المجموع : 30
مَنازِلُهُمْ تَبْكِى إليكَ عَفاءَها
مَنازِلُهُمْ تَبْكِى إليكَ عَفاءَها / سَقَتْهَا الثُّرَيّا بالغَريِّ نِحاءَهَا
أَلَثَّتْ علَيْهَا المُعْصِراتُ بقَطْرِهَا / وجَرَّتْ بها هُوجُ الرِّيَاحِ مُلاءَهَا
حَبَسْتُ بها عَدْواً زِمَامَ مَطِيَّتِى / فَحَلَّتْ بها عَيْنِي عليَّ وِكاءَهَا
رَأَتْ شُدُنَ الآرامِ في زَمَنِ الهَوى / ولم تَرَ لَيْلى فهي تَسْفَحُ ماءَهَا
خَلِيلَىَّ عُوجا بارَكَ اللَّهُ فيكما / بدارتِها الأُولى نُحَيِّ فِناءَهَا
ولا تَمْنَعانِي أَنْ أَجُودَ بأَدْمُعٍ / حَوَاها الجَوى لمّا نَظَرْتُ جِواءَهَا
فأُقْسِمُ ما شِمْتُ الغَدَاةَ وَقُودَها / وَقد شِمْتُ ما رابَ الحِمى وأَساءَهَا
مَيادِينُ أَفْرَاسِ الصِّبا ومَراتِعٌ / رَتَعْتُ بها حتَّى أَلِفْتُ ظِباءَهَا
فلم أَرَ أَسْرَاباً كأَسْرَابِهَا الدُّمَى / ولا ذِئْبَ مِثْلي قد رَعَى ثَمَّ شاءَهَا
وَلا كضَلالٍ كانَ أَهْدَى لِصَبْوتِي / لَيَالِيَ يَهْدِيني الغَرامُ خِباءَهَا
وما هاجَ هَذا الشَّوْقَ إلَّا حَمائِمٌ / بَكَيْتُ لها لمّا سَمِعْتُ بُكَاءَهَا
تَغَنَّ فلا يَبْعُدْ بذِي الأَيْكِ عاشِقٌ / بَكى بَيْنَ لَيْلى فَاسْتَحَثَّ غِنَاءَهَا
عَجِبْتُ لنَفْسِي كَيْفَ مُلِّكَها الهَوَى / وكَيْفَ اسْتَفَزَّ الغانِيَاتُ إِبَاءَهَا
أَنا البَحْرُ لا يَسْتَوْهِنُ الخَطْبُ طاقَتى / وتَأْبَى الحِسانُ أَنْ أُطِيقَ لِقَاءَهَا
تَيَمَّمَ قَصْدِي النَّائِباتُ فرَدَّها / فتًى لم يُشَجِّعُ حِينَ حَانَ رِيَاءَهَا
إِذَا طَرَقَتْهُ الحادِثَاتُ أَعارَهَا / شَبا فِكَرَاتٍ قد أَطالَ مَضَاءَهَا
أَما وأَبى الأَعْدَاءُ ما دَفَعَتْهُمُ / يَدٌ سَبَقَتْهُمْ يَتَّقُونَ عَدَاءَهَا
جَزَاهُم بما حازُوا مِن الجَهْلِ حِلْمُهُ / كَرِيمٌ إِذَا راءَ المَكَارمَ جاءَهَا
ولَوْ أَنَّنِى أَنْحَتْ عليّ أَكَارِمٌ / تَرَضَّيْتُ بالعِرْضِ الكَرِيمِ جَزَاءَهَا
وَلَكِنَّ جِرْذَانَ الثُّغُورِ رَمَيْنَنِي / فأَكْرَمْتُ نَفْسِى أَن تُرِيقَ دِماءَهَا
إِلَيْكَ أَبا مَرْوَانَ أَلْقَيتُ رابِياً / بِحاجَة نَفْسٍ ما حَرَبْتُ خَزَاءَهَا
هَزَزْتُكَ في نَصْرِي ضُحًى فكأَنَّنِي / هَزَزْتُ وقَدْ جِئْتُ الجبَالَ حِرَاءَهَا
نَقَضْتُ عُرَى عَزْمِ الزَّمَانِ وإِن عَتا / بعَزْمَةِ نَفْس لا أُريدُ بَقَاءَهَا
وكَم لكَ مِن يَوْمٍ وَقَفْتَ بظِلِّهِ / وقد نَازَلَتْنَا الحادثَاتُ إِزاءَهَا
ومِن مَوْقِفٍ ضَنْكٍ زَحَمْتَ به العِدى / وقَد نَفَضَتْ فيهِ العُقَابُ رِداءَهَا
وَكَم أُمّة أَنْجَدْتَها وكأَنَّهَا / يَرابِيعُ سَدَّتْ خِيفةً قُصَعاءَهَا
ومِن خُطْبَة في كَبّة الصَّكِّ فَيْصَلٍ / حَسَمْتَ بها أَهْواءَهَا ومِراءَهَا
ظَنَنَّا الَّذِي نادى مُحِقَّا بمَوْتِهِ
ظَنَنَّا الَّذِي نادى مُحِقَّا بمَوْتِهِ / لِعُظْمِ الَّذِي أَنْحَى منَ الرزءِ كاذِبَا
وخلْنا الصَّباحَ الطلقَ لَيْلاً وإِنَّما / حَبَطْنا خُداريَّا مِن الحُزْنِ كارِبَا
ثَكِلْنا الدُّنا لما اسْتَقَلَّ وإِنَّما / فقَدْناكَ يا خَيْرَ البَريّةِ ناعِبَا
وما ذَهَبَتْ إِذ حَصَّلَ القَبْرُ نَفْسَهُ / ولكِنَّما الإِسْلامُ أَدْبَرَ ذاهِبَا
ولمّا أَبَى إِلَّا التَّحَمُّلَ رائِحاً / مَنَحْناهُ أَعْناقَ الكِرامِ رَكائِبَا
يَسِيرُ به النَّعْشُ الأَغَرُّ وحَوْلهُ / أَباعِدُ راحُوا للمُصابِ أَقارِبَا
علَيْهِ حَفِيف لِلْمَلائِكِ أَقْبَلَتْ / تُصافِحُ شَيْخاً ذاكِر اللَّه تائِبَا
تخالُ لَفِيفَ النَّاسِ حَوْلَ ضَريحِهِ / خَلِيطَ قَطاً وافى الشَّرِيعَةَ هَارِبَا
إِذا ما امْتَرَوْا سُحْبَ الدُّمُوعِ تَفَرَّعَتْ / فُرُوعُ البُكا عن بارِقِ الحُزْن لاهِبَا
فمَن ذَا لِفَصْلِ القَوْلِ يَسْطَعُ نُورُهُ / إِذا نحنُ نَاوَأْنَا الألَدّ المناوبَا
ومَن ذا رَبيعُ المُسْلِمينَ يَقُوتُهُم / إِذا النَّاسُ شامُوها بُرُوقا كَواذِبَا
فيا لَهْفَ قَلْبي آهِ ذابَتْ حُشاشتي / مَضى شَيْخُنا الدَّفَّاعُ عنَّا النَّوائِبَا
وماتَ الَّذِي غابَ السُّرُورُ لمَوْتِهِ / فلَيْسَ وإِنْ طالَ السُّرَى منه آيِبَا
وكانَ عَظِيماً يُطْرِقُ الجَمْعُ عِنْدَهُ / ويَعْنُو له رَبُّ الكَتِيبةِ هائِبَا
وذا مِقْوَلٍ عَضْبِ الغرارَيْنِ صارِم / يَرُوحُ به عن حَوْمَةِ الدِّينِ ضارِبَا
أَبا حاتِم صَبْرَ الأَدِيبِ فإِنَّني / رَأَيْتُ جَمِيلَ الصَّبْرِ أَحْلَى عَواقِبَا
وَما زِلْتَ فِيْنَا ترْهب الدَّهْرَ سطْوةً / وصَعْباً به نُعْي الخُطُوبَ المَصاعِبَا
سَأَسْتَعْتِبُ الأَيَّامَ فيكَ لَعَلَّها / لصِحَّةِ ذاك الجِسْمِ تَطْلُبُ طالِبَا
لَئِنْ أَفَلَتْ شَمْسُ المكارِمِ عنكُمُ / لقد أَسأَرَتْ بَدْراً لها وكَواكِبَا
ولم أَنْسَ بالنَّاوُوس أَيَّامَنا الأُلَى
ولم أَنْسَ بالنَّاوُوس أَيَّامَنا الأُلَى / بها أَيْنُنا مَحْبُوبُها وحَبَابُهَا
وفِتْيةَ ضَرْبٍ مِن زِناتَةَ مُمْطِرٍ / بوَيْلِ المَنايا طَعْنُها وضِرابُها
وَقَفْنا على جَمْرٍ مِن المَوْتِ وَقْفةً / صليّ لَظاهُ دَأْبُ قَوْمِي ودابُهَا
إِذا الشَّمْسُ رامَتْ فيه أَكْلَ لُحُومِنا / جَرى جَشَعاً فَوْقَ الجِيادِ لُعابُهَا
وقالُوا أَصابَ المَوْتُ نَفْساً كَرِيمة
وقالُوا أَصابَ المَوْتُ نَفْساً كَرِيمة / فقُلْتُ لصَحْبي هذه نَفْسُ صالِحِ
قَرِيبٌ بِمُحْتَلِّ الهَوانِ بعِيدُ
قَرِيبٌ بِمُحْتَلِّ الهَوانِ بعِيدُ / يجُودُ ويَشْكُو حُزْنَهُ فيُجِيدُ
نَعَى ضرَّه عِنْد الإِمامِ فيا له / عدُوٌّ لأَبْنَاءِ الكِرَامِ حسُودُ
وما ضَرَّهُ إِلا مُزَاحٌ ورِقَّةٌ / ثَنَتْهُ سفِيه الذِّكْرِ وهْو رشِيدُ
جَنَى ما جَنَى في قُبَّة الماءِ غَيْرُهُ / وطُوِّقَ منه بالعَظيمةِ جيدُ
وما فِيَّ إِلَّا الشِّعْر أَثْبَتَهُ الهَوى / فسارَ به في العالَمِين فَرِيدُ
أَفُوهُ بما لم آتِهِ مُتَعَرِّضاً / لحُسْنِ المعانِي تَارةً فأَزِيدُ
فإِنْ طال ذِكْرِي بالمُجُونِ فإِنَّنِي / شَقِىٌّ بِمَنظومِ الكَلامِ سعيدُ
وهَلْ كُنْتُ في العُشَّاقِ أَوَّل عاشِقٍ / هَوتْ بحِجاهُ أَعْيُنٌ وخُدُودُ
وإِنْ طَال ذِكْرِي بالمُجُونِ فإِنَّهَا / عَظائِمُ لم يصْبِرْ لهُنَّ جلِيدُ
فراقٌ وسِجْنٌ واشْتِياقٌ وذلَّة / وجبَّارُ حُفَّاظٍ عليّ عَتيدُ
فَمن مُبْلغُ الفِتْيان أَنِّيَ بعْدهُم / مُقِيمٌ بدارِ الظالِمِين طَرِيدُ
مُقِيمٌ بِدارٍ ساكنُوها مِن الأَذى / قِيامٌ على جمْرِ الحِمام قُعُودُ
ويُسْمعُ للجنَّانِ في جنَباتِهَا / بسِيطٌ كَتَرْجِيعِ الصَّدَى ونَشِيدُ
وما اهْتَزَّ بابُ السِّجْنِ إِلا تَفَطَّرتْ / قُلُوبٌ لنا خَوْف الرَّدى وكُبُودُ
ولَسْتُ بِذِي قَيْدٍ يرِقُّ وإِنَّما / على اللَّحْظِ مِن سُخْطِ الإِمامِ قُيُودُ
وقُلْتُ لصدَّاحِ الحمامِ وقد بكَى / على القَصْرِ إِلْفاً والدُّمُوع تجُودُ
ألا أَيُّها الباكِي على من تُحِبُّهُ / كِلانَا مُعنى بالخَلاءِ فَرِيدُ
وهل أَنْت دانٍ من مُحِبٍّ نأَى به / عن الإِلْفِ سُلْطَانٌ علَيْهِ شَدِيدُ
فَصفَّق مِن ريِش الجنَاحيْنِ واقِعاً / على القُرْبِ حتَّى ما علَيْهِ مزِيدُ
ومازال يُبْكِينِي وأُبكِيهِ جاهِداً / وللشَّوْقِ مِن دُونِ الضُّلُوعِ وقُودُ
إِلى أَن بكى الجُدْرانُ مِن طُولِ شَجْوِنا / وأَجْهَشَ بابٌ جانِباهُ حدِيدُ
أَطاعتْ أَمِير المُؤْمِنِين كَتائِبٌ / تَصرَّف في الأَحْوالِ كَيْف يُرِيدُ
فللشَّمْسِ عنها بالنَّهَارِ تَأَخُّرٌ / وللبدْرِ عنها بالظَّلامِ صُدُودُ
أَلا إِنَّها الأَيَّامُ تَلْعبُ بالفَتَى / نُحُوسٌ تهادى تارةً وسُعُودُ
وما كُنْتُ ذا أَيْدٍ فيُذْعِنَ ذُو قُوى / مِن الدَّهْرِ مُبْدٍ صرْفَهُ ومُعِيدُ
وراضَتْ صِعابِي سطْوةٌ علَوِيَّةٌ / لها بارِقٌ نَحْوَ النَّدى ورُعودُ
تَقُولُ التَّي مِن بَيْتِها خَفَّ مَرْكَبِي / أَقُربُكَ دان أَمْ نَوَاكَ بَعِيدُ
فقُلْتُ لها أَمْرِي إِلى من سَمَتْ به / إِلى المجْدِ آباءٌ له وجُدُودُ
شَجتْهُ مغَانٍ مِن سُلَيْمى وأَدْؤرُ
شَجتْهُ مغَانٍ مِن سُلَيْمى وأَدْؤرُ /
وأُخْرى اعْتَلَقْنَا دُونَهُنَّ ودُونَها / قُصُورٌ وحُجّاب ووالٍ ومعْشَرُ
يُزَيِّنُها ماءُ النَّعيمِ وحفَّها / مِن العيْشِ فَيْنَانُ الأَراكَةِ أَخْضَرُ
إِذا رامهَا ذُو حاجة صدَّ وجْهَهُ / ظُبا الباتِراتِ والوشِيجُ المُكَسَّرُ
ومِن قُبّةٍ لا يُدْرِكُ الطَّرْفُ رأَسها / تَزِلُّ بها رِيحُ الصَّبا فَتَحدَّرُ
إِذا زاحمتْ منها المخَارِم صوَّبتْ / هُويّا على بُعْدِ المدى وهْي تَجْأَرُ
تَكَلَّفْتُهَا واللَّيْلُ قد جاشَ بحْرُهُ / وقد جعلَتْ أَمْواجُهُ تَتَكَسَّرُ
ومِن تَحْتِ حِضْني أَبْيضٌ ذُو سَفَاسِقٍ / وفي الكَفِّ مِن عسّالةِ الخَطِّ أَسْمرُ
هُما صاحِباي مِن لَدُن كُنْتُ يافِعاً / مُقِيلانِ مِن جدِّ الفَتَى حين يَعْثُرُ
فذا جَدْوَلٌ في الغِمْدِ تُسْقَى به المُنَى / وذا غُصُنٌ في الكَفِّ يُجْنَى فيُثْمِرُ
إِلى بَيْتِ لَيْلى وهو فَرْد بذي الغَضا / يضِيءُ لعَيْنِ المُسْتَهَامِ ويزْهرُ
فبتْنَا على ضمٍّ لفَرْطِ اشْتِياقِنَا / تكادُ له أَكْبَادُنَا تَتَفَطَّرُ
ودَوِّيّةٌ مِن فِتْنَةٍ مُدْلَهِمّةٍ / دَرِيسِ الصَّوَى مَعْرُوفُهَا مُتَنَكِّرُ
إِذا جابَها الخِرِّيت في طُرُقَاتِهَا / يَظَلُّ بها أَعْمَى وإِنْ كانَ يُبْصِرُ
تَرى ثابِتاتِ الحُكْمِ عِنْدَ اعْتِسافِها / تَزلُّ على أَدْفافِها فَتَهَوَّرُ
وإِنْ سَلَكَتْ أَضْوَاجَهَا عَييَتْ بها / عَوارِبَ من ذِي مُطْرياتٍ تَزَجَّرُ
وسِرْنَا نَجُوزُ النَّهْجَ حتَّى بَدا لنا / بغُرّةِ يَحْيى ساطِعُ اللَّوْنِ أَزْهَرُ
وإِني علَى ما هاجَ صَدْرِي وغاظنِي
وإِني علَى ما هاجَ صَدْرِي وغاظنِي / ليأْمَنُنِي مَن كانَ عِنْدِي له سِر
ولم أَرَ مِثْلِي ما له مِن مُعاصِرِ
ولم أَرَ مِثْلِي ما له مِن مُعاصِرِ / ولا كمَضائِي ما له مِن مُضافِرِ
ولَوْ كانَ لِي في الجَوِّ كِسْرٌ أَؤمُّهُ / رَكِبْتُ إِلَيْه ظَهْرَ فَتْخاءَ كاسِرِ
وهَمَّتْ بإِجْهاشٍ عليّ وقد رَأَتْ / مُصابيَ في آثار إِحْدى الكَبائِرِ
فقُلْتُ لها إِنْ تَجْزعِي مِن مَخَاطِرٍ / فإِنَّكِ لن تَحْظَيْ بغَيْرِ الْمَخَاطِرِ
تَشَهَّتْ ثِمارَ الوَفْرِ مِني وإِنَّها / لَدَى كُلِّ مُبْيَضِّ العَنانِيز وافِرِ
له في بَياضِ اليَوْمِ يَقْظةُ فَاجِرٍ / وتَحْتَ سَوادِ اللَّيْلِ هَجْعةُ كافِرِ
رُويْدَكِ حتَّى تَنْظُرِي عَمَّ تَنْجَلي / غَيابةُ هَذا العارِضِ المُتَناثِرِ
ودُونَ اعْتِزامِي هَضْبةٌ كِسْرَويّةٌ / مِن الحَزْمِ سَلْمانِيّةٌ في المَكاسِرِ
إِذا نَحْنُ أَسنَدْنا إِلَيْها تَبَلَّجَتْ / مَوارِدُنا عن نَيِّراتِ المَصادِرِ
وأَنْتَ ابْنَ حَزْمٍ مُنْعِشٌ مِن عِثَارِها / إِذا ما شَرقْنا بالجُدُودِ العَواثِرِ
وما جَرَّ أَذْيالَ الغِنى نَحْوَ بَيْتِهِ / كأَرْوَعَ مُعْرَوْرٍ ظُهُورَ الجَرائِرِ
إِذا ما تَبَغَّى نَضْرةَ العَيْشِ كَرَّها / لَدَى مَشْرَعٍ للمَوْتِ لمحة ناظِرِ
فَسَلَّ مِن التَّأوِيلِ فيها مُهَنَّداً / أَخُو شافِعِيّات كَرِيمُ العَناصِرِ
لِمُعْتَزِليِّ الرّأَىِ ناءٍ عن الهُدَى / بَعِيدِ المرامِي مُسْتَمِيتِ البَصَائِرِ
يُطالِبُ بالهنْدِيِّ في كُلِّ فَتْكَةٍ / ظُهُورَ المَذاكِي عن ظُهورِ المَنابِرِ
تَأَمَّلتُ ما أَفنيت مِن طُول مُدَتي
تَأَمَّلتُ ما أَفنيت مِن طُول مُدَتي / فلم أَرَهُ إِلا كلمحةِ ناظِرِ
وحَصَّلْتُ ما أَدركْتُ مِن طُول لِذَّتي / فلم أُلْفِهِ إِلَّا كصَفْقةِ خاسِرِ
وَما أَنا إِلا رَهْنُ ما قَدَّمَتْ يَدي / إِذا غادَرُوني بَيْنَ أَهْلِ المَقابِرِ
سَقَى اللَّهُ فتْياناً كأَنّ وُجُوهَهُمْ / وُجُوهُ مَصَابِيحِ النُّجُومِ الزَّواهِرِ
إِذا ذَكَرُوني والثَّرَى فَوْقَ أَعْظُمِي / بكَوا بعُيُونٍ كالسَّحابِ المواطِرِ
يَقُولُونَ قد أَوْدَى أَبُو عامِرِ العُلا / أَقِلُّوا فقِدْماً ماتَ آباءُ عامِرِ
هو المَوْتُ لم يُعْرَفْ بأَجْراِس خاطِبٍ / بَلِيغٍ ولم يُعطَفْ بأَنْفاسِ شاعِرِ
ولم يَجْتَنِبْ للبَطْشِ مُهْجةَ قادِرٍ / قوىٍّ ولا للضَّعْفِ مُهْجةَ صافِرِ
يَحُلُّ عُرَى الجَبَّار في دارِ مُلْكِهِ / ويهفُو بنَفْسِ الشارِبِ المتساكِرِ
ولَيْسَ عَجِيباً أَن تدانَتْ منيّتي / يُصَدقُ فيها أَولي أَمْر آخِري
وَلَكِنْ عَجِيباً أَن بَيْنَ جَوانِحِي / هَوى كَشَرَارِ الجمْرةِ المتطايِرِ
يحرِّكُني والمَوْتُ يَحْفُرُ مُهجتي / ويهتاجُني والنَّفْسُ عِنْدَ حناجري
وبُلِّغْتُ أَقْواماً تَجِيشُ صُدُورُهُمْ
وبُلِّغْتُ أَقْواماً تَجِيشُ صُدُورُهُمْ / عليَّ وإِني منهُمُ فارغُ الصَّدرِ
أَصاخُوا إِلى قَوْلِي فأسْمَعْتُ مُعْجِزاً / وَغاصوا على سِرِّي فأَعْياهُمُ أَمْرِي
فقالَ فَرِيقٌ لَيْسَ ذا الشِّعْرُ شِعْرَهُ / وَقالَ فَرِيقٌ أَيْمُنُ اللَّهِ ما نَدْرِي
أَما عَلِمُوا أَنِّي إِلى العِلْم طامِحٌ / وأَنِّي الِّذِي سَبْقاً على عرْقِهِ يَجْرِي
وما كُلّ مَن قادَ الجِيادَ يَسُوسُها / ولا كُلُّ مَن أَجْرَى يُقالُ له مُجرِ
فمَن شاءَ فَلْيُخْبِرْ فإِنِّي حاضِرٌ / ولا شَيءَ أَجْلَى للشُّكُوكِ من الخُبْرِ
إِذا اجْتازَ عُلْوِيُّ الرِّياحِ بأُفْقِهِ
إِذا اجْتازَ عُلْوِيُّ الرِّياحِ بأُفْقِهِ / أَجَدَّ لعِرْفانِ الصّبا يَتَنَفَّسُ
تَذَكَّرَ رَوْضاً مِن شَوِىٍّ وباقِرٍ / تَوَلَّتْه أَحْراسٌ مِن الذُّعْرِ تُحْرَسُ
إِذا اْنتابَها مِن أَذْؤُبِ القَفْرِ طارِقٌ / حَثِيثٌ إِذا ما اسْتَشْعَر اللَّحْظَ يَهْمِسُ
أَزَلُّ كسا جُثْمانَه مُتَسَتِّراً / طَيالِسَ سُوداً للدُّجى وَهْوَ أَطْلَسُ
فَدَلَّ علَيْهِ لَحْظُ خِبٍّ مُخادِعٍ / تَرى نارَهُ مِن ماءِ عَيْنَيْهِ تُقْبَسُ
خَلِيليَّ ما انْفَكَّ الأَسَى مُنذُبينهِم
خَلِيليَّ ما انْفَكَّ الأَسَى مُنذُبينهِم / حَبِيبي حتَّى حَلَّ بالقَلْبِ فاخْتَطَّا
أُرِيدُ دُنُوّاً من خَلِيلي وقد نأَى / وأَهْوَى اقْتراباً مِن مَزارٍ وقد شَطَّا
وإِنِّي لَتَعْرُونِي الهُمُوم لذِكْرِكُم / هُدُوّاً فلا أَسطِيعُ قَبْضاً ولا بَسْطَا
وإِنَّ هُبُوطَ الوادِيَيْنِ إِلى النَّقَا / بحَيْثُ الْتَقَى الجَمْعَانِ واسْتَقْبَل السَّقْطَا
لِمَسْرَحِ سِرْبٍ ما تَقَرَّى نِعَاجُهُ / بَرِيراً ولا تَقْرُو جَآذِرُهُ خَمْطَا
ومُرْتجِزٍ أَلْقَى بِذِي الأَثْلِ كَلْكَلاً / وحَطَّ بجَرْعَاءِ الأَبَارِقِ ما حَطَّا
سَعَى في قِيادِ الرِّيحِ يَسْمَحُ للصَّبا / فأَلْقَتْ على غَيْرِ التِّلاعِ بِهِ مِرْطَا
وما زالَ يُرْوِي التُّرْبَ حَتَّى كَسا الرُّبى / دَرانِكَ والغِيطانَ مِن نَسْجِهِ بُسْطَا
وعَنَّتْ له رِيحٌ تُسَاقِطُ قَطْرَهُ / كما نَثَرَتْ حَسْنَاءُ مِن جيدهَا سِمْطَا
ولَم أَرَ دُرّاً بَدَّدَتْهُ يَدُ الصَّبا / سِواهُ فباتَ النَّوْرُ يَلْقُطُهُ لَقْطَا
وبِتْنَا نُرَاعِي اللَّيْلَ لم يَطْوِ برْدَهُ / ولَم يَجْرِ شَيْبُ الصُّبْحِ في فَرعِهِ وخْطَا
تَراهُ كَمَلْكِ الزَّنْجِ في فَرْطِ كِبْرِهِ / إِذا رامَ مَشْياً في تَبَخْتُرِهِ أَبْطَا
مُطِلاً على الآفَاقِ والبَدْرُ تاجُهُ / وقد عَلَّقَ الجَوْزاءَ في أُذْنِهِ قُرْطَا
وتَدْرِي سِباعُ الطَّيْرِ أَنَّ كُمَاتَهُ
وتَدْرِي سِباعُ الطَّيْرِ أَنَّ كُمَاتَهُ / إِذا لَقِيَتْ صِيدَ الكُماةِ سِباعُ
لَهُنَّ لُعَابٌ في الهَوَاءِ وهِزَّةٌ / إِذا جَدَّ بينَ الدّارِعين قِراعُ
تَطِيرُ جِياعاً فَوْقَهُ وتردها / ظُبَاهُ إِلى الأَوْكَارِ وَهْيَ شِباعُ
تَمَلَّكَ بالإِحْسَانِ رِبْقَةَ رِقِّهِا / فهُنَّ رَقِيقٌ يُشْتَرَى ويُبَاعُ
وأَلْحَمَ مِن أَفْرَاخِهَا فَهيَ طَوْعُهُ / لَدَى كُلِّ حَرْب والمُلُوك تُطَاعُ
تُمَاصِعُ جَرْحاها فيُجْهِزُ نَقْرُهَا / عَلَيْهِمْ وللطَّيْرِ العِتَاقِ مِصَاعُ
فَرِيقُ العِدا مِن حَدِّ عَزْمِكَ يفرق
فَرِيقُ العِدا مِن حَدِّ عَزْمِكَ يفرق / وبالدَّهْرِ مِمّا خافَ بَطْشَكَ أَولَقُ
عَجِبْتُ لمَنْ يعتَدُّ دُونَكَ جُنَّةً / وسَهْمُكَ سَعْدٌ والقضاءُ مفوِّقُ
ومَن يَبْتَنِي بيتاً ليقطَعَ دُونَهُ / مَمَرَّ رِيَاحِ النَّصْرِ وهو الخَوَرْنَقُ
وما شَرِبَ ابْنُ الشُّرْبِ قَبْلَكَ خَمْرَةً / مِن الذُّلِ بالعَجْزِ الصَّرِيحِ تُصَفّقُ
تَوَهَّمَ فيه الرُّعنُ حِصْناً فزُرْتَهُ / بأَرعنَ فيه مُرعِدُ المَوْتِ مبرِقُ
وحَوْلَكَ أَسْيَافٌ مِن السَّعْدِ تُنتَضَى / وفَوْقكَ أَعْلامٌ مِن النّصْرِ تَخْفُقُ
بأَبْيَضَ مُسْوَدِّ الدِّلاصِ كأَنَّهُ / شهابٌ علَيْهِ مِن دُجَى اللَّيْلِ يَلْمَقُ
وأَسْودَ مبيَضِّ القبَاءِ كأَنَّمَا / يَطِيرُ به نَحْوَ الكَرِيهةِ عَقْعَقُ
وخَيْلٍ تمشَّي للوَغَى ببُطُونِهَا / إِذا جَعَلَتْ بالمُرْتَقَى الصَّعْبِ تَزلَقُ
بَكى أَسفاً للبَيْنِ يَوْمَ التَّفَرُّقِ
بَكى أَسفاً للبَيْنِ يَوْمَ التَّفَرُّقِ / وقد هَوَّنَ التَّوْدِيعُ بَعْضَ الَّذِي لَقِي
وَما للَّذِي وَلَّى به البَيْنُ حَسْرَةٌ / بَكَيْتُ وَلَكِنْ حَسْرَةً للَّذِي بَقِي
وَقد شاقَنِي الوُرْقُ السّواجعُ بالضُّحى / ومَن يسْتمع داعِي الصّبابَةِ يشتَقِ
على فَنَنٍ مِن أَيْكةٍ قد تَعَلَّقَتْ / بحبْلِ النَّوَى مِن قَلْبي المُتَعَلِّقِ
فَصَدَّقْتُها في البَيْنِ مِن غَيْرِ عَبْرةٍ / وكَمْ مِن كَثيرِ الدّمْعِ غَيْرِ مُصَدَّقِ
لَعَلَّ نَسيمَ الرِّيحِ تأَتي به الصّبا / بنشرِ الخُزامى والكِباءِ المُعَبَّقِ
كأَنَّ علَيْهَا نَفْحةً عَبْشَمِيَّةً / أَتَتْ مِن جنابِ المُسْتَعِينِ المُوَفَّقِ
فنِلْتَ الَّذِي قد نِلْتَ إِذ لَيْسَ للعُلا / سواكَ كأَنَّ الدَّهْرَ للنَّاسِ منْتَقِ
ولمَّا رأَيْتُ العَيْشَ وَلَّى برأسِهِ
ولمَّا رأَيْتُ العَيْشَ وَلَّى برأسِهِ / وأَيقَنْتُ أَن المَوْتَ لا شَكَّ لاحِقِي
تمنَّيْتُ أَنِّي ساكِنٌ في غَيابة / بأَعْلَى مَهَبِّ الرِّيحِ في رأَسِ شاهِقِ
أُدَرُّ سقيط الحَبِّ في فَضْلِ عِيشةٍ / وحيداً وحِسْيُ الماءِ ثِنيُ المَفالقِ
خَلِيليَّ مَن ذاقَ المَنِيَّةَ مَرَّةً / فَقد ذُقْتُها خَمْسِينَ قَوْلةَ صادق
كأَني وَقد حانَ ارْتِحالِيَ لم أَفُزْ / قَدِيماً مِن الدُّنيا بلَمحةِ بارقِ
فمَن مُبْلِغٌ عَني ابْنَ حَزْمٍ وكانَ لي / يَداً في مُلِمَّاتِي وعِنْدَ مَضَايقِي
عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ إِني مُفارِقٌ / وحَسْبُكَ زاداً مِن حَبيبٍ مُفَارِقِ
فلا تَنْسَ تَأْبِينِي إِذا ما فقدتَني / وتَذْكارَ أَيَّامِي وفَضْلَ خلائِقِي
وحَرِّكْ به باللَّهِ مِن أَهْلِ فَنِّنا / إِذا غَيَّبُوني كُلَّ شَهْم غُرانِق
عَسَى هامَتي في القَبْرِ تَسْمَعُ بَعْضُه / بتَرْجِيعِ سارٍ أَوْ بتَطرْيبِ طارِقِ
فلي في ادِّكارِي بَعْدَ مَوْتي راحةٌ / فلا تمنَعُونيها عُلالَة زاهِقِ
وإِني لأَرجُو اللَّهَ فيما تَقَدَّمَتْ / ذُنُوبي به ممّا دَرى مِن حَقائِقي
فلمَّا بَدا فيهِمْ سُلَيْمانُ عِنْدَها
فلمَّا بَدا فيهِمْ سُلَيْمانُ عِنْدَها / وصاحَ ابْنُ ذَكْوانٍ فثارَ رِجالُ
هَدَى من ضَلالِ الحائِرِينَ مُحَمّدٌ / وأَذَّنَ بالبَيْتِ العَتِيقِ بِلالُ
وقامَ أَبُو عِمْرَانَ يَرْأَبُ صَدْعَها / بسَعْيٍ تَجَلَّى عن هُداهُ ضَلالُ
وَزِيرٌ متى يَسْتَوْزِرِ المَلْك رأيَهُ / أُمِرتْ له في النَّائِباتِ حِبالُ
ولَيْسَ كمَنْحُوسٍ مِن القَوْمِ مُنْحِسٍ / تَعاظَمَ حتى قِيلَ لَيْسَ يُنالُ
أَعانَتْهُ أَمْوالٌ تَخوَّنَ عَيْنَها / وأَعْلَتْهُ غُثْرٌ سُوقةٌ وسِفالُ
له كَعْبُ نَحْسٍ لم يُصاحِبْ به امْرءاً / على الدَّهْرِ إِلا رُدَّ وَهْوَ خَيالُ
فَفي كُلِّ عَصْر مِن عُصُور حَياتِهِ / تُثَلُّ عُرُوشٌ أَوْ تُدَكُّ جِبالُ
هُوَ الدَّاءُ فاسْتأَصِلْه تَلْبَسْ جَمالَها / وَداءُ كُعُوبِ المُنْحِسِينَ عُضالُ
أَمِن رَسْمِ دارٍ بالعَقِيقِ مُحيلِ
أَمِن رَسْمِ دارٍ بالعَقِيقِ مُحيلِ /
وَلمّا هَبَطْنَا الغَيْثَ تُذْعَرُ وحْشُهُ / على كُلِّ خَوَّارِ العِنانِ أَسِيلِ
وَثارَتْ بَناتُ الأَعْوَجِيّاتِ بالضُّحَى / أَبابِيلَ مِن أَعْطَافِ غَيْرِ وَبِيلِ
مُسَوَّمةً نَعْتَدُّها مِن خِيارِها / لطَرْدِ قَنِيصٍ أَوْ لطَرْدِ رعِيلِ
إِذا ما تَغَنَّى الصَّحْبُ فَوْقَ مُتُونها / ضُحيّا أَجابَتْ نَحْتَهُمْ بصَهِيلِ
نَدُوسُ بها أَبْكارَ نَوْرٍ كأَنَّهُ / رِداءُ عَرُوسٍ أُوذِنَتْ بحَلِيلِ
رَمَيْنا بها عرْضَ الصُّوارِ فأَقْعَصَتْ / أَغَنَّ قَتَلْنَاهُ بغَيْرِ قَتِيلِ
وبادَرَ أَصْحابي النُّزُولَ فأَقَبَلَتْ / كَرادِيسُ من عَضِّ الشَّواءِ نَشِيلِ
نُمَسِّحُ بالجودان مِنه أَكُفَّنا / إِذا ما اقْتَنَصْنا منه غَيْرَ قَلِيلِ
فقُلْنا لساقِيها أَدِرْها سُلافةً / شَمُولاً ومِن عَيْنَيْكَ صِرْفَ شَمُولِ
فقامَ بكأسَيْهِ مُطيعاً لأَمْرِنا / يَمِيلُ به الإِدْلالُ كُلَّ ممِيلِ
وشَعْشَعَ راحَيْه فَمازالَ مائِلاً / برأَسٍ كَرِيمٍ منهُمُ وتَلِيلِ
إِلَى أَن ثَناهُمْ راكِدِينَ لِما احْتَسوا / خَلِيعِينَ مِن بَطْشٍ وفَضْلِ عُقُولِ
نَشاوَى على الزَّهْراءِ صَرْعَى كأَنَّهُمْ / أَساطِينُ قَصْرٍ أَوْ جُذُوعُ نَخِيلِ
أَبَرْقٌ بَدا أَمْ لَمْعُ أَبْيَضَ قاصِلِ
أَبَرْقٌ بَدا أَمْ لَمْعُ أَبْيَضَ قاصِلِ / ورَجْعُ صَدى أَمْ رَجْعُ أَشْقَرَ صَاهِلِ
أَلا إِنَّهَا حَرْبٌ جَنَيْتُ بِلَحظَةٍ / إِلى عُرُبٍ يَوْم الكَثِيبِ عَقَائِلِ
هَوى تَغْلِبِيٌّ غالَبَ القَلْبَ فانْطَوَى / على كَمَدٍ مِن لَوْعةِ القَلْبِ داخِلِ
رِدي تَعْلَمِي بالخَيْلِ مَا قَرَّبَ النَّوى / جِيَادَكِ بالثَّرْثَارِ يا ابْنَةَ وائِلِ
جَزَيْنَا بِيَوْمِ المَرْجِ آخَرَ مِثْلَهُ / وغُصْناً سَقَيْنا نَابَ أَسْمَرَ عاسِلِ
تَرَدَّدَ فيها البَرْقُ حتَّى حَسِبْتُهُ / يُشِيرُ إِلى نَجْمِ الرُّبَى بالأَنامِلِ
رُبىً نَسَجَتْ أَيْدي الغَمامِ لِلِبسِها / غَلائِلَ صُفْراً فَوْقَ بِيضِ غلائِلِ
سَهِرْتُ بها أَرْعَى النُّجُومَ وأَنجما / طَوالعَ للرّاعِينَ غَيْرَ أَوافِلِ
وقد فَغَرَتْ فاها بها كُلُّ زَهْرة / إِلى كُلِّ ضَرْعٍ للغَمَامةِ حافِلِ
وَمَرَّتْ جُيوشُ المزْنِ رَهْواً كأَنَّها / عَسَاكِرُ زَنْجٍ مُذْهَبَاتُ المناصِلِ
وحَلَّقَتِ الخَضْراءُ في غُرِّ شُهْبِها / كَلُجَّةِ بَحْرٍ كُلِّلَتْ باليَعالِلِ
تخالُ بها زُهْرَ الكَوَاكِبِ نَرْجِساً / على شَطِّ وادٍ للمَجَرّةِ سائِلِ
وتلْمَحُ مِن جَوزائِها في غُرُوبِها / تَساقُطَ عَرْشٍ واهِن الدَّعْمِ مائِلِ
وتَحْسَبُ صَقْراً واقِعاً دَبَرانَهَا / بعُشِّ الثُّرَيّا فَوْقَ حُمْرِ الحَوَاصِلِ
وبَدْرَ الدُّجَى فيها غَدِيراً وحَوْلَهُ / نُجُومٌ كطَلْعَاتِ الحَمَامِ النَّواهِلِ
كأَنَّ الدُّجَى هَمّي ودَمْعِي نُجُومُهُ / تَحَدَّرَ إِشْفَاقاً لدَهْرِ الأَراذِلِ
هَوَتْ أَنْجُمُ العَلْيَاءِ إِلا أَقلّهَا / وغِبْنَ بما يَحْظَى به كُلُّ عاقِلِ
وأَصْبَحْتُ في خَلْفٍ إذا ما لَمَحْتَهُم / تَبَيَّنْتَ أَنَّ الجَهْلَ إِحْدَى الفَضَائِلِ
وما طابَ في هَذِي البَرِيَّةِ آخرٌ / إِذا هُو لم يُنْجَدْ بطِيبِ الأَوائِلِ
أَرَى حُمُراً فَوْقَ الصَّواهِلِ جَمّةً / فأَبْكي بعَيْنِي ذُلَّ تِلْكَ الصَّواهِلِ
ورُبَّت كُتَّابٍ إِذا قِيل زَوِّرُوا / بَكَتْ مِنْ تَأَنِّيهِمْ صُدُورُ الرَّسائِلِ
ونَاقِلِ فِقْهٍ لم ير اللَّه قَلْبُهُ / يظُنّ بأَنَّ الدِّين حِفْظُ المسائِلِ
وحامِلِ رُمْحٍ راح فَوْقَ مضَائِهِ / بِه كاعِباً في الحيّ ذات مغَازِلِ
حُبوا بالمُنَى دُونِي وغُودِرْتُ دُونَهُمْ / أَرُودُ الأَمانِي في رِياضِ الأَباطِلِ
وما هِي إِلا هِمَّةٌ أَْشجعِيَّةٌ / ونَفْسٌ أَبتْ لِي مِن طلابِ الرَّذائِلِ
وفَهْمٍ لَوِ البِرْجِيس جِئْتُ بجدِّهِ / إِذاً لَتَلَقَّانِي بنَحْسِ المقَاتِلِ
وكَيْف ارْتِضَائِي دارةَ الجهْلِ منْزِلاً / إِذا كانَت الجوْزاءُ بعْض منَازِلي
وصبْرِي على محْضِ الأَذَى مِن أَسافِلٍ / ومجْدِي حُسامِي والسّيادةُ ذابِلي
ولمّا طَما بحْرُ البيانِ بفِكْرتِي / وأَغْرقَ قَرْنَ الشَّمْسِ بعْضُ جداوِلي
زَفَفْتُ إِلى خَيْرِ الورى كُلَّ حُرّةٍ / مِن المدْحِ لم تَخْمُلْ برعِي الخَمائِلِ
وما رمْتُهَا حتَّى حطَطْتُ رِحالَهَا / على ملك منهم أَغَرَّ حُلاحِلِ
وكِدْتُ لفَضْلِ القَوْلِ أَبْلُغُ ساكِتاً / وإِن ساءَ حُسّادِي مدى كُلِّ قائِلِ
أَنُوحُ على نَفْسِي وأَندبُ نُبْلَهَا
أَنُوحُ على نَفْسِي وأَندبُ نُبْلَهَا / إِذا أَنا في الضَّرَّاءِ أَزمعْتُ قتلَهَا
رضيتُ قضاءَ اللَّهِ في كُلِّ حالة / عليَّ وأَحكاماً تيقَّنْتُ عدلَهَا
أَظلُّ قَعيد الدّارِ تجنُبُني العصا / على ضَعْفِ ساقٍ أَوْهَن السُّقْمُ رِجلَهَا
وأَنْعى خسيساتِ ابْنِ آدم عاملاً / براحَةِ طِفْل أَحكم الضُّرُّ نَصْلَهَا
أَلا رُبَّ خَصمٍ قد كفيت وكُرْبةٍ / كشفْتُ ودارٍ كُنْتُ في المحْلِ وبلُهَا
ورُبَّ قَريضٍ كالجرِيضِ بعثْتهُ / إِلى خُطْبةٍ لا يُنْكِرُ الجمْعُ فَضْلَهَا
فمن مُبْلِغُ الفِتْيانِ أَنَّ أَخاهُمُ / أَخُو فَتكةٍ شَنْعَاءَ ما كانَ شكْلَهَا
علَيْكُمُ سلامٌ مِن فَتًى عضَّهُ الرَّدى / ولم ينْس عينْاً أَثْبتَتْ فيه نَبْلَهَا
يُبِينُ وكَفُّ الموْتِ يَخْلَعُ نَفْسه / وداخلُهَا حُبٌّ يهوِّنُ ثُكْلَها