَّ وَطوْراً لي
قبلتُ الأذى منه كأنّيَ قابضٌ / على الماءِ أوْ ساعٍ على اثر الظِلِّ
أنَازِعُهَا حَبْلَ الهَوَى وَتَلُفُّهُ / وقَدْ وَرِمَتْ كفّايَ منْ أثَر الحَبْلِ
تَرُوْحُ وَتَغْدثو كلّما قلتُ قد دَنَتْ / وما قولُهَا قَوْلي ولا فِعْلُهَا فعلي
وكنتُ وَمَنْ أهْوَى وأنت جنيتها / وعلى صِيْرِ أمْرٍ ما يُمرُّ ولا يُحْلي
وواللهِ ما أنكرْتُ سَبْقَك للعلا / ولكنّني حتى لحِقْتُ على رسْلِ
حَنَانَيْكَ لا تُطْمِحْ مَطَالِبَ جَرْوَلِي / فَنُشْقي بها أهلَ القُريّةِ من ذُهْلِ
وماليَ من ذَنْبٍ إليكَ عَلْمتُهُ / سوى رِقّةٍ تأتي على رأيِكَ الجزل
أعرنيَ قلباً مثلَ قلبكَ صابراً / تجدْني إذا قلتَ البدارَ على رجْل
ودونك ما أحْبَبْتَ غَيْرِي وَغَيْرَهُ / ولستُ على شيءٍ تُحِبُّ بِمُعْتَلِّ
فإن تأبَ إلى العَجْلَ حين مَلَكْتَهُ / عليَّ فَقَدْ شَطّتْ حَنِيفَةُ عن عجل
وإن تكُنِ الأُخْرَى وأنت مُهَاجِرٌ / فما لكَ لا تَبْكي بِشَجْوٍ إلى الفَضْلِ
لكَ اللهُ لا يَذْهَبْ بِكَ الغيظُ مَذهَباً / يَرُوعُكَ بي بَينَ المطيَّةِ والرَّحْل
وإن تَكُ أوْلى بالتَّمَاسُكِ والنُّهَى / أكُنْ أنا أولى بالغوايَةِ والجهل
وَنُبّئْتُ أنَّ الموتَ يَخْتَرِمُ الفَتى
وَنُبّئْتُ أنَّ الموتَ يَخْتَرِمُ الفَتى / ولم يَقْضِ من لذَّاتِهِ ما يُؤمّل
فإن كان ما نُبئتُ حقاً فإن ذا / لمنتهزٌ وإنَّ ذا لَمُغَفَّلُ
خليليَّ من قَيسَ ابشِرَا فلقدْ قَضَتْ / صُرُوفُ اللَّيالي بالتي لا تُبدّلُ
إذا جاوزَ المرءُ الثلاثينَ حِجّةً / فقد جاوزَ العُمْرَ الذي هُوَ أفضل
فإنْ بَلغَ الخمْسِينَ فهو على شفاً / فما بالَهُ يَعْتَلُّ أو يَتَعَلَّل
ولا تَبلُهُ بعد الثمانينَ إنه / يقولُ على حُكْمِ الزَّمانِ ويفعل
وكلُّ حياةٍ فالمنِيَّةُ بَعْدَها / وللمرءِ آمالٌ تجور وتعدلُ
وما كل منسي الممات فحلد / ولكنه من لم يمت فسيقتل
وَمِنْ دونِ أن يَغْتَرَّ بالعيشِ حازمٌ / حِمَامٌ بإحصاءِ النُّفُوسِ مُوَكّل
وما المال إلا ما تعجلت نفعه / بحيث يراك المرصد المتأجل
ويبخلُ أقوامٌ بما يَتْرِكُونَهُ / أمَا علموا أنَّ اللياليَ أبْخَل
إذا المرءُ ما امتدتْ مسافةُ عُمْرِهِ / فكالظلِّ بيننا يَنْتَهِي يَتَحَوَّل
نَدِمْتُ فهل إلا الندامةُ وَحْدَهَا / واللهِ ما أدري وإني لأوْجَل
ألمْ يأنِ لي أن أخْلَعَ الغيَّ جانباً / أوَلّي به فيما هُناكَ وَاعْزِل
فيا سائلي أين الشبابُ وَمالَهُ / إلا فَسَلِ الأيامَ إن كنتَ تَسْأَل
ويا عاذلي سمعاً إليكَ وطاعةً / بما لم تكن تألو ولا كنتُ أحْفَل
ويا قاتلي لم يَبْقَ للسيفِ مَضْرِبٌ / ولا للرَّدَى حُكْمٌ ولا ليَ مِقْوَل
ولكنَّ ينَّاقاً اهَابَتْ به العُلا / فبادرَهَا يَنْهَلُّ أو يَتَهَلّلُ
على حين لم تُعنَ الرجالَ بِخطّةٍ / من المجدِ إلا قالتِ المالُ أفضل
وحيثُ أُضيعَ الرأيُ واسْتُنجِدَ الهوى / وأَدْهَنَ في الأمرِ الذي هو أفضل
وفي أزمةٍ عن مِثلها يُجْتَلى الضُّحى / فَيَدْجُو ويُسْتجدى الغمامُ فَيبخلُ
وتَنبُو الظُّبَا يُعْصى بها كلُّ أغْلبِ / يُعِلُّ الرَّدى في كلِّ نَفْسٍ ويُنهِلُ
وما النفسُ إلا بعضُ ما يحملُ الفتى / ولكنْ قليلٌ من يُسامُ فيحْمِل
وما يَهَبُونَ المال من شجرٍ به / وإلا فلم قالُوا بهِ وتَقَوَّلوا
ولكنهمْ رامُوا من الفضْل غايةً / فلم يَبْلُغُوها دونَ أن يتفضّلوا
فذاكَ ابنُ عبد اللهِ مَنْ لا يَؤُودُهُ / إذا لم يكنْ من غَمْرةِ الموتِ مَزحَل
كما انبسطتْ كلتا يَدَيهِ إلى العُلا / يصُول فيردي أو يُنِيلَ فَيُجزِل
تدفّقَ جَدْواء وأَشرَقَ نُورُهُ / بأَكثرَ مما امّلوا أو تأَمّلُوا
مُطِلٌّ على الأعْدَاء مستجرىءٌ بهمْ / كما انْسَابَ ايْمٌ أو كما انقضّ اجْدَل
وحسانٍ على العافين بَهْشٌ إليهمُ / كما اهتزّ غُصْنٌ أو كما انسابَ جدول
طويلُ نجادِ السيفِ ماضٍ غرارُهُ / ألا قَلْبُهُ أمْضَى ويُمْنَاهُ أطْوَل
ولدنُ مهزِّ الرمحِ رحبُ مجالِهِ / وقد ضاقَ ذَرْعُ الموتِ فيما يُحَمّل
ونازِعُ مَرْمَى السّهْمِ دانٍ مَرامُهُ / وقد نَبَتِ الأقْدَارُ عمّا يُؤمّل
جنيبٌ ولم يُطْمِعْ مَهِبْبٌ ولم يُخِفْ / ولكنّهُ في كلِّ قلبٍ مُمَثَل
نهارٌ من النّعْمَى مُرَدّي مُؤزّرٌ / وليل من التَّقوى أغرُّ مُحَجّلُ
أمينٌ على ما ضيّع الناسُ واصِلٌ / لما قَطَعوا غَرْثَانُ مما تَعَجّلُوا
له كلّ يومٍ في المكارمِ هِزّةٌ / تطولُ بها اليام أو تَتَطَوّل
إليك تَنَاهَى عِزُّهُمْ وبك اهْتَدَى / فحسبك ما وَلّوْا ودونك ما وَلُوْا
أصِخْ لِلهُدى من مسْعِدٍ وخُذِ المُنَى / على نسقٍ وانظرْ إلى النّجْمِ من عَلُ
وَحَدِّثْهُمُ عن يُوسُفٍ ومُحمّدِ / فما الحكمُ مَردودٌ ولا الأمْرُ مُشكِل
سحابُ النَّدَى كفَّاهُمَا ما تَسَامَيَا / إلى العزِّ إلا وَهْوَ مَجْدٌ مُؤَثَّلُ
وحاشيةُ الفخرِ ارتقبْ لهما العلا / على العِلْمِ يَعءلُو أو على المالِ يَسفُل
سراجُ الدُّجَى بحرُ النَّدَى أَجَلُ النُّهَى / مَعَاً فهما أَسْمَى وأَهْدَى وأَطْوَل
إذا جَنَحَا لِلسَّلْمِ أو بَعَثَا الوغى / فماءٌ وظلٌّ أو مِجَنٌّ ومُنصل
أَتَتْكَ قوافي الشّعْرِ أمَّا مَذَاقها / فَشَهْدٌ وأما نَشْرُهَا فَقَرَنْفُل
جزاءً بما أَولَيْتَهَا وكَفَيْتَهَا / وقد ضاعَ مَحْفوظٌ وَأَدْبَرَ مُقْبِل
سماحُكَ للعليا تمَعَادٌ وضمَبْدأٌ / وبأسُكَ للدنيا مآلٌ وَمَوْئِل
فليسَ بنا إلا إليك تَشَوُّقٌ / وليسَ لنا إلا عليكَ مُعَوَّل
كأنَّ الصّبا فيءٌ أُبادِرُ فَيْأَه
كأنَّ الصّبا فيءٌ أُبادِرُ فَيْأَه / مدىً إنما يجري إلى مِثْلِهِ مِثْلي
تَبَوَّأتُهُ ما امتدّ لي فيه جانب / فلمّا نأى لم أتّبِع فَيئةَ الظلّ
وكنتُ إذا أبصرتُ مَوْضِعَ سلوَةٍ / تخيرتُ فيه مَوْضعاً ومعي عقلي
جديراً بأنْ لا يَنْقُضَ الشَيْبُ حَبْوَتي / وقد باتَ منهُ كلُّ شيءٍ على رِجْلِ
ومكحولةٍ بالسّحْرِ تَرْنُو بِمُقْلَةٍ / يَوَدُّ الدُّجى لو نابَ فيها عنِ الكُحْلِ
خَلُوصٌ إلى الألبابِ تأخذُ للصّبا / من الحِلْم أو تُعْطي الإباءَ على الذلِّ
تَصَدَّت فلم أُوْلَعْ وصدَّت فلم أُرْعْ / تَمَاسُكَ لا قالٍ وإمساكَ لا مَقْلي
ولا وأبيها ما بَلَتْ كَخَلائِقي / على كلِّ حالٍ منْ صُدُودٍ ومن وصل
أعفُّ إذا شاءت وأعْفُو إذا نَبَتْ / أميرُ الهوى والرأي والقولِ والفعل
فَقَلْبي بأَيِّ النظرتين كَرَرتُها / إليها وعنها تلك تُغْرِي ولا تُسْلي
وقد أهْبِطُ الشّعبَ القليل أنيسُهُ / بطامِسَةِ الأعلامِ دارسةِ السُّبْل
يبيتُ القَطَا فيها عن الماءِ شارِداً / ولو باتَ منه كالشّرَاكِ من النّعْل
أُواصل خِلّي ذا المُروءَةِ والحِجى / وإن لم يَبِتْ مني بخمرٍ ولا خَلِّ
وأتْبَعُ عَقْلي ما وَفَى بِحَزَامَتِي / وبَعْضُ عُقُول النّاسِ أجْنِحةُ النّمْل
وأعلمُ أنّيْ رهْنُ يوميَ أو غدي / ولكن رأيتُ العجزَ أزْرى بمنْ قَبْلي
أبيٌّ إذا كانَ الإباءُ سَجِيّةً / من التّركِ للنقصانِ والأخذِ بالفَضْل
وسمْحٌ ولو أنَّ السماحَ ذريعةٌ / إلى الموتِ لا حتّى أقولُ إلى القَتْل
وفيٌّ وقد ضاعَ الوفاءُ وأهْلُهُ / مُصانَعَةً بين الغَوَايةِ والجَهْلِ
خليليَّ منْ يَجْزَعْ فإنّيَ جازعُ
خليليَّ منْ يَجْزَعْ فإنّيَ جازعُ / خليليَّ مَنْ يَذْهَل فإنّيَ ذاهلُ
وفي ذلك القبرِ المُقدَّسِ تُرْبُهُ / عَفَافٌ وإقدامٌ وحَزْمٌ ونائِلُ
دعاني أسِيّاً واسْلُوا إنْ قَدَرْتُما / نَبا مِسمَعي عما تقُولُ العواذِلُ
فؤاديَ خَفَاقٌ ودَمْعيَ ساجِمٌ / ولُبّيَ مَخْبُولٌ وَجِسْمِيَ ناحِل
نَعَوْهُ فقلتُ الآنَ واللهِ أصْبَحت / معالمُ هذا الدينِ وَهْيَ مَجَاهل
وضَمَّ النّدَى يا لهفَ نَفْسِيَ مَلْحَدٌ / سَقَتْهُ فَرَوَّتْهُ السَّحابُ الهَوَاطِل
وَعَهْدِي به طَوْداً إذا عَقَدَ الحُبَا / وبحراً إذاً التفتْ عَلَيْهِ المحَافِل
فواعجبا للنَّعْشِ كيفَ أَطاقَهُ / وقد حَمّلُوهُ فوقَ ما هُوَ حامل
عليك سلامُ الله أَسْلِمْت للْبِلى / فما بَلِيَتْ إلاّ العُلا والفواضل
وذكرُكَ معْمورٌ به كلُّ مَنْزِلٍ / فبشراك أنْ تَبْقَى وتَفْنى المآهل
سراجَ العُلا وابنَ الحماةِ ذِمارَهُمْ / وهل أنتَ ليْ مصغٍ فها أنا قائل
أبُوكَ أبو العَلْيا أُتيحَ له الرّدى / وفيكَ لعمرُ الفضْلِ منهُ شمائل
وكان له مِنْ صَبْرِه ما عَلِمْتَهُ / إذا لعبتْ بالصّابرينَ النَّوازِل
وما قَصّرتْ عَنْ مَجْدِهِ بكَ رُتْبةٌ / صيالُكَ مرهوبٌ وَجُودُكَ شامِل
وما ماتَ مَنْ أبقاكَ خَيْرَ بَقِيّةٍ / تُضارِبُ عَنْ عَلْيَائِهِ وتُناضِل
جَمالَكَ ما تُجْدِي مُكابَدَةُ الأسى / وبالصّبرِ في المكروهِ سادَ الأوائِل
يَعِيبُكَ أعداءُ العُلا بعيوبهمْ / وقد قامتِ الأيام عنْكَ تُجادِلُ
غذ الدهرُ لم ينظر وجودك لا يني / يُباكِرُ رَوْضي منه طَلٌّ ووابل
وَدُونَكَها حَسْبُ النواظرِ والنُّهى / كما زارَ مَحْبُوبٌ وقد غاب عاذل
أَهُزُّ بها عِطْفَيْكَ في كلِّ مَشْهَدٍ / كما اهتزَّ في يُمْنَاكَ أسْمَرُ ذابل
ولم أرَ كالعُشّاقِ أشْقَوا نُفُوسَهُمْ
ولم أرَ كالعُشّاقِ أشْقَوا نُفُوسَهُمْ / وإن كانَ منهمْ مُعْذرٌ ومُلِيمُ
أَما يَشْتَفِي مني الزمانُ يَرُوعُني / وتُقْعِدني أرْزَاؤُهُ وَتُقيمُ
تَنَكّرَ أحبابٌ وبانتْ حبائبٌ / وَلجّتْ أعادٍ بيننا وخُصُوم
وأطْلَعت الأيامُ شيباً بِمَفْرقي / روائِعُ تَلْحى في الصِّبا وتَلُوم
نجومٌ تراءتْ لي فأَيْقَنْتُ أَنّني / سقيمٌ وأنَّ الودَّ منك سقيم
وقالت كفى بالشيبِ للمرءِ حكمةً / فقلتُ وَيَهْوى المرءُ وَهْوَ حكيم
خليليَّ لي عند ابن حمدينَ حاجةٌ / فهل لي بها إلا هواهُ زعيم
ألكِني إليهِ بالسلامِ فإنّهُ / رؤُوفٌ بأَبناءِ الكرامِ رحيمُ
وأَهْدِ إليهِ من ثَنَائي مَفاخراً / لهَ هِمَمٌ في صَونِها وهُموم
هُوَ الغَيْثُ أو فالغيثُ منهُ سَميُّهُ / نَهَشُّ إليه الهُضْبُ وهي وُجُوم
من التغلبيين الأولى وَسِعوا العُلا / إذا بَعِلتْ قيسٌ بها وتميم
بَنُو الحرب أو آباؤُها لم تَزلْ لَهُمْ / عليها ومنهمْ حُرْمَةٌ وَحَريم
بهاليلُ غُلْبٌ لم تُسلَّ سُيُوفُهُمْ / فَتُغْمَدَ إلا والزمانُ لحيم
تَدَفَّقْت دونَ الدينِ بحر منيّةٍ / تموجُ على أعدائِهِ وَتحوم
جميعُ أمورِ الناسِ في كلِّ مَوْقِفٍ / به الليلُ نقْعٌ والرّماحُ نجوم
وقمتَ بِحلِّ المسلمينَ وعَقْدِهِمْ / وَمِثْلُكَ في أمْثَال تلكَ يقوم
فعِثتَ بأبكارِ الخطُوبِ وعُوْنِها / كما هزَّ أعطافَ الغصونِ نسيم
وأطْلَعْتَ من تلكَ العزائمِ كوكباً / أنارَ وشيطانُ النِّفاق رجيم
وقد كانَ ليلاً طبَّقَ الأرضَ والتقتْ / سُهوبٌ على أرْجائِهِ وحُزومُ
فلم يعتكرْ إلا كلا ثم راعَهُ / صباحٌ على عِطْفَيْهِ منهُ وشوم
وإن يكُ يا دارَ الخلافةِ جَنةً / فبُشْرَاكِ هاتا نَضْرَةٌ وَنَعِيم
حَمَى حَوْزَة الإسلامِ فيكِ مُحمَّدٌ / بأَحْمَدِ عيش كان وهو ذميم
من القومِ معسولُ الشَّمائِلِ واضحٌ / وفي الحرب شَشْنُ الساعدينِ شَتِيم
ونعمَ فَتى الهيجا ابنُهُ لا مُواكِلٌ / أَلَفُّ ولا رثُّ السّلاحِ سَؤوم
يَصُولُ بهِ الخطيُّ أرْوَعَ باسلاً / له الشُّهبُ رهطٌ والصَّباحُ أرومُ
تَسامى إلى العلياءِ من كلّ جانبٍ / على كلّ حالٍ والعظيمُ عظيم
يداهُ بها مَرْجُوةٌ أو مَخافَةٌ / ورِيحَاه فيها لاقحٌ وعقِيم
أيُنكِرَ أهْلُ العلم أنّكَ رَوْضَةٌ / يُسِيمونَ فيها والبلادُ هشيِيم
وأنك روحٌ للأنامِ وَرَحْمَةٌ / وأنّكَ كَهْفٌ للعُلا وَرَقيم
أتُوبُ إليكَ اليومَ لستُ بشاعرٍ / وإن كنتُ في وادي الكلامِ أهِيم
ولكنها جَلَّتْ وفي النفسِ حاجَةٌ / عليَّ ديونٌ والوفاء غريم
وإلا يكنْ عندي كلام أُجِيدهُ / وأنت خبِيرٌ بالكَلامِ عليم
فإنَّ وِدَادي وانقطاعي وغُربتي / وأجري وبعضُ القائلينَ أَثيم
هنيئاً لك العيدُ الذي قد جَلَوْتَهُ / أغرَّ وإنْ وافاكَ وهو بهيم
طَوَى الأرضَ والأيامَ نحوكَ يَرْتمي / به عَنَقٌ لا ينقضِي وَرَسيم
نَحَرْتَ بهِ الكفَّارَ في كلِّ مَنْحَرٍ / إذا نُحِرَتْ بُزْلٌ هناكَ وكُومُ
إليكَ قوافي الشّعْرِ أَما ذمامها / فَنَثرٌ وأَما حُسنُها فنظيم
من الكِلمِ اللائي صَدَعْتُ بها الدجى / فأَصبحَ منها الدهرُ وهْوَ كليم
أرَجّمُ فيكَ الظنَّ كلَّ مُرَجَّم
أرَجّمُ فيكَ الظنَّ كلَّ مُرَجَّم / وحاشاكَ لم أرْتَبْ ولم أتَنَدَّم
وعِنْدِي من الودِّ الذي ما انتحى له / سُلُوٌّ ولا أوْدى به لَوْمُ لُوّم
ذكرتُك ذكرَ النازحِ الدار دارَهُ / بحيثُ هواهُ من سحيلٍ ومُبْرَمِ
وأنت بنيتَ المجدَ بالبأسِ والنّدى / وقد هدموه في لبُوسٍ ومطعَمِ
إذا ضلَّ طُلاّبُ المكارمِ سُبْلَها / فأنتَ لها أهدى من اليد للفم
بأيِّ لسانٍ يدعي معَكَ العلا / أخو الجَهْدِ لم يكْرُمْ ولم يتكرَّم
تَوَهّمَ أن البدرَ حيثُ سرى له / فأمَّل يَعْلُوهُ بأقْصرِ سُلّم
على رِسْلِهِ حتى يُرى بينَ أرْبع / تصُدُّ عن العليا بها كلَّ مُحْرم
تَلأْلؤَ دريٍّ وغفضالَ ديمةٍ / وهيبةَ هنديٍّ وإقبالَ ضَيغم
أبا قاسمٍ خُذها عتابَ تَذُّللٍ / وَرُبَّتمَا كانتء عتابَ تَبَرُّم
أَنمْضي الليالي لا تُقضّي مآري / ولو شفّني همّي بها وَتَهمُّمي
غنيتُ بما أعْطِيْتُ عما حُرِمْتُهُ / فالاً أكن مُثْرٍ فلستُ بِمُعْدَم
وأنْكَرتُ ما لاقيتُ ثم عَرَفتُهُ / إذا كان ما لا بدَّ منه فسلّم
ولم أتحدَّثْ بالتي لا أنالُهَا / ومن يَتَعَلَّقْ بالأباطيلِ يُسْلَم
وما تَطْلُبُ الأيّامُ منّي وإنما / أنا المشرفيُّ المُنتَضى في يدِ الكمي
بعَيشِكَ سَلْها كيف كنتُ وقد جَلَتْ / عليَّ الرزايا بين بِكْرٍ وأيِّمِ
وقد وَأبيها مُيّزَتْ حقَّ مَيْزِهَا / فسلنيَ عنها غيرَ عيٍّ ولا عمي
رأيتُ الغِنَى وَقْفاً على كلِّ جاهلٍ / فيا عينَ ذي الجهلِ انْعَمي ثُمّتَ انْعَمي
أبَا قاسمٍ هاكَ الثَّنَاءَ وَإنما / هُوَ الشّوْقُ أرْمِيهِ إليكَ وَيَرْتَمي
تَأهّبَ لي صَرْفُ الزَّمَانِ بِزَعْمِهِ / لقد جُنَّ حتَّى ظنَّ أنّكَ مُسْلمي
أعِدْ نَظْرَةً في صَادقِ الودِّ غَضّهِ / يُواليك إلظَاظَ الحجيجِ بزمزم
تَيَمّمَ حتى عَايَنَ الماءَ مُطْلَقاُ / فهل تُجْزِيَنْ عَنْهُ صَلاة التيمم
أجِدَّكَ لم تَعْجَبْ لجدْبِ مَسَارحي / بحيثُ رأيتُ الرَّوْضَ رَطْبَ التنمنم
وكم نطفة منْ ماءِ وجهي أرَقْتُها / بودّيَ لو أنّي أرَقْتُ لها دمي
وما لمتُ نفسي يومَ جئْتُكَ مادحاً / ولكنّهُ مَنْ يَحْرِمِ اللهُ يُحْرَمِ
أأكسِرُ قوْسِي بعدَ عِلمي بأَنَني / رميتُ فما أخْطَيْتُ شاكلةَ الرَّمي
فؤادٌ على حُكمِ الهوى لا على حُكْمي
فؤادٌ على حُكمِ الهوى لا على حُكْمي / بهيمُ على إثرِ البخيلةِ أو يهمي
متى أشْتَفي من لوعتي وأطيقُها / إذا كان بجنيها فؤادي على جسمي
هنيئاً لسلمى فرطَ شوقي وأنني / ذكرتُ اسمَهَا يومَ النّوى ونسيتُ اسمي
غَداةَ وقفنا بقْسِمُ الشوقُ بيننا / على ما اشترطْنا وارتضتْ سُنّة القسْم
وقد أطْلَعَتْ تلك الهوادجُ أنجماً / تركنَ جفوني في الكرى أُسْوَةَ النجم
فأبْتُ بدمعي لؤلؤاً فوق نَحْرِها / وآبتْ بما في مُقْلَتَيْها من السُّقْم
خليليَّ هل بَعْدَ المشيبِ تَعِلَّةٌ / لذي الجهلِ أو في الحبِّ شُغْل لذي حلم
وهل راجِعٌ عيشٌ لبسناه آنفاً / كيوم يزيدٍ في بيوت بني جَرْم
وهل لي حظٌّ من مُوَاتاةِ صاحبٍ / له قُدْرةُ القاضي وَمَوْجدَةُ الخَصْم
بدتْ رِقّةَ الشَّكوى على حركاتِهِ / ورابَتْكَ في أَعْطافِهِ قَسْوَةُ الظلم
كما اضَّطرَبَ الخطّيُّ في حَوْمَةِ الوَغى / وَصُمُّ المنايا في أنابِيبِهِ الصُمِّ
رَمَاني على فَوْتِ الشبابِ وإنما / تَعَرَّضَ لي لما رآنيَ لا أرْمي
ولم يَدْرِ أنّي لو أشاءُ حَمَلْتُهُ / على رِسْلِهِ إنَّ الحِمَالَةَ كالسَّهم
وَوكَّلَ عيْنَيهِ بإتلافِ مُهْجَتي / سَيَعْلَمُ إن لم يَسْتَجِرْ بي من الغُرْم
أبا جعفرٍ هذي المكارمُ والعُلا / دعاءً بحقٍّ وادعاءً على عِلم
أرى النّاسَ قد باعوا المروَّاتِ فاشْترِ / وقد ضَيَّعُوا ما كانَ منْ حَسَبٍ جمّ
وأنت أحق الناس بالحزم فأته / وصوف العلا بالمال أشبه بالحزم
وأنتَ بعيدُ الهمِّ مقترِبُ الجدا / كريمُ السَّجايا ماجدُ الخال والعم
أبيٌّ إذا لم يدفعِ الضيمَ دافعٌ / بغيرِ حديث الإفكِ والحَلِفِ الإثم
وأكْرَمُ مَنْ يُرْجى لدفعِ مُلِمّةٍ / إذا الطّفْلُ لم يسْكُنْ إلى لُطُفِ الأمّ
وأهْفى بأَلْبَابِ الرِّجالِ من الهَوى / وأخْفَى وراءَ الحادثاتِ من الوهم
وأحْمَى لحوْزَاتِ المعالي منَ الرَّدى / وأسْخى بآمال النُّفُوسِ منَ الحِلم
وذو عَزَمات لو يُساوي بها الرُّبى / لطأطأَها بينَ المذلَّةِ والرُّغْم
تَكَرَّمْتَ عما فيه أدنى غَضاضةٍ / على خُلُقٍ ضاهَتْكَ فيه ابنةُ الكرم
ولم أرَ أحْيَا منك وجهاً ولا يداً / إذا استأثرَ الحرُّ المرَهَّقُ بالطُّعْم
وأصْبَرَ في ظلماءِ كلِّ كريهةٍ / بحيثُ يكونُ الصبر أفرجَ للغمِّ
إذا الخيلُ عامتْ في النجيعِ وأُلْجِمَتْ / بِسُمْر العوالي وهي تَطغَى على اللجم
فلم ترَ إلا عاثراً بدمائه / يحاذر كلماً أو يُدَافِع عن كلم
ولا حصنَ إلا السيفُ في يدِ ماجدٍ / يرى الموتَ دونَ المجدِ غُنْماً من الغُنْم
هنالك حدِّث عن أُبَيَّ وجعفر / وعبد المليك الشمِّ في الرُّتَب الشم
تَسَمّيْتَ بالفضلِ الذي أنتَ أهْلُهُ / ومعناهُ والمذمومُ أجدرُ بالذمّ
وَأُلْبِسْتَ مِنْ وَشْيِ الوزارةِ حُلّةً / تقومُ لها تلكَ المآثرُ بالرقم
وَتَنْميك من سَعْدِ العشيرةِ أُسْرَةٌ / هل الفخرُ إلا ما نَمَتْهُ وما تَنْمي
بهاليلُ أبطالٌ جحاجحُ سادةٌ / كأُسْدِ الشّرى في الحرب كالمُزْنِ في السلم
إذا ركبوا الجُرْدَ الجيادَ إلى الوغى / رأيتَ الأسودَ الضارياتِ على العُصْم
سَيأتيكَ شعري ذاهباً كلَّ مَذْهَبٍ / على شَهِمٍ منْ خُطّةٍ أو على سَهْم
جزاءً بِنَعْماكَ الجزيلة إنني / تَكَرَّمْتُ عن شَيْنِ الصَّنيعةِ بالكتم
وكم لكَ عندي من يدٍ مَلأَتْ يدي / ومنْ نعمةٍ أَوْلى بشعريَ من نُعم
هنِيئاً لك العيدُ الذي أنت عيدُهُ / وعيدٌ لما حاكوا من النثر والنظم
نأى الحجرُ الملثوم فيه فأَحْظِني / بيمناكَ واجعلْ لي سبيلاً إلى اللثم
نسيم الصَّبا لا كنتَ رَوْحاً ولا سَمَتْ
نسيم الصَّبا لا كنتَ رَوْحاً ولا سَمَتْ / لك المُزْنُ إلا وَهْيَ هِيمٌ حوائمُ
ولا استودعَتْكَ الروضُ طيباً وإن سقتْ / رسيسَ الهوى المكتومِ تلك النمائم
كما لم تبلّغْ عن أخيكَ وقد قضتْ / له حُرُماتٌ جمَّةٌ ومحارمُ
لعلَّكَ إذ خِلْناك أخللتَ صمَّمت / إليك الظُّبَا أو أوْثَقَتْكَ الأداهم
وإلا فقد ضاعتْ حقوقٌ وأخفقت / وسائل وانهدَّتْ بُنَىً ودعائمُ
فحسبُكَ لا تسْتَنْكِرِ العُذْرَ بَعْدَها / وإن يَكُ بَغْياً فهو لا شَكَّ لازمُ
ونبّئْتُ عَمْراً ساد لخمَ بأَسرِها
ونبّئْتُ عَمْراً ساد لخمَ بأَسرِها / فقلتُ لهم إيهٍ وإن رَغِمَتْ لخمُ
فتاها الذي سنَّى لها البأسَ والنَّدى / وسوَّدَهُ فيها وفي غيرها الحِلم
وَمِدْرَهُها في كلِّ حقٍّ وباطلٍ / إذا لم يكنْ إلا الحسامَ له خَصمُ
وفارسُ هَيْجاها وجامعُ أمرها / إذا هزَّها غُنْمٌ وأثْقَلَها غُرْمُ
له صفتا بأسٍ وجودٍ تلاقتا / عليه وإن قالوا هما لقْبٌ واسْمُ
نَمَتْهُ بنو ماءِ السماءِ وربّما / أنافَ بعلياها سرادِقُها الضخم
بنو كلِّ مشهور المقام كأنما / على وجْهِهِ منْ حُسْن أفْعَالهِ وسم
تسيلُ على أرماحهِ نفسُ قِرْنِهِ / ولو أن بهرامَ النجومِ له جسم
ويجري على أقلامه حكم هذه / إذا شاءَ يوْماً أن يجوزَ له حكم
عُلاً حلَّ إبراهيمُ من هَباتها / بحيثُ التقى من صَدْرِكَ العزْم والحزم
ودافعَ حجاجٌ وعمرو وأحمدٌ / كواكبُ مَنْ يسْري وأطوادُ من يَسْمو
نجومُ سماءِ المُلْكِ أطواد أرْضِهِ / إذا لم يُنِفْ طودٌ ولمَّا يسِرْ نجم
ملوكٌ بنوا بالمرهفاتِ قِبابَهُم / فزاحمتِ الجوزاءَ أركانُها الشم
قبابٌ حواليها المكارمُ والعُلا / وضرْبُ الهوادي والزَّعامة والرغم
أبا حكم قد أكثبَ الدهر فارْمِهِ / فإنك رامٍ لا يطيشُ له سهم