المجموع : 38
تَذَكَّرَ عَهدَ البيضِ وَهوَ لَها تِربُ
تَذَكَّرَ عَهدَ البيضِ وَهوَ لَها تِربُ / وَأَيّامَ يُصبي الغانِياتِ وَلا يَصبو
إِلى مَلكٍ يَستَغرِقُ المالَ جودُهُ / مَكارِمُهُ نَثر وَمَعروفِهِ سَكبُ
وَما زالَ هارونُ الرِضا بنُ مُحَمَّدٍ / لَهُ مِن مِياهِ النَصرِ مَشرَبُها العَذبُ
مَتى تَبلُغِ العيسُ المَراسيلُ بابَهُ / بِنا فَهُناكَ الرُحبُ وَالمَنزِلُ الرَحبُ
وَما بَعدَ هارونَ الإِمام لِزائِرٍ / يُرَجّى الغِنى جَدبٌ وَلا دونَهُ خِصبُ
لَقَد جُمِعَت فيكَ الظُنونُ وَلَم يَكُن / لِغَيرِكَ ظَنٌّ يَستَريحُ لَهُ قَلبُ
جَمَعتَ ذَوي الأَهواءِ حَتّى كَأَنَّهُم / عَلى مَنهَجٍ بَعدَ اِفتِراقِهِم رَكبُ
بَثَثتَ عَلى الأَعداءِ أَبناءَ دُربَةٍ / فَلَم تَقِهِم مِنهُم حُصونٌ وَلا دَربُ
فَما زِلتَ تَرميهم بِهِم مُتَفَرِّداً / أَنيساكَ حزمُ الرَأيِ وَالصارِمُ العَضبُ
جَهَدتُ فَلَم أَبلُغ عُلاكَ بِمدحَةٍ / وَلَيسَ عَلى مَن كانَ مُجتَهِداً عَتبُ
لَقَد قَوَّمَ الرُكبانَ مِن كُلِّ وجهَةٍ / إِلَيكَ اِتِّصالُ الركبِ يَتبَعُهُ الرَكبُ
أَلا أَيُّها المُشلي عَلَيَّ كِلابَهُ
أَلا أَيُّها المُشلي عَلَيَّ كِلابَهُ / وَلي غَير إِن لَم أُشلهن كِلابُ
رُوَيدَكَ لا تَعجَل عَلَيَّ فَقَد جَرى / بِجَريِكَ ظَبيٌ أَعضَبٌ وَغُرابُ
عَلامَ تَسدُ البابَ وَالسرُّ قَد فَشا / وَقَد كُنتَ مَحجوباً وَما لَكَ بابُ
فَلَو كُنتُ مِمَّن يَشرَبُ الخَمرَ سادِراً / إِذَن لَم يَكُن دوني عَلَيكَ حِجابُ
وَلكِنَّهُ يَمضي ليَ الحَولُ كُلّه / وَما لِيَ إِلّا الأَبيَضينِ شَرابُ
مِنَ الماءِ أَو مِن شَخبِ دِهماءَ ثَرَّةٍ / لَها حالِبٌ لا يَشتَكي وَحِلابُ
وَما لي لا أُعطي الشَبابَ نَصيبَه
وَما لي لا أُعطي الشَبابَ نَصيبَه / وَغُصناه يَهتَزّانِ في عودِهِ الرَطبِ
رَأَيتُ اللَيالي يَنتَهِبنَ شَبيبَتي / فَأَسرَعتُ بِاللَذّاتِ في ذلِكَ النَهبِ
فَإِنّ بَناتَ الدَهرِ يَخلِسنَ لِذَّتي / فَقَد جُزنَ سَلمى وَاِنتَهَينَ إِلى حَربي
وَقَد حَوَّلَت حالي اللَيالي وَأَسرَجَت / عَلى الرَأسِ أَمثال الفَتيلِ مِنَ العَطفِ
فَإِن تَضَعِ الأَيّامُ لي مِن مُتونِها / فَقَد حَمَلَتني فَوقَ كاهِلها الصَعبِ
وَموتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِن حَياتِهِ / إِذا كانَ ذا حالَينِ يَصبو وَلا يُصبي
أَأَدهَنُ رَأسي أَو تَضاعَفُ كِسوَتي
أَأَدهَنُ رَأسي أَو تَضاعَفُ كِسوَتي / وَرَأسُكَ مَعفورٌ وَأَنتَ سَليبُ
فَأُقسِمُ لا أَصبو إِلى عَيشِ لذَّةٍ / وَقَد ضَمَّ لِحيَيهِ عَلَيكَ قَليبُ
وَلا زِلتُ أَبكي ما تَغَنَّت حَمامَةٌ / عَلَيكَ وَما هَبَّت صَباً وَجَنوبُ
وَما حَمَلَت عَينٌ مِنَ الماءِ قَطرَةً / وَما اِخضَرَّ في دوحِ الأَراكِ قَضيبُ
بُكائي كَثيرٌ وَالدُموعُ قَليلَةٌ / وَأَنتَ بَعيدٌ وَالمَزارُ قَريبُ
فَلا يَفرَح الباقي خِلافَ الَّذي مَضى / فَكُلُّ فَتىً لِلمَوتِ فيهِ نَصيبُ
أَخٌ كانَ مِنّي في حِمىً لا يَحله / سِواهُ وَلا يُفضي إِلَيهِ غَريبُ
تَعَجَّبُ سَلمى مِن مَشيبِ ذُؤابَتي / وَعَمر أَبيها إِنَّهُ لَعَجيبُ
وَمِثلُ الَّذي لَو تَعلَمينَ أَصابَني / بِهِ الدَهرُ يُبلي رمّتي وَيُشيبُ
رُزِئتَ أَخاً لا يَنتَجي القَومُ دونَهُ / إِذا ضَمَّهُم يَومٌ أَصَمُّ عَصيبُ
أَبَعدَ أَخي يَصفو ليَ العَيشُ إِنَّني / إِذاً لَمضيعٌ لِلعُهودِ كَذوبُ
نَسيبُكَ مَن أَمسى يُناجيكَ طَرفُهُ / وَلَيسَ لِمَن تَحتَ التُرابِ نَسيبُ
أَضيقُ بِأَمري حينَ أَذكُرُ أَحمَداً / وَصَدري بِأَورادِ الأُمورِ رَحيبُ
نَدُبُّ وَنَنسى أَنَّنا بِمضيعَةٍ / وَلِلَّيلِ فينا وَالنَهارِ دَبيبُ
وَكُلُّ فَتىً يَوماً وَإِن طالَ عُمرُهُ / سَيُدعى إِلى ما ساءَهُ فَيُجيبُ
إِذا غابَ يَحيى عَن بِلادٍ تَغَيَّرَت
إِذا غابَ يَحيى عَن بِلادٍ تَغَيَّرَت / وَتُشرِقُ أَن يَحتَلَّها فَتَطيبُ
وَإِنَّ فِعالَ الخَيرِ في كُلِّ بَلدَةٍ / إِذا لَم يَكُن يَحيى بِها لَغَريبُ
غَريبٌ وَأَكنافُ البُيوتِ تَحوطُه
غَريبٌ وَأَكنافُ البُيوتِ تَحوطُه / أَلا كُلُّ مَن تَحتَ التُرابِ غَريبُ
وَلَيسَ حَريباً مَن أُصيبَ بِمالهِ / وَلكِنّ مَن وارى أَخاهُ حَريبُ
سَحابَةُ حُزنٍ بَعدَ هارونَ أَطبَقَت
سَحابَةُ حُزنٍ بَعدَ هارونَ أَطبَقَت / فَلَمّا بَدا وَجهُ الأَمينِ تَجَلَّتِ
تَحَبَّبَت الدُنيا بِمُلكِ مُحَمَّدٍ / وَكانَت بِمُلكِ المُرتَضى قَد تَقَلَّتِ
لَئِن بَكَت الدُنيا عَلَيهِ وَأَعوَلَت / فَبِالمُصطَفى عَن كُلِّ ماضٍ تَسَلَّتِ
أَبلِغ أَميرَ المُؤمِنينَ رِسالَةً
أَبلِغ أَميرَ المُؤمِنينَ رِسالَةً / لَها عَنَقٌ بَينَ الرُواةِ فَسيحُ
بِأَنَّ لِسانَ الشِعرِ يُنطِقُهُ النَدى / وَيُخرِسُهُ الإِبطاءُ وَهوَ فَصيحُ
مَضى اِبنُ سَعيدٍ حينَ لَم يَبقَ مَشرِقُ
مَضى اِبنُ سَعيدٍ حينَ لَم يَبقَ مَشرِقُ / وَلا مَغرِبٌ إِلّا لَهُ فيهِ مادِحُ
وَما كُنتُ أَدري ما فَواضِلُ كَفِّهِ / عَلى الناسِ حَتّى غَيَّبَتهُ الصَفائِحُ
فَأَصبَحَ في لَحدٍ مِنَ الأَرضِ مَيّتاً / وَكانَت بِهِ حَيّاً تَضيقُ الصَحاصِحُ
مَضى حينَ مَدَّ المَجدُ أَطنابَ بيتِهِ / عَلَيهِ وَأمَّتهُ الأُمورُ الفَوادِحُ
وَحينَ اِستَهانَت نَزحَ كُلِّ تَنوفَةٍ / إِلى جودِ كَفّيهِ الرِقاقُ النَوازِحُ
فَإِن سَفَحَت عَيني عَلَيهِ دُموعَها / فَقَلَّ لَهُ مِنها الدُموعُ السَوافِحُ
سَأَبكيكَ ما فاضَت دُموعي فَإِن تَغِض / فَحَسبُكَ مِنّي ما تَجنُّ الجَوانِحُ
وَما أَنا مِن رُزءٍ وَإِن جَلَّ جازِعٌ / وَلا لِاِغتِباطٍ بَعدَ مَوتِكَ فارحُ
كَأَن لَم يَمُت حَيٌّ سِواكَ وَلَم تَقُم / عَلى أَحَدٍ إِلّا عَلَيكَ النَوائِحُ
لَئِن حَسُنَت فيكَ المَراثي وَذِكرُها / لَقَد حَسُنَت مِن قَبلُ فيكَ المَدائِحُ
أَخٌ لَكَ يا اِبنَ الزَبَرقانِ عَلى العَهدِ
أَخٌ لَكَ يا اِبنَ الزَبَرقانِ عَلى العَهدِ / رَكِبتَ إِلَيهِ الجورَ وَهوَ عَلى القَصدِ
ظَنَنتَ بِهِ سوءاً وَظَنُّكَ تُهمَةٌ / يَدُلُّ عَلى أَن قَد تَحَوَّلتَ عَن عَهدي
وَما خالَطَت نَفسي لِنَفسِكَ تُهمَةٌ / وَإِن خِلتَ فَاِسأَل وُدَّ صَدرِكَ عَن وُدّي
حِبالُ الهَوى بَيني وَبَينَكَ لَم تَزَل / تَمُرُّ عَلى نَزر وَتحكمُ في العَقدِ
فَهَلّا رَدَدتَ الظَنَّ عَنكَ بِفِكرَةٍ / تَدُلُّكَ يا اِبنَ الزَبرقانِ عَلى الرُشدِ
وَلكِن أَطَعتَ الظَنَّ وَالظَنُّ مُضعفٌ / بِوُدِّكِ إِن لَم تَستَعِن بِهَوىً جَلدِ
تَعُضُّ بِأَنيابِ المَنايا سُيوفُهُ
تَعُضُّ بِأَنيابِ المَنايا سُيوفُهُ / وَتَشرَبُ مِن أَخلافِ كُلِّ وَريدِ
حَلَفتُ لَقَد أَنسى يَزيدُ بنُ مَزيدٍ
حَلَفتُ لَقَد أَنسى يَزيدُ بنُ مَزيدٍ / رَبيعَةَ مِنها فَقدَ كُلِّ فَقيدِ
فَتىً يَملَأُ العَينَينِ حُسناً وَبَهجَةً / وَيَملَأُ هَمّاً قَلبَ كُلِّ حَسودِ
سَلِ الفَجرَ عَن لَيلى إِذا طَلَعَ الفَجرُ
سَلِ الفَجرَ عَن لَيلى إِذا طَلَعَ الفَجرُ / وَعَن نَشرِ أَحزانٍ يَموتُ لَها الصَبرُ
أَراضِيَةٌ سَلمى بِما صَنَعَ الدَهرُ / وَإبعادهِ وَصلاً دَنا مَعَهُ هَجرُ
أَرَتنا اللَيالي غَدرَها بَعدَما وَفَت / وَلَم نَخشَ مِنها أَن يَكونَ لَها غَدرُ
لَيالِيَّ لا أُعصى وَأَعصي عَواذِلي / وَتَشفَعُ لي تِسعٌ تَقدَّمَها عَشرُ
سَميعٌ لِما أَهوى سَريعٌ إِلى الصبا / وَفي أُذُني عَن لَومِ مَن لامَني وَقرُ
عَواذِلُ لا يَقدِرنَ مِنّي عَلى الَّتي / تُسَيِّرُني قَصداً وَإِن كَثُرَ الزَجرُ
إِذا خِفنَ إِعناتي مَسَحنَ ذُؤابَتي / وَقُلنَ فَتىً سُكرُ الشَبابِ لَهُ سُكرُ
نَطَقنَ بِحَقٍّ بَينَ أَثناءِ باطِلٍ / سَيَأتي لَهُ عُذرٌ إِذا لَم يَكُن عُذرُ
لَنا غايَةٌ خَلفَ الشَبابِ سَتَرعَوي / عَلَيها عَلى الأَيّامِ إِن بَلَغَ العُمرُ
فَإِمّا وَحَبلُ اللَهوِ يَجذِبُهُ الصِبا / وَعُرفُ الَّذي يَأتينَهُ عِندَهُ العُمرُ
تَصَيَّدَهُ بِاللَحظِ مُذ أَشرَفَت لَهُ / عُيونُ الظِباءِ النُجلِ وَالأَوجُهُ الزُهرُ
وَتُسكِرَهُ كَأسُ الصِبا وَتُميلُهُ / وَخَمرُ الشَبابِ لَيسَ يَبلُغُها خَمرُ
وَشَرقٌ إِذا ما اِستَمطَرَ العَينَ عَبرَةً / ثَوى بَينَ أُخرى لَيسَ بَينَهُما فترُ
وَجارِيَةٍ لَم تَملِك الشَمسُ نَظرَةً / إِلَيها وَلَم يَعبَث بِجدّتها الدَهرُ
سَقيمَةُ لَحظٍ ما دَرَت كَيفَ سُقمُهُ / وَساحِرَة الأَلحاظِ لَم تَدرِ ما السِحرُ
تَظَلَّمَ لَو تُغني الظُلامَةُ خَصرُها / مِنَ الرِدفِ أَتعاباً فَما أَنصَفَ الخِصرُ
وَماجَت كَمَوجِ البَحرِ بَينَ ثِيابِها / يَجورُ بِها شَطرٌ وَيَعدِلُها شَطرُ
إِذا وَصَفَت ما فَوقَ مَجرى وِشاحِها / غَلائِلُها رَدَّت شَهادَتها الأُزرُ
وَصَلنا بِها الدُنيا فَلَمّا تَصَرَّمَت / وَأَبدى نُجومَ الشَيبِ في رَأسِهِ الشِعرُ
رَأَينا نِفارا مِن ظِباءٍ أَوانِسٍ / وَلَيسَ بِها إِلّا اِنتِقال الصِبا نَفرُ
رَأَينَ فَتىً غاضَت مِياهُ جَمالِهِ / وَأَيبَسَ مِن أَغصانِهِ الوَرَقُ الخُضرُ
وَكانَ الصِبا بَينَ الغَواني وَبَينَهُ / رَسولاً لَهُ النَهيُ المُحَكَّمُ وَالأَمرُ
سَلامٌ عَلَيهِنَّ الشَبابُ مَراحَةً / رَواحِلُهُ وَالأُنسُ في عَهدِهِ قَفرُ
إِلَيكَ وَلِيَّ العَهدِ أَلقَت رِحالَها / طَلائِحُ قَد أَفنى عَرائِكَها السَفرُ
حَداها سُهَيلٌ فَاِستَمَرَّت دَريرَة / إِلَيكَ وَقادَتها المَجَرَّةُ وَالنَسرُ
إِلى اِبنِ أَميرِ المُؤمِنينَ وَمَن لَهُ / مُشابِهَةٌ لِلشَّمسِ يَتبَعُها البَدرُ
إِذا ما عَدِمنا الفَجرَ خُضنا بِوَجهِهِ / دُجى اللَيلِ حَتّى يَستَبينَ لَنا الفَجرُ
مُلوكٌ بِأَسبابِ النُبُوَّةِ طَنَّبوا / بُيوتَهُم فَاِستَحكَمَت مَرَّةً شَزرٌ
فَطاعَتهُم نورٌ وَعِصيانُهُم دُجىً / وَحُبُّهُم دينٌ وَبُغضُهُم كُفرُ
حَبانا أَميرُ المُؤمِنينَ بسائِسٍ / عَلى وَجهِهِ سيما الطَلاقَةِ وَالبِشرُ
بِمُستَقبلٍ في مُلكِهِ وَشَبابِهِ / أَنافَ بِهِ العِزُّ المُؤَيَّدُ وَالقَدرُ
عَلَيهِ جَلالُ الكِبرِياءِ وَما لَهُ / سِوى هَيبَةٍ يَسمو النَوالُ بِها كِبرُ
مِنَ الجَوهَرِ المَخبورِ في السوم قَدرُهُ / يَزيدُ قُلوبَ الناسِ عَجباً بِهِ الخَبرُ
كَريحِ الخُزامى حَرَّكَت نَشزَها الصبا / تَزيدُكَ طِيباً كُلَّما زادَها النَشرُ
وَما اِمتَنَعَت مِن عَهدِهِ نَفسُ مُسلِمٍ / بِشَرقٍ وَلا غَربٍ أَتاها لَهُ ذِكرُ
مِنَ الذَهَبِ الإِبريزِ صيغَ وَإِنَّما / مِنَ الطينَةِ البَيضاءِ يُستَخلَصُ التِبرُ
لَقَد نَطَقَت أَيّامُكُم بِفَخارِكُم / فَأَغنَتكُم مِن أَن يَفوهَ بِها الشِعرُ
إِذا اِفتَخَرَت قَيسٌ بِطيبِ العَناصِرِ
إِذا اِفتَخَرَت قَيسٌ بِطيبِ العَناصِرِ / عَلى الناسِ طَأطَأَ رَأسَهُ كُلُّ فاخِرِ
هُم صَدَعوا بِالحَقِّ حَتّى تَنَفَّسَت / أُنوفُ المُلوكِ وَهيَ خَشمُ المَناخِرِ
أَجرّتكَ قَيسٌ مِن عنانِكَ فَضلَةً / فَكُن لِعَنانِ الظُلمِ أَوَّلَ قاصِرِ
تَوَقَّ سُيوفاً قَد أَتَتكَ ظُباتُها / مَقاديرُها مَوصولَةٌ بِالمَقادِرِ
فَلَو كُنتَ بَينَ الأَبيَضَينِ تَناوَلَت / نِياطَكَ أَطرافُ السُيوفِ البَواتِرِ
وَلَو أَنَّ قَيساً لَو أَرادَت شَرارَةً / لِقَومٍ أَبانَتهم عَلى ظَهرِ طائِرِ
هُم يُطعِمونَ الوَحشَ مِن كُلِّ مُترَفٍ / وَيَسقونَ ظَمَأَ البيضِ ماءَ الحَناجِرِ
لَقَد سَرَّني مِن ذي اليَمينَينِ طاهِرٍ
لَقَد سَرَّني مِن ذي اليَمينَينِ طاهِرٍ / تَجاوُزهُ بِالعَفوُ عَن كُلِّ غادِرِ
أَتى مِن طُلوعِ الشَمسِ كَالشَمسِ أَطلَعَت / لَنا وَجهَها الأَعلى عَلى كُلِّ ناظِرِ
كَأَنَّ سُتورَ الغَيبِ وَهيَ حَصينَةٌ / تكَشّفُها لِلخَطِّ آراءُ طاهِرِ
سَما لِمُلوكٍ جَوَّرَ اللَهُ فِعلَهُم / لما اِجتَرَموا وَاللَهُ لَيسَ بِجائِرِ
وَفَتَّحتِ الدُنيا لَهُم شَهَواتهِم / وَزَيَّنَ ما فيها لَهُم كُلُّ فاخِرِ
إِذا اِستَتبَعَتهُم نِعمَةٌ في طَريقِها / أَزَلَّهُمُ عَنها رُكوبُ الجَرائِرِ
فَإِن عوتِبوا فيها أَحالوا بَدينَهُم / عَلى ما تُواتيهِ صُروفُ المَقادرِ
مُلوكٌ أَرادَت أَن تَجدَّ حِبالَها / مِنَ اللَهِ تَعساً لِلجُدودِ العَواثِرِ
أَمَسَّتهُم الدُنيا بِهِ مِن عَذابِها / وَأَظهَرَ مِنهُم كامِنات السَرائِرِ
فَلَم تَبكِ دُنيا فارَقوها عَلَيهِم / وَلا بِهِم سُرَّت بُطونُ المَقابِرِ
وَأقسِمُ لَولا طاعَةٌ طاهِرِيَّةٌ / مُحَبَّتُها مَخلوطَةٌ بِالضَمائِرِ
إِذا ثَوَّبَ الداعي بِها زَعزَعَت لَهُ / مُتونَ القَنا الخَطّيِّ بَينَ العَساكِرِ
لَغالَت بَني العَبّاسِ وَالمُلكَ دَعوَةٌ / مُفَرَّقَةُ الأَنسابِ بَينَ العَشائِرِ
فَأَردى عداهُم بِالرُدَيني طاعِناً / وَكُلُّ رَهيفِ الحَدِّ لِلضَّربِ باتِرِ
يَلينُ إِذا ما مَسّتِ الكفّ صَقلَهُ / وَيَخشُنُ في مَسّ الطلى وَالأَباهِرِ
فَأنفَذ حُكمَ اللَهِ فيما أَرادَهُ / وَما مَعَ حُكمِ اللَهِ أَمرٌ لِآمِرِ
بِخَيلٍ يَحارُ الطَرفُ في جَنَباتِها / أَوائِلُها مَشفوعَةٌ بِالأَواخِرِ
فَقُل لِرِجالِ الدَولَتَينِ أَلا اِفخَروا / بِطاهِرِ العالي عَلى كُلِّ فاخِرِ
سَلَبتَ رِداءَ المُلكِ ظالِم نَفسِه / وَصُنتَ الَّذي وَلّاكَ قَصمَ الجَبابِرِ
وَلَم تَظلِم المَخلوعَ شَيئاً وَلا الَّذي / عَلَوتَ بِذِكراهُ فُروعَ المَنابِرِ
فَطَأطَأتَ أَعناقاً وَكانَت رَفيعَةٌ / تُجاوِزُ أَبراجَ النُجومِ البَواهِرِ
وَقَد كانَ أَشهادٌ عَلى الشَرطِ مودِعٌ / بِبَيتِ الحَرامِ وَالصَفا وَالمَشاعِرِ
فَرامَ الأَمينُ النَقضَ فالِتات أَمرُه / بِرَأيِ غُواةٍ فيهِ بادٍ وَحاضِرِ
تُراثٌ لِدينِ اللَهِ أدركَ ثَأرها / عَلى عِزِّ دينِ اللَهِ أَكرَمُ ثائِرِ
فَلَمّا قَضى النَحبَ العِراقيَّ عاجَها / إِلى نَحبِهِ بِالشامِ قَبَّ الخَواصِرِ
أَقولُ وَقَد خيلت لَدَيهِم خُيولُهُ / لِكَثرَتِها سِربَ القَطا المُتَبادِرِ
عَلَيكُم بِأَسبابٍ يَشدُّ مُتونَها / إِذا جَذَبتها الحَربُ قَتلَ المَرائِرِ
خُذوا العُروَةَ الوُثقى مِنَ الأَمرِ تَرشُدوا / وَلا تَشرُدوا عَنها شُرودَ الأَباعِرِ
وَخافوا مِنَ السُلطانِ بادِرَ أَمرِهِ / فَلَن يَملِكَ المُحتاطُ رَجعَ البَوادِرِ
لَقَد ذَكَّرَتني الدارمِيّة دورُها
لَقَد ذَكَّرَتني الدارمِيّة دورُها / وَإِن شَحَطَت عَنها وَبانَ دُثورُها
كَأَنَّ رُسومَ الدارِ بَعدَ أَنيسِها / صَحائِفُ رُهبانٍ عَوافٍ سُطورُها
وَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَفظَع في الهَوى / مِنَ اليَومِ سارَت فيهِ عِيري وَعيرُها
غَدَت بِهِمُ ريحُ الشَمالِ فَأَنجَدوا / وَراحَت بِنا نَحوَ العِراقِ دُبورُها
وَذَكَّرَني العَيشَ الَّذي قَد تَصَرَّمَت / بَشاشَتُهُ أَطلالُ سَعدي وَدورُها
لَياليَّ سُعدى لا تَزالُ تَزورُني / عَلى رِقبَةٍ مِن أَهلِها وَأَزورُها
وَإِذ أَنا مِثلُ الغُصنِ يَنآدُ في الثَرى / وَيَسمو بِأَغصانٍ يَرف نَضيرُها
وَيَلقى عُيونَ الغانِياتِ بِسُنّةٍ / يحارُ إِذا ما واجَهتهُ بَصيرُها
وَما زالَ صَرفُ الدَهرِ يَصدُعُ بَينَنا / بِأَمرِ النَوى حَتّى اِستَمَرَّ مَريرُها
أَلا لَيتَ أَيّامي بِبرقَةِ مُعتقٍ / تَعودُ لَياليها لَنا وَشُهورُها
وَغُزلانِ أُنسٍ قَد حَكَت لي عُيونها / عُيونُ المَها تَحويرُها وَفُتورُها
إِذا جاذَبَت أَردافُها في قِيامِها / أَعالِيَها مالَت عَلَيها خُصورُها
رِقاقُ الثَنايا مُرهفاتٍ بُطونُها / وَمَملوءَةٍ أَعجازُها وَنُحورُها
أَتَتكَ المَطايا بَعدَ خَمسينَ لَيلَةً / تُصيبُ الهُدى أَعيانُها وَنُحورُها
يُنازِعُ أَعنانَ السَماءِ صُعودُها / إِلَيكَ وَعيطانُ الهُضومِ حُدورُها
وَإِن واجَهَت هَولاً مِنَ اللَيلِ لَفّها / عَلى جانِبَيهِ عَزمُها وَجُسورُها
وَهانَت عَلَيهِ الأَرضُ يَومَ بَعَثتُها / إِلَيكَ اِبنَ يَحيى سَهلُها وَوُعورُها
عَلى كُلِّ فَتلاء الذِراعَينِ زادُها / إِذا ما رَحَلنا كورُها وَجَريرُها
يَكادُ إِذا ما حَرَّكَ السَوطَ رَبُّها / لِأَمرٍ وَإِن لَم يُعنِها يَستَطيرُها
فَإِن تَستَرِح مِن طولِ إِدلاجِنا بِها / إِلَيكَ فَقَد كانَت قَليلاً فُتورُها
عَلى ثِقَةٍ بِالمَنزِلِ الرَحبِ وَالغِنى / لَدَيكَ وأَحواضٍ غِزارٍ بُحورُها
لَنِعمَ مُناخُ الراغِبينَ إِذا غَدَت / شَمالٌ يُزَجّي مرّها زَمهَريرُها
وَأَضحَت كَأَنَّ الريطَ بيضٌ تَقَنَّعَت / بِهِ أَرضُها بَطناً بِها وَظُهورُها
وَنِعمَ مُناخُ المُستَجيرِ بِجودِهِ / لِفَكِّ رِقابٍ لَم تَجِد مَن يُجيرُها
وَنِعمَ المُنادى بِاِسمِهِ حينَ تَلتَقي / صُدورُ القَنا وَالحَربُ تَغلى قُدورُها
بِهِ اِلتَأَم الصَدعُ الشَآمِيُّ وَاِلتَقَت / قَبائِلُ قَد كانَت شَتاتاً أُمورُها
فَأَطفَأَ ناراً قَد عَلا لَمَعانُها / فُروعَ البِلادِ وَاِستَطارَ سَعيرُها
رَأَيتُ اِبنَ يَحيى في الأُمورِ إِذا اِلتَوَت / يُشيرُ عَلى الجُلّى وَلا يَستَشيرُها
غَنِيٌّ بِفَضلِ الحَزمِ عَن رَأيِ غَيرِهِ / يُسدّي الأُمورَ نَحوَها وَيُنيرُها
أَبَت نَفسُ يَحيى أَن يُدَبِّرَ دَولَةً
أَبَت نَفسُ يَحيى أَن يُدَبِّرَ دَولَةً / تَزولُ أَواخيها وَيَفنى سُرورُها
وَلَمّا رَأى الأَيّامَ تَنقُصُ مَرَّةً / وَتَثقُلُ أُخرى وَهيَ واهٍ مَريرُها
تَجافى عَنِ الدُنيا وَقَد فَتَقَت بِهِ / حَواضِرُها وَاِستَقبَلتُهُ أَمورُها
سَلِ الراكِبَ المَوفى عَلى الجِذعِ هَل رَأى
سَلِ الراكِبَ المَوفى عَلى الجِذعِ هَل رَأى / لِراكِبِهِ نَجماً بَدا غَيرَ أَعوَرِ
وَلَو كانَ نَجمٌ مُخبِراً عَن مِنيَّةٍ / لَأَخبَرَهُ عَن رَأسِهِ المُتَحَيِّرِ
يُعَرِّفُنا مَوتَ الإِمامِ كَأَنَّهُ / يُعَرِّفُنا أَنباءَ كِسرى وَقَيصَرِ
أَتُخبِرُ عَن نَحسٍ لِغَيرِكَ شُؤمُهُ / وَنَجمُكَ بادي الشَرِّ يا شَرَّ مُخبِرِ
إِذا مَرِضَ القاضي مَرِضنا بِأَسرِنا
إِذا مَرِضَ القاضي مَرِضنا بِأَسرِنا / وَإِن صَحَّ لَم يسمَع لَنا بِمَريضِ
فَأَصبَحتُ لَمّا اِعتَلَّ يَوماً كَطائِرٍ / سَما بِجَناحٍ لِلنُّهوضِ مَهيضِ
أَرى بارِقاً نَحوَ الحِجازِ تَطَلَّعا
أَرى بارِقاً نَحوَ الحِجازِ تَطَلَّعا / تَحَدَّر في شَرقِيّها وَتَرَفَّعا
أَماتَ وَأَحيا أَنفُساً بِوَميضَهِ / سَقى اللَهُ مَغناهُ وَإِن كانَ بَلقَعا
أَلا أَيُّها الربعُ الَّذي قَسمَ البِلى / بَقِيَّة مَغناهُ رُسوماً وَأَربُعا
لَئِن سَلَبَتكَ الريحُ فينانَ عيشَةٍ / لَقَد كُنتَ مَنشورَ الذَوائِبِ أَرفَعا
لَقَد هَلهَلَتكَ الريحُ حَتّى كَأَنَّما / كَسَتكَ مِنَ الإِبهاجِ ثَوباً مُضَلَّعا
فَنادَت بِكَ الأَيّامُ أَن لَستَ راجِعاً / وَصاحَ البلى في جانِبَيكَ فَأَسمَعا
وَيا حَسرَةً أَدَّت إِلى القَلبِ لَوعَةً / فَلَم أَستَطِع لِلهَمِّ إِذ جاشَ مَدفَعا
حَبيبٌ دَنا حَتّى إِذا ما تَطَلَّعَت / إِلى قُربِهِ الأَعناقُ بانَ فَوَدَّعا
فَكانَ كَلَمعِ البَرقِ أَومَضَ ضوؤُهُ / فَلَمّا خَفا الأَلحاظَ سارَ فَأَسرَعا
وَلَم أَرَ مِثلَينا غَداةَ فِراقِنا / مودعَ أَلفٍ لَم يَمُت وَمُودَّعا
وَما زالَتِ الأَيّامُ تَدخُلُ بَينَنا / وَتَجذِبُ حَبلَ الوَصلِ حَتّى تَقَطَّعا
سَأَرتادُ لِلحاجاتِ عيساً شَمِلَّةً / تَغولُ حِبالاً عِندَ شَدٍّ وَأَنسعا
وَلَيسَ لَها مِن مَقصَدٍ دونَ جَعفَرٍ / وَإِن لَقيت عَذباً رِواءً وَمَربَعا
هُوَ الغَيثُ مِن أَيِّ الوُجوهِ اِنتَجَعتَهُ / وَجَدتَ جَناباً مُستَطاباً وَمَشرَعا
فَلا سِعَةُ الأَموالِ تَبلُغُ جودَه / وَلا ضيقُها يَنهاهُ أَن يَتَوَسَّعا