القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : التِّهامي الكل
المجموع : 38
أَلَمَّ وَلَيلي بِالكَواكِبِ أَشيب
أَلَمَّ وَلَيلي بِالكَواكِبِ أَشيب / خَيالٌ عَلى بُعدِ المَدى يَتأوَّبُ
أَلَم وَفي جفني وَجفن منصلي / غَراران ذا نوم وَذاك مشطَّبُ
أَعاصي الهَوى في حال نَومي وَيقظَتي / فَسَيّان عِندي وَصلها وَالتَجنُّبِ
لَحا اللَهَ قَلبي مالَه الدَهرَ عاكِفاً / عَلَيها ومن شأنِ القلوبِ التَقلُّبِ
ثوى برهة في ثاية الحيِّ وانبروا / فَوَلَّوا بِهِ في جانِب الظَعنِ يَجنُبُ
لَها مقلة في رؤيةِ العَينِ مُقلَةٌ / وَإِن جَرِّبت فَهي الحُسامُ المُجَرَّبُ
وَأَسودها في القَلبِ أَسود سالِخٍ / وَأَبيضها في الجسم أَبيَضُ مقضَبُ
وَما سُقمُ جفنيها بِضائِرِ طرفها / إِذا صَحَّ غرب السَيف فالجفن يَعطُبُ
وَتصمي قلوب العاشِقين إِذا رَمَت / فَلَيسَ لَها سَهمٌ إِذا مَرَّ يَكذب
وَيرشقها الرامي بِلحظَةِ طرفِهِ / وَيحسب أَنَّ السهمَ يَنمي فَيُنكَبُ
فَيرجَع عَنها ناكِصاً غَيرُ صائِبٍ / وَهَيهاتَ أَن يُردى الجَبانُ المُهَيَّبُ
وَلَم أَنسها تصفرُّ من غربة النَوى / كَما اصفرَّ وجه الشَمس ساعَة تغربُ
فَقَد شفَّ مِن تَحتِ البَراقِعِ وجهها / كَما شَفَّ مِن تَحتِ الجَهامَةِ كَوكَبُ
يبين وَيخفي في السَرابِ كَأَنَّها / سَنا دُرَّة في البَحرِ تَطفو وَتَرسُبُ
وَوَلَّت وَقَد حف الحسانَ بِها كَما / أَخاط بِسَفعاء المَلاطِمِ ربرَبُ
فَلَمّا أَتوا رَوضاً يَرُفُّ تَبَسَمَّت / أَقاحيه فيهِ استَبشَروا ثُمَّ طَّنُبوا
وَضاحكن نَّوار الأَقاحي فَقالَ لي / خليليَّ أَي الأَقحوانين أَعجَبُ
فَقُلتُ لَهُ لا فَرق عِندي وَإِنَّما / ثغور الغَواني في المَذاقَة أَعذَبُ
أَلَم ترني أَصبَحتُ مِمَّن يَروقُهُ / سِنانٌ خَضيب لا بِنان مُخَضَّبُ
يُساعِدني في الرَوع أَبيَض صارِمٍ / وَفي ثغر المَوماة وَجناء ذَعلبُ
أَظَلُّ بِأَجواز الفَلاة كَأَنَّني / عَلَيها عِقاب وَهيَ تَحتيَ مرقب
وَتشكل أَغفال الطَريقِ بحمرَةٍ / مِنَ الدَمِ في أَخفافها حينَ تَنقُبُ
وَإِنّي وَإِن أَصبَحتُ بِالشامِ ثاوِياً / أَحِنُّ إِلى أَرضُ الحِجازِ وَأَطرَبُ
إِذا شَبَّ نار الوَجدِ ما بَينَ أَضلُعي / فَأنّي بِسلوان القَريضِ أَشبِبُ
محبَّبة نَحوي تِهامَةَ مِثلَما / إِلى هبة اللَهِ العَلاء مُحبِبُ
ديار يَطيب العَيش فيها وَإِنَّهُ / لَدى ابن عَليِّ إِن تَأملَت أَطيَبُ
حُسام لَهُ مِن حيث ما شيم مضربُ / غَمام لَهُ من حيث ماشيم صَيِّبُ
لَقَد أَنجبتُ أَباؤُهُ إِذ أَتَت بِهِ / وَكَم مِن نَجيبٍ سَيِّد لَيسَ يُنجِبُ
الأئِمَّةُ في الجودِ لا تعدَلَّنه / عَلى طَبعِهِ فَالطَبعُ أَولى وَأَغلَبُ
لَهُ غِرَّة لِلبشر فيها تَرَقرُق / ترحب بِالعافين قَبلَ يرحِّبُ
وَلَم يَستَفِد بِالمَدحِ ما لَيسَ عِندَهُ / وَهَل يَنفَعُ التَجميل من هو أَشهَبُ
بَل المَدحُ يَنبو عَنهُ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاه يُهجى بِالمَديح وَيُثلَبُ
يَنوطُ نَجادي رَأيه وَحُسامِهِ / بصدر كَمِثلِ البَرِّ بَل هوَ أَرحَبُ
فَيفري بِسَيفِ البأسِ وَهوَ مُجَرَّدٌ / وَيفري بِسَيفِ الرأيِ وَهوَ مُغَيَّبُ
وَيرهِبُ حالي عَبسَهُ وابتسامُهُ / إِذا ابتَسَم الصِمصام فَهوَ مُقَطِّبُ
يَرُدُّ أَديم الأَرضِ أَشقَر مِن دَمٍ / إِذا لَفَّهُ بِالخَيلِ أَشقَر مُغرَبُ
أَغَرَّ كَأَنَّ الوَجهَ مِنهُ مُفضَّضٌ / وَما قارب الأرساغِ وَالكُلُّ مذهَبُ
يَعومُ بِهِ في غمَرةِ الحَربِ سابِحٌ / يُقَرِّبُ بُعدَ الهم حينَ يقربُ
وَيصدق في الهامات إِيماض سَيفِهِ / عَلى أَنَّ إِيماض الصَوارِم خُلَّبُ
كَأَنَّ سِنان الرُمح سِلكٌ بِكَفِّهِ / وَجمع أَعاديهِ الجُما المثقَّبُ
وَيَكشف غَمّاءَ الخطوبِ بِنَفسِهِ / لَدى النَقعِ وَالهَيجاء بالهامِ تحصُبِ
فَتَنظُرُهُ كالنَجم في حَومَةِ الوَغى / وَقَسطلها مِن شِدة الرَكضِ غيهبُ
وَتَشكره أَقلامه ساعَة الرِضى / وَتشكره أَرماحِهِ حينَ يغضبُ
لَهُ قَلمٌ فيهِ المَنِيَّةُ وَالمُنى / وَمِنهُ العَطايا وَالرَزايا تشعُبُ
إِذا كانَ في يُمناهُ نابَ عَن الظُبى / وَهَل يَنثَني في أصبع اللَيثِ مِخلَبُ
تريك المَعالي أَنَّ وفدك مُحسِنٌ / إِلَيكَ وَما تَحوي يَمينك مُذنبُ
فَكَم طَيبٍ تُغني وَعَلياء تَقتَني / ومكرمة تؤوي وَمال تُغرِّبُ
أَبا قاسم قلدتني مِنكَ أَنعُماً / أُقصِّرُ عَن شُكري لَها حينَ أَطنَبُ
وَلَو كانَ لي في كُلِّ مَنبَتِ شَعرَةٍ / لِسانٌ فَصيحٌ عَن مَديحك يُعرَبُ
فَعِش عمرَ هَذا فيكَ فَأَنَّهُ / سَيَبقى إِلى يَوم المَعادِ وَيكتب
أَرى الشِعبَ فانظر دونَهُ هَل هَوَ الشِعبُ
أَرى الشِعبَ فانظر دونَهُ هَل هَوَ الشِعبُ / وَذا السرب فانظُر عِندَهُ هَل هيَ العُرُبُ
فأن أَنتَ آنَستَ الأَوانِس فاحتَرِز / لَهُنَّ فَكَم صالَت عَلى اللَتم الصَعب
وَحد عَن مَجال اللَحظِ بِاللحظ إِنَّها / إِذا عاهَدَت غَدرٌ وَإِن سالَمتَ حَربُ
ظِباءٌ إِذا شمنَ الظُبى مِن جُفونِها / تَعوَّدَ قَبلَ الضَربِ فيها الفَتى الضَربُ
صَوارِم وَالألحاظُ مِنها صَوارِم / فَهَذي بِلا وَصل وَهاتَيك ما تَنبو
وَما دامَ ذاكَ الحيُّ جارٌ لِحَيِّنا / فَدونَ حِجاب القَلبِ ما ضَمَّت الحُجُبُ
أَأَحبابنا في وَصلِكُم وَبِعادكم / رَجاء وَخَوف هام بَينَهُما القَلبُ
وَإِنّي لألتَذُّ التَجَنّيَ في الهَوى / واعتَدُّ للأسعاف ما ساعف القَربُ
عَلى أَنَّهُ لا يَدخُل البَينُ بَينَنا / فَتَعذيبكم إِلّا بِهِ في الهَوى عَذبُ
وَقَد كُنتُ أَعطَيتُ الهَوى فَصل مَقودي / وَأَسخَطَت عَذّالي فَهَل رَضي الحِبُّ
إِلّا أَيهذا الراكِبُ المزمِعُ الَّذي / دَعاهُ المُحَيّا الطَلقُ وَالموضِعُ الرَحبُ
أَراكَ رَجوتُ العرف مِن حيث تَرتَجي / لَهُ فَهَداكَ العَرف حَيثُ اهتَدى الرَكبُ
عَلى لاحب لَم يَعرِفوا نَصَبَ السُرى / بِحَيث ابن مَحمود حَميد لَهُم نُصُبُ
بِحيث الجَواد الجعد يَستَرفِد النَدى / بِما لَم يَرد معن عَلَيهِ وَلا كَعبُ
بِحَيث الأَمير السالميُّ الَّذي غَدَت / تَذُلُّ لَهُ صَعَب الجَماجِمِ وَالقُضُبُ
بِحيث النَدى لَو جادَت السُحب جودَهُ / عَلى الأَرضِ لَم يذكر بِساحتِها جدبُ
وَيَحتَقِر الهول الَّذي لَو تَمَثَّلَت / لَهُ الأَرض حَرباً ما ثَنَت شأوه الحَربُ
فَتىً حَلَّ مِن قَحطان مَجداً تَلألأت / كواكِبُهُ فاشتاقها الشَرقُ وَالغَربُ
وَما طيىء الأَجيال إِلّا صَواعِقٌ / لِذا الفلك الدَوار وَهوَ لَها قُطبُ
وَآل أَبي الذَوّادِ حسبك أَنَّهُم / إِذا استَنفَروا حَرب أَو انتَجَعوا سُحُبُ
أَو استرفَدوا أَعطوا أَو استَغفِرواعفوا / أَو استُنهُضوا قاموا أَو استَصرَخوا هَبّوا
أَكفهم سبط وأَعراضِهِم حمىً / وَأَحلامهم طود وَأَموالهم نَهبُ
وَأوجههم سعد وَلَكن سيوفهم / إِذا امتَشَقَت أَودَت بِسَطوَتِها الغُلُبُ
شُموسٌ كأَنَّ الأَرضَ حَيثُ تَدَبَّرَت / لَها أُفُقٌ وَالشَرقُ إِذ شَرَقَت غَربُ
لِشبّانِهِم حلم الكهول وَشيبهم / عَلى كُل جَد مُقبِل في العُلى رتبُ
وَتلقى المَعالي وَالسماحُ وَليدَهم / فَيَسمو كَما يَسمو وَيَحبو كَما يَحبو
وواسِطة العقد اليَمانيِّ في النَدى / حميد بن مَحمود وَنائِله العَذبُ
أَيا طيباً غَوث العُفاة دعاكَ مَن / مَوارده رتقٌ وَأَيَّامُهُ إِلبُ
وَمِن كُل ما قَلَّ امرىء شكر نِعمة / حَداه لِسان بِالثَنا فيكِم رَطبُ
تَركتُ بِلادَ الشام رَهن مَكارِمٍ / أَضاءَت لَها تِلكَ السَباسِبُ وَالهضبُ
فَلَو أَنَّها اسطاعَت أَتَتكَ وَأَهلِها / فَقَد شفها شَوقاً إِلى ربعك الحُبُّ
وَلَكِنَّها تَطوي مِن الشَوقِ مُهجَة / عَلى زَفَراتٍ ما زَوَت نارَها تَخبو
فَيَقدِم بِالمثنى إِلَيكَ هَدِيَّةً / كَما يَتَهادى الراتِعَ الماءُ وَالعُشبُ
قفوا جددوا عَتباً عَلى مَن لَهُ العَتبُ
قفوا جددوا عَتباً عَلى مَن لَهُ العَتبُ / فَكَم راغِب في الصَفحِ مِمَّن لَهُ ذَنبُ
قفوا عَرِّجوا عُوجا عَلى ذي صَبابَةٍ / بِأَحشائِهِ نارٌ تأَجَّجُ لا تَخبو
حمى النَومَ عَن عَينيَّ ذكرُ ظِبا الحِمى / فَبانَ الكَرى عَنها وَلَم يَبِن السَكَبُ
ألا في سبيل اللَهِ دَهرٌ فُجعتَه / تُباكِرُني فيهِ المُدامَةُ وَالشُربُ
وَعَيرانَةٍ زَيّافَةٍ تَحذف الحَصى / غَريرية يَغتالها القيد وَاللَصبُ
طَواها الرَدى واجتاحها لازم السُرى / فَلَم يُبقِ فيها لا عَنيقٌ ولا جَذبُ
قطعت عَليها بالدياجي وَبالضُحى / وَفي حومَةِ التَهجيرَ والآلِ مُنصَبُّ
إِلى بَلَدٍ عزت لِعز مُلوكِهِ / مُلوك البَرايا وَالأَعاجِمُ وَالعربُ
بِهِ طيىء طالَت عَلى مُضَرٍ وَلَن / يَقوم لَها في الحَربِ تَغلبها الغلبُ
أَشادَ لَها مَجداً تَليداً مؤَيَّداً / وَشرفهُ الخِرصانُ وَالمرهف العَضبُ
وُجوداً نسينا حاتِم الجود عِندَهُ / وَعَمرو وَلَو تُحصيهِ لَم تَسَع الكُتب
إِذا فَزِعَت أَفراسه نَحوَ جَحفَلٍ / تُقدَّمها الأقبالُ وَالخَوفُ وَالرُعبُ
وَإِن بَّيَتَ الأَعداء أَمراً رَماهُمُ / صَباحاً بَخيلٍ لا تُرَدُّ وَلا تَكبو
عَلَيها رِجالٌ طَيئونَ إِذا اعتَزوا / فَمعنٌ أَخاً وَالخال أَكرِم بِهِ كَعبُ
سَرى بِهُمُ نَحوَ السَراةِ وَقَد طَغوا / وَساقوا إِمام الدينَ وَهوَ لَهُم قطبُ
فَصَبَّحهُم في دارِهِم شَرَّ صُبحَة / عَلَيهم وَقَد وآلاهُمُ الطَعن وَالضَربُ
أَبادَ حُماةَ القَومِ وَاجتاحَ أَرضَهُم / وَلَولاهُ لَم يَطرِق لمعقلِهِم خَطب
وَقَد عَلِمَ المَولى الإِمام بِأَنَّهُ / أَخو عزمة خدامها السبعة الشُهُبُ
بِحَبلِ أَبي الذواد أَصبَحتُ مُمسِكاً / وَحَسبي بِهِ أَن كانَ يَنفَعَني الحَسبُ
أَذادَ الرَدى عَنّي تتابع رفده / وَأَرغَم حُسّادي حباه الَّذي يَحبو
فَأَصبَحت في نُعماهُ غادٍ وَرائح / تَروحُ بيَ الوجنا وَتَغدو بيَ الصُهُبُ
أَمّا آن يُغنيني عَنِ الناسِ كُلِّهِم / فَلَم يَبقَ فيهِم مِن بِجُثمانِهِ قَلب
وَلا سُلكت سُبلُ السَماحِ وَلا اهتَدى / إِلى نَهجِ الأَفضالِ في شامنا نَدبُ
فَكُن أَوحَداً في المَجدِ يا نَجلُ دُغفُلِ / فَأَنتَ وَحيدٌ لا تَضَلُّ وَلا تَصبو
بَقيتَ أَبا الذَوادِ لِلملك وَالعُلى / ومن كنت تَشناه يباكِرُهُ الصَلب
فَدونكها مِن شاعِرٍ لَكَ ناشِر / مناقِب طي حَيثُ لا ينشر الثَلبُ
قَوافٍ زَهَت لَمّا بِمَدحِكَ وُشِّحَت / عَلى الدُرِّ وَالياقوتِ فَهيَ لَها قُلُبُ
إِذا أَنشَدَت في نادِ قَومٍ أَكارِمٍ / يَخِرّونَ للأَذقانِ إِن ذكر الرَبُّ
خَليليَّ قَد طالَ الكَرى بِكُما هُبّا
خَليليَّ قَد طالَ الكَرى بِكُما هُبّا / فَقَد مَرَّ ريعان القطا بِكُما سِربا
وَرَقَّت حَواشي اللَيل واعتَلَت الدُجى / وَعادَ النَدى تندى مَدامِعه صَبّا
كَأَنَّ السُرى وَالصُبحُ يَرقُصُ بِالفَتى / فُؤاد جَبانٍ فوجىء الخَوفُ وَالرُعبا
كَأَنَّ السَما خَرقاء ضوعف زَهرُها / فَفَرَّت كماماً عَن تَرائِبها كَربا
أَثائِرَة بِاللَيلِ أَم هوَ ثائِرٌ / فَقَد سَلَّ في أَعلى مَفارِقِهِ عضبا
أَطيف خَيال العامِريّة خَلِّني / فأن المَعالي ظل أَقسامها نَهبا
وَرُبَّة عسف كان أَنجَح لِلفَتى / وَما عَزَّ أَنف اللَيثِ إِن لَم يَنَل غَصبا
وَقائِلَةٍ ما أَنسَ لا أَنسَ قَولها / وَقَد نَثَرَت مِن جِفنها لؤلؤاً رَطِبا
عذيرك مِن مَفجوعَة قَد تَرَكتُها / لِصَرف الرَدى مِن غَيرِ جُرمٍ لَها نَصبى
أَما ملك مِن دونِ قُرواش في الوَرى / تَنالُ بِهِ مِن عتب أَيّامِكَ العَتبا
فَقُلتُ وَقَد قامَت وَأَطراف جَفنِها / بردني وَدَمعي مِثلَ أَدمعها سَكبا
ذريني أَشِمُّ أَنواءه ثُمَّ كاثِري / بِمالِك حاشا جودِهِ القطر وَالسُحبا
هِمام مَعاذ اللَهِ لَو مد العِدى / إِلى الشَمسِ إِكراماً لَها لَزَهَت عُجبا
تَرى حَولَهُ بيض اللَهى وَدَمِ العِدى / وَسُمرَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القَبا
تَلاقي المَنايا الحُمرُ مِنهُ مَنيَّةً / وَتَجلوا الخُطوبُ الرَبد مِن نابِهِ خُطبا
وَكَم مِن أَخٍ لَو حَرَّمَ الماء لَم أَكُن
وَكَم مِن أَخٍ لَو حَرَّمَ الماء لَم أَكُن / لَهُ وَلَو أَنّي مُتَّ ظَمآن شارِبا
فَظَنَّ بِهَذا وِدَّهُ لي تَطَوعَاً / وَودّي لَهُ فَرضاً عَليَّ وَواجِبا
فاعتَقَني ذا الظن مِن سوءِ مُلكِهِ / وَكُنتُ لَهُ عَبداً فَأَصبَحتُ صاحِبا
وَمَن ظَنَّ ألّا بُدَّ مِنهُ أَرَيتَهُ / بِصَبري عَنهُ ذَلِكَ الظَنُّ كاذِبا
أَبيحَ لِخلّي مِن فُؤادي جانِباً / وَأَترُك لِلهُجرانِ إِن كانَ جانِبا
عَلى أَنَّني أَلقاهُ بِالبِشرِ حاضِراً / وَأَحفظه بِالغَيبِ إِن كانَ غائِباً
وَتِلكَ سَجايا لي أَعَمُّ بِها الوَرى / وَأَشرُك فيهن العِدى وَالأَقارِبا
وَلَيل كَسا الآفاقُ ثَوبَ ظَلامِهِ
وَلَيل كَسا الآفاقُ ثَوبَ ظَلامِهِ / وَآلى يَميناً في الإِقامَةِ يَمكُثُ
ثَويَت وَقَلبي فيهِ لِلهَمِّ حَلقَةٌ / أَكابِدُهُ وَالخَوفُ بِالنَفسِ يَعبَثُ
أُصَبِّرُ روحي لا تُراعي واصبِري / سَيدركه نور الصَباح فَيحنَث
أَبى زَمَني مَذ شِبتُ أَلّا تَعَوُّجا
أَبى زَمَني مَذ شِبتُ أَلّا تَعَوُّجا / وَأَهل وِدادي فيهِ أَلّا تبهرُجا
كَأَن لَم يَشِب فيهِ سِوايَ وَلَم يَكُن / عِذاري وَرَأسي حالك اللَون أَدعَجا
وَلَم أَكُ كالخَطّي أَو غصن بانَةٍ / كَساها بِها فَصل الرَبيع وَدَبَّجا
بِنوّار نَورٍ يَطَّبي أَعيُن المَها / وَيَفتن ذا الأَلباب بِالشَكل وَالشَجا
سَقى مَعهَداً كُنّا بِهِ زَمَن الصِبا / مقربة سَحاً وَهاداً وَأَمرَجا
وَعَهدي بِهِ قَبلَ افتراق فَريقنا / وَأَنداؤُهُ كالبَحرِ لَمّا تَموَّجا
بِأَقيال قَحطان وَأساد عامِر / وَفُرسان كَلب كالوَشيج الموشَّجا
خَفاف إِذا اِستَصرَختُهُم عَن جِنايَة / إِلى النَقع لا يَلوون عَنها تعرجا
يَمدون بِالخُطِّ الذَوابِل أَيدياً / مَعودة طَعن الكميِّ المدجَّجا
عَلى كُلِّ خَنذيذٍ طِمَرِّ نخاله / إِذا مزعت يَوم الكَريهة أَعوَجا
يَعفُّونَ عَن أَسلاب مَن رام حربهم / وَيَقتَسِموا الأَرواح قَسماً مَلهوجا
أَسائلتي عَن مَشهَدٍ جَلَّ ذِكرِهِ / قَضى كُلَّ نَيل أَو ذِمامٍ فَأَثلَجا
أَتَتنا كِلابٌ في تَميم وَتَغلِب / وَأَحيا نميراً وَالقشيريَّ عَرفَجاء
يؤمهم عطّاف يَطلُب ثأرُهُ / فَأَوردهم وَرداً وَبيّا موهَّجا
سَقاهُم حياض المَوت بدر عَلى ظَماً / بِهندِيَّة تَفري الحَديد المنسَّجا
إِذا أَغمَدَت عَن مَعشَر عاد مِنهُما / وَإِن جرِّدَت في جَحفَل عاد منفجا
بِأَيدي كِرامٍ مِن ذَؤابة طيىء / وَبحتر مَع رَهط الوَليد وَدعلجا
يؤمهم البَدر الفَتى ابن رَبيعة / وَقَد صَمَّمَ الرمح الأَصم وَأَرهَجا
عَلى هَيكَلٍ وَردٍ كَأقطم تَلَّةٍ / سَليم الشَظا لا ذي نَساءٍ وَلا وَجا
يُنادي كِلاباً وَالقَبائِل كُلها / وَهُم سامِعوه مفصحاً ما تلجلجا
أَنا ابن الَّذي لا يَخمِد الدَهر ناره / ولا أَوقَدت إِلّا لِتَهدي إِلى النَجا
إِلى راسِيات ما تَنام طُهاتُها / وَمقراة نُبلٍ ما تَغِب المودَّجا
ملكنا جَميع الأَرض مِن بَعدِ جُرهم / وَكانَ لَنا مِن غار فيها وَهملجا
وَجاءُوا إِلَينا يَطلُبون ذِمامَنا / مِنَ الشَرقِ وَالغَربِ المُمَنَّعِ وَالنَجا
فَنَحنُ رؤوسٌ وَالخَلائِقُ كُلَّها / لَنا تبعٌ إِلّا النَبيَّ المُتَوَّجا
وَأَبناؤُهُ مِن فاطِم وَعَليّة / أَئمتنا الهادونَ أَوضَح مَنهَجا
وَكَرَّ عَلَيهِم كَرَّة حميرية / أَبادهمُ بالسَيفِ طراً فَأَزعَجا
فَكُنّا كَبازيِّ هَوى نَحوَ دَردَقٍ / مِنَ الطَير مُنقضٍ فَكُلٌ تَثَبَّجا
وَخَلَّفهم بِالقاعِ صَرعى تنوشهم / وَحوش الفَيافي ما لَهُم مِنهُ مُلتَجا
وَأَشبَع ذِئباً جائِعاً مِن جُسومِهِم / وَضَبعاً وَنِسراً قَشعَمياً وَزَمَّجا
حَكَمَت عَلَيهم بَدر أَعدَل حاكِم / بِقَتلِكَ مِن زَمَّ المَطيّ وَأَسرَجا
جَعلتَ رَحا الحَربِ العَوان عَلَيهِم / تَدور فَما في القَومِ مِن فيهِ مُرتَجى
مَلأت بروج الحَربِ مِنهُم مع الرُبى / فَلَستَ تَرى إِلّا قَتيلاً مُضَرَّجا
وَأَلحَقت مِنَ أَلفَيتَ مِنهُم نَزاهَة / كَتائِب رَوعٍ أَلحَقَتهُم بِمَن نَجا
فَمَن كانَ حلي السَيف مِنهُم مآبَهُ / كَأنّ حَليَّ السَيفَ قُلباً وَدُملجا
فَيَلبِس مَصبوغ الغَواني وَيَبتَغي / مِنَ التِبر خَلخال يَروق مدملجا
أَبا النِجمِ يا بَدِر الدُجى ابن رَبيعَة / ليهنك فَتح في الكِلابينَ أَفلَجا
فَما بَعدَ هَذا الحَرب لِلحَربِ عَودة / فَمَن عادَ عُدناهُ إِلى الحيِّ أَعرَجا
إِلَيكَ رَماها الصدق مِن قَبل مادِحٍ / غَدافية يَضحى بِها الشعر مدرجا
إِذا أَنشَدَت في نادِ قَومٍ تَضَوَّعَت / بيومهم نَدّاً وَفاحَت بنفسَجا
عَفى طَلَلٌ بِالرّامَتينِ وَمنهَجُ
عَفى طَلَلٌ بِالرّامَتينِ وَمنهَجُ / يَجودُ لِعَينٍ لا تَفيضُ وَتَنهَجُ
وَبُعداً لِقَلبٍ لا يَذوبُ صَبابَةً / وَلا كَبدٍ إِلّا وَتُكوى وَتُنضَجُ
تَناوحَتِ الوَرَق الحَمامُ فَهِجنَ لي / وَساوِس وَجدٍ في الفُؤادِ تَهيَّج
وَقَفَت بِهِ وَالمقلَتانِ كَأَنَّما / أَفادهما صَوبٌ مِنَ الغَيث زَيرَجُ
تَذَكَّرتُ عَيناً كُنَّ فيها بِعَينها / عَشِيَّة تَدنو كُلَّ عَيناء تَحرجُ
وَرامَ العَزا لَمّا تَذَكَّرَت ريمها / لِرَبّاتِ أَجيادِ الغَلاصِم تولَجُ
فَقُلتُ وَقَد كانَ الفُؤادُ يطيره / بَلابِل أَحياهُنَّ شَوق يُؤَجَّجُ
لتهنَ رياض الحُزنِ لَمّا حلِلنَها / كَرائِمَ بِكرٍ جادَهُنَّ المُثَجَّجُ
عَزائِزَ لَم يَخدمنَ بَعلاً ولا أَباً / يُجاذِبهنَّ العَبقَريُّ المدَلَّجُ
وَيُخجِلنَ إِن باسمنُ مُبتَسِم الرُبى / أَقاحيهِ مِنهُنَّ الأَقاحِ المُفَلَّجُ
وَيكسبها نَشراً ذَكياً كَما كَسا / مَجاسِدهُنَّ العَنبرَ المُتأرِّجُ
خَليليَّ هَذا مَنهل الهزل فارشُدا / فَلي في طَريق الجَدِّ وَالهَزَل مَنهَجُ
وَقائِلَة لَمّا رَأتني مُشَمِّراً / وَقَد رابني ريب الزَمانِ المُسَرِّجُ
أَفي أَيِّ وَجهٍ تَبتَغي لَكَ ناصِراً / أَما تَرعوي عَمّا عزمت وَتفرج
أَفي الحَقِّ أَن تَعدو عَلى الدهر إن سَطا / فَقُلتُ لَها مَهلاً فَأَينَ المفرجُ
بِمَنهَجٍ بيت اللَهِ وَالحَرَم الَّذي / تقاد لَهُ البَدَنُ العُلاكِم تَبلجُ
وَحَيثُ اِلتَقَت شُحب المطي بَعدَها / سَواجِم ما بَينَ الضَعائِن وَلَّجوا
لَئِن بلغتنيه اللَيالي وَجادَ لي / نِداهُ الَّذي في جودِهِ لا يُهَجهِجُ
لِيَرجِعُ دَهري صاغِراً عَن مَساءَتي / وَيَرجِع مِنَ بعد الهَرير يُحشَرِجُ
وَأَنّي يَطيقُ الدَهر إِذ حَشَّ مَن رَجا / بِظِلِّ أَبي الذَوّادِ يَزهى وَيَهدُجُ
يكشفه عَن ذي الغَرارين عزمة / وَمِن درعِهِ بدر الذُجى يتبلَّجُ
إِذا الرّأي مِن ذي التاجِ هامَ بِمُلكِهِ / فَأَرواهُ في المكرمات تَبلُّجُ
فَتىً قَلَدَّتهُ المكرمات تَمائِماً / مِنَ الحَمدِ تَنمو كُلَّ يَوم وَتبهَجُ
وَمَلَّكهُ بيض الأُمورِ وجوهها / يَداهُ وَرأيٌ في المُلِمّاتِ مُسرَجُ
حَوى طُرقات المَجدِ في كُلِّ مَشهَدٍ / فَلَيسَ لَهُ إِلّا إِلَيهِ معرَّجُ
فَلَولا إِمرؤ نالَ الثُرَيّا بِسؤدد / لأَصبحَ ما بَينَ السماكين يَعرُجُ
إِلَيكَ أَبا الذَوّادِ رَمَت مِن الرَجا / رِكابٌ هَداها واضِحٌ لَكَ أَبلَجُ
قطعت بِها حَرَّ الهُمومِ فَأَصبَحَت / بِبَحر نَدىً مِن راحتَيكَ تأجُجُ
وَلَم تَكُ حَتّى استَيقَنَت أَنَّ قصدها / مَنازِل رَوّاد العُلى تَتأَرجُ
وَعَزوى لِدَهرٍ يا ابن جَرّاحَ ساءَني / وَأَنتَ بِقُربي لا تَغار وَتحرجُ
بَدا البَرق مِن نَجد فَحَنَّ إِلى نَجدِ
بَدا البَرق مِن نَجد فَحَنَّ إِلى نَجدِ / أَيا بارِقاً ماذا نَشَرت مِنَ الوَجدِ
وَما حَنَّ مِن وَجدٍ بِنَجدٍ وَإِنَّما / يَحِن إِلى نَجد لِمَن حَلَّ في نَجدِ
سَقى العَهدَ مِن هِند عِهادٌ مِنَ الحَيا / ضَحوك ثَنايا البَرق مُنتَحِبَ الرَعدِ
يَحِلُّ عُقود القطر بَينَ مُعاهِدٍ / يَحِلُّ بِها مِن قَبل دُرِيَّةِ العقدِ
فَتاة أَرى الدُنيا بِما في نِقابِها / وَأَلقى بِما في مرطِها جِنَّة الخُلُدِ
هيَ الشَمسُ تَخفي الشَمس عَنها إِذا انتَمَت / فَضاعية الأَخوال فهرية الجَدِّ
دُجوجيَّة الفَرعين شَمسِيَّة الرؤا / كَثيبية الأَردافِ خوطِيَّة القَدِّ
وَناظِرَةٍ مِنَ ناظِري أَم جؤذَرٍ / خَذولٍ بِهِ أَو مُقلَتي رشإٍ فَردِ
مِنَ الوَردِ خَداها مِنَ الدُرِّ ثَغرُها / عَلى أَنَّ رَيّاها مِنَ العَنبَرِ الوَردِ
تَظَلُّ تعاطيك المنى مِن مُقبَّلٍ / بِأَعذَبِ مِن خَمرٍ وَأَطيَب مِن شَهدِ
أَلا قاتِل اللَهَ الحمام فَإِنَّها / بَكَت فَشَجَت قَلباً طَروباً إِلى هِندِ
وَما ذِكرُهُ هِنداً وَقَد حالَ دونَها / قَنا الخُطِّ أَو بيضٍ رِقاق مِنَ الهِندِ
وَأَسدٍ عَلى جُردٍ مِنَ الخَيلِ ضُمَّرٍ / وَهَيهات مَن يَحميكَ أَسداً عَلى جردِ
وَيَهماء يَهوي بَينَ أَورادها القطا / وَيوهي السُرى فيها قوى الضَيغَم الجَلدِ
مطوّحة لَولا الدراريُّ ما دَرى / دَليل بِها كَيفَ السَبيلِ إِلى القَصدِ
سباريتُ ما فيهن زاء لركب / سَنوي ما حَوَت فيها الأَداحي مِنَ الرَبدِ
عَلى أَنَّهُ لَو جارَت الريحُ رَبدِها / لِكُلِّ النَعامي عَن نَعام بِها رُبدِ
كَيهماء كَلَّفتُ المَطي اعتِسافِها / إِلى الشَرفِ العالي إِلى الكَرَمِ العِدِّ
إِلى القمر الهادي إِلى ابن مُفَرِجٍ / إِلى الحَسَبِ الزاكي إِلى الكَوكَبِ السَعدِ
إِلى السَيفِ سَيفِ الدَولَةِ الملكِ الَّذي / تَبيتُ ذرى أَبياتِهِ مألَف الحَمدِ
إِلى الأَسدِ الضِرغام في حومة الوَغى / إِذا احمَرَّ في غاب القَنا حَدَقُ الأَسَدِ
مِنَ الأجأيين الَّذينَ جِيادهم / بِأَحياءِ من عاداهم أَبَداً تَردي
نُجوم بَني قَحطان في طَخية الدُجى / إِلى عَدد عَدٍ وَأَلسِنَةٍ لُدِّ
وَجأواءَ جَرّاحيَّةٍ أَجابِيَّةٌ / حبتها يَداً داود بِالحلق السَردِ
لَها مِن حَديد الهِند كُلَّ مُهَلِلٍ / بِماء الرَدى ماضي الغَرارين وَالحَدِّ
وَمِن أَسلاتِ الخُطِّ كُلَّ لَذيذَةٍ / تَروقك بِالنِبراسِ ذاتَ شَباً عَردِ
وَمِن نَسلِ زادَ الركب كل مطهَّمٍ / حَباهُ سُلَيمان بن داود لِلأُزدِ
لقفت بأُخرى كَلَّف الصَبر ربها / بسمر القَنا وَالبيضَ قرع صَفاً صَلدِ
فَلَمّا تَداعَت بَينَها وَشعارها / فَكانَ لَدَيها المَوتُ أَحلى مِنَ القِندِ
دَعَوتُ لَها مِن سِرِّ مَعنٍ فَوارِساً / تَلذَّ المَنايا لذّة العيشَةِ الرَغدِ
فنكر بِذي نَكرٍ إِذا اشتَجر القَنا / وعرف لآمالِ امرىء لَكَ مستجدي
أَمَحمود قَد أَحسَنت أَحسَنَت منعماً / وَما أَنا للإِحسانِ مُستَحسَن وَحدي
فَعِش لِلعُلى لا العز مُستَضعَف القُوى / وَما بحرك الفَيّاض مُستَنزر الرَفدِ
وَلَكِنَّني أَشكو أُموراً تركنني / بِتَيماء مِن أَكناف عِزّي عَلى بُعدِ
أَخا الهَمِّ لا أَدري مِنَ الهَمِّ والأَسى / أَأَكتُم ما بَينَ أَكناف عِزّي عَلى بُعدِ
وَإِنّي إِلى الفَهمِ الَّذي لَكَ أَشتَكي / هُموميَ مِن طولِ اغتِرابي وَمِن كَدّي
فَذو العلم مِن ذي الفَهمِ في كُلِّ راحَةٍ / وَلَكِنَّهُ مِن ذي الغَباوَة في جُهدِ
وَمَن يَجمَع الفهم الَّذي لَكَ في النَدى / فَذاكَ الَّذي لَم يَكب في مَدحِهِ زِندي
عَقيل النَدى وَالحادِثات كَثيرَة / وَمثلك مَدعوٌ لِحادِثَة إِدِّ
أَلَيسَ عَجيباً أَنَّ سَخطكم الَّذي / أُريدُ بِهِ غَيري أَريق بِهِ رَفدي
وَأَعجَب مَن هَذاك أَن أَبا النَدى / بَدا عَنهُ إِقصاري وَما ذاكَ عَن قَصدِ
وَأَعجَبُ مِنهُ أَنَّ دَرّيَ عِندَهُ / وَلَيسَ الَّذي أَبغيهِ مِن دُرِّهِ عِندي
فَوا عَجَباً هَلّا تَفَرَّدَ مَجدُكُم / بِغَرّاء يَبقى ذكرها سمراً بَعدي
بمكرمَةٍ إِن قلت فيها قَصيدة / نظمت بِنَظميها قَلائِد لِلمَجدِ
فَإِن قُلتَ ردوني إِلى الشَرق لَم يَكُن / عَلَيكُم مِنَ الأَشياءِ أَيسَر مِن رِدّي
وَإِن قُلتَ سدوا خلتي وَخصاصَتي / فَأَمثالكم سَدوا الخَصاصات بِالرَفدِ
أَما مِنكُم أَوس أَما حاتِم لَكُم / وَما لَهُما نَدٌ وَمالك مِن نِدِّ
أما بِكُم الأَمثال تَضرِب في النَدى / أَما أَركُبُ الآمالَ نَحوَكُم تَحدي
أَما عَمَّ أَهل الحَزنِ وَالسَهل جودكم / أَما مالُكُم يَغدو عَلى الجودِ يَستَعدي
أَما ركزت أَرماحكم حيث شئتموا / أَما كل مَن شِئتم سُيوفكم تَردي
أَما مِذحِجٌ فيكم أَما الأزد أَزدكم / أَما لَكُم كَلب وَأسد بَني فَهَد
أَما تبع سارَت إِلى الصين خيله / أَما حمير شادَت حصون سَمَرقَندِ
أَما قادَ قابوساً أَسيراً لتبَّعٍ / أَما شَدَّ كَبلاً كعبه أَيُّما شَدِّ
أَما لَكُم أَنصار دين مُحَمَدٍ / سراة بَني قَيس وَرَهط بَني سَعدِ
أَلَستُم بِجُندٍ لِلنَّبيِّ وَرَهطِهِ / فَبوركَ مِن رَهطِ وَبورك مِن جُندِ
بَني دَعفَل مَن ذا يَعُدُّ مِنَ الوَرى / مآثركم أَو مكرماتكمُ عَدّي
وَلَمّا خزمتم ما حوته أَكُفُّنا / عَثرتم بِنا مِن غَيرِ علم وَلا عَمدِ
وَكُنتُم كذي لج وَذو اللج إِن طَما / أَبادَ بِلا بَغضٍ وَنَجّا بِلا وُدِّ
أَلَمَّت وَدوني مِن تِهامَةَ بَيدُها
أَلَمَّت وَدوني مِن تِهامَةَ بَيدُها / وَعَهدي بِها عَنّي كَثير صُدودُها
يَمانِيَّةَ لِلبَدرِ شُبِّهَ وَجهُها / وَلِلظَّبي مِنها مُقلَتاها وَجيدُها
سِرتَ تَستَزيدَ الوَشي بَيني وَبَينَها / وَهَل لي وُد غَيرُها فَأَزيدُها
أَلَمَّت وَرحلي بَينَ شَعب رَمَت بِهِم / وَلي هِمَمٌ في رِفعَة أَستَزيدُها
وَقَد علقوا أَنضاءَنا بِرُؤوسِهِم / وَلَو خَلِيَت كانَ الكَلالُ قُيودُها
وَساعَدَها في النَومِ بيض أَوانِس / قِصار الخُطى بيضُ السَوالِف غَيدُها
تَضَوَّعَ مِنهُنَّ العَبير كَأَنَّما / أَتَتكَ بِغارِ المِسكِ غِباً برودُها
أَغَضَّ مِن الوَردِ الجَنيِّ خُدودها / وَأَرشَق مِن شَرقِ الرِياضِ قُدودُها
فَكَم مِن يَدٍ أَولَيتَني فَجَحدتُها / وَشُكر أَيادي الغانِيات جُحودُها
وَلَيسَ سفاحاً جئنَ لكن مُهورها / صَحيحُ وِدادٍ وَالغَرام يَقودُها
سَل اللَهَ تَهويم الكَرى لَيسَ غَيره / لَعَلَّ الكَرى يَوماً إِلَيكَ يُعيدُها
أَيا حَبَّذا أَرض السَراةِ وَحَبَّذا / تَهائِمها مِن أَجلِها وَنجودُها
عَلى أَنَّهُم بانوا وَبَينَ جَوانِحي / هَوى مِثلَ لَذعِ النارِ شَبَّ وَقودُها
وَلَم أَنسَها يَومَ النَوى وَقَد التَقى / جمانان جاري دَمعها وَعُقودُها
لَها مَبسَم يَحكي المَساويك إِنَّهُ / بَعيد الكَرى عَذب الثَنايا بُرودُها
وَهَل منصف مِنها فَيَلزم قَومها / حمالة ما قَد أَتلَفَت أَو يَقيدُها
فَدَع ذكر سَعدى إِن فيكَ بَقيَّةَ / إِلّا إِنَّما يَبغي المَها مِن يَصيدُها
أَتَرضى بِعَيش المقتَرين وَهَذِهِ / أَنامِل نور الدَولَة إِنهَلَّ جودُها
دَعى جودَ ذي العزَين عيسى وَلَم يَزَل / مِن اليمن الأَقصى نَداهُ يَقودُها
فَجاءَتهُ مَكتوباً عَلى حَرِّ وَجهها / حَرامٌ إِلى غَيرِ الأَمير وَخيدُها
سَليل مُلوك مِن ذؤابَة عامِرٍ / تُرَجّى عَطاياها وَيُخشى وَعيدُها
مهذَّبها قَمقامها تاج فَخرِها / موفَّقها في كُلِّ رأي سَديدها
مقدمها في كُلِّ حَرب شجاعها / مُدَبِّرُها في كُلِّ خَطبٍ حَميدها
مكرَّمها مفضالها لَو ذعيُّها / وَمَلجأؤها في النائِباتِ عَميدها
مُسوَّدُها مقدامها كَنز عِزَّها / سنميدعها مصداقها وَرَشيدها
تَخُرُّ لَهُ الأَملاك في الأَرضِ سُجَّدا / وَقَلَّ لَهُ تَعفيرَها وَسُجودَها
إِذا ما ابتَدى يَوماً بِنعمي أَعادَها / وَيا رَبَّ مبدي نِعمَةٍ لا يُعيدُها
يَحن إِلى أَسمائِهِ كُلَّ مِنبَرٍ / فَلَو يَستَطيع اهتَزَّ واخضَرَّ عودُها
يَسودُ عُقيلاً وَهيَ لِلناسِ سادَةً / وَلا بُدَّ لِلساداتِ مِمَّن يَسودها
يُدافِعُ عَن أَحسابِها بِنَوالِهِ / وَيَحمِل عَن أَشياخِها ما يوؤدُها
وَيَردي أَعاديها بِكُلِّ كَتيبَةٍ / يَرُدُّ عُيونَ الناظِرينَ حَديدُها
ثَقيلٌ مَلاقيها خَفيف رُكوبها / كَثيرٌ سَباياها قَليل عَديدُها
إِذا وَقَعوا في وَقعَةٍ أَوقَعوا بِها / وَبالاً فَهُم أَشبالِها وَأسودُها
وَخاضوا إِلى المَوتِ الصَفائِح وَالقَنا / وَهانَ عَلَيهِم صَعبُها وَشَديدُها
هوَ البَحرُ إِلّا أَنَّهُ طابَ وَردُهُ / وَكَم مِن بِحارٍ لا يَطيب ورودُها
وَما البَرقُ إِلّا دوحَة هوَ ماؤُها / وَلا غاضَ مِنها الماء ما اخضَرَّ عودُها
رَأَيتُ الوَرى أَتباع آل مُسَيَّبٍ / وَلَولا كَلامُ الناسِ قلت عَبيدُها
وَلَو أُمَّ عاف طفل آل مُسَيَّبٍ / لِقاسِمِهِ در الرَضاع وَليدُها
تُقِرُّ عَقيلٌ بَل نزار بِفَضلِهِم / وَلَو أَنكَرت يَوماً أَقَرَّت جُلودُها
مُلوكَ أَضافَت ما احتَبَت بِسُيوفِها / وَزادَت عَلى ما أَورَثَتها جُدودُها
يَلوحُ ضِياء المُلكِ فَوقَ جِباهِها / إِذا أَخفَقَت راياتها وَبنودُها
مُلوكٌ شَرَت حُسنَ الثَناءِ بِمالِها / فَأَضحى حَميداً حَيُّها وَفَقيدُها
فَلو كانَ جودَ المَرءِ يَخلِدُ ربه / لَدامَ عَلى رَغمِ العَدوِّ خُلودُها
غَيوثٌ وَلَكِن قَطرِها المال وَالنَدى / ليوثٌ وَلَكِن المُلوكَ صُيودُها
بكم بَلَغَت كَعبٌ مَناها وَرَبُّها / يَتِمُّ لَها نُعماؤُها وَيَزيدَها
وَدانَ لَها شَرق البِلادِ وَغَربِها / وَذَلَّ لَها شُمسُ المُلوكِ وَصَيدُها
فَكَم صَعِدَت خُطّابِها كل مِنبَرٍ / وَلَولاكُم واللَهُ قَلَّ صُعودُها
أَتى العيدُ فاسعَدَ أَلفَ عامٍ بِمِثلِهِ / فَأَنتَ لأَبناء المَظالِم عيدُها
إِذا ما حَلَلتَ الأَرض وَلَّت نُحوسها / وَأَقبَلَ مِن كُلِّ الجِهاتِ سُعودُها
وَكَيفَ يَحِلُّ الجَدب أَرضاً تَحلها / وَكَفُّكَ غَيث لا يَزال يَجودُها
فَكَم لَيلَةٍ سِرنا إِلَيكَ شَوازِياً / سُواء عَلَيها مَيلُها وَبَريدُها
وَمالَت رِقاب القَوم بِالنَومِ فالتَقَت / مَناكِب أَبناء السُرى وَخُدودُها
وَغَنّى مُغَنِّيَنا بِمَدحك مِثلَما / عَوى بشرورى آخر اللَيلِ سيدُها
وَقَد وَعدتني النَفس عِندَكَ بِالغِنى / فأجدر بِها ألا تَخيب وُعودُها
وَلَولاكَ ما جِبنا الفَلاةَ وَلا اِنطَوى / لأنضائِنا طَي الرِداءِ بَعيدُها
سَأكسوكَ مِن مَدحي عَلى النأي حلة / يَدوم عَلى مَرِّ الجَديد جَديدُها
وَأَشكُر نُعماءً بِمَدحِكَ نِلتُها / وَمِمَّن حَباها دائِماً أَستَزيدُها
أَلَمَّت بِنا بَعدَ الهَدوِّ سُعاد
أَلَمَّت بِنا بَعدَ الهَدوِّ سُعاد / بِليل لباس الجو مِنهُ حِدادُ
أَلَمَّت وَفي جَفني وَجفن مُهنَّدي / غِرارانِ ذا سَيف وَذاكَ رِقادُ
فَما برحت حَتّى تَجَلّى ليَ الدُجى / كَما فارَقَ العضب الحُسام غمادُ
وَأَحدَق باللَيلِ الصَباحِ كَأَنَّهُ / بَياض بعين وَالظَلامُ سوادُ
أَناة كَمِثلِ الشَمسِ نوراً وَعادَة / فَفيها دُنوٌ مطمعٌ وَبعادُ
فأن ترني أَخفي هَواها تجملاً / فَيا رُبَّما أَخفى الضِرام زِنادُ
وَلَم أَنسَها وَالبَينُ يُجري دموعها / عَلى مشرق لِلعَين فيهِ مُرادُ
يَروق بِدَمعِ اللَهوِ وَالحزن خَدّها / فَما عَنه طرف إِن راهُ يحادُ
وَإِن سَفَحَت بِالكُحلِ دَمعاً فَخدّها / مِن النور طرسٌ وَالدموعُ مِدادُ
بِها مَرَضٌ في لَحظِها وَهوَ صِحَّةٌ / وَلَكِن مَريض اللَحظِ لَيسَ يُعادُ
أَلَيسَ عَجيباً أَن تَصيدَ قلوبنا / مَهاةٌ وَعَهدي بِالمَهاةِ تُصادُ
سَقاها إِذا ما المزن أَخلف أَرضها / بنان عليِّ إِنَّها لَعِهادُ
غَيوث وَلَكِن قطرة الغيث بدرة / مكملة أَو نبرة وَجوادُ
أَغيث جداه الماء لا شيء غيره / كَغيث جداه طارِف وتلادُ
بِنانٌ عَلى بَذلِ المَواهِبِ سبطة / وَلَكِن عَلى قَبض الرِماحِ جعادُ
يَجولُ بِهِ في الحَربِ نَهدٌ كَأَنَّهُ / عِقابٌ وَلَكِن الجَناحَ بدادُ
وَقَد خُضِّبَت أَسيافَه فَكَأَنَّها / مِنَ الدم جَمرٌ وَالغُبارُ رَمادُ
لَهُ كرم كالبَحر يَزداد كُلَّما / يُرجّى فَما يَخشى عَلَيهِ نَفادُ
عصيبت إِلَيهِ النَفسُ حَتّى أَتَيته / فَفزتُ وَعِصيان النفوس رَشادُ
وَأَعلقت أَسبابي لمختص دولَة / غراس الأَماني في ذَراهُ حَصادُ
بِأَبلَج سوق الحَمدِ يَنفق عِندَهُ / وَفي سوقِهِ الألدية كَسادُ
تَهُزُّ يَمين الملك مِنهُ مثقَّفاً / يَقيهِ لِسان كالسِنان حِدادُ
لَهُ حملات في المَكارِم مقدماً / إِلى جودِهِ والمَكرُماتِ طرادُ
لَقَد أَنشر الطَيموم أَموات طيىء / بِعَليائِهِ وَالمَجدُ حينَ يُشادُ
فَإِن لَم يَعُد مَن ماتَ مِنهُمُ فَذِكرُهُ / وَذِكرُ الفَتى قَبلَ المَعادِ مُعادُ
رَأيتُ عَليّاً في الفَضائِلِ كاسمِهِ / عَليّاً لَهُ شُمُّ الجِبالِ وَهادُ
فَإِن شارَكوهُ في اسمِهِ فَلَرُبَّما / يُشارِكُ في إِسم ناطِق وَجَمادُ
بَصيرٌ بِتَركِ الجودِ في مُستَحِقِّهِ / وَما كُلُّ مَن يُعطي الجَزيل جَوادُ
لَقَد زدتَ هَذا الدَهر حُسناً وَهيبَةً / كَأَنَّكَ في صَدرِ الزَمانِ نِجادُ
فَلَو صَوَّرَ اللَهُ البَريَّةَ واحِداً / لصوَّرَهُم جِسماً وَأَنتَ فُؤادُ
حملت العُلى بِالجودِ حَتّى اقتَنصتَها / وَلِلمَجدِ وَحش بِالنوالِ يُصادُ
فَقَد سُدَّت طياً وَهيَ لِلناسِ سادَة / وكل جَواد سَيِّد سَيُسادُ
وَطيىءٌ عماد الناس في كُلِّ مَوطنٍ / وَأَنتَ لَها يا ابن الكِرامِ عِمادُ
تَقودُ ذُرى قَحطان آل مفرجٍ / وَلَو لَم يَكُن آل المُفَرِّج قادوا
إِذا أَسَّسوا شادوا وَإِن وَعَدوا وَفوا / وَإِن بَدأوا في المكرمات أَعادوا
أَفادوا مَديحي واستَفدت ثَوابهم / وَكل مُفيدٍ إِن رَأَيتَ مُفادُ
رَأيت العُلى شَخصاً وَقَحطان وَجهِهِ / وطيىءُ لَهُ عين وَأَنتَ سَوادُ
إِلَيكَ فرت بي كل قَفرٍ وَمَهمَهٍ / مُضبَّرة مِثلَ العَلاة سِنادُ
ثَنى القَفر مِن أَخفافِها فَكَأَنَّما / عَلَيهُنَّ مِن ماءِ الدِماء جِسادُ
وَعاذِلَةٍ قالَت تأنَّ فَرُبَّما / يَروقك بَعضُ النَبتِ وَهوَ كِبادُ
فَقُلتُ لَها كُفّي فآل مُفرجٍ / بِحارُ نَدىً وَالعالَمون ثمادُ
أَيَخلف ظَنّي مِن أَبوه مُفرِجٌ / أَلا إِنَّ أَولادَ الجِيادِ جِيادُ
أَلا هَل لِعَهدِ العامِريَّةِ جاحِدُ
أَلا هَل لِعَهدِ العامِريَّةِ جاحِدُ / وَعِندي مِن صدق المَوَدَّةِ شاهِدُ
حُكي لَكِ عَنّي أَنَّني لَكِ مُبغِضٌ / فَلا تَسمَعي ما قالَ فيَّ حَواسِدي
فَواللَهِ ما الأَعراض عَنكِ مَلالة / أَأَسطيعُ إِعراضاً وَشوقيَ زائِدُ
وَلَكِن حِذاراً مِن وُشاةٍ عيونهم / عَلَينا وَإِن أَبدَت هُجوداً رَواصِدُ
أَناديكِ مِن شَوقٍ إِلَيكَ وَصبوة / وَما بَينَ دارينا مَدىً مُتباعِدُ
وَكَم سرت في طُرقِ السلو فَلَم أَجِد / سَبيلاً وَضاقَت في هَواكِ المَقاصِدِ
وَكَم طلبت عَينايَ في الناس ماجِداً / كَريماً فَناداني النَدى لَيسَ ماجِدُ
سِوى من عَليه الحمد وَقفٌ وَعِندَهُ / بلوغ المُنى إِن جاءَ يَرجوهُ قاصِدُ
أَبا الفَضل عَبدُ اللَهِ بن مُحَمَدٍ / عَلى وَجهِهِ للمكرمات شَواهِدُ
لَهُ مِن سَماءِ الفَخرِ مِن طيب أَصلِهِ / وَإِحسانِهِ في المعتفين مُشاهِدُ
كَريم عَلى أَبوابِهِ النُجح ثابِت / إِذا مَرَّ عَنها وافد جاءَ وافِدُ
وَما خَيَّبَ الدهر الخؤون لِطالِبٍ / وَلاذَ بِها إِلّا أَتَتهُ الفَوائِدُ
عَلَيها ازدِحام لِلعفاة وَحَولها / عَلى كُلِّ فِترٍ للعُفاةِ مَوارِدُ
لَئِن نامَ عَن جَدوى أَبي الفَضلِ طالِب / فَما جودِهِ عَن ما يُحاوِلُ راقِدُ
أَعادَ عَلى حَمدِ الأَنامِ فَخاره / فَظَلَّ لَهُ مِن سائِرِ الناس حاسِدُ
مَواهِبه في الناس لَم يَبقَ غيرها / لعودَةِ ممتاحٍ طَريفٌ وَتالِدُ
تَكادُ تُناجيهِ بِأَعذَبِ مَنطِقٍ / عَلى الخَلقِ مِن حُسنِ الفِعالِ المَحامِدُ
وَمن لَم يَكُن يُعطي الخُلود فَإِنَّهُ / بِحَمدِ الوَرى في الدَهرِ لَو ماتَ خالِدُ
عَوائِدُهُ أَلّا يُخَيِّبَ سائِلاً / فَيا حَبَّذا في الناس هَذي العَوائِدُ
أَبا الفَضل إِنَّ الشِعرَ عِندَكَ نافِقٌ / وَعِندَ الَّذي سامى عُلوك كاسِدُ
إِذا ضَلَّتِ القُصّاد عَن حَوض ماجِدٍ / يَكونُ لَها مِن مكرماتك راشِدُ
وَإِن عَدَلَ المَحرومُ عَنكَ فَإِنَّهُ / إِذا خافَ الإِقبال نَحوَكَ عائِدُ
أَرى الغيث مَفقوداً مِنَ الدَهرِ بُرهَةً / وجودك باقٍ ماله الدَهر فاقِدُ
يَزيدُ عَلى فَيضِ البِحارِ انسِكابِهِ / وَعِدَّتُها سَبعٌ وَأَنتَ فَواحِدُ
وَلَولاكَ ماتَ الجود يا بن مُحَمَّدٍ / فَأَنتَ لَهُ دونَ البَريَّةِ والِدُ
ترفعت عَن مَدح الأَنامِ جَلالَةً / فَسادَ بِنَشرِ الحَمدِ عَنكَ القَصائِدُ
فَنجمك في بُرجِ السَعادَةِ بالِغٍ / وَمَجدك في أَعلى المَنازِلِ صاعِدُ
نُفوس العِدى تَهواكَ يا ابن مُحَمَدٍ / فَما لَكَ في إِحسانَ كَفِّكَ حاسِدُ
إِذا رُمتُ أَن أَثني عَلَيكَ بِصالِحٍ / فَماليَ في خَلقِ الإِلَهِ مُعانِدُ
وَإِن رمت أَن أَثني عَلَيكَ بِغَيرِهِ / فَماليَ في كُلِّ الأَنامِ مُساعِدُ
فَدَم سالِماً يا ابن المَنيع مُجدداً / فَلا طرقتك الحادِثات الشَدائِدُ
لَقَد كُنتَ نَبّالاً بِلَحظِكَ صائِداً
لَقَد كُنتَ نَبّالاً بِلَحظِكَ صائِداً / فَأردَفتُ رُمحاً حينَ أَصبَحت ناهِدا
سِلاحٌ وَلَكِن لا يَضيرُ مُدانياً / وَيَنفُذُ فيهِ حده مُتَباعِدا
يُبَرِّزُ وَرد الخَدِّ ثمَّ يُعيدُهُ / وَلَم أَرَ وَرداً في الكَمائِمِ عائِدا
لَها مُقلَةٌ بِالسُقمِ تُعدي وَما بِها / سِقام وَهَل تَردي السموم الأَساوِدا
لَها بَردٌ مِن دونِها الريق دونَه / فَطابَ وَلَولا ذاكَ لَم يَكُ بارِدا
وأَقسِمُ أَنّي ما هَمَمتُ بِريبَةٍ / لِغانِيَةٍ إِلّا إِذا كُنتُ راقِدا
وَلَكِنَّني لَمّا رَأَيتُ جُفونَها / مُمَرَّضَةٌ أَرسَلَت طرفي عائِدا
وَلَو لَم تَكُن أَجفانُها صدفاً لَما / نثرن غداة البين دراً فَرائِدا
كلفت بِحُبِّ البيض وَالقَلبَ مولَعٌ / بِحُبِّ المَواضي ما هجرت الخَرائِدا
تُوَسدني العيس الطَليح ذِراعها / إِذا لَم توسدني الخَريدة ساعِدا
وَيُسعدني سَيفي عَلى كُلِّ بُغيةٍ / إِذا لَم أَجِد في العالَمينَ مُساعِدا
وَكُنتُ إِذا ما رُمتُ رَعيَ قَرارَةٍ / مِنَ المَجدِ أَرسَلتُ الرُدَينيَّ رائِدا
وَكَم رَجُلٍ أَثوابُهُ دونَ قَدرِهِ / وَقَد يَلبِس السلك الجمان الفَرائِدا
فَلا يُعجِبَن ذا البُخلِ كَثرَة مالِهِ / فَإِنَّ الشَغا نَقص وَإِن كانَ زائِدا
فَوا أَسَفا حَتّام أَمدَح جاهِلاً / وَأَنظَم فيمَن لا يُساوي القَصائِدَ
وَأَمدَح قَوماً لَيسَ يَدرونَ أَنَّني / مُقاوِد قَد قَلَّدتَهُم أَو قَلائَدا
أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري
أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري / فَخيِّل لي أَنَّ الكَواكِب لا تَسري
أَرى الرَملَة البَيضاء بَعدَكَ أَظلَمَت / فَدَهري لَيلٌ لَيسَ يُفضي إِلى فَجرِ
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّ فيها وَديعَة / أَبى ربها أَن تَستَرِد إِلى الحَشرِ
رَزيت بِملء العَين يُحسَب كَوكَباً / تولَّد بَينَ الشَمس وَالقَمَر وَالبَدرِ
بِأَبلَجَ لَو يَخفي لَنَمَّ ضِياؤُهُ / عَلَيهِ كَما نَمَّ النَسيمُ عَلى الزَهرِ
بِنَفسي هِلال كُنتُ أَرجو تَمامَهُ / فَعاجله المِقدار في غُرَّة الشَهرِ
وَشِبل رَجَونا أَن يَكون غَضَنفَراً / فَماتَ وَلَم يَجرح بِنابٍ وَلا ظفرِ
أَتاهُ قَضاءُ اللَهِ في دار غُربَةٍ / بِنَفسي غَريبُ الأَصلِ وَالقَبرِ وَالقَدرِ
أُحَمِّلُهُ ثقل التُرابِ وَإِنَّني / لأَخشى عَلَيهِ الثُقلَ مِن مَوطءِ الذَرِ
وَأودعه غَبراء غَيرَ أَمينَةٍ / عَلَيهِ وَلَكِن قادَ شر إِلى شَرِّ
فَواللَهِ لَو أَسطيعَ قاسَمتُهُ الرَدى / فَمُتنا جَميعاً أَو لقاسَمَني عُمري
وَلَكِنّما أَرواحَنا مُلكَ غَيرِنا / فَماليَ في نَفسي وَلا فيهِ مِن أَمرِ
وَما اقتَضتِ الأَيّام إِلّا هِباتها / فألّا اقتَضتها قَبلَ أَن مَلأتَ صَدري
وَمِن قبل أَن يَجري هَواهُ وَإِلفه / بِقَلبي جَريَ الماء في الغُصُنِ النَضرِ
وَلا حُزنَ أَلّا يَومَ وَارَيتُ شَخصَهُ / وَرُحتُ بِبَعضِ النَفسِ وَالبعض في القَبرِ
وَأَعلَمُ أَنَّ الحادِثاتِ بِمُرصِدٍ / لِتأخُذ كُلّي مِثلَما أَخذت شَطري
أَحينَ نَضا ثَوب الطُفولَة ناسِلاً / كَما يَنسَّلُ الرِيش اللَوام عَن النَسرِ
وَخَلَّى رِضاعَ الثَدي مُستَبدِلاً بِهِ / أَفاويق مِن دَرِّ البَلاغَة وَالشِعرِ
وَالقى تَميمات الصِبا وَتباشَرَت / حَمائِل أَغماد المهنَّدَةِ البُترِ
وَبانَ عَلَيهِ الفَضل قَبلَ اثِّغارِهِ / وَيَبدو وَإِن لَم يثَّغر كرم المُهرِ
وَقامَت عَلَيهِ لِلعَلاءِ شَواهِدُ / كَما استَشهَد العَضب السَريجي بِالأَثَرِ
وَخَبَّرنا عَن طيبهِ ماء وَجهِهِ / كَتَخبير ماء الظَلم عَن طيبة الثَغَرِ
وَجادَت بِهِ الأَيام وَهيَ بَخيلَة / وَقَد يَنبَع الماء الزُلال مِنَ الصَخرِ
طَواهُ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَأَصبَحَت / مَغانيهِ ما فِيهِنَّ مِنهُ سِوى الذِكرِ
فَجادَ عَلى قَسرٍ بِباقي ذِمائِهِ / وَقَد كانَ مِمَّن لا يَجود عَلى القَسرِ
فَإِن أَبكِ فَالقُربى القَريبَةُ تَقتَضي / بُكايَ وَإِن أَصبِر فَبَقياً عَلى الأَجرِ
فَبي مِنهُ ما يوهي القوى غَيرَ أَنَّني / بُنيتُ كَما يُبنى الكَريم عَلى الصَبرِ
وَما صَبرُ مَحزونٍ جناح فؤادِهِ / يُرَفرِفُ ما بَينَ التَرائِبِ وَالنَحرِ
يُقَلِّبُ عَيناً ما تَنامُ كَأَنَّها / بِلا هَدبٍ يُثنى عَلَيها وَلا شَفرِ
غَطا دمعها أَنسانُها فَكَأَنَّها / غَريق تَسامى فَوقه لُجَجُ البَحرِ
يُنَغِّصُ نَومي كُلَّ يَومٍ وَيقظَتي / خَيالٌ لَهُ يَسري وَذِكرٌ لَهُ يَجري
وَيوسع صَدري بِالزَفير ادِّكاره / عَلى أَنَّ ذاكَ الوسع أَضيقُ لِلصَّدرِ
وَقالوا سيسليه التأَسّي بِغَيرِهِ / فَقُلتُ لَهُم هَل يَطفأ الجَمرُ بِالجَمرِ
أَيندَمِلُ الجَرحُ الرَغيب بِمِثلِهِ / إِلّا لا وَلَكِن يَستَطيرُ وَيَستَشري
وَلَيتَ التأسي بِالمُصيبَةِ كائِنٌ / كفافاً فَلا يُسلي هُناك وَلا يُغري
فَلا تَسأَلوني عَنهُ صَبراً فَإِنَّني / دفنت بِهِ قَلبي وَفي طَيِّهِ صَبري
فإلّا تَكُن قَلبي فَإِنَّكَ شَطرِهِ / قُددتَ كَما قُدَّ الهِلالُ مِنَ البَدرِ
أَيا نِعمَةً حَلَّت وَوَلَّت وَلَم أَكُن / نهَضتُ بِما لِلَّهِ فيها مِنَ الشُكرِ
وَضاعفَ وَجدي أَن قَضيتَ وَلَم تُقِم / مَقامَ الشَجا المَعروض في ثَغرة الثَغرِ
وَلَم تَلقَ صَفّاً مِن عِداكَ بِمِثلِهِ / كَما أَسنَد الكِتاب سَطراً إِلى سَطرِ
وَما خُضتَ جَيشاً بِالدِماءِ مُضمَّخاً / يَرى بيضُهم مِثلَ الحَبابِ عَلى الخَمرِ
وَلَم تَختَصِم حوليك أَلسِنَة القَنا / فَتَحكُمُ في الهَيجاء بِالعرف وَالنُكرِ
بَضَربٍ يَطير البَيضُ مِن حَرِّ وَقعِهِ / شَعاعاً كَما طارَ الشَرارُ عَن الجَمرِ
تَرى زرد الماذيِّ مِنهُ مفكَّكاً / يَطيح كَما طاحَ القُلامُ عَن الظفرِ
وَلَمّا تُضِف في نَصرَةِ اللَهِ طعنه / إِلى ضَربَةٍ كالبِئرِ فَوقَ شَفا نَهرِ
وَلَمّا تَقُم لِلَّهِ بِالقِسطِ مَوقِفاً / سَأَقضي وَلمّا أَقضِ مِن مِثلِهِ نذري
وَلَم تَمشِ في ظِلِّ اللواء كَما مَشى / إِلى الصَيدِ فهد تَحتَ رفرفة الصَقرِ
وَلَم تُخفِق النيران حَولَك للقِرى / كَما خفقت أَطراف الويةٍ حُمرِ
وَلَم تَقفُ أَبكار المَعاني وعونِها / فَتَرغب فيها مِن عَوانٍ إِلى بِكرِ
وَلَمّا تَبارى النَجم ضوءاً ورِفعَةً / وَصيتاً وَأَنواءً وَهَدياً إِذا يَسري
وَلَم تَخجَل الرَوض الأَنيق بِرَوضَةٍ / مفوَّقةِ الأَرجاءِ بِالنَظمِ وَالنَثرِ
وَلَمّا تَقم في مَشهَدٍ بَعدَ مَشهَدٍ / تَصدّق أَخبار المَخايلَ بِالخُبرِ
وَما قلت إِلّا ما ذَكاؤُكَ ضامِنٌ / لَهُ كَضَمانات السَحائِب لِلقَطر
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ربك إِن تَكُن / عبرت إِلى الأُخرى فَنَحنُ عَلى الجِسرِ
وَما نَحنُ إِلّا مِثلَ أَفراس حلبةٍ / تَقَدَّمنا شيء وَنَحنُ عَلى الإِثرِ
وَلَمّا تَجارَينا وَغايَة سَبقنا / إِلى المَوتِ كانَ السَبقُ لِلجَذَعِ الغَمرِ
مَحاك الرَدى مِن رأي عَيني وَمامَحا / خَيالك مِن قَلبي وَذِكرك مِن فِكري
فَما أَنسَ مِن شيء وَإِن جَلَّ قدره / فَإِنَّكَ مِنّي ما حَييتُ عَلى ذِكرِ
وَإِنّي مِن دَهرٍ أَصابَكَ صِرفِهِ / وَأَخطأَني مِن أَن يُصيبَ عَلى حِذرِ
رحلتَ وَخَلَّفتَ الَّذينَ تَرَكتَهُم / وَراءَكَ بالأَحزانِ وَالهَمِّ وَالفِكرِ
فَلَو لفضتكَ الأَرض قلت تَشابَهت / مَناظِر من في البطن مِنها وَفي الظَهرِ
وَلا فَرقَ فيما بَينَنا غَيرَ أَنَّنا / بِمَسِّ الأَذى نَدري وَأَنَّكَ لا تَدري
رَجوتك للدُّنيا وَللدِّينِ قَبلَها / وَرُحتَ بِكَفٍ مِن رَجائِهما صِفرِ
أَزورَكَ إِكراماً وَبِرّاً وَفي البِلى / لِمثلِكَ شغل عَن وَفائي وَعَن بِرّي
وَلَمّا أَتى بَعدَ المَشيب عَدَلتُهُ / بِعَصر الشَباب الغَضِّ بورك من عَصرِ
وَقلت شَبابُ ابني شَبابي وَإِنَّما / يَنقَّلُ مَعنى الشَطر مِنّي إِلى الشَطرِ
فَوَلّى كَما وَلّى الشَبابُ كِلاهُما / حَميد فَقيد طَيِّب العَهدِ وَالنَشرِ
وَكانَ كَمِثلِ العَنبَرِ الجونِ لبثِّهِ / فَبانَ وَأَبقى في يدي عبق العِطرِ
نَقضت عُهود الوُدِّ إِن ذقت بَعدِهِ / سلواً إِلّا إِنَّ السَلو أَخو الغَدرِ
وَما أَنا بِالوافي وَقَد عِشتُ بَعدَهُ / وَرُبَّ اعتِراف كانَ أَبلَغ مِن عُذرِ
كَفى حُزناً أَنّي دعوت فَلَم يَجِب / وَلَم يَكُ صَمتاً عَن وَقارٍ وَلا وَقرِ
وَلَم يَكُ مِن بُعدِ المَسافَة صَمته / فَما بَينَنا إِلّا ذِراعانِ في القَدرِ
نُنافِسُ في الدُنيا غُروراً وَإِنَّما / قَصارى غِناها أَن يَؤولَ إِلى الفَقرِ
وَإِنّا لَفي الدُنيا كركب سَفينَةٍ / نَظُنُّ وقوفاً وَالزَمان بِنا يَجري
طويت اللَيالي وَاللَيالي مَراحِل / إِلى أَجَلٍ يَسري إِليَّ كَما أَسري
وَأَفنَيتُ أَياماً فَنيتُ بِمَرِّها / وَغايَة ما يُفني وَيَفنى إِلى قَدرِ
إِلى اللَهِ أَشكو ما أَجِنُّ وَإِنَّني / فَقَدتُكَ فَقدَ الماءِ في البَلَدِ القَفرِ
عَلى حينَ جِزتُ الأَربَعينُ مُصَوِّباً / وَلاحَت نُجومُ الشيب في ظُلمِ الشَعر
فَيا مَعشَرَ اللَوامِ كفوا فَإِنَّني / لِفَرطِ الجَوا قد قامَ لي في البُكا عُذري
إِذا ما تَوَلّى ابني وَوَلَّت شَبيبَتي / وَوَلّى عَزايَ فالسَلامُ عَلى الدَهرِ
خَليليَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرَها
خَليليَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرَها / لَعَلّي بِأَحلام الكَرى أَستَزيرُها
وَلَو علمت بِالطَيفِ عاقَته دونَنا / لَقَد غبطت بُخلاً بِما لا يَضيرها
إِذا انتقبت أَعشى النَواظِرَ وَجهُها / ضِياءً وَإِشراقاً فَكَيفَ سُفورُها
فَما فقرها نَحو السُتورِ وَإِنَّما / يَردُّكَ عَنها نورها لا سُتورُها
ليهنَ مروطَ الخُسُروانيِّ إِنَّهُ / يُباشِرُ مِنها بِالحَرير حَريرُها
هَلالِيَّة الأَنساب وَالبعد وَالسَنا / فَلَستَ بِغَيرِ الوَهمِ إِلّا تَزورُها
يَحِفُّ بِها في الظَعن مِن سِرِّ عامِرٍ / بدورُ دُجى هالاتُهن خُدورُها
إِذا زيَّن الحليُ النِساءَ فَإِنَّهُ / يُزَيِّنُهُ أَجيادها وَنُحورُها
وَإِنَّ بِقَلبي نَحوَهُنَّ لَغُلَّة / يقوِّم معوَجَّ الضُلوعِ زَفيرُها
نزلن بروض الحَزن فابتَسمت لَها / ثُغورُ أَقاحي الرُبا وَثُغورُها
وَفَّتح در الطَل أَجفان زهره / تلاحظنا زرقُ العيونِ وَحورُها
فَهَل عِندَ غُصنِ البانَة اللَدنِ أَنَّهُ / يُناسبه أَجيادها وَخصورُها
أَيا مَن لعين لا يَغيض مَعينُها / وَرَمضاءُ قَلب ما يَبوخُ هَجيرُها
إِذا خَطَرَت مِن ذِكرِ حَمدَة خَطرَةٌ / عَلى مُهجَتي كادَ النَوى يَستَطيرُها
وَأَطلُبُ مِنها رَدَّ نَفسي بِكَفِّها / وَهَل رَدَّ نَفساً قَبلَها مُستَعيرُها
وَأَهوى تَداني أَرضها لا لبنية / وَلَكِنَّ قَلبي حَيثُ سارَت أَسيرُها
فطمت فطام الفلو نَفسي عَن الصِبا / فريعت لَها ثُمَّ استَمَرَّ مَريرُها
وسرت وللَّيلِ الأَحمِّ شَبيبَة / عَلى كل أفقٍ وَالصَباحُ قَتيرُها
بِفضلةِ مرقالٍ أَمون كَأَنَّها / يُناط عَلى بَعضِ الأَهِلَّةِ كورُها
تَباري فَتُبري كُلَّ حرف كَأَنَّما / عَلى سُنَّةٍ مِن قَوسِ نَبعٍ جَريرُها
يُخَيَّلُ لي أَنَّ الفَيافي مَصاحِفٌ / وَداميَ آثار المطيِّ عُشورُها
هَداهنَّ في الظَلماء مِن دَولَة الهُدى / وَدَولَةٌ طيٍّ شَمسُها وَمُنيرُها
كتبنا عَلى أَعناقِها وَخُدودها / حَرامٌ إِلى غَيرِ الأَمير مَسيرُها
نَفيس عَطاياهُ وَلَيسَ بِواهِبٍ / نَفائِسُ هَذا الدُرِّ إِلّا نُحورُها
لَهُ مَنطِق ينبيك عَن بأسِهِ كَما / يدلُّ عَلى بأس الأسود زَئيرُها
فَللبيضِ وَالجَدوى بطون بَنانه / مَغاً وَلتقبيل المُلوك ظهورُها
وَلَو أَنَّ تَقبيلاً محا الكَفَّ لانمحت / بِراجم كَفَّيه وَبانَ دُثورُها
تُقرُّ لَهُ بالسَبقِ طي وَإِنَّهُ / ليسبق أَجواد الرِجال حَسيرُها
فأشرف أَعضاء الرِجال قلوبها / وَأَشرَفها إِن قَبَّلته ثُغورُها
يُقَلِّدُها طوق العَطايا فَإِن نبت / عَن الشُكرِ عاد الطَوق غِلاً يُديرُها
وَيصغر كل الناس في جَنب طيىءٍ / وَيصغر في جنب الأَمير كَبيرُها
وَكُلُّ جَوادٍ سَيدٍ غَيرَ أَنَّهُ / يُقَصِّرُ عَن بَحرِ العَطايا غَزيرُها
إلا إِن وَجهَ المَجدِ طيٌّ وعينه / كرام عَنين وَالمُفَرِّج نورُها
وَقَد كانَ أَولاها يَطول بِحاتم / كَما بأبي الذَواد طالَ أَخيرُها
فلوقيس أَهل الأَرض دَع عَنكَ حاتِماً / بخِنصِرِه أَربى عَليهِم عَشيرُها
فَإِن كُنتَ مُرتاباً بِقَولي فَهَذِهِ / مَواهِب كَفَّيهِ فَأَينَ نَظيرُها
إِلّا إِنَّ لِلعَلياء وَالمَجد كِتبة / تَلوحُ عَلى وَجهِ الأَميرِ سُطورُها
وَلا دَولَة إِلّا وَيَهتَز تاجها / وَيرتَجُّ مِن شَوق إِلَيهِ سَريرُها
وَتَختال أَعوادُ المَنابِر باسمه / وَيطرب تيهاً بالخَطيب وَقورُها
وَللعرب العرباء مِنهُ مَعاقِل / تُطلُّ عَلى الشِعرى العبور قُصورُها
شَرائفها زرق الأَسنة وَالقَنا / دَعائمها وَالطَعن وَالضَرب سورُها
بِعِزِّ أَبي الذَوّادِ عِزَّ ذَليلها / وَذَلَّت أَعاديها وَسَدَّت ثغورها
إِذا قيلَ في الهَيجاء هَذا مفرجٌ / فَأَنجبُ فُرسان العداة فَريرُها
تفر الأَعادي باسمه قَبلَ جِسمِهِ / وَهمهمة الأَسَد الضَواري زَئيرُها
يَزينُ دَم الأَبطالِ أَكتاف درعه / كَما زانَ أَثواب العَروسِ عَبيرُها
وَيفري بيمناه الكَليل مِن الظُبى / وَيَزداد طولاً في يَدَيهِ قَصيرُها
كَذا اللَيثُ يفري كل ظَهر بِكَفِّهِ / فَيَنبو بِكَفّي من سواه طَريرُها
وَما ذَكَّروا الأَسياف إِلّا لِغَيرِهِ / إِذا لَم يؤَيد بِالذكور ذُكورُها
يَخوض بِهِ زُرق الأَسِنَّة سابِق / عَلى مِثلِهِ خَوض الوَغى وَعُبورُها
شمال إِذا وَلّى جَنوبٌ إِذا أَتى / وَإِن يَعتَرِض فَهوَ الصَبا وَدُبورُها
يَرضُّ الحَصى مِنهُ حَوام كَأَنَّما / مَناسِر أَفواه النُسور نُسورُها
لَقَد ضاعَ أَمرٌ لا يَكون يديره / وَأَنساب مَجد لا يظل بغيرها
وَضَلَّت جُيوش لا يَكون أَميرها / لَدى الرَوعِ أَو تؤتى إِلَيك أُمورُها
فَإِنَّكَ ما انسلَت إِلّا أَجادِلاً / تُخطِّف خِزّانَ المُلوك صُقورُها
فَعُدتَ بمرصاد لِكُلِّ فَضيلَةٍ / فَلا رتبة إِلّا إِلَيكَ مَصيرُها
وَكَيفَ يَفوت المجد أَبلَجَ عَرَّقَت / شُموس العُلى في أَصلِهِ وَبدورُها
أَبى عز طي أَن تقبل مِنَّة / لِغَيرِكَ أَو يحدا لغيرك عيرُها
فهم مِثلَ أَشبا الضَراغِمِ لَم يَكُن / لِيُطعِمَ إِلّا ما يَصيد كَبيرُها
لِكُلِّ امرىءٍ مِنهُم مِنَ المَجدِ رُتبَةً / عَلى قَدرِها أَو خِطَةَ تَستَديرُها
فَيَلقاكَ بِالجودِ الجَنيِّ غَنيّها / وَيَلقاكَ بالوَجهِ الطَليق فَقيرُها
تَفيض عَلى العِلّاتِ ماءَ جِنائِها / وَماء أَيادِيها عَلى مَن يَزورُها
تُباشِر بالأَضياف حَتّى كَأَنَّما / أَتاها مَع الضَيف المُنيخِ بَشيرُها
إِذا ضاقَ صَدرُ المجتَدي أَو فَناؤُهُ / فَقَد رَحُبَت ساحاتها وَصُدورُها
هيَ الأُسدُ لكن يأمَن الغَدر جارها / وَلا يأَمَن الأَساد مَن يَستَجيرُها
تنافِس في عِزِّ المَعالي كَأَنَّها / عَقائِل لَكِنَّ العَطايا مُهورُها
وأحييتَ بالآلاءِ أَموات طيىءٍ / بِذِكرِك مِن قَبل النُشورِ نُشورُها
أَرى المَجدَ إِنساناً وَقَحطان قلبه / وَسَوداؤهُ طيٌّ وَأَنتَ ضَميرُها
تُعاتِبُ سُعدى أَن تنقَّل دارَها
تُعاتِبُ سُعدى أَن تنقَّل دارَها / وَأَيَّة شَمسٍ يَستَقرُّ قَرارَها
أَعارَتك سَقم الجفن وَالجفن ضامِن / مَحاسِن أُخرى جَمَّة ما يُعارها
يمقلتها يَقضي غِرارٌ مِنَ الكَرى / وَما يٌقطَعُ الأَسياف إِلّا غِرارها
إِذا نَزَلتَ أَرضاً أَضاءَت بِوَجهِها / فَسيّانَ مِنها لَيلُها وَنَهارُها
كَواكِب لَكِنَّ الحدوج بروجها / بُدورٌ وَلَكِنَّ الخُدور سِرارُها
تَأَلَّقُ مِن تَحتِ النِقاب كَأَنَّما / يلاث عَلى شَمس النَهار خِمارُها
يَضُمُّ قَضيباً مِن أَراكٍ وِشاحِها / وَيَضمَن دِعصاً مِن زَرودٍ إِزارُها
إِذا انتقبت أَعشى النَواظِرَ وَجهُها / ضِياء وَإِشراقاً فَكَيفَ انسفارها
فَلا تعذلا في حُبِّها إِنَّ حُبَّها / سلافة خَمرٍ وَالحَنين خُمارُها
جَرَحتُ بِلَحظي خَدِّها فَتَعَمَّدَت / فُؤادي فأصمَته وَذاكَ انتِصارُها
فَدَعها وَقَتلي إِنَّها مِن قَبيلَةٍ / إِذا وَتَرَت لَم يُمطِل الدَهر ثارُها
إِذا نَزَلَ الأَضياف كاسَت عَقيرها / وَدارَت بِلا ذَنب كؤوس عُقارُها
بَكيتُ فَحَنَّت ناقَتي فَأَجابَها / صَهيل جوادي حينَ لاحَت دِيارُها
خططنا بأطراف الأَسِنَّةِ أَرضها / فأهدَت إِلَينا مِسك دارين دارُها
وَلاحَت ثَنايا الأُقحوانِ وَلَو رأت / ثَنايا الَّذي أَهواه طال استِتارُها
وَإِنّي وَإِن عاصيت في بيشة الهَوى / ليعجبني غُزلانها وَصوارُها
وَيعجبني جثجاثُها وَعَرارُها / وَحنوتُها أَو شيحُها وَبهارُها
أَرى الحُبَّ ناراً في القُلوبِ وَإِنَّما / يصعِّد أَنفاس المحب شرارُها
تَوَقَّ عُيون الغانِيات فَإِنَّها / سُيوف وَأَشفار الجُفون شِفارُها
نفرن وَقَد عاينَّ شَخصيَ وَالمَها / إِذا أَبصرت لَيثاً تَمادى نِفارها
بِنَفسي طيف جاد وَهناً بِمَوعِدٍ / غُرور وَقَد خاضَ الجُفونَ غِرارُها
أَلَمَّ وَرَحلي في فِناءينِ أَخصَبا / بِحَيث غُصونِ المَجدِ تَجنى ثِمارُها
وَهَل للمنى إِلّا أَبو الفَضلِ كعبة / يَكونُ إِلَيهِ حَجُّها واِعتِمارُها
تَخَيَّرتُهُ إِن الكِرام مَناهِلٌ / وَما يَستَوي غُدرانها وَبِحارُها
فَقَبَّلتُ إِذ عاينته خُفَّ ناقَةٍ / حباني بِهِ تهجيرها وابتِكارها
تعرَّق رَحلي ظَهرِها فَكَأَنَّما / تَضَمَّن مِنهُ ذا الفِقارِ فِقارها
وَزنَّاه بِالدُنيا فَزادَ وَإِنَّما / يُبَيِّنُ أَقدار الرِجال اختِبارُها
وَما يَعرف الإِنسان إِلّا بِغَيرِهِ / وَما فضلت يُمناك لَولا يَسارُها
أَقَلَّت ثراه همة يَمنيَّة / إِذا زارَت العيوق طالَ انحِدارها
لَهُ ماءَ وَجهٍ مُخبِرٍ عَن مَضائِهِ / وَرَونَق ماء الماضِيات غِرارُها
يَخاف عَداه سيفه وَلِسانِهِ / وَيُرهِب أَنياب الليوث وزارُها
صِلاتُ يَدَيه كالصَلاة فَتَركُها / ذنوب لَدَيهِ ما يُرجّى اغتِفارُها
سَجيَّة نَفسٍ بَينَ جَنبيه حُرَّة / تُباحُ أَياديها وبحمى ذمارِها
تَرى جودها بُخلاً بدون حَياتِها / فَيأتيكَ مِنها نَيلُها واِعتِذارُها
وَلو جَرَّ نَفعاً دفعه النَفس لَم يَكُن / عَلى مالِها دونَ الحياةِ اقتِصارُها
وَيُنجِز نعماه فَتَصفو وَرُبَّما / يُكَدِّر نُعماءَ الجَواد انتِظارُها
وَيحقر ما يُبدي فيعظم قدره / إِلّا إِنَّ تَعظيم الأَيادي احتِقارُها
وَإِن عَرَّسَت أَسيافه في معرسٍ / مِنَ الحَربِ أَمسَت وَالرؤوس نِثارُها
حَكى دَعفَلاً في بأسِهِ وَنَواله / كَما يَتبَع الخيل الجِياد مهارها
إِذا طالَت الآجال في حومَة الوَغى / فَفي شَفرَتي ما يَنتضيه اختِصارها
وَإِن عدلت عَنه العلى نَحوَ غَيرِهِ / وَحاشاه أَلجاها إِلَيهِ اضطِرارُها
يَحوز المَنايا وَالمنى مِنه أَنمِلٌ / طِوال القَنا تَزهى بِها وَقِصارُها
حَمَّيته أَسر بِهِ يثبت الوَغى / وَإِقدامه قطب عليه مَدارُها
وَيَرضاه ضَحضاح المَنيَّة خائِضاً / وَيَشكوهُ في بحر الثَناءِ غِمارُها
وَمَعرَكَة لِلنَّقعِ وَالطَير فَوقَها / سَحائِب لَكِنَّ النَجيع قِطارُها
سَماءٌ نعال الخيل فيها أَهِلَّة / وَلَكِنَّها لا تَستَدير صِغارُها
وَقَد أَلبس الفرسان مِن دكن نَسجِهِ / غَلائِل مِن فوق الدُروعِ غُبارُها
حَلَفتَ بِصدر الرُمح في صَدرِ كَبشِها / فَما مَيَّزَ الأَفواهَ عَنهُ خُوارُها
فَغَصَّت بِصَدرِ الرُمح ثغرة نَحرِهِ / كَما غَصَّ يَوماً بِالذِراعِ سِوارُها
وَضَمَّ الدَم المَسفوح أَرجاء درعه / كَما ضَمَّ أَرجاء السَفينَة قارُها
يَرُدُّ سِنان الرُمح مقلة أَزرَقٍ / بِها رَمَدٌ يَشتَد مِنهُ احمِرارُها
فَدتك رِجالٌ تحذر الفقر في النَدى / وَفي البُخلِ فَقرٌ لَيسَ مِنهُ حِذارُها
شَهِدنا لطيٍّ أَنَّهُ خَير عُصبَة / وَصَحَّ لَنا أَن الأَمير خيارُها
وَلَم أَرَ أُسدا غَيرَ آلُ مُفَرِّجِ / تَرَجّى عَطاياها وَيؤمِن زارُها
إِذا أَبرَمَت أَمراً فَلِلجودِ أَمرها / وَإِن هيَ لَم تُبرَم فَفيهِ اشتوارُها
جِبالُ حَلومٍ أَثقَلَ الحلم سَمعها / عَن اللَغوِ حَتّى قيلَ وقَرٌ وَقارُها
وَمِن شأنها إِسرافها في عَطائِها / فَإِن قيلَ ذا عارٌ فَذَلِكَ عارُها
غَدا بِنجوم السَعد مِن شدَّ رَحله / إِلَيكَ وَإِن باتَت وَشَطَّ مَزارُها
وَأحمد في مَدحيك وَالمَدح حلية / صياغتها منّي وَمِنكَ نُضارها
وَقَد يَمدَح الناس النُجومَ لِضوئِها / وَإِن كانَ مِن شَمس النَهار امتيارها
معين النَدى عالي المَدى وآكف الجَدا / مَريق الدِما وَالحَرب تسعر نارُها
أَتِلكَ حدوج أَم نجوم سَوائِرُ
أَتِلكَ حدوج أَم نجوم سَوائِرُ / وَتِلكَ غوانٍ بَينها أَم جآذِرُ
بدور دهاهن الفِراق فَجاءَة / وَقَد يَفجأ الإِنسان ما لا يُحاذِرُ
تَهيم بِبَدرٍ وَالتَنَقل وَالنَوى / عَلى البَدرِ مَحتوم فَهلأ أَنتَ صابِرُ
لَهُ من سَنا الفَجر المورَّدِ غرَةٌ / وَمن حَلَكِ اللَيلِ البَهيمِ غَدائِرُ
أَلَم تَرَ خَيلي وَالنُجومُ كَأَنَّها / عَلى غَسَقِ اللَيل النُجوم الحَوائِرُ
فثرنَ إِليَّ مِثلَ ما ثارَ لِلهُدى / وَدولته داع إِلَيهِ وَناصِرُ
يَنالُ مِنَ الأَعداءِ خَوف أَبي النَدى / وَهيبته ما لا تَنالُ العَشائِرُ
إِذا ما تَبَدّى لِلمُلوك تَناثَرَت / عَلى بَسطِها تيجانها وَالمَغافِرُ
تَخرُّ لَهُ الأَملاك إِن بَصَروا بِهِ / سُجوداً وَلَو أَنَّ القَنا مُتشاجِرُ
وَتلثم بَعدَ الأَرض مِنهُ أَنامِلاً / إِذا التَطمَت قَبلَ البحار الزَواخِرُ
بنان بِها أَلقى مَراسيهُ النَدى / مُقيماً كَما أَلقى عَصاهُ المُسافِرُ
هوَ المَلِكُ البَحرُ الَّذي قيلَ في الوَرى / فَإِن لَم أُجاوِرُهُ فمن ذا أُجاوِرُ
فَأَلقيت رحلي مِنهُ عِندَ موفَّق / بِجود بِما يَهوى وَما هوَ ذاخِرُ
بَعيد المَدى داني النَدى واكف الجَدى / لَهُ كرم ثاوٍ وَمجدٌ مُسافِرُ
أَصابَ العُلى في أَوَّلِ الأَمرِ إِنَّما / يُصيب بأولاها الرِماحُ الشَواجِرُ
إِذا الرُمح لَم ينفك أَولى كعوبه / لَدى الرَوع لَم تنفعك مِنهُ الأَواخِرُ
هوَ الطاعِن النَجلاء لا يبلغ أَمر / مَداها وَلَو أَنَّ الرِماح مُسابِرُ
تَراهُ كَأَنَّ الرُمح سلك بِكَفِّهِ / غُداة الوَغى وَالدارعون جَواهِرُ
يَردُّ أَنابيب الرِماح سَواعِداً / وَمن زَرَدِ الماذيِّ فيها أَساوِرُ
لَها بَين أوداجِ الكماة مَوارِدُ / وَبَينَ صُدور المارِقينَ مَصادِرُ
تعمَّد حَبّات القُلوبِ كَأَنَّما / خَواطِرَها عِندَ القُلوبِ خَواطِرُ
يُلَبيهِ من آل المفرج إِن دَعا / أسود لَها بيض السُيوفِ أَظافِرُ
وَأَولاده شَمس الدِين مِنهُم كَواكِباً / وَحسان بَدر في الكَواكِب ظاهِر
رَأَيتُهُمُ عقداً وَلَكِن أَبو النَدى / بِمَنزلة الوسطى وكل جَواهِرُ
حَكوا شمس دينِ اللَهِ بَأساً كَما حَكى / أُسود الشَرى أَشبالهن الخَوادِرُ
تَراهُ لِقَرع البيضِ بالبيضِ مُصغِياً / كَأَنَّ صَليلَ الباتِراتِ مَزاهِرُ
تَوَسَّط طياً نسبةً وَمَكارِماً / كَما وَسِطَت حُسن الوجوهِ النَواظِرُ
وَحَفَّت بِهِ الأَرجاء مِن كُلِّ جانِبٍ / كَما حَفَّ أَرجاء العيونِ المَحاجِرُ
فَما ماتَ طائي وَحَسّان خالِد / وَلا غابَ مِنهُم غائِبٌ وَهوَ حاضِرُ
وَكانَ لَهُم مِن جودِ كَفَّيه أَوَلٌ / فَصارَ لَهُم مِن جودِ كَفَّيك آخِرُ
وَلَو راءَ ما يبنيه حاتِم طَيِّها / لَقالَ كَذا تَبنى العُلى وَالمآثِرُ
بِسَيفك نالَت طيىءٌ ما لَو أَنَّها / تَمَنَّتهُ لَم تبلغ إِلَيها الضَمائِرُ
وَعَلَّمَها قَتل المُلوكِ وأسرها / فَتىً مِنكَ في صَيدِ الفَوارِس ماهِرُ
وَمن فضل ما خُوِّلَت جادَ بِأَوَلٍ / وَيَبقى مِنَ الشَمسِ النُجوم الزَواهِرُ
فَقَد تَشكُرُ الأَيّام أَنَّكَ زِنتَها / وَما كل مَفعول بِهِ الخَير شاكِرُ
وَما زلت ذُخراً للإِمام وَعُدَّةً / لِكُلِّ إِمامٍ عُدَّةٌ وَذَخائِرُ
فَلَمّا جَرى ما كانَ أَقفرت قلبه / لأَنَّكَ نَفّاع إِذا شِئتَ ضائِرُ
تولى إِماماً ثُمَّ تَعزِل مثله / فَإِن تُدَع مأموراً فَإِنَّكَ آمِرُ
يُشَرِّفُ أَفناء المُلوكِ إِذا بَدَت / لَهُم فيكَ يَوماً ذمة وَأَواصِرُ
وَيُقهر مِنهُمُ مَن يُنازِعُ مُلكَهُ / وَأَولى الوَرى بِالمُلكِ مَن هوَ قاهِرُ
وَيَنصُرُكَ السَيف اليَماني عَليهِمُ / لأَنَّ اليَماني لِليَماني مُضافِرُ
لِذَلِكَ يَمضي في يَديك كَليلها / وَتَنبو بِكَفّي من سواكَ البَواتِرُ
أَحاطَ بِكَ التَوفيق مِن كُلِّ وجهَةٍ / وَجاءَتكَ مِن كُلِّ البِلادِ البَشائِرُ
وَيُلقي إِلَيكَ الأَمر كل خَليفَةٍ / فَقَدِّم وأَخِّر فعل من لا يؤامِرُ
إِذا كرهت أَعداؤُكَ إِسمك وَاِنثَنَت / لَهُ هرباً حَنَّت إِلَيهِ المَنابِرُ
وَما أَنا إِلّا رَوضَةٌ إِن مطرتها / تحوَّل هَذا المَدح أَزهَر زاهِرُ
فَإِن جادَني من جود نعماكَ رائِحٌ / فَقَد صادَني من صوب يُمناكَ باكِرُ
وَإِنّي لأَرجو أَن أَنالَ مِنَ الغِنى / بشعري ما لَم يَحوِهِ قَطُّ شاعِرُ
إِذا ما سَتَرتُ المَدحَ أَثناء مَنطِقي / فَلِلجودِ مِني حينَ يَطويهِ ناشِرُ
فَعِش عُمرَ مَدحي فيكَ إِنَّ مَدائحي / مُخَلَّدَة ما دامَ في الأَرضِ غابِرُ
طلبت العُلى بالجِدِّ وَالجَدُّ بَيِّنٌ / وَحَظُّكَ مِن كُلِّ الفَريقَينِ وافِرُ
كَأَنَّكَ مَغناطيس كل فَضيلَة / فَلا فَضل إِلّا وَهوَ نَحوَكَ سائِرُ
هيَ البَدرُ لِكِن تستر مَدى الدَهرِ
هيَ البَدرُ لِكِن تستر مَدى الدَهرِ / وَكل سِرار البَدر يَومانِ في الشَهرِ
هَلاليَّةٌ نيل الأَهِلَّة دونَها / وَكل نَفيس القدر ذو مطلب وَعرِ
وَمِن دونِها سوران سُورٌ مِنَ النَوى / وَسورٌ مِنَ الأَسيافِ وَالأسل السُمرِ
وَدون ارتِشافِ الريق يَرشف بِالقنا / عَريض الدِماء ماء يُشَبَّه بِالثَغرِ
طَوى طيفها في النَوم نَحوي مَفاوِزاً / مِنَ الأَرضِ تنضي راكِب البَرِّ وَالبَحرِ
فيها لَيلَةً كانَت لَهُ بِسوادها / وَبَهجَتِها كالخالِ في وَجنَةِ البكرِ
لَها سَيف طرف لا يزايل جفنه / وَلَم أَرَ سَيفاً قَطُّ في غمده يَغري
عُيونُ هِلالٍ في القُلوبِ ولحظها / أَحَدُّ وَأَمضى مِن سيوفِهِم البتر
لَها ريقة أَستغفر اللَهَ إِنَّها / أَلَذُّ وَأَشهى في النُفوسِ مِنَ الخَمرِ
أُعانِق مِنها صعدة راعبيَّة / تَرى زَجّها في مَوضِع النظر الشَزَرِ
وَيقصر ليلي إِن أَلمَّت لأَنَّها / صَباحٌ وَهَل لِلَّيلِ بقياً مَع الفَجرِ
أَقولُ لَها وَالعيسُ تحدج لِلنَّوى / أَعدّي لِفَقدي ما استَطَعتِ مِن الصَبرِ
وَقَد كانَتِ الأَجفانُ لِلجزع مَعدِناً / فَصارَت لِفَيضِ الدَمعِ مِن صَدفِ البَحرِ
سَأَنفقُ ريعان الشَبيبَة آنِفاً / عَلى طلبِ العَلياء أَو طَلَبِ الأَجرِ
أَلَيسَ مِنَ الخُسرانِ أَنَّ لَيالياً / تَمُرُّ بِلا نَفَعٍ وَتُحسَبُ مِن عَمري
تَبَدَّل وَجه الأَرضِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ / لِيأخُذ بِالتَعبيسِ مِن رَونَقِ البِشرِ
وَقَد كانَ ناونا فَآثَرهُ بِنا / بِذي كَرَمٍ بِالنَفعِ يُنجي مِنَ الضُرِّ
وَقَد كانَ نِجماً واضِحاً كُمُحَمَّدٍ / وَمثل عَلاه أَو خَلائقه الغرِّ
أَغَرَّ لَهُ باع تَقسَّمه العُلى / فَلِليَمَنِ يُمناهُ وَيُسراهُ لِليُسرِ
يَنوطُ نِجادي رَأيه وَحسامه / بِصَدرٍ كَمثل البَحرِ أَو سِعَة البَرِّ
وَيَحلُم عَن ذي الجَهلِ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاهُ مِن فَرطِ الوِقارِ أَخو وَقرِ
يُمَيِّزُهُ مِن كُلِّ شبهٍ فَضائِل / شَهرنَ لَه في الأَرضِ كالواو في عمرِو
وَيعرف قَبلَ الخير بِالبشر فَضله / كَما يُعرَفُ الصِمضامَةُ العَضَب بِالأَثَرِ
فَلا تعجبا أَن يَلفظ الدُر قائِلاً / فَلَم يَخلُ بحر زاخر قَطُّ مِن دُرِّ
إِذا جَلَبَ الأَقلام نَحوَ يمينه / فَقَد جلبت مِن شَطِّ بَحرٍ إِلى بَحرِ
يذكِّرُ أَعواد المَنابِرِ جده / وَأَباءه وَالأَمرُ يُذكَرُ بِالأَمرِ
فَلَو أَنَّ أَعواد المَنابِرِ جده / وَأباءه وَالأَمرُ يُذكَرُ بِالأَمرِ
تَبيَّنُ في الطِفلِ النَجابَة مِنهُم / كَما يَستَبين العتق وَالسَبق في المَهرِ
رأيت العُلى تَحتاج أَصلاً وَبيئة / وَهَل يَطبع الدينار إِلّا مِنَ التِبرِ
تَجَرَّد هَذا الدَهر في نَصر أَهلِهِ / وَترك القَضا في كَفِّ خير أَولي النَصرِ
وَنيطَ بِهِ أَمر المَظالِمِ إِنَّما / يَنوطُ أَخو العزم الحَمائِل بِالصَدرِ
فَأَضحى ظَلام اللَيلِ نوراً بِعَدلِهِ / وَهَل لِظَلامِ اللَيلِ نَفع مَع الفَجرِ
وَزَيَّن أَقطارَ البِلادِ بِحُكمِهِ / وَأَحكامِهِ في الأَرضِ كالظَلم في الثَغرِ
بَدأتَ بِأَمرٍ فأته قَبلَ فوته / وَما دمت بَل لا زِلت متمثل الأَمرِ
وَإِنّي وَإِذكاريك أَمري كَقائِل / لهذي النُجوم وَهيَ تَسري أَلا فاسري
رَعاكَ الَّذي اِستَرعاكَ أَمر عِبادِهِ / وَحَيّاكَ مَن أَحياكَ لِلنَّفعِ وَالضُرِّ
لَهُ قَلم يَفري رِقاب عداته / وَهَل مخلب في إِصبَع اللَيثِ لا يَفري
إِذا سحب القرطاس مِن وَقعِهِ بِهِ / تَجَلَّت وجوه الخَطبِ وَالخُطَبِ الغُرِّ
تَجَمَّعَ أَقسام العُلى في كِتابِهِ / فَكانَ العُلى في الكُلِّ وَالشَطر في السَطرِ
الأئِمَة في الجود دعه فَإِنَّهُ / عَلى كُلِّ حالٍ يَعدِل البُخلَ بِالكُفرِ
إِذا لمته في لَج فِعلٍ فَقُل لَنا / أَتَعذِلَهُ بِالدَرِّ في الجود أَم تُغري
أَمُنتَجِعُ الغيث أَنتجع بحر كَفِّهِ / فَما الغَيثُ إِلّا في أَنامِلِهِ العَشرِ
أَمُنتَجِعُ الماء القراح وَهذه / سَحائِبُ تَهمي بِاللُجَينِ وَبالتِبرِ
وَما المَجد إِلّا رَوضَة هوَ زهرها / وَلَيسَ يَروق الرَوض إِلّا مَع الزَهر
عجبت لِهَذا الدَست كَيفَ جَفافه / وَقَد ضَمَّ بَحراً مِنكَ لَيسَ بِذي جَزرِ
وَقالوا لَنا في الدَهر بُخلٌ وَما سَخا / بِمثلك إِلّا أَهل ذا الزمن الحُرِّ
يَنُمُّ عَلَيكَ الفَضلَ في كُلِّ مَوطنٍ / نزلت كَما نَمَّ النَسيم عَلى العِطرِ
فِداؤك حيٌّ مِثلَ مَيتٍ لبخله / يُظَنُّ اقتناء المالِ خَيرٌ مِن الذِكرِ
يَموتُ لَئيم القَومِ مِن قبل مَوتِهِ / وَيقبُرُ مِن قَبلِ الدُخولِ إِلى القَبرِ
فَعِش عُمرَ مَدحي فيكَ إِنَّ مَدائحي / مِنَ الخالِداتِ الباقِياتِ إِلى الحَشرِ
عَلا بِكَ نَجم الدين فاشتَد ناصِره
عَلا بِكَ نَجم الدين فاشتَد ناصِره / وَرَفرَفَ بِالتَوفيقِ وَاليُمنِ طائِرُهُ
تُسايرُكَ العَلياء وَالمَجدُ مِثلَما / يُصاحِبُ شَخصاً طِلَّهُ وَسايرُهُ
طلعت لدين اللَهِ شَمساً تحفّها / غَمائِم جود ما تغبُّ مَواطِرُهُ
فَلا ضَوءُ شَمسُ الدين تَقشع غيمها / وَلا الغَيمُ مِنها مانِع الضَوءِ ساتِرُهُ
لَقَد نَسِيَت طيىءٌ بجودك حاتِماً / وَأَغناهم عَن غايب الفَخر حاضِرُهُ
وَخَوَّلَهم ما يُنبَتونَ بِهِ العُلى / ويَغنَون ما تبقى عَليهم مآثِرُهُ
فمن جاء مِن طييٍّ شكرناك دونَه / لاعطائك الطَولُ الَّذي هوَ ناشِرُهُ
وَمن يرد الغُدران يَرجع ثَناؤُهُ / عَلى المُزن إِنَّ الغُدرَ مما تُغادِرُهُ
يُشلُّ العِدى خوف الأَمير إِذا وَنَت / كَتائِبُهُ عَن سلمهم وَمَناسِرُهُ
إِذا ما احتَمى بِالجَيشِ مَلكٌ فَإِنَّما / بِذِكرِ أَبي الدَواد يُحمى عَساكِرُهُ
كَفاهُ من الأَعوانِ في الرَوعِ بأسُهُ / وَأَغنَته عَن نَصرِ الجُيوشِ بَواتِرُهُ
وَما اللَيث مُحتاجٌ إِلى نصر غَيرِهِ / إِذا سلمت أَنيابِهِ وَأَظافِرُهُ
هوَ السالِبُ الأَعداء في ساعضة الوَغى / وَيَسلبُهُ في ساعَة السِلمِ زائِرُهُ
مَواهِبُهُ مِمّا أَفادَت سُيوفه / وَلَولا بروق المُزن ما انهَلَّ ماطِرُهُ
هوَ المَلكُ أَضحى الغيث لَيسَ بِنافِعٍ / إِذا جادَ أَرضاً صوبه وَبَوادِرُهُ
هوَ البَحرُ إِن صادَمته تَبقَ وَسطه / غَريقاً وَإِن تَستَجِدِ تَأتي جَواهِرُهُ
وَلَم أَرَ جوداً غَير جود ابن دُغفُلٍ / معنياً إِذا استرفدته فازَ زائِرُهُ
مفرَّقة في كُلِّ وَفدٍ هباته / مقسمة في كل نَجدٍ خَواطِرُهُ
إِذا ما أَتى بِالجودِ تحلف ما لَهُ / نَظير أَتَت مِن راحتيه نَظائِرُهُ
فَقَد شَرَّد الأَموال نَفياً كَأَنَّما / تَألّى يَميناً أَنَّها لا تُجاوِرُهُ
فَتىً جِدُّهُ في المكرمات وَهزلهُ / وَباطِنُهُ في المأثُراتِ وَظاهِرُهُ
فَلِلجودِ وَالهَيجاءِ وَالحلم شَطرهُ / وَللنَّقضِ وَالإِبرامِ وَالحَزمِ سائِرُهُ
غَدا كل مجد محدقاً بِمُفَرِّجٍ / كَما اكتنفت إِنسان عَينٍ مَحاجِرُهُ
وَنيطَت بِهِ الآمال وَالحَرب وَالعُلى / وَليداً وَما نَيطَت عليه مآزِرُهُ
يُخبِّرنا عَن جودِهِ بشر وجهه / وَقبلَ انصداع الفَجرِ تَبدو بَشائِرُهُ
وَيصدُقُ فيهِ المَدحُ حَتّى كَأَنَّما / يَسبح مِن صدق المَقالَةِ شاعِرُهُ
وَدَوَّخَ أَملاك البَريَّةِ يافِعاً / فَكَيفَ بِهِ لَمّا استَمَرَّت مَرائِرُهُ
إِذا المهر بَذَّ الخَيلَ في عُنفوانِهِ / فَكَيفَ تُدانيه إِذا فَرَّ فاطِرُهُ
يَجولُ بِهِ نَهد المَراكِلِ لَم تَزَل / تُواطيء هاماتِ الرِجالِ حَوافِرُهُ
يَظَلُّ عَلَيها متلئباً كَأَنَّهُ / خَطيب أناس وَالرؤوس مَنابِرُهُ
كَميٌّ تحاماهُ الكُماة كَأَنَّما / تُناطُ عَلى لَيث هَزبرٍ مَغافِرُهُ
يَكادُ لأدمان القِراعِ حُسامه / يُسابِقُهُ نَحوَ الطلى وَيُبادِرُهُ
فأن تعلُ قَحطان فَفي الليل أَنجم / وَلا يَستَوي أَغفاله وَزواهِرُهُ
وَلا يَستَوي حَدَّ الحُسامِ وَصفحه / وَلا أَوَّل الرُمحِ الأَصمّ وَآخِرُهُ
يُشابِهُهُ في رؤيَةِ العَينِ غيره / وَيبعد شبهاً حينَ تَأتي مَفاخِرُهُ
أَرى الناس مِثل الماء مشتبه الروى / وَلا يَتَساوى إِن يَكونُ تُجاوِرُهُ
لَقَد جادَني مِن جود كَفِّك وآبل / فَأَصبَحتُ رَوضاً وَالقَوافي أَزاهِرُهُ
فَإِن لَم أكافيهِ فَإِنّي شاكِرٌ / بِجُهدي وَإِن كافى عَلى العُرفِ شاكِرُهُ
وَأَعلَم أَنّي لست مُدرِكٌ وَصفهُ / أَيُدرِك عَرض الجَوِّ بِالكَفِّ شابِرُهُ
وَماليَ في مَدحَيهِ شيءٌ لِأَنَّني / نظمتُ مِنَ الدُرِّ الَّذي هوَ ناثِرُهُ
ليهنك عيد قَد أَطَلَّت سعوده / وَشهر صيام وَدَّعتك أَواخِرُهُ
وَقَد كُسيت أَيامُهُ مِنكَ طيبةً / كَذا المِسكُ يعدي ريحه من يُجاوِرُهُ
فَعِش عمر هَذا المَدح فيكَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى إِلى يَوم القيامَةِ غابِرُهُ
رصدت العُلى في مُلتَقى طُرق النَدى / فَلا غرو إِن صارَت إِلَيكَ مَصائِرُهُ
لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ
لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ / بذا حكم المَقدور إِذ قُضيَ الأَمرُ
لَقَد لفظتني كُلَّ أَرضٍ وَبَلدَةٍ / وَما لفظتني عَن مَواطنها مِصرُ
لَعمري لَقَد طَوَّفَت في طَلَبِ العُلى / وَحالَفَني بَرٌّ وَحالَفَني بَحرُ
فَشَرَّقَت حَتّى لَم أَجِد لي مَشرِقاً / وَغرَّبت حَتّى قيلَ هَذا هوَ الخضرُ
أَروم جُسَيمات الأُمورِ وَإِنَّما / قُصارايَ أَن أَبقى إِذا أَبقى الدَهرُ
وَلَو كُنتُ أَرضى بِالكَثيرِ وَجَدتُهُ / وَلَكِنَّ في نَفسي أَمورٌ لَها أَمرُ
ظَلَلتُ بِمصر في السُجونِ مُخَلَّداً / وَإِنّي لَسيفٌ جفنه فَوقه سِترُ
فَقدت أَخلّائي الَّذينَ عَهِدتُهُم / وَجانبني مَن كانَ لي عِندَهُ وَفرُ
وَأَعظَمُ ما بي يا مُحَمَّدُ أَنَّنا / بِأَرضٍ وَفيما بَينَنا البُعدُ وَالهَجرُ
وَما ليَ مِن ذَنبٍ إِلَيكَ أَجترَمتُهُ / فَقُل لي مَع الأُخوانِ غَيَّرَكَ الدَهرُ
تأَمَّل أَبا عَبدِ الإِلَهِ مَقالَتي / فَإِنَّ الصَديقَ الحُرَّ يَعتِبه الحُرُّ
أَتَذكُرُ إِذ كُنّا لَدى الدَهر رتعاً / وَمصر وَأَرض الشامِ إِذ عَيشُنا نضرُ
فَمالك تَجفوني مَع الدَهرِ إِذ عَتى / أَكُلُّ زَمانٍ هَكَذا عَيشُهُ مُرُّ
فَلا سائِلٌ عَنّي فأعذر صاحِباً / وَلا لَكَ في تَركِ السُؤالِ بِنا عُذرُ
فَإِن أَحرم الأُخوانِ وَالزَورِ مِنهُمُ / فَإِنّي امرؤٌ مِن شيمَتي في الأَسى الصَبرُ
عَتِبتُكَ عتب الذاكِرِ الودّ إِذ غَدا / أَسيراً وَمَحبوساً وَقَد نالَهُ ضُرُّ
فَلَو كُنتُ في أَسرِ الزَمانِ أَقالَني / وَلَكِنَّني في أَسرِ قَومٍ بِهِم كِبرُ
إِذا جَنَّني لَيلى وَهاجَت بَلابِلي / وَعاوَدني هَمّي تَجَدَّد لي فِكرُ
عَليلٌ وَما دائي سِوى الضَيم مِنهُمُ / فَهَل مِن خَلاصٍ إِذ مَدى الغايَة القَبرُ
فَلَو أَبصَرتَ عَيناكَ ما بيَ مِنَ الأَسى / بَكيت بِما يَنضى بِهِ الإِبل السَفَرُ
عَلى أَنَّني لا أَستَكين لِنَكبَةٍ / وَلا واضِعٌ جَنبي وَإِن مَسَّني فَقرُ
جَنيتُ عَلى نَفسي بِسَعيي إِلَيهِمُ / وَحَظّيَ من أَوفى مَواثيقهم غَدرُ
وَما ليَ مِن ذَنبٍ سِوى الشِعرِ إِنَّني / لَأَعلَمُ أَنَّ الذَنبَ في نَكبَتي الشِعرُ
لَعَلَّ اللَياليَ مُنصفات أَخا أَسىً / بِأَحشائِهِ مِن فَرطِ حَسرَتِهِ جَمرُ
أَسيرُ لَدى قَومٍ بِغَيرِ جَنايَةٍ / إِلّا في سَبيل اللَهِ ما صنعَ الدَهرُ
لَقَد ضاقَت الدُنيا عَليَّ كَأَنَّها / لِما قَدَّرَ الرَحمَنُ في مُقلَتي فِترُ
وَفي النَفسِ حاجاتٌ وَدونَ مَرامِها / قُيودٌ وَحُرّاسٌ لَهُم حولنا زجرُ
فَكُن سائِلاً عَنّي فَإِنّي هالِكٌ / وَما لَهمُ عِندي عَلى حالَةٍ وِترُ
حَذرتُ زَماناً ثُمَّ أَوقَعَني القَضا / وَهَل حذر يُنجي إِذا نَفذ العُمرُ
وَأَنتَ أَخي في كُلِّ حالٍ وَإِنَّما / عَتَبتُك هَذا العَتبُ إِذ نفث الصَدرُ
أَكُلُّ غَريبٍ هَكَذا هوَ هالِكٌ / بِمِصرَ وَلَم يَشفَع لَهُ شافِعٌ حُرُّ
فَلَو أَنَّني في بَلدَةٍ غَيرَ هَذِهِ / إِذاً لَفَداني المالُ والأُسُل السُمرُ
وَما نالَني ضَيمٌ وَلا لانَ جانِبي / وَلا نالَني ضَرٌّ وَلا مَسَّني عُسرُ
أَبيتُ لَها يَقظانَ بَينَ وَساوِسٍ / أُراعي نُجوم اللَيلِ ما طلعَ الفَجرُ
إِذا كانَ نَفسي مِن أَجَلِّ ذَخيرَتي / وَأَتلَفتُها لَم يَبقَ لي بَعدَها ذُخرُ
فَإِن عِشتُ أَبدَيتُ الَّذي في ضَمائِري / وَإِن مِتُّ إِنَّ المُلتَقى لَهوَ الحَشرُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025