المجموع : 40
لقد كذبَ الآمالَ من كان كسلانا
لقد كذبَ الآمالَ من كان كسلانا / وأجدرُ بالأحلامِ من باتَ وسنانا
ومن لم يعانِ الجدَّ في كل أمرهِ / رأى كل أمرٍ في العواقبِ خذلانا
وما المرءُ إلا جدهُ واجتهادُهُ / وليس سوى هذينِ للمرءِ أعوانا
كأن الورى يجرونَ طراً لغايةٍ / وقدْ دُحيتْ هذي البسيطة ميدانا
فمن كانَ مقداماً فَقَد فاز جَدُهُ / وباءَ بكلِّ الويلِ من ظلَ حيرانا
فلا تتقاعدْ إن تلحْ لك فرصةٌ / ولا تزدرِ الشيءَ الحقيرَ وإن هانا
ولا تعدُ أخلاق الكرام فإنما / بأخلاقه الإنسانُ قد صار إنسانا
بلادي هواها في لساني وفي دمي
بلادي هواها في لساني وفي دمي / يمجدُها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خيرَ فيمن لا يحبُّ بلادَهُ / ولا في حليفِ الحب إن لم يتيم
ومن تؤوِهِ دارٌ فيجحدُ فضلها / يكن حيواناً فوقه كل أعجمِ
ألم ترَ أنَّ الطيرَ إن جاءَ عشهُ / فآواهُ في أكنافِهِ يترنم
وليسَ من الأوطانِ من لم يكن لها / فداء وإن أمسى إليهنَّ ينتمي
على أنها للناس كالشمس لم تزلْ / تضيءُ لهم طراً وكم فيهمُ عمي
ومن يظلمِ الأوطان أو ينسَ حقها / تجبه فنون الحادثات بأظلم
ولا خيرَ فيمنْ إن أحبَّ دياره / أقام ليبكي فوقَ ربعٍ مهدم
وقد طويتْ تلك الليالي بأهلها / فمن جهلَ الأيامَ فليتعلم
وما يرفع الأوطانَ إلا رجالها / وهل يترقى الناسُ إلا بسلم
ومن يكُ ذا فضلٍ فيبخل بفضلهِ / على قومهِ يستغنَ عنه ويذمم
ومن يتقلبْ في النعيم شقيْ بهِ / إذا كان من آخاهُ غيرُ منعم
زرعنا فلم نحصدْ وكان جدودنا
زرعنا فلم نحصدْ وكان جدودنا / متى يبذروا في أرضنا الحبَّ يحصدوا
وما قتلَ المحلُ البلادَ وإنما / أصاب الصدا محراثنا فهو مبردُ
إذا ما دعاكَ الحقُّ للظلمِ مرّةً
إذا ما دعاكَ الحقُّ للظلمِ مرّةً / وقد كنتَ ذا حلمٍ فلا تَكُ ذا حلمِ
فإن من الإشفاقِ إن زَاغَتِ النّهى / عن الحقِّ ميلُ المشفقينَ من الظلمِ
أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها
أراكَ الحمى هل قبَّلتكَ ثُغورها / فمَالتْ بأعطافِ الغُصونِ خُمُورًها
وحنَّت إلى سَجَعِ الحَمامِ كأنَّه / رنينُ الحُلى إذ لاعبتْها صُدورها
عذيْرِيَّ من تَلكَ الحبيبةِ ما لها / تقولُ عُذيري والمًحِبُّ عذيرها
يقلِّبُ عينيه إليها ضَميرهُ / ويلفِتُ عينيها إليهِ ضَميرُها
وما كلُّ ما يخشاه منها يضيرُهُ / ولا كلُّ ما تخشاهُ منهُ يُضيرها
وقام إليَّ العاذلاتُ يلمْنَنِي / فقلنَ ألا تَنْفكَّ قُلتُ أسيرُها
لئِن لم يكُن للظبيِ سِحرُ عيونها / فما شيمةُ الغزلانِ إلا نُفورها
وما شفني إلا النَّسيم وتيهُهُ / عليَّ إذا ما لاعبتُه خُدُوروها
ألا فاعذلوا قد مرَّ ما كنتُ حاذراً / وعادتْ ليالي الدَّهرِ يحلو مرورُها
وأصبحتِ الدنيا تضاحكُ أهلها / ويُبْسُمُ فيهم بِشْرُها وبَشيرُها
وتتيهُ بأعيادِ الملوكِ وكيفَ لا / وعيدُ أميرِ المُؤمنينَ أميرُها
أعادَ بهِ روحَ الخلافةِ ربُّها / وجاءتْ لها بالنَصْرِ فيه نصيرها
فراعتْ صناديدُ الملوكِ وما سوى / مليكِ البرايا قد أقلَّ سريرها
وجارَ عليها الدهر شعثاً خُطوبُه / فهبَّ لها عبد الحميدِ يُجيرُها
بَصيرٌ بنورِ اللهِ في كلِّ أزمةِ / تردُّ عيونَ الصَّيدِ حسرى ستورها
وطارَ بها لا يَرتَضي النَّجمَ غايةً / تمدُّ جناحَيهَا عليهِ طُيورُها
يظنُّ عِداهُ أنَّ في النَّاس مثلهُ / فيا وَيْحَهُم شمسُ الضُّحى ما نَظيرها
وغرَّ فرنسا أن ترى الليثَ باسمِاً / فلم تدرِ حتّى لجَّ فيها سفيرها
أيجلوكَ يا عضبَ الشبا ما هذت بهِ / وقبلكَ ما ضرَِّ النبيُّ هريرها
وكم دولةٍ جالت أمامكَ جولةً / وسيقَت كما ساقَ الشياهُ غرورها
ملأتَ عليها الأرض أُسْداً عوابِساً / يردِّدُ بينَ الخَافِقَينِ زئيرها
فمالتْ بهم إن شئتَ يوماً قِفارُها / وماجتْ بهم إن شئتَ يوماً بُحورها
وقد صفتِ الآجالُ في حومةِ الوغى / وحامتْ على القومِ العُداةِ نُسورُها
إذا انتضلتْ رُسلُ المنيَّاتِ أحجمتْ / جيوشُهم فاستعجلتْها قبورُها
وما لسيوفِ التُركِ يجهَلُها العِدى / وقد عَرَفتها قبلَ ذاك نُحورُها
يهزُّ إليكَ المسلمينَ صليلُها / وإنْ ضمَّ منهمْ جانِبُ الصِينِ سُورُها
ليهنَ أمير المؤمنين جلوسه / على العرش وليهنَ البرايا سرورها
فقد طارح البوسفورُ مصر تحيةً / أضاءتْ لها في جانبَيها قصورها
وشاهدَ أهلها من الأفقِ نورهُ / ولاحَ لأهليهِ منَ الأفقِ نُورها
وقامَ فتاها ينطقُ الورقَ سَجْعهُ / وقد هزَّ عِطفيهِ إليها هَديرُها
بصادحةِ لا يُطربُ القومَ غيرُها / وهل أنا للأشعارِ إلا جَريرُها
ترفُّ قوافيها إذا هيَ أقبَلتْ / تزفُّ معانِيها إليكَ سُطورُها
وما قدمَ الماضينَ أن زمانهم / تقدَّم إنْ بذَّ الجيادَ أخيرها
شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ
شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ / وقد غَلَبَ الأمرانِ فيها على أمري
وبتُّ ولا من حيلةٍ غيرَ أنني / أرى الذكرَ يصيبني فأصبو إلى الذِكرِ
مهاةٌ لعينيها تغزلتُ في المَهى / وما غَزَلي في سِحرِهِنَّ سِوى السِّحرِ
وأعشقُ فيها الشمسَ والبدرَ والذي / يشبهُ العشَّاق بالشمسِ والبدرِ
وما مضَّني إلا جفاها ولحظُها / فإنَّ كلا السيفين أُغمِدَ في صدري
تراءَتْ لنا بالقِصَرِ يوماً فلمْ تَزَلْ / تُرَفْرِفُ نفسي بعدَ ذاكَ على القَصرِ
وراحت وقد صدت ْ وبينَ قلوبنا / مسافةُ ما بين الوصالِ إلى الهجرِ
فقاسمتُها قلبي وقلتُ لعاذلي / لها شطرها مما قسمتَ ولي شطري
وأنفقتُ أيامي كما أسرفتْ يدي / جواداً بمالي في هواها وبالعمرِ
ولما تلاقينا ومالتْ تجافياً / كما تحذرُ الورقاءُ جارحة الصقرِ
شددت على قلبي يديَ ويد الهوى / تقلبهُ بينَ الضلوعِ على جمرِ
وقلت لها أبقي على الودِّ ساعة / لعلَّ لنا في الغيب يوماً ولا ندري
فقالت أغير العيد يومٌ لشاعرٍ / بحسبكَ يومَ العيدِ يا قمرَ الشعرِ
فقمتُ وقد ابصرتُ قصدي ولم أزل / بفكري حتى أشرق الفجر من فكري
وعنديَ من أشتاتِ ما في كنوزهِ / قلائد شتَّى من نظيمٍ ومن نثرِ
أعباس إن لم يبتدرْ مدحك الورى / فلا نطقت لسنٌ بمدحك لا تجري
على أنك استغنيت عن كلِّ مادحٍ / بأثاركَ الغرا وأيامكَ الغرِ
وأسديتَ لي ذا الشعرَ حتى كأنما / لقطتُ نفيسَ الدرِّ من ساحل البحرِ
ولم يكُ مدحي غيرَ أوصافكَ التي / هي الزهر إن يعبق مديحي كالعطر
وإنَّ رخيصاً كل قولٍ وإن غلا / لملكِ بلادٍ تربهنَ من التبرِ
جرى النيلُ فيها حاكياً نيل كفهِ / وهل في الورى من يعدل البحرَ بالنهرِ
فأغروا به الخزان حتى لخلتهُ / وصياً يريهِ كيف ينفقُ بالقدرِ
وما النيلُ في مصرٍ سوى دم قلبها / إذا حفظوهُ دامت الروح في مصرِ
يفيض بهِ في عصرِ عباسِ ما ترى / من العلمِ ما كانَ من نبإ الخدرِ
فتى الملكِ لا عسرٌ بعصركَ يشتكى / وقد كان هذا اليوم فاتحة اليسرِ
تضيءُ بك الأيامُ حتى كأنها / دياجي الليالي قابلتْ غرةَ الفجرِ
ويومَ تبواتَ الأريكةَ سطروا / معاليَ هذا الشعبِ في صحفِ الفخرِ
رأوكَ فتىً فوقَ الملوك عزيمةً / وشتانَ بينَ العصافير والنسرِ
على حلمِ عثمانٍ وهيبةِ حيدرٍ / وعدلِ أبي حفصٍ وحزمِ أبي بكرِ
فدمتَ مرجى في نبيكَ مهنئاً / دوامَ جلالِ البدرِ في الأنجمِ الزُهرِ
اتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهبُ
اتتكَ القوافي ما لها عنكَ مذهبُ / فأنتَ بها برٌوأنت لها أبُ
وما وجدتْ مثلي لها اليومَ شاعراً / أياديكَ تمليها عليَّ فأكتبُ
وهل كلساني إن مدحتُكَ مبدعٌ / وهل كبياني ساحراً حين أنسبُ
دع الشعرَ تقذفهُ من البحرِ لجةٌ / إليكَ ويلقيهِ من البر سبسبُ
فإن يممَ الغرُّ الميامين مكةً / حجيجاً فهذي كعبة الشعرِ يثربُ
طلعتْ عليها طلعة البدرِ بعد ما / تجللها من ظلمةِ الظلمِ غيهَبُ
بوجهٍ لو أن الشمس تنظرُ مرةً / إليه لكانت ضحوةُ الصبحِ تغربُ
فجليتَ عنها ما أدلهمَّ وأبرقتْ / أسارير كانتْ قبلَ ذلكَ تقطبُ
وهل كنتَ إلا ابن الذي فاضَ برُهُ / عليها كما انهلَّ الغمام وأعذبُ
فكنْ مثلُهُ عدلاً وكُن مثلهُ تقىً / وصن لبنيهِ ما يد الدهرِ تنهبُ
سما بكَ أصلٌ طبقَ الأفقَ ذكرهُ / وسارتْ بهِ الأمثالُ في الأرضِ تضربُ
وقومٌ همُ الغرُّ الكواكب كلما / تغيبَ منهم كوكبٌ لاح كوكبُ
وهم معشر الفاروقِ من كل أغلبٍ / نماهُ إلى ليث العرينةِ أغلبُ
حفظتَ لهم مجداً وكانَ مضيعاً / وأبقيتَ فخراً كانَ لولاكَ يذهبُ
ونالكَ فضلُ الله والملكِ الذي / أرى كل ملكٍ دونهُ يتهيبُ
إذا ذكروهُ كبرَ الشرقُ بهجةً / وإن لقبوهُ أكبرَ الشرقِ مغربُ
يصدعُ قلبَ الحاسدينَ وإنهُ / إلى كل قلبٍ في الورى لمحببُ
ويرضي رعاياهُ فيردي عدوهُ / وما زالَ في الحالينِ يُرجى ويُرهبُ
حباكَ بها غراءَ يفترُ ثغرها / وكنتَ لها بعلاً وغيركَ يخطبُ
وكم أمَّلتها أنفسٌ فتحجبتْ / وبنتُ العلا إلى عن الكفءِ تحجبُ
سموتَ إليها وما ونيتَ وقد أرى / ذوائبَ قومٍ دونها تتذبذبُ
فطر فوقها ما العزّ عنكَ بمبعدٍ / وفضلُ أمير المؤمنينَ مقربُ
كأني بربِّ الروضةِ اليومَ باسماً / وصدِّيقهُ يزهى وجدكَ يعجبُ
ويثربُ مما أدركتْ من رجائها / بمقدمكَ الميمون باتتْ ترحبُ
ألا لا تلمهُ اليومَ أن يتألما
ألا لا تلمهُ اليومَ أن يتألما / فإن عيونَ الحي قد ذرفتْ دما
رأى من صروفِ الدهرِ في الناسِ ما أرى / وعلمه الدهر الأسى فتعلما
ولم يكُ ممن يملكُ الهمُ قلبَهُ / ولكنْ أتاهُ الهم من جانبِ الحمى
هنالكَ حيٌّ كلما عنَّ ذكرهُمْ / تقسمَ من أحشائهِ ما تقسما
يمثلهم في قلبهِ كلُّ لاعجٍ / وترمي بهِ ذكراهم كل مرتمى
فمن مرسلٍ عينيهِ يبكي وقد جرتْ / مدامعهُ بينَ الغضا لتضرما
ومن واجدٍ طاوٍ على حسراتهِ / ولو انها في شامخٍ لتهدما
ومن ذي غنىً يشكو إلى الله أمرهُ / وقد باتَ محتاجاً إلى الناسِ معدما
ومن ذاتِ خدرٍ لم تجدْ غيرَ كفِها / نقاباً ولم تترك لها النارُ محتمى
جرتْ في مآقيها الدموعُ غفيفةً / وقد كشفتْ للناسِ كفاً ومعصما
وباتتْ وباتَ القومُ عنها بمعزلٍ / مناجيةً رباً أبرَّ وأرحما
وعذراء زفتها المنونُ فلم تجدْ / سوى القبر من صهرٍ أعفَ وأكرما
فحطَّتْ أكفَّ الموتِ عنها لثامها / وهيهاتَ بعدَ الموتِ أن تتلثما
ومن والدٍ برٍّ وأمٍّ رحيمةٍ / تنوحُ على من غالهُ الموتُ منهما
فجيعانِ حتى لا عزاءَ سوى الرِّضا / وكانَ قضاءُ اللهِ من قبلُ مبرما
فإن رأيا طفلاً تجشمتِ البكا / على طفلها بعدَ الرضا وتجشما
وإن هجعا أرضاهما الوهمُ في الكرى / وساءَهما بعد الكرى ما توهما
ووالدةٌ ثكلى وزوجٌ تأيمتْ / ومرضعةٌ حسرى وطفلٌ تيتما
وقومٌ وراءَ الليلِ لا يطرقُ الكرى / عيونهمُ إن باتتِ الناسُ نوّما
فمن مطرقٍ يروي الثرى بدموعهِ / كأنَّ الثرى يشكو إليهِ من الظما
ومن طامحٍ للأفقِ حتى كأنهُ / على العدمِ يستجدي من الأفقِ أنجما
حنانيكَ يا رباهُ كم باتَ سيدٌ / يمدُّ يديهِ يسألُ الناسَ مطعما
وكم من أشمِّ الأنفِ أرغمَ أنفهُ / وما كانَ يوماً يطرقُ الرأسَ مرغما
إذا همَّ بالتسآلِ أمسكَ بعدها / حياءً فلم يفتح بمسألةٍ فما
وكم من فتىً غلتْ يداهُ عن العلا / وقد كانَ مجدولَ الذراعينِ ضيغما
أتتهمم وراءَ النارِ كلُّ فجيعةٍ / تسوقُ لهم في ميت غمرٍ جهنما
إذا عصفتْ شدَّت إلى الناسِ شدّةً / فلم تبقَ بينَ البائسينَ منعما
وإن زفرتْ شابَ الوليدُ لهولها / وكانَ خليقاً أن يشيبَ ويهرما
يحومُ عليها الموتُ من كلِّ جانبٍ / وقد نطرَ الأرواح أقبلتَ حوّما
فلو كانَ يستسقى الغمامُ بمثلها / لأغرقنا من صيّبِ الغيثِ ما هما
سلامٌ على تلكَ الديارِ وقد غدتْ / طلولاً تناجيها الدموعُ وأرسُما
فكم طللٍ قد باتَ يرثي لصحبهِ / ولو أنهُ استطاع الكلامَ تكلما
وكم منزلٍ قد باتَ قبراً لأهلهِ / وباتوا بهِ جلداً رفاةً وأعظما
سلامٌ على الباكينَ مما دهاهم / على حينِ لا تجدي دموعُ ولا دما
سلامٌ عليهم إن في مصرَ عصبةٌ / سراعاً إلى دفعِ الردى أين خيّما
فكم فرجوا عن كلِّ نفسٍ حزينةٍ / فما غبسَ المحزونُ حتى تبسما
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ / فمنْ لي بها عصفورةٌ لقطتْ قلبي
وطارتْ فلما خافتِ العينُ فوتها / أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها / فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي
ويا ليتها قد عششتْ في جوانبي / تغردُ في جنبٍ وتمرحُ في جنبِ
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها / فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ / رثيتِ لأهلِ الحب من شغفِ الحبِ
خذي في جناحيكِ الهوى من جوانحي / وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ / وثنيتُ بالأخرى فدارتْ رحى الحربِ
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ / كما التحمَ السيفانِ عضباً على عضبِ
ومن نظرةٍ ترتدُ من وجهِ نظرةٍ / كما انفلبَ الرمحانِ كعباً إلى كعبِ
فساقتْ لعيني عينها أي أسهمٍ / قذفنَ بقلبي كلَّ هولٍ من الرعبِ
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرةٍ / أقرت بصدري كلّ شيءٍ من الكربِ
ودارت بي الألحاظُ من كل جانبٍ / فمنهنَّ في سلبي ومنهنَّ في نهبي
فقلتُ خدعنا إنها الحربُ خدعةً / وهون خطبي أن أسر الهوى خطبي
فقالت إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى / فحسبكَ أن تهوى فقلتُ لها حسبي
وليَ العذرُ إما لامني فيكِ لائمٌ / فأكبرُ ذنبي أن حبكِ من ذنبي
ويا منْ سمعتمْ بالهوى إنما الهوى / دمٌ ودمُ هذاكَ يصبو وذا يصبي
متى ائتلفا ذلاً ودلاً تعاشقا / وإلا فما رونقِ الحسنِ ما يسبي
سلوني انبئكمْ فما يدر ما الهوى / سوايَ ولا في الناسِ مثلي من صبِ
إذا شعراءُ الصيدِ عدوا فإنني / لشاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمِ والعُرْبِ
وإن أنا ناجيتُ القلوبَ تمايلتْ / بها نسماتُ الشعرِ قلباً على قلبِ
وبي من إذا شاءتْ وصفتُ جمالها / فواللهِ ما يبقى فؤادٌ بلا حبِّ
من الغيدِ أما دلُّها فملاحةٌ / وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ
ولم يبقِ منها عُجبُها غيرَ خطرةٍ / ولا هي أبقتْ للحسانِ من العجبِ
عرضتُ لها بينَ التذلّلِ والرضا / وقد وقفتْ بينَ التدللِ والعتبِ
وأبصرتُ أمثالَ الدمى يكتنفنني / فقلتُ أهذي الشهبُ أم شبهُ الشهبِ
فما زالَ يهدي ناظري نورَ وجهِها / كما نظرَ الملاحُ في نجمةِ القطبِ
وقد رُحنَ أسراباً وخفتُ وشاتَها / فعيني في سربٍ وقلبي في سربِ
وقالتْ تجلّد قلتُ يا ميُّ سائلي / عن الحزنِ يعقوباً ويوسفَ في الجبِ
وما إن أرى الأحبابَ إلا ودائعاً / ترد فإما بالرضاءِ أو الغصبِ
غرامكِ لا يبقى على نفسِ إنسانِ
غرامكِ لا يبقى على نفسِ إنسانِ / فسلهُ لماذا غالَ قلبي وأبقاني
أفي كلِّ يومٍ لي من الحبِّ حسرةٌ / وحزنٌ وقد ضاقَ الفضاءُ بأحزاني
وها أنا ذا بينَ الصبابةِ والصبا / تجاذبني الأولى فيدفعني الثاني
ولم يبقِ من جسمي الهوى غير ذرةٍ / كما أبقتِ الكاساتُ من عقلِ نشوانِ
أكادُ لذاكَ الحيِّ إن مرتِ الصبا / أطيرُ وإنْ لم يحتملني جناحانِ
وتنظرُ هذي الشمسُ عيني كأنها / وقد أذكرتني حسنَ وجهكَ شمسانِ
هم عبدوها في الجمالِ ضلالةً / ويمنعني من مثلِ ذلكَ إيماني
على أنهم ذلوا لسلطانِ حسنها / وحسنكَ سلطانٌ على كلِّ سلطانِ
فقالوا حكيتَ الظبيَ جيداً ولفتةً / وأشبهتَ غصنَ البانِ في هيفِ البانِ
وأقسمُ ما الغزلانُ في لفتاتها / ولا هيفُ الأغصانِ إلا الشبيهانِ
لكَ الحسنُ من كلِّ الحسانِ وللذي / يحبكَ في أشعارهِ كلُّ إحسانِ
وأنتَ الذي قربتَ من جسمي الضنا / وأنتَ الذي باعدتَ ما بينَ أجفاني
فإن قيلَ عني أنهُ ماتَ عاشقاً / فقلْ لهم ما رحمةُ الميتِ من شاني
إذا كنتَ لا ترثي وفيَّ بقيةٌ / فكيفَ إذا ماأدرجوني بأكفاني
وإن يقرأ العذالُ ما أنا كاتمٌ / فقد خطَّ في خديَّ بالدمعِ سطرانِ
ولو شئتَ لم يدروا بما دارَ بيننا / ولو أن حسادي عليكَ من الجانِ
أبى الدهرُ أن يلقى أخو الحبِّ صاحباً / من الإنسِ إلا دونهُ ألفُ شيطانِ
فيا ليتَ أن الأفقَ تهوي نجومهُ / على كلِّ واشٍ بالمحبيَن خوَّانِ
ويا ليتَ نيرانَ الجحيمِ تزيدهمْ / قلوباً تلظى حسرةً فوقَ نيرانِ
ويا ليتَ أن الأرضَ دكتْ جبالها / فكم فيهمْ من مثلِ رضوى وثهلانِ
وما كنتُ أدري قبلهمْ أنَ في الورى / من الناسِ أقوامٌ على شكلِ أوثانِ
فيا من لحاني في الصبابةِ ما ترى / ملامكَ هذا بالصبابةِ أغواني
وبي رشاً لم يبقِ مني دلالهُ / سوى ما تراهُ من همومٍ وأشجانِ
تعشقتهُ ظمآنَ للحبِّ فارتوى / فؤادي ولكنْ ردني جد ظمآنِ
وأضحكني دهري زماناً بقربهِ / ولكنهث من بعدِ ذلكَ أبكاني
ولن تجدِ النيا سوى ما وجدتها / ولا سائرَ الأزمانِ إلا كأزماني
ويا جيرتي والنفسُ جمَّ عناؤُها / ألا عاشق عان لذا العاشق العَاني
رأيتُ فؤادي مطبقاً جفنهُ الأسى / كما اكتحلتْ بالنومِ أجفانُ وسنانِ
وقد كانَ لي كأساً لدى مجلسِ الهوى / إذِ الحبُّ راحي والحبائبُ ريحاني
وفي الحبِّ سلوانٌ ولكنني أرى / تأسي ذي الحاجاتِ ليسَ بسلوانِ
وهذا الهوى تاجٌ على كلِّ عاشقٍ / فما شرفُ الأملاكِ من غيرِ تيجانِ
بنفسيَ من تشفي أناملها الجوى
بنفسيَ من تشفي أناملها الجوى / فلو قبَّلَ المضنى يديها لما اشتكى
ولو أن قلبي كانَ في القبرِ ساكناً / ومرتْ عليهِ كفها لتحركا
سلي بعدكِ الواشينَ هل ذاعَ لي سرُّ
سلي بعدكِ الواشينَ هل ذاعَ لي سرُّ / وإن كانَ أضناني بتبريحهِ الهجرُ
على أنني كاتمتُ صدري ما بهِ / وفي كبدسي ما ليسَ يعلمهُ الصدرُ
حفظتكِ لا أني ارجي من الهوى / وفاءٌ ولكن ليسَ من شيمي الغدرُ
إذا هجعتْ عيناكِ جافاني الكرى / وباتتْ تناجيني الخواطرُ والفكرُ
أقاتلتي ظلماً لي الصبرُ والرضا / وإن كانَ قلبي ليسَ يحلو لي الصبرُ
إذا كانَ ذنبي أنني لكِ عاشقٌ / فمنكِ إليكِ العذرُ لو يشفعُ العذرُ
لكِ النهيُ إلا عن هواكِ وللهوى / بلحظكِ في ألبابنا النهيُ والأمرُ
وقد ذقتُ من حلوِ الزمانِ ومرِّهِ / فلا الحلو أنساني هواكِ ولا المرُّ
ويا رحمَ اللهُ الليالي التي مضتْ / ليالي كنا والزمانُ بنا نضرُ
وكانَ حماماتُ اللواحظِ بيننا / تروحُ وتعدو والقلوبُ لها وكرُ
الا ربَّ ليلٍ أسفرتْ تحتَ جنحهِ / فما شكَّ أهلُ الحيِّ أن طلعَ البدرُ
وقالتْ عذيري منكَ أمسيتَ غادراً / فقلتُ معاذَ اللهِ أن يغدرَ الحرُّ
فقالتْ فما للفجرِ تشكو لهُ الهوى / فقلتُ وهل ليلُ المحبِّ لهُ فجرُ
فقالتْ نسيتَ العهدَ قلتُ وهل سوى / غرامكَ خصمي يومَ يجمعنا الحشرُ
فقامتْ على كبرٍ تقولُ قتلتهُ / كأن لم تكنْ تدري أو عندها خبرُ
ومثلي فتى الدنيا الذي إن مشوا بهِ / إلى القبرِ يطوي مآثرهُ القبرُ
سعوا بيننا حتى لقد كنتُ راضياً
سعوا بيننا حتى لقد كنتُ راضياً / فأصبحتُ من قولي احبكَ تغضبُ
ولم أجنِ ذنباً غيرَ أني ذو هوىً / وأنكَ لي دونَ الأنامِ محببُ
وقالوا ستنسى إن تباعدَ بيننا / فيا ليتَ داري من دياركَ تقربُ
ويا ويلنا إن بتُّ أستعطفُ الهوى / وبتَّ على حكمِ الهوى تتجنَّبُ
فلا تمكنِ الواشينَ من ذاتِ بيننا / فليسَ لهم غيرَ التفرقِ مطلبُ
وإنكَ لو ابصرتَ ما بينَ أضلعي / لأبصرتَ قلبي في لظىً يتقلبُ
أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ
أأخشاهُ جفناً ما تُسَلُّ قواضِبُهُ / وحدُّ حسامي ما تُفَلُّ مضاربهْ
فأين يدي هاتيكَ والسيفُ في يدي / وما لفؤادي أنكرتهُ جوانبهْ
وما لي كأنَ الكهرباءُ تمسني / إذا لاحَ ذاكَ البدرُ أو نم حاجبهْ
أروني فؤادي كيفَ صدعهُ الأسى / وكيفَ تولاهُ الهوى ومصائبهْ
إذا كانَ قلبي لا يصاحبُ همتي / فما هو لي قلبٌ ولا أنا صاحبهْ
ركبتُ لحيني في الترامِ عشيةً / أرى الفلكَ الدوارَ لاحتْ كواكبهْ
وأحسبهُ قلباً يجاذبهُ الهوى / فينقادُ لا يدري بما هو جاذبهْ
فلاحتْ لعيني من زواياهُ غادةٌ / هي البدرُ لكنْ أطلعتْهُ مغاربهْ
تبسمُ أحياناً وتعبسُ تارةً / كما يخدعُ الواهي القوى من يحاربهْ
وقد كتبتُ فوقَ المحاجرِ آيةً / يطالعُ فيها الحبُ من لا تخاطبهْ
فلما رآها القلبُ آمنَ واغتدى / يكاتبها في أضلعي وتكاتبهْ
فما أنا إلا والهوى يستفزني / إلى حيثُ سلطان الهوى عزَّ جانبهْ
فقمتُ قيامَ الليثِ فارقَ غيلهُ / وقد حُطِّمتْ أنياهُ ومخالبهْ
وسلمتُ تسليمَ البشاشةِ والهوى / تدبُّ على أطرافِ قلبي عقاربهْ
فأغضتْ حياءً ثمَّ عادتْ فسلمتْ / ومن بعدِ كدرِ الماءِ تصفو مشاربهُ
فللّهِ ما أحلى حديثاً سمعتهُ / كأني يتيمٌ لاطفتهُ أقاربهْ
هو الخمرُ لولا طعمها وخمارُها / هو السحرُ لولا ذمَّهُ ومعائبُهُ
فقلتُ عرفتُ الحبَّ واللهِ أنهُ / مطالبُ قلبٍ لا تُحَدُّ مطالبهْ
فقالتْ بلى إن شئتَ زدتُكَ أنهُ / نوائبُ دهرٍ لا تُعَدُّ نوائبهْ
فكاشفتها مابي غراماً مبرحاً / يغالبني فيهِ النُّهى وأغالبهْ
وقلتُ ارى ذا القلبِ جُنَّ جنونهُ / وإلا فماذا في ضلوعي يواثبهْ
فهزتْ قواماً كالرديني مشرعاً / وحينَ أحسُّ الشعرَ ماجتْ كتائبهْ
وأعجَبَها ما قلتهُ فتَضَاحكَتْ / كأني طفلٌ في يديها تلاعبهْ
وقد كانَ صدري أطفأ اليأسَ نورهُ / فأصبحَ مثلَ الليلِ طارتْ غياهِبهْ
وقالتْ أخافُ الناسَ فالناسُ في الهوى / لئيمٌ نداري أو عذولٌ نراقبهْ
وعادتْ تروعُ القلبَ لم تدرِ أنني / شديدُ مناطِ القلبِ صلبٌ ترائبهْ
ولما رأتني هائماً غيرَ هائبٍ / سواها وقدماً ضيعَ الصيدُ هائبُهْ
تولتْ وقالتْ تلكَ عاقبةُ الهوى / وبعدَ صدورِ الأمرِ تأتي عواقبهْ
فغادرتْ قلبي في الترامواي وحدهُ / ينادي ولكنْ من عساهُ يجاوبهْ
وعشتُ بلا قلبٍ وعفتُ هوى الدُّمى / ولا يردعِ الإنسانَ إلا تجاربهْ
مشى فكأن الغصنَ تهفو بهِ الصبا
مشى فكأن الغصنَ تهفو بهِ الصبا / وللعطرِ منهُ في رداءِ الصبا نفحُ
ومرَّ وعن جنبيهِ صفّا عواذل / كخطي ظلامٍ شقَّ بينهما صبحُ
أرى المُعدمَ المسكينَ في الناسِ هالكا
أرى المُعدمَ المسكينَ في الناسِ هالكا / وما حيلةُ العرجاءِ بينَ المزاحمِ
كأن لم تكنْ حواءُ في الناسِ أمهُ / ولم يكن بينَ الناطقينَ ابنُ آدمِ
فقولوا لعبادِ الدنانيرَ ويحهمْ / ألا ذكروا يوماً عبيدَ الدراهمِ
أحقاً رأيتَ الموتَ دامي المخالبِ
أحقاً رأيتَ الموتَ دامي المخالبِ / وفي كلِّ نادٍ عصبةٌ حولَ نادبِ
وتحتَ ضلوعِ القومِ جمرٌ مؤججٌ / تسعر ما بينَ الحشا والترائبِ
وفي كلِّ جفنٍ عبرةٌ حينَ أرسلتْ / رأوا كيفَ تهمى مثقلاتُ السحائبِ
أبى الموتُ إلا وثبةٌ تصدعُ الدجى / وكم ليلةٍ قد باتها غيرُ واثبِ
فما انفلقَ الإصباحُ حتى رأيتهُ / وقد نشبتْ أظفارهُ بالكواكبِ
وكم في حشا الأيامِ من مدلهمةٍ / قد ازدحمتْ فيها بناتُ المصائبِ
هوى القمرُ الوهاجُ فاخبطْ معي السُّرى / إذ لاحَ ضوءُ الشمسِ بينَ الغياهبِ
ووطَّنَ على خوضِ المنياتِ أنفساً / تساوقها الآجالُ سوقَ النجائبِ
فهنَّ العواري استرجعَ الموت بعضها / وقصرُالبواقي ما جرى للذواهبِ
أبعدَ حكيمَ الشرقِ تذخرُ عبرةً / وما هو من بعدِ لرحيلِ بآيبِ
حثوا فوقَ خديهِ الترابَ وأرسلوا / عليهِ سحاباتِ الدموعِ السواكبِ
لتبكِ عليكِ الصحفُ في كلِّ معركٍ / إذا ما انتضى أقلامهُ كلُّ كاتبِ
فقدْ كانَ إن هزَّ اليراعَ رأيتهُ / يصولُ بأمضى من فرندِ القواضبِ
ولم يكُ هياباً إذا حميَ الوغى / ورفرفتِ الأعلامُ فوقَ الكتائبِ
وكانتْ سجاياهُ كما شاءَها الهدى / وشاءتْ لأهليها كرامُ المناقبِ
هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ
هم الناس حى يروي الأرض مدمعُ / وتاللهِ يروي آكلٌ ليسَ يشبعُ
ظُماءَةُ جوفٍ أجَّ شوقاً إلى الورى / وبعضَ الظما قد يلتظي حينَ ينقعُ
ومسغبَةٌ لا يبلغُ الخلقُ دفعها / وإن بطنَ الأحياءَ في الأرضِ أجمعُ
فيا بارئ الدنيا حنانيكَ إنما / طغى الناسُ جهلاً بالذي كنتَ تشرعُ
لكلٍّ فؤادٌ غيرَ أن طبيعةً / من الشرِّ بينَ القلبِ والقلبِ تقطعُ
وكلٌّ جرى فيهِ دمٌ غيرَ أنني / أرى الحرص طفلاً من دمِ الناسِ يرضعُ
وبينَ المنى والنفسِ للشرِّ موقفٌ / فإن لم تزعهُ النفسُ أقبلَ يسرعُ
وكل ضعيفَ الرأي منفتلُ الهوى / عن الحزمِ يمنى بالهوانِ فيخضعُ
وتاللهِ إن الذنبَ للمرءِ أهلُهُ / ففي أي شكلٍ تطبعُ الطينَ يطبعُ
وأعجبُ ما في الناسِ أن يتألموا / إذا أوجعتهم نكبةٌٌ ثم يوجعوا
وأن يخدعَ الإنسانُ غيرَ مجاملٍ / ويجزعُ إن أمسى كذلكَ يخدعُ
وفي الناسِ حقٌ ما يزالُ وباطلٌ / ولكنهم للحقِّ بالباطلِ ادعوا
لحى اللهُ دهراً شدَّ بالقوةِ الهوى / فكلُّ قويٍّ شاءَ ما شاءَ يتبعُ
وهبْ أن هذا الظلمَ كانَ سياسةً / فمن قال ان الظلمَ في الظلمِ يشفعُ
لعمركَ لو تبني السياسةُ حجرةً / بغيرِ قلوبِ الناسِ باتتْ تزعزعُ
ولو رفعوها فوقَ غيرِ ضِعافِهم / لما وجدوها آخرَ الدهرِ ترفعُ
إذا لم يكن للضعفِ حولٌ فمن إذاً / بتلكَ القوى غيرُ الضعيفِ يُفجَّعُ
حنانيكَ يا ربُّ الضعافِ فهم كما / تحملُ قيدَ الأرجلِ الضخمِ أصبعُ
وويلاهُ ما هذهِ الحروبُ ومن أرى / فقِدْماً عهدنا الوحشَ في الوحشِ يطمعُ
معايبُ إلا أن كم من فظيعةٍ / لها مصدرٌ إن ينكشفْ لكَ أفظعُ
فويجَ الورى همْ سعرُّوها وبعضهم / لها حطبٌ والبعضُ فيها موقعُ
ونقعٍ دجوجيٍّ ترى السُّحبَ فوقَهُ / لما راعها من برقهِ تتقطعُ
إذا انفرجتْ للريحِ فيهِ طريقةٌ / نجتْ وبها حَمَّى تئزُّ وتسطعُ
وإن طالعتْهُ الشمسُ تذهلُ فلا ترى / أمغربها في النقعِ أم ذاكَ مطلعُ
وقد كشفتْ تلكَ العجوزُ نقابها / وقالتْ لأهليها قفوا ثمَّ ودعوا
وألقى الردى صيحاتهِ دافعاً بها / لذاكَ فمُ الموتِ اسمهُ اليومَ مِدفعُ
على عصبةٍِ لم يظلموا غيرَ أنهم / مفاتيحُ أمَّا قيلَ أغلق موضعُ
تعاطوا كؤوسَ الموتِ في حومةِ الوغى / وذاكَ رنينُ الكأسِ بالكأسِ تقرعُ
وللهِ ما اشهى الردى بعدَ ضيقةٍ / تكونُ طريقاً للتي هي أوسعُ
كأنهم والموتُ حانَ نزولهُ / سجودٌ يخافونَ العذابَ ورُكَّعُ
كأنَّ ثيابَ الموتِ كنَّ بواليا / عليهِ وبالأرواحِ أمستْ تُرَقَّعُ
كأن الردى إذ حجلَ الجندُ حولهُ / وقد عطشوا حوضٌ من الماءِ مترعُ
كأنَّ فمَ الميدانِ أصعدَ زفرةً / من الجيفِ لملقاةِ للهِ تَضْرعُ
زلازلُ ويلٍ ما تني الأرضُ تحتها / تهزهزُ حتى أوشكتْ تتصدَّعُ
إذا نفعتْ ضرتْ وما خيرُ نعمةٍ / تضرُّ الورى أضعافَ ما هي تنفعُ
كذاكَ أرى الدنيا فتاةً شنيعةً / فإن ولدتْ جاءتْ بما هو أشنعُ
كأني بهذي الأرضِ قلباً معلقاً / وما ملكٌ إلا لهُ الحرصُ أضلعُ
كأنْ قدْ غدا الإنسانُ وحشاً فلا أرى / يعززُ إلا المرءِ واديهِ مسبعُ
وإن يأمرِ الملكِ الذي ليسَ تحتهُ / سريرٌ من القتلى يسمعُ
ولن تصبحَ الدنيا سلاماً ورحمةً / على أهلها ما دامَ في الناسِ مطمعُ
مدادُكِ في ثغرِ الزمانِ رضابُ
مدادُكِ في ثغرِ الزمانِ رضابُ / وخطكِ في كلتا يديهِ خضابُ
وكفُّكِ في مثلِ البدرِ قد لاحَ نصفهُ / فلا بدعَ في أنّ اليراعَ شهابُ
كلحظكِ أو أمضى وإن كانَ آسيا / جراحَ اللواتي ما لهنَّ قرابُ
يمجُّ كمثلِ الشهدِ مجتهُ نحلةٌ / وإن لم يكن فيما يمجُّ شرابُ
ويكتبُ ما يحكي العيونَ ملاحةً / وما السحرُ إلا مقلةٌ وكتابُ
فدونكِ عيني فاستمدي سوادها / وهذا فؤادٌ طاهرٌ وشبابُ
أرى الكفَّ من فوقِ اليراعِ حمامةً / وتحتَ جناحيها يطيرُ غرابُ
كأنَّ أديمَ الليل طرسٌ كتبتهِ / وفيهِ تباشيرُ الصباحِ عتابُ
كأنَّ جبينَ الفجرِ كانَ صحيفةً / كأنَّ سطورَ الخطِّ فيهِ ضبابُ
كأنَّ وميضَ البرقِ معنىً قدحتهِ / كأنَ التماعَ الأفقِ فيهِ صوابُ
كأنكِ إما تنظري في كتابةٍ / ذكاءٌ وأوراقُ الكتابِ سحابُ
أراكِ ترجينَ الذي لستِ أهلهُ / وما كلُّ علمٍ إبرةٌ وثيابُ
كفى الزهرَ ما تندَّى بهِ راحةُ الصبا / وهل للندى بينَ السيولِ حسابُ
وما أحمقَ الشاةَ استغرتْ بظلفها / إذا حسبتْ أنّ الشياهَ ذئابُ
فحسبكِ نبلاً قالة الناسِ أنجبتْ / وحسبكِ فخراً أن يصونكِ بابُ
لكِ القلبُ من زوجٍ ووُلدٍ ووالدٍ / وملكُ جميع العالمينَ رقابُ
ولم تخلقي إلا نعيماً لبائسٍ / فمن ذا رأى أن النعيمَ عذابُ
دعي عنكِ قوماً زاحمتهم نساءُهم / فكانوا كما حفَّ الشرابُ ذبابُ
تساووا فهذا بينهم مثلَ هذهِ / وسيَانَ معنىً يافعٌ وكعابُ
وما عجبي أنَّ النساءَ ترجّلتْ / ولكنَّ تأنيثَ الرجالِ عجابُ
أبى الجهلُ إلا أن يكونَ نساؤنا
أبى الجهلُ إلا أن يكونَ نساؤنا / رجالٌ سوانا والرجالُ نساءُ
فتلكَ نساءُ الغربِ ساوينَ غيرةً / وفقنَ رجالَ المشرقِ الجهلاءُ
وكلُّ نساءِ الشرقِ ساوينَ في الرضا / بذاكَ رجالَ المغربِ العلماءُ
وآيةُ ذلِّ النفسِ أن يحكمَ الهوى / وقد أصبحَ الشرقانِ فيهِ سواءُ