المجموع : 35
بِناءُ العُلَى بينَ القنا والبوارقِ
بِناءُ العُلَى بينَ القنا والبوارقِ / على صَهوات الخيلِ تحت البيارقِ
وللهِ سِرٌّ في العِبادِ وإنّما / قليلٌ مَحَلُّ السِّر بينَ الخلائقِ
يقلّبُ هذا الدّهرُ أحوالنا كما / تَقَلَّبَ فينا لاحِقاً إثرَ سابقِ
ولولاهُ لم تُكشفْ ظُلامةُ غاصبٍ / ولم تُقضَ في الدُنيا لَبانةُ عاشقِ
نعيمٌ وبؤسٌ يَمضيان كرائدٍ / لقلبٍ على إثر الفريقَين لاحقِ
تُرِيكَ الأماني العيشَ دَفُعةَ ماطرٍ / وتلكَ إذا حَقَّقتَ لمعةُ بارقِ
وما الجهلُ إلا في قَبُولِ خديعةٍ / وما الحِلمُ إلا في اختبارِ الحقَائقِ
ولولا اختبارُ الدولةِ ابنَ سريرها / لما اعتمدَتْهُ في المعاني الدقائقِ
كريمٌ تولَّى الأمرَ يُصلِحُ أمرَهُ / كفَتْقٍ تَولَّتْهُ أناملُ راتِقِ
وقامَ بأعباءِ المُلوكِ مُشمِّراً / لها ذيلَ طَلاَّعِ الثَّنِياتِ صادقِ
حُسامٌ خبا السُلطانُ للدهرِ نَصَلَهُ / كجوهرةٍ خبّأتها للَمضايقِ
أتى من لَدُنْهُ خاتمَ الرُسلِ فاتحاً / مَغالقَ طُرْقٍ أشكَلتْ وطرائقِ
إذا اشتدَّ خَطبٌ أعجزَ الناسَ كشفُهُ / رماهُ به عن مثلِ قوسِ جُلاهِقِ
فراضَ رِكاباً أتعَبَتْ كلَّ راكبٍ / ومَهَّدَ طُرْقاً أعثَرَتْ كلَّ طارقِ
أقام السَرايا يُنفِرُ الموجُ خيلَها / بكل لِواءٍ فوق لُبنانَ خافقِ
بِحارٌ على وجهِ البِحارِ زواخرٌ / جِبالٌ على متنِ الجِبالِ الشواهقِ
كأعجاز نخلٍ خاوياتٍ عُدَاتُها / تَخِرُّ لَدَى غاباتِ نخلٍ بواسقِ
تَجِفُّ بأيديها الدِماءُ من الظُبَى / فتَضرِبُ لا تحتاجُ قبضَ البراجقِ
يقود الوزيرُ الجيشَ غيرَ مُخالفٍ / وقد ساق عنهُ الجيشَ غيرَ موافقِ
ويَذخرُ بيضَ الهِندِ وهْيَ كنوزُهُ / وتَهلِكُ معهُ بينَ نحرٍ وعاتقِ
يحدِّثُ أهلَ الغربِ في كلِّ ليلةٍ / بما فعلتْ غاراتُهُ في المشارقِ
فيَعجَبُ من أفعالهِ كلُّ عاقلٍ / ويُثني على أفضالهِ كلُّ ناطقِ
شَكَتْهُ الظُّبى من كثرةِ الضربِ فاشتكى / تَكَسُّرَها من ضربهِ في المفَارقِ
ومَلَّت ظُهورُ الخيلِ منهُ فَملَّها / إذا لم تُخَصَّبْ من دَمٍ بشقائقِ
إذا قامَ من تحتِ السُرادِقِ راكباً / أقامَ عَجاجاً فوقهُ كالسُرادقِ
ولما رأينا كيفَ تَنقَضُّ خيلُهُ / عَلِمنا بها كيفَ انقِضاضُ الصواعقِ
إذا ما رَمى يوماً بِهنَّ عواصماً / ضَحِكنَ على أسوارِها والخنادقِ
وما السُّورُ إلا بالرجالِ فإنَّها / بَنَتْهُ فكانَ الهدمُ ليس بعائقِ
يُقَدّمُ جيشَ الرُعبِ قبلَ جيُوشهِ / نذيراً وإن عادت فغيرُ مرافقِ
تفارقُ أطرافَ البِلادِ خيولُهُ / وأصواتُها في قلبها لم تفارقِ
يَطَأنَ الحصَى كالتُرب غيرَ عواثرٍ / ومُلْسَ الصَفا كالرَّمل غير زوالقِ
ويَحسبنَ وحضَ الغاب آرامَ رامةٍ / ويحسبنَ غابَ الوَحشِ زَهْرَ الحدائقِ
عليها أُسودٌ تتقي عارَ هاربٍ / ولا تَتّقي في الكَرِّ وَقْبةَ غاسقِ
رِماحٌ بأيديها رماحٌ طويلةٌ / تُمزِّقُ شملَ القومِ في كلِّ مازقِ
يَنِضُّ دماً ما اندقَّ منها فإنَّهُ / قتيلٌ بِثارات الضُلوعِ السواحقِ
إذا نابَ خَطبُ الدَّهرِ فادعُ تَيَمُّناً / بأسعَدِ خلقِ اللهِ دعوةَ واثقِ
عزيزٌ أذلَّ الدَّهرَ وهو عدُوُّهُ / لأنَّ الخنا في سُوقهِ غيرُ نافقِ
كريمُ السجايا مِلءَ قلبِ مُؤمِّلٍ / وراحةِ مُستَجْدٍ ومُقلةِ رامقِ
لهُ في عُيوبِ الناسِ نظرةُ غافلٍ / وفي غامضاتِ السِرِّ نظرةُ حاذقِ
مضى يجمعُ الأفضالَ وهي عبيدُهُ / فما فاتَ منها فرَّ منهُ كآبقِ
يُسَرُّ بما يُعطي مَسرَّةَ آخذٍ / فيشكُرُ منا طارقاً شُكْرَ طارقِ
صحيحُ بَنانٍ تَضبِطُ المُلكَ دهرَهُ / ولا تَضبِطُ الدينارَ بِضعَ دقائقِ
إلى دارهِ الرُّكبانُ تَهْوِي فتنثني / مُشاةً لِوقْر المالِ فوقَ الأيانقِ
يربّي جيادَ الصافناتِ كوالدٍ / ويُنشي جِدادَ المَكرُماتِ كخالقِ
ويَعمُرُ أبياتَ البِلادِ كمالكٍ / ويكفُلُ حاجاتِ العِبادِ كرازقِ
لهُ في رؤوس القومِ تيجانُ نعمةٍ / وأطواقُ أمنٍ في نُحورِ العواتقِ
وعَينٌ تُراعي نفسَهُ قبلَ غيرهِ / فلا يتَولّى عِرضَهُ سهمُ راشقِ
ختمتُ على نظمِ القوافي ففَضَّهُ / كريمٌ عليهِ هانَ فتحُ المغالقِِ
تَضيقُ بِحارُ الشعرِ عنهُ وتستحي / ببحرٍ لها في بحر كَفَّيْهِ غارقِ
إليكَ حملنا طيِّبَ الكَلِمِ الذي / إلى اللهِ يُهدَى دُونَ جُردِ السوابقِ
وما كَتْمُ قولِ الحقِ عند مُكاشَفٍ / به دُونَ قول الزُورِ عندَ مُنافقِ
لقد فُقتَ أهلَ الفضلِ فالقومُ فضلةٌ / ومن لي بوَصفٍ مثلِ فَضْلِكَ فائقِ
إذا كنتَ بِدعاً في الكِرام كما نرَى / فَلبَّيكَ إنّي شاعرٌ غيرُ سَارقِ
مدامعُ جفنِ الصَبِّ إحدى الفواضحِ
مدامعُ جفنِ الصَبِّ إحدى الفواضحِ / فيا لَكَ سِرّاً واقفاً تحتَ بائحِ
ومَن كانَ منَّا ليسَ يَملِكُ قلبَهُ / أيَملِكُ دمعاً سافحاً إثْرَ طافحِ
وقفنا على وادي الغَضا وغُصونُهُ / تكادُ لوَجْدي تَلتَظي من جوانِحي
نرى كِلَلَ الأظعانِ بينَ ضُلوعنا / ونَسألُ عنها كُلَّ غادٍ ورائحِ
لكلِّ مُحِبٍّ في هواهُ سَجيَّةٌ / ولكنَّ ما كُلُّ السجايا بصالحِ
وأعدَلُ أهلِ الحُبِّ من ليس يلتجي / إلى بسطِ عُذْرٍ في مُلاقاةِ ناصحِ
هَويتُ الذي أعطى العلومَ فُؤادَهُ / فأعطَتْهُ منها سانحاً بعدَ بارِحِ
تمَّنيتُ باسم الخِضْرِ فيهِ وطالما / ترَى المرءَ لا يخلو اسمُهُ من لوائحِ
وَجَدْتُ بهِ بل منهُ مُتعةَ سامعٍ / ويا حبَذَّا لو نِلتُ رؤيةَ لامحِ
بهِ حسَدَتْ عينايَ أُذني ورُبَّما / تخصَّص بالإقبال بعضُ الجوارحِ
لَعُوبٌ بأطراف الكلام على الصِّبا / رأيتُ بهِ الممدوحَ في ثوبِ مادحِ
وهيهات ليسَ السِنُّ مانحةَ النُّهَى / لمن قلبُهُ بالطبع ليسَ بمانحِ
إذا تَمَّ فاقَ الشَّمسَ في غُرَّة الضُّحَى / هلالٌ يفوقُ البدرَ في سَعدِ ذابحِ
لكلِّ حديثٍ في الزَّمانِ خواتمٌ / تَدُلُّ عليها مُحكَماتُ الفواتحِ
سَلامٌ وما يُغني السلامُ على البعدِ
سَلامٌ وما يُغني السلامُ على البعدِ / ولكنَّهُ أولى بتذكرِةِ العَهْدِ
سَلامٌ على من لا أرَى غير كُتْبهِ / فألهُو بذاكَ الرَّسم والرَّسمُ لا يُجدي
حبيبٌ طَوَى بُعْدُ المَسافةِ وَصلَهُ / فكانَ غريمي شُقَّةَ الغَورِ والنجدِ
ولا خيرَ في قُربِ الدِّيارِ مع القِلَى / ولا بأسَ من بُعدِ الدِّيارِ مع الوُدِّ
لهُ اللهُ ما أبقى الوِدادَ بقلبِهِ / على حِين يُمحَى النقشُ في الحَجَرِ الصَلْدِ
تَمُرُّ صُروفُ الدَّهر والسُّخطُ والنَّوَى / عليهِ ولكن لا تُعيدُ ولا تُبدي
صديقٌ صَدُوقٌ كلمَّا قُلتُ قد سلا / لبُعدٍ رأيتُ البُعدَ قد زَاد في الوجدِ
عَرَفتُ قُصوري عنهُ في كلِّ مَنهَجٍ / فَلستُ أُباري فضلَهُ بِسوى الحمدِ
تُعَلِّلُنا الآمالُ يوماً إلى غدٍ / بوَعدٍ ويا ويلَ الوَفاءِ من الوعدِ
وهيهات ما وَعدُ الحيَاةِ بقائمٍ / تُجاهَ المنايا وَهْيَ فاسخةُ العَقْدِ
طلبنا التَّداني فابَتعدْتَ فليتَنا / طلبنا النَّوَى يا مَن يُقابِلُ بالضِدِّ
وكم واجدٍ ما لم يكن طالباً لهُ / وكم طالبٍ ما ليسَ يُدرِكُ بالجَهدِ
يبيتُ فُؤادي أيُّها النَّاسُ عندَ من / يَبيتُ إذا جَنَّ الدُجَى طَيفُهُ عِندي
قُصارى اللِقا منهُ الزِّيارةُ في الكَرَى / فتُشفِقُ عيني أن تعودَ إلى السُهدِ
أهيمُ إلى مَن لا أراهُ صَبَابةً / كما اشتاقَ ظمآنٌ إلى نازحِ الوِرْدِ
إذا نَفَحَتْني نَسْمةٌ من ديارِهِ / تَعلَّلتُ منها بالسَّلامِ وبالبَرْدِ
ألا يا بعيدَ الدَّارِ لو أنَّ دارَنا / دَنَت مثلَ قلبَينا لَبِتْنا على مَهْدِ
لَئن مَنَعَتْ غُبْرُ السباسبِ وَفدنا / فما مَنَعَتْ ريحَ الجَنُوبِ من الوَفْدِ
أتَعلَمُ ما هاجَتْ بقلبي من الشُغْلِ
أتَعلَمُ ما هاجَتْ بقلبي من الشُغْلِ / مُخدَّرةٌ تَسبِي بأهدابِها الكُحْلِ
غَزالةُ إنسٍ لا غَزالةُ رَبرَبٍ / رَعتْ حَبَّةً للقلبِ لا عَرْفَجَ الرَملِ
اتتني من الزَواراء تَسحَبُ ذَيلَها / دَلالاً فزادَتْ غُلَّةَ الشَوقِ بالوَصلِ
بذَلتُ لها مَهْرَ العَرُوسِ من الحِلَى / فعافتهُ إجلالاً فأمهَرتُها عَقلي
رَبيبةُ حُسنٍ صَيَّرتْني ربيبها / ويا حبّذا ما نِلتُ من شَرَفِ المِثْلِ
ظَفِرنا بها من جُودِ أكرَمِ مُرسِلٍ / علينا فكانَتْ عِندنا أكرَمَ الرُسْلِ
هو الجوهرُ الفردُ المعرَّفُ شخصُهُ / بنَوعِ السجايا ليسَ بالجنِسِ والفَصلِ
نتيجةُ دَهرٍ لا يقاسُ بفضلهِ / صحيحُ القضايا صادِقُ الوَضْعِ والحَمْلِ
هو العُمَريُّ السَيّدُ الماجدُ الذي / لهُ الشَرَفُ المحفوظُ فَرعاً عنِ الأصلِ
لئن لم يكُ الفاروقُ أخلَفَ غيرَهُ / منَ النَسلِ أغنَى القومَ عن كثرةِ النسلِ
تَسامَى إلى أنْ صارَ أعلى من السُهَى / وفاضَ إلى أنْ صارَ أجرَى من الوَبْلِ
أشدُّ جِلاءً في الخُطوبِ من الضُّحَى / وأمضَى يَداً في المُشكلاتِ منَ النَصْلِ
تخِرُّ له الأقلامُ وهيَ نَواكِسٌ / فيُكسبُها فخراً على أنفَذِ النَبْلِ
تصيد المعاني سانحاً بعد بارحٍ / كما وقف القانص في ملتقى السبل
لهُ مِنَّةٌ طَالتْ عليّ ونعمةٌ / عَلَتْ فوقَ رأسي كالسَّحُوقِ من النَخلِ
إذا رُمتُ شكر الفضلِ أنَهضتُ همَّتي / فأقعَدها وِقرٌ جديدٌ من الفَضلِ
رمى البعضَ من شعري الضعيفِ بطَرفِهِ / فأولاهُ تقريظاً فسادَ على الكُلِّ
رأى كلُّ بيتٍ نفسَهُ كقَصيدةٍ / فضاقَ بهِ ما كانَ يَحْويه من قبلِ
بك افتَخَرتْ يا كَعبةَ الفخرِ نُبذَةٌ / قَدِ انتبَذَتْ أقصَى مكانٍ من الجَهل
تَقولُ كَفاني شاهدٌ مِثلُهُ فإنْ / جَسَرْتَ فقُلْ ما ذاكَ بالشاهدِ العَدْلِ
قضى اللهُ بالبُعدِ الذي حالَ بيننا / وهل يُرتَجى من غيرهِ صِلَةُ الحَبلِ
أرَى بينَنا شُمَّ الجِبالِ وفوقَها / جبالٌ منَ الأشوَاقِ سابغةُ الظِلِّ
تَصوغُ لنا شَكوَى النَّوَى بيدِ الهَوَى / فأقلامُنا تجري وأشواقُنا تُملي
أجارَتَنا هل للنَّسيمِ وُصولُ
أجارَتَنا هل للنَّسيمِ وُصولُ / إليكِ فلي منهُ الغَداةَ رَسولُ
مَضَى وأراهُ لم يَعُدْ فلَعلَّهُ / قَضَى نَحْبَهُ إذ راحَ وَهْوَ عليلُ
تمنَّعتِ بينَ الشُّوسِ والبِيضِ والقَنا / وكُلٌّ بمنعِ الطارِقينَ كفيلُ
وما كانَ يُجدِي لو بَرَزتِ من الحِمَى / وأنتِ على عَهدِ النِفارِ جَفُولُ
أيا دارَها بالوَادِيَينِ قَريبةً / نَراكِ ولكنْ ما إليكِ سَبيلُ
لئن عَمرَت منكِ البُيوتُ فإنَّما / لَديكِ قُلوبُ العاشِقينَ طُلولُ
لَنا فيكِ خَوْدٌ تَحسُدُ السُمْرُ عِطْفَها / فيبدو على أعطافِهِنَّ ذُبولُ
عزيزةُ قومٍ حُبُّها قد أذلَّني / نَعَمْ كلُّ من يَهوَى الجمالَ ذليلُ
أقامَتْ عُبيدَ الخالِ في الخَدِّ حارساً / على الوَرْدِ أنْ يَسطُو عليهِ جَهُولُ
وأحرَزَتِ الدِّرياقَ في الثَغْرِ إذ رأتْ / أفاعيَ ذاك الشَعْرِ وَهْيَ تَجُولُ
تَذَكَّرتُ ما لم أنْسَ من وَقفةٍ لنا / خِلالَ الثَنايا حِينَ جَدَّ رَحِيلُ
بَكَتْ فاستَهَلَّ الكُحلُ في صَحنِ خَدِّها / فحاكى صَدا الصَمْصامِ وَهْوَ صقيلُ
تقولُ نِساءُ الحيِّ إنِّي خليلُها / كَذَبنَ فما للغانياتِ خليلُ
لئن كانَ بعدَ البَينِ قد حال عهدُها / فعهدُ الهَوَى في القلبِ ليسَ يَحُولُ
خليليَّ إن الخِلَّ في كلِّ بَلدةٍ / كثيرٌ ولكنَّ الوفِيَّ قليلُ
إذا لم يكُنْ منكما اليومَ مُسعِدٌ / فإنَّ تَحِيَّاتِ الصِّحابِ فُضولُ
تُريدُ رِجالٌ نَجدةً ليَ بالمَنى / وتِلكَ سِهامٌ ما لَهُنَّ نُصولُ
وكم قائلٍ في الناس ليسَ بفاعلٍ / وكم فاعلٍ في الناس ليسَ يقولُ
وأحسَنُ من نُطقِ الغَبيِّ سُكوتُهُ / وأحسَنُ من مجدِ السَفيهِ خمولُ
ومَن رامَ مجداً فليكُن كابن هاشمٍ / وإلاّ فلا كي لا يُقالَ دَخيلُ
منَ السادةِ الأشرافِ أمَّا بَنانُهُ / فسُحْبٌ وأمَّا جُودُهُ فسيُولُ
يُلبّي دُعاءَ المُستجِيرِ وبَينَهُ / وبينَ المنادي في المسَافةِ ميلُ
لهُ الكَرَمُ الجَمُّ الذي شَنَّ غارَةً / على الفَقرِ حتى خَرَّ وَهْوَ قتيلُ
مديدٌ بسيطٌ وافرٌ متَقارِبٌ / سريعٌ خفيفٌ كاملٌ وطويلُ
أتيناهُ كُلُّ الرَكْبِ منَّا رَبيعةٌ / وكلُّ المطايا شَدْقَمٌ وجَدِيلُ
فكانَ كرَيْعان الضُّحى كُلَّما دَنا / يَزِيد علينا بَسطةً ويَطولُ
لئن فاتَ نجداً رِيفُ مِصرَ ونِيلُها / ففي نجدَ رِيفٌ من نَداهُ ونِيلُ
يلوحُ إذا جَنَّ الدُجَى ضَوءُ نارهِ / فذلكَ داعٍ للقِرَى ودَليلُ
كريمُ السجايا وَجهُهُ وثَناؤُهُ / وصُنْعُ يديهِ كلُّهنَّ جميلُ
تَرَحَّلُ عنهُ في الصَّباحِ كتيبةٌ / وتَعشُو إليهِ هَجْمةٌ ورَعيلُ
إذا افتَخَرَتْ عُرْبُ البوادي ففخرُها / لهُ غُرَرٌ من تَغلِبٍ وحُجُولُ
وهل كَعدِيٍّ في مَشارِفِ تُبَّعٍ / وهل لكُلَيبٍ في الحِجازِ عديلُ
أعادَ حِمَى عَمروٍ حِمَى وائلٍ لهم / وأضرَمَ تلكَ النارَ وَهْيَ تَهُولُ
أشَمُّ يَهابُ السَّيفُ مَسَّ أدِيمهِ / ويَرتَدُّ عنهُ الطَرْفُ وَهْوَ كليلُ
ألذُّ شَرابٍ عِندَهُ دَمُ فاتكٍ / وأطرَبُ صَوتٍ رَنَّةٌ وصليلُ
وأحمى دُرُوعِ القارعيهِ هَزيمةٌ / وأفضَلُ غُنْمِ الطَّالبيهِ قُفولُ
خَزائنهُ بِيضٌ وسُمْرٌ وأدرُعٌ / ونَبْلٌ وتُرسٌ مانعٌ وخُيولُ
وأعجَبُ منهُ أنهُ بنُضارِهِ / كريمٌ ولكن بالحديدِ بخيلُ
كريمُ يدٍ لا يَبْزُلُ البَكْرُ عِندَهُ / ولا يَقتَضي حَقَّ الرَضاعِ فَصيلُ
إذا نَزَلَ العافي حِماهُ فإنَّما النْ / نَزِيلُ أميرٌ والأميرُ نزيلُ
تقومُ الرُدَينِيَّاتُ حولَ قِبابِهِ / كما قامَ في الرَّبْعِ الخَصيبِ نَخيلُ
وقومٌ إذا الدَّاعي دَعا يا لَتَغْلِبٍ / تَسابَقَ منهُم فِتْيةٌ وكُهُولُ
زَجونا إليهِ كالمَطايا قَرائِحاً / عليهنَّ من نَسْجِ القريضِ حُمولُ
لَئن قامَ عن تقصيرِنا منهُ عاذرٌ / فمِنَّا عليهِ ناصحٌ وعَذُولُ
أرَى الشِّعرَ مِثلَ الماء يَجرِي فبعضهُ / أجاجٌ وبعضٌ بالزُلالِ يَسيلُ
وأعذَبُهُ ما في مَعانيهِ عظمةٌ / وفي اللَفظِ منهُ رِقةٌ وقَبُولُ
وفي الشِّعرِ لَفظٌ دُونَ مَعنىً كأنَّهُ / فَعُولٌ مَفَاعيلٌ فَعُولُ فَعولُ
تَناهَبَهُ أهلُ الزَّمانِ الذي مَضَى / فلم يَبْقَ إلاّ أرسُمٌ وفُضولُ
وماذا تَفِي تِلكَ الثُمالةُ حَقَّ مَن / لهُ كلُّ صَعبٍ في القَرِيضِ ذَلولُ
يَكادُ يَذوبُ الشِّعرُ من خَجَلٍ بهِ / لَدَيهِ فيُمحَى خَطُّهُ ويَزولُ
تقولُ لقلبي رَبّةُ الأعينِ النُجْلِ
تقولُ لقلبي رَبّةُ الأعينِ النُجْلِ / أفِقْ لا تَقِفْ بينَ الصَوارِمِ والنَبْلِ
قدِ استَعْبَدَتْهُ عينُها وَهْيَ عبدةٌ / فيا ويلَ عبدِ العبدِ ذُلٌّ على ذُلِّ
فَتاةٌ يَغارُ العِقدُ من حُسنِ جيدها / وتَضحَكُ عُجباً مُقلتاها على الكُحلِ
بَكَيتُ وقد أرْختْ سُدولَ قِناعِها / فقالَتْ جَرَتْ هذي السَحابةُ بالوَبلِ
مُهفهَفةُ الأعطاف تَخطِرُ كالقَنا / بمُعتدلٍ لا شَيءَ فيهِ من العَدْلِ
تَكادُ لهَضْمِ الكَشْحِ تجعلُ عِقدَها / نِطاقاً كما يُستبدَلُ المِثْلُ بالمِثلِ
أسالَتْ على وَردِ الخُدودِ ذُؤابةً / لخَوْفِ ذُبولٍ قد تلَّقتْهُ بالظِلِّ
وخَطَّتْ لخَوفِ العَينِ بالوَشم رُقْيةً / على مِعصَمَيها كالفِرِندِ على النَصْلِ
تَبدَّتْ وما أعمامُها من قَضاعةٍ / تُعَدُّ ولا أخوَالُها من بني ذُهلِ
وما رَفَضتْ منهم سِوَى الجود والوَفا / ولا حَفِظتْ منهم سِوَى النَّهبِ والقتلِ
يلومونَني أن أحملَ الذُلَّ في الهَوَى / كأنهُمُ لم ينظُروا عاشِقاً قَبْلي
إذا لُمتَ من لا تَكسِرُ القَيدَ رِجلُهُ / فإنك أولى بالمَلامةِ والعَذلِ
إلى الله أشكو جَوْرَ فاتنتي التي / لئِنْ رَضِيَتْ قلبي فقد زِدْتُها عقلي
واشكرُ مَولانا الكريمَ الذي بهِ / غَدَت مُهجتي عن كلِّ ذلكَ في شُغلِ
إمامٌ من الأفرادِ قُطبُ زَمانِهِ / ومالكُ رِقِّ العلمِ في العَقلِ والنَقلِ
عليهِ من الهادي الذي هُوَ عبدُهُ / سَلامٌ عِدادَ القَطرِ أو عَدَدَ الرَّملِ
هو العالمُ العلاّمةُ العاملُ الذي / لدى رَبِّهِ قد قامَ بالفَرْضِ والنَفْلِ
إذا ما رَقِي مَتْنَ المَنابرِ خاطباً / تقولُ رَسولٌ جاءَ في فَتْرةِ الرُسْلِ
أتاني كِتابٌ منهُ أحيا بوَفدِهِ / فُؤادي كفيضِ النِّيل في البَلدِ المَحْلِ
أحَبُّ إلى الأسماعِ من لحْن مَعبدٍ / وأعذَبُ في الأفواهِ من عَسَلِ النَحلِ
تَفضَّلَ بالمدحِ الذي هُوَ أهلُهُ / فلم أستَطعْ شُكراً على ذلك الفَضلِ
لئنْ لَم يصِبْ ذاك الثَّناءُ فحبَّذا / تكلُّفُ مثلِ الشَّيخِ ذلكَ من أجلي
لكَ اللهُ يا مَن جَلَّ ذِكراً ومِنّةً / فحُقَّ لهُ التَفضيلُ في الاسمِ والفعلِ
ويا من تُلبِّيهِ القوافي مغيرةً / بأخفَى على الأبصارِ من مَدرَج النَمْلِ
إليكَ عَرُوساً تَستحي منكَ هَيْبةً / لِذَاكَ قد التَفَّتْ وسارتْ على مَهْلِ
قد استُودِعَتْ قلبي الكليمَ وما دَرَتْ / فكان كذاك الصَّاع في ذلك الرَحلِ
أتُوقُ إلى تلكَ الديارِ وأهلِها / جميعاً كما تاقَ الغَرِيبُ إلى الأهلِ
وإني لأرضَى بالكِتابِ على النَّوَى / إذا لم يكُنْ لي من سبيلٍ إلى الوَصلِ
أتَتْني بلا وَعْدٍ من المَنزلِ الأسنى
أتَتْني بلا وَعْدٍ من المَنزلِ الأسنى / رَبيبةُ خِدرٍ تَجمَعُ الحُسْنَ والحُسنَى
فَرَشْتُ لَها بِيضَ القُصورِ مَطارِفاً / فلم تَرْضَ إلاّ أسودَ القَلبِ للسُكنى
رَقيقةُ مَعنىً صَيَّرَتْني رقيقَها / لِما أبْرَزَت من رِقَّةِ اللّفظِ والمَعْنَى
دَنَتْ فَتَدَلَّتْ دانياتُ قُطوفِها / عليَّ فكانت قابَ قَوْسينِ أو أدنَى
أتَتْنا تَخُوضُ البَحرَ جَاهَدَةَ السُّرَى / من البَحرِ لكنْ صادَفَتْ عندَنا حَزْنا
وَفاتتْ مياهَ النِّيلِ تطلُبُ قفْرةً / تُعيضُ الصَّدَى عن ذلك المَورِدِ الأهنَى
مُخدَّرَةٌ لَميْاءُ غَرْثى الوِشاح لو / رأى قَيْسُ لُبْنى حُسنَها صَدَّ عن لُبْنى
لَقد أُلبِسَتْ ثوبَ البياضِ وَخُتِّمَتْ / عَقيقاً بهِ عن ظَرْفِ أخلاقها يكْنى
عقيلةُ قومٍ زَفَّها اليومَ عاقلٌ / كريمٌ يَشوقُ القلبَ والعينَ والأُذْنا
أتَتْني على بُعدِ المَزارِ تَعُودُني / وقد عَلِمتْ أنّي لوَجْدِي بهِ مُضَنى
كريمُ الثَّنا أثنَى عليَّ بوَصفِهِ / ومَن لي بأنْ أُثْني عليهِ كما أثْنَى
أنا الآلُ لكنْ لا أقولُ غَرَرتُهُ / ولكنَّ عينَ الحُبِّ قد تَخلُقُ الحُسنا
وَجدَنا بهِ الخِلَّ الوفيَّ فلم تكن / عن الغُولِ والعَنقْاءِ أطماعُنا تُثَنى
يَزيدُ على طول الزَّمانِ وِدادُهُ / فينمو نُموَّ الغَرْسِ في الرَوضةِ الغَنَّا
أديبٌ لبيبٌ شاعرٌ ناثرٌ لهُ / جَواهِرُ أبياتُ القَريضِ بها تُبَنى
لَطائِفُ مَعناهُ أرَقُّ منَ الصَبا / وأطرَبُ من صَوتِ الهَزارِ إذا غَنَّى
أصابَتْ يداهُ اليُمنَ واليُسرَ في الوَرَى / فأيَمَنتِ اليُسَرى وأيسَرَتِ اليُمنى
هو العُمَرِيُّ الطَّاهرُ النَسَبِ الذي / تَمتَّعَ بالألطافِ مِنْ مَنِّ مَنْ مَنَّا
ضَمِنتُ لهُ حِفظَ المَوَدَّةِ طائعاً / وأودَعتُ ذاك القلبَ في يدهِ رهنْا
أتَتْني بلا وَعدٍ وقد نَضَتِ الحُجْبا
أتَتْني بلا وَعدٍ وقد نَضَتِ الحُجْبا / فهاتيكَ أحلَى زَورةٍ تَنعَشُ الصَّبا
بَذَلتُ لها عَيني وقَلبي كَرامةً / فصارَتْ لها عيناً وصارَتْ لهُ قَلْبا
مضمَّخةٌ بالمِسكِ مَعسولةُ اللَمَى / مُنعّمةُ الخَديَّنِ تُصبي ولا تُصبَى
أقولُ لها عِندَ الزِّيارةِ مَرْحباً / ويا حَبَّذا لو صادَفَتْ منزِلاً رَحْبا
حَبانا بها عَذاراءَ مُتْرَفةَ الصِّبَى / فتىً نالَ حِلمَ الشَيخِ من قبلِ أنْ شَبَّا
أتَتْنا بمدحٍ لم تَكُنْ صَدَقَتْ بهِ / وتَغضَبُ إنْ قُلنا لقد نَطَقَتْ كِذْبا
لَقد سَبَقَ القَومَ الطِراديُّ أسَعدٌ / إلى قَصَبِ السَبْقِ الذي حازَهُ غَصْبا
تَلَقَّفَ فَنَّ الشِّعرِ من قبلِ دَرسِهِ / وخاضَ المعاني قبلَ أنْ يَقرأ الكُتْبا
يُطارِحُني الشِّعرَ الذي فَرَّ من يدي / وقد سَلَّ شَيْبي فوقَ مَفْرِقِهِ عَضْبا
إذا شابَ رأسُ المَرْءِ فالشَّيبُ لاحقٌ / بِهِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِّدَها التُرْبا
رَعَى اللهُ أيَّامَ الصَباءِ فإنَّها / منَ العَيشِ غُصنٌ كانَ مُعتَدِلاً رَطْبا
وما كلُّ ذي رُوحٍ بحَيٍّ حقيقةً / فَمنْ عاشَ في نَحْبٍ كَمنْ قد قَضَى نَحْبا
سَقَى ابنَ أبي الخَيرِ السَّحابُ فإنَّهُ / هُوَ الخيرُ نَستَسقِي بطَلْعتِهِ السُّحْبا
إذا ما تأمَّلْنا جمالَ صِفاتِهِ / نَرَى عَجَباً فيهِ وليسَ نَرَى عُجْبا
لَقد كَثُرَتْ في النَّاسِ حُسَّادُ فضلِهِ / ولكنْ لَعَمري ما حَسِبنا لَهُمْ ذَنْبا
على مِثلِ ما قد نالَهُ يُحسَدُ الفَتَى / وماذا يَضُرُّ الحاسدُونَ فلا عَتْبا
إذا أوجَبَ اللهُ الكريمُ لعبدِهِ / عَطاءً فمَنْ ذا يَستطيعُ لهُ سَلْبا
على رَسمِ هاتيكَ الدِّيارِ البَلاقِعِ
على رَسمِ هاتيكَ الدِّيارِ البَلاقِعِ / بَقايا سَلامٍ من بَقايا الأَضالعِ
بَلِينَ وأبلانا الزَّمانُ فكُلُّنا / رهينُ البِلى حَتَّى شُؤُونُ المَدامعِ
نَزَلنا لرَبَّاتِ البَراقعِ مَعهَداً / وأَجفانُنا من دَمعِها في بَراقعِ
تَنُوحُ حَمامُ الأَيكِ عِندَ بُكائنا / ونَبكي على نَوحِ الحَمام السَواجعِ
نَهارٌ تَغشَّاهُ ظَلامٌ تَشُقُّهُ / لنا زَفَراتٌ كالبُرُوقِ اللَوامعِ
ولم يكشِفِ الظَلماءَ من وَحشةٍ سِوى / شِهابٍ من الإسكَندَريَّةِ طالعِ
كِتابٌ دَعَوناهُ شَهاباً لأَنَّهُ / تَجلَّى بِنُورٍ لابنِ نَوَّارَ ساطعِ
أتاني على بُعدٍ فأَدَّى وَدائِعاً / إليَّ وكانَ الشَّوقُ إِحدى الوَدائعِ
أَجَلُّ رِجالِ الحُبِّ في مَذهبِ الهَوَى / مُحِبٌّ على بُعدِ الدِّيارِ الشَّواسعِ
وخيرُ كريمٍ مَن يُكَافي صَنيعةً / وأَكرَمُ منهُ مَن بَدَا بالصَّنائعِ
تَحَمَّلتُ من مَحمُودَ أَكبَرَ مِنَّةٍ / عَجَزْتُ بها عن حَمدِهِ المُتَتابعِ
تَصَفَّحَ مطبوعاً فأَثنَى بطَبعِهِ / جَميلاً فأَنشا صَبْوةً للمَطابعِ
حَبَاني على بُعدِ المَدَى بِرسالةٍ / تَناوَلتُها بالقلبِ لا بالأَصابعِ
مَنَعتُ انصِرافَ العينِ عنها تَصَبُّباً / كما حالَ دُونَ الصَرفِ بعضُ الموانعِ
أَتَتْ تَنجَلي بينَ اثنَتَينِ ولَيسَ لي / سِوى مَهْدِ قلبٍ من صِغارِ المَضاجعِ
ضعيفٌ يُباري قُوَّةً من جَماعةٍ / فَوهْنٌ على وَهَنٍ إلى الوَهْنِ راجعِ
تَفضَّلَ بالمدحِ الذي هُوَ أَهلُهُ / جَميلُ ثَناءٍ للمَدائحِ جامعِ
فكانَ لهُ فَضلانِ فَضلٌ على الثَّنا / وفَضلٌ على خُلقِ الرِّضَى المُتَواضعِ
ألا يا بَعِيدَ الدَّارِ قَلبُكَ قد دَنا / إلينا بملءِ العينِ مِلءِ المَسامِعِ
إذا لم يكنْ بينَ القُلوبِ تَقَرُّبٌ / فإنَّ اقتِرابَ الدَّارِ ليسَ بنافعِ
سَرَى جِنحَ ليلٍ والعُيُونُ هواجعُ
سَرَى جِنحَ ليلٍ والعُيُونُ هواجعُ / خَيَالٌ كَذُوبٌ عِندَهُ العَهدُ ضائعُ
خَيالُ التِّي لو أُنذِرَت بمَسيرِهِ / أقامَتْ عليه ألفَ بابٍ يُمانِعُ
فَتاةٌ حَكَتْ بدرَ الدُّجَى غيرَ أنَّها / تَبيتُ وَراءَ الحُجْبِ والبدرُ طالعُ
قدِ استُودِعَت قلبي فَضاعَ ويا تُرَى / مَتَى حُفِظَتْ عِند الحسانِ الوَدائعُ
هُوَ الصَّادقُ الخِلُّ الوَفيُّ الذي لهُ / أيادٍ جِسامٌ عِندَنا وصنائعُ
لهُ من قوافي الشِّعر جيشٌ عَرَمْرَمٌ / أتَتْنا إلى بيرُوتَ منهُ طلائعُ
قَوافٍ قَفاها أُنُسُهُ تابعاً لها / كما تَبِعَتْ ما قبلَهُنَّ التوابعُ
هيَ الزَّهْرُ لكنَّ الطُروسَ كمائمٌ / هيَ الزهْرُ لكنَّ السُطورَ مطالعُ
لَها مَنظَرٌ في العينِ أسَودُ حالكٌ / ولكنَّهُ في القلبِ أبيضُ ناصعُ
حَبانا بها طَلقُ البَنانِ مُهذَّبٌ / كريمٌ هَداياهُ اللآلي السواطعُ
أديبٌ بآياتِ البَلاغةِ مُفرَدٌ / لبيبٌ لأَشتاتِ الفضائلِ جامعُ
أخو الحَزْم ماضي الرأيِ في كُلِّ أمرِهِ / فليسَ لهُ في فِعلِهِ مَن يُضارِعُ
يَظَلُّ إليهِ مُسندَاً كلُّ طالبٍ / وذاكَ لهُ بينَ البَريَّةِ رافعُ
جَزَى اللهُ ماءَ النِّيلِ خيراً فإنَّهُ / شَرابٌ منَ الفِردَوسِ للناس نابعُ
شَرابٌ لأهلِ الله يَروى بهِ الظَما / ويَرَوى بما يُرويهِ دانٍ وشاسِعُ
كَفَى اللهُ مِصراً عن منافعِ غَيرِها / وفي غيرِها تَنبثُّ منها المنافعُ
مَحَطُّ رِحالِ العلمِ في كُلِّ حِقبةٍ / هيَ الأُمُّ والأقطارُ منها رواضعُ
أتُوقُ إلى تلك الدِّيارِ ومَن بِها / وهيهاتِ مالي في اللقاءِ مَطامِعُ
إذا قيلَ إنَّ المُستحيلَ ثلاثةٌ / فهذا لهاتِيكَ الثَلاثةِ رابعُ
أتَحسبُ من حُمْر الشَّقيقِ خُدُودُها
أتَحسبُ من حُمْر الشَّقيقِ خُدُودُها / ومن بعضِ رُمَّان الجِنانِ نُهودُها
دَهِشْتَ لما شاهدتَ منها مُوَلَّهاً / فأنقَصتها من حيثُ جئتَ تَزِيدُها
فَتاةٌ لِعينَيها جُفونٌ مَرِيضةٌ / لِكَثرةِ ما تَغزُو وهُنَّ جُنودُها
سَمِعتُ بأنَّ الخالَ يُحسَبُ عَبدَها / فأمّلْتُ أنْ تَدنْو كذاكَ عبيدُها
أرى كلَّ حربٍ فيهِ للقومِ هُدنةٌ / سِوَى حربِ مَن تسطو عليهِ البيضِ سُودُها
وكلُّ مرِيضٍ يتَّقِي اللهَ نائباً / سِوىَ جَفنها الطَّاغي بما لا يُفيدها
نَحيلةُ خَصرٍ مثلَ جسمي من الضَّنَى / تَرِفُّ عليهِ مثلَ قلبي بُنودُها
رأيتُ قَضيبَ الخَيزُرانةِ ذابلاً / فأيقَنتُ أن الخَيزُرانَ حَسوُدُها
هَوِيتُ التي كم عِندَها من دمٍ لنا / تحَلَّى بهِ مثلَ القَلائدِ جِيدُها
ومالَتْ بِعطِفي صَبْوةٌ لو تَلاعَبتْ / بِخَيمْتِها الشَّمَّاء مالَ عَمُودُها
ولكننَّي ممَّن أعَدَّ لدَهرِهِ / كتائبَ صَبرٍ ليسَ يُحصَى عَدِيدُها
وعِندي وقارٌ من خلائقِ أحمَدٍ / فَجُزْتُ ولم تُمطِر عَلَيَّ رُعودُها
خَلائِقُ تَزدانُ السَّجايا بِحُسنِها / كما زَيَّنتْ بيضَ النُّحورِ عُقودُها
إذا كانتِ الأفلاكَ فَهْيَ نُجومُها / وإن كانتِ الأقمارَ فهْيَ سُعُودُها
كريمُ صفاتٍ لا يَمُرُّ قَدِيمُها / على مِسمَعٍ حتى يَلُوحَ جَديدُها
إذا أصبحَتْ دُهْمُ الأمورِ مريضةً / شَفاها بإذنِ اللهِ حينَ يَعودُها
لهُ هِمَّةٌ في الحادثاتِ بعيدةٌ / إذا راضَتِ الأعمالَ يدنو بَعيدُها
تألَّفَ حُسنُ الخَلْقِ والخُلقِ عِندَهُ / وتِلكَ اخِتصاصاتٌ عزيزةٌ وُجودُها
على وَجهِهِ نُورُ الجمالِ يزِينُهُ / طَلاقةُ بِشرٍ فوقَهُ يَستَفيدُها
ومن ذِهنهِ ماءُ السُّيوفِ وحَدُّها / ومِن عَزمِهِ في النَّائبات حَديدُها
لَقد صَلَحَ ابنُ الصُّلحِ لِلمَدْح صادقاً / فكانَ أميراً للقَوافي يَقودُها
لها بينَ أيدِيهِ الكِرامِ مَواقِفٌ / صِحاحٌ دَعاويها عُدولٌ شُهوُدُها
وقد شَقَّ نَظْمُ الشِّعرِ عندي لِعلَّةٍ / يِشُقُّ على قلبي الصَّبورِ جُحودُها
منَ الشِّعرِ مَدْحٌ قَلَّ مَنْ يَستَحِقُّهُ / وصَنعةُ هَجْوٍ لَسْتُ ممَّن يُرِيدُها
خُذُوا حِذرَكم من طَرْفِهِ فَهْوَ قَتَّالُ
خُذُوا حِذرَكم من طَرْفِهِ فَهْوَ قَتَّالُ / ولا تَطمَعوا في عِطفِهِ فَهْوَ مَيَّالُ
ولا تَعجَبُوا للنَدِّ في صَحْنِ خَدِّهِ / فمِن فَوقِهِ نُونٌ ومن حَولِهِ دالُ
مَليحٌ تُباعُ الرُّوحُ في سُوقِ حُبِّهِ / وليسَ سِوَى تِلكَ اللّواحظِ دَلاّلُ
منَ الغِيدِ بَرْدٌ لا سَلامٌ بِثَغْرِهِ / فأصبَحَ فيهِ يُجمَعُ الماءُ والآلُ
جَرَى عَرَقٌ في خَدِّهِ لالْتهابِهِ / فذلكَ ماءُ الوَردِ في الخَدِّ سَيَّالُ
وقد قَطَرَتْ إذ حَظَّتِ السِّحرَ عينُهُ / منَ الحِبرِ فيهِ نُقطةٌ اسمُها الخالُ
غَزالٌ تَغزَّلْنا بغازلِ طَرْفهِ / فغازَلَنا منهُ غزَالٌ وغزَّالُ
طمِعنا على جهلٍ بعسَّالِ ثغرِهِ / وكم دُونَ عَسَّالِ المَراشِفِ عَسَّالُ
يَقولونَ لي ما أنتَ والغَزَلَ الذي / عليكَ بهِ أهلُ الشَهامةِ عُذَّالُ
عَليكَ حُقوقٌ للأميرِ فقُمْ بها / ودَعْ عنكَ هذا اللَغْوَ يا نِعْمَ ما قالوا
سَلامٌ على وَجهِ الأميرِ مُحمَّدٍ / يُحَيَّا بهِ من أجلِهِ الصَحْبُ والآلُ
عزيزٌ علينا كلُّ ما يَنتمِي إلى / عزيزٍ فَدَتْهُ النَّفسُ والأهلُ والمالُ
أتُوقُ إلى تِلكَ الدِّيارِ كأنَّني / غريبٌ عليهِ طالَ في الدَّهرِ تَرْحالُ
وأطرَبُ لليومِ الذي نلتقي بهِ / كمجهودِ شَهرِ الصَّومِ إذْ هَلَّ شَوَّالُ
تَغرَّبتُ عن غَرْبٍ هُوَ الشَّرقُ عِندَنا / فما الشَّرقُ إلاّ حيثُ للصُبْحِ إقبالُ
هُنالِكَ صُبحٌ لا ظَلامَ وراءَهُ / يَلوحُ بهِ وجهُ وقَوْلٌ وأعمالُ
فيا وَطني إنْ فاتَني بكَ سابقٌ / مِن الدَّهرِ فليَنْعَمْ لساكِنِكَ البالُ
ويا دارَهُ بالغَرْبِ إنَّ مَزارَها / بعيدٌ ولكن دُونَهُ ليسَ أهوالُ
لنا من أبيهِ نِعمةٌ طالَ ذَيلُها / فما بَرِحَتْ منهُ تُجرَّرُ أذيالُ
ظَنَنَّا الليالي لا تَجودُ بمثلِهِ / فجادَتْ بمِثْلٍ لا تُدانيهِ أمثالُ
أصَحُّ كَلامٍ مَدحُهُ فَهْوَ مذهبٌ / لنا فيهِ قولٌ واحدٌ ليسَ أقوالُ
وأشهَرُ شيءٍ أنَّه فَرْدُ عَصرِهِ / فذلكَ تَدريهِ شُيوخٌ وأطفالُ
يُخبِّرُ عن أيَّامِ عادٍ وجُرهُمٍ / كمَنْ مَرَّ أجيالٌ عليهِ وأجيالُ
ويحفَظُ ما يَبْقَى على لوحِ صَدرِهِ / كحِبرٍ بهِ في اللوحِ يُرسَمُ تِمثالُ
لهُ في أفانينِ الكلامِ تَصَرُّفٌ / وفي الشِّعرِ إحسانٌ وفي النَّثر إجمال
ونفعٌ وضَرٌّ عندهُ غيرَ أنَّهُ / إلى النَّفعِ معجالٌ عنِ الضَّرِّ مِكسالُ
نُهنيِّهِ بالعيدِ الخليقِ لهُ الهَنا / به فعليهِ منهُ للزَّهوِ سِربالُ
ولو كانَ هذا العيدُ يَملِكُ أمرَهُ / أتى كلَّ يومٍ زائراً وَهْوَ يخْتالُ
قَسَمْنا جميلَ القولِ والفِعلِ بَينَنا / فمِنّي لهُ قولٌ ولي منهُ أفعالُ
ولكن تقَاسمْنا فجارَ فكُلَّما / أتى دانَقٌ مِنِّي أتى منهُ مِثقالُ
دَعِ الحُزنَ في الدُّنيا وبَشِّرْ عِبادَها
دَعِ الحُزنَ في الدُّنيا وبَشِّرْ عِبادَها / فعبدُ العزيزِ اليومَ فكَّ حِدادَها
قَدِ اختارَهُ اللهُ الذي هو عَبدُهُ / خَليفَتهُ عن حِكمةٍ قد أرادَها
فقامَ بأمرِ اللهِ في عَرشِ دَولةٍ / أعَزَّ مبانيها وأعلى عِمادَها
وألقَى لدى تارِيخهِ عينَ جُودِهِ / فَقَرَّرَ في صَدرِ البِلادِ فؤَادَها
سلامٌ على من لا نَمُرُّ ببالِهِ
سلامٌ على من لا نَمُرُّ ببالِهِ / فماذا تُرَى أطماعُنا في وِصالِهِ
ولم يكْفِهِ ما قد حَملْناهُ في الهَوى / منَ الذُلِّ حتَّى زادَ حِملَ خالِهِ
مليحٌ شَهِدنا أن ناراً بِخَدِّهِ / لأنَّا وجدنا بينها فَحْمَ خالهِ
أباحَ فُؤَادي للهَوى وهو باخلٌ / يَعِزُّ عليهِ نظرَةُ من جَمالِهِ
وكلُّ كريمُ النَّفسِ من مالِ غيرهِ / وقلَّ كريمُ النَّفسِ من نفسِ مالهِ
وما كان لم تَتْعَبْ عليهِ يمينُهُ / يهونُ عليهِ بذلُهُ بشمالِهِ
تكلَّفْتُ نظمَ الشِّعرِ كَهْلاً لأجلهِ / ويَكَهْلُ شعرُ المرْءِ عندَ اكتهالِهِ
فضاعَ كما ضاعَ الزَّمانُ وهكذا / نرى كلَّ أمرٍ لم يَجُلْ في مَجالِهِ
إذا ضلَّ عنكَ الشِّعرُ فاطلُبْهُ تلقَهُ / إلى غربِ لُبنانَ اهتَدَى من ضَلالِهِ
أمامَ بني رسلانَ طيبُ وقوفهِ / وعند بني رسلانَ حَطُّ رِحالهِ
تُصلِّي القوافي كلَّ يومٍ وليلةٍ / على وجهِ رسلانَ القديمِ وآلِهِ
على حيدرَ الشَّهمِ الكريمِ ومُلحِمٍ / وما حولَهُ من سَهْلِهِ وجبالِهِ
أبٌ ماجدٌ وابنٌ كريمٌ كخاتَمٍ / أتى نقشُهُ في طبعِهِ بمثالِه
إلى عملِ الإحسانِ أسبَقُ أهلِهِ / وفي خدمِةِ السُّلطانِ أمضى رِجالهِ
إذا مسَّتْ الحاجاتُ قام كلاهُما / إليهما كَجمر النَّار عندَ اشتعالِهِ
وإن جنَّ ديجورُ الخطوبِ تلقيَّا / دُجاهُ بصبحٍ شقَّ جيبَ ظِلالهِ
لكلِّ فتىً عيبٌ يشينُ بنفسهِ / سِوَى ملحمٍ سبحانَ معطي كَمالِهِ
وكلُّ ولاةِ الأمرِ تحتاجُ قاضياً / سِوى ملحمٍ عمِّ القضاءِ وخالِهِ
أغَرُّ خَصيبُ الرَّبع كلُّ زمانِهِ / زمانُ ربيعٍ في أوانِ اعتِدالهِ
ذكيُّ النُّهَى لولا رَصانةُ نفسهِ / لكانَ يجيبُ المرءَ قبلَ سُؤالِهِ
يقولونَ تهوَى آلَ رسلانَ قلتُ قد / تمتَّعْتُ من صافي الهَوَى بزُلالِهِ
هَوِيْتُ الأُلى يلقى الكرامةَ ضيفُهُم / وينسى غريبُ الدَّارِ ذِكرَ عيالِهِ
أرى الشِّعرَ يدعوني إلى نظمِ مدحِهم / فَيسمحُ مع ضَعفي بوَشْكِ ارتجالهِ
ولو لم أقلْ شِعراً بهم حالَ يقظةٍ / أتى هاتفاً في النَّوْمِ طيفُ خَيالهِ
أرَى فِتنَةَ الدُّنيا هي الآيةُ الكُبرَى
أرَى فِتنَةَ الدُّنيا هي الآيةُ الكُبرَى / يَضِلُّ بها الهادي فيلهو عن الأُخرَى
غَفَلْنا بها عمَّا بها عن جَهالةٍ / فليسَ بما في البيتِ صاحبُهُ أدرَى
تَظَلُّ المنايا واقفاتٍ بمَرصَدٍ / فمن فاتَ يُمناها تَلَقَّتْهُ باليُسرَى
نَراها على غير اعتبارٍ بما نرى / كما الواو في عمروٍ تُخَطُّ ولا تُقرا
يَظُنُّ الذي خلفَ الجِنازةِ أنَّهُ / أمينٌ فلا يجري على ذلك المَجرَى
ترى عينُهُ حُفَرَ الضَّريحِ وقلبُهُ / هنالِكَ مشغولٌ بأنْ يبتني قَصْرا
غِشاءٌ من الدُّنيا علينا كأنَّها / عَلى حَدَقِ الأبصارِ قد كَتَبتْ سِحْرا
لنا كلَّ يومٍ خُطبةٌ من جِنازةٍ / ولكنَّ في الآذانِ عن صوتها وَقْرا
قدِ اندَكَّ في بَغدادَ طَوْدٌ فأجفَلَتْ / لهُ الشَّامُ حتى هزَّ من هَوْلِهِ مِصرا
أتاهُ رسولُ البينِ في حين غفلةٍ / وقد هابهُ جَهْراً فداهَمَهُ غَدْرا
قد اختارهُ الباقي الذي هو عبدُهُ / بليلٍ إليهِ في الطِّباقِ بهِ أسرَى
فكانَ لهُ في دارةِ الأرضِ مأتَمٌ / وفي العرشِ عيدٌ يجمعُ الفِطرَ والنَّحرا
إمامٌ من الأفراد في أهل عصرِهِ / شمائلُهُ الغرَّاءُ قد زانت العَصْرا
أدَقُّ الوَرَى فِكراً وأكرمُهُم يداً / وأفصَحُهم نظماً وأبلغُهم نَثرا
هوَ العُمَرِيُّ الباذخُ الشَّرفِ الذي / حباهُ بهِ الفاروقُ وهوَ بهِ أحرَى
جميلُ الثَّنا لا يقطعُ الدَّهرُ ذِكرَهُ / صدقتُ ولكن ذِكرُهُ يقطعُ الدَّهرا
لئن باتَ في أكفانهِ البيضِ مُدرَجاً / ففي جَنَّةِ الخُلدِ ارتدَى سُندُساً خُضْرا
وإن لم يَذُقْ في الأرضِ خمراً فقد سُقي / هناكَ خموراً غيرَ مُعقبةٍ سُكرا
لقد كُنتُ أجني الدُرَّ من لفظهِ وها / أنا من ثناهُ اجتلي الأنجُمَ الزُّهرا
وأذكرُ من ألطافِهِ ووِدادهِ / بدائعَ شَتَّى لا أُطيقُ لها ذِكرا
يَشُقُّ على قلبي رِثاءٌ أخُطُّهُ / لهُ ودموعي أوشكت تُذِهبُ الحِبْرا
وتُوشِكُ أن تُصلى الصَّحيفةُ في يدي / فتُحرَقُ من تصعيدِ أنفاسِيَ الحَرًّى
سَقَى الله قبراً ضمَّ أعظُمَهُ وكم / فؤادٍ تمنَّى أن يكونَ لهُ قَبْرا
ولو كانَ القبرُ يَملِكُ أمرَهُ / لرَدَّ البِلَى عنهُ واحرَزَهُ ذُخرا
ألا يا هِلالاً لاحَ أبهى من البدرِ
ألا يا هِلالاً لاحَ أبهى من البدرِ / ولكنْ أتاهُ الخَسفُ في غُرَّةِ الشَّهرِ
بَقِيْتَ لنا خَمساً وعشْراً فعندنا / من النَّوحِ كم خمسٍ عليكَ وكم عَشْرِ
جَرَحتَ قلوباً قد طَلَبنا لجُرحِها / دواءً فقالت لا دواءَ سوى الصَّبرِ
ومَن عاش في الدُّنيا الخَوُونِ تقلَّبتْ / عليه فلا يُعطَى الأمانَ من الغدرِ
قَضَى اللهُ بالهِجرانِ في أثَرِ اللِّقا / فيا حبَّذا لو كنتَ قبلاً على الهَجرِ
إذا كانَ ما نِلنا من الخيرِ زائلاً / فأفضَلُ منهُ ما يزولُ من الشَّرِّ
أطَعْنا وسلَّمنا إلى الله أمرَنا / على كُلِّ حالٍ أنَّهُ مالكُ الأمرِ
قد اختارَ مَن يَهوَى فأسرعَ جذبَهُ / إليهِ نقيّاً غيرَ منتقضِ الطُهرِ
فلبَّاه صافي العيشِ لم تدْنُ غُصَّةٌ / إليهِ ولم يُردَدْ إلى أرذَلِ العُمرِ
أيا قبرَ إبراهيمَ قد صرتَ مهدَهُ / وصاحبَهُ الباقي إلى آخرِ الدَّهرِ
ويا قبرَ إبراهيمَ أكرِمْ منعَّماً / عزيزاً على أُمٍّ مُخدَّشةِ الصَّدرِ
ويا وجهَ إبراهيمَ غيَّرَكَ البِلَى / كما غيَّرَتْنا لوعةُ الحُزنِ لو تدري
أتى مَن يُهنِّي أمسِ واليومَ جاءَ من / يُعزي فكادَ الحُلُو يُمزَجُ بالمُرِّ
وذاكَ وهذا حُكمُ مَن جازَ حُكمُهُ / فَمَن حازَ تسليماً لهُ فازَ بالأجرِ
أرَى الدَّهرَ يقضي كلَّ يومٍ ديونَهُ
أرَى الدَّهرَ يقضي كلَّ يومٍ ديونَهُ / فيقطعُ أهليِهِ كما يقطَعونَهُ
ويُخلِفُ عمَّن قد مَضَى من رجالهِ / كما يُخلِفُ الأصلُ القديمُ غُصونَهُ
لقد عوَّضَ الشَّعبَ الذي ساءَ راعياً / فأضحَكَ باكيهِ وسرَّ حزينَهُ
أمينٌ عليهِ حافظٌ عهْدَ ربِّهِ / يُضيِّعُ دنياهُ ليحفَظَ دينَهُ
عصاهُ عصا موسى التِّي شقَّتِ الصَّفا / وشَقَّ بها البحرَ الذي حالَ دونهُ
وذاكَ الجبينُ الطَّلْقُ قد زانَ تاجَهُ / جَمالاً وليسَ التَّاجُ زانَ جبينَهُ
يَمُدُّ إلى حفظِ الحياةِ شِمالُهُ / ويُلقي إلى حفظِ الرَّعايا يَمينهُ
أرَقُّ من الماءِ الزُّلالِ شمائِلاً / بألطافها فاقت صَفاهُ ولِينَهُ
وأثبَتُ من شُمِّ الجبالِ فلم يكُنْ / يُحرِّكُ زَلزالُ الخُطوبِ سكونَهُ
لهُ قَلَمٌ يجري على الصُّحْفِ راقماً / فتحسُدُ أرقامُ الطِّراز فنونَهُ
يسهِّلُ منْ طُرْقِ الكلام صِعابَها / ويفتحُ من سرِّ المعاني حصونَهُ
يُقلِّبُهُ ماضي البنانِ مُهذَّبٌ / تَرَى عينُهُ من كلِّ أمرٍ يقينَهُ
تجلَّى على عرشٍ من المَجدِ باذخٍ / تظُنُّ الثُّرَيا فوقهُ وهي دونَهُ
أقامَ على حفظِ الأمانةِ قلبَهُ / ووكلَّ بالسُّهْدِ الطَّويلِ جفونهُ
وجرَّدَ عن أهواءِ دنياهُ نفسَهُ / فقد أنكرَتْ ماءَ الوجودِ وطينَهُ
لهُ حِليةٌ من كلِّ فضلٍ تزينُهُ / وليسَ بهِ مِن ريبةٍ فتَشينهُ
وفي يدِهِ أمرٌ مُطاعٌ أجازَهُ / قديرٌ تَوَلَّى كافَ أمرٍ ونونهُ
نُهنِّيكِ يا صورُ التِّي غابَ نجمُها / ففازَت بنجمٍ قرَّبَ اللهُ حينُهُ
ظَفِرتِ من اللهِ الذي يَهَبُ المُنَى / بما أنتِ في تاريخِهِ تبتَغِينهُ
إذا رُمتَ نظمَ الشِّعرِ في مدحِ ذي الرُّشدِ
إذا رُمتَ نظمَ الشِّعرِ في مدحِ ذي الرُّشدِ / فدَعْ ذِكرَ سُلمَى والتغزُّلَ في هِنْدِ
لقد وَسِعتْ كلَّ القريضِ صفاتُهُ / فلا فضلةٌ عنها لجيدٍ ولا نَهْدِ
كريمٌ جميلُ الخَلْقِ والخُلْقِ والثَّنا / حميدُ السَّجايا حافظُ الوُدِّ والعهدِ
على وجههِ المسعودِ ألفُ تحيَّةٍ / من اللهِ تأتي بالسَّلامِ وبالبَرْدِ
تفقَّدَ مولانا الوزيرُ بِلادَهُ / فكان كصَوْبِ الغَيْثِ في زَمَن الجَهدِ
وعادَ إلى بيروتَ عَوْدةَ صِحةٍ / إلى ذي سَقامٍ كادَ يَهوي إلى اللَّحدِ
حَسَدنا عليهِ مثلَ إخوةِ يوسفٍ / دِمَشْقَ وماذا الجِدُّ في حَسدٍ يُجدي
زيارتهُ الإكسيرُ تُغني بنُقطةٍ / وساعتُها من عامِنا مُدَّةَ الوَردِ
ورُؤْيتهُ كُحلٌ لأَعْيُنِ قومنا / ويكفي قليلُ الكُحلِ في الأعينِ الرُّمْدِ
إذا صحَّ ما نبغي فذلكَ نعمةٌ / من اللهِ تُعطَى واجبَ الشُّكرِ والحَمْدِ
وإلا فكم من مَطلَبٍ عَزَّ نيلُهُ / على سيِّدٍ يبغيهِ فضلاً عن العبدِ
أتى في أوان القَطْر أشهَى من القَطْرِ
أتى في أوان القَطْر أشهَى من القَطْرِ / فنورٌ على نورٍ وبِشْرٍ على بِشْرِ
وزيرٌ على الحقِّ المُبينِ مُؤازِرٌ / لمُرسِلهِ وَهْوَ البرئُ من الوِزْرِ
لقد سارَ نحو الغرب كالقمر الذي / يغيب فيبدو منهُ في غُرَّة الشهرِ
حكى ليلةَ الإسراءِ يومُ رحيلهِ / ويومُ لقاهُ قد حكى ليلةِ القَدْرِ
على وجههِ من سُورةِ النُّور آيةٌ / وفي سيفهِ من سورةِ الفَتْحِ والنَّصْرِ
فيتلو على أصحابهِ آيةَ الضُّحَى / ويتلو على أعدائِهِ آيةَ النَّحرِ
على قلبِهِ قد خطَّ من خوفِ ربِّهِ / أساطيرَ ذي النورَينِ في ذلكَ السِّفْرِ
وقامَ بحقِّ الفَرضِ والنَّفلِ ناهِضاً / من الصَّلواتِ الخمسِ بالشَّفعِ والوَتْرِ
على الرَّاشِدِ الهادي التحيَّةُ والرِّضَى / من الله تَقرَّاها الملائكُ في الفَجْرِ
هو الرَّحمَةُ العُظمَى التي أحيَتِ الرُّبَى / إلى أن كسَتْها حُلَةَ السُّندسُ الخُضْرِ
بنى عدلُهُ سوراً لسُوريَّةَ التِّي / أتاها بخِصْبِ الأرضِ كالنِّيل في مصرِ
أحاطَ بها كالبحرِ فَهْيَ جزيرةٌ / لبحرٍ كثيرِ المَدِّ مُمتنِعِ الجَزْرِ
بصيرٌ بأمرِ الدَّهرِ يَهشِمُ رأسَهُ / بأُنمُلةٍ صَمَّاءَ تَلعَبُ بالدَّهرِ
إذا اسودَّ خطبٌ يحجِبُ العينَ كالدُّجَى / أتاهُ برأيٍ يَخرُقُ الحُجْبَ كالبدرِ
مدحتُ الوزيرَ الرَّاشدَ اليومَ بالَّذي / دَرَيتُ وأهملتُ الَّذي لم أكُنْ أَدرِي
فكانَ الذي أدريهِ بعضاً من الذي / جَهِلتُ كإعطاءِ الخَراجِ مِن العُشْرِ
عليَّ ديونٌ رُتِّبَتْ لجَلالِهِ / فأصبحتُ مديوناً أخافُ مِن الكَسْرِ
ولكنْ غريمي يَقبلُ العُذرَ راثياً / لضُعفي فيأبى أن يُعامِلَ بالعُسْرِ
أتى مثلَ موسى حينما عادَ من مِصرِ
أتى مثلَ موسى حينما عادَ من مِصرِ / ولكنَّهُ لم يعرِف التِّيهَ في القَفْرِ
ولو كانَ شَقُّ البحرِ مِن حاجةٍ لهُ / لَشَقَّ لَديهِ رَبُّهُ لُجَّةَ البحرِ
أتانا بوجهٍ كالصَّباحِ فلم يكنْ / إذا سار تحتَ اللَّيلِ يحتاجُ للبدرِ
وفي يدهِ البيضاءِ تلكَ العصا التي / إذا ضَرَبَت صخراً تُؤَثِّرُ في الصَّخرِ
لهُ مَنصِبٌ في البَرِّ والبَحرِ أُخلِصَتْ / لهُ طاعةُ الجُمهور في السِّرِّ والجَهْرِ
وتاجٌ كتاجِ المُلكِ فوقَ جبينهِ / تَقلَّدَ مَعْهُ خاتَمَ النَّهْيِ والأمرِ
طبيبٌ يداوي عِلَّةَ النَّفسِ شافياً / كبُقراطَ للأبدانِ في سالفِ الدَّهرِ
ويصبو إلى بِيضِ الطُّروسِ وسُودِها / من الحِبرِ لا بِيضَ الدَّراهمِ والصُّفرِ
لقد حلَّ روحُ اللهِ في طيِّ قلبهِ / كما حلَّ قِدْماً في حَشا مريمَ البِكْرِ
فألَّفَ ما بين القلوبِ بلطفهِ / كما امتَزَجَ الماءُ الزُلالُ مع الخَمرِ
وأنشا لدَرْس العلم مدرسةً لنا / بَنَى فوقها بُرجاً عظيماً من الأَجرِ
أقامت رميماً ماتَ من علمِ قومهِ / فكانت كصوتِ البوقِ في مَوقِفِ الحَشْرِ
نَرى كلَّ يومٍ يومَ عيدٍ بوَجههِ / وكلَّ الليالي عندنا ليلةَ القَدْرِ
وكلَّ مَقامٍ حلَّهُ بيتَ مَقدِسٍ / يُزارُ كما يُسعى إلى ذلك القبرِ
نظمتُ له هذا المديحَ تيمُّناً / بذِكراهُ لا أبغي له رِفعةَ القدرِ
وليسَ لهُ بالمدحِ فخرٌ يَنالُهُ / ولكن بهِ للمدحِ عائِدةُ الفخرِ