المجموع : 36
يَقِيني يَقِيني حَادِثاتِ النَّوائِبِ
يَقِيني يَقِيني حَادِثاتِ النَّوائِبِ / وَحَزْمِيَ حَزْمِي في ظُهُورِ النَّجائِبِ
سَيُنْجِدُنِي جَيْشٌ مِنَ الْعَزْمِ طَالَما / غَلَبْتُ بِهِ الْخَطْبَ الَّذِي هُوَ غَالِبي
وَمَنْ كَانَ حَرْبَ الدَّهْرِ عَوَّدَ نَفْسَهُ / قِرَاعَ اللَّيَالِي لا قِرَاعَ الْكَتَائِبِ
عَلَى أَنَّ لِي في مَذْهَبِ الصَّبْرِ مَذْهَباً / يَزِيدُ اتِّساعاً عِنْدَ ضِيقِ الْمَذَاهِبِ
وَمَا وَضَعَتْ مِنِّي الْخُطُوبُ بِقَدْرِ مَا / رَفَعْنَ وَقَدْ هَذَّبْنَنِي بِالتَّجارِبِ
أَخَذْنَ ثَرآءً غَيْرَ بَاقٍ عَلَى النَّدى / وَأَعْطَيْنَ فَضْلاً في النُّهى غيْرَ ذَاهِبِ
فَمَالِيَ لاَ رَوْضُ الْمَساعِي بِمُمْرِعٍ / لَدَيَّ وَلاَ مَاءُ الأَمَانِي بِسَاكِبِ
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَعْدي لَدَيْهَا بِحَائِنٍ / زَمَاناً وَلاَ دَيْنِي عَلَيْهَا بَوَاجِبِ
وَحَاجَةِ نَفْسٍ تَقْتضِيها مَخَايلِي / وَتَقْضِي بِها لِي عادلاَتٍ مَناصِبي
عَدَدْتُ لَها بَرْقَ الْغَمَامِ هُنَيْدَةً / وَأُخْرى وَمَا مِنْ قَطْرَةٍ في الْمَذَانِبِ
وَهَلْ نَافِعي شَيْمٌ مِنَ الْعَزْمِ صَادِقٌ / إِذا كنْتُ ذَا بَرْقٍ مِنَ الْحَظِّ كاذِبِ
وَإِنِّي لأَغْنى بِالْحدِيثِ عَنِ الْقِرى / وَبِالْبَرْقِ عَنْ صوْبِ الْغُيُوثِ السَّواكِبِ
قَنَاعَةُ عِزٍّ لاَ طَمَاعَةُ ذِلَّةٍ / تُزَهِّدُ في نَيْلِ الْغِنى كُل رَاغِبِ
إِذَا مَا امْتطَى الأَقْوَامُ مَرْكَبَ ثَرْوَةٍ / خُضُوعاً رَأَيْتُ الْعُدْمَ خَيْرَ مَرَاكِبي
وَلَوْ رَكِبَ النَّاسُ الْغِنى بِبَرَاعَةٍ / وَفَضْلٍ مُبِينٍ كُنْتُ أَوَّلَ رَاكِبِ
وَقَدْ أَبْلُغُ الْغَايَاتِ لَسْتُ بِسَائِرٍ / وَأَظْفَرُ بِالْحَاجَاتِ لَسْتُ بِطَالِبِ
وَمَا كُلُّ دَانٍ مِنْ مَرَامٍ بِظَافِرٍ / وَلاَ كُلُّ نَآءٍ عَنْ رَجآءٍ بِخَائِبِ
وَإِنَّ الْغِنى مِنِّي لأَدْنى مَسَافَةً / وَأَقْرَبُ مِمَّا بَيْنَ عَيْنِي وَحَاجِبِي
سَأَصْحَبُ آمَالي إِلى ابْنِ مُقَلَّدٍ / فَتُنْجِحُ مَا أَلْوَى الزَّمَانُ بِصَاحِبِ
فَما اشْتَطَّتِ الآمَالُ إِلاَّ أَبَاحَهَا / سَمَاحُ عَلِيٍّ حُكْمَها فِي الْمَواهِبِ
إِذَا كُنْتَ يَوْماً آمِلاً آمِلاً لَهُ / فَكُنْ وَاهِباً كُلَّ الْمُنَى كُلَّ وَاهِب
وَإِنَّ امْرأً أَفْضى إِلَيْهِ رَجَاؤُهُ / فَلَمْ تَرْجُهُ الأَمْلاَكُ إِحْدى الْعَجَائِبِ
مِنَ الْقَومِ لَوْ أَنَّ اللَّيالِي تَقَلَّدَتْ / بِأَحْسَابِهِمْ لَمْ تَحْتَفِلْ بِالْكَوَاكِبِ
إِذا أَظْلَمَتْ سُبْلُ السُّرَاةِ إِلى الْعُلى / سَرَوْا فَاسْتَضَاءُوا بَيْنَها بِالْمَنَاسِبِ
هُمُ غَادَرُوا بِالْعِزِّ حَصْبَاءَ أَرْضِهِمْ / أَعَزَّ مَنَالاً مِنْ نُجُومِ الْغَيَاهِبِ
تَرى الدَّهْرَ مَا أَفْضى إِلى مُنْتَوَاهُمُ / يُنَكِّبُ عَنْهُمْ بِالْخُطُوبِ النَّوَاكِبِ
إِذَا الْمُنْقِذِيُّونَ اعْتَصَمْتَ بِحَبْلِهِمْ / خَضَبْتَ الْحُسَامَ الْعَضْبَ مِنْ كُلِّ خَاضِبِ
أُولئِكَ لمْ يَرْضَوْا مِنَ الْعِزِّ وَالْغِنى / سِوى مَا اسْتَبَاحُوا بِالْقَنَا وَالْقَوَاضِبِ
كَأَنْ لَمْ يُحَلِّلْ رِزْقَهُمْ دِينُ مَجْدِهِمْ / بِغَيْرِ الْعَوَالِي وَالْعِتَاقِ الشَّوَازِبِ
إِذَا قَرَّبُوهَا لِلِّقَاءِ تَبَاعَدَتْ / مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الطُّلى وَالذَّوَائِبِ
إِذَا نَزَلُوا أَرْضاً بِهَا الْمَحْلُ رُوِّضَتْ / وَمَا سُحِبَتْ فِيهَا ذُيُولُ السَّحَائِبِ
بِأَنْدِيَةٍ خضْرٍ فِسَاحٍ رِبَاعُهَا / وَأَوْدِيَةٍ غَزْرٍ عِذَابِ الْمَشَارِبِ
أَرَى الدَّهْرَ حَرْباً لِلْمُسَالِمِ بَعْدَمَا / صَحِبْناهُ دَهْراً وَهْوَ سِلْمُ الْمُحَارِبِ
فَعُذْ بِنَهارِيِّ الْعَدَاوَةِ أَوْحَدٍ / مِنَ الْقَوْمِ لَيْلِيِّ النَّدَى وَالرَّغَائِبِ
تَنَلْ بِسَدِيدِ الْمُلْكِ ثَرْوَةَ مُعْدِمٍ / وَفَرْجَةَ مَلْهُوفٍ وَعِصْمَةَ هَارِبِ
سَعى وَارِثُ الْمَجْدِ التَّلِيدِ فَلَمْ يَدَعْ / بِأَفْعَالِهِ مَجْداً طَرِيفاً لِكَاسِبِ
يُغَطِّي عَلَيْهِ الْحَزْمُ بِالْفِكَرِ الَّتِي / كَشَفْنَ لَهُ عَمَّا وَرَاءَ الْعَوَاقِبِ
وَرَأْيٍ يُري خَلْفَ الرَّدَى مِنْ أَمَامِهِ / فَمَا غَيْبُهُ الْمَكْنُونُ عَنْهُ بِغَائِبِ
بَقِيتَ بَقَاءَ النَّيِّرَاتِ وَمِثْلَها / عُلُوًّا وَصَوْناً عَنْ صُرُوفِ النَّوَائِبِ
وَدامَ بَنُوكَ السِّتَّةُ الزُّهْرُ إِنَّهُمْ / نُجُومُ الْمَعَالِي فِي سَماءِ الْمَنَاقِبِ
سَلَلْتَ سِهَاماً مِنْ كِنَانَةَ لَمْ تَزَلْ / يُقَرْطِس مِنْهَا فِي الْمُنى كُلُّ صَائِبِ
فَأَدْرَكْتَ مَا فَاتَ الْملُوكَ بِعَزْمَةٍ / تَقُومُ مَقَامَ الْحَظِّ عِنْدَ الْمُطَالِبِ
وَمَا فُقْتُهمْ حَتّى تَفَرَّدْتَ دُونَهُمْ / بِرَأْيِكَ في صَرْفِ الْخُطُوبِ اللَّوَازِبِ
وَمَا شَرُفَتْ عَنْ قِيمَة الزُّبَرِ الظُّبى / إِذَا لَمْ يُشَرّفْهَا مَضاءُ الْمَضَارِبِ
تَجَانَفْتُ عَنْ قَصْدِ الْمُلُوكِ وَعِنْدَهُمْ / رَغَائِبُ لَمْ تَجْنَحْ إِلَيْهَا غَرَائِبِي
تَنَاقَلُ بِي أيْدِي الْمَهَارى حَثِيثَةً / كَمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْمُلُ حَاسِبِ
إِذَا الشَّوْقُ أَغْرَانِي بِذِكْرِكَ مَادِحاً / تَرَنَّمْتُ مُرْتَاحاً فَحَنَّتْ رَكَائِبِي
بِمَنْظُومَةٍ مِنْ خَالِصِ الدُّرِّ سِلْكُهَا / عَرُوضٌ وَلكنْ دُرُّهَا مِنْ مَنَاقِبِ
تُعَمَّرُ عُمْرَ الدَّهْرِ حَتّى إِذَا مَضى / أقَامَتْ وَمَا أَرْمَتْ علَى سِنِّ كَاعِبِ
شَعَرْتُ وَحَظُّ الشِّعْرِ عِنْدَ ذَوِي الْغِنى / شَبِيهٌ بِحَظِّ الشِّيْبِ عِنْدَ الْكَواعبِ
وَمَا بِيَ تَقْصِرٌ عَنِ الْمَجْدِ وَالْعُلى / سِوَى أَنَّنِي صَيَّرْتُهُ مِنْ مَكَاسِبي
يُعَدُّ منَ الأَكْفَآءِ مَنْ كَانَ عَنْهُمُ / غَنِيًّا وَإِنْ لَمْ يَشْأَهُمْ في الْمَرَاتِبِ
وَلَوْ خَطَرتْ بِي فِي ضَمِيرِكَ خَطْرَةٌ / لَعَادَتْ بِتَصْدِيقِ الظُّنُونِ الكَواذبِ
وَأَصْبَحَ مُخْضَرّاً بِسَيْبِكَ مُمْرِعاً / جَنَابِي ومَمْنُوعاً بِسَيْفِكَ جَانِبِي
لَكَ الْخَيْرُ قَدْ أَنْحى عَلَيَّ زَمَاني
لَكَ الْخَيْرُ قَدْ أَنْحى عَلَيَّ زَمَاني / وَمَالي بِما يَأْتِي الزَّمَانُ يَدَانِ
كَأَنَّ صُروفَ الدَّهْرِ لَيْسَ يَعُدُّهَا / صُرُوفاً إِذَا مَكْرُوهُهُنَّ عَدَانِي
وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ الدَّهْرِ بِالْجَوْرِ قَادَني / جَمَحْتُ وَلكِنْ في يَدَيْهِ عِنَابِي
مُنِيتُ بِبَيْعِ الشِّعْرِ مِنْ كُلِّ بَاخِلٍ / بِخُلْفِ مَوَاعِيدٍ وَزُورِ أَمَانِي
وَمَنْ لِي بِأَنْ يُبْتَاعَ مِنِّي وَإِنَّما / أُقِيمُ لِماءِ الْوَجْهِ سُوقَ هَوَانِ
ِإذَا رُمْتُ أَنْ أَلْقى بِهِ الْقَوْمَ لَمْ يَزَلْ / حَيائِي وَمَسُّ الْعُدْمِ يَقْتَتِلانِ
أَخَافُ سُؤَالَ الْبَاخِلِينَ كَأَنَّنِي / مُلاَقِي الْوَغى كُرْهاً بِقَلْبِ جَبَانِ
قَعَدْتُ بِمَجْرَى الْحَادِثَاتِ مُعَرَّضاً / لأَسْبَابِها مَا شِئْنَ فِيِّ أَتَانِي
مُصَاحِبَ أَيَّامٍ تُجُرُّ ذُيُولَها / عَلَيَّ بِأَنْواعٍ مِنَ الْحَدَثانِ
أَرَى الرِّزْقَ أَمَّا الْعَزْمُ مِنِّي فَمُوشِكٌ / إِلَيْهِ وَأَمَّا الْحَظُّ عَنْهُ فَوانِ
وَهَلْ يَنْفَعَنِّي أَنَّ عَزْمِيَ مُطْلَقٌ / وَحَظِّي مَتى رُمْتُ الْمَطَالِبَ عَانِ
وَمَا زَالَ شُؤْمُ الْجَدّ مِنْ كُلِّ طَالِبٍ / كَفِيلاً بِبُعْدِ الْمَطلَبِ الْمُتَدَانِي
وَقَدْ يُحْرَمُ الْجَلْدُ الْحَرِيصُ مَرَامَهُ / وَيُعْطِى مُنَاهُ الْعَاجِزُ الْمُتَوَانِي
وَمِنْ أَنْكَدِ الأَحْدَاثِ عِنْدِيَ أَنَّنِي / عَلَى نَكَدِ الأَحْدَاثِ غَيْرُ مُعَانِ
فَها أَنَا مَتْرُوكٌ وَكُلَّ عَظِيمَةٍ / أُقارِعُها شَأْنَ الْخُطُوبِ وَشَانِي
فَعَثْراً لِدَهْرٍ لاَ تَرى فِيهِ قَائلاً / لَعَاً لِفَتىً زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمَانِ
فَهَلْ أَنْتَ مُولٍ نِعْمةً فَمُبَادِرٌ / إِلَيَّ وَقَدْ أَلْقَى الرِّدى بِجِرانِ
وَحَطَّ عَليَّ الدَّهْرُ أَثْقالَ لُؤْمِهِ / وَتِلْكَ الَّتِي يَعْيَا بِها الثَّقَلاَنِ
وَمُسْتَخْلِصِي مِنْ قَبْضَةِ الْفَقْرِ بَعْدَمَا / تَمَلَّكَ رِقِّي ذُلُّهُ وَحَوانِي
وَجَاعِلُ حَمْدِي مَا بَقِيتُ مُخَلَّداً / عَلَيكَ وَمَا أَرْسَتْ هِضَابُ أَبَانِ
إِذاً تَقْتَنِي شُكْرَ امْرِيءٍ غَيْرِ هَادِمٍ / بِكُفْرِ الأَيَادِي مَا ارْتيَاحُكَ بانِ
فَمِثْلُكَ أُنْسِ الدَّوْلَةِ انْتاشَ هَالِكاً / أَخَيِذَ مُلِمَّاتٍ أَسِيرَ زَمَانِ
وَغَادَرَ مَنْ يَخْشَى الزَّمَانَ كَأَنَّما / يُلاَقِيهِ مِنْ مَعْرُوفِهِ بِأَمَانِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَادِثِ الدَّهْرِ مَوْئِلُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَادِثِ الدَّهْرِ مَوْئِلُ / وَلَمْ يُغْنِ عَنْكَ الْحُزْنُ فَالصَّبْرُ أَجْمَلُ
وَأَهْوَنُ مَا لاَقَيْتَ مَا عَزَّ دَفْعُهُ / وَقدْ يَصْعُبُ الأَمْرُ الأَشَدُّ فَيَسْهُلُ
وَمَا هذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ إِقَامَةٍ / فَيَحْزَنَ فِيهَا الْقَاطِنُ الْمُتَرَحِّلُ
هِيَ الدَّارُ إِلاَّ أَنَّها كَمَفازَةٍ / أَنَاخَ بِها رَكْبٌ وَرَكْبٌ تَحَمَّلُوا
مُنِينَا بِهَا خَرْقَاءَ لاَ الْعَذْلُ تَرْعَوِي / إِلَيْهِ وَلاَ مَحْضَ النَّصِيحَة تَقْبَلُ
لَنَا وَلَهَا فِي كلِّ يَوْمٍ عَجَائِبٌ / يَحَارُ لَهَا لُبُّ اللَّبِيبِ وَيَذْهَلُ
يَطُولُ مَدَى الأَفْكَارِ في كُنْهِ أَمْرِها / فَيَنْكُصُ عَنْ غَايَاتِه الْمُتَوَغِّلُ
وَإِنَّا لَمِنْ مَرِّ الْجَدِيدَيْنِ في وَغىً / إِذَا فَرَّ مِنْهَا جَحْفَلٌ كَرَّ جَحْفَلُ
تُجَرِّدُ نَصْلاً وَالْخَلاَئِقُ مَفْصِلٌ / وَتُنْبِضُ سَهْماً وَالْبَرِيَّةُ مَقْتَلُ
فَلاَ نَحْنُ يَوْماً نَسْتَطِيعُ دِفَاعَهَا / وَلاَ خَطْبُهَا عَنَّا يَعِفُّ فَيُجْمِل
وَلاَ خَلْفَنَا مِنْهَا مَفَرٌّ لِهَارِبٍ / فَكَيْفَ لِمَنْ رَامَ النَّجَاةَ التَّحَيُّلُ
وَلاَ نَاصِرٌ إِلاَّ التَّمَلْمُلُ والأَسى / وَمَاذَا الَّذِي يُجْدِي الأَسى وَالتَّمَلْمُلُ
نَبيتُ عَلَى وَعْدٍ مِنَ الْمَوْتِ صَادِقٍ / فَمِنْ حَائِنٍ يُقْضى وَآخَرَ يُمْطَلُ
وَكُلٌّ وَإِنْ طَالَ الثَّوآءُ مَصِيرُهُ / إِلى مَوْرِدٍ مَا عَنْهُ لِلْخَلْقِ مَعْدٍلُ
فَوَا عَجَبا مِنْ حَازِمٍ مُتَيَقِّنٍ / بِأَنْ سَوْفَ يَرْدى كَيْفَ يَلْهُو وَ يَغْفُلُ
أَلاَ لاَ يَثِقْ بِالدَّهْرِ مَا عَاشَ ذُو حِجَىً / فَمَا وَاثِقٌ بِالدَّهْرِ إِلاَّ سَيَخْجَلُ
نَزَلْتُ عَلَى حُكْمِ الرَّدَى في مَعاشِرِي / وَمَنْ ذَا على حكم الردى ليس ينزل
تبدلت بالماضين منهم تعلة / وأين من الْماضِينَ مَنْ أَتَبَدَّلُ
إِذَا مَاءُ عَيْنِي بانَ كَانَ مُعُوَّلِي / عَلَى الدَّمْعِ إِنَّ الدَّمْعَ بِئْسَ الْمُعوِّلُ
كَفى حَزَناً أَنْ يُوقِنَ الْحَيُّ أَنَّهُ / بِسَيْفِ الرَّدَى لاَ بُدَّ أَنْ سَوْفَ يُقْتَلُ
لِبَيْكِ جَمَالَ الدَّوْلَةِ الْبَأْسُ وَالنَّدَى / إِذَا قَلَّ مَنَّاعٌ وَأَعْوَزَ مُفْضِلُ
فَتىً كَانَ لاَ يُعْطِي الْسَّوَاءَ قَسِيمَهُ / إِباءً إِذَا مَا جَاشَ لِلْحَرْبِ مِرْجَلُ
وَلاَ يَعْرِفُ الإِظْمَاءَ فِي الْمَحْلِ جَارُهُ / سَمَاحاً وَلُوْ أَنْ الْمَجَرَّةَ مَنْهَلُ
فَمَنْ مُبْلِغُ الْعَلْياءِ أَنِّيَ بُعْدَهُ / ظَمِئْتُ وَأَخْلاَفُ السّحَائِبِ حُفَّلُ
فَوَا أَسَفَا مَنْ لِلطَّرِيدِ يُجِيرُهُ / إِذَا ناشَهُ نَابٌ مِنَ الْخَوْفِ أَعْصَلُ
وَوَا أَسَفَا مَنْ لِلْفَقِيرِ يَمِيرُهُ / إِذَا شَفَّهُ دَاءٌ مِنَ الْفَقْرِ مُعْضِلُ
تَهَدَّمَ ذَاكَ الْبَاذِخُ الْشَّامِخُ الذُّرى / وأَقْلَعَ ذَاكَ الْعَارِضُ الْمُتَهَلِّلُ
فَيَا مَانِعَ اللاَّجِينَ هَا أَنَا مُسْلَمٌ / وَيَا مُمْطِرَ الرَّاجِينَ هَا أَنَا مُمْحِلُ
أَحِينَ احْتَبى فِيكَ الْكَمَالُ وَخُوِّلَتْ / يَدَاكَ مِنَ الْعَليْاءِ مَا لاَ يُخَوَّلُ
وَشَايَعَكَ العَزْمُ الْفَتِيُّ وَنَاضَلَ النَّ / وَائِبَ عَنْكَ السُّؤْدَدُ الْمُتَكَهِّلُ
وَلَمْ تُبْقِ حَظّاً مِنْ عُلاً تَسْتَزيدُهُ / وَلاَ حُلَّةً مِنْ مَفْخَرٍ تَتَسَرْبَلُ
رَمَاكَ فَأَصْمَاكَ الزَّمَانُ بِكَيْدِهِ / كَذَا تَنْقُصُ الأَقْمَارُ أَيّانَ تَكْمُلُ
وَمَا كُنْتُ أَخْشى أَنْ يَفُوتَ بِكَ الرِّدى / وَلَمَّا يَكْنْ يَوْمٌ أَغَرُّ مُحَجَّلُ
وَلَمَّا يَقُمْ مِنْ دُونِ ثَأْرِكَ مَعْشَرٌ / إِذَا عَزَمُوا فِي النَّائِبَاتِ تَوَكَّلُوا
مَنَاجِيدُ وَثَّابُونَ فِي كُلِّ صَهْوَةٍ / مَنَ الْعِزِّ قَوَّالُون لِلْمَجْدِ فُعَّلُ
أَتَذْهَبُ لَمْ يُشْرَعْ َأَمَامَكَ ذَابِل / لِمَنْعٍ وَلَمْ يُشْهَرْ وَرَاءَكَ مُنْصُلُ
فَهَلاَّ بِحيْثُ الْمَشْرَفِيَّةُ رُكَّعٌ / تُكَبِّرُ فِي هَامِ الْعِدى وَتُهَلِّلُ
وَأَلاَّ بِحَيْثُ السَّمْهَرِيَّةُ شُرَّعٌ / تُعَلُّ مِنَ الأَكْبَادِ رَياً وَتُنْهَلُ
كَدَأْبِكَ أَيَّامَ الْحَوَادِثُ نُوَّمٌ / وَجَدُّكَ يَقْظَانٌ وَحَدُّكَ مِقْصَلُ
فَهَلْ عَالِمٌ جَيْهَانُ أَنَّكَ بَعْدَهُ / رَمى بِكَ مَرْمَاهُ الْحِمَامُ المُعَجَّلُ
سَلَكْتَ وَإِيَّاهُ سَبيلاً غَدَا بِهِ / زَمَانُكُمَا في قِسْمَةِ الْجَوْرِ يَعْدِلُ
سَقَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرْضِنِي فِيكَ وَابِلٌ / وَلَوْ حَلَّ لِي قُلْتُ الرَّحِيقُ الْمُسَلْسَلُ
مِنَ الْمُزْنِ مَشْمَولٌ يَرِفُّ كَأَنَّهُ / بِجُودِ جَلاَلِ الْمُلْكِ يَهْمِي وَيَهْطِلُ
وَمَهْمَا هَفَتْ يَوْماً مِنَ الْجَوِّ نَفْحَةٌ / فَهَبَّ بِحِضْنَيْكَ النَّسِيمُ الْمُمَنْدَلُ
وَلاَ عَدِمَ الْمَوْلى مِنَ الأَجْرِ خَيْرَهُ / وَبُلِّغَ فِي أَعْدَائِهِ مَا يُؤَمِّلُ
فِدَىً لَكَ مَنْ تَحْتَ السِّماءِ وَلاَ تَزَلْ / وَمجْدُكَ مَرْفُوعُ الْبِنَاءِ مُؤَثِّلُ
إِذَا جَلَّ خَطْبٌ غَالَ همَّكَ عِنْدَهُ / نُهمىً تَسَعُ الْخَطْبَ الْجَلِيلَ وَتَفْضُلُ
وأَرْغَمْتَ أَنْفَ النَّائِبَاتِ بِوَطْأَةٍ / تَخِفُّ عَلَى ظَهْرِ الزَّمَانِ وَتَثْقُلُ
وَأَيُّ مُلِمٍّ يزدهيك وإنما / بحملك في أمثاله يتمثل
غنيت بِمَا تَقْضِي بِهِ عِنْدَكَ النُّهى / وَفَضْلِكَ عَنْ تَعْرِيف مَا لَسْتَ تَجْهَلُ
وَمَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُونَ لِمَاجِدٍ / أَصِيلِ الْحِجى فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ فَيْصَلُ
أَحَتّى إِلى الْعَلْياءِ يا خَطْبُ تَطْمَحُ
أَحَتّى إِلى الْعَلْياءِ يا خَطْبُ تَطْمَحُ / وَحَتّى فُؤَادَ الْمَجْدِ يا حُزْنُ تَجْرَحُ
أَكُلُّ بَقاءٍ لِلفَناءِ مُؤَهَّلٌ / وَكُلُّ حَياةٍ لِلْحِمامِ تُرَشَّحُ
سَلَبْتَ فَلَمْ تَتْرُكْ لِباقٍ بَقِيَّةً / فَيا دَهْرُ هَلاَّ بِالأَفاضِلِ تَسْمَحُ
تَجافَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيْحَكَ إِنَّهُ / لِما يُجْتَوى مِنْ فَاسِدٍ فِيكَ مُصْلِحُ
إِذا كُنْتَ عَنْ ذِي الْفَضْلِ لَسْتَ بِصافِحٍ / فَواحَسْرَتا عمَّنْ تَكُفُّ وَتَصْفَحُ
خَلِيلَيَّ قَدْ كانَ الَّذِي كانَ يُتَّقى / فَما عُذْرُ عَيْنٍ لاَ تُجُودُ وَتَسْفَحُ
قِفا فَاقْضِيا حَقَّ الْمَعالِي وَقَلَّما / يَقُومُ بِهِ دَمْعٌ يَجِمُّ وَيَطْفَحُ
فَمَنْ كانَ قَبْلَ الْيَوْمِ يَسْتَقْبِحُ الْبُكا / فَقَدْ حَسُنَ الْيَوْمَ الَّذِي كانَ يَقْبُحُ
فَلا رُزْءَ مِنْ هذا أَعَمُّ مُصِيبَةً / وَلا خَطْبَ مِنْ هذا أَمَرُّ وَأَفْدَحُ
مُصابٌ لَوَ أَنَّ اللَّيْلَ يُمْنى بِبَعْضِ مَا / تَحَمَّلَ مِنْهُ الْمَجْدُ ما كانَ يُصْبِحُ
وَحُزْنٌ تَساوى النَّاسُ فِيهِ وَإِنَّما / يَعُمُّ مِنَ الأَحْزانِ ما هُوَ أَبْرَحُ
تَرى السَّيْفَ لا يَهْتَزُّ فِيه كآبَةً / وَلا زاعِبِيَّاتِ الْقَنا تَتَرَنَّحُ
فَيا لَلْمَعالِي وَالْعَوالِي لِهالِكٍ / لَهُ الْمَجْدُ باكٍ وَالْمَكارِمُ نُوَّحُ
مَضى مُذْ قَضى تِلْكَ الْعَشِيَّةَ نَحْبَهُ / وَمَا كُلُّ مَغْبُوقٍ مِنَ الْعَيْشِ يُصْبَحُ
لَغاضَ لَهُ مَاءُ النَّدَى وَهْوَ سائِحٌ / وضاق بِهِ صَدْرُ الْعُلى وَهْوَ أَفيَحُ
ظَلِلْنا نُجِيلُ الْفِكْرَ هَلْ تَمْنَعُ الرَّدى / كَتائِبُهُ وَالْيَوْمُ أَرْبَدُ أَكْلَحُ
فَما مَنَعَتْ بُتْرٌ مِنَ الْبِيضِ قُطَّعٌ / وَلا نَفَعَتْ جُرْدٌ مِنَ الْخَيْلِ قُرَّحُ
وَلا ذادَ مَشْهُورٌ مِنَ الْفَضْلِ باهِرٌ / وَلا كَفَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْخَيْرِ أَسْجَحُ
وَهَيْهاتَ ما يَثْنِي الْحِمامَ إِذا أَتى / جِدارٌ مُعَلَّىً أَوْ رِتاجٌ مَصَفَّحُ
وَلا مُشْرِعاتٌ بِالأَسِنَّةِ تَلْتَظِي / وَلا عادِياتٌ فِي الأَعِنَّةِ تَضْبَحُ
وَلا سُؤْدَدٌ جَمٌّ بِهِ الْخَطْبُ يُزْدَهى / وَلا نائِلٌ غَمْرٌ بِهِ الْقَطْرُ يَفْضَحُ
فَيا لَلَّيالِي كَيْفَ أَنْجُو مِنَ الرَّدى / وَخَلْفِي وَقُدَّامِي لَهُ أَيْنَ أَسْرَحُ
أََأَرْجُو انْتِصاراً بَعْدَ ما خُذِلَ النَّدَى / وَآمُلُ عِزّاً والْكِرامُ تُطَحْطَحُ
أَرى الإِلْفَ ما بَيْنَ النُّفُوسِ جَنى لهَا / جَوانِحَ تُذْكَى أَوْ مَدامِعَ تَقْرَحُ
فَيا وَيْحَ إِخْوانِ الصَّفاءِ مِنَ الأَسَى / إِذا ما اسْتَرَدَّ الدَّهْرُ ما كانَ يَمْنَحُ
وَمَنْ عاشَ يَوْماً سَاءَهُ ما يَسُرُّهُ / وَأَحْزَنَهُ الشَّيْءُ الَّذِي كانَ يُفْرِحُ
عَزاءً جَلالَ الْمُلْكِ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ / بِفَضْلِ النُّهَى فِي مَقْفَلِ الْخَطْبِ تَفْتَحُ
فَذا الدَّهْرُ مَطْوِيٌّ عَلَى الْبُخْلِ بَذْلُهُ / يَعُودُ بِمُرِّ الْمَذْقِ حِينَ يُصَرِّحُ
يُساوِي لَدَيْهِ الْفَضْلَ بِالنَّقْصِ جَهْلُهُ / وَسيَّانِ لِلْمَكْفُوفِ مُمْسىً وَمُصْبَحُ
وَمِثْلُكَ لا يُعْطِي الدُّمُوعَ قِيادَهُ / وَلَوْ أَنَّ إِدْمانَ الْبُكا لَكَ َأرْوَحُ
وَلَوْ كانَ يُبْكي كُلُّ مَيْتٍ بِقَدْرِهِ / إِذاً عَلِمَتْ جَمَّاتُها كَيْفَ تُنْزَحُ
لَسالَتْ نُفُوسٌ لا دُمُوعٌ مُرِشَّةٌ / وَعَمَّ حَمامٌ لا سَقامٌ مُبَرِّحُ
وَما كُنْتَ إِذْ تَلْقى الْخُطُوبَ بِضارِعٍ / لَها أَبَداً أَنّي وَحِلْمُكَ أَرْجَحُ
وَكَمْ عَصَفَتْ فِي جانِبِيْكَ فَلَمْ تَبِتْ / لَها قَلِقاً وَالطَّوْدُ لا يَتَزَحْزَحُ
وَأَيُّ مُلِمٍّ فِي عَلائِكَ يَرْتَقِي / وَأَيُّ الرَّزايا فِي صَفاتِكَ يَقْدَحُ
أما وَالْهَوى يَوْمَ اسْتَقَلَّ فَرِيقُها
أما وَالْهَوى يَوْمَ اسْتَقَلَّ فَرِيقُها / لَقَدْ حَمَّلَتْنِي لَوْعَةًَ لا أُطِيقُها
تَعَجَّبُ مِنْ شَوْقِي وَما طالَ نَأْيُها / وغَيْرُ حَبِيبِ النَّفْسِ مَنْ لا يَشُوقُها
فَلا شَفَّها ما شَفَّنِي يَوْمَ أَعْرَضَتْ / صُدُوداً وَزُمَّتْ لِلتَّرَحُّلِ نُوقُها
أَهَجْراً وَبَيْناً شَدَّ ما ضَمِنَ الْجَوى / لِقَلْبِيَ دانِي صَبْوةٍ وَسَحِيقُها
وَكُنْتُ إِذا اشْتَقْتُ عَوَّلْتُ في الْبُكا / عَلَى لُجَّةٍ إِنْسانُ عَيْنِي غَرِيقُها
فَلَمْ يَبْقَ مِنْ ذا الدَّمْعِ إِلاَّ نَشيجُهُ / وَمِنْ كَبِدِ الْمُشْتاقِ إِلاَّ خُفُوقُها
فَيا لَيْتَنِي أَبْقى لِيَ الْهَجْرُ عَبْرَةً / فَأَقْضِي بِها حَقَّ النَّوى وَأُرِيقُها
وَإِنِّي لآَبى الْبِرَّ مِنْ وَصْلِ خُلَّةٍ / وَيُعْجِبُنِي مِنْ حُبِّ أُخْرى عُقُوقُها
وَأُعْرِضُ عَنْ مَحْضَ الْمَوَدَّةِ باذِلٍ / وَقَدْ عَزَّنِي مِمَّنْ أَوَدُّ مَذِيقُها
كَذلِكَ هَمِّي وَالنُّفُوسُ يَقُودُها / هَواها إِلى أَوْطارِها وَيَسُوقُها
فَلَوْ سَأَلَتْ ذاتُ الْوِشاحَيْنِ شِيمَتِي / لَخَبَّرَها عَنِّي الْيَقِينَ صَدُوقُها
وَما نَكِرَتْ مِنْ حادِثاتٍ بَرَيْنَنِي / وقَدْ عَلِقَتْ قَبْلِي الرِّجالَ عَلُوقُها
فَإِمَّا تَرَيْنِي يا ابْنَةَ الْقَومِ ناحِلاً / فَأَعْلى أَنابِيبِ الْرِّمَاحِ دَقِيقُها
وَكُلُّ سُيُوفِ الْهِنْدِ لِلْقَطْعِ آلَةٌ / وَأَقْطَعُها يَوْمَ الْجِلادِ رَقيقهُا
وَما خانَنِي مِنْ هِمَّةِ تَأْمُلُ الْعُلى / سِوى أَنَّ أَسْبابَ الْقَضَاءِ تَعُوقُها
سَأَجْعَلُ هَمِّي فِي الشَّدائِدِ هِمَّتِي / فَكَمْ كرْبَةٍ بِالْهَمِّ فُرِّجَ ضِيقُها
وَخَرْقٍ كَأَنَّ ألْيَمَّ مَوْجُ سَرابِهِ / تَرامَت بِنا أَجْوازُهُ وَخُرُوقُها
كَأَنَّا عَلَى سُفْنٍ مِنَ الْعِيسِ فُوْقَهُ / مَجادِيفُها أَيْدِي الْمَطِيِّ وَسُوقُها
نُرَجِّي الْحَيا مِنْ راحَةِ ابْنِ مُحَمَّدٍ / وَأَيُّ سَماءٍ لا تُشَامُ بُرُوقُها
فَما نُوِّخَتْ حَتّى أَسَوْنا بِجُودِهِ / جِراحَ الْخُطُوبِ الْمُنْهَراتِ فُتُوقُها
وَإِنَّ بُلُوغَ الْوَفْدِ ساحَةَ مِثْلِهِ / يَدٌ لِلْمَطايا لا تُؤَدّى حُقُوقُها
عَلَوْنَ بِآفَاقِ الْبِلادِ يَحِدْنَ عَنْ / مُلُوكِ بَنِي الدُّنْيا إِلى مَنْ يَفُوقُها
إِلى مَلِكٍ لَوْ أَنَّ نُورَ جَبِينِهِ / ومَا يُدْرِكُ الْغاياتِ إِلاَّ سَبُوقُها
هُمامٌ إِذا ما هَمَّ سَلَّ اعْتِزامَهُ / كَما سُلَّ ماضِي الشَّفْرَتَيْنِ ذَلِيقُها
يَطُولُ إِذا غالَ الْذَّوابِلَ قَصْرُها / وَيَمْضِي إِذا أَعْيا السِّهامَ مُرُوقُها
نَهى سَيْفُهُ الأَعْداءَ حتّى تَناذَرَتْ / وَوُقِّرَ مِنْ بَعْدِ الْجِماحِ نُزُوقُها
وَما يُتَحامى اللَّيْثُ لَوْلا صِيالُهُ / وَلا تُتَوقّى النَّارُ لَوْلا حَرِيقُها
وَقى اللهُ فِيكَ الدِّينَ وَالْبأْسَ وَالنَّدى / عُيُونَ الْعِدى ما جاوَر الْعَيْنَ مُوقُها
عزَفْتَ عَنِ الدُّنْيا فَلَوْ أَنَّ مُلْكَها / لِمُلْكِكَ بَعْضٌ ما اطَّباكَ أَنِيقُها
خُشُوعٌ وَإِيمانٌ وَعَدْلٌ وَرَأْفَةٌ / فَقَدْ حُقَّ بِالنَّعْماءِ مِنْكَ حَقِيقُها
عَلَوْتَ فَلَمْ تَبْعُدْ عَلَى طالِبٍ نَدىً / كَمُثْمِرَةٍ يَحْمِي جَناها بُسُوقُها
فَلا تَعْدَمِ الآمالُ رَبْعَكَ مَوْئِلاً / بِهِ فُكَّ عانِيها وَعَزَّ طَلِيقُها
سَبَقْتَ إِلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّةٍ / وَما يُدْرِكُ الْغاياتِ إِلاَّ سَبُوقُها
وَلَمَّا أَغَرْتَ الْباتِراتِ مُخَنْدِقاً / تَوَجَّعَ ماضِيها وَسِيءَ ذَلُوقُها
وَيُغْنِكَ عَنْ حَفْرِ الْخَنادِقِ مِثْلُها / مِنَ الضَّرْبِ إِمَّا قامَ لِلْحَرْبِ سُوقُها
وَلكِنَّها فِي مَذْهبِ الْحَزْمِ سُنَّةٌ / يَفُلُ بِها كَيْدَ الْعَدُوِّ صَدِيقُها
لَنا كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ عِيدٌ مُجَدَّدٌ / صَبُوحُ التَّهانِي عِنْدَهُ وَغَبُوقُها
فَنَحْنُ بِهِ مِنْ فَيْضِ سَيْبِكَ فِي غِنىً / وَفِي نَشَواتٍ لَمْ يُحَرَّمْ رَحِيقُها
وَقَفْتُ الْقَوافِي ذَراكَ فَلَمْ يَكُنْ / سِواكَ مِنَ الأَمْلاكِ مَلْكٌ يرُوقُها
مُعَطَّلَةً إِلاَّ لَديْكَ حِياضُها / وَمَهْجُورَةً إِلاَّ إِلَيْكَ طَرِيقُها
وَمالِيَ لا أُهْدِي الثَّناءَ لأَهْلِهِ / وَلِي مَنْطِقٌ حُلْوُ الْمَعانِي رَشِيقُها
وَإِنْ تَكُ أَصْنافُ الْقَلائِد جَمَّةً / فَما يَتَساوى دُرُّها وَعَقِيقُها
يَدٌ لَكَ عِنْدِي لا تُؤَدّى حُقُوقُها
يَدٌ لَكَ عِنْدِي لا تُؤَدّى حُقُوقُها / بِشَكْرٍ وَأَي الشُّكْرِ مِنِّي يُطِيقُها
سَماحٌ وَبِشْرٌ كَالسَّحائِبِ ثَرَّةً / تَوالى حَياها وَاسْتَطارَتْ بُرُوقُها
وَكَمْ كُرْبَةٍ نادَيْتُ جُودَكَ عِنْدها / فَما رامنِي حَتّى تَفَرَّجَ ضِيقُها
وَمَكْرَمَةٍ وَالَيْتَها وَصَنيعَةٍ / زَكَتْ لَكَ عِنْدِي حِدْثُها وَعَتِيقُها
مَناقِبُ إِنْ تُنْسَبْ فَأَنْتَ لَها أَبٌ / وَعَليْاءُ إِنْ عُدَّتْ فَأَنْتَ شَقِيقُها
وَوَلَّيْتَها نَفْساً لَدَيْكَ كَرِيمَةً / تَبِيتُ أَغارِيدُ السَّماحِ تَشُوقُها
أَرى الْعَلْياءَ واضِحَةَ السَّبِيلِ
أَرى الْعَلْياءَ واضِحَةَ السَّبِيلِ / فَما لِلْغُرِّ سالِمَةَ الْحُجُولِ
إِلى كَمْ يَقْتَضِيكَ الْمَجْدُ دَيْناً / تُحِيلُ بِهِ عَلَى الْقَدَرِ الْمَطُولِ
وَأَيُّ فَتىً تَمرَّسَ بِالْمعالِي / فَلَمْ يَهْجُمْ عَلَى خَطَرٍ مَهُولِ
وَإِنَّ عَناقَ حَرِّ الْمَوْتِ أَوْلى / بِذِي الإِمْلاقِ مِنْ بَرْدِ الْمَقِيلِ
وَما كانَتْ مُنىً بَعُدَتْ لِتَغْلُو / بِطُولِ مَشَقَّةِ السَّيْرِ الطَّويلِ
فَكَيْفَ تَخِيمُ وَالآمالُ أَدْنى / إِلَيْكَ مِنَ الْقِداحِ إِلى الْمُجِيلِ
وَقَدْ نادى النَّدى هَلْ مِنْ رَجاءٍ / وَقالَ النَّيْلُ هَلْ مِنْ مُسْتَنِيلِ
وَلَمْ أَرَ قَبْلَهُ أَمَلاً جَواداً / يُشارُ بِهِ إِلى عَزْمٍ بَخِيلِ
عَلامَ تُرَوِّضُ الْحَصْباءُ خِصْباً / وَتَجْزَعُ أَنْ تُعَدَّ مِنَ الْمُحُولِ
وَكَيْفَ تَرى مِياهَ الْفَضْلِ إِلاّ / وَقَدْ رُشِفَتْ بِأَفْواهِ الْعُقُولِ
لَقَدْ أَعْطَتْكَ صِحَّتَها الأَمانِي / فَلا تَعْتَلَّ بِالْحَظِّ الْعَلِيلِ
وَما لَكَ أَنْ تَسُومَ الدَّهْرَ حَظّاً / إِذا ما فُزْتَ بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ
إِذا أَهْلُ الثَّناءِ عَلَيْكَ أَثْنَوا / فَسِرْ فِي الْمَكْرُماتِ بِلا دَلِيلِ
أرى حُلَلَ النَّباهَةِ قَدْ أَظَلَّتْ / تُنازِعُ فِيَّ أَطْمارَ الْخُمُولِ
فَيا جَدِّي نَهَضْتَ وَيا زمَانِي / جَنَيْتَ فَكُنْتَ أَحْسنَ مُسْتَقِيلِ
وَيا فَخْرِي وَفَخْرُ الْمُلْكِ مُثْنٍ / عَلَيَّ لَقَدْ جَرَيْتُ بِلا رَسِيلِ
تَفَنَّنَ فِي الْعَطاءِ الْجَزْلِ حَتّى / حَبانِي فِيهِ بِالْحَمْدِ الْجَزِيلِ
فَها أَنا بَيْنَ تَفْضِيلٍ وَفَضْلٍ / تَبَرُّعُ خَيْرِ قَوّالٍ فَعُولِ
غَرِيبُ الْجُودِ يَحْمَدُ سائِلِيهِ / وَفَرْضُ الْحَمْدِ أَلْزَمُ لِلسَّؤُولِ
سَقانِي الرِّيَّ مِنْ بِشرٍ وَجُودٍ / كَما رَقَصَ الْحَبابُ عَلَى الشَّمُولِ
وَأَعْلَمُ أَنَّ نَشْوانَ الْعَطايا / سَيَخْمَرُ بِالْغِنى عَمّا قَلِيلِ
أَما وَنَداكَ إِنَّ لَهُ لَحَقًّا / يُبِرُّ بِهِ أَلِيَّةَ كُلِّ مُولِ
لَئِنْ أَغْرَبْتَ فِي كَرَمِ السَّجايا / لَقَدْ أَغْربْتَ عَنْ كَرَمِ الأُصُولِ
أَلا أَبْلِغْ مُلُوكِ الأَرْضِ أَنِّي / لَبِسْتُ الْعَيْشَ مَجْرُورَ الذُّيُولِ
لَدى مَلِكٍ مَتى نَكَّبْتَ عَنْهُ / فَلَسْتَ عَلَى الزَّمانِ بِمُسْتَطِيلِ
وَلَمّا عَزَّ نائِلُهُمْ قِياداً / وَهَبْتُ الصَّعْبَ مِنْهُمْ لِلذَّلُولِ
وَطَلَّقْتُ الْمُنى لا الْعَزْمُ يَوْماً / لَهُنَّ وَلا الرَّكائِبُ لِلذَّمِيلِ
وَلُوْلا آلُ عَمّارِ لَباتَتْ / تَرى عَرْضَ السَّماوَةِ قِيدَ مِيلِ
أَعَزُّونِي وَأَغْنَوْنِي وَمِثْلِي / أُعِينَ بكُلِّ مَنّاعٍ بَذُولِ
وَحَسْبُكَ أَنَّنِي جارٌ لِقَوْمٍ / يُجِيرُونَ الْقَرارَ مِنَ السُّيُولِ
أَلا للهِ دَرُّ نَوىً رَمَتْ بِي / إِلى أَكْنافِ ظِلِّهِمِ الظَّلِيلِ
وَدَرُّ نَوائِبٍ صَرَفَتْ عِنانِي / إِلى تِلْقائِهِمْ عِنْدَ الرَّحِيلِ
أُسَرُّ بِأَنَّ لِي جَدّاً عَثُوراً / وَعَمّارُ بْنُ عَمّارٍ مُقِيلي
وَلَوْلا قُرْبُهُ ما كُنْتُ يَوْماً / لأَشْكُر حادِث الْخَطْبِ الْجَلِيلِ
وَقَدْ يَهْوى الْمُحِبُّ الْعَذْلَ شَوْقاً / إِلى ذِكْرِ الأَحِبَّةِ لا الْعَذُولِ
لَهُ كَرَمُ الْغَمامِ يَجُودُ عَفْواً / فَيُغْنِي عَنْ ذَرِيعٍ أَوْ وَسِيلِ
وَما إِن زِلْتُ أَرْغَبُ عَنْ نَوالٍ / يُقَلِّدُنِي يَداً لِسَوى الْمُنِيلِ
تَجُودُ بِطِيبِ رَيّاها الْخُزامى / وَيَغْدُو الشُّكْرُ لِلرِّيحِ الْقَبُولِ
وَغَيْرِي مَنْ يُصاحِبُهُ خُضُوعٌ / أَنَمُّ مِنَ الدُّمُوعِ عَلَى الْغَلِيلِ
يَعُبُّ إِذا أَصابَ الضَّيْمُ شَرْباً / وَبَعْضُ الذُّلِّ أَوْلى بِالذَّلِيلِ
تَرَفَّعَ مَطْلَبِي عَنْ كُلِّ جُودٍ / فَما أَبْغِي بِجُودِكَ مِنْ بَدِيلِ
وَمالِيَ لا أَعافُ الطَّرْقَ وِرْداً / وَقَدْ عَرَضَتْ حِياضُ السَّلْسَبِيلِ
وَقَدْ عَلَّمْتَنِي خُلُقَ الْمَعالِي / فَما أَرْتاحُ إِلاّ لِلنَّبِيلِ
وَلِي عِنْدَ الزَّمانِ مُطالَباتٌ / فَما عُذْرِي وَأَنْتَ بِها كَفيلي
وَإِنَّ فَتىً رَآكَ لَهُ رَجاءَ / لأَهْلٌ أَنْ يُبَلَّغَ كُلَّ سُولِ
وَرُبَّ صَنِيعَةٍ خُطِبَتْ فَزُفَّتْ / إِلى غَيْرِ الْكَفِيءِ مِنَ الْبُعُولِ
أَبِنْ قَدْرَ اصْطِناعِكَ لِي بِنُعْمى / تَبُوحُ بِسِرِّ ما تُسْدِي وَتُولِي
إِذا ما رَوَّضَ الْبَطْحاءَ غَيْثٌ / تَبَيَّنَ فَضْلُ عارِضِهِ الْهَطُولِ
وَأَعْلِنْ حُسْنَ رَأْيِكَ فِيَّ يَرْجَحْ / عَدُوِّي فِي الْمَوَدَّةِ مِنْ خَلِيلِي
فَلَيْسَ بِعائِبِي نُوَبٌ أَكَلَّتْ / شَبا عَزْمِي وَلَمْ يَكُ بِالْكَلِيلِ
فَإِنَّ السَّيْفَ يُعْرَفُ ما بَلاهُ / بِما فِي مَضْرِبَيْهِ مِنَ الْفُلُولِ
وَكَائِنْ بِالْعَواصِمِ مِنْ مُعَنّىً / بِشِعْرِي لا يَرِيعُ إِلى ذُهُولِ
أَقَمْتُ بأَرْضِهِمْ فَحَلَلْتُ مِنْها / مَحَلَّ الْخال فِي الْخَدِّ الأَسِيلِ
وَلكِنْ قادَنِي شَوْقِي إِلَيْكُمْ / وَحُبِّي كُلَّ مَعْدُومِ الشُّكُولِ
فَأَطْلَعَ فِي سَمائِكَ مِنْ ثَنائِي / نُجُومَ عُلىً تَجِلُّ عَنِ الأُفُولِ
سَوائِرُ تَمْلأُ الآفاقَ فَضْلاً / تُعِيدُ الْغُمْرَ ذا رَأْيٍ أَصيلِ
قَصائِدُ كالْكَنائِنِ فِي حَشاها / سِهامٌ كَالنُّصُولِ بِلا نُصُولِ
نَزائِعُ عَنْ قِسِيِّ الْفِكْرِ يُرْمى / بِها غَرَضُ الْمَوَدَّةِ وَالذُّحُولِ
وَكُنَّ إِذا مَرَقْنَ بِسَمْعِ صَبٍّ / أَصَبْنَ مَقاتِلَ الْهَمِّ الدَّخِيلِ
إِذا ما أُنْشِدَتْ فِي الْقَوْمِ رَقَّتْ / شَمائِلُ يُوْمِهِمْ قَبْلَ الأَصِيلِ
تزُورُ أَبا عَلِيٍّ حَيْثَ أَرْسَتْ / هِضابُ الْغِزِّ وَالْمَجدْ الأَثِيلِ
ومن يجزيك عن فعل بقول / لقد حاولت عين المستحيل
وَكَيْفَ لِيَ السَّبِيلُ إِلى مَقالٍ / يُخَفِّفُ مَحْمِلَ الْمَنِّ الثَّقِيلِ
فَلا تَلِمُ الْقَوافِيَ إِنْ أَطَالَتْ / قَطِيعَةَ بِرَّكَ الْبَرِّ الْوَصُولِ
هَرَبْتُ مِنَ ارْتِياحِكَ حِينَ أَنْحى / عَلَى حَمْدِي بِعَضْبِ نَدىً صَقِيلِ
وَلَمّا عُذْتُ بِالْعَلْياءِ قالَتْ / لَعَلَّكَ صاحِبُ الشُّكْرِ الْقَتِيلِ
فَيا لَكِ مِنَّةً فَضَحَتْ مَقالِي / وَمِثْلِي فِي الْقَرِيضِ بِلا مَثِيلِ
فَعُذْراً إِنْ عَجَزْتُ لِطُولِ هَمِّي / عَنِ الإِسْهابِ وَالنَّفَس الطَّوِيلِ
فَإِنْ وَجى الْجِيادِ إِذا تَمادى / بِها شَغَلَ الْجِيادَ عَنِ الصَّهِيلِ
خَلِيلَيَّ إِنْ لَمْ تُسْعِدا فَذارنِي
خَلِيلَيَّ إِنْ لَمْ تُسْعِدا فَذارنِي / وَلا تَحْسَبا وَجْدِي الذِي تَجِدانِ
خُذا مِنْ شُجُونِي ما يَدُلُّ عَلَى الْجَوى / فَما النّارُ إِلاّ تَحْتَ كُلِّ دُخانِ
أَماتَ الْهَوى صَبْرِي وَأَحْيا صَبابَتِي / فَها أنا مَغْلُوبٌ كَما تَرَيَانِ
وَلَوْ أَنَّ مَنْ أَهْواهُ عايَنَ لُوْعَتِي / لُعَنَّفَنِي فِي حُبِّهِ وَلَحانِي
تَحَمَّلْتُ مِنْ جُوْرِ الأَحِبَّةِ ما كَفى / فَلا يَبْهَظَنِّي الْيَوْمَ جَوْرُ زَمانِي
وكَيْفَ احْتفِالي بِالزَّمانِ وَصَرْفِهِ / وَما زالَ فَخْرُ الْمُلْكِ مِنْهُ أَمانِي
عَلِقْتُ إِذا ما رُمْتُ عَدَّ كِرامِهِ / بِأَوَّلِ مَنْ يُثْنى عَلَيهِ بَنانِي
بِأَزْهَرَ وَضَّاحِ الْجَبينِ مُهَذَّبٍ / جَمِيلِ الْحَيا ماضٍ أَغَرَّ هِجانِ
إِذا آلُ عَمّارٍ أَظَلَّكَ عِزُّهُمْ / فَغَيْرُكَ مَنْ يَخْشى يَدَ الْحَدَثانِ
هُمُ الْقَوْمُ إِلاَّ أَنَّ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ / يُهانُ الْقِرى وَالْجارُ غَيْرُ مُهانِ
هُمُ أَطْلَقُوا بِالْجُودِ كُلَّ مَصَفَّدٍ / كَما أَنْطَقُوا بِالْحَمْدِ كُلَّ لِسانِ
لَهُمْ بِك فَخْرَ الْمُلْكِ فَخْرٌ عَلَى الْوَرى / لَهُ شائِدٌ مِنْ راحَتَيْكَ وَبَانِ
نُجُومُ عَلاءٍ فِي سَماءِ مَناقِبٍ / عَلِيٌّ وَعَمّارٌ بِها الْقَمَرانِ
هَنيئاً لَكَ الأَيّامُ فَالدَّهْرُ كُلُّهُ / إِذا وَقاكَ اللهُ دَهْرُ تَهانِ
لِذا الْخَلْقِ عِيدٌ فِي أَوانٍ يَزُورُهُمْ / وَأَنْتَ لَنا عِيدٌ بِكُلِّ أَوانِ
فَحَسْبِي مِنَ النَّعْماءِ أَنَّكَ وَالنَّدى / خَلِيلاً صَفاءِ لَيْسَ يَفْتَرِقانِ
إِذا رُمْتُ شِعْرِي فِي عُلاكَ أَطاعَنِي / وَإِنْ رُضْتُ فِكْرِي فِي سِواكَ عَصاني
وَما ذاكَ إِلاّ أَنَّنِي لَكَ ناطِقٌ / بِمْثِلِ الَّذِي يُطْوى عَلَيْهِ جَنانِي
أَلاّ حَبَّذا دَهْرٌ إِلَيْكَ أَصارَنِي / وَخَطْبٌ إِلى جَدْوى يَدَيكَ دَعانِي
لَقَدْ أَثْمَرَتْ أَيّامُهُ لِيَ أَنْعُماً / وَلَوْلاكَ لَمْ يُثْمِرْنَ غَيْرَ أَمانِي
وَإِنِّي لَتَقْتادُ الْمَطالِبَ هِمَّتِي / فَأَرْجَعُ مَثْنِيًّا إِلَيْكَ عَنانِي
وَإِنِّي لأَرْجُو منْ عطائِكَ رُتْبَةً / يُقَصِّرُ عَنْ إِدْراكِها الثَّقَلانِ
فَما تَقْرُبُ الدُّنْيا وَعَطْفُكَ نازِحٌ / وَلا تَبْعُدُ النُّعْمى وَجُودُكَ دانِ
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدى عَلَى النَّأْي مَسْراهُ
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدى عَلَى النَّأْي مَسْراهُ / فَمَنْ لِمَشُوقٍ أَنْ يُهَوِّمَ جَفْناهُ
وَهَلْ يَهْتَدِي طَيْفُ الْخَيالِ لِناحِلٍ / إِذا السُّقْمُ عَنْ لَحْظٍ الْعَوائِدِ أَخْفاهُ
غِنىً فِي يَدِ الأَحْلامِ لا أَسْتَفِيدُهُ / وَدَيْنٌ عَلَى الأَيّامِ لا أَتَقاضاه
وَما كُلُّ مَسْلُوبِ الرُّقادِ مُعادُهُ / وَلا كُلُّ مَأْسُورِ الْفُؤَادِ مَفاداهُ
يَرى الصَّبْرَ مَحْمُودَ الْعَواقِبِ مَعْشَرٌ / وَما كُلُّ صَبْرٍ يَحْمَدُ الْمَرْءُ عُقْباهُ
لِيَ اللهُ مِنْ قَلْبٍ يُجَنُّ جُنُونُهُ / مَتى لاحَ بَرْقٌ بِالْقَرِينَيْنِ مَهْواهُ
أَحِنُّ إِذا هَبَّتْ صَباً مُطْمَئِنَّةٌ / حَنِينَ رَذايا الرَّكْبِ أَوْشَكَ مُغْداهُ
خَوامِسَ حَلاّها عَنِ الْوِرْدِ مَطْلَبٌ / بَعِيدٌ عَلَى الْبُزْلِ الْمَصاعِيبِ مَرْماهُ
هَوىً كَلَّما عادَتْ مِنَ الشَّرْقِ نَفْحَةٌ / أَعادَ لِيَ الشَّوْقَ الَّذِي كانَ أَبْداهُ
وَما شَغَفِي بِالرِّيحِ إِلاّ لأَنَّها / تَمُرُّ بِحَيٍّ دُونَ رامَةَ مَثْواهُ
أُحِبُّ ثَرى الْوادِي الَّذِي بانَ أَهْلُهُ / وَأَصْبُو إِلى الرَّبْعِ الَّذِي مَحَّ مَغْناهُ
فَما وَجَد النِّضْوُ الطَّلِيحُ بَمِنْزِلٍ / رَأْى وِرْدَهُ فِي ساحَتَيْهِ وَمَرْعاهُ
كَوَجْدِي بِأَطْلالِ الدِّيارِ وَإِنْ مَضى / عَلَى رَسْمِها كَرُّ الْعُصُورِ فَأَبْلاهُ
دَوارِسَ عَفّاها النُّحُولُ كَاَنَّما / وَجَدْنَ بِكُمْ بعْدَ النَّوى ما وَجَدْناهُ
أَلا حَبَّذا عَهْدُ الْكَثِيبِ وَناعِمٌ / مِنَ الْعَيْشِ مَجْرُورُ الذُّيُولِ لَبِسْناهُ
لَيالِيَ عاطَتْنا الصَّبابَةُ دَرَّها / فَلَمْ يَبْقَ مِنْها مَنْهَلٌ ما وَرَدْناهُ
وَللهِ وادٍ دُونَ مَيْثاءِ حاجِرٍ / تَصِحُّ إِذا اعْتَلَّ النَّسِيمُ خُزاماهُ
أُناشِدُ أَرْواحَ الْعَشِيّاتِ كُلَّما / نَسَبْنَ إِلى رَيّا الأَحْبَّةِ رَيّاهُ
أَناشَتْ عَرارَ الرَّمْلِ أَمْ صافَحَتْ ثَرىً / أَغَذَّ بِهِ ذاكَ الْفَرِيقُ مَطاياهُ
خَلِيَليَّ قَدْ هَبَّ اشْتِياقِي هُبُوبُها / حُسُوماً فَهَلْ مِنْ زَوْرَةٍ تَتَلافاهُ
أَعِينا عَلَى وَجْدِي فَليْسَ بِنافِعٍ / إِخاؤُكُما خِلاًّ إِذا لَمْ تُعِيناهُ
أَما سُبَّةٌ أَنْ تَخْذُلا ذا صَبابَةٍ / دَعا وَجْدَهُ الشَّوْقُ الْقَدِيمُ فَلَبّاهُ
وَأَكَمَدْ مَحْزُونٍ وَأَوْجَعُ مُمْرَضٍ / مِنَ الْوَجْدِ شاكٍ لَيْسَ تُسْمَعُ شَكْواهُ
شَرى لُبَّهُ خَبْلُ السَّقامِ وَباعَهُ / وَأَرْخَصَهُ سَوْمُ الْغَرامِ وَأَغْلاهُ
وَبِالْجِزْعِ حَيٌّ كلِّما عَنَّ ذِكْرُهُمْ / أَماتَ الْهَوى مِنِّي فُؤاداً وَأَحْياهُ
تَمَنَّيْتُهُمْ بِالرَّقْمَتَيْنِ وَدارُهُمْ / بِوادِي الْغَضا يا بُعْد ما أَتَمَنّاهُ
سَقى الْوابِلُ الرّبْعِيُّ ماحِلَ رَبْعِكُمْ / وَراوحَهُ ما شاءَ رَوْحٌ وَغاداهُ
وَجَرَّ عَلَيْهِ ذَيْلَهُ كُلُّ ماطِرٍ / إِذا ما مَشى فِي عاطِلِ الْتُّرْبِ حَلاّهُ
وَما كنْتُ لُوْلا أَنَّ دَمْعِيَ منْ دَمٍ / لأَحْمِلَ مَنّاً لِلسَّحابِ بِسُقْياهُ
غَلى أَنَّ فَخْرَ الْمُلْكِ لِلأَرْضِ كافِلٌ / بِفَيْض نَدىً لا يَبْلُغُ الْقَطْرُ شَرْواهُ
بَصُرْتُ بِأُمّاتِ الْحَيا فَظَنَنْتُها / أَنامِلَهُ إِنَّ السَّحائِبَ أَشْباهُ
أَخُو الْحَزْمِ ما فاجاهُ خَطْبٌ فَكادَهُ / وَذُو الْعَزْمِ ما عاناهُ أَمْرٌ فَعَنّاهُ
وَساعٍ إلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّةٍ / مِنَ الْمَجْدِ ما جاراهُ خَلْقٌ فَباراهُ
بِهِ رُدَّ نَحْوِي فائِتُ الْحَظِّ راغِماً / وَأَسْخَطَ فِيَّ الدَّهْرُ مَنْ كانَ أَرْضاهُ
تَحامَتْنِيَ الأَيّامُ عِنْدَ لِقائِهِ / كَأَنِّيَ فِيها بَأْسُهُ وَهْيَ أَعْداهُ
إِلَيْكَ رَحَلْتُ الْعِيسَ تَنْقُلُ وَقْرَها / ثَناءً وَلِلأَعْلى يُجَهَّزُ أَعْلاهُ
وَلا عُذْرَ لِي إِنْ رابَنِي الدَّهْرُ بَعْدَما / تَوَخَّتْكَ بِي يا خَيْرَ مَنْ تَتَوَخّاهُ
وَرَكْبٍ أَمَاطُوا الْهَمَّ عَنْهُمْ بِهِمَّةٍ / سَواءٌ بِها أَقْصى الْمَرامِ وأَدْناهُ
قَطَعْتُ بِهِمْ عَرْضَ الْفَلاةِ وَطالَما / رَمى مَقْتَلَ الْبَيْداءِ عَزْمِي فَأَصْماهُ
وَسَيْرٍ كَإِيماضِ الْبُرُوقِ وَمَطْلَبٍ / لَبِسْنا الدُّجى مِنْ دُونِهِ وَخَلَعْناهُ
إِلى الْمَلِكِ الْجَعْدِ الْجَزِيلِ عَطاؤُهُ / إِلى الْقَمَرِ السَّعِدْ الْجَمِيلِ مُحَيّاهُ
إِلى رَبْعِ عَمّارِ بْنِ عَمّارِ الَّذِي / تَكَفَّلَ أَرْزاقَ الْعُفاةِ بِجَدْواهُ
وَلَمّا بَلَغْناهُ بَلَغْنا بِهِ الْمُنى / وَشِيكاً وَأَعْطَيْنا الْغِنى مِن عَطَاياهُ
فَتىً لَمْ نَمِلْ يَوْماً بِرُكْنِ سَماحِهِ / عَلَى حَدثانِ الدَّهْرِ إِلاّ هَدَمْناهُ
مِنَ الْقُوْمِ ياما أَمْنَعَ الْجارُ بَيْنَهُمْ / وَأَحْلَى مَذاقَ الْعَيْشِ فِيهِمْ وَأَمْراهُ
وَأَصْفى حَياةً عِنْدُهمْ وَأَرَقَّها / وَأَبْرَدَ ظِلاًّ فِي ذَراهُمْ وَأَنْداهُ
اَغَرُّ صَبِيحٌ عِرْضُهُ وَجَبِينُهُ / كَأَنَّهُما أفْعالُهُ وَسَجاياهُ
لَكَ اللهُ ما أَغْراك بِالْجُودِ هِمَّةً / سُرُوراً بِما تَحْبُو كَأَنَّكَ تُحْباهُ
دَعَوْنا رَقُودَ الْحَظِّ بِاسْمِكَ دَعْوَةً / فَهَبَّ كَأَنّا منْ عَقالٍ نَشَطْناهُ
وَجُدْتَ فَأَثْنَيْنا بِحَمْدِكَ إِنَّهُ / ذِمامٌ بِحُكْمِ الْمَكْرُماتِ قَضَيْناهُ
مَكارِمُ أَدَّبْنَ الزَّمان فَقَدْ غَدا / بِها مُقْلِعاً عَمّا جَنى وَتَجَنّاهُ
أَيامَنْ أَذاك الدَّهْرُ حَمْدِي فَصانَهُ / وَقَلَّصَ ظِلَّ الْعَيْشِ عنِّي فَأَضفْاهُ
وَعَلَّمَنِي كَيْفَ الْمَطالِبُ جُودُهُ / وَما كنْتُ أَدْرِي ما الْمَطالِبُ لَوْلاهُ
لأَنْتَ الذِي أَغْنَيْتَنِي وَحَمَيْتَنِي / لَيالِيَ لا مالٌ لَدَيَّ وَلا جاهُ
أَنَلتَنِيَ الْقَدْرَ الَّذِي كنْتُ أَرْتَجِي / وَأَمَّنتَنِي الْخطْبَ الَّذِي كُنْتُ أَخْشاهُ
وَأَمْضَيْتَ عَضْباً مِنْ لِسانِيَ بَعدَما / عَمِرْتُ وَحَدّاهُ سَواءُ وَصَفْحاهُ
وَسَرْبَلَتْنِي بِالْبِرِّ حتّى تَرَكْتَنِي / بِحَيْثُ يَرانِي الدَّهْرُ كُفْؤاً وَإِيّاهُ
فَدُوْنَك ذا الْحَمْدَ الَّذِي جَلَّ لَفْظُهُ / وَدَقَّ عَلَى الإفْهامِ فِي الْفَضْلِ مَعْناهُ
فَلا طُلَّ إلاّ منْ حبائِكَ رَوْضُهُ / وَلا باتَ إلاّ فِي فِنائِكَ مَأْواهُ
مَحا الدَّهْرُ آثارَ الْكِرامِ فَلَمْ يَدَعْ
مَحا الدَّهْرُ آثارَ الْكِرامِ فَلَمْ يَدَعْ / مِنَ الْبَأْسِ وَالْمَعْرُوفِ غَيْرَ رُسُومِ
وَأَصْبَحْتُ أَسْتَجْدِي الْبخِيلَ نَوالَهُ / وَأَحْمَدُ فِي اللَّزْباتِ كُلِّ ذَمِيمِ
سِوى أَنَّ مِنْ آلِ الزَّرافِيِّ مَعْشَراً / وَفَوْا لِيَ لَمّا خانَ كُلُّ حَمِيمِ
هُمُ جَبَرُوا عَظْمِي الْكَسِيرَ وَلاءَمُوا / عَلَى طُولِ صَدْعِ النّائِباتِ أَدِيمِي
مَتى خِفْتُ حالاً حالَ بَيْنِي وَبَيْنَها / تَخاطُرُهُمْ مِنْ بُزَّلٍ وَقُرُومِ
وَإِنَّكَ مِنْهُمْ يا عَلِيُّ لَناصِري / عَلَى كُلِّ خَطْبٍ لِلزَّمانِ عَظِيمِ
صُرُوفُ الْمَنايا لَيْسَ يُودِي قَتِيلُها
صُرُوفُ الْمَنايا لَيْسَ يُودِي قَتِيلُها / وَدارُ الرَّزايا لا يَصِحُّ عَلِيلُها
مَنِيتُ بِها مُسْتَكْرَهاً فَاجْتويْتُها / كَما يَجْتَوِي دارَ الْهَوانِ نَزِيلُها
يُشَهِّي إِلَيَّ الْمَوْتَ عِلْمِي بِأَمْرِها / وَرُبَّ حَياةٍ لا يَسُرُّكَ طُولُها
وَأَكْدَرُ ما كانَتْ حَياةُ نُفُوسِها / إِذا ما صَفَتْ أَذْهانُها وَعُقُولُها
وَمَنْ ذا الّذِي يَحْلُو لهُ الْعَيْشُ بَعْدَما / رَأَتْ كُلُّ نَفْسٍ أَنَّ هذا سَبِيلُها
أَقِمْ مَأْتَماً قَدْ أُثْكِلَ الْفَضْلُ أَهْلَهُ / وَبَكّ الْمَعالِي قَدْ أَجَدَّ رَحِيلُها
إِذا أَنْتَ كَلَّفْتَ المَدامِعَ حَمْلَ ما / عَناكَ مِنَ الأَحْزانِ خَفَّ ثَقِيلُها
وَيا باكِيَ الْعلْياءِ دُونَكَ عَبْرَةً / مَلِيّاً بِإِسْعادِ الْخَلِيلِ هُمُولها
وَمُهْجَةَ مَحْزُونٍ تَخَوَّنَها الضَّنا / فَلَمْ يَبْقَ إِلاّ وَجْدُها وَغَلِيلُها
ألا بِالتُّقى وَالصّالِحاتِ مُفارِقٌ / طَوِيلٌ عَلَيْهِ بَثُّها وَعَوِيلُها
أَصابَ الرَّدى نَفْساً عَزِيزاً مُصابُها / كَرِيماً سَجاياها قَلِيلاً شُكُولُها
فَأَقْسَمْتُ ما رامَتْ مَنِيعَ حِجابِها الْ / مَنُونُ وَفي غَيْرِ الْكِرامِ ذُحُولُها
وَما زالَ ثَأْرُ الدَّهْرِ عِنْدَ مَعاشِرٍ / يَشِيمُ النَّدى أيْمانَهُمْ وَيُخِيلُها
فَمَنْ يَكُ مَدْفُوعاً عَنِ الْمَجْدِ قُوْمُهُ / فَإِنَّ قَبِيلَ الْمَكْرُماتِ قَبِيلُها
وَمَنْ يَكُ مَنْسِيَّ الْفِعالِ فَإِنَّهُ / مَدى الدَّهْرِ بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ كَفِيلُها
يَطِيبُ بِقَدْرِ الْفائِحاتِ نَسِيمُها / وَتَزْكُو الْفُرُوعُ الطَّيِّباتُ أُصُولُها
سَحابَةُ بِرٍّ آنَ مِنْها انْقِشاعُها / وَأَيْكَةُ مَجْدٍ حانَ مِنْها ذُبُولُها
أَوَدُّ لَها سُقْيا الْغَمامِ وَلَوْ أَشا / إِذاً كَشَفتْ صَوْبَ الْغَمامِ سُيُولُها
وَكَيْفَ أُحَيِّي ساكِنَ الْخُلْدِ بِالْحَيا / وَما ذُخِرَتْ إلاّ لَهُ سَلْسَبِيلُها
سَيشْرُفُ فِي دارِ الْحِسابِ مَقامُها / وَيَبْرُدُ فِي ظلِّ الْجِنانِ مَقِيلُها
نَلُوذُ بِأَسْبابِ الْعَزاءِ وَإِنَّهُ / لَيَقْبُحُ فِي حُكْمِ الْوَفاءِ جَمِيلُها
وَهَلْ يَنْفَعُ الْمَرْزِيَّ أَنْ طالَ عَتْبُهُ / عَلَى الدَّهْرِ وَالأَيّامُ صَعْبٌ ذَلُولُها
فَلا يَثْلِمَنَّ الْحُزْنُ قَلْبَكَ بَعْدَها / فَقِدْماً أَبادَ الْمُرْهَفاتِ فُلُولُها
وَماذا الَّذِي يَأْتِي بِهِ لَكَ قائلٌ / وَأَنْتَ قَؤُولُ الْمَكْرُماتِ فَعُولُها
إِذا ابْنُ عَلِيٍّ رامَ يَوْماً بَحِزْمِهِ / لِقاءَ خُطُوبِ الدَّهْرِ دَقَّ جَلِيلُها
وَما زِلْتَ مَمْلُوءًا مِنَ الْهِمَمِ الَّتي / تُقَصِّرُ أَيّامَ الرَّدى وَتُطِيلُها
يَنالُ مَدى الْمَجْدِ الْبَعِيدِ رَذِيُّها / وَيَقْطَعُ فِي حَدِّ الزَّمانِ كَلِيلُها
فَقَدْتَ فَلَمْ تَفْقَدْ عَزاكَ وَإِنَّما / يُضَيِّعُ مَأْثُورَ الأُمُورِ جَهُولُها
عَلَى أَنَّ مَنْ فارَقْتَ بِالأَمْسِ لا تَفِي / بِحَقٍّ لَهُ أغْزارُ دَمْعٍ تُسِيلُها
وَما عُذْرُها أَنْ لا يَشُقَّ مُصابُها / عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيا وَأَنْتَ سَلِيلُها
أَبا أَحْمَدٍ كَيْفَ اسْتَجزْتَ جَفائِي
أَبا أَحْمَدٍ كَيْفَ اسْتَجزْتَ جَفائِي / وَكَيْفَ أُضِيعَتْ خُلَّتِي وَإِخائِي
وَهَبْنِي حُرِمْتُ الْجُودَ عِنْدَ طِلابِهِ / فَكَيْفَ حُرِمْتُ الْبِشْرَ عِنْدَ لِقائِي
نأَيْتَ عَلى قُرْبٍ مِنَ الدّارِ بَيْنَنا / وَكُلُّ قَرِيبٍ لا يَوَدُّكَ نائِي
كَأَنَّكَ لَمْ تُصْمِ الْحَسُودَ بِمَنْطِقِي / وَلَمْ تُلْبِسِ الأَيّامَ ثَوْبَ ثَنائِي
لَئِنْ كانَ عُزِّي قَبْلَها عَنْ مَوَدَّةٍ / صَدِيقٌ لَقَدْ حُقَّ الْغَدَاةَ عَزائِي
وَفي أَيِّ مَأْمُولٍ يَصِحُّ لآمِلٍ / رَجاءٌ إذا ما اعْتَلَّ فِيكَ رَجائِي
أُعِيذُكَ بِالنَّفْسِ الْكَرِيمَةِ أَنْ تُرى / مُخِلاًّ بِفَرْضِ الْجُودِ في الْكُرَماءِ
وَبِالْخُلُقِ السَّهْلِ الَّذِي لَوْ سَقَيْتَهُ / غَليلَ الثَّرى لَمْ يَرْضَ بَعْدُ بِماءِ
فَلا تَزْهَدَنْ في صالِحِ الذِّكْرِ إِنَّما / يَلِيقُ رِداءُ الْفَضْلِ بِالْفُضَلاءِ
فَلَيْسَ بِمَحْظُوظٍ مِنَ الْحَمْدِ مَنْ غَدا / وَلَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ الشُّعَراءِ
رَأَيْتُكَ لَمّا شِمْتُ بَرْقَكَ خُلَّباً
رَأَيْتُكَ لَمّا شِمْتُ بَرْقَكَ خُلَّباً / وَما أَرَبِي في عارِضٍ لَيْسَ يُمْطِرُ
فَأَخْطَأَنِي مِنْكَ الَّذِي كُنْتُ أَرْتَجِي / وَأَدْرَكَنِي مِنْكَ الَّذِي كُنْتُ أَحْذَرُ
وَما ذاكَ عَنْ عُذْرٍ فأَسْلُوهُ مَطْلَباً / تَعَذَّرَ لَكِنْ حَظِّيَ الْمُتَعَذِّرُ
وَكَمْ مانِعٍ رِفْداً وَما كانَ مانِعاً / وَلكنْ أَبى ذاكَ الْقَضاءُ الْمُقَدَّرُ
وَقَدْ كانَ فِيما بَيْنَنا مِنْ مَوَدَّةٍ / وَمَعْرِفَةٍ مَعْرُوفُها لَيْسَ يُنْكَرُ
مِنَ الْحَقِّ ما يَقْضِي عَلَيْكَ بِأَنْ أُرى / لَدَيْكَ وَحَظِّي مِنْ نَوالِكَ أَوْفَرُ
وَما هِيَ إِلاّ حُرْمَةٌ لُوْ رَعَيْتَها / رَعَيْتَ فَتىً عَنْ شُكْرِها لا يُقَصِّرُ
كَرِيماً مَتى عاطَيْتَهُ كَأْسَ عِشْرَةٍ / تَعَلَّمْتَ مِنْ أَخْلاقِهِ كَيْفَ يُشْكَرُ
وَيَعْتادُنِي ذِكْراكَ في كُلِّ حالَةٍ
وَيَعْتادُنِي ذِكْراكَ في كُلِّ حالَةٍ / فَتَشْتَفُّنِي حَتّى تُهَيِّجَ وَسْواسِي
وَأَشْتاقُكُمْ وَالْيَأْسُ بَيْنَ جَوانِحِي / وَأَبْرَحُ شَوْقٍ ما أَقامَ مَعَ ألْياسِ
وَلَوْلا الرَّدى ما كانَ بِالعَيْشِ وَصْمَةٌ / وَلَوْلا النَّوى ما كانَ بِالْحُبِّ مِنْ باسِ
إِذا عَزَّ نَفْسِي عَنْ هَواكَ قُصُورُها
إِذا عَزَّ نَفْسِي عَنْ هَواكَ قُصُورُها / فَمِثْلُ النَّوى يَقْضِي عَلَيَّ يَسِيرُها
وَهَلْ غادَرَ الهِجْرانُ إِلاّ حُشاشَةً / لِنَفْسٍ بأَدْنى لَوْعَةٍ يَسْتَطِيرُها
هَوىً وَنَوىً يُسْتَقْبَحُ الصَّبْرُ فِيهِما / وَحَسْبُكَ مِنْ حالٍ يُذَمُّ صَبُورُها
وَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ تَماسَكَ مُهْجَتِي / وَأَنَّكَ مِنْ جَوْرِ الْفِراقِ مُجِيرُها
فَما كانَ إِلاَّ غِرَّةً ما رَجَوْتُهُ / أَلا شَرُّ ما أَرْدى النُّفُوسَ غُرُورُها
وإِنِّي لَرَهْنُ الشَّوْقِ وَالشَّمْلُ جامِعٌ / فَكَيْفَ إِذا حَثَّ الْحُداةَ مَسِيرُها
وَما زِلْتُ مِنْ أَسْرِ الْقَطِيعَةِ باكِياً / فَمَنْ لِي غَداةَ الْبَيْنِ أَنِّي أَسِيرُها
وَكُنْتُ أَرى أَنَّ الصُّدودَ مَنِيَّةٌ / يَكُونُ مَعَ اللَّيْلِ التَّمامِ حُضُورُها
فَلَمّا قضَى التَّفْرِيقُ بِالْبُعْدِ بَيْنَنا / وَجَدْتُ اللَّيالِي كَانَ حُلْواً مَرِيرُها
أَعُدُّ سُرُورِي أَنْ أَراكَ بِغِبْطَةٍ / وَأَنْفَسُ ما يُهْدِي لِنَفْسٍ سُرُورُها
كَفى حَزَناً أَنِّي أَبِيتُ مُعَذَّباً / بِنارِ هُمُومٍ لَيْسَ يَخْبُو سَعِيرُها
وَأَنَّ عَدُوِّي لا يُراعُ وَأَنَّنِي / أَبِيتُ سَخِينَ الْعَيْنِ وَهْوَ قَرِيرُها
تَعافُ النُّفُوسَ الْمُرَّ مِنْ وِرْدِ عَيْشِها / وَتَكْرَهُ حَتّى يَسْتَمِرَّ مَرِيرُها
وَلا والْقَوافِي السّائِراتِ إِذا غَلَتْ / بِحُكْمِ النَّدى عِنْدَ الْكِرامِ مُهُورُها
لَئِنْ أَنا لَمْ يَمْنَعْ حِمايَ انْتِصارُها / وَيَثْنِي أَذى الْعادِينَ عَنِّي نَكِيرُها
فَلا ظَلَّ يُوْماً مُصْحِباً لِي أَبِيُّها / وَلا باتَ لَيْلاً آنِساً بِي نَفُورُها
قَطَعْتُ صُدُورَ الْعُمْرِ لَمْ أَدْرِ لَذَّةً / وَغَفْلَةَ عَيْشٍ كَيْفَ كَانَ مُرُورُها
وَلَمّا رَمانِي الدَّهْرُ عُذْتُ بِدَوْلَةٍ / جَلا الْحادِثاتِ الْفادِحاتِ مُنِيرُها
وَكَيْفَ يَخافُ الدَّهْرُ رَبُّ مَحامِدٍ / غَدا كَرَمُ الْمَنْصُورِ وَهْوَ نَصِيرُها
إِلى عَضُدِ الْمُلْكِ امْتطَيْتُ غَرائِباً / مُحَرَّمَةٌ إِلاّ عَلّي ظُهُورُها
ِإلى مَلِكٍ تَعْنُو الْمُلُوكُ لِبَأْسِهِ / ويَقْصُرُ يَوْمَ الْفَخْرِ عَنْهُ فَخُورُها
أَعَمُّهُمُ غَيْثاً إِذا بَخِلَ الْحيَا / وَأَطْعَنُهُمْ وَالْخَيْلُ تُدْمى نُحُورُها
إِلى حَيْثُ تَلْقى الْجُودَ هَيْناً مَرامُهُ / لِباغِيهِ وَالْحاجاتِ سَهْلاً عَسِيرُها
لَدى مَلِكٍ ما انْفَكَّ مِنْ مَكْرُماتِهِ / مَوارِدُ يَصْفُو عَذْبُها وَنَمِيرُها
يَزِيدُ عَلَى غُوْلِ الطُّرُوقِ صَفاؤُها / وَيَنْمِي عَلَى طُولِ الْوُرُودِ غَزِيرُها
أَغَرُّ لَوَ أَنَّ الشَّمْسَ يَحْظَى جَبِينُها / بِبَهْجَتِهِ ما كَانَ يُكْسَفُ نُورُها
غَنِيٌّ الْعُلى مِنْ كُلِّ فَضْلٍ وَسُؤْدَدٍ / وَلكِنَّهُ مِنْ كُلِّ مِثْلٍ فَقِيرُها
يُعُدُّ الْمَنايا مُسْتَساغاً كَرِيههُا / وَبِيضَ الْعَطايا مُسْتَقَلاًّ كَثِيرُها
سَقى اللهُ أَيّامَ الْمُؤَيَّدِ ما سَقَتْ / حَوافِلُ مُزْنٍ لا يُغِبُّ مَطِيرُها
فَما نَقَلَتْ جَرْداءُ سابِحَةٌ لَهُ / شَبِيهاً وَلا وَجْناءُ يَقْلَقُ كُورُها
سَقى لهذِه الدُّنْيا مِنَ الْعَدْلِ رَيَّها / فَأَصْبَحَ لا يَخْشَى الذَّواءَ نَضِيرُها
وَهَبَّ لَهُ فِيها نَسِيمُ غَضارَةٍ / مِنَ الْعَيْشِ حَتّى عادَ بَرْداً هَجِيرُها
عَفُوٌّ فَما عايَنْتُ زَلَّةَ مُجْرِمٍ / لَدى عَفْوِهِ إِلاّ صَغِيراً كَبِيرُها
لَهُ الرَّأْيُ وَالْبَأسُ اللَّذانِ تَكَفَّلا / لأَعْدائِهِ أَوْحى حِمامٍ يُبِيرُها
سُيُوفٌ مِنَ التَّدْبِيرَ والْفَتْكِ لَمْ يَزَلْ / وَمُغْمَدُها فِي كَفِّهِ وَشَهِيرُها
رَأَى أَرْضَ صُورٍ نُهْبَةً لِمُغالِبٍ / يُنازِلُها يَوْماً وَيَوْماً يُغِيرُها
تداركها والنصر في صدر سيفه / أخو عز مات لا يخاف فتورها
هُمامٌ إِذا ما حَلَّ يَوْماً بِبَلْدَةٍ / فَخَنْدَقُها حَدُّ الْحُسام وَسُورُها
وَسُمْرٌ مِنَ الْخَطِّيِّ لا تَرِدُ الْوَغى / فَتُحْطَمَ إِلاّ فِي الصُّدُورِ صُدُورُها
أَرى أُمَراءِ الْمُلْكِ لِلْفَخْرِ غايَةً / وَأَنْتَ إِذا عُدَّ الْفَخارُ أَمِيرُها
وَما زِلْتَ تسْمُو لِلْعَلاءِ بِهِمَّةٍ / تَقِلُّ لَكَ الدُّنْيا بِها كيْفَ صُورُها
وَأَقْسِمُ لَوْ حاوَلْتَ قَدْرَكَ فِي الْعُلى / لَما آثَرَتْ عَنْكَ السَّماءَ بُدُورُها
وَإِنَّ بِلاداً أَنْتَ حائِطُ ثَغْرِها / بِسَيْفِكَ قَدْ عَزَّتْ وَعَزَّ نَظِيرُها
فَسَعْداً لأَمْلاكٍ عَلَيْكَ اعْتمِادُها / وَفَخْراً لأيّامٍ إِلَيْكَ مَصِيرُها
لَقَدْ عَطَّرَ الدُّنْيا ثَناؤُكَ فَانْثَنى / بِهِ ذا كَسادٍ مِسْكُها وَعَبِيرُها
فَتاهَتْ بِذِكْراهُ الْبِلادُ وَأَهُلُها / وَهَبَّتْ بِرَيّاهُ الصِّبا وَدَبُورُها
مَلأْتَ بِهِ الآفاقَ طِيباً مَتى دَعا / إِلى نَشْرِهِ الآَمالَ خَفَّ وَقُورُها
فَجِئتُكَ ذا نَفْسٍ يُقَيِّدُها الْجَوى / وَقَدْ كادَ حُسْنُ الظَّنِّ فِيكَ يُطِيرُها
رَمِيمٍ أُزَجِّيها إِلَيْكَ لَعَلَّهُ / يَكُونُ بِنُعْمى راحَتَيْكَ نُشُورُها
وَلَسْتُ بِشاكٍ مُدَّةَ الْخَطْبِ بَعْدَها / وَأَوَّلُ إِفْضائِي إِلَيْكَ أَخِيرُها
أَيا بَيْنُ ما سُلِّطْتَ إلاّ عَلَى ظُلْمِي
أَيا بَيْنُ ما سُلِّطْتَ إلاّ عَلَى ظُلْمِي / وَيا حُبُّ ما أَبْقَيْتَ مِنِّي سِوى الْوَهْمِ
فِراقٌ أَتى فِي إثْرِ هَجْرٍ وَما أَذىً / بِأَوْجَعَ مِنْ كَلْمٍ أَصابَ عَلَى كَلْمِ
لَقَدْ كانَ لي فِي الْوَجْدِ ما يُقْنِعُ الضَّنى / وَفِي الْهَجْرِ ما يَغْنِي بِهِ الْبَيْنُ عَنْ غَشْمِي
وَلَكِنَّ دَهْراً أَثَخَنَتْنِي جِراحُهُ / إذا حَزَّ فِي جِلْدِي أَلَحَّ عَلَى عَظْمِي
وَإنْ كُنْتُ مِمَّنْ لا يَذُمُّ سِوى النَّوى / فإِنَّ القِلى وَالصَّدَّ أَجْدَرُ بِالذَّمِّ
وَما مَنْ رَمى مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ فَأَقْصَدَتْ / نَوافِذُهُ كَمَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يَرْمِي
فَيا قَلْبُ كَمْ تَشْفى بِدانٍ وَنازِحٍ / فَشاكٍ إِلى خَصْمٍ وَباكٍ عَلَى رَسْمِ
وَحَتّامَ أَسْتَشْفِي مِنَ النّاسِ مَنْ بِهِ / سَقامِي وَأسْتَرْوِي مِنَ الدَّمْعِ ما يُظْمِي
غَرِيمِي بِدَيْنِ الْحُبِّ هَلْ أَنْتَ مُقْتضىً / وَهَلْ لِفُؤادٍ أَتْلَفَ الْحُبُّ مِنْ غُرْمِ
أَحِنُّ إلى سُقْمِي لَعَلَّكَ عائِدي / وَمِنْ كَلَفٍ أَنِّي أَحِنُّ إلى السُّقْمِ
وَبِي مِنْكَ ما يُرْدِي الْجَلِيدَ وَإِنَّما / لِحُبِّكَ أَهْوى أَنْ يَزِيدَ وَأَنْ يَنْمِي
وَيا لائمِي أَنْ باتَ يُزْرِي بِيَ الْهَوى / عَلَىَّ سَفاهِي لا عَلَيْكَ وَلِي حِلْمِي
أَقَلْبُكَ أَمْ قَلْبِي يُصَدَّعُ بِالنَّوى / وَجِسْمُكَ يَضْنى بِالْقَطيعَةِ أَمْ جِسْمِي
وَلا غَرْوَ أَنْ أَصْبَحْتَ غُفْلاً مِنَ الْهَوى / فَأَنْكَرْتَ ما بِي لِلصَّبابَةِ مِنْ رَسْمِ
نُدُوبٌ بِخَدِّي لِلدُّمُوعِ كَأَنَّها / فُلُولٌ بِقَلْبِي مِنْ مُقارَعَةِ الْهَمِّ
وَعائِبَتِي أَنَّ الْخُطُوبَ بَرَيْنَنِي / وَرُبَّ نَحِيفِ الْجِسْمِ ذُو سُؤْدَدٍ ضَخْمِ
رَأَتْ أَثَراً لِلنّائِباتِ كَما بَدا / مِنَ الْعَضْبِ ما أَبْقى بِهِ الضَّرْبُ مِنْ ثَلْمِ
فَلا تُنْكِري ما أَحْدَثَ الدَّهْرٌ إِنَّما / نَوائِبُهُ أَقْرانُ كُلِّ فَتىً قَرْمِ
وَلا بُدَّ مِنْ وَصْلٍ تُسَهِّلُ وَعْرَهُ / وَعىً تَنْتَمِي فِيها السُّيُوفُ إلى عَزْمِي
فَرُبَّ مَرامٍ قَدْ تَعاطَيْتُ وِرْدَهُ / فَما ساغَ لِي حَتّى أَمَرَّ لَهُ طَعْمِي
وَخَيْلٍ تَمَطَّتْ بِي وَلَيْلٍ كَأَنَّهُ / تَرادُفُ وَفْدِ الْهَمِّ أَوْ زاخِرُ الْيمِّ
شَقَقْتُ دُجاهُ وَالنُّجُومُ كَأَنَّها / قَلائدُ نَظْمِي أَوْ مساعِي أَبِي النَّجْمِ
إِليْكَ يَمِينَ الْمُلْكِ واصَلْتُ شَدَّها / مُقَلْقَلةَ الأَغْلاقِ جائِلَةَ الْحُزْمِ
غُوارِبُ أَحْياناً طَوالِعُ كُلَّما / هَبَطْنَ فَضا سَهْلٍ عَلَوْنَ مَطا حَزْمِ
تَمِيلُ بِها الآمالُ عَنْ كُلِّ مَطْمَعٍ / دَنِيءٍ وَتَسْمُو لِلطِّلابِ الَّذِي يُسْمِي
تَزُورُ امْرَأً لا يُجْتنَى ثَمَرُ الْغِنى / بِمْثِلِ نَداهُ الْغَمْرِ وَالنَّائِلِ الْجَمِّ
مَتى جِئْتَهُ وَالْمُعْتَفُونَ بِبابِهِ / شَهِدَتْ بِنُعْمى كَفِّهِ مَصْرَعَ الْعُدْمِ
إلى مُسْتَبِدٍّ بِالْفضائِل قاسِمٍ / لِهِمَّتِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْفَرَ الْقِسْمِ
تُعَدُّ عُلاهُ مِنْ مَناقِبِ دَهْرِه / كَعَدِّكَ فَضْلَ اللَّيْلِ بِالقَمَرِ التِّمِّ
وَكَرَّمَهُ عَنْ أَنْ يُسَبَّ بِمِثْلِهِ الزَّ / مانُ كَمالٌ زَيَّنَ الجَدَّ بِالْفَهْمِ
وَجُودٌ عَلَى الْعافِي وَذَبٌّ عَنِ الْعُلى / وَصَدٌّ عَنِ الْواشِي وَصَفْحٌ عَنِ الْجُرْمِ
وَرُتْبَةُ مَنْ لَمْ يجْعَلِ الْحَظَّ وَحْدَهُ / طَرِيقاً إِلى الْعالِي مِنَ الرُّتَبِ الشُّمِّ
تَناوَلَها اسْتِحْقاقُهُ قَبْلَ حَظِّهِ / وَحامى عَلَيْها وَالْمقادِرُ لَمْ تَحْمِ
وَغَيْرُ بَدِيعِ مِنْ بَدِيعِ مُشَيِّدٌ / لِما شادَهُ وَالْفَرْعُ يُنْمى إِلى الجِذْمِ
سَقى اللهُ عَصْراً حافَظَ ابْنَ مُحَمَّدٍ / بِما فِي ثُغُورِ الْغانِياتِ مِنَ الظَّلْمِ
أَغَرُّ إِذا ما الْخَطْبُ أَعْشى ظَلامُهُ / تَبَلَّجَ طَلْقَ الرَّأْي فِي الحادِثِ الْجَهْمِ
تَرِقُّ حَواشِي الدَّهْرِ فِي ظِلِّ مَجْدِهِ / وَتَظْرُفُ مِنْهُ شِيمَةُ الزَّمَن الْفَدْمِ
وَيَكْبُرُ قَدْراً أَنْ يُرى مُتكبرَّاً / وَيَعْظُمُ مَجْداً أَنْ يَتيِهَ مَعَ العُظْمِ
وَيَكْرُمُ عَدْلاً أَنْ يَميلَ بهِ الهَوى / وَبَشْرُفُ نَفْساً أَنْ يَلَذَّ مَعَ الإِثمِ
وَيُورِدُ عَنْ فَضْلٍ وَيُصْدِرُ عَنْ نُهىً / وَيَصْمُتُ عَنْ حِلْمٍ وَيَنْطِقُ عَنْ عِلْمِ
بَدِيهَهُ رَأْيٍ فِي رَوِيَّةِ سُؤْدَدِ / وَإِقْدامُ عَزْمٍ فِي تَأَيُّدِ ذِي حَزْمِ
خَلائِقُ إِنْ تَحْوِ الثَّناءَ بِأَسْرِهِ / فَما الفَخْرُ إِلاَّ نُهْبَةُ الشَّرَفِ الْفَخْم
أَبَرُّ عَلَى الأَقْوامِ مِنْ شَيْبَةِ الْحَيا / وَأَشْهَرُ فِي الأَيّامِ مِنْ شَيْبَةِ الدُّهْمِ
أَضاءَتْ بِكَ الأَوْقاتُ وَالشَّمْسُ لَمْ تُنِرْ / وَرُوِّضَتِ السّاحاتُ وَالْغَيْثُ لَمْ يَهْمِ
وَشُدَّتْ أَواخِي الْمُلْكِ مِنْكَ بِأَوْحَدٍ / بَعِيدِ عُرى الْعَقْدِ الْوَكِيدِ مِنَ الفَصْمِ
فَتىً لا تُصافِي طَرْفَهُ لَذَّةُ الْكَرى / وَلا تَطَّبِي أَجْفانَهُ خُدَعُ الحُلْمِ
يُسَهِّدُهُ تَشْيِيدُهُ الْمَجْدَ وَالْعُلى / وَتَفْرِيجُ غَمّاءِ الْحَوادِثِ وَالْغَمِّ
وَغَيْرُ النُّجُومِ الزُّهْرِ يَأْلَفُها الْكَرى / وَيَعْدَمُها الإِشْراقُ فِي الظُّلَمِ الْعُسّمِ
لقَدْ شَرَّفَ الأَقْلامَ مَسُّ أَنامِلٍ / بِكَفِّكَ لا تَخْلُو مِنَ الْجُودِ وَاللَّثْمِ
فَكُلُّ نُحُولِ فِي الظُّبِى حَسَدٌ لَها / وَكُلُّ ذُبُولٍ غَيْرَهُ بِالْقَنا الصُّمِّ
وَكُنْتَ إِذا طالَبْتَ أَمْراً مُمَنَّعاً / أَفَدْتَ بِها ما يُعْجِزُ الْحَرْبَ فِي السِّلْمِ
كَفَيْتَ الْحُسامَ الْعَضْبَ فَلَّ غِرارِهِ / وَآمَنْتَ صَدْرَ السَّمْهرِيِّ مِنَ الْحَطْمِ
وَجاراكَ مَنْ لا فَضْلَ يُنْجِدُ سَعْيَهُ / وَأَيُّ امْرِيءٍ يَبْغِي النِّضالَ بِلا سَهْمِ
لَكَ الذِّرْوَةُ الْعَلْياءِ مِنْ كُلِّ مَفْخرٍ / سَنِيٍّ وَما لِلْحاسِدِينَ سِوى الرُّغْمِ
وَكَيْفَ يُرَجِّي نَيْلَ مَجْدِكَ طالِبٌ / وَبَيْنَهُما ما بَيْنَ عِرْضِكَ وَالْوَصْمِ
لَئِنْ أَوْحَدَتْنِي النّائِباتُ فَإِنَّنِي / لَمِنْ سَيْبِكَ الْفَيّاضِ فِي عَسْكَرٍ دَهْمِ
وَإِنْ لَمْ أُفِدْ غُنْماً فَقُرْبُكَ كافِلٌ / بِأَضْعِافِهِ حَسْبي لِقاؤُكَ مِنْ غُنْمِ
هَجَرْتُ إِلَيْكَ الْعالَمِينَ مَحَبَّةً / وَمِثْلُكَ مَنْ يُبْتاعُ بِالْعُرْبِ وَالْعُجْمِ
وَما قَلَّ مَنْ تَرْتاحُ مَدْحِي صِفاتُهُ / وَلكِنْ رَأَيْتُ الدُّرَّ أَلْيَقَ بِالنِّظْمِ
أَرى نَيْلَ أَقْوامٍ وَآبي امْتِنانَهُمْ / وَلَيْسَ تَفِي لِي لَذَّةُ الشُّهْدِ بِالسُّمِّ
فَهلْ لَكَ أَنْ تَنْتاشَنِي بِصَنِيعَةٍ / يَلِينُ بِها عُودُ الزَّمانِ عَلَى عُجْمِي
تَحُلُّ مَحَلّ الْماءِ عِنْدِي مِنَ الثَّرى / وَأَشْكُرُها شُكْرَ الرِّياضِ يَدَ الْوسْمِي
أَقَّرَّ ذَوُو الآدابِ طُرّاً لِمَنْطِقِي / وَغَيْرُهُمُ فِيما حَكى كاذِبُ الزَّعْمِ
فَلَسْتُ بِمُحتاج عَلَى ما ادَّعَيْتُهُ / إِلى شاهِدٍ بَعْدَ اعْتِرافٍ مِنَ الْخَصْمِ
تُطِيعُ الْقَوافِي الآبِياتُ قَرائِحي / وَيَنْزِلُ فِيهِنَّ الْكَلامُ عَلَى حُكْمِي
وَسيّارَةِ بِكْرٍ قَصَرْتُ عِنانَها / فَطالَتْ بِهِ والْخَيْلُ تُمْرَحُ فِي اللُّجْمِ
نَمى ذكْرُها قَبْلَ اللِّقاءِ وَإِنَّما / يَسُرُّكَ بَوْحِي بِالْمَحامِدِ لا كَتْمِي
كَمَخْتُومَةِ الدّارِيِّ نَمَّ بِفَضْلهِا / إِلَيْكَ شَذاها قَبْلَ فَضِّكَ لِلْخَتْمِ
حَدِيثَهُ عَصْرٍ كَلَّما امْتَدَّ دَهْرُها / سَما فَخْرُها حَتّى تَطُولَ عَلَى الْقُدْمِ
وَما فَضْلُ بِنْتِ الْكَرْمِ يَوْماً ببَيِّنٍ / إِذا لَمْ يَطُلْ عَهْدُ ابْنَةِ الْكَرْمِ بِالْكَرْمِ
أَتانِيَ أَنَّ الْمَجْدَ عَنِّي سائِلٌ
أَتانِيَ أَنَّ الْمَجْدَ عَنِّي سائِلٌ / وَأَنَّ الْعُلى لَمْ يَعْدُنِي فِيكَ عَتْبُها
فَيَا فَخْرَ شَخْصٍ حَلَّ سِرَّكَ ذِكْرُهُ / وَيا سَعْدَ نَفْسٍ سَرَّ مِثْلَكَ قُرْبُها
وَلا عُذْرَ إلاّ أنَّ لُبّاً شَدَهْنَهُ / نَوائِبُ مَغْفُورٌ بِجُودِكَ ذَنْبُها
وَما كانَ لِي لُوْلاكَ بِالرَّيِّ مَنْزِلٌ / وَإِنْ شَعَفْتْ غَيْرِي وَتَيَّمَ حُبُّها
وَما هِي إِلاّ كَالْبِلادِ وإِنَّما / بِوَطْئِكَ فَلْيَفْخَرَ عَلَى الْمِسْكِ تُرْبُها
لَعَمْرِي لَئِنْ شَرَّفْتَنِي بِصَنِيعَةٍ
لَعَمْرِي لَئِنْ شَرَّفْتَنِي بِصَنِيعَةٍ / وَحَلِّيْتَ مِنِّي بِالنَّدى راحَةً عُطْلاً
فَلَمْ يَأْتِ عِنْدِي غَيْرُ ما أَنْتَ أَهْلُهُ / وَلا عَجَبٌ لِلْغَيْثِ أَنْ رَوَّضَ الْمَحْلا
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً / يُرَوِّحُنِي بِالْغُوطَتَيْنِ نَسِيمُ
وَهَلْ يَجْمَعَنَّ الْكَأْسُ شَمْلِي بِفِتْيَةٍ / عَلَى الْعَيْشِ مِنْهُمُ نَضْرَةٌ وَنَعِيمُ
تَغَيَّرْتُمُ عَنْ عَهْدِكُمْ آلَ كامِلٍ
تَغَيَّرْتُمُ عَنْ عَهْدِكُمْ آلَ كامِلٍ / فَلِلْيَوْمِ مِنْكُمْ غَيْرُ ما أَسْلَفَ الأَمْسُ
نَبا السَّيْفُ مِنْكُمْ فِي يَدِي وَهْوَ قاطِعٌ / كَما أَظْلَمَتْ فِي ناظِرِي مِنْكُمُ الشَّمْسُ
وَأَوْحَشْتُمُ مِنِّي مكَانَ اصْطِفائِكُمْ / كَأَنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ والأُنْسُ
غَرَسْتُمُ ثَناءً لَمْ تَجُدْهُ سَحابُكُمْ / بِرَيٍّ وَهَلْ يَنْمِي مَعَ الْعَطَشِ الغَرْسُ
مَواعِدُ مرَضى كُلَّما قُلْتُ قَدْ بَرا / لَكُمْ مَوْعِدٌ بِالْبَذْلِ عاوَدَهُ النُّكْسُ
وَإِنِّي لَذُو شُحٍّ بِكُمْ عَنْ تَقَلُّبٍ / إلى خُلُقٍ فِيهِ لأَعْراضِكُمْ وَكْسُ
وَأَنْتُمْ بَنُو الْجُودِ الَّذِي ابْتَسَمَتْ بِهِ / مِنَ الزَّمَنِ الْمُرْبَدِّ أَيّامُهُ الْعُبْسُ
سَماحاً فَإِنْ تَدْعُو كِفاحاً فَأَنْتُمُ الْ / فَوارِسُ لا مِيلٌ هُناكَ وَلا نُكْسُ
فَما بالُ سُوقِي لَيْسَ تَنْفُقُ عِنْدَكُمْ / وَحَظُّ ثَنائِي مِنْكُمُ الثَّمَنُ البَخْسُ
أَيَرْتَجِعُ الْمَعْرُوفَ مَنْ كانَ واهِباً / وَيَسْلُبُ ثَوْبَ الْمَنِّ مَنْ لَمْ يَزَلْ يَكْسُو
أُساهِلُ إِغْضاءً وَفِيكُمْ تَصَعُّبٌ / وَأَرْطَبُ إِجْمالاً وَفِي عُودِكُمْ يُبْسُ
وَلَيْسَ بِعَدْلٍ أَنْ أَلِينَ وَتَخْشُنُوا / وَلَيْسَ بِحَقٍّ أَنْ أَرِقَّ وَأَنْ تَقْسُوا
عَلَيْكُمْ سَلامٌ لَمْ أَقُلْ ما يُرِيبُكُمْ / وَلكِنَّهُ عَتْبٌ تَجِيشُ بِهِ النَّفْسُ
حَبَسْتُ الْقَوافِي قَبْلَ إِغْضابِ رَبِّها / وَما لِلْقَوافِي بَعْدَ إِغْضابِها حَبْسُ
إِذا الْعَرَبُ الْعَرْباءُ لَمْ تَرْعَ ذِمَّةً / فَغَيْرُ مَلُومٍ بَعْدَها الرُّومُ وَالْفُرْسُ