المجموع : 84
دعا فأجابوا والقلوبُ صَوادِفُ
دعا فأجابوا والقلوبُ صَوادِفُ / وقالوا اسْتَقمنا والهَوى مُتجانِفُ
مَضَى العهدُ لا حربٌ تُقامُ ولاأذىً / يُرامُ ولا بَغْيٌ عنِ الحقِّ صَارِفُ
لهم دَمهُم والدّينُ والمالُ ما وَفَوْا / فإن غَدروا فالسّيف وافٍ مُساعِفُ
سياسةُ من لا يَخدعُ القولُ رأيَهُ / ولا يَزدهيهِ باطلٌ منه زَائِفُ
رَسولٌ له من حكمةِ الوَحْيِ عاصمٌ / ومن نُورهِ في ظُلمةِ الرأيِ كاشِفُ
يُسالِمُ من أحبارِهم وسَراتِهم / رِجالاً لهم في السّلمِ رأيٌ مُخالِفُ
يَغيظهُم الإسلامُ حتَّى كأَنَّما / هُوَ الموتُ أو عادٍ من الخطبِ جَارفُ
إذا هَتَفَ الدّاعي بهِ اهْتَاجَ نَاقِمٌ / وأعْوَلَ مَحزونٌ وأجْفَلَ خائِفُ
إذا ما تَردَّى في الضّلالةِ جاهِلٌ / فما عُذرُ مَن يأبَى الهُدى وَهْو عَارِفُ
يَقولونَ قَوْلَ الزُّور لا عِلَم عندَنا / كَفَى القومَ عِلماً ما تَضُمُّ المصاحفُ
لهم من سنَا التَّوراةِ هادٍ وللعَمى / رُكامٌ على أبصارِهم مُتكاثِفُ
دَنا الحقُّ من بُهتانِهم ورَمَى بهم / إلى الأمدِ الأقصَى هَوىً مُتقاذِفُ
عَنا ابْنَ أُبيٍّ من هَوى التّاج لاعجٌ / وطافَ به من نَشوةِ المُلكِ طائفُ
جَرى راكِضاً مِلءَ العنانَيْنِ فانتحى / له قَدرٌ ألقَى به وَهْوَ راسِفُ
فما مِثلُه في مَشهدِ الإفكِ فارحٌ / ولا مِثلهُ في مَشهدِ الحقِّ آسفُ
ظُنونٌ يُعفّيها اليقينُ ودَولةٌ / من الوهمِ تذروها الرياحُ العواصفُ
يُهيبُ بأضغانِ اليهود يَشُبُّها / عَداوةَ قومٍ شرُّهم متضاعفُ
وما بَرَحَ الحَبْرُ السَّمينُ يَغرُّهم / ويأكلُ من أموالِهم ما يُصادِفُ
أعدُّوا له المرعىَ فَراحَ مُهبَّلاً / كَظنِّكَ بالخِنزيرِ واتاهُ عَالِفُ
يَنوءُ بِجَنْبيهِ ويرتجُّ ماشياً / إذا اضطربتْ منه الشَّوى والرَّوانفُ
رَماهم بها عَمياءَ لم يَرْمِ مَعشراً / بأمثالها أحبارُهُم والأساقفُ
فقالوا غَوى ابنُ الصّلتِ وانفضّ جمعهم / يُريدون كعباً وَهْوَ خَزيانُ كاسِفُ
رَمَى الصادقُ الهادِي لَفِيفَة نفسِهِ / بصداعةٍ تَنشقُّ منها اللّفائفُ
فأما لَبيدٌ فَاسْتعانَ بسحرِه / رُويداً أخا هاروتَ تلك الطرائفُ
أعندك أن السّحرَ للّهِ غالبٌ / تأمَّلْ لبيدٌ أيَّ مهوىً تُشارِفُ
وَشاسُ بنُ قيسٍ هاجَها جاهليَّةً / تَطيرُ لِذكراها الحلومُ الرَّواجفُ
يُقلِّبُ بين الأوسِ والخزرجِ الثَّرى / وقد وَشجتْ فيه العُروقُ العواطِفُ
يُذكّرهُم يومَ البُعاثِ وما جَنْت / رِقاقُ المواضِي والرماحُ الرواعِفُ
غَلتْ نَخواتُ القومِ ممّا استفزَّهم / وراجعَهم من عازِبِ الرأيِ سالِفُ
وخَفّوا يُريدونَ القِتالَ فَردَّهم / نبيٌّ يَردُّ الشَّرَّ والشّرُّ زاحِفُ
دعاهم إلى الحُسنَى فأقبلَ بعضُهم / يُعانِقُ بعضاً والدُّموعُ ذوارِفُ
أتى ابنُ سلامٍ يُؤثِرُ الحقَّ مِلّةً / وينظرُ ما تأتي النُّفُوسُ العوازِفُ
تسلّلَ يستخفي وأقبلَ قومُه / وللؤمِ منهم ما تَضمُّ الملاحِفُ
فقيل اشهدوا قالوا عرفناه سيّداً / تجلُّ مَساعيه وتعلو المواقفُ
هو المرءُ لا نأبَى من الدّينِ ما ارْتَضى / ولا نَدَعُ الأمرَ الذي هو آلِفُ
فلمّا رأوهُ خارجاً يَنطُق التي / هي الحقُّ قالوا عاثِرُ الرأيِ عاسِفُ
ظننّا بهِ خَيراً ولا خيرَ في امرئٍ / أبوه أبو سُوءٍ على الشرِّ عاكِفُ
ظلمناهُ لم يُوصَفْ بما هو أهلُه / فماذا له إن أخطأ الرُّشدَ واصِفُ
تَرَامَوْا بألقابٍ إذا ما تتابعْت / تتابعَ شُؤبوبٌ من الذمِّ واكِفُ
أهاب أبو أيوب ردوا حلومكم / أعند رسول الله تلقى المآزف
وقال الرسولُ اسْتَشعِرُوا الحلمَ إنّما / يَسودُ ويستعلِي الحليمُ المُلاطِفُ
أتُؤذونَ عبدَ اللّهِ أن يتبعَ الهُدى / فيا ويحَهُ من مؤمنٍ ما يُقارِفُ
أهذا هو العهدُ الذي كان بيننا / أهذا الذي يَجْنِي العقيدُ المحالِفُ
تَولَّوا غِضاباً ما تَثوبُ نُفوسُهم / ولا تَرْعَوِي أحقادُهم والكتائِفُ
يُذيعونَ مكروهَ الحديثِ وما عَسى / يقولون والفُرقانُ بالحقِّ هاتِفُ
إذا بَعثوا من باطلِ القولِ فتنةً / تَلقّفها من صادقِ الوحيِ خاطِفُ
يُشايِعهُم في القومِ كلُّ مُنافقٍ / إلى كلِّ ذِي مَشنوءَةٍ هو دالِفُ
شَديدُ الأذى يُبدِي من القولِ زُخرفاً / وكالسّمِّ منه ما تُواري الزَّخارفُ
زَحالفُ سُوءٍ ما يَكفُّ دبيبُها / وأهونُ شيءٍ أن تَدُبَّ الزّحالِفُ
أقاموا على ظُلمٍ كأنْ لم يكنْ لهم / من العدلِ يوماً لا محالةَ آزفُ
لكلِّ أُناسٍ يعكفون على الأذى / مَعاطِبُ من أخلاقِهِم ومتالفُ
رُويدَ يَهودٍ هل لها في حُصونِها / مِنَ البأسِ إلا ما تَظنُّ السّلاحِفُ
يَظنُّونَ أنْ لنْ يَنسِفَ اللّهُ ما بنوا / ولن يثبتَ البنيانُ واللّهُ ناسِفُ
سَيلقَوْنَ بُؤساً بعد أمنٍ ونعمةٍ / فلا العيشُ فيّاحٌ ولا الظلُّ وارِفُ
بِسيفك فيما اخترتَ من عاجلِ القتلِ
بِسيفك فيما اخترتَ من عاجلِ القتلِ / سُقِيتَ ذُعافَ الموتِ فَاشْربْ أبا جَهلِ
هُو السّيفُ لولا الجبنُ لم يَمْضِ حدُّه / ولم يَرْضَ في جِدّ الكريهةِ بالهزلِ
شَهِدْتَ الوغَى تَبغِي على الضّعفِ راحةً / لِنَفْسِكَ من حِقدٍ مُذيبٍ ومن غِلِّ
أفرعونُ إن تجهلْ فلن تَجهَل الوغَى / فَراعينَها مِن ذي شَبابٍ ومن كَهْلِ
أصابَك فيها ما أصابَك من أذىً / وفاتَك ما نالَ الرُّوَيْعِيُّ من فَضْلِ
رَماكُ مُعاذٌ قبله ومُعوّذٌ / وجاءك مَشبوباً حَمِيَّتُهُ تَغلي
سَقى السّيفَ عفواً من دمٍ لك طَيِّعٍ / فَمِن مُرتقَىً صعبٍ إلى مُسْتَقىً سَهْلِ
دَعِ الهزلَ يا ابْنَ الحنظليَّةِ إنّه / هو الجِدُّ كلُّ الجِدِّ لو كنتَ ذا عقلِ
هِيَ اللاّتُ والعُزَّى أضلّتْكَ هذِهِ / وزادتْكَ هذي من ضلالٍ ومن خَبْلِ
مَضَى جارُك المأفونُ خَزيانَ وَانْقَضَتْ / حِبالُك فَانْظُرْ هل ترى الآن من حَبْلِ
لقد كنتَ ترجو أن ترى الهُبَلَ الذي / رَضِيتَ به رَبّاً يَفوزُ ويَسْتَعْلِي
أصبتَ ابنَ مسعودٍ سَناءً ورفعةً / وباءَ عدوُّ اللّهِ بالخِزي والذُّلِّ
فَخُذْ سَيْفَهُ ثم ارفعِ الصَّوتَ شاكراً / فما بعدَ ما أعطاكَ ربُّك من سُؤْلِ
على ذكرها فليعرفِ الحقَّ جاهلُهْ
على ذكرها فليعرفِ الحقَّ جاهلُهْ / ويُؤمنْ بأنّ البغيَ شتَّى غَوائلُهْ
هِيَ الغزوةُ الكبرى هَوى الشّركُ إذ رمت / جَحافِلُها العظمى وولّت جَحافلُهْ
وأصبح دينُ اللهِ قد قام رُكنُهُ / فَأقصرَ من أعدائهِ مَن يُطاوله
بَنَتْهُ سيوفُ اللهِ بالعزمِ إنّه / لأصلبُ من صُمِّ الجلاميدِ سائله
تَكِلُّ قُوى الجبّارِ عما تُقيمه / عليه يَدُ الباني وتنبو مَعاوِله
أهاب رسولُ اللهِ بالجندِ أقدِموا / ولا ترهبوا الطاغوتَ فاللّهُ خاذله
أما تنظرون الأرض كيف أظلَّها / من الشّركِ دينٌ أهلك النّاسَ باطله
خُذوه ببأسٍ لا تطيشُ سهامُه / فأنتم مَناياهُ وهَذي مقاتله
علينا الهُدَى إمّا بآياتِ ربّنا / وإمّا بحدِّ السّيفِ لا خابَ حامله
إذا أنكر القومُ البراهينَ أخضعت / براهينُه أعناقَهم ودلائله
مضى البأسُ بَدْرِيَّ المشاهدِ تَرتمِي / أعاصيرهُ ناراً وتَغلِي مراجله
وضَجَّ رسولُ الله يدعو إلهه / فيا لكَ من جندٍ طوى الجوَّ جافله
تَنّزلَ يُزجي النصرَ تنسابُ من عَلٍ / شآبيبُه نوراً وينهلُّ وابله
أحيزومُ أقدِمْ إنه الجِدُّ لن يرى / سواه عدوٌّ كاذبُ البأسِ هازله
هو الله يحمي دينَه ويُعزُّه / فمن ذا يناويه ومن ذا يُصاوله
تمزّقَ جيشُ الكفر وانحلَّ عقدُه / فخابت أمانيه وأعيت وسائله
وما برسولِ الله إذ ناله الأذى / سوى ما ارتضت أخلاقُهُ وشمائله
نبيٌّ يُحبُّ الله حُبَّ مجاهدٍ / يرى دَمهُ من حقّه فهو باذله
يُعظّمهُ في نفسِهِ ويُطيعُهُ / وما يقضِ من أمرٍ له فهو قابله
كذلك كان المسلمونَ الأُلى مضَوْا / فيا لكَ عصراً يبعثُ الحزنَ زائله
صَدفنا عن المُثلى فأصبحَ أمرُنا / إلى غيرنا نَهذِي به وهو شاغله
يُجالِدُ من يَبغِي الحياةَ عدوَّه / فيا لعدوٍّ لم يَجد من يُجادله
بنا من عوادِي الدّهرِ كلُّ مُسلَّطٍ / مَكائدُه مبثوثةٌ وحبائله
قضينا المدى ما تستقيمُ أمورنا / وهل يستقيم الأمرُ عاليه سافله
عَجِبتُ لقومي عُطّلَ الدّينُ بينهم / وجُنُّوا به والجهلُ شتَّى منازله
يُحبّونه حُبَّ الذي ضلَّ رأيُه / فَقاطعهُ منهم سواء وواصله
صلاةٌ وصَومٌ يَركضُ الشرُّ فيهما / حَثيثاً تَهزُّ المشرقَيْنِ صَواهِله
وكيف يقومُ الدّينُ ما بين أمّةٍ / إذا عُطِّلتْ آدابُه وفضائله
سلامٌ علينا يوم يصدقُ بأسُنا / فيمضِي بنا في كلّ أمرٍ نُحاوله
ويومَ تكونُ الأرض تحت لوائِنا / فليس عليها من لواءٍ يُماثله
أنمشي بِطاءً والخطوبُ تَنوبُنا / سِراعاً وعادِي الشرِّ ينقضُّ عاجله
ألا همّةٌ بدريّةٌ تكشفُ الأذى / وتشفِي من الهمِّ الذي اهتاجَ داخله
ألا أمةٌ تنهَى النفوسَ عن الهوى / وتُصْغِي إلى القولِ الذي أنا قائله
ألا دولةٌ للحقِّ تسلك نهجه / وتمشِي على آثارهِ ما تُزايله
إذا نحن لم نَرشدْ ولم نتبعِ الهُدَى / فلا تنكروا يا قومُ ما الله فاعله
تأنَّ ابنَ حربٍ لستَ في مثلها جَلْدا
تأنَّ ابنَ حربٍ لستَ في مثلها جَلْدا / قصاراك أن ترتدَّ حرّانَ أو تَرْدَى
هي الغارةُ الحَرّى فإن شِئتَ فانطلِقْ / وإن شئت فاقعدْ واتّخذْ مضجعاً بَرْدا
جلا السيفُ في بدرٍ لعينك ما جلا / وأبدى لك النَصْرُ المؤزَّرُ ما أبدى
حلفت لئن لم تأتِ طِيبةَ غازياً / لَتجتنبَنَّ الطيبَ والخُرَّدَ المُلْدا
أتغزو رسولَ الله أن هدَّ بأسُه / من الكفر سدّاً ما رأى مثله سدّا
كذلك وعدُ اللهِ لو كنت مؤمناً / لأيقنت أن اللهَ لا يُخلف الوعدا
جَرى طيركُم نحساً ببدرٍ ولن تروا / لكم ما عبدتم غيره طائراً سعدا
أمضَّك وَجدٌ مُتلِفٌ من مُحمدٍ / ولستَ أبا سُفيانَ إن لم تَزِدْ وجدا
رُويداً هداك الله إنّك لن ترى / له في الوغى إن هجتَه للوغى نِدّا
أراك غررت القومَ إذ رحت مُوجفاً / تُخادعهم عن حلفةٍ لم تكن جِدّا
ذهبتَ تقودُ الجندَ يا لك قائداً / ويا للألى سِيقوا إلى يثربٍ جُندا
تُحاول نصراً من حُيَيِّ بن أخطبٍ / وصاحبهِ هيهات زِدتَ المدى بعدا
رُددت عن البابِ الذي جئت طارقاً / فيا لك سهماً ما ملكت له ردّا
وما نِلتَ خيراً إذ أتيت ابن مشكمٍ / وكنت امرأ أعمى الهوى لا يرى رشدا
بعثت على النخل الرجالَ فلم تَدَعْ / لنفسك عزّاً تبتغيه ولا مجدا
شببت بهم ناراً تَراءى لهيبُها / بعينك يُبكي الضال أو يضحكُ الرندا
فوارسُ راحوا خفية في سيوفهم / فما وجدوا سيفاً ولا صادفوا غمدا
يُصيبونها شتّى الجَنى وكأنما / يُصيبون من أعدائهم معشراً لُدّا
تولَّوا سراعاً بعد مقتل معبدٍ / وصاحبهِ والخيلُ تتبعهم جُردا
عليها من الغُرِّ الميامين فتيةٌ / تُبادر وِردَ الموتِ تلتمس الخلدا
دعاها الرسولُ المجتبى فكأنما / دعا عاصفاً صعباً يعدُّ القوى هدّا
مضى ومضوا إثر السراحين ترتمي / إلى شيخها مذعورةٌ تتقي الأسدا
فلما رأى الجدَّ استطار ولم يجد / من الأرض يَهوِي في مساربها بُدّا
يصيح بجند السوء ألقوا بزادكم / وفروا خفافاً لا يكن أمركم إدّا
وطاروا شَعاعاً للسَّويقِ وراءهم / رُكامٌ إلى أعداءِ أربابهم يُهدي
هُمُ رفدوهم كارهين ولو وفوا / بأيمانهم كانوا لأسيافهم رِفدا
إليك ابنَ حربٍ إنّ للحربِ جذوةً / إذا هيّجتْ ذا نجدة زادها وَقدا
هي النصرُ أو عادٍ من الموت واقعٌ / بكل كمِيٍّ لا مفرَّ ولا معدى
فررتَ تخاف الفقد في حَوْمَةِ الوغى / بأيدي الألى يستعذبون بها الفقدا
أفي الحق أن لا تعبدَ الله وحدَه / وتسجدَ للعُزَّى تكونُ لها عبدا
سبيلان شتّى أنت لا بد عالمٌ / إذا ما استنبتَ الرشد أيهما أهدى
رجعتَ مغيظاً لم تنلْ وِتْرَ هالكٍ / ولم تشفِ غيظاً من ذويك ولا حقدا
تصُدُّ قريشٌ عنك مما كذَبْتَها / ومنيّتها يا طولَ همّك لو أجدى
قُلِ الحقَّ ما للعالمين سكينةٌ / على الأرضِ حتى يَعبدُوا الواحدَ الفردا
يقول أبو سُفيانَ أودى مُحمدٌ
يقول أبو سُفيانَ أودى مُحمدٌ / قتيلاً ويأبى الشيخُ إلا تماديا
فلما أراد الحقَّ أقبل سائلاً / فأبدى له الفاروقُ ما كان خافيا
وقال له لا يَعْلُ صوتُك إنّه / لَيسمعُه مَن جاءَ بالحقّ هاديا
كذلك ظنّ القومُ إذ طاحَ مُصعَبٌ / فراحوا سُكارى يُكثرون الدعاويا
وَريعتْ قلوبُ المؤمنين فأجفلوا / يخافون من بعد النبيِّ الدواهيا
وزُلزِلَ قومٌ آخرون فأدبروا / سِراعاً يَجرُّونَ الظُّبَى والعواليا
يقولون ما نبغي وهذا نبيُّنا / تردَّى قتيلاً ليته كان باقيا
فما أقبلوا حتّى انبرت أُمُّ أيمنٍ / وقد جاوزَ الغيظُ الحشا والتراقيا
تُدافِعُهم غضبَى وتحثو ترابها / تُعفِّر منهم أوجُهاً ونواصيا
تقول ارجعوا ما بالمدينة منزلٌ / يُبارِكُ منكم بعد ذلك ثاويا
أمِن ربّكم يا قومُ تبغون مهرباً / فيا ويحكم إذ تتَّقون الأعاديا
ألا فانصروا الدّينَ القويمَ وجاهدوا / جِهاداً يُرينا مصرعَ الشِّركِ داميا
فَمن خاف منكم أن يعودَ إلى الوغى / فذا مغزلي وليعطني السَّيفَ ماضيا
لكِ الخيرُ لو تدرينَ ما قال معتبٌ / لأرسلتِ شُؤبوباً من الدمعِ هاميا
جزى الله ما قدَّمتِ يا أمَّ أيمنٍ / من الخيرِ تقضينَ الحُقوقَ الغواليا
تَطوفينَ بالجرحَى تُواسِينَ شاكياً / يَمُجُّ دماً منهم وتسقين صاديا
سعَى بك من إيمانِك الحقِّ دائبٌ / يَفوتُ المدى الأقصى إذا جدَّ ساعيا
عَجِبتُ لمن يَرمِيك ماذا بدا له / أطاشتْ يداهُ أم رمى منك غازيا
ألم ير هنداً يرحم السَّيفُ ضعفَها / فَيَصدف عنها وافِرَ البرِّ وافيا
تَورَّعَ عنها مُؤمنٌ ليسَ دينهُ / كدينِ حُبابٍ إنّه كان غاويا
جَزاهُ بها سعدٌ إساءَة ظالمٍ / فأمسى رسولُ اللهِ جذلانُ راضيا
وإذ أنزل الله النعاس فأمسكت / جوانح لولا الله ظلت نوازيا
كذلك إيمان النُّفوسِ إذا رَسَتْ / قَواعِدُه أمستْ ثِقالاً رواسيا
يَنامُ الفتَى والموتُ يلمس جَنبَه / ويَرجِعُ عنه واهنَ الظّفرِ واهيا
يُجانِبُهُ حتّى إذا جاءَ يَومُه / فأبعدُ شيءٍ أن يُرَى منه ناجيا
فما اسطعتَ فاجعل مِن يقينك جُنَّةً / كفى بيقينِ المرءِ للمرءِ واقيا
هَوتْ من عيونِ الهاجِعينَ سَناتُها / ولاحتْ عُيونُ الحربِ حُمراً روانيا
وهبَّ أميرُ الغيلِ يدفعُ دونه / ويُولِعُ بالفتكِ اللّيوثَ الضواريا
يُزلزِلُ أبطالَ الكريهةِ مُقدماً / ويَصرعُهم في حَوْمَةِ البأسِ داميا
توالت جراحاتُ الكَتومِ فأسأَرتْ / بهم أثراً من ساطعِ الدّمِ باديا
تضِنُّ بنجواها وتكتُم صوتَها / لِيَخْفى من الأسرارِ ما ليس خافيا
تظلُّ شظاياها تَطايَرُ حوله / وللرّمْيِ ألهُوبٌ يُواليه حاميا
هو القائد الميمونُ ما خاض غمرةً / فغادرها حتَّى يَرى الحقَّ عاليا
أبا طلحةَ انْظُر كيف يرمِي وجارِهِ / قضاءً على القومِ المناكيدِ جاريا
ويا سعدُ لا ترفَقْ بقوسكَ وَارْمِها / سِهاماً أصابت من يدِ اللّهِ باريا
ودونك فاضربْ يا سهيلُ نُحورهَم / ودعني أصِفْ للنّاسِ تلك المرائيا
وعينَك فَاحْمِلْ يا قتادةُ عائذاً / بمن لا ترى مِن دونه لك شافيا
ألا ليتني أدركتُ أمَّ عمارةٍ / فألثُم منها مَوطِئَ النّعلِ جاثيا
وأشهدُ من حولِ النبيِّ بلاءَها / وأُنشِدُها في اللّهِ هذي القوافيا
وأجعلُ من وجهِي وَقاءً لوجهها / إذا ما رماها مُشرِكٌ من أماميا
ويا ليتَ أنّي قد حملتُ جِراحَها / وكنتُ لها في المأزقِ الضّنكِ فاديا
تَفِيضُ على الجرحى حناناً وتَصطلِي / من الحربِ ما لا يصطلي اللّيثُ عاديا
كذلك كان المسلمونَ وهذه / سجايا اللواتي كنَّ فيهم دراريا
إذا الحادثاتُ السّودُ عبَّ عُبابها / كَففنَ البلايا أو كشفنَ الدياجيا
مَناقِبُ للدنيا العريضةِ هِزَّةٌ / إذا ذُكِرتْ فَلْيَشدُ من كان شاديا
لها من معاني الخُلدِ كلُّ بديعةٍ / فيا ليتَ قومي يفهمون المعانيا
ووأسفي إن لم تَجِدْ من شُيوخِهم / حَفِيظاً يُلقَّاها ولم تُلْفِ واعيا
إذا ما رأيتَ الهدمَ للقومِ دَيْدَناً / فوارحمتا فيهم لِمَنْ كان بانيا
إليك أبا سُفيانَ لا الوعدُ صادقٌ
إليك أبا سُفيانَ لا الوعدُ صادقٌ / ولا أنت ذو جِدٍّ ولا القومُ أبطالُ
أتاك ابنُ مسعودٍ بأنباءِ يثربٍ / فما تنقضي منكم همومٌ وأوجال
لكم عند بدرٍ في لواء محمدٍ / خطوبٌ تَرامَى بالنّفوسِ وأهوال
هنالك قومٌ يا ابن حربٍ كأنّهم / إذا عَصفتْ ريحُ الكريهةِ أغوال
جُنودٌ عليها من عليٍّ مُظَّفرٌ / لدى الرَّوْعِ جيّاش على الهَوْلِ جَوّالُ
دَع المرءَ يذهبْ بالأباطيلِ مُرجِفاً / وَعِدْهُ جزاء الإفكِ لا حبّذا المال
تَردّدَ يخشى منك شِيمَة مُخلِفٍ / يقولُ فلا وَعدٌ وَفِيٌّ ولا قال
تمسَّك من قولِ ابن عمروٍ بمَوْثِقٍ / وطارت به في الجو هوجاء مجفال
مضى يصف الكفار وصف مهول / يقولُ جموعٌ ما تُعَدُّ وأرسال
فما وجفت تلك القلوبُ ولم تكن / كأخرى لها من هَدَّةِ الرُّعبِ زلزال
رِجالٌ رسا الإيمانُ مِلءَ نُفوسهم / فلا الجبنُ مَنجاةٌ ولا البأسُ قَتَّال
ولا الموتُ مكروهٌ على العزِّ وِردُه / ولا العيشُ مورودٌ إذا خِيفَ إذلال
تَداعَوْا فقالوا حسبُنا اللهُ إنّه / لِما شاءَ من نصرِ الهُداةِ لَفعّال
وأرسلها الصِّدِّيقُ دِيمةَ حِكمةٍ / لها من فمِ الفاروقِ سَحٌّ وتَهطال
محمدُ إنّ اللّهَ ناصرُ دينِهِ / ومُظهِرهُ والحقُّ أقطعُ فَصّال
لهم مَوعِدٌ لا بدّ منه ومَورِدٌ / من الحتفِ تغشاهُ نفوسٌ وآجال
عَزيزٌ علينا أن تكونَ مَقالةً / يُردّدُها قومٌ مَهاذيرُ جُهَّالُ
يقولون لولا الخوفُ منّا لأقبلوا / وإنَّا لإقدامٌ حثيثٌ وإقبال
وخفَّ أبو سُفيانَ يكذبُ نفسَهُ / ويُشهِدُها من خيفةٍ كيف يحتال
يقول وقد وافى الرجالُ مَجنَّةً / أيا قومنا مهلاً فإنّا لَضُلّال
أيا قومنا إنّا نرى العامَ مُجدِباً / وشرُّ عَتادِ الحربِ حَدبُ وإمحال
فعودوا إلى عامٍ من الخصبِ صالحٍ / ولا تقربوا الهيجاءَ فالقومُ أصلال
تَقّدمَ جيشُ اللّهِ وارتدَّ جيشُهم / وما فيه أكفاءٌ تُهابُ وأمثال
وأين من الصّيدِ المصاليتِ معشرٌ / لهم من مواليهم لدى البأسِ خُذّالُ
لبئس الموالي ما تَزالُ تغرّهم / ظنونٌ كأحلامِ النّيامِ وآمال
ألا إنَّها الدنيا أُعِيدَ بناؤها / وَصِيغَ لها رسمٌ جديدٌ وتمثال
فلا شأنُها الشأنُ الذي كان يرتضِي / بَنُوها الأُلى بادوا ولا حالُها الحال
عفا السّالفُ المغبَرُّ من سيِّئاتها / فتلك بقاياها قبورٌ وأطلال
أتبقى قلوبُ النّاسِ في ظُلماتها / تَظاهرُ أكنانٌ عليها وأقفال
هو النّورُ نورُ اللّهِ يملأُ أرضَه / فتلقَى الهُدى فيه عصورٌ وأجيال
أتى مطلقُ الأسرى يُحرِّرُ أنفساً / لها من سجاياها قيودٌ وأغلال
كذلك يَشقى الجامحُ المتعسِّفُ
كذلك يَشقى الجامحُ المتعسِّفُ / ويركبُ متن الظُّلمِ مَن ليس يُنصِفُ
يَموتُ بِسُوءِ الرأيِ مَن ساءَ خُلقه / وللمرءِ ذِي التقوى عن الغَيِّ مَصْرَفُ
أضاعَ الزبيرُ الأمرَ والأمرُ مُقبِلٌ / وآثر حَدَّ السَّيْفِ والسَّيفُ يَصدُفُ
سَعَى ثابتٌ يَجزِيه سالِفَ صُنعِه / لَدَى مُحسنٍ يُسدِي الجميلَ ويَعطفُ
فقال رَسولَ اللهِ جئتُكَ شافعاً / لشيخٍ دعاني ضارعاً يتلهّفُ
حباني دمي يوم البعاث وفكَّني / وتلك يد بيضاء للشيخِ تُعرفُ
فَهَبْهُ رسولَ اللهِ لي إنّني به / على ما ترى من شأنهِ لَمُكَلَّفُ
فقال فعلنا ثم عادَ شَفِيعُه / يُبَشِّرُه بالعفوِ والشيخُ يَرجُفُ
فَجدَّ له في المُحسنِ السَّمحِ مَطمعٌ / وقال حَياةٌ شرُّها ليس يُوصَفُ
بنيَّ وأهلي ليس لي إن فقدتُهم / سِوى الموتِ إنّي عن حياتي لأعزِفُ
فلما تسنَّى الأمرُ قال لثابتٍ / أنَبقى بلا مالٍ فَنَشقَى ونتلَفُ
وجادَ رسولُ اللهِ بالمالِ رحمةً / وبِرّاً فراحَ الشيخُ يهذِي ويَهرفُ
يسائل عن كعبٍ وساداتِ قومِهِ / ويُطرِي سجاياهم فيغلو ويُسرِفُ
توجَّعَ لمّا قِيلَ ذاقوا حِمامَهم / وقال أُريدُ الموتَ فالعيشُ أخوفُ
خُذِ السَّيفَ واضرب يا ابن قيسٍ فإنّهم / هم الصحبُ مالي بعدهم مُتَخلَّفُ
كفى حزناً يا صاحبي أن تَضُمّني / ديارٌ بهم كانت تُحَبُّ وتُؤلَفُ
أرِحْنِي أرحني يا ابنَ قيسٍ بضربةٍ / تبيتُ لها نفسي تَرِفُّ وتَنطِفُ
تَزوّدتُ من نَأْيِ الأحبّةِ غُلّةً / فهل أنت للصّادي المعذّبِ مُسْعِفُ
فقال معاذَ اللَّهِ لستُ بفاعلٍ / ومِثْلِيَ يأبَى ما تُريدُ ويأنَفُ
وجاءَ به يلقى الزُّبيرَ على أسىً / يُغالِبُه والموتُ بالشَّيخِ يَهتفُ
وقال اسْقهِ رِيِّ الغليلِ مِنَ الردَى / فطاحَ به ماضي الغِرَارَيْنِ مُرهفُ
فيا لكَ من رأيٍ سفيهٍ ومركبٍ / كريهٍ وخطبٍ فادحٍ ليسَ يُكشَفُ
قَضَى ثابتٌ حَقَّ المروءَةِ وافياً / وبَرَّ رسولُ اللَّهِ والبِرُّ مجحفُ
ولكنّ شيخَ السُّوءِ أهلكَ نَفْسَهُ / وذُو الجهلِ يُرمَى من يَدَيْهِ ويُقْذَفُ
هو الدينُ ما في الدينِ غُنمٌ ولا غُرمُ
هو الدينُ ما في الدينِ غُنمٌ ولا غُرمُ / هو المغنمُ الوافي هو المقتنى الضَّخمُ
أتى القومُ يبغونَ القتالَ لمأربٍ / وعند رسولِ اللهِ من أمرهم عِلمُ
فقال ارجعوا لا تجعلوا المالَ هَمَّكم / ولا تجهلوا إنَّ الجهادَ هو الهمُّ
فمن جاءنا يبغي مَغانِمَ خَيبرٍ / فليس له فيها نَصيبٌ ولا سَهمُ
هو الدينُ دِينُ اللَّهِ يا قوم خالصاً / فإنْ تُلحدوا فيهِ فذلكم الظُّلمُ
ألم أدْعُكُمْ من قبلُ فانصرفتْ بكم / عن اللَّهِ دُنيا الناسِ وانتقضَ العَزمُ
عَمِيتُمْ عن المُثلى وأقبلَ مَعشرٌ / مَناجِيدُ لا عُمْيُ القلوبِ ولا صُمُّ
رَمَوْا في صُدورِ المبطلينَ وجاهدوا / لِنُصرةِ رَبٍّ حَقُّه وَاجِبٌ حَتْمُ
أولئكَ أوفى النّاسِ قِسْماً وخيرُهم / جَزاءً فعودوا لا جَزاءٌ ولا قِسْمُ
هُوَ الدَّمُ والحقُّ المحتَّمُ فاعلموا / وللهِ ما يَقضِي له الأمرُ والحُكمُ
مَحيصةُ بلّغْ ما أُمِرتَ فإنّما
مَحيصةُ بلّغْ ما أُمِرتَ فإنّما / هو الدينُ دينُ المسلمِينَ أو القتلُ
إلى فَدَكٍ فَاحْمِلْ بَلاَغ مُحمّدٍ / وأَنْذِرْ بها قوماً أضلَّهمُ الجَهْلُ
أَبَوْا أن يُجِيبوا دَاعِيَ اللَّهِ وَابْتَغُوا / سَبِيْلَ الألى أعماهُمُ الحِقْدُ والغِلُّ
يَقولون لن يَسْطِيعَ جيشُ مُحمّدٍ / بخيبرَ نصراً إنّها مَطلبٌ بَسْلُ
يُدافِعُ عنها من صَنَادِيْدِ أهلِها / رِجالٌ إذا خاضوا الوَغَى بَطَلَ الهَزْلُ
لها عامرٌ عِنْدَ البلاءِ وياسرٌ / لها مَرْحَبٌ والحارثُ البطلُ الفَحْلُ
وإنَّ بها من كُلِّ رامٍ وَضَارِبٍ / أُلوفاً هُم السُّمُّ الذُّعافُ لمن يَبْلو
على أنّنا لا نكرهُ السّلمَ فانتظِرْ / مَحيصةُ واصبِرْ إنّها خُطّةٌ فَصْلُ
كذَلِكَ قالوا يمكرون كَدَأْبِهِمْ / وماذا يُفيْدُ المكرُ أو يَنفعُ الخَتْلُ
أطالوا المدَى حَتَّى يَروا جَدَّ قومِهم / وَجَدَّ رسولِ اللَّهِ أيُّهما يَعْلُو
فلمَّا رُمُوا بالحقِّ من حِصْنِ نَاعمٍ / وَقِيْلَ لهم ضاقت بقومِكمُ السُّبْلُ
مَشتْ رُسْلُهم للصّلحِ تَهوِي أمامَها / قُلوبٌ هِيَ الكُتْبُ الحثيثةُ والرُّسْلُ
يَظَلُّ عَمِيْدُ القومِ نُونُ بنُ يُوشَعٍ / يَقولُ هَلُمُّوا ذَلِكَ المركبُ السَّهْلُ
ولاذُوا بأكنافِ النبيِّ فصادفوا / كرِيماً يُرجَّى عنده العفوُ والفَضْلُ
أحلَّ لهم صُلحاً وإنّ دِماءَهم / وَأمْوَالَهم إن رَدَّهُمْ خُيَّباً حِلُّ
لئن خُلِقوا لِلُّؤمِ أهلاً فإنّه / لكلِّ الذي يسمو الكِرامُ به أَهْلُ
له النِّصْفُ من تِلْكَ الحُقولِ يُعِدُّهُ / لِكُلِّ فقيرٍ عضَّهُ البؤسُ والأزْلُ
كذلكَ مَوْلَى القومِ يَرْجُونَ ظِلَّهُ / وما خيرُ مولىً لا يَكونُ له ظِلُّ
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى / ألستَ تَرى النُّورَ الذي جَاوَزَ المدى
أتيتَ رَسُولَ اللهِ تَتبعُ دِينهُ / وتُؤثِرُ خيرَ الزَّادِ فيمن تَزَوَّدا
لكَ الله يا حجَّاجُ أَمْسَيْتَ مُشْرِكاً / وأصبحتَ تَدعوهُ تَقِيَّاً مُوَحِّدَا
سَيغفِرُ ما أسلفتَ من جَاهليَّةٍ / لَيالِيَ تأبَى أن يُطاعَ وَيُعْبَدَا
سألتَ رسولَ اللهِ ما لو سألتَهُ / سِواهُ لأعطاكَ الحُسَامَ المُهَنَّدَا
تقولُ له دَعْنِي أزوِّرْ مَقَالةً / تَسُوءُكَ إنّي أحذرُ المعشرَ العِدَى
بِمكَّةَ لي مالٌ كثيرٌ مُوزَّعٌ / أخافُ عليهِ أن يضيعَ وَيُفقدا
سأكتمُ إسلامِي وأُوذِيكَ إنّهم / هُمُ القومُ لا يُؤذونَ إلا مَنِ اهْتدَى
وَرُحْتُ تُحابِيهم وتَشْفِي صُدورَهم / بِخرقَاءَ تستهوي الغَبِيَّ المُبَلَّدَا
تقولُ لقد فازَ اليهودُ وأدركوا / على الفاتحينَ الغُرِّ نَصْراً مُؤَيَّدا
أغاروا فَرَدُّوهُم وأمسى مُحَمّدٌ / أسيراً لدى ساداتِهم ليس يُفتَدَى
أبَوْا أن يَذوقَ القتلَ إلا بمكةٍ / وإنّ له عمّا قريبٍ لَمَوْعِدَا
فَطاروا سُروراً واستمرَّ غُواتُهم / يُذِيعُونَهُ زُوراً وإفكاً مُرَدَّدا
وَطَاشتْ عُقُولُ المسلِمينَ فأصبحوا / حَيَارَى يَرَوْنَ العيشَ أَغْبَرَ أَنْكَدَا
وأرضَى الألى ضَلُّوا السَّبيلَ بشيرُهم / لَدُنْ جَمَعوا مِن مالِهِ ما تَبَدَّدا
تَزَوَّدَ همّاً كلُّ من كانَ مُسلِماً / وأَعْيَا على العبّاسِ أن يَتَجَلَّدَا
فَأَرْسَلَ ما هذا الذي أنتَ قائِلٌ / قُلِ الحقَّ يا حَجّاجُ وَانْقَعْ بِهِ الصَّدَى
تَبَارك ربِّي إنّه جَلَّ شأنُهُ / لَحَقٌّ عليهِ أنْ يُعِزَّ مُحَمَّدَا
فقال نَعَمْ عُدْ يا غلامُ وَقُلْ له / أبا الفضلِ أبْشِرْ وانتظِرْ مَقدمي غدا
فأَعتقَ من فَرَطِ السُّرورِ غُلامَهُ / وَرَاجَعهُ مِن أمرِهِ ما تَعَوَّدَا
ووافَاهُ حجّاجٌ بأنباءِ خَيْبَرٍ / فَأمسَى الذي أخفَى من الأمرِ قد بَدَا
وناشَدَهُ أن لا يُذيعَ حَدِيثَهُ / ثَلاثَةَ أيّامٍ حِذاراً مِنَ الرَّدَى
فَلَمّا انقضَتْ رَاعَ الرجالَ بِطَلعَةٍ / تَشُقُّ على الأعداءِ مَرْأَىً ومشهدا
تَدَفَّقَ بِشراً وَجهُهُ وجَرَى السَّنا / على صَفْحَتَيْهِ سَاطِعاً فَتَوقَّدا
يقولونَ لا تحزَنْ فيا للأُلى عَمُوا / ويَا لكَ من حُزنٍ أقامَ وأَقْعَدَا
رماهم بأخبارِ الفُتوحِ فَغَاظَهُم / وَردَّ ذَلِيلاً كُلَّ عاتٍ تَمرَّدا
يَضِجُّونَ أينَ ابنُ العلاطِ أما لنا / إليهِ سَبيلٌ إنّه كان مُفْسِدا
لقد غَرَّنَا كَيْما يَفُوزُ بِمَالِهِ / فحاقَ بنا من إثمِهِ ما تَعَمَّدا
فواهاً لَهُ مِن ماكرٍ لو نُصِيبُه / إِذَنْ لَجَزَيْناهُ الجزاءَ المشَدَّدا
جَزاهُم إلهُ النَّاسِ ما ذنبُ مُسْلِمٍ / كَريمِ السَّجايا ما أَسَاءَ ولا اعْتَدَى
رَأى شَرَّهُمْ فاحتالَ يَحفظُ ماله / عليهِ ويَأْبَى أن يُغادِرَهُ سُدَى
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ / فإن كُنتِ في رَيْبٍ فقد وَضَحَ الأمرُ
دَعِي الرُّسْلَ تَمضي ما عليكِ مَلامَةٌ / وكيف يَعافُ الأمنَ من غَاله الذُّعْرُ
فإن تَخفضي منكِ الجَناحَ لِتَنْعَمِي / بأفياءِ عيشٍ ساكنٍ فَلَكِ العُذْرُ
وهل يَرفعُ العصفورُ يوماً جَنَاحَهُ / إذا حَلَّقَ البازِي أو انطَلَقَ النَّسْرُ
إذا أمسكَ الصَّبرُ البلادَ وأَهْلَها / فليس على هذا قَرارٌ ولا صَبْرُ
ألم يكُ أهلُ الأرضِ مَوْتَى فجاءهم / رَسُولُ حياةٍ دِينُهُ البَعْثُ والنَّشْرُ
أبى أن يَظَلُّوا آخِرَ الدَّهرِ فوقها / يَسيرونَ في الأكفانِ وَهْيَ لهم قَبْرُ
حَياةُ الدُّنى في سَيْفِهِ وكِتَابِهِ / وما منهما إلا لها عنده سِرُّ
لَكِ الأمنُ يا تَيْماءُ لا الدَّمُ دَافِقٌ / ولا النَّفْعُ مُسْوَدٌّ ولا الجَوُّ مُغْبَرُّ
ولا أنتِ ثَكْلَى ما تُغِبُّكِ لوعةٌ / مُؤجَّجةٌ كالجمرِ أو دونها الجمرُ
أعانَكِ رأيٌ أبصَرَ القصدَ فانْتحَى / بأهلِكِ ما لا يَنْتَحِي الجاهلُ الغِرُّ
ولو آثروا الإسلامَ دِيناً لأفلحوا / ولكنّه الشِّركُ المُذَمَّمُ والكُفْرُ
أَبَوْا وَتَولَّوا يَشترُونَ نُفُوسَهم / بأموالِهِم هذا هو الغَبْنُ والخُسْرُ
يُؤدُّونَها من خِيفَةِ القتلِ جِزْيَةً / على الهُونِ ممّا يرزقُ الحَبُّ والتَّمْرُ
أقاموا يُريدونَ الحياةَ بأرضهِمِ / وكيفَ حياةُ القومِ إن فَسَدَ الأَمْرُ
رُوَيْدَ الأُلَى اختاروا الضلالةَ خُطَّةً / فَتِلكِ وإن لم يعلموا خُطَّةٌ نُكْرُ
يَضِلُّونَ والفَجرُ المنوِّرُ طَالِعٌ / ولا عُذْرَ للضُّلّالِ إن طَلَعَ الفَجْرُ
لِكُلِّ أُناسٍ مُدَّةٌ ثُمّ تَنجلِي / عَمَايَتَهُمْ فَلْيَصْبرُوا إنّه الدَّهْرُ
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا / فذلك فَضلُ اللَّهِ أسداهُ وافرا
أقمتَ تُراعِي الركبَ حَرَّانَ شَيِّقاً / هَنِيئاً فهذا الركبُ وَافاكَ زائرا
هنيئاً فقد أُوتيتَ سُؤْلَكَ كُلَّهُ / وَلُقِّيتَ عن قُرْبٍ من السَّعْدِ طائرا
إذا ما التمستَ الركبَ أين مكانَهُ / فحيثُ تَرَى نُورَ النُبوَّةِ باهرا
أبا الفضلِ أقِبلْ واقضِهَا من لُبانةٍ / لنفسِكَ تَشفِي منك دَاءً مخامِرا
حَبيبٌ نأى يَطْوِي السِّنينَ وذُو هَوىً / يُعالِجُ وَجداً بين جَنْبَيْهِ ثائرا
ويلقى الأذَى بعد الأذى في سبيلِهِ / فَيَرضَى ويُغضِي الجفنَ في اللَّهِ صابرا
لَكَ اللَّهُ يا عباسُ هذا مُحَمَّدٌ / فَسَلِّمْ وَطِبْ ما شِئْتَ نَفْساً وخَاطِرا
أتى بَعدَ ما جَرَّ السنينَ مُهاجراً / يَجُرُّ السَّرايا خَلفَهُ والعساكِرا
رَآكَ فَقرَّتْ عَينُهُ وترافدَتْ / تَحيّاتُهُ تَلقَاكَ زُهْراً نَواضِرا
لها عَبَقٌ من رَحْمَةِ اللَّهِ لم يَزَلْ / مَكانُكُما منه إلى اليومِ عاطرا
أقمتَ على المُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةٍ / تَرُدُّ الأذَى عنهم وَتَرْعَى الأَواصِرا
إذا فزعوا للظلمِ كنتَ لهم حِمىً / وإن أعوزَ الأنصارُ أَلْفَوْكَ ناصرا
يَظنُّكَ أهلُ الكفرِ منهم وإنّما / أرَدْتَ بهم أمراً وما كُنتَ كافرا
شددتَ قُوى الإسلامِ بين ربُوعهِم / وخادعتَهم عنه فأَصَبَحَ ظاهرا
وكنتَ له عيناً تُظاهِرُهَا يَدٌ / تُذيعُ خَفَايَاهُم وتَبدِي السَّرائِرا
تُمِدُّ رسولَ اللَّهِ بالكُتْبِ حُفَّلاً / بأنبائهم تَطوي الفِجاجَ سوائرا
بَريدٌ إذا كفَّ البريدُ مِنَ الونَى / مَضَى دائباً في شأنِهِ مُتواتِرا
وكنتَ إذا استأذَنتَ تبغِي جوارَهُ / أَبَى وَهَواهُ أن يَراكَ مُجاوِرا
وقال انتظرْ يا عمِّ إنّكَ مرجأ / إلى موعد يأتي به الله آخرا
فبي ختم الله النبيين كُلَّهُم / وَتَمَّمَ هاتِيكَ العُلَى والمآثِرا
وَإنّي لأرجو أن تكونَ بيثربٍ / بَقِيَّةَ من يأتِي إلينا مُهاجِرا
هو اللَّهُ فانْظرْ يا أبا الفضلِ ما قَضَى / من اليُسرِ بعد العُسْرِ بُورِكْتَ ناظرا
تجلَّتْ دَياجيرُ الهُمومِ ذَميمةً / وأضحتْ وجوهُ العيشِ بِيضاً سَوافِرا
ألا رُبَّ يومٍ ذُقْتَ من سُوءِ ما جَنَى / ذَوُو الشِّرْكِ فيه ما يَشُقُّ المرائرا
وليلٍ كما اهتاجَ الجبانُ مُفَزَّعٍ / طويتَ دُجاهُ كاسِفَ البالِ ساهرا
كَدَأْبِكَ إذ قالوا أًصيبَ مُحَمَّدٌ / وقد جاءَهم بالزُّورِ مَن كان سَاخِرا
فلمّا عرفتَ الحقَّ أوفيتَ ناهضاً / تُقَبِّلُ مَن وَافَاكَ يُزْجِي البَشَائِرا
وتُرْسِلُهُ حُرّاً طليقاً وإنّه / لفي عِزَّةٍ تُعيي النفوسَ الحرائرا
نَهضتَ خَفيفَ الجانِبَيْنِ ولم تَكُنْ / على مثلِها من قبلِ ذلكَ قادرا
يَسُرُّكَ ما سَرَّ الرسولَ وما يكن / بهِ من أذىً ألفيتَه لك ضائِرا
هَدَيْتَ أبا سُفيانَ تَرحَمُ نَفسَهُ / وَتَكرَهُ أن يَبْقَى مَدَى الدّهرِ حائرا
وَجِئْتَ بِهِ والجندُ باللّيلِ رَاصِدٌ / يُقَلِّبُ للحربِ الرِّقاقَ البواتِرا
فأسلمَ يُرضِي اللَّهَ من بَعدِ نَفْرَةٍ / ولولاكَ لم يبرحْ عن الحقِّ نافرا
وفي ابن حِزامٍ وابنِ ورقاءَ شاهدٌ / بِما لَكَ من فضلٍ لمن كانَ ذاكرا
ثلاثةُ أقطابٍ صَرَفتَ قُلوبَهُم / إلى اللَّهِ تُحْييهِم وترجو المصائرا
ولو أعرضوا لم يَرْدَعِ الحربُ رَادِعٌ / ولم يَنتزِعْ أنيابَهَا والأظافرا
حقنْتَ دِماءً لو يُخَلَّى سَبيلُها / جَرَتْ تحتَ أعلامِ الغُزَاةِ مَوَائِرا
فأمسَتْ قُرَيْشٌ ما لها من بَقِيَّةٍ / وأَمْسَى الذي اعتادت من العزِّ داثرا
بِيُمْنِكَ يا عمَّ الرسولِ تَتابعَتْ / أيادٍ يراهَا المسلمونَ ذخائرا
وكنتَ امْرأً من قبلِ ذلك مُحسِناً / يُقِيمُ بِجَدْواهُ الجُدُودَ العواثرا
عظيماً تُرَجِّيهِ قريشٌ لِمَا بها / إذا فَزعتْ للأمرِ تَخْشَى الدوائرا
وإنّك إذ تَسْقِي الحجيجَ لَسيِّدٌ / يُعَلِّمُ ساداتِ الرجالِ المفاخرا
لعُثْمَانَ ما يَرْضَى ومالكَ غَيرُها / ولايَةُ من يُعطِي وَيبذلُ كابرا
وليس الذي يأتي الخميلةَ غَارِساً / كمثلِ الذي يأتي الخميلةَ هَاصِرا
حُرِمْتُ الرِضَى إن عِبتُ عُثمانَ إنّه / على سُنَّةِ غلباءَ تُعيِي المُكاثرا
له من عَطَاءِ اللَّهِ كَنزٌ مُباركٌ / يُقيمُ لدينِ اللَّهِ فيه الشعائرا
يَضنُّ بمفتاحِ البنِيَّةِ جُهْدَهُ / ويعرفه مجداً على الدهرِ غابرا
أمانةُ ربِّ البيتِ لم تُعْطَ خائناً / يُريدُ بها دُنيا ولم تُؤتَ فاجرا
أبا الفضلِ هذا ما أحَبَّ مُحمَّدٌ / ظفرتَ بهِ لا زالَ سهمُكَ ظافرا
إذا أظمأ اللَّهُ البلادَ وأهلَهَا / فَبِاسْمِكَ يَسْقِيهَا الغُيوثَ المواطرا
لعمري لقد غادرتَ غيرَ مُنازَعٍ / مَناقِبَ ذِكراها تَهُزُّ المنابرا
صَدقتُكَ إنّي لو تَنَاسَيْتُ حَقَّها / على ما عَنانِي لم أَجِدْ لِيَ عاذرا
أعِنِّي بروحٍ منكَ يا ربِّ واهدِني / سَبيلَكَ إنْ أضللتَ في النّاسِ شاعرا
دَعوتُكَ للإسلامِ أُمْسِكُ مَجْدَهْ / وأُدرِكُ منه ما طَوَى الدّهرُ ناشرا
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ / وَهَل يأمنُ الإسلامُ أَن يغدُرَ الكُفْرُ
سألتَ فقالت خَنجري أتَّقي بِهِ / أذَى كلِّ عادٍ من خَلائِقِهِ الغَدْرُ
أَشُقُّ بهِ في حَوْمَةِ الحربِ بَطنَهُ / إذا رَامَنِي بالسّوءِ واسْتَوْعَرَ الأَمْرُ
أتعجَبُ منها كيف تحمي ذِمارَها / وَتَدْرَأُ عنها الشَّرَّ إن هاجها الشَّرُّ
وتدعو رسولَ اللهِ هل أنتَ سامِعٌ / فَيَفْرَحُ من رجعِ الحديثِ وَيَفْتَرُّ
نعم أنتَ تحميها ولكنَّ نفسَها / لها نخوةٌ من ذَاتِها وبها كِبْرُ
ألم ترَ إذ قالَتْ أأقتُلُ مَعشراً / تَوَلَّوْا فلا بأسٌ شديدٌ ولا صَبْرُ
وماذا عليها حين تكفيكَ أمرَها / وتَرمِي بكَ الأبطالَ والنَّفْعُ مُغْبَرُّ
أرادتك للأمرِ الجليلِ ولن ترى / كأمِّ سليمٍ حُرّةً حازها حُرُّ
ألم تَنْتَظِمْ بالسّيفِ عِشرينَ فارِساً / مَغانِمُهُم شَتّى وأسلابُهُم كُثْرُ
إذا طارَ منهم مُدبِرٌ يَتَّقِي الرَّدَى / تَلَقَّاكَ منه في مَطَارِ الرَّدى الصَّدْرُ
تخوضُ الدمَ المسفوكَ لا جِسْرَ دُونَهُ / وما لَكَ كالإيمانِ في مثلِهِ جِسْرُ
أبا طَلحَةَ اسْمَعْ ما يقولُ ابنُ حُرَّةٍ / إليهِ سَرَى من صَفْحَتَيْ جَارِهِ البِشْرُ
يَقولُ اطْعَنِي أُمَّاهُ مَن شِئْتِ وَانْصُرِي / ببأسِكِ دِيناً مِن كَتَائِبِهِ النَّصْرُ
فَحُيِّيتَ عبدَ اللهِ ما أنتَ كالذي / يَرَى السَّيفَ مَقْروباً فيأخذه الذُّعْرُ
كِلا أَبَوَيْكَ اسْتَنَّ سُنَّةَ مَاجِدٍ / فَطِبْتَ وطَابَا لا خَفَاءٌ ولا نُكْرُ
إذا التمسَ الإسلامُ في كلِّ حادثٍ / يَضيقُ به ذُخراً فأنت له ذُخْرُ
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها / عَتاداً يُفيدُ اليُسْرَ مَن كان مُعسِرَا
ضَنَنْتَ بأُمِّ الحَيِّ تُغْلِي فِدَاءَها / فَيَا لَكَ رأياً غَيرُهُ كانَ أجْدَرَا
تَسُومُ زُهيراً أن يَزيدَكَ ضلَّةً / عَلَى مائةٍ لو كان غِرّاً لأكثرا
رَمَاكَ به مَكراً خَفِيّاً فلم يَزَلْ / يَضيقُ عليكَ الأمرُ حتى تَعَذَّرا
لقد كان فيما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ / غِنَىً لَكَ لو كنتَ امرأً مُتَبَصِّرا
يَظَلُّ يُرِيكَ الزُّهدَ في شَيْخَةٍ لهُ / يَرَاهَا مِنَ الدنيا أجَلَّ وأكبرا
فَتَدعوه أقْبِلْ لستُ فيها بِرَاغبٍ / إذا بَلَغَ الأمرُ الفِداءَ الميَسَّرا
فداها بِسِتٍّ لو أبيتَ لَسُقْتَها / إليه بلا شيءٍ وَحَسْبُكَ ما تَرَى
ألَيْسَتْ كما قالَ ابْنُها ما لمثلها / على الضَّنِّ إلا أن تموتَ فَتُقْبَرَا
أما والذي لو شاءَ لم تَعْصِ أمرَهُ / لقد جِئتَ أمراً يا عُيَيْنَةُ مُنكرا
فنفسَكَ فَاحْمِلْها على البرِّ إنّه / لأَربَحُ مِمّا تَحمِلُ الأرضُ مَتْجَرَا
وما طَمَعُ الإنسانِ فيما يفوته / إذا ما دَعَا الدّاعِي فَوَلَّى وأدبرا
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الذخرُ هَيِّنٌ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الذخرُ هَيِّنٌ / ولا الأجرُ مَمنونٌ ولا أنت مَغبونُ
هو الغنمُ لم يُقْدَرْ لغير مُوفَّقٍ / له مشهدٌ في حَوْمَةِ الحربِ ميمونُ
حملتَ أبا سُفيانَ عَينكَ في يدٍ / بها الخيرُ في كلِّ المواطنِ مَقرونُ
وجِئتَ رسولَ اللهِ لا الوجهُ شاحبٌ / ولا العِطفُ مُزْوَرٌّ ولا القلبُ مَحزونُ
تقول له عَيني التي أنتَ ناظرٌ / مَضَتْ في سبيلِ اللهِ والحافزُ الدِّينُ
فقال إذا أحببتَ فالردُّ مُمكِنٌ / بِقُدرةِ ربِّ أمرُه الكافُ والنُّونُ
وإلا فأُخرَى عنده إن لَقِيتَهُ / وذلك وَعْدٌ عِندَ ربِّكَ مَضمونُ
فآثرتَ هَذِي ثمَّ ألقيتَ بالتي / حَمَلْتَ وما في الحقِّ أن يُؤثَرَ الدُّونُ
سَتَتْبَعُها في وَقعةِ الرُّومِ أخْتُها / إذا حانَ منها بعد ذلكمُ الحِينُ
فخيرٌ على خيرٍ ونُعمَى تزيدها / من اللهِ نُعمى سِرُّها عنك مَكنونُ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الرُّمحُ آسفٌ / ولا السَّيفُ مكروبٌ ولا العزمُ موْهونُ
عَطاؤُكَ في الهيجاءِ لم يُعْطَ مِثلَهُ / من النّاسِ إلا صادقُ البأسِ مأمونُ
سِويلمُ ما قَوْلٌ ببيتِكَ يُفْتَرَى
سِويلمُ ما قَوْلٌ ببيتِكَ يُفْتَرَى / بألسنةٍ تبغي الفسادَ فَتكذِبُ
أَلابْنِ أُبيٍّ رَأيهُ ما وَراءَهُ / لِذي نُهْيَةٍ رأيٌ ولا عنه مَذْهَبُ
حَقودٌ رَمَى بالشُّؤْمِ كلَّ مُنافقٍ / فيا لكَ من شَرٍّ على النّاسِ يُجلَبُ
أحَسَّ رَسولُ اللهِ ما كان منهمُ / وَجاءَ بَرِيدُ الله بالحقِّ يدأبُ
فقال لعمَّارٍ أرى القومَ أوقدوا / لأنفُسِهمْ نَاراً بِعَيْني تَلهَّبُ
ألا قُمْ فَأدْرِكْهُم ولمَّا يُصِبْهُمُ / عَذابٌ غَليظٌ ما لهم منه مَهْرَبُ
فلمّا أتاهم أنكروا ثم أقبلوا / بأقوالٍ فُجَّارٍ عن الحقِّ تَرغبُ
فقالَ رسولُ اللهِ بل قُلتمُ الذي / عَلِمتُ وما يخفَى عَليَّ المُغيَّبُ
فقالوا على غَيْظِ النُّفوسِ وَحِقدِها / ألا إنّما كُنَّا نَخوضُ ونَلعبُ
وعادوا خَزَايا نادِمينَ وإنّهم / إلى الشَّرِّ إلا أن يَتوبوا لأَقْرَبُ
خَفِ اللَّهَ يا جَدُّ بن قيسٍ ولا تُطِعْ
خَفِ اللَّهَ يا جَدُّ بن قيسٍ ولا تُطِعْ / هَواكَ وَدَعْها خُطّةً هِيَ ماهِيَهْ
كَذبتَ رسولَ اللهِ تُضمِرُ غيرَ ما / تَقولُ وما تَخْفَى على اللَّهِ خافِيَهْ
تَقولُ لهُ ائْذَنْ لِي ولا تَبْغِ فِتنتي / فَإنِّي امرؤٌ أُعطِي النِّساءَ عِنانِيَهْ
وإنّ نِساءَ الرُّومِ يَغْلِبْنَنِي على / عَفافِي فَدَعْنِي ما لهنّ ومالِيهْ
فأعرضَ عنهُ غيرَ راضٍ وساءَهُ / فُجورُ امرئٍ يُبدي الفُجورَ عَلانِيَهْ
وجاءَ ابنُه يُصليهِ نَارَ مَلامةٍ / فيا لكِ من نارٍ على المرءِ حَامِيَهْ
يقول له بل جئتَها جاهليَّةً / دعتكَ إليها من نفاقك دَاعِيَهْ
لك الويل يا جدُّ بن قيسٍ فإن تَتُبْ / وُقِيتَ وإن تَفْسُقْ فمالكَ وَاقِيَهْ
يُحَنَّةُ إنْ تُؤمِنْ فَخيرٌ وإن تُرِدْ
يُحَنَّةُ إنْ تُؤمِنْ فَخيرٌ وإن تُرِدْ / سِوَى الحقِّ فَاعْلَمْ أنّ رأيكَ عَازِبُ
أتى بك من أكنافِ أيلةَ ما أتى / وليس لمن يَمَّمتَ في النّاسِ غَالِبُ
دُعِيتَ إلى الإسلامِ فاخترْتَ جِزْيَةً / تَنالُ بها الأمنَ الذي أنتَ طالبُ
ولو كنتَ ممّن يبتغي جانِبَ الهُدَى / هُدِيتَ ولكنَّ المُضلَّلَ خَائِبُ
وما رَغِبَ المأمونُ فيها هَديَّةً / كساكَ بها البُرْدَ الذي أنت سَاحِبُ
أتيتَ بقومٍ لو رأوا مِنكَ ناصحاً / لما عاب منهم خُطّةَ الجدِّ لاعِبُ
أتأبون دِينَ الحقِّ يا آلَ إذرح / وجرباء حتى يجلب الخيل جالبُ
ألا فاشهدوا يا آل مقنا وأيْقِنُوا / بأنْ سوفَ تَنْهى الجاهِلينَ العواقِبُ
خُذوا من عهودِ الذُّلِّ ما اللَّهُ ضَارِبٌ / عليكم وما الدَّاعي إلى اللَّهِ كاتبُ
وأدُّوا إليهِ المالَ لا تَبخلُوا به / ولا تغدروا فالبأسُ يَقظانُ دائبُ
وَسِيروا بأهليكم على الخُطَّةِ التي / رَضِيتُم لهم إنّ الطريقَ لَلاَحِبُ
أخا البغلةِ البيضاءِ لَيْتَكَ كُنْتها / لعلَّكَ تدرِي كيفَ تعلو المراتِبُ
أتُعطَى من العزِّ البهيمةُ رِزقَها / ويُحرَمُ منه المرءُ تِلكَ العجائبُ
يُحَنَّةُ هذا ما قضَى اللَّهُ فاعتبِرْ / وكيف اعتبارُ المرءِ والعقلُ ذاهِبُ
يَقولُ دُعاةُ الشرِّ ليتَ محمداً
يَقولُ دُعاةُ الشرِّ ليتَ محمداً / إذا نَحنْ عُدْنا يسلكُ الجانبَ الوَعْرا
إذن لدفعناهُ إلى الجانبِ الذي / تَنَكَّبَ نُؤذيه ونُرهقُه عُسْرا
ونبَّأهُ مَولاهُ فازدادَ قُوّةً / على قُوّةٍ واختارَ ما يَقمعُ الشَّرّا
فلما دَنا من يَثربٍ قال قائلٌ / أطيعُوا رسولَ اللهِ وامْتثِلُوا الأمْرَا
على السَّهْلِ فامْضُوا واتركوا الحَزْنَ إنّه / سَيَسْلُكُه فَرداً يريدُ بكم يُسْرا
وقال تقدَّمْ ناقتي يا ابْنَ ياسرٍ / وسِرْ خَلفَها يا ابنْ اليمانِ فما أحْرَى
وسَارَ فجاء القوم يعدون خلفه / وقد نشر الإظلام من حولهم سترا
ونكَّر كلٌّ وَجْهَهُ بِلثَامِهِ / وما نَكَّروا إلا الخيانةَ والغَدْرا
رَمَوْا ناقة الهادِي بأشخاصِ جِنَّةٍ / تَخوضُ إليها اللّيلَ فانتفَضْت ذُعرا
وأمسى رَسولُ اللهِ يَهوِي مَتاعُه / على الأرضِ إلا ما تماسكَ فَاسْتَذْرَى
وقال انْطلِقْ يا ابنَ اليَمانِ فَرُدَّهُمْ / ويا صاحبي لا تبتئِسْ وَالْزَمِ الصَّبْرا
فَكَرَّ عليهم كَرَّةَ اللّيثِ ضَارباً / وُجوهَ مَطاياهُم ولمَ يألُهمْ زَأْرا
إليكم إليكم شِيعةَ الكُفرِ إنّكم / لأعداءُ ربِّ النّاسِ أعظِمْ بهِ كُفْرا
تولَّوْا سِراعاً لم يُصِيبُوا شِفاءهُمْ / ولم يُطفِئُوا مِن حِقدهِم ذَلِكَ الجَمْرا
وَجاءَ أُسيدٌ لا يرى غيرَ قَتلِهم / فقالَ رسولُ اللهِ لا تَبْغِها نُكْرا
أأقتلُ قَوماً ظَاهروني وحَارَبُوا / مَعِيَ حَسْبُهم أن يَحمِلوا الإثمَ والوِزْرا
وجَاءُوا على خوفٍ يقولونَ ما بنا / سِوَى الظَّنِّ فاغفرْ إنّها الفِتنةُ الكُبْرى
وضَجُّوا بأيْمانٍ هِيَ النَّارُ أُوقِدَتْ / بألسنةِ ظلّتْ أكاذيبُها تَتْرى
كَفاهُم عِقابُ اللهِ والدَّعوةُ التي / يَظَلُّ لَظاها يَنفذُ الظَّهرَ والصَّدرا
بَنِي عامرٍ رُدُّوا عَنِ الشرِّ عامرا
بَنِي عامرٍ رُدُّوا عَنِ الشرِّ عامرا / ولن يَجدَ الباغي على البغي ناصرا
أصابَ هوىً من نفسِ أربدَ فابتغَى / من الأمرِ ما يُعيي الكميَّ المُقامرا
وجاء بمكرٍ لا محالة خائبٍ / وأخيبُ أهل السُّوءِ من كان ماكرا
أناشِدُكم هل صاحبَ الوفدُ منهما / بني عامرٍ إلا أثيماً وفاجرا
هما أزمعا أن يأخذا اللّيثَ خادِراً / على غِرَّةٍ والجهلُ يُعمِي البصائرا
دنا الأحمقُ المخبولُ منه وهذه / يَدُ السُّوءِ منه تحملِ السَّيفَ باترا
يشيرُ إليهِ ابنُ الطفيلِ أنِ اقْتَحِمْ / وماذا يَردُّ السيفَ لو كان قادرا
أبَى اللَّهُ إلا أن يُعِزَّ رسولَهُ / ويرجعُ من يبغِي به السُّوءِ صاغرا
أطاعَ هَواهُ جاهلاً وخلا بِهِ / يُخادِعُه كيما يرى الدمَ مائرا
أتسألُه يا ابنَ الطفيلِ خِلافةً / وَتطمعُ أن تُدْعَى الشَّريكَ المُشاطِرا
لكَ الويلُ ما هذا الذي أنتَ قائلٌ / أكنتَ امرءاً من نفسِهِ رَاحَ ساخِرا
جُبارُ اسْتَقِمْ واشهدْ فَربُّكَ واحدٌ / وخُذْ حظّكَ الأوفى من الخيرِ شاكرا
وبَشِّرْ رعاكَ اللَّهُ صحبَكَ أنّهم / أصابوه غُنماً من هُدى اللهِ وافرا
وَدَعْ عامراً يهوِي به الداءُ خاسِئاً / وأربَدَ يَلْقَى الحتفَ خَزيانَ خاسِرا
رماه الذي يرمي القُوى فَيهدُّها / فهدَّ قُواهُ إنّه كان كافرا
بصاعقةٍ ممّا رَمَى اللهُ إذ رمى / ثموداً وعاداً والقرون الغوابرا
رَماهُ بها ناريَّة لو تنزّلتْ / على جبلٍ لانْدَكَّ في الأرضِ غائرا
أبى عامرٌ من شيمةٍ جاهليةٍ / لِقاءَ الرَّدى عند التي جَاءَ زائرا
يقول أطاعوناً وموتاً بمنزلٍ / يَضيقُ بأمثالي إذن لستُ عامرا
جَوادِي جَوادِي ليس لي غيرَ مَتنهِ / أُلاقِي عليهِ عادِيَ الموتِ كابرا
وجاءوا به يُزجيه عزريلُ فاسْتوى / على سرجِهِ وانْسَابَ حرّان ثائرا
يَجولُ عليه يَحملُ الرُّمحَ ما يرى / سوى حتفه المقدور قرناً مغاورا
فما هو إلا أن هوى غير معقب / سِوَى الخزيِ من ذكرٍ لمن كان ذاكرا
مضى الأمرُ لم يَسمعْ عُكاظٌ نِداءَهُ / ولم تشهدِ الأقوامُ تِلكَ المفاخرا
إذا المرءُ لم يُؤمِنْ ولم يَخْشَ ربّهُ / فليس يَرى شيئاً على الدَّهرِ ضائرا
ألحّتْ عليه دعوةٌ من مُحمّدٍ / رَمتهُ بداءٍ يتركُ الطِّبَ حائرا
رسولُ الهُدَى والخيرِ من يَرْعَ حقَّهُ / فليس يَرى شيئاً على الدّهرِ ضائرا
لقد كان فيما قَال أربدُ زاجرٌ / عن الشَّرِّ لو يخشَى امرؤُ السّوءِ زاجرا
رأى آيةً تَغتالُ هِمَّةَ نفسِهِ / وتُذهِلُ منه اللُّبَّ لو كان ناظرا
كِلاءةُ ربٍّ كلُّ أصيدَ غالبٍ / يبيدُ ويبقى غالبَ البأسِ قاهرا